الحبرتي 7.و8.
اولا ج7. كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم
والأخبار عبد الرحمن بن حسن الجبرتي كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
على عدة كتب كان يقرأها حتى صارت مجلدات وانتفع بها
الطلبة انتفاعا عاما ودرس في حياة شيخه سنينا عديدة واشتهر بالفتوح وكان الشيخ
الصعيدي يأمر الطلبة بحضوره وملازمته وكان فيه اتصاف زائد وتؤدة ومروءة وتوجه الى
الحق ولديه اسرار ومعارف وفوائد وتمائم وعلم بتنزيل الاوفاق والوفق المئيني العددي
والحرفي وطرائق تنزيله بالتطويق والمربعات وغير ذلك ولما توفي الشيخ محمد حسن جلس
موضعه للتدريس باشارة من أهل الباطن ولما توفي الشيخ احمد الدردير ولي مشيخة رواق
الصعايدة وله مؤلفات منها مسائل كل صلاة بطلت على الامام وغير ذلك ولم يزل على
حالته وافادته وملازمه ودروسه والجماعة حتى توفي في هذه السنة ودفن في تربة
المجاورين رحمه الله تعالى عليه
ومات العلامة الفاضل الفقيه الشيخ احمد بن ابراهيم
الشرقاوي الشافعي الازهري قرأ على والده وتفقه وانجب ولم يزل ملازما لدروسه حتى
توفي والده فتصدر للتدريس في محله واجتمعت عليه طلبة ابيه وغيرهم ولازم مكانه
بالازهر طول النهار يملي ويفيد ويفتي على مذهبه ويأتي اليه الفلاحون من جيزة
بلادهم بقضاياهم وخصوماتهم وانكحتهم فيقضي بنيهم ويكتب لهم الفتاوي في الدعاوي التي
يحتاجون فيها الى المرافعة عند القاضي وربما زجر المعاند منهم وضربه وشتمه
ويستمعون لقوله ويمتثلون لاحكامه وربما اتوه بهدايا ودراهم واشتهر ذكره وكان جسيما
عظيم اللحية فصيح اللسان ولم يزل على حالته حتى اتهم في فتنة الفرنسيس المتقدمة
ومات مع من قتل بيد الفرنساوية بالقلعة ولم يعلم له قبر
ومات الشيخ الامام العمدة الفقيه الصالح القانع الشيخ
عبد الوهاب الشبراوي الشافعي الازهري تفقه على أشياخ العصر وحضر دروس الشيخ عبد
الله الشبراوي والحفني والبراوي وعطية الاجهوري وغيرهم وتصدر للاقراء والتدريس والافادة
بالجوهرية وبالمشهد الحسيني ويحضر درسه فيه الجم الغفير من العامة ويستفيدون منه
ويقرأ به كتب الحديث كالبخارى ومسلم وكان حسن الالقاء سلس التقرير جيد الحافظة
جميل
السيرة مقبلا على شأنه ولم يزل ملازما على حالته حتى
اتهم في اثارة الفتنة وقتل بالقلعة شهيدا بيد الفرنسيس في اواخر جمادى الاولى من
السنة ولم يعلم له قبر
ومات الشاب الصالح والنبيه الفالح الفاضل الفقيه الشيخ
يوسف المصيلحي الشافعي الازهري حفظ القرآن والمتون وحضر دروس اشياخ العصر كالشيخ
الصعيدي والبراوي والشيخ عطية الاجوري والشيخ احمد العروسي وحضر الكثير على الشيخ
محمد المصيلحي وأنجب وأملى دروسا بجامع الكردي بسويقة اللالا وكان مهذب النفس لطيف
الذات حلو الناطقة مقبول الطلعة خفيف الروح ولم يزل ملازما على حاله حتى اتهم ايضا
في حادثة الفرنسيس وقتل مع من قتل شهيدا بالقلعة
ومات العمدة الشهير الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة
العميان بزاويتهم المعروفة الان بالشنواني تولى شيخا على العميان المذكورين بعد
وفاة الشيخ الشبراوي وسار فيهم بشهامة وصرامة وجبروت وجمع بجاههم اموالا عظيمة
وعقارات فكان يشتري غلال المستحقين المعطلة بالابعاد بدون الطفيف ويخرج كشوفاتها
وتحاويلها على الملتزمين ويطالبهم بها كيلا وعينا ومن عصى عليه ارسل اليه الجيوش
الكثيرة من العميان فلا يجد بدا من الدفع وان كانت غلاله معطلة صالحة بما أحب من الثمن
وله أعوان يرسلهم الى الملتزمين بالجهة القبلية يأتون اليه بالسفن المشحونة
بالغلال والمعاوضات من السمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك ويبيعها في سني
الغلوات بالسواحل والرقع بأقصى القيمة ويطحن منها على طواحينه دقيقا ويبيع خلاصته
في البطط بحارة اليهود ويعجن نخالته خبزا لفقراء العميان يتقوتون به مع ما يجمعونه
من الشحاذة في طوافهم آناء الليل وأطراف النهار بالاسواق والازقة وتغنيهم بالمدائح
الخرافات وقراءة القرآن في البيوت ومساطب الشوارع وغير ذلك ومن مات منهم ورثة
الشيخ المترجم المذكور وأحرز لنفسه ما جمعه ذلك الميت وفيهم من وجد له الموجود
العظيم ولا يجد له معارضا في ذلك
واتفق ان الشيخ الحفني نقم عليه في شيء فأرسل اليه من
أحضره موثوقا مكشوف الرأس مضروبا بالنعالات على دماغه وقفاه من بيته الى بيت الشيخ
بالموسكي بين ملأ العالم ولما انقضت تلك السنون وأهلها صار المترجم من أعيان
الصدور المشار اليهم في المجالس تخشى سطوته وتسمع كلمته ويقال قال الشيخ كذا وأمر
الشيخ بكذا وصار يلبس الملابس والفراوي ويركب البغال واتباعه محدقة به وتزوج
الكثير من النساء الغنيات الجميلات واشتر السراري البيض والحبش والسود وكان يفرض
الاكابر المقادير الكثيرة من المال ليكون له عليهم الفضل والمنة ولم يزل حتى حمله
التفاخر في زمن الفرنسيس على تولية كبر أثارة الفتنة التي أصابته وغيره وقتل فيمن
قتل بالقلعة ولم يعلم له قبر وكان ابنه معوقا ببيت البكري فلما علم بموته قلق وكاد
يخرج من عقله خوفا على ما يعلم مكانه من مال أبيه حتى خلص في ثاني يوم بشفاعة
المشايخ ولم يكن مقصودا بالذات بل حضر ليعود أباه فحجزه القومه عليهم زيادة في
الاحتياط
ومات الاجل المفوه العمدة الشيخ اسمعيل البراوي بن احمد
البراوي الشافعي الازهري وهو ابن اخي الشيخ عيسى البراوي الشهير الذكر تصدر بعد
وفاة والده في مكانه وكان قليل البضاعة الا انه تغلب عليه النباهة واللسانة
والسلاطة والتداخل وذلك هو الذي أوقعه في حبائل الفرنساوية وقتل مع من قتل شهيدا
ولم يعلم له قبر غفر الله لنا وله
ومات الوجيه الاجل الامثل السيد محمد كريم وخبره انه كان
في اول أمره قبانيا يزن البضائع في حانوت بالثغر وعنده خفة في الحركة وتودد في
المعاشرة فلم يزل يتقرب الى الناس بحسن التودد ويستجلب خواطر حواشي الدولة وغيرهم من
تجار المسلمين والنصارى ومن له وجاهة وشهرة في ابناء جنسه حتى أحبه الناس واشتهر
ذكره في ثغر الاسكندرية ورشيد ومصر واتصل بصالح بك حتى كان وكيلا بدار السعادة وله
الكلمة النافذة في ثغر رشيد وتملكها وضواحيها واسترق أهلها وقلد
أمرها لعثمان خجا فاتحد وبمخدومه السيد محمد المذكور
واتصل بمراد بك بعد صالح أغا فتقرب اليه ووافق منه الغرض ورفع شأنه على اقرانه
وقلده أمر الديوان والجمارك بالثغر ونفذت كلمته واحكامه وتصدر لغالب الامور وزاد
في المكوسات والجمارك ومصادرات التجار خصوصا من الإفرنج ووقع بينه وبين السيد شهبة
الحادثة التي أوجبت له الاختفاء بالصهريج وموته فيه فلما حضر الفرنسيس ونزلوا
الاسكندرية قبضوا على السيد محمد المذكور وطالبوه بالمال وضيقوا عليه وحبسوه في
مركب ولما حضروا الى مصر وطلعوا الى قصر مراد بك وفيها مطالعته بأخبارهم وبالحث
والاجتهاد على حربهم وتهوين أمرهم وتنقيصهم فاشتد غيظهم عليه فأرسلوا وأحضروه الى
مصر وحبسوه فتشفع فيه ارباب الديوان عدة مرار فلم يمكن الى ان كانت ليلة الخميس
فحضر اليه مجلون وقال له المطلوب منك كذا وكذا من المال وذكر له قدرا يعجز عنه
واجله اثنتي عشرة ساعة وان لم يحضر ذلك القدر والا يقتل بعد مضيها فلما اصبح ارسل
الى المشايخ والى السيد احمد المحروقي فحضر اليه بعضهم فترجاهم وتداخل عليهم واستغاث
وصار يقول لهم اشتروني يا مسلمون وليس بيدهم ما يفتدونه به وكل انسان مشغول بنفسه
ومتوقع لشيء يصيبه وذلك في مبادىء امرهم فلما كان قريب الظهر وقد انقضى الاجل
اركبوه حمارا واحتاط به عدة من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبل
يضربون عليه وشقوا به الصليبة الى ان ذهبوا الى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحا
وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبرت وطافوا
بها بجهات الرميلة والمنادى يقول هذا جزاء من يخالف الفرنسيس ثم ان اتباعه اخذوا
رأسه ودفنوها مع جثته وانقضى أمره وذلك يوم الخميس خامس عشرى ربيع الاول
ومات الامير ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي وهو من
مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد الزعامة بعد موت استاذه ثم تقلد الامارة
والصنجقية في أواخر جمادى الاولى سنة 1192 وهو اخو
سليمان بك المعروف بالاغا وعندما كان هو واليا كان أخوه أغات مستحفظان واحكام مصر
والشرطة بينهما وفي سنة سبع وتسعين تعصب مراد بك وابراهيم بك على المترجم واخرجوه منفيا
هو واخوه سليمان بك وأيوب بك الدفتردار ولما أمروه بالخروج ركب في طوائفه ومماليكه
وعدى الى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظه ولاجين بك ولحقوا حملته عند المعادى
فحجزوها وأخذوها وأخذوا هجنه ومتاعه وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه
وردوه الى قصر العيني ثم سفروه الى ناحية السرو ورأس الخليج فأقام بها اياما وكان
أخوه سليمان بك بالمنوفية فلما أرسلوا بنفيه الى المحلة ركب بطوائفه وحضر الى مسجد
الخضيري وحضر اليه أخوه المترجم وركبا معا وذهبا الى جهة البحيرة ثم ذهبا الى
طندتا ثم ذهبا الى شرقية بلبيس ثم توجها من خلف الجبل الى جهة قبلي وكان أيوب بك
المنصورة فلحق بهما ايضا كان بالصعيد عثمان بك الشرقاوي ومصطفى بك فالتفا عليهما وعصى
الجميع وارسل مراد بك وابراهيم بك محمد كتخدا اباظة واحمد اغا شويكار الى عثمان بك
ومصطفى بك يطلبانهما الى الحضور فأبيا وقالا لا نرجع الى مصر الا بصحبة اخواننا
والا فنحن معهم أينما كانوا ورجع المذكوران بذلك الجواب فجهزوا لهم تجريدة وسافر
بها ابراهيم بك الكبير وضمهم وصالحهم وحضر بصحبة الجميع الى مصر فحنق مراد بك ولم
يزل حتى خرج مغضبا الى الجيزة ثم ذهب الى قبلي وجرى بينهما ما تقدم ذكره من ارسال
الرسل ومصالحة مراد بك ورجوعه واخراج المذكورين ثانيا فخرجوا الى ناحية القليوبية
وخرج مراد بك خلفهم ثم رجعوهم الى جهة الاهرام وقبض مراد بك عليهم ونفيهم الى جهة
بحرى وأرسل المترجم الى طندتا ثم ذهبوا الى قبلي خلا مصطفى بك وايوب بك ثم رجعوا
الى مصر بعد خروج مراد بك الى قبلي واستمر امرهم على ما ذكر حتى ورد حسن باشا وخرج
الجميع وجرى ما تقدم ذكره وتولى المترجم امارة
الحاج ولم يسافر به ولما رجعوا الى مصر بعد الطاعون وموت
اسمعيل بك ورجب بك صاهره ابراهيم بك الكثير وزوجه ابنته كما تقدم ولم يزل في
سيادته وامارته حتى حضر الفرنساوية ووصلوا الى بر انبابة ومات هو في ذلك اليوم
غريقا ولم تظهر رمته وذلك يوم السبت سابع صفر من السنة
ومات الامير علي بك الدفتردار المعروف بكتخدا الجاويشية
وأصله مملوك سليمان افندي من خشداشين كتخدا ابراهيم القازدغلي وكان سيده المذكور
رغب عن الامارة ورضي بحاله وقنع بالكفاف ورغب في معاشرة العلماء والصلحاء وفي
الانجماع عن ابناء جنسه والتداخل في شؤونهم وكان يأتي في كل يوم الى الجامع الازهر
ويحضر دروس العلماء ويستفيد من فوائدهم ولازم دروس الشيخ أحمد السليماني من الفقه الحنفي
الى ان مات فتقيد بحضور تلميذه الشيخ احمد الغزي كذلك واقترن في حضوره بالشيخ عبد
الرحمن العريشي وكان اذ ذاك مقتبل الشبيبة مجردا عن العلائق فكان يعيد معه الدروس
فاتحد به لما رأى فيه من النجابة فجذبه الى داره وكساه وواساه واستمر يطالع معه في
الفقه ويعيد معه الدروس ليلا وزوجه واغدق عليه وكان هو مبدأ زواجه ولم يزل ملازما
حتى توفي سليمان افندي المذكور في سنة 1175 فتزوج المترجم بزوجة سيده واستمر هو
وخشداشه الامير أحمد بمنزل استاذهما وتتوق نفس المترجم للترفع والامارة فتردد الى
بيوت الامراء كغيره من الاجناد فقلده علي بك الكبير كشوفية شرق اولاد يحيى في سنة
1182 فتقلدها بشهامة وقتل البغاة واخاف الناحية وجمع منها أموالا واستمر حاكمها
بها الى ان خالف محمد بك أبو الذهب على سيده علي بك وخرج من مصر الى الجهة القبلية
فلما وصل الى الناحية كان المترجم أول من اقبل عليه بنفسه وما معه من المال
والخيام فسر به محمد بك وقربه وادناه ولم يزل ملازما لركابه حتى جرى ما جرىوتملك
محمد بك الديار المصرية فقلده اغاويه المتفرقة اياما قليلة ثم خيره في تقليده
الصنجقية أو
كتخدا الجاويشية فقال له حتى استخير في ذلك وحضر الى
المرحوم الشيخ الوالد وذكر له ذلك فأشار عليه بان يتقلد كتخدا الجاويشية فانه منصب
جليل واسع الايراد وليس على صاحبه تعب ولا مشقة غفر ولا سفر تجاريد ولا كثرة مصايف
فكان كذلك وذلك في سنة ست وثمانين وسكن ببيت سليمان اغا كتخدا الجاويشية بدرب الجماميز
على بركة الفيل ونما امره واتسع حاله واشتهر وانتظم في عداد الامراء ولم يزل على
ذلك الى ان مات محمد بك فاستقل بأمارة مصر ابراهيم بك ومراد بك فكان المترجم
ثالثهما واتحد بابراهيم بك اتحادا عظيما حتى كان ابراهيم بك لا يقدر على مفارقته
ساعة زمانية وصار معه كالاخ الشقيق والصاحب الشفيق وصار في قبول ووجاهة عظيمة
وكلمة نافذة في جميع الامور ولم يزل على ذلك حتى حضر حسن باشا بالصورة المتقدمة
وخرج ابراهيم بك ومراد بك وباقي الامراء فتخلف عنهم المترجم وقد كان راسل حسن باشا
سرا فلما استقر حسن باشا اقبل عليه وسلمه مقاليد الامور وقلده الصنجقية واضاف اليه
الدفتردارية وفوض اليه جميع الامور الكلية والجزئية فانحصرت فيه رياسة مصر وصار
عزيزها واميرها ووزيرها وقائدها جيوشها ولا يتم امر الا عن مشورته ورأيه واجتمعت ببيته
الدواوين وقلد الامريات والمناصب كما يختار وقرب وادنى وابعد واقصى من يختار
واشتهر ذكره في اقليم مصر والشام والروم واشار بتقليد مراد كاشف الصنجقية وامارة
الحاج وسموه محمد بك المبدول كراهة في اسم مراد واشتهر بالمبدول ونجزله لوازم الحاج
والصرة في أيام قليلة وسافر بالحاج على النسق المعتاد وشهل ايضا التجاريد والعساكر
خلف الامراء المطرودين واستمر مطلق التصرف في مملكة مصر بقية السنة
ولما استهل رمضان ارسل لجميع الامراء والاعيان البلكات
والكساوي لهم ولحريمهم ومماليكهم بالاحمال وكذلك الى العلماء والمشايخ حتى الفقهاء
الخاملين المحتاجين وظن ان الوقت قد صفا له ولم يزل على ذلك
حتى استقر اسمعيل بك وسافر حسن باشا وظهر له امر حسن بك
الجداوي وخشداشينه أخذ يناكد المترجم ويعارضه في جميع اموره وهو يسامح له في كل ما
يتعرض له فيه ويساير حاله بينهم ويكظم غيظه ويكتم قهره وهو مع ذلك وافر الحرمة
واعتراه صداع في راسه وشقيقة زال ألمه بها ووجعه أشهرا وأتلف احدى عينيه وعوفى
قليلا واستمر على ذلك حتى وقع الطاعون بمصر سنة خمس ومات ابن له مراهق احزنه موته
وكذلك ماتت زوجته واكثر جواريه ومماليكه ومات اسمعيل بك وامراؤه ومماليكه ورضوان
بك العلوي وبقي هو وحسن بك الجاوي فتجاذبا الامارة ولم يرض احدهما بالاخر فوقع
الاتفاق على تأمير عثمان بك طبل تابع اسمعيل بك ظنا منهما انه يصلح لذلك وانه لا
يمالىء الاعداء فكان الامر بخلاف ذلك وكره الامارة هو ايضا لمناكدة حسن بك له وراسل
الامراء القبليين سرا حتى حضر واعلى الصورة المتقدمة وقصد حسن بك وعلي بك
الاستعداد لحربهم وخرجوا الى ناحية طرا وتأهبوا لمبارزتهم وصار عمثان بك يثبطهما
ويظهر لهما انه يدير الحيل والمكايد ولم يعلما ضميره ولم يخطر ببالهما ولا غيرهما
خيانته بل كان كل منهما يظن بالآخر حتى حصل ما تقدم ذكره في محله وفر المترجم وحسن
بك الى ناحية قبلي فاستمر هناك مدة ثم انفصل عن حسن بك وسافر من القصير الى بحر
القلزم وطلع الى المويلح وارسل بعض ثقاته فأخذ بعض الاحتياجات سرا وذهب من هناك
الى الشام واجتمع بأحمد باشا الجزار ونزل بحيفا واقام بها مدة راسل الدولة في امره
فطلبوه ايهم فلما قرب من اسلامبول ارسلوا اليه من أخذه وذهب به الى برصا فأقام
هناك وعينوا له كفايته في كل شهر وولد له هناك اولاد ثم احضروه في حادثة الفرنسيس
واعطوه مراسيم الى ابراهيم باشا سارى عسكر في ذلك الوقت فلما وصل بيروت راسل احمد
باشا واراد الاجتماع به علم احمد باشا ما بيد من المرسومات الى ابراهيم باشا فتنكر
له وانحرف طبعه منه وارسل اليه يأمره بالرحيل وصادف ذلك عزل ابراهيم باشا
فارتحل مقهورا الى نابلس فمات هناك بقهره وحضر من بقى من
مماليكه الى مصر وسكنوا بداره التي بها مملوكه عثمان كاشف وابنته التي تركها بمصر
صغيرة وقد كبرت وتأهلت للزواج فتزوج بها خازنداره الذي حضر وهو الآن مقيم معها
صحبة خشداشينه ببيتها الذي بدرب الحجر
وكان المترجم اميرا لا بأس به يميل الى فعل الخير حسن
الاعتقاد ويحب اهل العلم والفضائل ويعظمهم ويكرمهم ويقبل شفاعاتهم وفيه رقة طبع
وميل للخلاعة والتجاهر غفر الله له وسامحه
ومات ايضا الامير ايوب بك الدفتردار وهو من مماليك محمد
بك تولى الامارة والصنجقية بعد موت استاذه وقد تقدم ذكره غير مرة وكان ذا دهاء
ومكر ويتظاهر بالانتصار للحق وحب الاشراف والعلماء ويشتري المصاحف والكتب ويحب
المسامرة والمذاكرة وسير المتقدمين ويواظب على الصلاة في الجماعة ويقضي حوائج
السائلين والقاصدين بشهامة وصرامة وصدع للمعاند خصوصا اذا كان الحق بيده ويتعلل
كثير بمرض البواسير وسمعت من لفظه رؤيا رآها قبل ورود الفرنسيس بنحو شهرين تدل على
ذلك وعلى موته في حربهم
ولما حصل ذلك وحضروا الى بر انبابة عدى المترجم قبل
بيومين وصار يقول انا بعت نفسي في سبيل الله فلما التقى الجمعان لبس سلاحه بعد ما
توضأ وصلى ركعتين وركب في مماليكه وقال اللهم اني نويت الجهاد في سبيلك واقتحم
مصاف الفرنساوية والقى نفسه في نارهم واستشهد في ذلك اليوم وهي منقبة اختص بها دون
اقرانه بل ودون غيرهم من جميع أهل مصر
ومات الامير صالح بك أمير الحاج في تلك السنة وهو ايضا
من مماليك محمد بك ابي الذهب وتولى زعامة مصر بعد ابراهيم بك الوالي واحسن فيها السيرة
ولم يتشك منه احد ولم يتعرض لاحد بأذية وتقلد ايضا كتخدا الجاويشية عندما خرج
ابراهيم بك مغاضبا لمراد بك وكان خصيصا به فلما اصطلحا ورجع ابراهيم بك وعلي اغا
كتخدا الجاويشية
تقلد على منصبه كما كان واستمر المنترجم بطالا لكنه وافر
الحرمة معدودا في الاعيان ولما خرجوا من مصر في حادثة حسن باشا ارسله خشداشينه الى
الروم وكاد يتم لهم الامر فقبض عليه حسن باشاوكان اذ ذاك بالعرضي في السفر ولما
رجعوا الى مصر بعد موت اسمعيل بك سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته وهي ام ايوب التي
كانت سرية مراد بك ثم سافر ثانيا الى الروم بمراسلة وهدية وقضى اشغاله ورجع
بالوكالة واخذ بيت الحبانية من مصطفى اغا وعزله من وكالة دار السعادة وسكن بالبيت
واختص بمراد بك اختصاصا زائدا وبنى له دار بجانبه بالجيزة وصار لا يفارقه قط وصار هو
بابه الاعظم في المهمات وكان فصيح اللسان مهذب الطبع يفهم بالاشارة يظن من يراه
انه من اولاد العرب لطلاقة لسانه وفصاحة كلامه ويميل بطبعه الى الخلاعة وسماع
الالحان والاوتار ويعرف طرقها ويباشر الضرب عليها بيده ثم ولى الصنجقية وتقلد
امارة الحج سنة 1212 وتمم اشغاله وأموره ولوازمه على ما ينبغي وطلع بالحج في تلك
السنة في أبهة عظيمة على القانون القديم في أمن وأمان ورخاء وسخاء وراج موسم
التجار في تلك السنة الى الغاية
وفي أيام غيابه بالحج وصل الفرنساوية الى القطر المصري
وطار اليهم الخبر بسطح العقبة وارسلوا من مصر مكاتبة بالأمان وحضوره بالحج في
طائفة قليلة فأرسل اليهم ابراهيم بك يطلبهم الى بلبيس فعرج المترجم بالحاج الى
بلبيس وجرى ما تقدم ذكره ولم يزل حتى مات بالديار الشامية وبعد مدة أرسلت زوجته
فأحضرت رمته ودفنتها بمصر بتربة المجاورين
ومات العمدة الفاضل والنحرير الكامل الفقيه العلامة
السيد مصطفى الدمنهوري الشافعي تفقه على أشياخ العصر وتمهر في المعقولات ولازم
الشيخ عبد الله الشرقاوي ملازمة كلية واشتهر بنسبته اليه ولما ولى مشيخة الازهر
صار المترجم عنده هو صاحب الحل والعقد في القضايا والمهمات والمراسلات عند الاكابر
والاعيان وكان عاقلا ذكيا وفيه ملكة واستحضار جيد للفروع الفقهية وكان يكتب على
الفتاوى على لسان
شيخه المذكور ويتحرى الصواب وعبارت سلسلة جيدة وكان له
شغف بكتب التاريخ وسير المتقدمين واقتنى كتبا في ذلك مثل كتاب السلوك والخطط
للمقريزي واجزا من تاريخ العيني والسخاوي وغير ذلك ولم يزل حتى ركب يوما بغلته
وذهب لبعض أشغاله فلما كان بخطبة الموسكي قابله خيال فرنساوي يخج فرسه فجفلت بغلة السيد
مصطفى المذكور والقته من على ظهرها الى الارض وصادف حافر فرس الفرنساوي أذنه فرض
صماخه فلم ينطق ولم يتحرك فرفعوه في تابوت الى منزله ومات من ليلته رحمه الله
ومات عبد الله كاشف الجرف وهو عبد اسمعيل كاشف الجرف
تابع عثمان بك ذي الفقار الكبير وكان معروفا بالشجاعة والاقدام كسيده وأدرك بمصر
إمارة وسيادة ونفاذ كلمة واشترى المماليك الكثيرة والخيول المسومة والجواري
والعبيد وعنده عدة من الاجناد والطوائف وعمر دارا عظيمة داخل الدرب المحروق ولم
يزل حتى قتل يوم السبت تاسع صفر بحرب الفرنساوية بأنبابة وكان جسيما أسود ذا شهامة
وفروسية مشهورة وجبروت
ثم دخلت سنة اربع عشر ومائتين وألف استهل شهر المحرم
بيوم الاربعاء فيه حضر جماعة من الفرنسيس الى العادلية فضربوا خمسة مدافع لقدومهم
فلما كان في ثاني يوم عملوا الديوان وأبرزوا مكتوبا مترجما ونسخته صورة جواب من
العرضي قدام عكا وفي سابع عشرين فريبال الموافق لحادي عشر شهر الحجة 1213 من
بونابارته سارى عسكر أمير الجيوش الفرنساوية الى محفل ديوان مصر نخبركم عن سفره من
بر الشام الى مصر فاني بغاية العجلة بحضوري لطرفكم نسافر بعد ثلاثة أيام تمضي من
تاريخه ونصل عندكم بعد خمسة عشر يوما وجائب معي جملة محابيس بكثرة وبيارق ومحقت
سراية الجزار وسور عكا وبالقنبر هدمت البلد ما أبقيت فيها حجرا على حجر وجميع
سكانها انهزموا من البلد الى طريق البحر والجزار مجروح
ودخل بجماعته داخل برج من ناحية البحر وجرحه يبلغ لخطر
الموت ومن جملة ثلاثين مركبا موسوقة عساكر الذين حضروا يساعدون الجزار ثلاثة غرقت
من كثرة مدافع مراكبنا واخذنا منها أربعة موقره مدافع والذي أخذ هذه الاربعة
فرقاطه من بتوعنا والباقي تلف وتبهدل والغالب منهم عدم واني بغاية الشوق الى مشاهدتكم
لاني بشوف انكم عملتم غاية جهدكم من كل قلبكم لكن جملة فلاتية دائرون بالفتنة لاجل
ما يحركون الشر في وقت دخولي كل هذا يزول مثل ما يزول الغيم عند شروق الشمس
ومنتوره مات من تشويش هذا الرجل صعب علينا جدا والسلام ومنتوره هذا ترجمان سارى
عكسر وكان لبيبا متبحرا ويعرف باللغات التركية والعربية والرومية والطلبياني
والفرنساوي ولما عجز الفرنساوية عن أخذ عكا وعزموا على الرجوع الى مصر ارسل
بونابارته مكاتبة الى الفرنساوية المقيمين بمصر يقول فيها ان الامر الموجب للانتقال
عن محاصرة عكا خمسة عشر سببا
الاول الإقامة تجاه البلدة وعدم الحرب ستة ايام الى ان
جاءت الانكليز وحصنوا عكا باصطلاح الافرنج
الثاني الستة مراكب التي توجهت من الاسكندرية فيها
المدافع الكبار أخذها الانكليز قدام يافا
الثالث الطعون الذي وقع في العسكر ويموت كل يوم خمسون
وستون عسكريا
الرابع عدم الميرة لخراب البلاد قريب عكا
الخامس وقعة مراد بك مع الفرنساوية في الصعيد مات فيها
مقدار ثلثمائة فرنساوي
السادس بلغنا توجه اهل الحجاز صحبة الجيلاني لناحية
الصعيد
السابع المغربي محمد الذي صار له جيش كبير وادعى انه من
سلاطين المغرب
الثامن ورود الانكليز تجاه الاسكندرية ودمياط
التاسع ورود عمارة الموسقو قدام رودس
العاشر ورود خبر نقض الصلح بين الفرنساوية والنيمساء
الحادي عشر ورود جواب مكتوب منا لتيبو احد ملوك الهند
كنا ارسلناه قبل توجهنا لعكا وتيبوا هذا هو الذي كان حضر الى اسلامبول بالهدية
التي من جملتها طائران يتكلمان بالهندية والسرير والمنبر من خشب العود وطلب منه الامداد
والمعاونة على الانكليز المحاربين له في بلاده فوعدوه ومنوه وكتبوا له أوراقا
واوامر وحضر الى مصر وذلك في سنة 1202 ايام السلطان عبد الحميد وقد سبقت الاشارة
اليه في حوادث تلك السنة وهو رجل كان مقعدا تحمله اتباعه في تخت لطيف بديع الصنعة
على اعناقهم ثم انه توجه الى بلاد فرنسا واجتمع بسلطانها وذلك قبل حضوره الى مصر
واتفق معه على أمر في السر لم يطلع عليه أحد غيرهما ورجع الى بلاده على طريق
القلزم فلما قدم الفرنساوية لمصر كاتبه كبيرهم بذلك السر لانه اطلع عليه عند قيام
الجمهور وتملكه خزانة كتب السلطان ثم ان تيبوا المذكور بقي في حرب الانكليز الى ان
ظفروا به في هذه السنة وقتلوه وثلاثة من اولاده فهذا ملخص معنى السبب
الثاني عشر موت كفرللي الذي عملت المتاريس بمقتضى رأيه
واذا تولى امرها غيره يلزم نقضها ويطول الامر وكفرللي هذا هو المعروف بابي خشبة
المهندس
الثالث عشرة سماع ان رجلا يقال له مصطفى باشا أخذه
الانكليز من اسلامبول ومرادهم أن يرموه على بر مصر
الرابع عشر ان الجزار أنزل ثقله بمراكب الانكليز وعزم
على انه عندما تملك البلد ينزل في مراكبهم ويهرب معهم
الخامس عشر لزوم ومحاصرة عكا ثلاثة شهور أو أربعة وهو
مضر لكل ما ذكرناه من الاسباب انتهى
وفي يوم الثلاثاء سابعه حضر جماعة ايضا من العسكر
بأثقالهم وحضرت
مكاتبة من كبير الفرنساوية انه وصل الى الصالحية وأرسل
دوجا الوكيل ونبه على الناس بالخروج لملاقاته بموجب ورقة حضرت من عنده يأمر بذلك
فلما كان ليلة الجمعة عاشره أرسلوا الى المشايخ
والوجاقات وغيرهم فاجتمعوا بالازبكية وقت الفجر بالمشاعل ودقت الطبول وحضر الحكام
والقلقات بمواكب وطبول وزمور ونوبات تركية وطبول شامية وملازمون وجاويشية وغير ذلك
وحضر الوكيل وقائمقام وأكابر عساكرهم وركبوا جميعا بالترتيب من الازبكية الى أن خرجوا
الى العادلية فقابلوا سارى عسكر بونابارته هناك وسلموا عليه ودخل معهم الى مصر من
باب النصر بموكب هائل بعساكرهم وطبولهم وزمورهم وخيولهم وعرباتهم ونسائهم وأطفالهم
في نحو خمس ساعات من النهار الى ان وصل الى داره بالازبكية وانفض الجمع وضربوا عدة
مدافع عند دخولهم المدينة وقد تغيرت ألوان العسكر القادمين واصفرت ألوانهم وقاسوا
مشقة عظيمة من الحر والتعب وأقاموا على حصار عكا أربعة وستين يوما حربا مستقيما
ليلا ونهارا وأبلى أحمد باشا وعسكره بلاء حسنا وشهد له الخصم
وفيه قبضوا على اسمعيل القلق الخربطلي وهو المتولي كتخدا
العزب وكان ساكنا بخط الجمالية وأخذوا سلاحه واصعدوه الى القلعة وحبسوه والسبب في
ذلك انه عمل تل الليلة وليمة ودعا أحبابه وأصدقاءه وأحضر لهم آلات اللهو والطرب
وبات سهرانا بطول الليل فلما كان اخر الليل غلب عليهم السهر والسكر فناموا الى
ضحوة النهار وتأخر عن الملاقاة فلما أفاق ركب ولاقاهم عند باب النصر فنقموا عليه
بذلك وفعلوا معه ما ذكر ولما وصل سارى عسكر الفرنساوية الى داره بالازبكية تجمع
هناك أرباب الملاهي والبهالوين وطوائف الملاعبين والحواة والقرادين والنساء الراقصات
والخلابيض ونصبوا أراجيح مثل ايام الاعياد والمواسم واستمروا على ذلك ثلاثة ايام
وفي كل يوم من تلك الايام يعملون شنكا وحراقات ومدافع وسواريخ ثم انفض الجمع بعد
ما أعطاهم سارى عسكر دراهم وبقاشيش
وفي يوم الاحد عزلوا دستان قائمقام وتولى عوضه دوجا الذي
كان وكيلا عن سارى عسكر وتهيأ المعزول للسفر الى جهة بحرى وأصبح مسافرا وصحبته نحو
الآلف من العسكر وسافر ايضا منهم طائفة الى جهة البحيرة
وفيه طلبوا من طوائف النصارى دراهم سلفة مقدار مائة
وعشرين ألف ريال
وفي خامس عشرة أرسلوا الى زوجات حسن بك الجداوي وختموا
على دورهن ومتاعهن وطالبوهن بالمال وذلك لسبب ان حسن بك التف على مراد بك وصار
يقاتل الفرنسيس معه وقد كانت الفرنسيس كاتبت حسن بك وأمتته وأقرته عل ما بيده من
البلاد وان لا يخالف ويقاتل مع الاخصام فلم يقبل منهم ذلك فلما وقع لنسائه ذلك ذهبن
الى الشيخ محمد المهدي ووقعن عليه فصالح عليهم بمبلغ ثلاثة آلاف فرانسة
وفي تاسع عشرة هلك مخاييل كحيل النصراني الشامي وهو من
رجال الديوان الخصوصي فجأة وذلك لقهره وغمه وسبب ذلك أنهم قرروا عليه في السلفة ستة
آلاف ريال فرانسة وأخذ في تحصيلها ثم بلغه أن أحمد باشا الجزار قبض على شريكه
بالشام واستصفى ما وجده عنده من المال فورد عليه الخبر وهو جالس يتحدث مع اخوانه
حصة من الليل فخرجت روحه في الحال
وفيه كتبوا أوراقا وطبعوها والصقوها بالاسواق وذلك بعد
ان رجعوا من الشام واستقروا وهي من ترصيف وتنميق بعض الفصحاء
وصورتها من محفل الديوان الخصوصي بمحروسة مصر خطابا
لاقاليم مصر الشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والجيزة والبحيرة النصيحة من
الايمان قال تعالى في محكم القرآن ولا تتبعوا خطوات الشيطان وقال تعالى وهو اصدق القائلين
في الكتاب المكنون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فعلى
العاقل يتدبر في الامور قبل أن يقع في المحذور نخبركم معاشر
المؤمنين انكم لا تسمعوا كلام الكاذبين فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين وقد حضر الى محروسة مصر المحمية امير الجيوش الفرنساوية حضرة بونابارته محب
الملة المحمدية ونزل بعسكره في العادلية سليما من العطب والاسقام ودخل الى مصر من
باب النصر يوم الجمعة في موكب عظيم وشنك جليل فخيم وصحبته العلماء والوجاقات
السلطانية وأرباب الاقلام الديوانية وأعيان التجار المصرية وكان يوما عظيما مشهودا
وخرجت اهل مصر لملاقاته فوجدوه وهو الامير الاول بذاته وصفاته وظهر لهم ان الناس
يكذبون عليه شرح الله صدره للاسلام والذي أشاع عنه الاخبار الكاذبة العربان
الفاجرة والغز الهاربة ومرادهم بهذه الاشاعة هلاك الرعية وتدمير اهل الملة
الاسلامية وتعطيل الاموال الديوانية لا يحبون راحة العبيد وقد أزال الله دولتهم من
شدة ظلمهم ان بطش ربك لشديد وقد بلغنا ان الالفي توجه الى الشرقية مع بعض المجرمين
من عربان بلى والعيايدة الفجرة المفسدين يسعون في الارض بالفساد وينهبون أموال
المسلمين ان ربك لبالمرصاد ويزورون على الفلاحين المكاتيب الكاذبة ويدعون ان عساكر
السلطان حاضرة والحال انها ليست بحاضرة فلا أصل لهذا الخبر ولا صحة لهذا الأثر
وانما مرادهم وقوع الناس في الهلاك والضرر مثل ما كان يفعل ابراهيم بك في غزة حيث
كان ويرسل فرمانات بالكذب والبهتان ويدعى انها من طرف السلطان ويصدقه أهل الارياف
خسفاء العقول ولا يقرأون العواقب فيقعون في المصائب وأهل الصعيد طردوا الغز من
بلادهم خوفا على أنفسهم وهلاك عيالهم وأولادهم فان المجرم يؤخد مع الجيران وقد غضب
الله على الظلمة ونعوذ بالله من غضب الديان فكان اهل الصعيد احسن عقلا من اهل بحرى
بسبب هذا الرأي السديد ونخبركم ان احمد باشا الجزار سموه بهذا الاسم لكثرة قتله الانفس
ولا يفرق بين الاخبار والاشرار وقد جمع الطموش الكثيرة من العسكر والغز والعرب
واسافل العشيرة وكان مراده الاستيلاء على مصر وأقاليمها واحبوا اجتماعهم عليه لاجل
اخذ اموالها
وهتك حريمها ولكن لم تساعده الأقدار والله يفعل ما يشاء
ويختار وقد كان ارسل بعض هذه العساكر الى قلعة العريش ومراده ان يصل الى قطيا
فتوجه حضرة سارى عسكر امير الجيوش الفرنساوية وكسر عسكر الجزار الذين كانوا في
العريش ونادوا الفرار الفرار بعدما حصل بعسكرهم القتل والدمار وكانوا نحو ثلاثة
آلاف وملك قلعة العريش واخذ غزة وهرب من كان فيها وفروا ولما دخل غزة نادى في
رعيتها بالامان وامر باقامة الشعائر الاسلامية واكرام العلماء والتجار والاعيان ثم
انتقل الى الرملة واخذ ما فيها من بقسماط وارز وشعير وقرب اكثر من الفي قربة كبار
كان قد جهزها الجزار لذهابه الى مصر ثم توجه الى يافا وحاصرها ثلاثة ايام ثم اخذها
واخذ ما فيها من ذخائر الجزار بالتمام ومن نحوسات اهلها انهم لم يرضوا بأمانة ولم
يدخلوا تحت طاعته واحسانه فدور فيهم السيف من شدة غيظه وقوة بأسه وسلطانه وقتل
منهم نحو اربعة آلاف او يزيدون بعدما هدم سورها واكرم من كان بها من اهل مصر
واطعمهم وكساهم وجهزهم في المراكب الى مصر وغفرهم بعسكره خوفا عليهم من العربان
واجزل عطاياهم وكان في يافا نحو خمسة آلاف من عسكر الجزار هلكوا جميعا وبعضهم ما
نجاه الا الفرار ثم توجه من يافا الى جبل نابلس فكسر من كان فيه من العساكر بمكان
يقال له فاقوم وحرق خمسة بلاد من بلادهم وما قدر كان ثم اخرب سور عكا وهدم قلعة
الجزار التي كانت حصينة لم يبق فيها حجر على حجر حتى انه يقال كان هناك مدينة وقد
كان بني حصارها وشيد بنيانها في نحو عشرين من السنين وظلم في بنيانها عباد الله وهكذا
عاقبة بنيان الظالمين ولما توجه اليه أهل بلاد الجزار من كل ناحية كسرهم كسرة
شنيعة فهل ترى لهم من باقية نزل عليهم كصاعقة من السماء ثم توجه راجعا الى مصر
المحروسة لاجل شيئين
الاول انه وعدنا برجوعه الينا بعد أربعة أشهر والوعد عند
الحردين
والسبب الثاني انه بلغه ان بعض المفسدين من الغز
والعربان يحركون
في غيابه الفتن والشرور في بعض الاقاليم والبلدان فلما
حضر سكنت الفتنة وزالت الاشرار والفجرة من الرعية وحبه لمصر واقليمها شيء عجيب
ورغبته في الخير لاهلها ونيلها بفكره وتدبيره المصيب ويرغب ان يجعل فيها احسن
التحف والصناعة ولما حضر من الشام أحضر معه جملة من الاسارى من خاص وعام وجملة مدافع
وبيارق اغتنمها في الحروب من الاعداء والاخصام فالويل كل الويل لمن عاداه والخير
كل الخير لمن والاه فسلموا يا عباد الله وارضوا بتقدير الله وامتثلوا لاحكام الله
ولا تسعوا في سفك دمائكم وهتك عيالكم ولا تتسببوا في نهب أموالكم ولا تسمعوا كلام
الغز الهربانين الكاذبين ولا تقولوا ان في الفتنة اعلاه كلمة الدين حاشا الله لم
يكن فيها الا الخذلان وقتل الانفس وذل أمة النبي عليه الصلاة و السلام والغز والعربان
يطمعوكم ويغروكم لاجل أن يضروكم فينهبوكم واذا كانوا في بلد وقدمت عليهم الفرنسيس
فروا هاربين منهم كأنهم جند ابليس ولما حضر سارى عسكر الى مصر أخبر أهل الديوان من
خاص وعام انه يحب دين الاسلام ويعظم النبي عليه الصلاة و السلام ويحترم القرآن ويقرأ
منه كل يوم باتقان وأمر بأقامة شعائر المساجد الاسلامية واجراء خيرات الاوقاف
السلطانية واعطى عوائد الوجاقلية وسعى في حصول اقوات الرعية فانظروا هذه الالطاف
والمزية ببركة نبينا اشرف البرية وعرفنا ان مراده ان يبني لنا مسجدا عظيما بمصر لا
نظير له في الاقطار وانه يدخل في دين النبي المختار عليه افضل الصلاة واتم السلام
انتهى بحروفه
وكان أشيع بمصر قبل مجيئهم وعودهم من الشام بان سارى
عسكر يونابارته مات بحرب عكا وتناقله الناس وانهم ولو اخلافه فهذا هو السبب في
قولهم في ذلك الطومار وقد حضر سليما من العطب فوجدوه هو الامير الاول بذاته وصفاته
الى آخر السياق المتقدم
وفي ثاني عشرينه أرسل سارى عسكر جماعة من العسكر وقبضوا
على ملا زاده ابن قاضي العسكر ونهبوا بعضا من ثيابه وكتبه وطلعوا به
الى القلعة فانزعج عليه عياله وحريمه ووالدته انزعاجا
شديدا وفي صبحها اجتمع أرباب الديوان بالديوان وحضر اليهم ورقة من كبير الفرنسيس
قرئت عليهم مضمونها أن سارى عسكر قبض على ابن القاضي وعزله وانه وجه اليكم أن
تقترعوا وتختاروا شيخا من العلماء يكون من أهل مصر ومولودا بها يتولى القضاء ويقضي
بالاحكام الشرعية كما كانت الملوك المصرية يولون القضاء برأى العلماء للعلماء فلما
سمعوا ذلك أجاب الحاضرون بقولهم اننا جميعا نتشفع ونترجى عنده في العفو عن ابن
القاضي فإنه انسان غريب ومن أولاد الناس الصدور وان كان والده وافق كتخدا الباشا
في فعله فولده مقيم تحت أمانكم والمرجو انطلاقه وعوده الى مكانه فان والدته وجدته
وعياله في وجد وحزن عظيم عليه وسارى عسكر من اهل الشفقة والرحمة وتكلم الشيخ
السادات بنحو ذلك وزاد في القول بان قال وايضا انكم تقولون دائما ان الفرنساوية
احباب العثمانية وهذا ابن القاضي من طرف العثملي فهذا الفعل مما يسيء الظن
بالفرنساوية ويكذب قولهم وخصوصا عند العامة فاجاب الوكيل بعدما ترجم له الترجمان
بقوله لا بأس بالشفاعة ولكن بعد تنفيذ امر سارى عسكر في اختيار قاض خلافه والا
تكونوا مخالفين ويلحقكم الضرر بالمخالفة فامتثلوا وعملوا القرعة فطلعت الاكثرية باسم
الشيخ احمد العريشي الحنفي ثم كتبوا عرضحال بصورة المجلس والشفاعة وكتب عليه
الحاضرون وذهب به الوكيل الى سارى عسكر وعرفه بما حصل وبما تكلم به الشيخ السادات
فتغير خاطره عليه وأمر باحضاره آخر النهار فلما حضر لامه وعاتبه فتكلم بينهما
الشيخ محمد المهدي ووكيل الديوان الفرنساوي بالديوان حتى سكن غيظه وامره بالانصراف
الى منزله بعد ان عوقه حصة من الليل فلما اصبح يوم الجمعة عملوا جمعية في منزل
دوجا قائمقام وركبوا صحبته الى بيت سارى عسكر ومعهم الشيخ احمد العريشي فألبسه
فروة مثمنة وركبوا جميعا الى المحكمة الكبيرة بين القصرين ووعدهم بالافراج عن ابن
القاضي بعد اربع وعشرين ساعة
وقد كانت عياله انتقلوا من خوفهم الى دار السيد احمد المحروقي
وجلسوا عنده ولما كان في ثاني يوم افرجوا عنه ونزل الى عياله وصحبته أرباب الديوان
والاغا ومشوا معه في وسط المدينة ليراه الناس ويبطل القيل والقال
وفي تلك الليلة قتلوا شخصين احدهما علي جاويش رئيس الريالة
الذي كان بالاسكندرية عند حضور الفرنسيس والثاني قبطان آخره فلم يزالا بمصر
يحبسونهما أياما ثم يطلقونهما فحبسوهما آخرا فلم يطلقوهما حتى قتلوهما
وفي صبيحة ذلك اليوم قتلوا شخصين ايضا من الاتراك
بالرميلة
وفيه افرجوا عن زوجات حسن بك الجداوي
وفي ثامن عشرينه جمعوا الوجاقلية وكتبوا أسماءهم
وفي تاسع عشرينه قبضوا على ثلاثة انفار أحدهم يسمى حسن
كاشف من اتباع ايوب بك الكبير وآخر يسمى ابو كلس والثالث رجل تاجر من تجار خان
الخليلي يسمى حسين مملوك الدالي ابراهيم فسجنوهم بالقلعة فتشفع الشيخ السادات في حسين
التاجر المذكور فأطلقوه على خمسة آلاف فرانسة
واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة سنة فيه افرجوا عن بعض
قرابة كتخدا الباشا وكان محبوسا بالجيزة ثم نقل الى القلعة مع كتخدا قريبة فانطلق
وبقي الاخر
وفي يوم الاحد ثالثه حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف
سابقا من دمياط الى مصر وكان مقيما هناك من بعد واقعة يافا ونزل مع الذين انزلوهم
من يافا الى البحر وفيهم عثمان افندي العباسي وحسن افندي كاتب الشهر واخوه قاسم
افندي واحمد افندي عرفة والسيد يوسف العباسي والحاج قاسم المصلي وغيرهم فمنهم من
عوق بالكرنتيلة ومنهم من حضر من البرخفية فحضر بعض الاعيان لملاقاة السيد عمر وركبوا
معه بعد ان مكث هنيهة بزاوية علي بك التي بساحل بولاق حتى وصل الى
داره وتوجه ثاني يوم مع المهدي وقابل سارى عسكر فبش له
ووعده بخير ورد اليه بعض تعلقاته واستمر مقيما بداره والناس تغدو وتروح اليه على
العادة
وفي رابعة حضر ايضا حسن كتخدا الجربان بامان وكان بصحبته
عثمان بك الشرقاوي وفيه اشيع ان مراد بك ذهب الى ناحية البحيرة فرار من الفرنسيس الذين
بالصعيد
وفي خامسة قتلوا عبد الله آغا امير يافا وكان اخذ اسيرا
وحبس ثم قتل
وفيه قتل ايضا يوسف جربجي ابو كلس ورفيقه حسن كاشف
وفي سادسه عمل الشيخ محمد المهدي وليمة عرس لزواج احد
أولاده ودعا سارى عسكر وأعيان الفرنساوية فتعشوا عنده وذهبوا
وفيه أحضروا اربعة عشر مملوكا اسرى واصعدوهم الى القلعة
قيل انهم كانوا لاحقين بمراد بك بالبحيرة فآوو الى قبة يستظلون بها وتركوا خيولهم
مع السواس فنزل عليهم طائفة من العرب فأخذوا الخيول فمروا مشاة فدل الفلاحون عليهم
عسكر الفرنسيس فمسكوهم وقيل انهم آووا الى بلده وطلبوا منهم غرامة فصالحوهم فلم
يرضوا بذلك بدون ما طلبوا فوعدوهم بالدفع من الغد وكانوا أكثر من ذلك وفيهم كاشف
من جماعة عثمان بك الطنبرجي فذهب الفلاحون الى الفرنسيس واعلموهم بمكانهم فحضروا
اليهم ليلا وفر من فر منهم وقتل من قتل وأسر الباقي
وأما الكاشف فيسمى عثمان التجأ الى كبير الفرنسيس فحماه
واخذه عنده وأحضروا الاسرى الى مصر وعليهم ثياب زرق وزعابيط وعلى رؤوسهم عراقي من لباد
وغيره وأصعدوهم الى القلعة وقتلوا منهم في ثاني ليلة أشخاصا
وفي تاسعه احضروا ايضا ستة اشخاص من المماليك واصعدوهم
الى القلعة وفي ذلك اليوم قتلوا أيضا نحو العشرة من الاسرى المحابيس
وفي يوم الاحد عاشره ركب في عصريته سارى عسكر وعدى الى
بر الجيزة وتبعته العساكر ولم يعلم سبب ذلك ولما صاروا بالجيزة ضربوا
نجع البطران ودهشور بسبب نزول مراد بك عندهم وفي هذا
اليوم ظهر ان مراد بك رجع ثانيا الى الصعيد وشاع الخبر ايضا ان عثمان بك الشرقاوي
وسليمان اغا الوالي وآخرين مروا من خلف الجبل وذهبوا الى ناحية الشرق فخرج عليهم
جماعة من العسكر وفيهم برطلمين يني الرومي رئيس عسكر الاروام ومعهم عدة وافرة من اخلاط
العسكر اروام وقبط والمماليك المنضمة اليهم وبعض فرنساوية فأدركوهم بالقرب من
بلبيس واتوهم من خلاف الطريق المسلوكة فدهموهم على حين غفلة وكان عثمان بك يغتسل
فلما احسوا بهم بادروا للفرار وركبوا وركب عثمان بك بقميص واحد على جسده وطاقية
فوق رأسه وهربوا وتركوا ثيابهم ومتاعهم وحملتهم وقدور الطعام على النار ولم يمت
منهم الا مملوكان واسروا منهم اثنين ووجدوا على فراش عثمان بك مكاتبة من ابراهيم
بك يستدعيهم الى الحضور اليه بالشام
وفي ليلة الاثنين حادي عشره وردت اخبار ومكاتيب مع
السعاة لبعض الناس من الاسكندرية وابي قير واخبروا بانه وردت مراكب فيها عسكر
عثمانية الى أبي قير فتبين ان حركة الفرنساوية وتعديتهم الى البر الغربي بسبب ذلك
واخذوا صحبتهم جرجس الجوهري وفي ضحوة اليوم الثاني عدى الكثير من العسكر ايضا واهتم
حنا بينو المتولي على بحر بولاق بجمع المراكب وشحنها بالقومانية والذخيرة وداخل
الفرنساوية من ذلك وهم كبير ولما عدى كبيرهم الى بر الجيزة أقام يوم الاثنين عند
الاهرام حتى تجمعت العساكر وبعث بالمقدمة وركب هو في يوم الثلاثاء ثاني عشره وأرسل
مكتوبا الى ارباب الديوان بالسلام عليهم والوصية بالمحافظة وضبط البلد والرعية كما
فعلوا في غيبته السابقة
وفي سادس عشره ورد الخبر بأن عثمان خجا وصل الى قلعة أبي
قير صحبة السيد مصطفى باشا فضربوا على القلعة وقاتلوا من بها من الفرنساوية
وملكوها وأسروا من بقي بها وعثمان خجا هذا هو الذي كان متواليا امارة رشيد من طرف
صالح بك وحج معه ورجع صحبته الى الشام فلما
توفي صالح بك سافر الى الديار الرومية وحضر صحبة مصطفى
باشاالمذكور فلما تحققت هذه الاخبار كثر اللغط في الناس وأظهروا البشر وتجاهروا
بلعن النصارى واتفق انه تشاجر بعض المسلمين بحارة البرابرة بالقرب من كوم الشيخ
سلامة مع بعض نصارى السوام فقال المسلم للنصراني ان شاء الله تعالى بعد أربعة ايام
نشتقي منكم وكلام من هذا المعنى فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس مع عصبة من جنسه
واخبروهم بالقصة وزادوا وحرفوا وعرفوهم ان قصد المسلمين اثارة فتنة فأرسل قائممقام
الى الشيخ المهدي وتكلم معه في شأن ذلك وحاججه وأصبحوا فأجتمعوا بالديوان فقام المهدي
خطيبا وتكلم كثيرا ونفى الريبة وكذب أقوال الاخصام وشدد في تبرئة المسلمين عما نسب
اليهم وبالغ في الحطيطة والانتقاص من جانب النصارى وهذا المقام من مقاماته المحمودة
ثم جمعوا مشايخ الاخطاط والحارات
وفي ثامن عشره وردت أخبار وعدة مكاتيب لكثير من الاعيان
ولتجار وكلها على نسق واحد تزيد عن الماءة مضمونها بأن المسلمين وعسكر العثمانيين
ومن معهم ملكوا الاسكندرية في ثالث ساعة من يوم السبت سادس عشر صفر فصار الناس
يحكي بعضهم لبعض ويقول البعض أنا قرأت المكتوب الواصل الى فلان التاجر ويقول الآخر
مثل ذلك ولم يكن لذلك أصل ولا صحة ولم يعلم من فعل هذه الفعلة واختلق هذه النكتة
ولعلها من فعل بعض النصارى البلديين ليوقعوا بها فتنة في الناس ينشأ منها القتل
فيهم والاذية لهم وسبحان الله علام الغيوب
وفي ليلة الاربعاء عشرينه اشيع أن الفرنساوية تحاربوا مع
العساكر الواردين على ابي قير وظهروا عليهم وقتلوا الكثير منهم ونهبوهم وملكوا
منهم قلعة أبي قير وأخذوا مصطفى باشا أسيرا وكذلك عثمان خجا وغيرهما واخبر
الفرنسيس انه حضرت لهم مكاتبة بذلك من اكابرهم فلما طلع النهار ضربوا مدافع كثيرة
من قلعة الجبل وباقي القلاع المحيطة وبصحن الازبكية وعملوا في ليلتها أعني ليلة الاربعاء
حراقة بالازبكية
من نفوط وبارود وسواريخ تصعد في الهواء
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه وصلت عدة مراكب وبها اسرى
وعساكر جرحى وكذلك يوم الجمعة تاسع عشرينه حضرت مكاتبة من الفرنسيس بحكاية الحالة
التي وقعت لم اقف على صورتها
واستهل ربيع الاول بيوم السبت سنة في ثانيه وصلت مراكب
من بحري وفيها جرحى من الفرنساوية
وفيه قبضوا على الحاج مصطفى البشتيلي الزيات من اعيان
اهالي بولاق وحبسوه ببيت قائممقام والسبب في ذلك ان جماعة من جيرانه وشوا عنه بانه
يدخل بعض حواصله الذي في وكالته عدة فدور مملوءة بالبارود فكبسوا على الحواصل
فوجدوا بها ذلك أخبر الواشي فأخذوها وقبضوا عليه وحبسوه كما ذكر ثم نقلوه الى القلعة
وفي سادسه حضر ايضا جملة من العسكر وكثر لغط الناس على
عادتهم في رواية الاخبار
وفيه حضرت حجاج المغاربة ووصلوا صحبة الحج الشامي
وأخبروا انهم حجوا صحبته وأمير الحاج الشامي عبد الله باشا ابن العظم
وفي ليلة الاحد تاسعه حضر سارى عسكر الفرنساوية
بونابارته ودخل الى داره بالازبكية وحضر صحبته عدة اناس من اسرى المسلمين وشاع
الخبر بحضوره فذهب كثير من الناس الى الازبكية ليتحققوا الخبر على جليته فشاهدوا
الاسرى وهم وقوف في وسط البركة ليراهم الناس ثم انهم صرفوهم بعد حصة من النهار
فأرسلوا بعضهم الىجامع الظاهر خارج الحسينية واصعدوا باقيهم الى القلعة وأما مصطفى
باشا سارى عسكر فانهم لم يقدموا به لمصر بل ارسلوه الى الجيزة مكرما وابقوا عثمان
خجا بالاسكندرية ولما استقر بونابارته في منزله ذهب للسلام عليه المشايخ والاعيان
وسلموا عليه فلما استقر بهم المجلس قال لهم على لسان الترجمان ان سارى عسكر يقول
لكم انه لما سافر الى الشام كانت حالتكم طيبة في غيابه وأما في هذه المرة فليس
كذلك لانكم كنتم تظنون أن الفرنسيس لا يرجعون بل يموتون عن آخرهم فكنتم فرحانين
ومستبشرين وكنتم
تعارضوا الاغا في احكامه وان المهدي والصاوي ما هم
بونوأى ليسوا بطيبين ونحو ذلك وسبب كلامه هذا الحكاية المتقدمة التي حبسوا بسببها
مشايخ الحارات فان الاغا الخبيث كان يريد ان يقتل في كل يوم اناسا بادنى سبب فكان
المهدي والصاوي يعارضانه ويتكلمان معه في الديوان ويوبخانه ويخوفانه سوء العاقبة وهو
يرسل الى سارى عسكر فيطالعه بالاخبار يشكو منهما فلما حضر عاتبهم في شأن ذلك
فلاطفوه حتى انجلى خاطره وأخذ يحدثهم على ما وقع له من القادمين الى أبي قير
والنصر عليهم وغير ذلك
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل المولد النبوي بالازبكية
ودعا الشيخ خليل البكري سارى عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده وضربوا
ببركة الازبكية مدافع وعملوا حراقة وسواريخ ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح
الاسواق والدكاكين ليلا واسراج قناديل واصطناع مهرجان وورد الخبر بان الفرنسيس
احضروا عثمان خجا ونقلوه من الاسكندرية الى رشيد فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس
حافي القدمين وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم حتى وصلوا به الى داره فقطعوا رأسه
تحتها ثم رفعوا رأسه وعلقوها من شباك داره ليراها من يمر بالسوق
وفي ثالث عشره أشيع بان كبير الفرنسيس سافر الى جهة بحري
ولم يعلم أحد أي جهة يريد وسئل بعض اكابرهم فأخبر ان سارى عسكر المنوفية دعاه لضيافته
بمنوف حين كان متوجها الى ناحية ابي قير ووعده بالعود اليه بعد وصوله الى مصر وراج
ذلك على الناس وظنوا صحته
ولما كان يوم الاثنين سادس عشره خرج مسافرا من آخر الليل
وخفى امره على الناس
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه الموافق التاسع مسرى القبطي
كان وفاء النيل المبارك فنودى بوفائه على العادة وخرج النصارى البلدية من القبطة
والشوم والاروام وتأهبوا للخلاعة والقصف والتفرج واللهو والطرب
وذهبوا تلك الليلة الى بولاق ومصر العتيقة والروضة
واكثروا المراكب ونزلوا فيها وصحبتهم الآلات والمغاني وخرجوا في تلك الليلة عن
طورهم ورفضوا الحشمة وسلكوا مسلك الامراء سابقا من النزول في المراكب الكثيرة
المقاذيف وصحبتهم نساؤهم وقحابهم وشرابهم وتجاهروا بكل قبيح من الضحك والسخرية
والكفريات ومحاكاة المسلمين وبعضهم تزيابزي امراء مصر ولبس سلاحاوتشبه بهم وحاكى الفاظهم
على سبيل الاستهزاء والسخرية وغير ذلك واجرى الفرنساوية المراكب المزينة وعليها
البيارق وفيها انواع الطبول والمزامير في البحر ووقع في تلك الليلة بالبحر وسواحله
من الفواحش والتجاهر بالمعاصي والفسوق مالا يكيف ولا يوصف وسلك بعض غوغاء العامة
وأسافل العلام ورعاعهم مسالك تسفل الخلاعة ورذالة الرقاعة بدون ان ينكر احد على
احد من الحكام او غيرهم بل كل انسان يفعل ما تشتهيه نفسه وما يخطر بباله وان لم
يكن من امثاله
واكثر الفرنسيس في تلك الليلة وصباحها من رمي المدافع
والسواريخ من المراكب والسواحل وباتوا يضربون انواع الطبول والمزامير وفي الصباح
ركب دوجا قائممقام وصحبته اكابر الفرنسيس واكابر اهل مصر وحضروا الى قصر السد
وجلسوا به واصطفت العساكر ببر الروضة وبر مصر القديمة باسلحتهم وطبولهم وبعضهم في المراكب
لضرب المدافع المتتالية الى ان انكسر السد وجرى الماء في الخليج فانصرفوا
وفي خامس عشرينه طلبوا من كل طاحون من الطواحين فرسا
وفي سادس عشرينه كتبوااوراقا والصقوها بالاسواق مضمونها
ان الناس يذهبون الى بولاق يوم التاسع والعشرين ليحضروا سوق الخيل ويشتروا ما
احبوا من الخيل
وفيه الصقوا اوراقا ايضا مضمونها بأن من كان عليه مال
ميري ملزوم بغلاقه ومن لم يغلق ما عليه بعد مضي عشرين يوما عوقب بما يليق به ونادوا
بموجب ذلك بالاسواق
وفي سابع عشرينه كتبوا اوراقا ايضا مضمونها انقضاء سنة
مؤاجرات اقلام المكوس ومن اراد استثمار شيء من ذلك فليحضر الى الديوان وياخذ ما
يريد بالمزاد
وفيه افرج عن الانفار التي قدم بها الفرنساوية من غزة
وحبست بالقلعة على مصلحة خمسة وسبعين كيسا دفعوا بعضها وضمنهم اهل وكالة الصابون
في البعض الباقي فانزلوهم من القلعة على هذا الاتفاق بشرط ان لا يسافر منهم احد
الا بعد غلاق ما عليه
وفي ثامن عشرينه تشفع ارباب الديوان في اهل يافا
المسجونين بالقلعة ايضا فوقع التوافق معهم على الافراج عنهم بمصلحة مائة كيس
فاجتمع الرؤساء والتجار وترووا واشتوروا في مجلس خاص بينهم فاتفق الحال على
تقسيطها وتاجيلها في كل عشرين يوما خمسة وعشرون كيسا فدفع التجار خمسة وعشرين كيسا
وافرج عنهم من القلعة واجلوا الباقي على الشرح المذكور
وفيه ورد من بونابارته سارى عسكر الفرنساوية كتاب من
الاسكندرية خطا بالاهل مصر وسكانها فأحضر قائممقام دوجا الرؤساء المصرية وقرأ
عليهم الكتاب مضمونه انه سافر يوم الجمعة حادي عشرين الشهر المذكور الى بلاد
الفرنساوية لاجل راحة اهل مصر وتسليك البحر فيغيب نحو ثلاثة أشهر ويقدم مع عساكره
فإنه بلغه خروج عمارتهم ليصفوا له ملك مصر ويقطع دابر المفسدين وان المولى على أهل
مصر وعلى رياسة الفرنساوية جميعا كلهبر سارى عسكر دمياط فتحير الناس وتعجبوا في
كيفية سفره ونزوله البحر مع وجود مراكب الانكليز ووقوفهم بالثغر ورصدهم الفرنساوية
من وقت قدومهم الديار المصرية صيفا وشتاء ولكيفية خلوصة وذهابه أنباء وحيل لم أقف على
حقيقتها
وفي يوم السبت تاسع عشرينه قدم سارى عسكر كلهبر صبيحة
ذلك اليوم فضربوا لقدومه المدافع من جميع القلاع وتلقته كبار الفرنساوية وأصاغرهم
وذهب الى بيت بونابارته الذي كان ساكنا به وهو بيت الالفي
بالازبكية وسكن مكانه وفي ذلك اليوم قدمت طائفة من
العسكر من جهة الشرقية وصحبتهم منهوبات كثيرة من بلد عصت عليهم فضربوها ونهبوها
ومعهم نحو السبعين من الرجال والصغار وبعض النساء وهم موثقون بالحبال فسجنوهم
بالقلعة
وفيه ذهب أكابر البلد من المشايخ والاعيان لمقابلة سارى
عسكر الجديد للسلام عليه فلم يجتمعوا به ذلك اليوم ووعدوا الى الغد فانصرفوا
وحضروا في ثاني يوم فقابلوه فلم يروا منه بشاشة ولا طلاقة وجه مثل بونابارته فإن
كان بشوشا ويباسط الجلساء ويضحك معهم
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاحد سنة في اوائله
ابتدأوا في عمل مولد المشهد الحسيني وقهروا الناس وكرروا المناداة بفتح الحوانيت
والسهر ووقود القناديل عشر ليال متوالية آخرها ليلة الخميس ثاني عشرة
وفيه طلب سارى عسكر الجديد من نصارى القبط مائة وخمسين
الف ريال فرانسة في مقابلة بواقي سنة 1212 وشرعوا في تحصيلها
وفي يوم الجمعة سادسه ركب سارى عسكر الجديد من الازبكية
ومشى في وسط المدينة في موكب حافل حتى صعد الى القلعة وكان امامه نحو الخمسمائة
قواس وبأيديهم النبابيت وهم يامرون الناس بالقيام والوقوف على الاقدام لمروره وكان
صحبته عدة كثيرة من خياله الافرنج وبأيديهم السيوف المسلولة والوالي والاغا
وبرطلمين بمواكبهم وكذلك القلقات والوجاقلية وكل من كان مولى من جهتهم ومنضما
اليهم ماعدا رؤساء الديوان من الفقهاء فلم يطبلوهم للحضور ولا للمشي في ذلك الموكب
ولما صعد الى القلعة ضربوا له عدة مدافع وتفرج على القلعة ثم نزل بذلك الموكب الى
داره
وفي يوم السبت سابعه ركب اغاة الينكجرية في ابهة عظيمة
وجبروت وامامه عدة من عسكر الفرنسيس وامامه المنادى يقول حكم مارسم سارى عسكر خطابا
للاغا ان جميع الدعاوى والقضايا العامية لا تعمل
الا ببيت الاغا وكل من تعدى من الرعايا او وقع منه قلة
ادب يستأهل ما يجري عليه
وفيه ركب سارى عسكر الكبير في موكب دون الاول ووصل الى
بيت رئيس الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوي ثم رجع الى داره
وفي يوم الاحد ثامنه عمل سارى عسكر وليمة في بيته ودعا
الاعيان والتجار والمشايخ فتعشوا عنده ثم انصرفوا الى دورهم
وفي يوم الثلاثاء عاشره وكان آخر المولد الحسيني وحضر
سارى عسكر الفرنساوية مع اعيانهم الى بيت شيخ السادات بعد العصر في موكب عظيم
وأمامه الاغا والوالي والمحتسب وعدة كبير من عسكرهم وبيدهم السيوف المسلولة فتعشوا
هناك وركبوا بعد المغرب وشاهدوا وقود القناديل
وفي سادس عشرة نودى بنشر الحوائج وكتبوا بذلك اوراقا
والصقوها بالاسواق وشددوا في ذلك بالتفتيش والنظر بجماعة من طرف مشايخ الحارات ومع
كل منهم عسكرى من طرف الفرنساوية وامرأة ايضا للكشف على اماكن النساء فكان الناس
يأنفون من ذلك ويستثقلونه ويستعظمونه وتحدثهم أوهامهم بأمور يتخيلونها كقولهم انما
يريدون بذلك الاطلاع على أماكن الناس ومتاعهم مع أنه لم يكن شيء سوى التخوف من
العفونة والوباء
وفي عشرينه نودى بعمل مولد السيد علي البكري المدفون
بجامع الشرايبي بالازبكية بالقرب من الرويعي وأمروا الناس بوقود قناديل بالازقة في
تلك الجهات وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلا ونهارا من غير حرج وقد تقدم ذكر بعض
خبر هذا السيد وانه كان رجلا من البله وكان يمشي بالاسواق عريانا مكشوف الرأس
والسوأتين غالبا وله أخ صاحب دهاء ومكر لا يلتئم به واستمر على ذلك مدة سنين ثم
بدا لاخيه في أمر لما رأى من ميل الناس لاخيه واعتقادهم فيه كما هي عادة أهل مصر
في أمثاله فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثيابا وأظهر للناس
انه اذن له بذلك وانه تولى القطبانية ونحو ذلك فأقبلت
الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع الفاظه والانصات الى تخليطاته
وتأويلها بما في نفوسهم وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته وانه يطلع
على خطرات القلوب والمغيبات وينطق بما في النفوس فانهمكوا على الترداد اليه وقلد
بعضهم بعضا واقبلوا عليه بالهدايا والنذور والامدادات الواسعة من كل شيء وخصوصا من
نساء الامراء والاكابر وراج حال أخيه واتسعت امواله ونفقت سلعته وصادت شبكته وسمن
الشيخ من كثرة الاكل والدسومة والفراغ والراحة حتى صار مثل البو العظيم فلم يزل
على ذلك الى أن مات في سنة سبع بعد المائتين كما تقدم فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر
عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع وعمل عليه مقصورة ومقاما وواظب عنده
بالمقرئين والمداحين وأرباب الاشاير والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم
ومدحهم ونحو ذلك ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه ويغرفون
بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم وصار ذلك المسجد مجمعا وموعدا
فلما حضر الفرنساوية الى مصر تشاغل عنه الناس واهمل شانه في جملة المهملات وترك مع
المتروكات فلما فتح امر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه
من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات أعيد
هذا المولد مع جملة ما أعيد
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم الجمعة سنة فيه اهتم الفرنسيس
بعمل عيدهم المعتاد وهو عند الاعتدال الخريفي وانتقال الشمس لبرج الميزان فنادوا
بفتح الاسواق والدكاكين ووقود القناديل وشددوا في ذلك وعملوا عزائم وولائم واطعمة
ثلاثة ايام آخرها يوم الاثنين ولم يعملوه على هيئة العام الماضي من الاجتماع
بالازبكية عند الصارى العظيم المنتصب والكيفية المذكورة لان ذلك الصارى سقط
وامتلآت البركة بالماء فلما كان يوم الاحد نبهوا على الامراء
والاعيان بالبكور الى بيت سارى عسكر فاجتمع الجمع في صبح
يوم الاثنين فركب سارى سكر معهم في موكب كبير وذهبوا الى قصر العيني فمكثوا هناك
حصة وعرضت عليهم العساكر جميعها على اختلاف انواعها من خيالة ورجالة وهم بأسلحتهم
وزينتهم ولعبوا لعبهم في ميدان الحرب وخلع سارى عسكر على الشيخ الشرقاوي والقاضي
واغاة الينكجرية خلع سمور ثم رجع الى منازلهم ثم نودى في جميع الاسواق بوقود اربع
قناديل على كل دكان في تلك الليلة ومن لم يفعل ذلك عوقب ثم عملوا بالازبكية حراقة
نفوط ومدافع وسواريخ ولعبوا في المراكب طول ليلهم
وفي سابعه بعد عيد الصليب نقص ماء النيل وكان من اول
زيادته قاصرا عن العادة وزيادته شحيحة فضج الناس وانكبوا على شراء الغلة وازدحموا
في الرقع والسواحل وطلب باعة الغلة الزيادة في السعر فجمع الفرنساوية كل من كان له
مدخل في تجارة الغلال وزجروهم وخوفوهم وقالوا لهم هذه الغلة الموجودة الان انما هي
زراعة العام الماضي واما هذا العام 2 فلا تخرج زراعته الا في العام المستقبل
فانزجروا وباعوا بالسعر الحاضر وقد كاد يقع الغلاء العظيم لولا الطاف الله ورحمته ونعمه
العميمة الشاملة حصلت
وفيه ارسلوا جملة عساكر من الفرنساوية الى مراد بك
بناحية الفيوم وعليهم كبير فوقع بينهم وبينه امور لم اتحقق تفصيلها وترددت بينه
وبين سارى عسكر الرسل والمراسلات ووقع بينه وبينهم الهدنة والمهاداة واصطلح معهم
على شروط منها تقليده امارة الصعيد تحت حكمهم وفي هذا الشهر كثرت الاشاعة باجتماع
عساكر عثمانية جهة الشام فكثر اهتمام الفرنساوية باخراج الجبخانات والمدافع وآلات
الحرب والقومانية والعساكر وتحصين الصالحية والفرين وبلبيس
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة وفيه كثرت الاقوال
وتواترت الاخبار بوصول الوزير الاعظم يوسف باشا الى الديار الشامية وصحبته نصوح
باشا وعثمان أغا كتخدا الدولة وحسين اغا نزله امين ومصطفى افندي الدفتردار وباقي
رجال الدولة وعسفوا في البلاد الشامية وضربوا عليهم الضرائب العظيمة وجبوا الاموال
وفعلوا مالا خير فيه من الظلم وقتل الانفس بسبب استخلاص الاموال فلما كان في
منتصفه وردت الاخبار بوصولهم الى غزة العريش وانهم حاصروا قلعة العريش وقاتلوا من
بها من عسكر الفرنساوية حتى ملكوها في تاسع عشره واحتووا على ماكان فيها من
الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وصعد مصطفى باشا الذي باشر اخذ القلعة مع جملة من العسكر
وبعض الاجناد المصرية وضربت النوبة وحصل لهم الفرح العظيم فاتفق انه وقعت نار على
مكان الجبخانة والبارود المخزون بالقلعة وكان شيئا كثيرا فاشتعلت وطارت القلعة بمن
فيها واحترقوا وماتوا وفيهم الباشا المذكور ومن معه ومحمد اغا ارنؤد الجلفي وغيره
من المصرلية ومات كثير ممن كان خارجا عنها وبقربها مما نزل عليهم من النار
والاحجار المتطايرة في اسرع وقت ولما تحقق الفرنساوية اخذ العريش وان عساكر
العثمانيين زاحفة الى جهة الصالحية نهيأ سارى عسكر الفرنساوية واستعد للخروج
والسفر في اسرع وقت وخرج بعساكره وجنوده الى الصالحية وقد كان قبل أخذ العثمانيين
قلعة العريش ارسل الفرنساوية الى سينت كبير الانكليز مراسلات ليتوسط بينهم وبين
العثمانيين ثم ورد فرمان من حضرة الوزير قبل وصوله لجهة العريش خطابا الى جمهور الفرنساوية
باستدعاء رجلين من رؤسائهم وعقلائهم ليتشاور معهم ويتفق معهم على أمر يكون فيه
المصلحة للفريقين على ما سيشترطونه بينهم فوجهوا اليه من طرفهم بوسليك رئيس الكتاب
وديزه سارى عسكر الصعيد فنزلوا في البحر على دمياط وطالت مدة غيابهم وبعث كلهبر
سارى عسكر رسلا من طرفه لاستفسار الاخبار
واستهل شهر شعبان المعظم سنة فورد الخبر بقدومهما في اثنين
وعشرين فيه الى الصالحية فارسلوا لهما الخيول وما يحتاجان اليه وحضرا الى مصر وشاع
أمر الصلح وحضر من طرف العثمانيين رئيس الكتاب والدفتردار لتقرير الصلح وجنح كل من
الفريقين الى ذلك لما فيه من كف الحرب وحقن الدماء وأظهر الفرنساوية الخداع والخضوع
حتى تم عقد الصلح على اثنين وعشرين شرطا رسمت وطبعت في طومار كبير وورد الخبر بذلك
الى مصر وفرح الناس بذلك فرحاشديدا وأرسل سارى عسكر الفرنساوية مكاتبة بصورة الحال
الى دوجا قائممقام فجمع اهل الديوان وقرأ عليهم ذلك
ولما ورد ذلك الطومار المتضمن لعقد الصلح والشروط وعربوه
وطبعوا منه نسخا كثيرة فرقوا منها على الاعيان وألصقوا منها بالاسواق والشوارع
وصورته بما فيه من الفصول والشروط بالحرف الواحد ما عدا
ترجمة الاسطر التي باللغة الفرنساوية وهذه صورة الشروط الواقعة لخلو مصر ما بين
حضرة الجنرال ديزة متفرقة وحضرة بسليغ مدير الحدود العام نواب سرى العسكر العام
كلهبر المفوضين بكامل السلطان وجناب سامي المقام مصطفى رشيد افندي دفتردار ومصطفى
راسيسه أفندي رئيس كتاب الوكلاء المفوضين بكامل السلطان عن جناب حضرة الوزير سامي
المقام ان للجيش الفرنساوي بمصر عندما قصد ان يوضح ما في نفسه من وفور الشوق لحقن
الدماء ويرى نهاية الخصام المضر الذي قد حصل ما بين المشيخة الفرنساوية والباب العالي
فقد ارتضى ان يسلم بخلو الاقليم المصري بحسب هذه الشروط الآتي ذكرها يأمل ان بهذا
التسليم يمكن أن يتجه ذلك الى الصلح العام في بلاد المغرب قاطبة
الشرط الاول أن الجيش الفرنساوي يلزمه ان يتنحى بالاسلحة
والعزال بالامتعة الى الاسكندرية ورشيد وابو قير لاجل ان يتوجه وينتقل بالمركب الى
فرانسا ان كان ذلك في مراكبهم الخاص بهم ام في
تلك التي يقتضي للباب العالي ان يقدمها لهم بقدر الكفاية
ولاجل تجهيز المراكب المذكورة بأقرب نوال فقد وقع الاتفاق من بعد مضي شهر واحد من
تقرير هذه الشروط يتوجه الى قلعة اسكندرية نائب من قبل الباب العالي وصحبته خمسون نفرا
الشرط الثاني فلا يدعن المهلة وتوقيف الحرب بمدة ثلاثة
اشهر بالاقليم المصري وذلك من عهد امضاء شروط الاتفاق هذه واذا صادف الامر ان هذه
المهلة تمضي قبل ان المراكب الواجب تجهيزها من قبل الباب العالي تحضر جاهزة
فالمهلة المذكورة يقتضي مطاولتها الى ان ينجز الرحيل على التمام والكمال ومن
الواضح انه لا بد عن اصراف الوسايط الممكنة من قبيل الفريقين لكي لا يحصل ما يمكن
وقوعه من التجسس ان كان ذلك من الجيش من اهل البلاد اذا كانت هذه المهلة قد حصل
الاتفاق بها لاجل راحتهم
الشرط الثالث فرحيل الجيش الفرنساوي يقتضي تدبيره بيد
الوكلاء القادمين لهذه الغاية من قبل الباب الاعلى وسرى العسكر كلهبر واذا حصل
خصام ما بين الوكلاء المذكورين بوقت الرحيل في هذا الصدد فلينتخب من قبل حضرة سيد
نهى سميت رجل لينهى المخاصمات المذكورة بحسب قواعد السياسة البحرية السالكون عليها
ببلاد الانكليز
الشرط الرابع قطية والصالحية لا بد عن خلوهما عن الجيش الفرنساوية
في ثامن يوم وأعظم ما يكون في عاشر يوم من امضاء شروط الاتفاق هذه ومدينة المنصورة
يكون خلوها من بعد خمسة عشر يوما واما دمياط وبلبيس من بعد عشرين يوما واما السويس
فيكون خلوه ستة ايام قبل مدينه مصر واما المحلات الكائنة في الجهة الشرقية من بحر
النيل فيكون خلوها في اليوم العاشر والدلطا أي الاقليم البحرية يكون خلوها خمسة عشر
يوما من بعد خلو مصر والجهة الغربية وما يتعلق بها تستمر بيد الفرنسيس الى حد خلو
مدينة مصر ولكن من حيث انها لا بد ان تستمر بيد الفرنساوية الى ان يكون انحدار العسكر
من جهات
الصعيد فجهة الغربية وتعلقاتها كما ذكر فممكن انه لا
يتيسر خلوها الا من بعد انقضاء وقت المهلة المعين اذا لم يمكن خلوها قبل هذا
الميعاد والمحلات التي تترك من الجيش فتسلم الى الباب الاعلى كما هي في حالها الآن
الشرط الخامس ثم ان مدينة مصر ان امكن ذلك يكون خلوها بعد
اربعين يوما واكثر ما يكون بمدة خمسة واربعين يوما من وقت امضاء الشروط المذكورة
الشرط السادس انه لقد وقع الاتفاق صريحا على ان الباب الاعلى
يصرف كل اعتناء في ان الجيش الفرنساوي الموجود في الجهة الغربية من بحر النيل
عندما يقصد التنحي بكامل ماله من السلاح والعزال لنحو معسكرهم لاتصير عليه مشقة
ولا أحد يشوش عليه ان كان ذلك مما يتعلق بشخص كل واحد منهم او بامتعته او بكرامته
وذلك اما من اهالي البلاد واما من جهة العسكر السلطاني العثملي
الشرط السابع وحفظا لاتمام الشرط المذكور اعلاه وملاحظة
لمنع ما يمكن وقوعه من الخصام والمعاداة فلا بد عن استعمال الوسائط في ان عسكر
الاسلام يكون دائما متباعدا عن العسكر الفرنساوي
الشرط الثامن فمن تقرير وامضاء هذه الشروط فكل من كان من
الاسلام ام من باقي الطوائف من رعايا البلم الاعلى بدون تمييز الاشخاص اولئك
الواقع عليها الضبط ام الذين واقع عليهم الترسيم ببلاد فرانسا أو تحت أمر
الفرنساوية بمصر يعطى لهم الاطلاق والتعلق وبمثل ذلك فكل الفرنساوية المسجونين في
كامل البلدان والاساكل من مملكة العثملي وكذلك كامل الاشخاص من ايما طائفة كانت اولئك
الذين كانوا في تعلق خدمة المراسلات والقناصل الفرنساوية لا بد عن انعتاقهم
الشرط التاسع فترجيع الاموال والاملاك المتعلقة بسكان البلاد
والرعايا من الفريقين أم دفع مبالغ اثمانها لاصحابها فيكون الشروع به حالا من بعد
خلو مصر والتدبير في ذلك يكون بيد الوكلاء في اسلامبول
المقامين بوجه خاص من الفريقين لهذا المقصد
الشرط العاشر فلا يحصل التشويش لاحد من سكان الاقليم
المصري من أي ملة كانت وذلك لا في اشخاصهم ولا في اموالهم نظرا الى ما يمكن ان
يكون قد حصل من الاتحاد ما بينهم وبين الفرنساوية من اقامتهم بارض مصر
الشرط الحادي عشر ولا بد ان يعطى للجيش الفرنساوي ان كان
من قبل الباب الاعلى او من قبل المملكتين المرتبطين معه اعني بها مملكة انكلترة ومملكة
المسكوب فرمانات الاذن وأوراق المحافظة بالطريق وبمثل ذلك السفن اللازمة لرجوع الجيش
المذكور بالامن والامان الى بلاد فرانسا
الشرط الثاني عشر وعند نزول الجيش الفرنساوي المذكور
الكائن بمصر الان فالباب الاعلى وباقي الممالك المتحدة معه يعاهدون بأجمعهم انهم
من وقت ينزلون بالمراكب الى حين وصولهم الى أراضي فرانسا لا يحصل عليهم شيء قط مما
يكدرهم وبنظير ذلك فحضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام يعاهد من قبله وصحبته
الجيش الفرنساوي الكائن بمصر بانه لا يصدر منهم مما يؤول الى المعاداة على الاطلاق
ما دامت المدة المذكورة وذلك لا ضد العمارة ولا ضد بلدة من بلدان الباب الاعلى وباقي
الممالك المرتبطة معه وكذلك ان السفن التي يسافر بها الجيش المشار اليه ليس لها أن
ترى في حد من الحدود الا بتلك التي تختص باراضي فرانسا ما لم يكن ذلك في حادث ما
ضروري
الشرط الثالث عشر ونتيجة ما قد وقع الاتفاق عليه من
الامهال المشترط أعلاه بما يلاحظ خلو الاقليم المصري فالجهات الواقع بينهم هذا
الاشتراط قد اتفقوا على انه اذا حضر في حد هذه المدة المذكورة مركب من بلاد فرانسا
بدون معرفة غلايين الممالك المتحدة ودخل بمينا اسكندرية فلازم عن سفره حالا وذلك
من بعد ان يكون قد تحوج بالماء والزاد اللازم ويرجع الى فرانسا وذلك بسندات أوراق
الاذن من قبل الممالك
المتحدة واذا صادف الامران مركبا من هذه المراكب يحتاج الى
الترقيع فهذه لا غير يباح لها الاقامة الى أن ينتهي اصلاحها المذكور وفي الحال من
ثم تتوجه الى بلاد فرانسا نظير التي قد تقدم القول عنها عند أول ريح يوافقها
الشرط الرابع عشر وقد يستطيع حضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر
العام أن يرسل خبرا الى آرباب الاحكام الفرنساوية في الحال ومن يصحب هذا الخبر لا
بد أن تعطى له اوراق الاذن بالاطلاق كما يقتضي ليسهل بهذه الواسطة وصول الخبر الى
اصحاب الحكم بفرانسا
الشرط الخامس عشر واذا قد اتضح ان الجيش الفرنساوي يحتاج
الى المعاش اليومي ما دامت الثلاثة اشهر المعينة لخلو الاقليم المصري وكذلك لمعاش
الثلاثة الاشهر الاخرى التي يكون مبتدأها من يوم نزولهم بالمراكب فقد وقع الاتفاق
على انه يقدم له مقدار ما يلزمه من القمح واللحم والارز والشعير والتبن وذلك بموجب
القائمة التي تقدمت الان من وكلاء الجمهور الفرنساوي ان كان ذلك مما يخص اقامتهم
او ما يلاحظ سفرم والذي يكون قد أخذه الجيش المذكور مقدار ما كان من شؤونه وذلك من
بعد امضاء هذه الشروط فينخصم مما قد لزم ذاته بتقدمته الباب الاعلى
الشرط السادس عشر ثم ان الجيش الفرنساوي منذ ابتدأ وقوع
امضاء هذه الشروط المذكورة ليس له ان يفرد على البلاد فردة ما من الفرائد قطعا
بالاقليم المصري لا بل وبالعكس فانه يخلى للباب الاعلى كامل فر المال وغيره مما
يمكن توجيه قبضه وذلك الى حين سفرهم وبمثل ذلك الجمال والهجن والجبخانة والمدافع
وغير ذلك مما يتعلق بهم ولا يريدون أن يحملوه معهم ونظير ذلك شون الغلال الوارد
نعلهم من تحت المال واخيرا مخازن الخراج فهذه كلها لا بد عن الفحص عنها وتسعيرها
من اناس وكلاء موجهين من قبل الباب الاعلى لهذه الغاية ومن أمين البحر الانكليزي
وبرفقة الوكلاء المتصرفين بأمر الجنرال كلهبر سرى العسكر وهذه الامتعة لا بد عن
قبولها من وكلاء الباب الأعلى المتقدم
ذكرهم بموجب ما وقع عليه السعر الى حد قدر مبلغ ثلاثة
آلاف كيس التي تقتضي للجيش الفرنساوي المذكور لسهولة انتقاله عاجلا ونزوله
بالمراكب واذا كانت الاسعار في هذه الامتعة المذكورة لا توازي المبلغ المرقوم
أعلاه فالخسيس والنقص في ذلك لا بد عن دفعه بالتمام من قبل الباب الاعلى على جهة
السلفة تلك التي يلزم بوفائها ارباب الاحكام الفرنساوية بأرواق التمسكات المدفوعة من
الوكلاء المعنين من الجنرال كلهبر سرى العسكر العام لقبض واستلام المبلغ المذكور
الشرط السابع عشر ثم أنه اذا كانت تقتضي للجيش الفرنساوي
بعض مصاريف لخلوهم مصر فلا بد ان نقبض وذلك من بعد تقرير تمسك الشروط المذكورة القدر
المحدد اعلاه بالوجه الآتي ذكره أعني فمن بعد مضي خمسة عشر يوما خمسمائة كيس وفي
غلاق الثلاثين يوما خمسمائة كيس اخرىوبتمام الاربعين يوما ثلثمائة كيس اخرى وعند
تمام الخمسين يوما ثلثمائة كيس شرحه وعند غلاق الستين يوما ثلثمائة كيس أخرى وفي
السبعين يوما ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الثمانين يوما ثلثمائة كيس اخرى وعند
غلاق التسعين يوما خمسمائة كيس أخرى وكل هذه الاكياس المذكورة هي عن كل كيس
خمسمائة غرش عثملي ويكون قبضها على سبيل السلفة من يد الوكلاء المعينين لهذه
الغاية من قبل الباب الاعلى ولكي يسهل اجراء العمل بما وقع الاعتماد عليه فالباب
الاعلىمن بعد وضع الامضاء علىالنسختين من الفريقين يوجه حالا الوكلاء الى مدينة
مصر والى بقية البلاد المستمر بها الجيش
الشرط الثامن عشر ثم ان فرد المال الذي يكون قد قبضه
الفرنساوية من بعد تاريخ تحرير الشروط المذكورة وقبل أن يكون قد اشتهر هذا الاتفاق
في الجهات المختلفة بالاقليم المصري فقد تخصم من قدر مبلغ الثلاثة آلاف كيس
المتقدم القول عنها
الشرط التاسع عشر ثم انه لكي يسهل خلو المحلات سريعا
فالنزول في المراكب الفرنساوية المختصة بالحمولة والموجودة في المين بالاقليم
المصري مباح به ما دامت مدة الثلاثة اشهر المذكورة
المعينة للمهلة وذلك من دمياط ورشيد حتى الى الاسكندري ومن اسكندرية حتى الى رشيد
ودمياط
الشرط العشرون فمن حيث انه للطمأن الكلي في جهات البلاد
الغربية يقتضي الاحتراس الكلي لمنع الوبا الطاعوني عن انه يتصل هناك فلا يباح ولا
لشخص من المرضى او من اولئك الذين مشكوك بهم برائحة من هذا الداء الطاعوني ان ينزل
بالمراكب بل ان المرضى بعلة الطاعون او بعلة اخرى اينما كانت تلك التي بسببها لا
يقتضي ان يسمح بسفرهم بمدة خلو الاقليم المصري الواقع عليها الاتفاق يستمرون في
بيمارستان المرضى حيث هم الآن تحت امان جناب الوزير الاعظم عالي الشأن ويعالجونهم
الاطباء من الفرنساوية اولئك الذين يجاورونهم بالقرب منهم الى ان يتم شفاهم يسمح
لهم بالرحيل الشيء الذي لا بد عن اقتضاء الاستعجال به بأسرع ما يمكن ويحصل لهم
ويبدو ونحوه ما ذكر في الشرطين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الاتفاق نظير ما
يجري على باقي الجيش ثم ان امير الجيش الفرنساوي يبذل جهده في ابراز الاوامر الاشد
صرامة لرؤساء العساكر النازلة بالمراكب بان لا يسمحوا لهم بالنزول بمينا خلاف المين
التي تتعين لهم من رؤساء الاطباء تلك المين التي يتيسر لهم بها ان يقضوا أيام
الكارنتينة بأوفر السهولة من حيث انها من مجرى العادة ولا بد عنها
الشرط الحادي والعشرون فكل ما يمكن حدوثه من المشاكل
التي تكون مجهولة ولم يمكن الاطلاع عليها في هذه الشروط فلا بد عن نجازها بوجه الاستحباب
ما بين الوكلاء المعينين لهذا لقصد من قبل الجناب الوزير الاعظم عالي الشأن وحضرة
الجنرال كلهبر سرى العسكر العام بوجه يسهل ويحصل الاسراع بالخلو
الشرط الثاني والعشرون وهذه الشروط لا تعد صحيحة الا من
بعد اقرار الفريقين وتبديل النسخ وذلك بمدة ثمانية أيام ومن بعد حصول هذا
الاقرار لا بد عن حفظ هذه الشروط الحفظ اليقين من الفريقين
كليهما
صح وثبت وتقرر بختوماتنا الخاصة بنا بالمعسكر حيث وقعت
المداولة بحد العريش في شهر يلويوز سنة ثمان من اقامة المشيخة الفرنساوية وفي رابع
عشرين شهر شعبان هلالية سنة 1224 هجرية الممضين الجنرال متفرقة ذره البلدي بوسيهلغ
المفوضين بكامل سلطانه الجنرال كلهبر وجناب سامي مقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار
ومصطفى راسيسه افندي رئيس الكتاب المفوضين بكامل سلطان جناب الوزير الاعظم عالي
الشأن منقولة عن النسخة الاصلية الموافقة لتلك الموجهة بالفرنساويةالى الوكلاء
العثملي بدلا من التي قد وجهوها باللغة التركية ممضي درزه وبوسيهلغ تقرير الجنرال
سرى العسكر العام محرر في آخر السنة التركية التي بقيت محفوظة بيد الوزير الاعظم
انني انا الواضع اسمي ادناه الجنرال سري العسكر العام أمير الجيش الفرنساوية
بالاقليم المصري اثبت واقرر شروط الاتفاق المذكور اعلاه للحصول على اجرائه بالعمل
بالنوع والصورة ان كان من اللازم ان اتيقن بان الاثنين وعشرين شرطا المشروحة الى
الان هي موافقة على التدقيق باللغة الفرنساوية الممضي عليها من الوكلاء اصحاب
ولاية الوزير الاعظم والمقررة من جناب عالي الشأن الترجمة التي لا بد عن الاعتماد
بأجرائها كل مرة ان كان لسبب أم لآخر ممكن حصول بعض الاختلافات ومن ثم فتقلد بعض
المشاكل
صح وجرى بمحل العسكر العام بالصالحية في ثامن شهر بلويوز
سنة ثمان من المشيخة ممضي كلهبر عن نسخة صحيحة الجنرال متفرقة راس صاحب ختام في
الجيش الفرنساوية ممضى داماس انتهى بحروفه وما فيه من خطأ او تحريف فهو طبق الاصل
المطبوع بالمطبعة الفرنساوية باللغة العربية ولم أغير منه سوى ما في تواريخ الاشهر
والسنين بالارقام الهندية والله أعلم
استهل شهر رمضان المعظم بيوم الاحد سنة في ثانيه حضر
سارى عسكر الفرنساوية كلهبر الى ناحية العادلية وصحبته اغا من رجال الدولة
العثمانية يسمى محمد اغا فأرسل سارى عسكر الى حسن اغا نجاتي المحتسب يأمره بأن
يتلقاه وينزله في بيته ويكرمه اكراما زائدا فلما كان بعد العشاء دخل ذلك الاغا الى
مصر في موكب فحصل للناس ضجة عظيمة وازدحموا على مشاهدتهم له والفرجة عليه وارتفعت
اصواتهم وعلا ضجيجهم وركبوا على مصاطب الدكاكين والسقائف وانطلقت النساء والزغاريت
من الطيقان واختلفت آراؤهم في ذلك القادم ولم يعلموا ما هو فدخل من باب النصر وشق
القاهر ولم يزل سائرا حتى وصل الى بيت حسن اغا بسويقة اللالا فنزل هناك فلما استقر
به الجلوس ازدحم الناس والاعيان للسلام عليه ولمشاهدته بالمشاعل والفوانيس فلما
كان صبح تلك الليلة عمل ديوانا وجمع العلماء والوجاقلية واعيان الناس وكبار النصارى
من الاقباط والشوام فلما تكاملوا ابرز لهم فرمانا من الوزير فقرىء عليهم بالمجلس
فدل مضمونه على انه اغات الجمارك أي المكوس بمصر بولاق ومصر القديمة وفيه التحكير
على جميع الواردات من اصناف الاقوات فيشتريها بالثمن الذي يسعره هو بمعرفة المحتسب
ويودعه في المخازن وابرز فرمانا آخر قرى بالمجلس مضمونه ان الوزير اقام مصطفى باشا
الذي كان اسر بأبي قير وكيلا عنه وقائممقام بمصر الى حين حضوره وان السيد أحمد
المحروقي كبير التجار ملزوم ومقيد بتحصيل الثلاثة آلاف كيس المعينة لترحيل
الفرنساوية
وانفض المجلس على ذلك وأخذ السيد احمد المحروقي في تحصيل
ذلك القدر من الناس وفرضوه عل التجار وأهل الاسواق والحرف وشرعوا في تحكير الاقوات
فغلت أسعارها وضاقت مؤن الناس ودهى الناس من أول احكامهم بهاتين الداهيتين وكان أول
قادم منهم أمير المكوسات ومحكر الاقوات وأول مطلوبهم مصادرة الناس وأخذ المال
منهم وتغريمهم واجتهد السيد احمد الحروقي في توزيع ذلك وجمعه
في ايام قليلة فكان كل من توجه عليه مقدار من ذلك اجتهد في تحصيله واخرجه عن طيف
قلب وانشراح خاطر وبادر بالدفع من غير تأخير لعلمه ان ذلك لترحيل الفرنساوية ويقول
سنه مباركة ويوم سعيد بذهاب الكلاب الكفرة كل ذلك بمشاهدة الفرنسيس ومسمعهم وهم
يحقدون ذلك عليهم وحضر مصطفى باشا من الجيزة وسكن ببيت عبد الرحمن كتخدا بحارة
عابدين
وارسل الوزير فرامانات الى البلاد وعين المعينين
والمباشرين بطلب المال والغلال والكلف من الاقاليم وأرسل الى البنادر وجعل في كل
بندر اميرا ووكيلا لجمع الغلال والمطلوبات من الذخيرة وجمعها بالحواصل ولا يخفي ما
يحصل في ضمن ذلك من الجزئيات التي سيتضح بعضها فيما بعد وأما الرعايا وهمج الناس
من اهل مصر فانهم استولى عليهم سلطان الغفلة ونظروا للفرنسيس بعين الاحتقار
وأنزلوهم عن درجة الاعتبار وكشفوا نقاب الحياء معهم بالكلية وتطاولوا عليهم بالسبب
واللعن والسخرية ولم يفكروا في عواقب الامور ولم يتركوا معهم للصلح مكانا حتى ان فقهاء
المكاتب كانوا يجمعون الاطفال ويمشون بهم فرقا وطوائف حسبة وهم يجهرون ويقولون
كلاما مقفى بأعلى أصواتهم بلعن النصارى وأعوانهم وافراد رؤسائهم كقولهم الله ينصر
السلطان ويهلك فرط الرمان ونحو ذلك وظنوا فروغ القضية ولم يملكوا لانفسهم صبرا حتى
تنقضي الايام المشروطة على ان ذلك لم يثمر الا الحقد والعداوة التي تأسست في قلوب
الفرنسيس وأوجبت ما حصل بعد ذلك من وقوع العذاب البئيس
وقال الشعبي من جملة كلام وصادفنا فتنة لم نكن فيها بررة
أتقياء ولا فجرة أقوياء وأخذ الفرنساوية في اهبة الرحيل وشرعوا في مبيع امتعتهم
وما فضل عن سلاحهم ودوابهم وسلموا غالب الثغور والقلاع كالصلحية وبلبيس ودمياط
والسويس ثم ان العثمانين تدرجوا في دخول
مصر وصار في كل يوم يدخل منهم جماعة بعد جماعة واخذوا
يشاركون الناس في صناعاتهم وحرفهم مثل القهوجية والحمامية والخياطين والمزينين
وغيرهم فاجتمع العامة واصحاب الحرف الى مصطفى باشا قائمقام وشكوا اليه فلم يلتفت
لشكواهم لان ذلك من سنن عساكرهم وطرائفهم القبيحة
وورود الخبر بوصول حضرة الوزير الى بلبيس وصحبته الامراء
المصرية وارسلوا الى مراد بك ومن معه بالحضور الى العرضي فأجاب بالاعتذار عن
الحضور لانه في الصعيد فلم يقبلوا عذره فأكدوا عليه بالحضور فاستأذن الفرنساوية
سرا فاستأذنوا له في المقابلة وكان سفيره في ذلك عثمان بك البرديسي ثم انه حضر
وقابل الوزير بصحبة ابراهيم بك وخلع عليهما ورجع مراد بك فخيم جهة العادلية وحضر
حسن أغا نزله أمين ودخل مصر واخلى الفرنساوية قلعة الجبل وباقي القلاع التي
احدثوها ونزلوا منها فلم يطلع اليها احد من العثمانيين ولم يلتفتوا لتحصينها ولا ربطها
بالعساكر والجبخانة واعرضوا عن المحاذرة وركبهم الغرور لاجل نفاذ المقدور وحضر
ايضا غالب المصريين الفارين من مصر وقت مجيء الفرنساوية اليها من الاغوات
والوجاقلية والافندية والكتبة مثل ابراهيم افندي الروزنامجي وثاني قلفة وغيرهما
بنسائهم وأولادهم يظنون فروغ القضية والذي خافوا منه وقعوا فيه كما ستراه وأرسل
ابراهيم بك الى السيد احمد المحروقي يطلب كساوى وثيابا وطرابيش وسراويل للمماليك
ولخاصة نفسه فأرسل اليه مطلوبه وأخرجت لهم الخيام والتراتيب والنظام وهيأت نساء
الامراء والاجناد احتياجاتهم وترتيباتهم وجروا على عادتهم في الثغالى ولازمت الخدم
والفراشون الغدو والرواح الى خيم ساداتهم وهم راكبون البغال والرهونات والحمير
الفارهة وفي حجورهم تعابي الثياب والبقج المزركشة بالذهب والفضة وكذلك الخدم الذين
يحملون الخوانات وطبالي الاطبخة والاطعمة وعليها الاغطية الحرير والوشي الملون وهم
يتغنون برفع أصواتهم ويتجاوبون بكلام وسخريات ولعن للنصارى
البلدية والفرنسيس بمرآى منهم ومسمع الى غير ذلك مما
يحرك الحفائظ ويوغر الصدور
ولما استقر الوزير بمدينة بلبيس وذلك في الثاني والعشرين
من شهر رمضان استأذن العلماء والتجار والاعيان المصرية مصطفى باشا في التوجه
للسلام فاستأذن ثم اذن لهم فذهبوا ايضا الى سارى عسكر كلهبر واستأذنوه فأذن لهم ايضا
فذهبوا عند ذلك للسلام عليه فوصلوا الى نصوح باشا والي مصر وسلموا عليه وباتوا
بوطاقه فلما وصلوا اليه واستقر بهم الجلوس سأل عن أسمائهم وكذلك عن التجار واكابر
النصارى ثم خلع عليهم خلعا وانصرفوا من عنده فطافوا على اكابر الدولة بالعرضي
وكذلك على الامراء المصرية ورجعوا الى مصر ودخلوها وعليهم تلك الخلع وصحبتهم قاضي
العسكر وهو لابس قبوط اسود ووصل نصوح باشا والامراء الى جهة الخانكاه ثم الى
المطرية
وفيه حضر درويش باشا والي الصعيد الى خارج القاهرة جهة
الشيخ قمر فمكث اياما ثم توجه الى قبلي وصحبته نحو المائة نفر وكذلك ذهبت طائفة
الى السويس والى دمياط والمنصورة وانبثوا في البلاد ودخلوا مصر شيئا فشيئا
واستهل شهر شوال سنة في سابعه وقعت حادثة بين عسكر
الفرنساوية والعثمانية وهي اول الحوادث التي حصلت بينهم وهو ان جماعة من عسكر
العثمانية تشاجروا مع جماعة من عسكر الفرنساوية فقتل بينهم شخص فرنساوي ووقعت في
الناس زعجة وكرشة واغلقوا الحوانيت وعمل العثمانية متاريس وتترسوا بها بناحية
الجمالية وما والاها واجتمعوا هناك ووقع بينهم مناوشة قتل فيها اشخاص قليلة من
الفريقين وكادت تكون فتنة وباتوا ليلتهم عازمين على الحرب فتوسطت بينهم كبراء
العسكر في تمهيد ذلك وازالوا المتاريس وانكف الفريقان وبحث مصطفى باشا عمن اثار الفتنة
وهم ستة انفار فقتلهم وارسلهم الى سارى عسكر الفرنساوية فلم يطب خاطره
بذلك وقال لا بد من خروج عسكرهم الى عرضيهم حتى تنقضي الايام
المشروطة واذا دخل منهم احد الى المدينة لا يدخلون الا بطريقة وبدون سلاح فعند ذلك
أمر مصطفى باشا بخروج الداخلين من العساكر ولا يبقى منهم احد ووقف جماعة من
الفرنساوية خارج باب النصر فاذا اراد احد من العسكر او من اعيان العثمانية الدخول
الى المدينة فعند وصوله اليهم ينزل عندهم وينزع ما عليه من السلاح ويدخل وصحبته شخص
او شخصان موكلان به يمشيان امامه حتى يقضي شغله ويرجع فاذا وصل الى الفرنساوية
الملازمين خارج البلد اعطوه سلاحه فيلبسه ويمضي الى اصحابه فكان هذا شأنهم
وفي منتصفه توجه جماعة من اعيان الفرنساوية الى
الاسكندرية بمتاعهم واثقالهم وفيهم قائممقام وديزه سارى عسكر الصعيد وبوسليك رئيس
الكتاب ومدير الحدود ونزل جماعة منهم الى البحر يريدون السفر الى بلادهم فتعرض لهم
الانكليز يريدون معاكستهم فأرسلوا الى سارى عسكر بمصر وعرفوه الحال فأرسل بذلك الى
الوزير فأجابه بجواب لم يرتضه واصبح زاحفا الى سطح الخانكاه وكان ذلك آخر ايام
المهلة المتفق عليها في دخول الوزير الى مصر وخروج الفرنساوية منها فلما رأوا ذلك
طلبوا ثمانية ايام اجلة زيادة على ايام المهلة فأجيبوا الى ذلك ووصل الامراء
المصرية وعرضي نصوح باشا وجملة من العساكر العثمانية الى ناحية المطرية ونصبوا خيامهم
ووطاقهم هناك ثم ان الفرنساوية جعلوا الثمانية ايام المذكورة ظرفا لجمع عساكرهم
وطوائفهم من البلاد القبلية والبحرية ونصبوا وطاقهم بساحل البحر متصلا باطراف مصر
ممتدا من مصر القديمة الى شبرا وترددوا الى نواحي القلاع وهي لم يكن بها احد
وشرعوا واجتهدوا في رد الجبخانة والذخيرة وآلات الحرب والبارود والجلل والمدافع
والبنب على العربات ليلا ونهارا والناس يتعجبون من ذلك ومصطفى باشا قائممقام ومن
معه يشاهدون ذلك ولا يقولون شيئا والبعض يقول ان الوزير أرسل اليهم وأمرهم برد ذلك
كما كان ونحو
ذلك من الخرافات التي لا تروج على الفطن ويقال ان الفرنساوية
أرسل اليهم بعض اصدقائهم من الانكليز وعرفوهم ان الوزير اتفع مع الانكليز على
الاحاطة بالفرنساوية اذا صاروا بظاهر البحر فلما حصل منهم معهم ما سبقت الاشارة اليه
تحققوا ذلك وارسلوا ليوسف باشا بذلك فلم يجبهم بجواب شاف وعجل بالرحيل والقدوم الى
ناحية مصر وقد كان الفرنساوية عندما تراسلوا وترددوا جهة والعرضي تفرسوا في عرضي
العثمانيين وعساكرهم وأوضاعهم وتحققوا حالهم وعلموا ضعفهم عن مقاومتهم فلما حصل ما
ذكر تأهبوا للمقاومة والمحاربة وردوا آلاتهم الى القلاع فلما تمموا أمر ذلك وحصنوا
الجهات وأبقوا من ابقوه وقيدوه بها من عساكرهم واستوثقوا من ذلك خرجوا بأجمعهم الى
ظاهر المدينة جهة قبة النصر وانتشروا في تلك النواحي ولم يبق بداخل المدينة منهم
الا من كان بداخل القلاع وأشخاص ببيت الالفي بالازبكية وبعض بيوت الازبكية وغلب على
ظن الناس أنهم برزوا للرحيل
وفي العشرين منه طلبوا مصطفى باشا وحسن أغا نزله امين
فلما حضرا اليهم أرسلوهما للجيزة فلما كان اليوم الثالث والعشرين من شوال ركب سارى
عسكر كلهبر قبل طلوع الفجر بعساكره وصحبتهم المدافع وآلات الحرب وقسم عساكره
طوابير فمنهم من توجه الى عرضي الوزير ومنهم من مال على جهة المطرية فضربوا عليهم
فلم يسعهم الا الجلاء والفرار وتركوا خيامهم ووطاقهم وركب نصوح باشا ومن كان معه
وطلبوا جهة مصر فتركهم الفرنساوية ولحقوا بالذاهبين من اخوانهم الى جهة العرضي
فلما قاربوه ارسلوا الى الوزير يأمرونه بالرحيل بعد أربع ساعات فلم يسعه الا
الارتحال والفرنساوية في أثره وغالب عساكره مفرقون ومنتشرون في البلاد والقرى والنواحي
لجمع المال ومقررات الفرض وظلم الفقراء
وأما أهل مصر فانهم لما سمعوا صوت المدافع كثر فيهم
اللغط والقيل والقال ولم يدركو حقيقة الحال فهاجوا ورمحوا الى أطارف البلد وقتلوا
أشخاصا من الفرنساوية صادفوهم خارجين من البلد ليذهبوا الى أصحابهم
وذهبت شرذمة من عامة أهل مصر فانتهبت الخشب وبعض ما
وجدوه من نحاس وغيره حيث كان عرضي الفرنساويةوخرج السيد عمر افندي نقيب الاشراف
والسيد احمد المحروقي وانضم اليهم اتراك خان الخليلي والمغاربة الذين بمصر وكذلك
حسين أغا شتن أخو ايوب بك الصغير وتبعهم كثير من عامة اهل البلد وتجمعوا على
التلول خارج باب النصر وبأيدي الكثير منهم النبابيت والعصي والقليل معه السلاح
وكذلك تحزب كثير من طوائف العامة والاوباش والحشرات وجعلوا يطوفون بالازقة وأطارف
البلد ولهم صياح وضجيج وتجاوب بكلمات يقفونها من اختراعاتهم وخرافاتهم وقاموا على
ساق وخرج الكثير منهم الى خارج البلدة على تلك الصورة فلما تضحى النهار حضر بعض الاجناد
المصريين ودخلوا مصر وفيهم المجاريح وطفق الناس يسألونهم فلم يخبروهم بشيء لجهلهم
ايضا حقيقة الحال ثم لم يزل الحال كذلك الى أن دخل وقت العصر فوصل جمع عظيم من
العامة ممن كان خارج البلدة ولهم صياح وجلبة على الشرح المتقدم وخلفهم ابراهيم بك
ثم اخرى وخلفهم سليم أغا ثم اخرى كذلك وخلفهم عثمان كتخدا الدولة ثم نصوح باشا
ومعه عدة وافرة من عساكرهم وصحبتهم السيد عمر النقيب والسيد أحمد المحروقي وحسن بك
الجداوي وعثمان بك المرادي وعثمان بك الاشقر وعثمان بك الشرقاوي وعثمان أغا
الخازندار وابراهيم كتخدا مراد بك المعروف بالسنارى وصحبتهم مماليكهم واتباعهم
فدخلوا من باب النصر وباب الفتوح ومروا على الجمالية حتى وصلوا الى وكالة ذي
الفقار فقال نصوح باشا عند ذلك للعامة اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم فعندما سمعوا
منه ذلك القول صاحوا وهاجوا ورفعوا أصواتهم ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى
القبط والشوام وغيرهم فذهبت طائفة الى حارات النصارى وبيوتهم التي بناحية بين
الصورين وباب الشعرية وجهة الموسكي فصاروا يكبسون الدور ويقتلون من يصادفونه من
الرجال والنساء والصبيان وينهبون ويأسرون حتى اتصل ذلك بالمسلمين المجاورين لهم
فتحزبت
النصارى واحترسوا وجمع كل منهم ما قدر عليه من العسكر
الفرنساوي والاروام وقد كانوا قبل ذلك محترسين وعندهم الاسلحة والبارود والمقاتلون
لظنهم وقوع هذا الامر فوقع الحرب بين الفريقين وصارت النصارى تقاتل وترمى بالبندق
والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالازقة من العامة والعسكر ويحامون عن
أنفسهم والاخرون يرمون من اسفل ويكبسون الدور ويتسورون عليها وبات نصوح باشا
وكتخدا الدولة وابراهيم بك وبعض من صناجق مصر والكشاف والاتباع وطوائف من العسكر
بخط الجمالية بوكالة الجمالية بوكالة ذي الفقار فلما أصبح الصباح ارسلوا الى
المطرية وأحضروا منها ثلاثة مدافع فوجدوها مسدودة الفالية فعالجوها حتى فتحوها وقام
ناصف باشا وشمر عن ساعديه وشد وسطه ومشى وصحيته الامراء المصرية على أقدامهم وجروا
امامهم الثلاثة مدافع وسحبوها الى الازبكية وضربوا منها على بيت الالفي وكان به
اشخاص مرابطون من عساكر الفرنساوية فضربوهم ايضا بالمدافع والبنادق واستمر الحرب
بين الفريقين الى آخر النهار فسكن الحرب وباتوا ينادون بالسهر وفي هذا اليوم وضع
أهل مصر والعسكر متاريس بالاطراف كلها وبجهة الازبكية وشرعوا في بناء بعض جهات
السور واجتهدوا في تحصين البلد بقدر الطاقة وبات الناس في هذه الليلة خلف المتاريس
فلما اظلم الليل اطلق الفرنساوية المدافع والبنب على البلد من القلاع ووالوا الضرب
بالخصوص على خط الجمالية لكون المعظم مجتمعا بها فلما عاين ذلك الجميع اجمع رأى الكبراء
والرؤساء على الخروج من البلد في تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة وعدم آلات الحرب
عزة الاقوات والقلاع بيد الفرنساوية ومصر لا يمكن محاصرتها لاتساعها وكثرة اهلها
وربما مطال الحال فلا يجدون الأقوات لان غالب قوت اهلها يجلب من قراها في كل يوم
وربما امتنع وصول ذلك اذا تجسمت الفتنة فاتفقوا على الخروج بالليل وتسامح الناس
بذلك فتجهز المعظم للخروج وغصت خطة الجمالية وما والاها من الاخطاط بازدحام الناس
الذين يريدون الخروج من المدينة
وركب بعضهم بعضا وازدحمت تلك النواحي بالحمير والبغال والخيول
والهجن المحملة بالاثقال وباتوا على تلك الصورة ووقع للناس في هذه الليلة من الكرب
والمشقة والانزعاج والخوف مالا يوصف وتسامع اهل خان الخليلي من الالداشات وبعض
مغاربة الفجامين والغورية ذلك فجاءوا للجمالية وشنعوا على من يريد الخروج وعضدهم
طائفة عساكر الينكجرية وعمدوا الى خيول الامراء فحبسوها ببيت القاضي والوكائل
واغلقوا باب النصر وبات في تلك الليلة معظم الناس على مساطب الحوانيت وبعض الاعيان
في بيوت اصحابهم بالجمالية وفي ازقة الحارات ايضا وكل متهيء للخروج
فلما حصل ذلك واصبح يوم السبت فتهيأ كبراء العساكر
والعساكر ومعظم أهل مصر ماعدا الضعيف الذي لاقوه له للحرب وذهب المعظم الى جهة
الازبكية وسكن الكثير في البيوت الخالية والبعض خلف المتاريس واخذوا عدة مدافع
زيادة عن الثلاثة المتقدمة وجدت مدفونة في بعض بيوت الامراء واحضروا من حوانيت
العطارين من المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد واحجار استعملوها عوضا عن
الجلل للمدافع وصاروا يضربون بها بيت سارى عسكر بالازبكية واستمر عثمان كتخدا بوكالة
ذي الفقار بالجمالية وكان كل من قبض على نصراني ويهودي او فرنساوي اخذه وذهب به
الى الجمالية حيث عثمان كتخدا ويأخذ عليه البقشيش فيحبس البعض حتى يظهر امره ويقتل
البعض ظلما وربما قتل العامة من قتلوه واتوا برأسه لاجل البقشيش وكذلك كل من قطع
راسا من رؤوس الفرنساوية يذهب بها اما لنصوح باشا بالازبكية واما العثمان كتخدا
بالجمالية ويأخذوا في مقابلة ذلك الدراهم وبعد ايام اغلقوا باب القرافة وباب
البرقية وباقي الابواب التي في اطراف البلد وزاد الناس في اصطناع المتاريس وفي
الاحتراس وجلس عثمان بك الاشقر عند متاريس باب اللوق وناحية المدابغ وعثمان بك طبل
عند متاريس المحجر ومحمد بك المبدول عند الشيخ ريحان ومحمد كاشف ايوب وجماعة ايوب
بك الكبير والصغير عند الناصرية ومصطفى بك الكبير بقناطر
السباع وسليمان كاشف المحمودي عند سوق السلاح واولاد القرافة والعامة وزعر
الحسينية والعطوف عند باب النصر مع طائفة من الينكجرية وباب الحديد وباب القرافة
وجماعة خان الخليلي والجمالية عند باب البرقية المعروف الآن بالغريب وبالجملة كل
من كان في حارة من اطراف البلد انضم الى العسكر الذي بجهته بحيث صار جميع اهل مصر
والعساكر كلها واقفة باطراف البلد عند الابواب والمتاريس والاسوار وبعض عساكر من
العثمانية وما انضم اليهم من اهل مصر المتسلحين مكثت بالجمالية اذا جاء صارخ من
جهة من الجهات بطائفة من هؤلاء وصار جميع اهل مصر اما بالازقة ليلا ونهارا وهو من
لا يمكنه القتال واما بالاطراف وراء المتاريس وهو من عنده اقدام وتمكن من الحرب
ولم ينم احد ببيته سوى الضعيف والجبان والخائف وناصف باشا وابراهيم بك وجماعاتهم
وعسكر من الينكجرية والارنؤد والدلاة وغيرهم جهة الازبكية ناحية باب الهواء
والرحبة الواسعة التي عند جامع ازبك والعتبة الزرقا وانشأ عثمان كتخدا معملا
للبارود ببيت قائد اغا بخط الخرنفش واحضر القندفجية والعربجية والحدادين والسباكين
لانشاء مدافع وبنبات واصلاح المدافع التي وجدوها في بعض البيوت وعمل العجل
والعربات والجلل وغير ذلك من المهمات الجزئيه واحضروا لهم ما يحتاجون اليه من الاخشاب
وفروع الاشجار والحديد وجمعوا الى ذلك الحدادين والنجارين والسباكين وارباب
الصنائع الذين يعرفون ذلك فصار هذا كله يصنع ببيت القاضي والخان الذي بجانبه
والرحبة التي عند بيت القاضي من جهة المشهد الحسيني واهتم لذلك اهتماما زائدا
وانفق اموالا جمة وارسلوا فأحضروا المدافع الكائنة بالمطرية فكانوا كلما ادخلوا
مدفعا ادخلوه بجمع عظيم من الاوباش والحرافيش والاطفال ولهم صياح ونباح وتجاوب
بكلمات مثل قولهم الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان وغير ذلك وحضر محمد بك
الالفي في ثاني يوم وتترس بناحية السويقة
التي عند درب عبد الحق وعطفه البيدق وصحبته طوائفه ومماليكه
واشخاص من العثمانية وبذل الهمة وظهرت منه ومن مماليكه شجاعة وكذلك كشافة وخصوصا
اسمعيل كاشف المعروف بأبي قطية فانه لم يزل يحارب ويزحف حتى ملك ناحية رصيف الخشاب
وبيت مراد بك الذي اصله بيت حسن بك الازبكاوي وبيت احمد اغا شويكار وتترس فيهما
وحسن بك الجداوي تترس بناحية الرويعي وربما فارق متراسه في بعض الليالي لنصرة جهة
اخرى وحضر ايضا رجل مغربي يقال انه الذي كان يحارب الفرنسيس بجهة البحيرة سابقا
والتف عليه طائفة من المغاربة البلدية وجماعة من الحجازية ممن كان قدم صحبة
الجيلاني الذي تقدم ذكره وفعل ذلك الرجل المغربي امورا تنكر عليه لان غالب ما وقع
من النهب وقتل من لا يجوز قتله يكون صدوره عنه فكان يتجسس على البيوت التي بها الفرنسيس
والنصارى فيكبس عليهم ومعه جمع من العوام والعسكر فيقتلون من يجدونه منهم وينهبون
الدار ويسحبون النساء ويسلبون ما عليهم من الحلي والثياب ومنهم من قطع رأس البنية
الصغيرة طمعا فيما على رأسها وشعرها من الذهب وتتبع الناس عورات بعضهم البعض وما
دعتهم اليه حظوظ أنفسهم وحقدهم وضغائنهم واتهم الشيخ خليل البكري بأنه يوالي
الفرنسيس ويرسل اليهم الاطعمة فهجم عليه طائفة من العسكر مع بعض اوباش العامة ونهبوا
داره وسجنوه مع اولاده وحريمه واحضروه الى الجمالية وهو ماش على اقدامه ورأسه
مكشوفة وحصلت له اهانة بالغة وسمع من العامة كلاما مؤلما وشتما فلما مثلوه بين يدي
عثمان كتخدا هالة ذلك واغتم غما شديدا ووعده بخير وطيب خاطره واخذه سيدي احمد بن
محمود محرم التاجر مع حريمه الى داره اكرمهم وكساهم واقاموا عنده حتى انقضت
الحادثة وباشر السيد احمد المحروقي وباقي التجار ومساتير الناس الكلف والنفقات
والمآكل والمشارب وكذلك جميع اهل مصر كل انسان سمح بنفسه وبجميع ما يملكه وأعان
بعضهم بعضا وفعلوا ما في وسعهم وطاقتهم من المعونة
وأما الفرنساوية فانهم تحصنوا بالقلاع المحيطة بالبلد
وبيت الالفي وما والاه من البيوت الخاصة بهم وبيوت القبطة المجاورين لهم واستمر
الناس بعد دخول الباشا والامراء ومن معهم من العسكر الى مصر اياما قليلة وهم
يدخلون ويخرجون من باب الفتوح وباب العدوى وأهل الارياف القريبة تأتي بالميرة والاحتياجات
من السمن والجبن واللبن والغلة والتبن والغنم فيبيعونه على اهل مصر ثم يرجعون الى
بلادهم كل ذلك ولم يعلم احد حقيقة حال الفرنساوية المتوجهين مع كبيرهم للحرب
واختلفت الروايات والاخبار وأما الوزير فأنه لما ارتحل بالعرضي تخلف عنه ببلبيس
جملة من العسكر وأما عثمان بك حسن وسليم بك أبو دياب ومن معهما فأنهما تقاتلا مع
الفرنساوية ثم رجعا الى بلبيس فحاصروا من بها وكان عثمان بك وسليم بك وعلي باشا
الطرابلسي وبعض وجاقلية خرجوا منها وذهبوا الى ناحية العرضي فحارب الفرنساوية من
بلبيس من العسكر ولم يكن لهم بهم طاقة فطلبوا الامان فأمنوهم وأخذوا سلاحهم
واخرجوهم حيث شاؤا فذهبوا اشتاتا في الارياف يتكففون الناس ويأوون الى المساجد
الخربة ومات اكثرهم من العرى والجوع ثم لما لحق عثمان بك ومن معه بالعرضي ناحية الصالحية
وتكلموا مع الوزير واوجعوه بالكلام فاعتذر اليهم باعذار ومنها عدم الاستعداد للحرب
وتركه معظم الجبخانة والمدافع الكبار بالعريش اتكالا على امر الصلح الواقع بين
الفريقين وظنه غفلة الفرنساوية عما دبره عليهم مع لانكليز فقال له عثمان بك ارسل
معنا العساكر وانتظرنا هنا فخاطب العسكر وبذل لهم الرغائب فامتنعوا ولم يمتثل منهم
الا المطيع والمتطوع وهم نحو الالف وعادوا على أثرهم وجمعوا منهم من كان مشتتا
ومنتشرا في البلاد ورجعوا يريدون محاربة الفرنساوية فنزلوا بوهدة بالقرب من القرين
لكونهم نظروه في قلة من عسكره وعلمهم بقرب من ذكر منهم فضاربوهم بالنبابيت والحجارة
وأصيب سرج سارى عسكر بنبوت فانكسر وسقط ترجمانة الى الارض وتسامع المسلمون فركبوا لنجدتهم
واستصرخ
الفرنساوية عساكرهم فلحقوا بهم ووقع الحرب بين الفريقين
حتى حال بينهما الليل فانكف الفريقان وانحاز كل فريق ناحية فلما دخل الليل واشتد
الظلام احاط العسكر الفرنساوي بعساكر المسلمين فاصبح المسلمون وقد رأوا احاطة
العسكر بهم من كل جانب فركبت الخيالة وتبعتهم المشاة واخترقوا تلك الدائرة وسلم
منهم من سلم وعطب من عطب ورجعوا على اثرهم الى الصالحية فعند ذلك ارتحل الوزير
ورجع الى الشام واما مراد بك فان بمجرد ما عاين هجوم الفرنسيس على الباش والامراء
بالمطرية وكان هو بناحية الجبل ركب من ساعته هو ومن معه ومروا من سفح الجبل وذهب
الى ناحية دير الطين ينتظر ما يحصل من الامور واقام مطمئنا على نفسه واعتزل
الفريقين واستمر على صلحه مع الفرنساوية هذا حاصل خبر الشرقيين ولما تحقق الباشا والامراء
الذين انحصروا بمصر ذلك اخفوه بينهم واشاعوا خلافة لئلا تنحل عزائم الناس عن
القتال وتضعف نفوسهم واستمر الباشا يظهر كتابة المراسلات وارسال السعاة في طلب
النجدة والمعونة وربما افتعلوا اجوبة فزوروها على الناس فتزوج عليهم وتسرى في
غفلتهم ويقولون للناس في كل وقت ان حضرة الصدر الاعظم مجتهد في محاربة الفرنسيس
وفي غد او بعد غد يقوم بالعساكر والجنود بعد قطع العدو وعند حضوره ووصوله يحصل
تمام الفتح وتهدم العساكر القلاع وتقلبها على من يبقى من الفرنساوية وبعد ذلك ينظم
البلاد ويريح العباد واجتهدوا فيما انتم فيه وتابعوا المناداة على الناس والعسكر
باللسان العربي والتركي بالتحريض والاجتهاد والحرص على لصبر والقتال وملاقاة العدو
ونحو ذلك ووصل طائفة من عسكر الفرنساوية ورجعوا من عرضيهم نجدة لاصحابهم الذين بمصر
فقويت بهم نفوس الكائنين بمصر ووقفت منهم طائفة خارج باب النصر وخارج باب الحسينية
ونهبوا زاوية الدمرداش وما حولها كقبة الغوري والمنيل وحضر نحو خمسمائة من عسكر
الارنؤد وهم الذين كان الوزير وجههم الى القرى لقبض الكلف والفرض فلما قربوا من
مصر عارضهم عسكر الفرنساوية الواقفة على التلول
الخارجة فحاموا ودافعوا عن انفسهم وخلصوا منهم ودخلوا
الى مصر وفرح الناس لقدومهم وضجت القلعة بحضورهم واشتدت قواهم واتفقوا ان يقولوا للناس
اذا سئلوا انهم حاضرون مددا وسيأتي في اثرهم عشرون الفا وعليهم كبير ونحو ذلك واما
بولاق فانها قامت على ساق واحد وتحزم الحاج مصطفى البشتيلي وامثاله وهيجوا العامة
وهيأوا عصيهم واسلحتهم ورمحوا وصفحوا واول ما بدؤا به انهم ذهبوا الى وطاق
الفرنسيس الذي تركوه بساحل البحر وعنده حرسية منهم فقلتوا من ادركون منهم ونهبوا
جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره ورجعوا الى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع
التي للفرنساوية واخذوا ما احبوا منها وعملوا كرانك حوالي البلد ومتاريس واستعدوا
للحرب والجهاد وقوى في رأسهم العناد واستطالوا على من كان ساكنا ببولاق من نصارى
القبط والشوام فأوقعوا بهم بعض النهب وربما قتل منهم اشخاص هذا ما كان من امر
هؤلاء واما ما كان من امر سارى عسكر الفرنساوية ومن معه فانه لما استوثق بهزيمة
والوزير وعدم عوده ونجاته بنفسه لم يزل خلفه حتى بعد عن الصالحية فأبقى بها بعضا
من عسكر الفرنسيس محافظين وكذلك بالقرين وبليس ورجع الى مصر وقد بلغت الاخبار بما حصل
من دخول ناصف باشا والامراء وقيام الرعية فلم يزل حتى وصل الى داره بالازبكية
واحاطت العساكر الفرنساوية بالمدينة وبولاق من خارج ومنعوا الداخل من الدخول
والخارج من الخروج وذلك بعد ثمانية ايام من ابتداء الحركة وقطعوا الجالب عن
البلدين واحاطوا بها احاطة السوار بالمعصم فكانت جماعة من المفوضين لهم المحصورين
داخل المدينة كبعض القبطة ونصارى الشوام وغيرهم يهربون اليهم ويتسلقون من الاسوار
والحيطان بحريمهم واولادهم فعند ذلك اشتد الحرب وعظم الكرب واكثروا من الرمي
المتتابع بالمكاحل والمدافع واكثروا وأوصلوا وقع القنابر والبنبات من اعالي التلول
والقلعات خصوصا البنبات الكبار على الدوام والاستمرار آناء الليل واطراف النهار في
الغدو والبكور
والاسحار وعدمت الاقوات وغلت اسعار المبيعات وعزت
المأكوت وفقدت الحبوب والغلات وارتفع وجود الخبز من الاسواق وامتنع الطوافون به
على الاطباق وصارت العساكر الذين مع الناس بالبلد يحفظون ما يجدونه بأيدي الناس من
المأكل والمشارب وغلا سعر الماء المأخوذ من الآبار او الاسبلة حتى بلغ سعر القربة
نيفا وستين نصفا واما البحر فلا يكاد يصل اليه احد وتكفل التجار ومساتير الناس
والاعيان بكلف العساكر المقيمين بالمتاريس المجاورة لهم فألزموا الشيخ السادات
بكلفة الذين عند قناطر السباع وهم مصطفى بك ومن معه من العساكر واما اكابر القبط
مثل جرجس الجوهري وفلتيوس وملطي فانهم طلبوا الامان من المتكلمين من المسلمين
لكونهم انحصروا في دورهم وهم في وسطهم وخافوا على نهب دورهم اذا خرجوا فارين
فارسلوا اليهم الامان فحضروا وقابلوا الباشا والكتخدا والامراء وأعانوهم بالمال
واللوازم وأما يعقوب فانه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادا
كبيرا بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الاولى
فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه هذا والمناداة في كل وقت بالعربي والتركي على
الناس بالجهاد والمحافظة على المتاريس وانهم مصطفى أغا مستحفظان بموالاته للفرنساوية
وانه عنده في بيته جماعة من الفرنسيس فهجمت العساكر على داره بدرب الحجر فوجدوا
انفارا قليلة من الفرنسيس فقاتلوا وحاموا عن أنفسهم وقتل منهم البعض وهرب البعض
على حمية حتى خلصوا الى الناصرية وأما الاغا فأنهم قبضوا عليه واحضروه بين يدي
عثمان كتخدا ثم تسلمه الانكشارية وخنقوه ليلا بالوكالة التي عند باب النصر ورموا
جيفته على مزبلة خارج البلد واستقر عوضه شاهين كاشف الساكن بالخرنفش فاجتهد وشدد
على الناس وكرر المناداة ومنعهم من دخول الدور وكل من وجده داخل داره مقته وضربه
فكان الناس يبيتون بالازقة والاسواق حتى الامراء والاعيان وهلكت البهائم من الجوع
لعدم وجود العلف من التين والفول والشعير والدريس
بحيث صار ينادي على الحمار او البغل المعدد الجذى قيمته
ثلاثون ريالا وأكثر بمائة نصف فضة او ريال واحدا واقل ولا يوجد من يشتريه وفي كل
يوم يتضاعف الحال وتعظم الاهوال وزحف المسلمون على جهة رصيف الخشاب وترامى
الفريقان بالمدافع والنيران حتى احترق ما بينهم من الدور وكان اسمعيل كاشف الالفي
تحصن ببيت أحمد أغا شويكار الذي كان بيته وقد كان الفرنساوية جعلوا به لعما
بالبارود المدفون فاشتعل ذلك اللغم ورفع ما فوقه من الابنية والناس وطاروا في
الهواء واحترقوا عن آخرهم وفيهم اسمعيل كاشف المذكور وانهدم جميع ما هناك من الدور
والمباني العظيمة والقصور المطلة على البركة واحترق جميع البيوت التي من عند بين المفارق
بقرب جامع عثمان كتخدا الى رصيف الخشاب والخطة المعروفة بالساكت بأجمعها الى
الرحبة المقابلة لبيت الالفي سكن سارى عسكر الفرنساوية وكذلك خطة الفوالة بأسرها
وكذلك خط الروبعي بالسباط العظيمين وما في ضمن ذلك من البيوت الى حد حارة النصارى
وصارت كلها تلالا وخرائب كأنها لم تكن مغني صبابات ولا مواطن أنس ونزاهات وقد جنت
عليها ايدي الزمان وطوارق الحدثان حتى تبدلت محاسنها وأفقرت مساكنها وهكذا عقبى
سوء ما عملوا فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا
وارسلوا الى مراد بك يطلبونه للحضور او يرسل الامراء والاجناد
التي عنده فأرسل يعتذر عن الحضور ويقول انه محافظ عل الجهة التي هو فيه فأرسلوا
اليه بالارسال والاستكشاف عن امر الوزير فأرسل يخبر أنه ارسل هجانا الى الشرق من
نحو عشرة ايام والى الآن لم يحضر وان الفرنساوية اذا ظفروا بالعثمانية لا يقتلونهم
ولا يضربونهم وانتم كذلك معهم فأقبلوا نصحي واطلبوا الصلح معهم واخرجوا سالمين
فلما بلغهم تلك الرسالة حنق حسن بك الجداوي وعثمان بك الاشقر وغيرهم وسفهوا رأية
وقالوا كيف يصح هذا الأمر وقد دخلنا الى البلد وملكناها فكيف نخرج منها طائعين
ونحو ذلك هذا مما لا يكون ابدا فأشار
ابراهيم بك برجوع البرديسي وصحبته عثمان بك الاشقر ليقول
الاشقر لمراد بك ما يقوله فلما اجتمع به ورجع لم يرجع على ما كان عليه حال ذهابه
وفترت همته وجنح لراي مراد بك واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب
وشدة البلاء والكرب ووقوع البنبات على الدور والمساكن من القلاع والهدم والحرق
وصراخ النساء من البيوت والصغار من الخوف والجزع والهلع مع القحط وفقد المآكل
والمشارب وغلق الحوانيت والطوابين والمخابز ووقوف حال الناس من البيع والشراء
وتفليس الناس وعدم وجدان ما ينفقونه ان وجدوا شيئا واستمر ضرب المدافع والقنابر
والبنادق والنيران ليلا ونهارا حتى كان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس
لحظة لطيفة من الزمن ومقامهم دائما ابدا بالازقة والاسواق وكأنما على رؤوس الجميع
الطير واما النساء والصبيان فمقامهم بأسفل الحواصل والعقودات تحت طباق الابنية الى
غير ذلك
وفي اثناء ذلك فرضوا على الناس من اهل الاسواق وغيرهم مائة
كيس فردوها على بعض الناس كالسادات والصارى وصار مؤونة غالب الناس الارز ويطبخونه
بالعسل وباللبن ويبيعون ذلك في طشوت واوان بالاسواق وفي كل ساعة تهجم العساكر
الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون الذين بها ويملكون منهم بعض المتاريس
فيصيحون على بعضهم بالمناداة يتسامع الناس ويصرخون على بعضهم البعض ويقولون عليكم
بالجهة الفلانية الحقوا اخوانكم المسلمين فيرمحون الى تلك الخطة والمتاريس حتى
يجلوهم عنها وينتقلون الى غيرها فيفعلون كذلك وكان المتحمل لغالب هذه المدافعات
حسن بك الجداوي فإنه كان عند ما يبلغه زحف الفرنساوية على جهة من الجهات يبادر هو
ومن معه للذهاب لنصرة تلك الجهة ورأى الناس من اقدامه وشجاعته وصبره على مجالدة العدو
ليلا ونهارا ما ينبىء عن فضيل نفس وقوة قلب وسمو همة وقل ان وقع حرب في جهة من
الجهات الا وهو مدير رحاها ورئيس كماتها هذا والاغا والوالي يكررون المناداة وكذلك
المشايخ والفقهاء والسيد احمد
المحروقي والسيد عمر النقيب يمرون كل وقت ويأمرون الناس
بالقتال ويحرضونهم على الجهاد وكذلك بعض العثمانية يطوفون مع اتباع الشرطة وينادون
باللغة التركية مثل ذلك وجرىعلى الناس مالا يسطر في كتاب ولم يكن لاحد في حساب ولا
يمكن الوقوف على كلياته فضلا عن جزئياته منها عدم النوم ليلا ونهارا وعدم الطمأنينة
وغلو الاقوات وفقد الكثير منها خصوصا الادهان وتوقع الهلاك كل لحظة والتكليف بما لا
يطاق ومغالبة الجهلاء على العقلاء وتطاول السفهاء على الرؤساء وتهور العامة ولفط
الحرافيش وغير ذلك مما لا يمكن حصره ولم يزل الحال على هذا المنوال الى نحو عشرة
ايام وكل هذا والرسل من قبل الفرنساوية وهم عثمان بك البرديسي تارة ومصطفى كاشف
ورستم تارة اخرى والاثنان من اتباع مراد بك يترددون في شأن الصلح وخروج العساكر
العثمانية من مصر والتهديد بحرقها وهدمها اذا لم يتم هذا الغرض واستمروا على هذا
العناد ثم نصب الفرنساوية في وسط البركة فساطا لطيفا وأقاموا عليه علما وأبطلوا
الرمي تلك الليلة وأرسلوا رسولا من قبلهم الى الباشا والكتخدا والامراء يطلبون المشايخ
يتكلمون معهم في شأن هذا الامر فأرسلوا الشرقاوي والمهدي والسرسي والفيومي وغيرهم
فلما وصلوا الى سارى عسكر وجلسوا خاطبهم على لسان الترجمان بما حاصله أن سارى عسكر
قد أمن اهل مصر أمانا شافيا وان الباشا والكتخدا ومن معهما من العساكر العثمانية
يخرجون من مصر ويلحقون بالعرضي وعلى الفرنساوية القيام بما يحتاجون اليه من
المؤونة والذخيرة حتى يصلوا الى معسكرهم وأما الاجناد المصرية الداخلة معهم فمن
اراد منهم المقام بمصر من المماليك والغز الداخلين معهم فليقم وله الاكرام ومن
اراد الخروج فليخرج والجرحى من العثملي يجردون من سلاحهم وان كان يأخذه الكتخدا
فليأخذه وعلينا ان نداويهم حتى يبرأوا ومن اقام بعد البرء منهم فعلينا مؤونته ومن
اراد الخروج بعد برئه فليخرج وعلى اهل مصر الامان فانهم رعيتنا وتوافقوا على ذلك وتراضوا
عليه ولما كان
الغد وشاع امر الموادعة واستفيض أمر الصلح على هذا قالوا
لهم لأي شيء تفعلون هذا الفعل وهذه المحاربات والوزير ولى مهزوما ورجع هاربا ولا
يمكن عوده في هذا الحين الا أن يكون بعد ستة أشهر فاعتذروا له بأن هذا من فعل ناصف
باشا وكتخدا الدولة وابراهيم بك ومن معهم فانهم هم الذين اثاروا الفتنة وهيجوا
الرعايا ومنوا الناس الاماني الكاذبة والعامة لا عقول لهم فقالوا لهم بعد كلام
طويل قولوا لهم يتركون القتال ويخرجون فيلحقون بوزيرهم فانهم لا طاقة لهم على
حربنا ويكونون سببا لهلاك الرعية وحرق البلدين مصر وبولاق فقالوا له نخشى انهم اذا
امتثلوا وجنحوا للموادعة وخرجوا وذهبوا الى سارى عسكرهم تنتقمون منا ومن الرعايا
بعد ذلك فقالو لا نفعل ذلك فانهم اذا رضوا ومنعوا الحرب اجتمعنا معكم واياهم
وعقدنا صلحا ولا نطالبكم بشيء والذي قتل منا في نظير الذي قتل منكم وزودناهم واعطيناهم
ما يحتاجون من خيل وجمال وأصبحنا معهم من يوصلهم الى مأمنهم من عسكرنا ولا نضر
أحدا بعد ذلك فلما رجع المشايخ بهذا الكلام وسمعه الانكشارية والناس قاموا عليهم
وسبوهم وشتموهم وضربوا الشرقاوي والسرسي ورموا عمائهم وأسمعوهم قبيح الكلام وصاروا
يقولون هؤلاء المشايخ ارتدوا وعملوا فرنسيس ومرادهم خذرن المسلمين وانهم اخذوا
دراهم من الفرنسيس وتكلم السفلة والغوغاء من امثال هذا الفضول وتشدد في ذلك الرجل
المغربي الملتف عليه اخلاط العالم ونادى من عند نفسه الصلح منقوض وعليكم بالجهاد
ومن تأخر عنه ضرب عنقه وكان السادات ببيت الصارى فتحير واحتال بان خرج وامامه شخص ينادى
بقوله الزموا المتاريس ليقي بذلك نفسه من العامة ووافق ذلك اغراض العامة لعدم
ادراكهم لعواقب الامور فألتفوا عليه وتعضد كل بالآخر وان غرضه هو في دوام الفتنة
فان بها يتوصل لما يريد من النهب والسلب والتصور بصورة الامارة باجتماع الاوغاد
عليه وتكفل الناس له بالمأكل والمشرب هو ومن انضم اليه واشتطاط في المأكل مع فقد
الناس لا دون ما يؤكل حتى انه
كان اذا نزل جهة من جهات المدينة لاظهار انه يريد
المعونة او الحرس فيقدمون له بالطعام فيقول لا آكل الا الفراخ ويظهر أنه صائم
فيكلف أهل تلك الجهة انواع المشتقات والتكلفات بتعنته في هذه الشدة بطلب أفحش
المأكولات وما هو مفقود ثم هو مع ذلك لا يغني شيئا بل اذا دهم العدو تلك الجهة
التي هو فيها فارقها وانتقل لغيرها وهكذا كان ديدنه ثم هو ليس ممن له في مصر ما
يخاف عليه من مسكن أو اهل أو مال أو غير ذلك بل كما قيل لا ناقتي فيها ولاجملي فإذا
قدر ما قدر تخلص مع حزبه الى بعض الجهات والتحق بالريف أو غيره وحينئذ يكون كآحاد
الناس ويرجع لحالته الاولى وتبطل الهيئة الاجتماعية التي جعلها لجلب الدنيا فخا
منصوبا ومخرق بها على سخاف العقول وإخفاء الاحلام وهكذا حال الفتن تكثر فيها
الدجاجلة ولو أن نيته ممحضة لخصوص الجهاد لكانت شواهد علانيته اظهر من نار على علم
او اقتحم كغيره ممن سمعنا عنهم من المخلصين في الجهات وفي بيع انفسهم في مرضاة رب
العباد لظا الهيجاء ولم يتعنت على الفقراء ولم يجعل همته في السلب مصروفة وحال
سلوكه عند الناس ليست معروفة ...
ومهما تكن عند امرىء من خليقة ... وان خالها تخفى على
الناس تعلم ...
وبالجملة فكان هذا الرجل سببا في تهدم أغلب المنازل
بالازبكية ومن جملةما رميت به مصر من البلاء وكان ممن ينادى به عليه حين اشيع امر
الصلح وتكلم به الاشياخ الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر ضرب عنقه وهذا منه
افتيات وفضول ودخول فيما لا يعني حيث كان في البلد مثل الباشا والكتخدا والامراء المصرية
فما قدر هذا الاهوج حتى ينقض صلحا أو يبرمه وأي شيء يكون هو حتى ينادي او ينصب
نفسه بدو ان ينصبه احد لذلك لكنها الفتن يستنسر بها البغات سيما عند هيجان العامة
وثوران الرعاع والغوغاء اذ كان ذلك مما يوافق أغراضهم عل ان المشايخ لم يأمروا
بشيء ولم يذكروا صلحا ولا غيره انما بلغوا صورة المجلس الذي طلبوا لاجله لحضرة
الكتخدا فبمجرد ذلك قامت عليهم
العامة هذا المقام وسبوهم وشتموهم بل وضربوهم وبعضهم
رموا بعمامته الى الارض واسمعوهم قبيح الكلام وفعلوا معهم ما فعلوا وصاروا يقولون
لولا ان الكفرة الملاعين تبين لهم الغلب والعجز ما طلبوا المصالحة والموادعة وأن بارودهم
وذخيرتهم فرغت ونحو ذلك من الظنون الفاسدة ولم يردوا عليهم جوابا بل ضربوا
بالمدافع والبنادق فأرسلوا ايضا رسلا يسالونهم عن الجواب الذي توجه به المشايخ
فأرسل اليهم الباشا والكتخدا يقولان لهم ان العساكر لم يرضوا بذلك ويقولون لا نرجع
عن حربهم حتى نظفر بهم أو نموت عن خرنا وليس في قدرتنا قهرهم على الصلح فأرسل
الفرنساوية جواب ذلك في ورق يقولون في ضمنها قد عجبنا من قولكم ان العساكر لم ترض
بالصلح وكيف يكون الامير أميرا على جيش ولا ينفذ أمره فيهم ونحو لك وأرسلوا ايضا
رسولا الى أهل بولاق يطلبونهم للصلح وترك الحرب ويحذرونهم عاقبة ذلك فلم يرضوا
وصمموا على العناد فكرروا عليهم المراسلة وهم لا يزدادون الا مخالفة وشغبا فأرسلوا
في خامس مرة فرنساويا يقول أمان أمان سواسوا وبيده ورق من سارى عسكر فأنزلوه من
على فرسه وقتلوه وظن كامل أهل مصر انهم انما يطلبون صلحهم عن عجز وضعف واشعلوا نيران
القتال وجدوا في الحرب من غير انفصال والفرنساوية لم يقصروا كذلك وراسلوا رمي
المدافع والقنابر والبندق المتكاثر وحضر الالفي الى عثمان كتخدا برأي ابتدعه ظن ان
فيه الصواب وهو ان يرفعوا على هلالات المنارات اعلاما نهارا ويوقدون عليها
القناديل ليلا ليرى ذلك العسكر القادم فيهتدي ويعلمون ان البلد بيد المسلمين وانهم
منصورون وكذلك صنع معهم أهل بولاق وذلك لغلبة ظن الناس ان هناك عسكرا قادمين
لنجدتهم
وظن اهل بولاق ان الباعث على ذلك نصرتهم فصمموا على ذلك
للحرب واستمر هذا الحال بين الفريقين الى يوم الخميس ثاني عشرينه
الموافق لعاشر برموده القبطي وسادس نيسان الرومي فغيمت
السماء غيما كثيفا وارعدت رعدا مزعجا عنيفا وامطرت مطرا غزيرا وسيلت سيلا كثيرا
فسالت المياه في الجهات وتوحلت جميع السكك والطرقات فاشتغل الناس بتجفيف المياه
والاوحال ولطخت الامراء والعساكر بسراويلهم ومراكيبهم بالطين والفرنساوية هجموا
على مصر وبولاق من كل ناحية ولم يبالوا بالأمطار لانهم في خارج الافنية وهي لا تتأثر
بالمياه كداخل الانية وعندهم الاستعداد والتحفظ والخفة في ملابسهم وما على رؤوسهم
وكذلك اسلحتهم وعددهم وصنائعهم بخلاف المسلمين فلما حصل ذلك اغتنموا الفرصة وهجموا
على البلدين من كل ناحية وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران وكعكات غليظة ملوية
على اعناقهم معمولة بالنفط والمياه المصنوعة المقطرة التي تشتعل ويقوى لهبها
بالماء وكان معظم كبستهم من ناحية الحديد وكوم ابي الريش وجهة بركة الرطلي وقنطرة
الحاجب وجهة الحسينية والرميلة فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر
وقلعة قنطرة الليمون ويهجمون ايضا وامامهم المدافع وطائفة خلفهم بواردية يقال لهم
السلطات يرمون بالبندق المتتابع وطائفة بأيديهم الفتائل والكعكات المشتعلة
بالنيران يلهبون بها السقائف وضرف الحوانيت وشبابيك الدور ويزحفون على هذه الصورة شيئا
فشيئا والمسلمون ايضا بذلوا جهدهم وقاتلوا بشدة همتهم وعزمهم وتحول الاغا واكثر
الناس الى تلك الجهة وزلزلوا في ذلك اليوم والليلة زلزالا شديدا وهاجت العامة
وصرخت النساء والصبيان ونطوا من الحيطان والنيران تأخذ المتوسطين بين الفئتين من
كل جهة هذا والامطار تسح حصة من النهار وكذلك بالليل من ليلة الجمعة وكذلك الرعد
والبرق وعثمان بك الاشقر الابراهيمي وعثمان بك البرديسي المرادى ومصطفى كاشف رستم
يذهبون ويجيئون من الفرنسيس الى المسلمين ومن الفرنسيس اليهم ويسعون في الصلح بين
الفريقين
ثم انهم هجموا عل بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة
ابي العلا بالطريقة المذكورة بعضها وقاتل اهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم في
النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحصروهم من كل جهة وقتلوا منهم بالحرق والقتل
وبلوا بالنهب والسلب وملكوا بولاق وفعلو بأهلها ما يشيب من هوله النواصي وصارت
القتلى مطروحة في الطرقات والازقة واحترقت الابنية والدور والقصور وخصوصا البيوت والرباع
المطلة على البحر وكذلك الاطارف وهرب كثير من الناس عند ما أيقنوا بالغلبة فنجوا
بأنفسهم الى الجهة القبلية ثم احاطوا بالبلد ومنعوا من يخرج منها واستولوا على
الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع وملكوا الدور وما بها من الامتعة
والاموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن
والاباريز والارز والادهان والاصناف العطرية وما لاتسعه السطور ولا يحيط به كتاب
ولا منشور والذي وجدوه منعكفا في داره أو طبقته ولم يقاتل ولم يجدوا عنده سلاحا
نهبوا متاعه وعروه من ثيابه ومضوا وتركوه حيا وأصبح من بقي من ضعفاء اهل بولاق
واهلها واعيانها الذين لم يقاتلوا فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم وذلك يوم
الجمعة ثالث عشرينه وكان محمد الطويل كاتب الفرنساوية اخذ منهم أمانا لنفسه وأوهم اصحابه
أنه يحارب معهم وفي وقت هجوم العساكر انفصل اليهم واختفى البشتيلي فدلوا عليه
وقبضوا على وكيله وعلى لرؤساء فحبسوا البشتيلي بالقلعة والباقي ببيت سارى عسكر
وضيقوا عليهم حتى منعوهم البول وفي اليوم الثالث اطلقوهم وجمعوا عصبة البشتيلي من
العامة وسلموهم البشتيلي وأمروهم ان يقتلوه بأيديهم لدعواهم انه هو الذي كان يحرك
الفتنة ويمنعهم الصلح وانه كاتب عثمان كتخدا بمكتوب قال فيه ان الكلب دعانا للصلح
فأبينا منه وأرسله مع رجل ليوصله الى الكتخدا فوقع في يد سارى عسكر كلهبر فحركه
ذلك على أخذ بولاق وفعله فيها الذي
فعله وقوبل على ذلك بان اسلم الى عصبته وأمروا ان يطوفوا
به البلد ثم يقتلوه ففعلو ذلك وقتلوه بالنبابيت وألزم أهل بولاق بان يرتبوا ديوانا
لفصل الاحكام وقيدوا فيه تسعة من رؤسائهم ثم بعد مضي يومين الزموا بغرامة مائتي
ألف ريال وأما المدينة فلم يزل الحال بها على النسق المتقدم من الحرب والكرب
والنهب ولاسلب الى سادس عشرينه حتى ضاق خناق الناس من استمرار الانزعاج والحريق
والسهر وعدم الراحة لحظة من الليل والنهار مع ما هم فيه من عدم القوت حتى هلكت
الناس وخصوصا الفقراء والدواب وايذاء عسكر العثمانلي للرعية وخطفهم ما يجدونه معهم
حتى تمنوا زوالهم ورجوع الفرنسيس على حالتهم التي كانوا عليها والحال كل وقت في
الزيادة وأمر المسلمين في ضعف لعدم المير والمدد والفرنساوية بالعكس وفي كل يوم
يزحفون الى قدام والمسلمون الى وراء فدخلوا من ناحية باب الحديد وناحية كوم ابي الريش
وقنطرة الحاجب وتلك النواحي وهم يحرقون بالفتائل والنيران الموقدة ويملكون
المتاريس الى ان وصلوا من ناحية قنطرة الحروبي وناحية باب الحديد الى قرب باب
الشعرية
وكان شاهين أغا هناك عند المتاريس فأصابته جراحه فقام من
مكانه ورجع القهقري فعند رجوعه وقعت الهزيمة ورجع الناس يدوسون بعضهم البعض
وملك الفرنساوية كوم ابي الريش وصاروا يحاربون من كوم
ابي الريش وهم في العلو والمسلمون اسفل منهم وان المحروقي زور كتابا على لسان الوزير
وجاء به رجل يقول انه اختفى في طريق خفية ونط من السور وان الوزير يقدم بعد يومين
او ثلاثة وانه تركه بالصالحية وان ذلك كذب لا اصل له وان يكتب جوابا عن فرمان
كتبوه على لسان المشايخ والتجار وارسلوه الى الوزير في اثناء الواقعة
هذا والبرديسي ومصطفى كاشف والاشقر يسعون في أمر الصلح
الى
ان تموه على كف الحرب وان الفرنساوية يمهلون العثمانية
والامراء ثلاثة ايام حتى يقضوا اشغالهم ويذهبون حيث اتوا وجعلوا الخليج حدا بين
الفريقين لا يتعدى احد من الفريقين بر الخليج الآخر وابطلوا الحرب واخمدوا النيران
وتركوا القتال واخذ العثمانية والامراء والعسكر في أهبة الرحيل وقضاء اشغالهم
وزودهم الفرنساوية واعطوهم دراهم وجمالا وغير ذلك وكتبوا بعقد الصلح فرمانا مضمونه
انهم يعوقون عندهم عثمان بك البرديسي وعثمان بك الاشقر ويرسلون ثلاثة انفار من
اعيالهم يكونون بصحبة عثمان كتخدا حتى يصل الى الصالحية وان يوصلهم سارى عسكر
داماس بثلثمائة من العسكر خوفا عليهم من العرب وان من جاء منهم من جهة يرجع اليها
ومن اراد الخروج من أهل مصر معكم فليخرج ما عدا عثمان بك الاشقر فانه اذا رجع
الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي الى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة مع
الفرنساوية يذهب مع البرديسي الى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة المذكورين الى
وكالة ذي الفقار بالجمالية وأجلسوهم بمسجد الجمالي صحبة نصوح باشا الخان ومنع نصوح
باشا العامة من الهجوم على المسجد وركب المغربي فتوجه الى الحسينية وطلب محاربة
الفرنسيس فحضر اهل الحسينية الى عثمان كتخدا يستأذنونه في موافقة ذلك المغربي أو
منعه فأمر بمنعه وكفهم عن القتال وركب المحروقي عند ذلك ومر بسوق الخشب وقدامه
المناداة بان لا صلح ولزوم المتاريس ثم فتح باب الوكالة وخرج منها عسكر بالعصي
فهاجوا في العامة ففرو وسكن الحال
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة فيه خرج العثمانية
وعساكره وابراهيم بك وامراؤه ومماليكه والالفي واجناده ومعهم السيد عمر مكرم
النقيب والسيد احمد المحروقي الشاه بندر وكثيرون من اهل مصر ركبانا ومشاة الى
الصالحية وكذلك حسن بك الجداوي واجناده واما عثمان بك حسن ومن معه فرجعوا
صحبة الوزير فلم يسع ابراهيم بك وحسن بك ترك جماعتهما
خلفهما وذهابهم بأنفسهم الى قبلي بل رجعا بجماعتهما على اثرهما وذاقوا وبال أمرهم
وانكشف الغبار عن تعسة المسلمين وخيبة امل الذاهبين والمتخلفين وما استفاد الناس
من هذه العمارة وما جرى من الغارة الا الخراب والسخام والهباب فكانت مدة الحرب والحصر
بما فيها من الثلاثة ايام الهدنة سبعة وثلاثين يوما وقع بها من الحروب والكروب
والانزعاج والشتات والهياج وخراب الدور وعظائم الامور وقتل الرجال ونهب الاموال
وتسلط الاشرار وهتك الاحرار وخصوصا ما أوقع الفرنساوية بالناس بعد ذلك مما سيتلى
عليك بعضه وخرب في هذه الواقعة عدة جهات من أخطاط مصر الجليلة مثل جهة الازبكية
الشرقية من حد جامع عثمان والفوالة وحارة كتخدا رصيف الخشاب وخطة الساكت الى بيت
سارى عسكر بالقرب من قنطرة الدكة وكذلك جهة باب الهواء الى حارة النصارى من الجهة
القبلية وأما بركة الرطلي وما حولها من الدور والمنتزهات والبساتين فانها صارت
كلها تلالا وخرائب وكيمان اتربة وقد كانت هذه البركة من اجل منتزهات مصر قديما
وحديثا وبالقرب منها المقصف المعروف بدهليز الملك والبرنج والجسر وكانت تعرف ببركة
الطوابين ثم عرفت ببركة الحاجب منسوبة للامير بكتمر الحاجب من امراء الملك الناصر
محمد بن قلاوون لانه هو الذي احتفرها واجرى اليها الماء من الخليج الناصري وبنى
القنطرة المنسوبة اليه وعمر عليها الدور والمناظر وبنى على الجسر الفاصل بينها
وبين الخليج دورا بهية وكان هذا الجسر من أجل المنتزهات وقد خربت منازله في القرن
العاشر في واقعة السلطان سليم خان مع الغوري وصار محله بستانا عظيما قطع اشجاره
وغالب نخيلة الفرنساوية
ومما تخرب ايضا حارة المقس من قبل سوق الخشب الى باب
الحديد وجميع مافي ضمن ذلك من الحارات والدور صارت كلها خرائب متهدمة
محترقة تسكب عند مشاهدتها العبرات ويتذكر بها ما يتلى في
حق الظالمين من الآيات فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لاية لقوم يعقلون
وقال تعالى وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا
قليلا وكنا نحن الوارثين وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم
آياتنا وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون
وقال تعالى واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها
ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
ودخل الفرنساوية الى المدينة يسعون والى الناس بعين
الحقد ينظرون واستولوا على ما كان اصطنعه واعده العثمانية من المدافع والقنابر
والبارود وآلات الحرب جميعها وقيل انهم حاسبوهم على كلفته ومصاريفه وقبضوا ذلك من الفرنساوية
وركب المشايخ والاعيان عصر ذلك اليوم وذهبوا الى كبير الفرنسيس
فلما وصلوا الى داره ودخلوا عليه وجلسوا ساعة ابرز اليهم ورقة مكتوب فيها النصرة
لله الذي يريد ان المنصور يعمل بالشفقة والرحمة مع الناس وبناء على ذلك سارى عسكر
العام يريد ان ينعم بالعفو العام والخاص على أهل مصر وعلى اهل بر مصر ولو كانوا
يخالطون العثملي في الحروب وانهم يشتغلون بمعايشهم وصنائعهم ثم نبه عليه بحضورهم
الى قبة النصر بكرة تاريخه
ثم قاموا من عنده وشقوا المدينة وطافوا بالاسواق وبين
ايديهم المناداة للرعية بالاطمئنان والامان فلما اصبح ذلك اليوم ركبت المشايخ
والوجاقلية وذهبوا الى خارج باب النصر وخرج ايضا القلقات والنصارى القبط والشوام
وغيرهم فلما تكامل حضور الجميع رتبوا موكبا وسادوا ودخلوا من باب النصر وقدامهم
جماعة من القواسة يأمرون الناس بالقيام وبعض فرنساوية راكبين خيلا وبأيديهم سيوف مسلولة
ينهرون الناس
ويأمرونهم بالوقوف على اقدامهم ومن تباطأ في القيام
أهانوه فاستمرت الناس وقوفا من ابتداء سير الموكب الى انتهائه ثم تلا الطائفة
الآمرة للناس بالوقوف جمع كثير من الخيالة الفرنساوية بأيديهم سيوف مسلولة وكلهم
لابسون جوخا أحمر وعلى رؤوسهم طراطير من الفراوي على غير هيئة خيالتهم ومشاتهم ثم
تتالى بعد هؤلاء طوائف العساكر ببوقاتهم وطبولهم وزمورهم واختلاف اشكالهم واجناسهم
وملابسهم من خيالة ورجالة ثم الاعيان والمشايخ والوجاقلية واتباعهم الى ان قدم
سارى عسكر الفرنساوية وخلف ظهره عثمان بك البرديسي وعثمان بك الاشقر وخلفهم طوائف
من خيالة الفرنسيس
ولما انقضى امر الموكب نادوا بالزينة فزينت البلد ثلاثة
ايام آخرها يوم الثلاثاء مع السهر ووقود القناديل ليلا ثم دعاهم في يوم الاربعاء
وعمل لهم سماطا عظيما على طريقة المصرلية
وقلدوا في ذلك اليوم محمد اغا الطناني اغات مستحفظان
وركب ونادى بالامان واعطواالبكري بيت عثمان كاشف كتخدا الحج وهو بيت البارودي
الثاني فسكن به وشرع في تنظيمه وفرشه ولبسوه في ذلك اليوم فروة سمور فقاموا من
عنده فرحين مطمئنين مستبشرين
فلما كان يوم الخميس سابعه ذهب الى مراد بك بجزيرة الذهب
باستدعاء فمد لهم اسمطة عظيمة وانبسط معنم وافتخر افتخارا زائدا واهدى الى بعضهم
هدايا جليلة وتقادم عظيمة واعطاه ما كان ارسله درويش باشا معونة للباشا والامراء
من الاغنام وغيرها وكانت نحو الاربعة آلاف رأس وولوه امارة الصعيد من جرجا الى
اسنا ورجع عائدا الى داره بالازبكية
فلما كان في صبحها يوم الجمعة ثامنه بكروا بالذهاب الى
بيت سارى عسكر ولبسوا افخر ثيابهم واحسن هيآتهم وطمع كل واحد منهم وظن ان سارى
عسكر يقلده في هذا اليوم اجل المناصب او ربما حصل التغيير
والتبديل في أهل الديوان فيكون في الديوان الخصوصي فلما استقر
بهم الجلوس في الديوان الخارج اهملوا حصة طويلة لم يؤذن لهم ولم يخاطبهم أحد ثم
فتح باب المجلس الداخل وطلبوا الى الدخول فيه فدخلوا وجلسوا حصة مثل الاولى ثم خرج
اليهم سارى عسكر وصحبته الترجمان وجماعة من اعيانهم فوضع له كرسي في وسط المجلس
وجلس عليه ووقف الترجمان واصحابه حواليه واصطف الوجاقلية والحكام من ناحية واعيان
النصارى والتجار من ناحية وعثمان بك الاشقر والبرديسي ايضا حاضران وكلم سارى عسكر
الترجمان كلاما طويلا بلغتهم حتى فرغ فالتفت الترجمان الى الجماعة وشرع يفسر لهم
مقالة سارى عسكر ويترجم عنها بالعربي والجماعة يسمعون فكان ملخص ذلك القول ان سارى
عسكر يطلب منكم عشرة آلاف الف الى اخر العبارة الاتية واما هذه العبارة فانه قالها
المهدي فقط اننا لما حضرنا الى بلدكم هذه نظرنا ان اهل العلم هم اعقل الناس والناس
بهم يقتدون ولامرهم يمتثلون ثم انكم اظهرتم لنا المحبة والمودة وصدقنا ظاهر حالكم
فاصطفيناكم وميزناكم على غيركم واخترناكم لتدبير الامور وصلاح الجمهور فرتبنا لكم
الديوان وغمرناكم بالاحسان وخفضنا لكم جناح الطاعة وجعلناكم مسموعين القول مقبولين
الشفاعة وأوهمتونا أن الرعية لكم ينقادون ولامركم ونهيكم يرجعون فلما حضر العثملي
فرحتم لقدومهم وقمتم لنصرتهم وثبت عند ذلك نفاقكم لنا فقالوا له نحن ما قمنا مع
العثملي الا عن أمركم لانكم عرفتمونا اننا صرنا في حكم العثملي من ثاني شهر رمضان
وان البلاد والاموال صارت له وخصوصا وهو سلطاننا القديم وسلطان المسلمين وما شعرنا
الا بحدوث هذا الحادث بينكم وبينهم على حين غفلة ووجدنا انفسنا في وسطهم فلم
يمكننا التخلف عنهم فرد عليهم الترجمان ذلك الجواب ثم اجابهم بقوله ولاي شيء لم
تمنعوا الرعية عما فعلوه من قيامهم ومحاربتهم بنا فقالو لا يمكننا ذلك خصوصا
وقد تقووا علينا بغيرنا وسمعتم ما فعلوه معنا من ضربنا
وبهدلتنا عندما أشرنا عليهم بالصلح وترك القتال فقال لهم واذا كان الامر كما ذكرتم
ولا يخرج من يدكم تسكين الفتنة ولا غير ذلك فما فائدة رياستكم وايش يكون نفعكم الا
الضرر لانكم اذا حضر اخصامنا قمتم معهم وكنتم واياهم علينا واذا ذهبوا رجعتم الينا
معتذرين فكان جزاؤكم ان نفعل معكم كما فعلنا مع أهل بولاق من قتلكم عن آخركم وحرق
بلدكم وسبي حريمكم وأولادكم ولكن حيث اننا أعطيناكم الامان فلا تنقض اماننا ولا
نقتلكم وانما نأخذ منكم الاموال فالمطلوب منكم عشرة آلاف الف فرنك عن كل فرنك
ثماينة وعشرون فضة يكون فيها ألف ألف فرانسة عنها خمس عشرة خزنة رومي بثلاث عشرة
خزنة مصري منها خمسمائة الف فرانسة على مائتين على الشيخ السادات خاصة من ذلك
خمسمائة وخمسة وثلاثون الفا والشيخ محمد بن الجوهري خمسون ألفا وأخيه الشيخ فتوح خمسون
الفا والشيخ مصطفى الصاوي خمسون ألفا والشيخ العناني مائتان وخمسون الفا تقتطعها
من ذلك نظير نهب دور الفارين مع العثملي مثل المحروقي والسيد عمر مكرم وحسين أغا
شتن وما بقى تدبرون رايكم فيه وتوزعونه على أهل البلد وتتركون عندنا منكم خمسة عشر
شخصا انظروا من يكون فيكم رهينة عندنا حتى تغلقوا ذلك المبلغ وقام من فوره ودخل مع
اصحابه الى داخل وأغلق بينه وبينهم الباب
ووقف الحرس على الباب الاخر يمنعون من يخرج من الجالسين
فبهت الجماعة وامتقعت وجوههم ونظروا الى بعضهم البعض وتحيرت أفكارهم ولم يخرج عن هذا
الامر الا البكري والمهدي لكون البكري حصل له ما حصل في صحائفهم والمهدي حرق بيته
بمرأى منهم وكان قبل ذلك نقل جميع ما فيه بداره بالخرنفش ولم يترك به الا بعض
الحصر ولم يكن به غير بعض الخدم وكان يستعمل المداهنة وينافق الطرفين بصناعته
وعادته ولم تزل الجماعة في حيرتهم وسكرتهم وتمنى كل منهم انه لم
يكن شيئا مذكورا ولم يزالوا على ذلك الحال الى قرب العصر
حتى بال اكثرهم على ثيابه وبعضهم شرشر ببوله من شباك المكان وصاروا يدخلون على
نصارى القبط ويقعون في عرضهم فالذي انحشر فيهم ولم يكن معدودا من الرؤساء أخرجوه
بحجة او سبب وبعضهم ترك مداسه وخرج حافيا وما صدق بخلاص نفسه
هذا والنصارى والمهدي يتشاورون في تقسيم ذلك وتوزيعه
وتدبيره وترتيبه في قوائم حتى وزعوها على الملتزمين وأصحاب الحرف حتى على الحواة والقردتية
والمخمظين والتجار وأهل الغورية وخان الخليلي والصاغة والنحاسين والدلالين
والقبانية وقضاة المحاكم وغيرهم كل طائفة مبلغ له صورة مثل ثلاثين ألف فرانسا
واربعين ألفا وكذلك بياعون التنباك والدخان والصابون والخردجية والعطارون
والزياتون والشواؤن والجزارون والمزينون وجميع الصنائع والحرف وعملوا على اجرة
الاملاك والعقار والدور اجرة سنة كاملة ثم انهم استأذنوا للمشايخ الخالص يتوجه حيث
اراد والمشبوك يلزمون به جماعة من العسكر حتى يغلق المطلوب منه فأما الصاوي وفتوح
بن الجوهري فحبسوهما ببيت قائممقام والعناني هرب فلم يجدوه وداره احترقت فاضافوا
غرامته على غرامة الشيخ السادات كملت بها مائة وخمسون الف فراسنة وانفض المجلس على
ذلك وركب سارى عسكر من يومه ذلك وذهب الى الجيزة ووكل يعقوب القبطي يفعل في
المسلمين ما يشاء وقائممقام والخازندار لرد الجوابات وقبض ما يتحصل وتدبير الامور والرهونات
ونزل الشيخ السادات وركب الى داره فذهب معه عشرة من العسكر وجلسوا على باب داره
فلما مضت حصة من الليل حضر اليه مقدار عشرة من العسكر ايضا فأركبوه وطلعوا به الى
القلعة وحبسوه في مكان فارسل الى عثمان بك البرديسي وتداخل عليه فشفع فيه فقالوا
له اما القتل فلا نقتله لشفاعتك واما المال فلا بد من دفعه ولا بد من حبسه وعقوبته
حتى يدفعه وقبضوا على فراشه ومقدمه
وحبسوهما ثم انزلوه الى بيت قائممقام فمكث به يومين ثم اصعدوه
الى القلعة ثانيا وحبسوه في حاصل ينام على التراب ويتوسد بحجر وضربوه تلك الليلة
فاقام كذلك يومين ثم طلب زين الفقار كتخدا فطلع اليه هو وبرطلمان فقال لهم انزلوني
الى داري حتى اسعى وابيع متاعي واشهل حالي فاستأذنوا له وانزلوه الى داره فأحضر ما
وجده من الدراهم فكانت تسعة آلاف ريال معاملة عنها ستة الاف ريال فرانسة ثم قوموا
ما وجدوه من المصاغ والفضيات والفراوي والملابس وغير ذلك بأبخس الثمن فبلغ ذلك
خمسة عشر الف فرانسة فبلغ المدفوع بالنقدية والمقومات احدا وعشرين الف فرانسة
والمحافظون عليه من العسكر ملازمونه ولا يتركونه يطلع الى حريمه ولا الى غيره وكان
وزع حريمه وابنه الى مكان آخر وبعد ان فرغوا من الموجودات جاسوا خلال الدار يفتشون
ويحفرون الارض على الخبايا حتى فتحوا الكنيفات ونزلوا فيها فلم يجدوا شيئا ثم
نقلوه الى بيت قائممقام ماشيا وصاروا يضربونه خمسة عشر عصا في الصباح ومثلها في الليل
وطلبوا زوجته وابنه فلم يجدوهما فأحضروا محمد السندوبي تابعه وقرروه حتى عاين
الموت حتى عرفهم بمكانهما فاحضروهما واودعوا ابنه عند اغات الانكشارية وحبسوا
زوجته معه فكانوا يضربونه بحضرتها وهي تبكي وتصيح وذلك زيادة في الانكاء ثم ان
المشايخ وهم الشرقاوي والفيومي والمهدي والشيخ محمد الامير وزين الفقار كتخدا
تشفعوا في نقلها من عنده فنقلوها الى بيت الفيومي وبقي الشيخ على حاله واخذوا
مقدمه وفراشه وحبسوهما وتغيب اكثر اتباعه واختفوا ثم وقعت المراجعة والشفاعة في
غرامة الشيخ فتوح الجوهري والصاوي فاضعفوها وجعلوها على كل واحد منها خمسة عشر الف
فرانسة ورد الباقي على القردة العامة
واما الشيخ محمد ابن الجوهري فانه اختفى فلم يجدوه
فنهبوا داره ودار نسيبه المعروف بالشويخ ثم انه توسل بالست نفيسة زوجة مراد بك
فأرسلت الى مراد بك وهو بالقرب من الفشن فأرسل من عنده
كاشفا وتشفع فيه فقبلوا شفاعته ورفعوها عنه وردوها ايضا على الفردة العامة ثم انهم
وكلوا بالفردة العامة وجميع المال يعقوب القبطي وتكفل بذلك وعمل الديوان لذلك ببيت
البارودي والزموا الاغا بعدة طوائف كتبوها في قائمة بأسماء اربابها واعطوه عسكرا
وامره بتحصيلها من اربابها وكذلك علي اغا الوالي الشعراوي وحسن اغا المحتسب وعلي
كتخدا سليمان بك فنهبوا على الناس بذلك وبثوا الاعوان بطلب الناس وحبسهم وضربهم
فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها
ومضى عيد النحر ولم يلتفت اليه أحد بل ولم يشعروا به
ونزل بهم من البلاء والذل ما لا يوصف فان احد الناس غنيا كان او فقيرا لا بد وان
يكون من ذوي الصنائع أو الحرف فيلزمه دفع ما وزع عليه في حرفته أو في حرفتين وأجرة
داره أيضا سنة كاملة فكان يأتي على الشخص غرامتان أو ثلاثة ونحو ذلك وفرغت الدراهم
من عند الناس واحتاج كل الى القرض فلم يجد الدائن من يدينه لشغل كل فرد بشأنه
ومصيبته فلزمهم بيع المتاع فلم يوجد من يشتري واذا أعطوهم ذلك لا يقبلونه فضاق
خناق الناس وتمنوا الموت فلم يجدوه ثم وقع الترجي في قبول المصاغات والفضيات فأحضر
الناس ما عندهم فيقوم بأبخس الاثمان واما اثاثات البيوت من فرش ونحاس وملبوس فلا
يوجد من يأخذه وامروا بجمع البغال ومنعوا المسلمين من ركوبها مطلقا سوى خمسة انفار
من المسلمين وهم الشرقاوي والمهدي والفيومي والامير وابن محرم والنصارى المترجمين
وخلافهم لا حرج عليهم وفي كل وقت وحين يشتد الطلب وتنبث المعينون والعسكر في طلب
الناس وهجم الدور وجرجرة الناس حتى النساء من أكابر وأصاغر وبهدلتهم وحبسهم وضربهم
والذي لم يجدوه لكونه فر وهرب يقبضون على قريبة او حريمه او ينهبون داره فان لم
يجدوا شيئا
ردوا غرامته على ابناء جنسه واهل حرفته
وتطاولت النصارى من القبط والنصارى الشوام على المسلمين
بالسب والضرب ونالوا منهم اغراضهم واظهروا حقدهم ولم يبقوا للصلح مكانا وصرحوا
بانقضاء ملة المسلمين وايام الموحدين هذا والكتبة والمهندسون والبناؤن يطوفون ويحررون
اجر الاماكن والعقارات والوكائل والحمامات ويكتبون اسماء اربابها وقيمتها
وخرجت الناس من المدينة وجلوا عنها وهربوا الى القرى
والارياف وكان ممن خرج من مصر صاحبنا النبيه العلامة الشيخ حسن المشار اليه فيما تقدم
فتوجه لجهة الصعيد واقام باسيوط فاقام بها نحو ثمانية عشر شهرا
ثم ان اكثر الفارين رجع الى مصر لضيق القرى وعدم ما
يتعيشون به فيها وانزعاج الريف بقطاع الطريق والعرب والمناسر بالليل والنهار
والقتل فيما بينهم وتعدى القوى على الضعيف واستمرت الطرق محفرة والاسواق معفرة والحوانيت
مقفولة والعقول مخبولة والنفوس مطبوقة والغرامات نازلة والارزاق عاطلة والمطالب
عظيمة والمصائب عميمة والعكوسات مقصودة والشفاعات مردودة واذا أراد الانسان ان يفر
الى ابعد مكان وينجو بنفسه ويرضى بغير أبناء جنسه لا يجد طريقا للذهاب وخصوصا من
الملاعين الاعراب الذين هم أقبح الاجناس وأعظم بلاء محيط بالناس وبالجملة فالامر
عظيم والخطب جسيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وكذلك أخذ ربك اذا أخذ
القرى وهي ظالمة ان اخذه أليم شديد
وفي عشرينه انتقلوا بديوان الفردة من بيت البارودي الى
بيت القيسرلي بالميدان ووقع التشديد في الطلب والانتقام بأدنى سبب وانقضى هذا العام
وما جرى فيه من الحوادث العظام بأقليم مصر والشام والروم والبيت الحرام
فمنها وهو أعظمها تعطيل الثغور ومنع المسافرين برا وبحرا
ووقوف
الانكليز بثغر الاسكندرية ودمياط يمنعون الصادر والوارد
وتخطوا ايضا بمراكبهم الى بحر القلزم
ومنها انقطاع الحج المصري في هذا العام ايضا حتى لم يرجع
المحمل بل كان مودوعا بالقدس فلما حضر العساكر الاسلامية احضروه صحبتهم الى بلبيس
فيقال ان السيد بذرا ورجع به الى جبل الخليل
ومنها وقوف العرب وقطاع الطريق بجميع الجهات القبلية
والبحرية والشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والدقهلية وسائر النواحي فمنعوا
السبيل ولو بالخفارة وقطعوا طريق السفار ونهبوا المارين من ابناء السبيل والتجار وتسلطوا
على القرى والفلاحين وأهالي البلاد والحرف بالعري والخطف للمتاع والمواشي من البقر
والغنم والجمال والحمير وافساد المزارع ورعيها حتى كان اهل البلاد لايمكنهم الخروج
ببهائمهم الى خارج القرية للرعي أو للسقي لترصد العرب لذلك ووثب اهل القرى على
بعضهم بالعرب فداخلوهم وتطاولوا عليهم وضربوا عليهم الضرائب وتلبسوا بانواع الشرور
واستعان بعضهم على بعض وقوى القوى على الضعيف وطمعت العرب في أهل البلاد وطلبوهم
بالثارات والعوائد القديمة الكاذبة وآن وقت الحصاد فاضطروا لمسالمتهم لقلة الضم
فلما انقضت حروب الفرنسيس نزلوا الى البلاد واحتجوا عليهم بمصادقتهم العرب فضربوهم
ونهبوهم وسبوهم وطالبوهم بالمغارم والكلف الشاقة فاذا انقضوا وانتقلوا عنهم رجعت
العرب على اثرهم وهكذا كان حالهم وما ان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون
ومنها ان النيل قصر مدة في هذه السنة فشرقت البلاد
وارتحل اهل البحيرة الى المنوفية والغربية فاستحسن رحيل عربان البحيرة لانه بقي
لهم في الحي نخيل
ومنها انه لما حضرت العثمانية وشاع امر الصلح وخضوع
الفرنساوية
لهم نزل طائفة من الفرنسيس الىالموفية وطلبوا من اهلها
كلفة لرحيلهم فلما مروا بالمحلة الكبيرة تعصب اهلها واجتمعوا الى قاضيها وخرجوا
لحربهم فاكمن الفرنسيس لهم وضربوا عليهم طلقا بالمدافع والبنادق فقتلوا منهم نيفا وستمائة
انسان ومنهم القاضي وغيره ولم ينج منهم الا من فر وكان طويل العمر وكذلك اهل
طنتداء عند حضورهم اليهم وصل اليهم رجل من الجزارين المنتسبين للعثمانية من جهة
الشرق لزيارة سيدي احمد البدوي وهو راكب على فرس وحوله نحو الخمسة انفار وكان بعض
الفرنسيس بداخل البلدة يقضون بعض اشغالهم فصاحت السوقة والبياعون عند رؤية ذلك
الرجل بقولهم نصر الله دين الاسلام وهاجوا وماجوا ولقلقت النساء بالسنتهن وصاحت
الصبيان وسخروا بالفرنسيس وتراموا بما على رؤوسهم وضربوهم وجرحوهم وطردوهم فتسحبوا
من عندهم فغابوا ثلاثة أيام ورجعوا بجميع عسكرهم ومعهم الآلات من المدافع فاحتاطوا
بالبلدة وضربوا عليهم مدفعا ارتحوا له ثم هجموا عليهم ودخلوا اليهم وبايديهم
السيوف المسلولة ويقدمهم طبلهم وطلبوا خدمة الضريح الذين يقال لهم أولاد الخادم وهم
ملتزموا البلدة واكابرها ومتهمون بكثرة الاموال من قديم الزمان وكانوا قبل ذلك
بنحو ثلاثة أشهر قبضوا عليهم باغراء القبط وأخذوا منهم خمسة عشر الف ريال فرانسة
بحجة مسالمتهم للعرب فلما وصلوا الى دورهم طلبوهم فلم يمكنهم التغيب خوفا على نهب
الدور وغير ذلك فظهروا لهم فأخذوهم الى خارج البلد وقيدوهم وأقاموا نحو خمسة ايام
خارجها يأخذون في كل يوم ستمائة ريال سوى الاغنام والكلف ثم ارتحلوا وأخذوا
المذكورين صحبتهم الى منوف وحبسوهم اياما ثم نقلوهم الى الجيزة أيام الحرابة بمصر
فلما انقضت تلك الايام وسرحوا في البلاد نزلت طائفة الى
طنتداء وهم بصحبتهم وقرروا عليهم أحدا وخمسين الف ريال فرانسة وعلى اهل
البلدة كذلك بل أزيد واقاموا حول البلد محافظين عليهم
واطلقوا بعضهم وحجزوا المسمى بمصطفى الخادم لانه صاحب الاكثر في الوظيفة والالتزام
وطالبوه بالمال وفي كل وقت ينوعون عليه العقاب والعذاب والضرب حتى على كفوف يديه
ورجليه ويربطونه في الشمس في قوة الحر والوقت مصيف وهو رجل جسيم كبير الكرش فخرجت
له نفاخات في جسده ثم اخذوا خليفة المقام ايضا وذهبوا به الى منوف ثم ردوه وولوه
رئاسة جمع الدراهم المطلوبة من البلد فوزعت على الدور والحوانيت والمعاصر وغير ذلك
واستمروا على ذلك الى انقضاء العام حتى اخذوا عساكر المقام وكانت من ذهب خالص
زنتها نحو خمسة الاف مثقال واما المحلة الكبرى فانهم رجعوا عليها وقرروا عليها
نيفا ومائة الف ريال فرانسة واخذوا في تحصيلها وتوزيعها وهجموا دورها وتتبع
المياسير من اهلها كل ذلك مع استمرار طلب الكلف الشاقة في كل يوم منها ومن طنتدا
والتعنت عليهم وتسلط طوائف الكشوفية التابعين لهم الذين هم اقبح في الظلم من
الفرنسيس بل ومن العرب فانهم معظم البلاد ايضا فانهم هم الذين يعرفون دسائس اهل
البلاد ويشيعون احولهم ويتجسسون على عوراتهم ويغرون بهم
واستمروا على ذلك ايضا ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا
لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون
ومنها انه لما وقع الصلح بين العثمانية والفرنساوية ارسل
الوزير فرمانات للثغور باطلاق الاسافيل وحضور المراكب والتجار بالبضائع وغيرها الى
ثغر الاسكندرية وصحبتها ثلاثة غلايين سلطانية وسفن مشحونة بالذخيرة لحضرة الوزير
ولوازم العسكر العثماني فلما قربوا من الثغر أقاموا البنديرات وضربوا مدافع للشنك
فطمعهم الفرنساوية وأظهروا لهم المسالمة وأظهروا لهم بنديرة العثماني فدخلوا الى
المينا ورموا مراسيم ووقعوا في فخ الفرنسيس فأستولوا على الجميع وأخذوا مدافعهم
وسلاحهم وحبسوا
القبابطين وأعيان التجار وأخذوا الملاحين والمتسببين من
البحرية والنصارى الاروام وهم عدة وافرة أعطوهم سلاحا وزيوهم بزيهم واضافوهم الى
عسكرهم وارسلوهم الى مصر فكانوا اقبح مذكور في تسلطهم على ايذاء المسلمين ثم
اخرجوا شحنة المراكب من بضائع ويميش وحازوه بأجمعه لانفسهم وبقى الامر على ذلك وكان
ذلك في اواسط شهر القعدة
ومنها انه بعد نقض الصلح ارسل الفرنسيس عسكرا الى متسلم
السويس الذي كان تولاها من طرف العثمانية فتعصب معه اهل البندر فحاربوهم فغلبهم
الفرنسيس وقتلوهم عن آخرهم ونهبوا البندر وما فيه من البن والبهار بحواصل التجار
وغير ذلك
ومنها ان مراد بك عند توجهه للصعيد بعد انقضاء الصلح اخذ
ما جمعه درويس باشا من الصعيد من اغنام وخيول وميرة وكان شيئا كثيرا فتسلم الجميع
منه وعدى درويش باشا الى الجهة الشرقية متوجها الى الشام وارسل مراد بك جميع ذلك
للفرنساوية بمصر
ومنها ايضا انه بعد انقضاء المحاربة واستيلاء الفرنسيس
على المخازن والغلال التي كان جمعها العثمانية من البلاد الشرقية وبعض البلا
الغربية والقليوبية وكذلك الشعير والاتبان طلب الفرنساوية مثل ذلك من البلاد
وقرروا على النواحي غلالا وشعيرا وفولا وتبنا وزادوا خيلا وجمالا فوقع على كل
اقليم زيادة عن الف فرس والف جمل سوى ما يدفع مصالحة على قبولها للوسائط وهو ونحو
ثمنا او ازيد وكذلك التعنت في نقض الغلال وغربلتها وغير ذلك وكل ذلك بارشاد القبطة
وطوائف البلاد لانهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة وتقاسموا الاقاليم والتزموا
لهم بجمع الاموال ونزل كل كبير منهم الى أقليم واقام بسر الاقليم مثل الامير
والعساكر والفرنساوية وهو في أبهة عظيمة وصحبته الكتبة والصيارف والاتباع والاجناد
من الغز البطالة وغيرهم والخيام والخدم والفراشون والطباخون والحجاب وتقاد بين
يديه الجنائب والبغال
والرهونات والخيول المسومة والقواسة والمقدمون وبأيديهم
الحراب المفضضة والمذهبة والاسلحة الكاملة والجمال الحاملة ويرسل الى ولايات
الاقليم من جهته المستوفين من القبط ايضا بمنزلة الكشاف ومعهم العسكر من
الفرنساوية والطوائف الجاويشية والصارفين والمقدمين على الشرح المذكور فينزلون على
البلاد والقرى ويطلبون المال والكلف الشاقة بالعسف ويؤجلونهم بالساعات فان مضت ولم
يوفوهم المطلوب حل بهم ما حل من الحرق والنهب والسلب والسبي وخصوصا اذا فر مشايخ
البلدة من خوفهم وعدم قدرتهم والا قبضوا عليهم وضربوهم بالمقارع والكسارات على
مفاصلم وركبهم وسحبوهم معهم في الحبال واذاقوهم انواع النكال وخاف من بقي فصانعوهم
واتباعهم بالبراطيل والرشوات وانضم اليهم الاسافل من القبط والاراطل من المنافقين
وتقربوا اليهم بما يستميلون قلوبهم به وما يستجلبونه لهم من المنافع والمظالم
وأجهدوا انفسهم في التشفي من بعضهم وما يوجب الحقد والتحاسد الكامن في قلوبهم الى
غير ذلك مما يتعذر ضبطه وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الامام الفاضل
الصالح العلامة الشيخ عبد العليم ابن محمد بن محمد بن عثمان المالكي الأزهري
الضرير حضر دروس الشيخ علي الصعيدي رواية ودراية فسمع عليه جملة من الصحيح والموطأ
والشمائل والجامع الصغير ومسلسلات بن عقيلة وروى عن كل من الملوى والجوهري والبلدي
والسقاط والمنير والدردير والتاودي بن سودة حين حج ودرس وأفاد وكل من البكائين عند
ذكر الله سريع الدمعة كثير الخشية وكان يعرف أشياء في الرقي والخواص وفوائد
القرينة وام الصبيان ثم ترك ذلك لرؤيا منامية رآها واخبرني بها توفي في هذه السنة
ودفن ببستان المجاورين
ومات العمدة الفاضل والنبيه الكامل صاحبنا العلامة
الوجيه الشيخ شامل احمد بن رمضان بن مسعود الطرابلسي المقرى الازهري حضر من بلده
طرابلس الغرب الى مصر في سنة احدى وتسعين وجاور بالازهر وكان فيه استعداد وحضر
دروس الشيخ أحمد الدردير والبيلي والشيخ ابي الحسن الغلقي وسمع على شيخنا السيد
مرتضى المسلسل بالاولية وغير المسلسل ايضا واخذ منه الاجازة في سنة اثنتين وتسعين
ولما مات الخواجا حسن البناني من تجار المغاربة فتوصل الى ان تزوج بزوجته بنت
الغرياني وسكن بدارها الواسعة بالكعكبين وتجمل بالملابس وتودد للناس بحسن المعاشرة
ومكارم الاخلاق وكان سموح النفس جدا دمت الطباع والاخلاق جميل العشرة ولما عزل السيد
عبد الرحمن السفاقسي الضرير من مشيخة رواقهم كان المترجم هو المتعين لذلك دون غيره
فتولى مشيخة الرواق بشهامة وكرم ونوه بذكره وزادت شهرته وكان وجيها طويل القامة
بهى الطلعة بشوشا ولما حصلت واقعة الفرنسيس خرج تلك الليلة مع الفارين وذهب الى
بيت المقدس وتوفي هناك في هذه السنة
ومات السيد الافضل والسند الاكمل المقرى بن المقرى
والفهامة الذي بكل فن على التحقيق يدري بدر أضاء في سماء العرفان وعارف وضح دقائق
المشكلات باتقان فلله دره من فاضل أبرز درر اللطائف من كنوزها وكشف عن مخدرات
الفهوم لثامها فأظهر الانفس من نفيسها والاعز من عزيزها فلا غرو فانه بذلك حقيق
كيف لا وما ذكر من بعض صفاته التي به تليق العلامة الشريف الحسن بن علي البدري العوضي
ربي في حجر ابيه وحفظ القرآن والمتون وأخذ عن أبيه علم القراءات واتقن القراءات
الاربعة عشر بعد ان اتقن العربية والفقه وباقي العلوم وحضر أشياخ الوقت وتمهر
وأنجب وقرأ الدروس ونظم الشعر الجيد وشهد له الفضلاء وله ديوان مشهور بأيدي الناس
وامتدح الاعيان وبينه بين الصلاحي وقاسم ابن عطاء الله مطارحات ذكرنا منها طرفا في
ترجمتهما وله ايضا تآليف
وتقييدات وتحقيقات ورسائل في فنون شتى ورسالة بليغة في قوله
تعالى استكبرت أم كنت من العالين وكان الباعث له على تأليفها مناقشة حصلت بينه
وبين الشيخ احمد يونس الخليفي في تفسير الآية بمجلس علي بك الدفتردار فظهر بها على
الشيخ المذكور واجاره الامير المذكور بان رتب له تدريسا بالمشهد الحسيني ورتب له
معلوما بوقته وقدره كل يوم عشرة انصاف فضة يستغلها من جانب الوقف في كل شهر واستمر
بقبضها حتى مات في شعبان من هذه السنة رحمه الله ولم يخلف بعده مثله في الفضائل
والمعارف
ثم دخلت سنة خمس عشر ومائتين والف كان ابتداء المحرم يوم
الاحد في خامسه اصعدوا الشيخ السادات الى القلعة وكان أرسل الى كبار القبط بان
يسعوا في قضيته ورهن حصصه ويغلق الذي عليه فردوا عليه بانه لا بد من تشهيل قدر نصف
الباقي اولا ولا يمكن غير ذلك واما الحصص فليست في تصرفه ولما تكرر ارساله للنصارى
وغيرهم نقلوهم الى القلعة ومنعوه الاجتماع بالناس وهي المرة الثالثة
وفيه اشيع حضور مراكب وغلايين من ناحية الروم الى ثغر
سكندرية وسافر سارى عسكر كلهبر وصحبته العساكر الفرنساوية فغاب اياما ثم عاد الى
مصر ولم يظهر لهذا الخبر اثر
وفيه طلبوا عسكر من القبط فجمعوا منهم طائفة وزيوهم
بزيهم وقيدوا بهم من يعلمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك وارسلوا الى الصعيد
فجمعوا من شبانهم نحو الالفين واحضروهم الى مصر واضافوهم الى العسكر
وفي حادي عشرينه اعادوا الشيخ احمد العريشي الى القضاء
كما كان وعملوا له موكبا وركب معه أعيان الفرنسيس وسوارى عساكرهم بطبولهم وزمورهم
والمشايخ والتجار والاعيان وبجانبه قائممقام عبد الله
منو الذي كان سارى عسكر برشيد فلم يزالوا معه حتى اوصلوه
الى المحكمة الكبرى بعد ان شقوا به المدينة
وفي ذلك اليوم اعني يوم السبت وقعت نادرة عجيبة وهو ان
سارى عسكر كلهبر كان مع كبير المهندسين يسيران بداخل البستان الذي بداره بالازبكية
فدخل عليه شخص حلبي وقصده فاشار اليه بالرجوع وقال له ما فيش وكررها فلم يرجع وأوهمه
ان له حاجة وهو مضطر في قضائها فلما دنا منه مد اليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل
يده فمد اليه الآخر يده فقبض عليه وضربه بخنجر كان اعده في يده اليمنى أربع ضربات
متوالية فشق بطنه وسقط الى الارض صارخا فصاح رفيقه المهندس فذهب اليه وضربه ايضا
ضربات وهرب فسمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس فدخلوا مسرعين فوجدوا كلهبر
مطروحا وبه بعض الرمق ولم يجدوا القاتل فانزعجوا وضربوا طبلهم وخرجوا مسرعين وجروا
من كل ناحية يفتشون على القاتل واجتمع رؤساؤهم وارسلوا العساكر الى الحصون والقلاع
وظنوا انها من فعل اهل مصر فاحتاطوا بالبلد وعمروا المدافع وحرروا القنابر وقالوا
لا بد من قتل اهل مصر عن آخرهم ووقعت هوجة عظيمة في الناس وكرشة وشدة انزعاج واكثرهم
لا يدري حقيقة الحال ولم يزالوا يفتشون على ذلك القاتل حتى وجدوه منزويا في
البستان المجاور لبيت سارى عسكر لمعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم فقبضوا عليه
فوجدوه شاميا فاحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده فوجدوه حلبيا واسمه سليمان
فسألوه عن محل ماواه فأخبرهم انه يأوي ويبيت بالجامع الازهر فسألوه عن معارفه
ورفقائه وهل اخبر احد بفعله وهل شاركه احد في رأيه واقره عل فعله او نهاه عن ذلك
وكم له بمصر من الايام او الشهور وعن صنعته وملته وعاقبوه حتى اخبرهم بحقيقة الحال
فعند ذلك علموا ببراءة اهل مصر من ذلك وتركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة اهل
البلد وقد كانوا ارسلوا اشخاصا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات
والنواحي يتفرسون في الناس فلم يجدوا فيهم قرائن دالة
على علمهم بذلك ورأوهم يسألون من الفرنسيس عن الخبر فتحققوا من ذلك برائتهم من ذلك
ثم انهم أمروا باحضار الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ احمد العريشي القاضي
وأعلموهم بذلك وعوقوهم الى نصف الليل والزموهم بأحضار الجماعة الذين ذكرهم القاتل
وانه أخبرهم بفعله فركبوا وصحبتهم الاغا وحضروا الى الجامع الازهر وطلبوا الجماعة
فوجدوا ثلاثة منهم ولم يجدوا الرابع فأخذهم الاغا وحبسهم ببيت قائممقام بالازبكية
ثم انهم رتبوا صورة محاكمة على طريقتهم في دعاوى القصاص وحكموا بقتل الثلاثة أنفار
المذكورين مع القاتل وأطلقوا مصطفى افندي البوصلي لكونه لم يخبره بعزمه وقصده
فقتلوا الثلاثة المذكورين لكونه اخبرهم بأنه عازم على قصده صبح تاريخه ولم يخبروا
عنه الفرنسيس فكأنهم شاركوه في الفعل وانقضت الحكومة على ذلك وألقوا في شأن ذلك
أرواقا ذكروا فيها صورة الواقعة وكيفيتها وطبعوا منها نسخا كثيرة باللغات الثلاث
الفرنساوية والتركية والعربية وقد كنت أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تركيبها
لقصورهم في اللغة ثم رايت كثيرا من الناس تتشوق نفسه الى الاطلاع عليها لتضمينها
خبر الواقعة وكيفية الحكومة ولما فيها من الاعتبار وضبط الاحكام من هؤلاء الطائفة
الذين يحكمون العقل ولا يتدينون بدين وكيف وقد تجارى على كبيرهم ويعسو بهم رجل
آفاقي أهوج وغدره وقبضوا عليه وقرروه ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الاقرار
بعد ان عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم سارى عسكرهم وأميرهم بل رتبوا
حكومة ومحاكمة وأحضروا القاتل وكرروا عليه السؤال والاستفهام مرة بالقول ومرة
بالعقوبة ثم أحضروا من اخبر عنهم وسألوهم على انفرادهم ومجمعين ثم نفذوا الحكومة
فيهم بما اقتضاه التحكيم وأطلقوا مصطفى افندي البوصلي الخطاط حيث لم يلزمه حكم ولم
يتوجه عليه قصاص كما يفهم جميع ذلك من فحوى المسطور بخلاف ما رأيناه
بعد ذلك من افعال اوباش العساكر الذين يدعون الاسلام
ويزعمون انهم مجاهدون وقتلهم الانفس وتجاريهم على هدم البنية الانسانية بمجرد
شهواتهم الحيوانية مما سيتلى عليك بعضه بعد
وصورة ترجمة الاوراق المذكورة بيان شرح الاطلاع على جسم
سارى عسكر العام كلهبر يوم الخامس والعشرين من شهر برريال من السنة الثامنة من
انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من اول
مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انتهينا حصة ساعتين بعد الظهر الى بيت
سارى عسكر العام في الازبكية بمدينة مصر وكان سبب روحتنا هو اننا سمعنا دقة الطبل
وغاغة الناس التي كانت تخبران سارى عسكر العام كلهبر انغدر وقتل وصلنا له فرأيناه
في اخر نفس فحصنا عن جروحاته فتحقق لنا انه قد انضرب بسلاح مدبب وله حد وجروحاته
كانت اربعة الاول منها تحت البز في الشقة اليمنى الثاني اوطى من الاول جنب السوة
الثالث في الذراع الشمال نافذ من شقة لشقة والرابع في الخد اليمين فهذا حررنا
البيان بالشرح في حضور الدفنزادر سارتلون الذي وضع اسمه فيه كمثلنا لاجل ان يسلم
البيان المذكور الى سارى عسكر مدير الجيوش تحريرا في سراية سارى عسكر العام في
النهار والسنة بعد الظهر بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من اول مرتبة كازابيانكا والدفتردار
سارتلون شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر
برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثالثة بعد الظهر
نحن الواضعون اسماءنا وخطنا فيه باش حكيم وجرايحي من اول مرتبة الذي صار مرتبة باش
جرايحي في غيبته انطلبنا من الدفتردار سارتلون اننا نعمل بيان شرح جروحات الستوين
بروتاين المهندس وعضو من اعضاء مدرسة العلماء في بر مصر الذي انغدر هو ايضا في جنب
سارى عسكر العام كلهبر مدبر الجيوش ومضروب ستة امرار بسلاح مدبب وله
حد وهذا بيان الجروحات الاول في جنب الصدغ الثاني في
الكف في عظمة الاصبع الخنصر الثالث بين الضلوع الشمالية الخامس في الشدق الشمالي
والسادس في الصدر من الشقة الشمالية وشق نحو العرق ثم الى تأييد ذلك وضعنا اسماءنا
وخطنا فيه برفقة الدفتردار سارتلون تحريرا في سراية سارى عسكر مدير الجيوش في
اليوم والشهر والساعة المرقومة اعلاه بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من اول مرتبة كازابيانكا
والدفتردار سارتلون عن
اول فحص سليمان الحلبي نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر
برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في بيت سارى عسكر داماس مدبر
الجيوش واحد فسيال من ملازمين بيت سارى عسكر العام حضر وبيده ماسك راجل من اهل
البلد مدعيا ان هذا هو الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر المنهوم المذكور انعرف من
الستوين بروتاين المهندس الذي كان مع سارى عسكر حين انغدر لأنه ايضا انضرب برفقته
بالخنجر ذاته وانجرح بعض جروحات
ثانيا المتهوم المذكور انشاف بين جماعة سارى عسكر من حد الجيزة
وانوجد مخبى في الجنينة التي حصل فيها القتل وفي الجنينة نفسها انوجد الخنجر الذي
به انجرح سارى عسكر وبعض حوائج ايضا بتوع المتهوم فحالا بدىء الفحص بحضور سارى
عسكر منو الذي هو اقدم اقرانه في العسكر وتسلم في مدينة مصر والفحص المذكور صار
بواسطة الخواجا براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام ومحرر من يد الدفتردار
سارتلون الذي احضره سارى عسكر منو لاجل ذلك المتهوم المذكور
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى سليمان
ولادة بر الشام وعمره اربعة وعشرون سنة ثم صنعته كاتب عربي وكانت سكنته في حلب
سئل كم زمان له في مصر فجاوب انه بقي له خمسة اشهر وانه
حضر في قافلة وشيخها يسمى سليمان بوريجي
سئل عن ملته فجاوب انه من ملة محمد وانه كان سابقا سكن
ثلاث سنين في مصر وثلاث سنين اخرى في مكة والمدينة
سئل هل يعرف الوزير الاعظم وهل له مدة ما شافه فجاوب انه
ابن عرب ومثله ليس يعرف الوزير الاعظم
وسئل عن معارفه في مدينة مصر فجاوب انه لم يعرف احدا
واكثر قعاده في الجامع الازهر وجملة ناس تعرفه واكثرهم يشهدون في مشيه الطيب
سئل هل راح صباح تاريخه الجيزة فجاوب نعم وانه كان قاصد
ينشبك كاتب عند أحد ولكن ما قسم له نصيب
سئل عن الناس الذين كتب لهم أمس فجاوب ان كلهم سافروا
سئل كيف يمكن انه لم يعرف احد من الذين كتب لهم في
الايام الماضية وكيف يكونون كلهم سافروا فجاوب انه ليس يعرف الذين كان يكتب لهم
وان غير ممكن ان يتفكر اسماهم
سئل من هو الآخر في الذين كتب لهم فجاوب انه يسمى محمد
مغر السويسي بياع عرقسوس وانه ما كتب لاحد في الجيزة
سئل ثانيا عن سبب روحته للجيزة فجاوب دائما انه كان
قاصدا ان ينشبك كاتبا
سئل كيف مسكوه في جنينة سارى عسكر فجاوب انه ما انمسك في
الجنينة بل في عارض الطريق فذاك الوقت انقال له انه ما ينجيك الا الصحيح لان عسكر الملازمين
مسكوه في الجنينة وفي المحل ذاته انوجدت السكينة وفي الوقت انعرضت عليه فجاوب صحيح
انه كان في الجنينة ولكن ماكان مستخبي بل قاعد لان الخيالة كانت ماسكة الطرق وما
كان يقدر ان يروح للمدينة وان ما كان عنده سكينة ولم يعرف ان كان هذا موجود في
الجنينة
سئل لاي سبب كان تابع سارى عسكر من الصبح فجاوب انه كان
مراده فقط يشوفه
سئل هل يعرف حنة قماش خضرة التي باينة مقطوعة من لبسه
وكانت انوجدت في المحل الذي انغدر فيه سارى عسكر فجاوب بان هذه ما هي تعلقه
سئل ان كان تحدث مع احد في الجيزة وفي أي محل نام فجاوب
انه ما تكلم مع ناس الا لاجل مشترى بعض مصالح وانه نام في الجيزة في جامع فاشاروا
له على جروحاته التي ظاهرة في دماغه وقيل له ان هذه الجروحات بينت انه هو الذي غدر
سارى عسكر لان ايضا الستوين بروتاين الذي كان معه عرفه وضربه كم عصاية الذين جرحوه
فجاوب انه ما انجرح الا ساعة ما مسكوه
سئل هل كان تحدث نهار تاريخه مع حسين كاشف او مع ممالكيه
فجاوب انه ما شافهم ولا كلمهم فلما أن كان المتهوم لم يصدق في جواباته امر سارى
عسكر انهم يضربونه حكم عوائد البلاد فحالا انضرب لحد انه طلب العفو ووعد انه يقر
بالصحيح فارتفع عنه الضرب وانفكت له سواعده وصار يحكي من اول وجديد كما هو مشروح
سئل كم يوم له في مدينة مصر فجاوب انه له واحد وثلاثين
يوما وانه حضر من غزة في ستة ايام على هجين
سئل لاي سبب حضر من غزة فجاوب لاجل ان يقتل سارى عسكر
العام
سئل من الذي ارسله لاجل ان يفعل هذا الامر فجاوب انه
ارسل من طرف اغات الينكجرية وانه حين رجع عساكر العثملي من مصر الى بر الشام
ارسلوا الى حلب بطلب شخص يكون قادرا على قتل سارى عسكر العام الفرنساوي ووعدوا لكل
من يقدر على هذه المادة ان يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم ولاجل ذلك هو تقدم وعرض
روحه لهذا
سئل من هم الناس الذين تصدروا له في هذه المادة في بر
مصر وهل
سارر احدا على نيته فجاوب ان ما احد تصدر له وانه راح
سكن في الجامع الازهر وهناك شاف السيد محمد الغزي والسيد احمد الوالي والشيخ عبد
الله الغزي والسيد عبد القادر الغزي الذين ساكنون في الجامع المذكور فبلغهم على مراده
فهم أشاروا عليه انه يرجع عن ذلك لان غير ممكن ان يطلع من يده ويموت فرط وان كان
لازم يشخصوا واحدا غيره في قضاء هذه المادة ثم انه كل يوم كان يتكلم معهم في الشغل
المذكور وان امس تاريخه قال لهم انه رائح يقضي مقصوده ويقتل سارى عسكر وانه توجه الى
الجيزة حتى ينظر ان كان يطلع من يده وان هناك قابل النواتية بنوع قنجة سارى عسكر
فاستخبر عليه منهم ان كان يخرج برا فسالوه ايش طالب منه فقال لهم ان مقصوده يتحدث
معه فقالوا له انه كل ليلة ينزل في جنينة ثم صباح تاريخه شاف سارى عسكر معديا
للمقياس وبعده ماشي الى المدينة فتبعه لحين ما غدره هذا الفحص صار من حضرة سارى
عسكر منو بحضور باقي سوارى العساكر الكبار وملازمين ببيت سارى عسكر العام ثم انختم
بامضاء سارى منو والدفتردار سارتلون في اليوم والشهر والسنة المحررة اعلاه ثم انقرا
على المتهوم وهو ايضا خط يده واسمه بالعربي سليمان امضاء سارى عسكر عبد الله منو
امضاء سارى عسكر داماس امضاء الجنرال والتين امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال
مارتينه امضاء دفتر دار البحر لروا امضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما
كان امضاء الترجمان حنا روكه امضاء داميانوس براشويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر
العام
فحص الثلاثة مشايخ المتهمين نهار تاريخه خمسة وعشرين في
شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثامنة بعد
الظهر حضروا في منزل سارى عسكر العام منو امير الجيوش الفرنساوية السيد عبد الله
الغزي ومحمد الغزي والسيد احمد الوالي وهم الثلاثة متهومين في قتل
سارى عسكر العام كلهبر فسارى عسكر منو أمر بفحصهم فبدىء
ذلك حالا في حضور بعض سوارى العساكر المجتمعين لذلك وبواسطة الستوين لوما كا
الترجمان كما يذكر ادناه السيد عبد الله الغزي هو الذي سئل اولا لوحده
سئل عن اسمه وعن مسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى السيد عبد
الله الغزي ولادة غزة ومسكنه في مصر في الجامع الازهر وهناك كان كاره مقرىء القرآن
وانه لم يعرف كم عمره ولكن تخمينه يجيء ثلاثين سنة
سئل ان كانت سكنته في الجامع الازهر هل يعرف جميع
الغرباء الذين يدخلونه فجاوب انه ساكن ليل ونهار ويعرف الغرباء الذين فيه
سئل هل يعرف رجلا حضر من بر الشام من مدة شهر فجاوب ان
من مدة خمسين يوم ما شاف احدا حضر من بر الشام فقيل له ان رجلا من طرف عرضي الوزير
حضر من مدة ثلاثين يوما قال انه يعرفك والظاهر انك لم تكلم بالصدق فجاوب انه ملهى دائما
في وظيفته وانه ما شاف احدا من بر الشام بل سمع أن قافلة كانت وصلت من ناحية الشرق
فقيل له ايضا ان ناسا حضروا من بر السام يقولون انهم تكلموا معه ويعرفون فجاوب ان
هذا غير ممكن وانهم يقابلوه مع الذي فتن عليه
سئل هل يعرف واحد اسمه سليمان كاتب عربي حضر من حلب من
مدة ثلاثين يوما فجاوب لا فقيل له ان هذا الرجل يحقق انه شافه وانه أخبره ببعض
أشياء لازمة فجاوب انه ما شافه وان هذا الرجل كذاب وانه يريد ان يموت ان كان ما
يحكي الصحيح فحالا سارى عسكر نده الى محمد الغزي الذي هو ايضا متهوم في قتل سارى عسكر
وبدىء الفحص كما يذكر
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى الشيخ
محمد الغزي وعمره نحو خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وسكن بمصر في الجامع الازهر ثم
صنعته مقرىء القرآن من مدة خمس سنين وما يخرج من الجامع
الالكي يشتري ما يأكل
سئل هل يعرف الغرباء الذين يجيئون يسكنون في الجامع
فجاوب ان في بعض الاوقات يحضر ناس غرباء واما البواب فهوالذي يقارشهم ومن قبله
ينام بعض ليالي في الجامع والبعض في بيت الشيخ الشرقاوي
سئل هل يعرف رجلا يسمى سليمان حضر من بر الشام من مدة ثلاثين
يوما فجاوب انه لم يعرفه وانه غير ممكن ان يشوف كل الناس لان الجامع كبير قوي
سئل انه يحكي على الذي تكلم به معه سليمان فان المذكور
يحقق انه تكلم معه في الجامع فجاوب انه يعرفه من مدة ثلاث سنين وانه كان عند خبر
انه راح مكةواما من بعده ما شافه ولم يعرف ان كان رجع ام لا
سئل هل السيد عبد الله العزي يعرفه ايضا فجاوب نعم فقيل له
محقق ان امس تاريخه سليمان المذكور تحدث معه حصة طيبة وان الشواهد موجودة فجاوب ان
هذا صحيح سئل لاي سبب كان بدأ يقول انه ما شافه فجاوب ان تخمينه ما قال هذا وان المترجمين
غلطوا
سئل هل سليمان المذكور مابلغه عن شيء مذنب قوى وتحقيا لذلك
معلوم عندنا انه كان قصده يحوشه فجاوب انه لم يعرف هذا الامر وان سلميان المذكور
راح وجاء كام مرة الى مصر وبقي له هنا مقدار شهر فقيل له انه موجود شواهد ان
سليمان المذكور كان أخبره ان مراده لن يغدر سارى عسكر العام وانه اراد أن يمنعه
فجاوب انه ما بلغه عن هذا الامر بل امس تاريخه قال له انه رائح ويمكن ان ما بقي
يرجع فبعده احضرنا عبد الله الغزي لاجل يتفحص ثانيا كما يذكر ادناه
سئل لاي سبب قال انه لم يعرف سليمان الحلبي حين سألوه
عنه بحيث ان موجودة شواهد ان هذا له في مصر واحد وثلاثون يوما وانه تقابل واياه
جملة مرار وتحدث معه اكثر الايام فجاوب حقا انه لم يعرفه
سئل هل يعرف واحد يسمى محمد الغزي الذي هو مثله مقرى
القرآن
في جامع الازهر فجاوب نعم
سئل السيد عبد الله المذكور لاي سبب انكر ذلك فجاوب انهم
لخبطوا عليه السؤال وان هذا الوقت بحيث انهم سالوه عن سليمان الذي من حلب فيقر انه
يعرفه فقيل له انه معلوم عندنا انه شافه مرارا كثيرة وتحدث معه فجاوب انه بقي له
ثلاثة ايام ما شافه
سئل هل انه ما قصد يمنعه عن قتل سارى عسكر العام فجاوب
انه ما قال له ابدا على هذا الامر وانه لو كان بلغه منه ذلك كان منعه بكل قدرته
سئل لأي سبب ما يحكى الصحيح بحيث انه موجودة عليه شواهد
فجاوب انه غير ممكن يوجد عليه شواهد وانه ما شاف سليمان المذكور الا لاجل ان
يسلموا على بعض حين تقابلوا
سئل هل سليمان ما أخبره ابدا عن سبب مجيئه الى مصر فجاوب
حاشا فبعد ذلك اخروا الاثنين المذكورين واحضروا السيد احمد الوالي الذي هو متهوم
وسئل كما يذكر
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى السيد
احمد الوالي ولادة غزة وصنعته مقرى القرآن في الجامع الازهر من مدة عشر سنين ولم
يعرف كم عمره
سئل هل يعرف الغرباء الذين يدخلون في الجامع فجاوب ان
وظيفته يقرأ ولا ينتبه الى الغرباء فقيل له ان بعض الغرباء الذين حضروا هناك عن
قريب يقولون انهم شافوه في الجامع فجاوب انه ما شاف احدا
سئل هل شاف رجلا حضر من بر الشام من طرف الوزير وهذا
الرجل قال انه يعرفه فجاوب لا وان كانوا يقدروا يحضروا هذا الرجل حتى يقابله
سئل هل يعرف سليمان الحلبي فجاوب انه يعرف واحدا يسمى
سليمان الذي كان يروح يقرأ عند واحد افندي وكان طالب انه يستقيم في الجامع وان هذا
الرجل قال انه من حلب ومن مدة عشرين يوما كان شافه وبعدها
ما قابله ثم كان قال له ان الوزير في يافا وان عساكره ما
كان عندهم دراهم وكانوا يفوتوه
سئل هل هذا الرجل المذكور ما هو تحت حمايته فجاوب انه لم
يعرفه طيبا حتى يضمنه
سئل هل الاثنان الاخران المتهومان معارفه وهل ان الثلاثة
تحدثوا سواء عن قريب ام امس تاريخه مع سليمان المذكور فجاوب لا بل انه يعرف ان
سليمان المذكور كان حضر لزيارة الجامع وانه وضع في الجامع جملة اوراق مضمونها انه كان
قوي متعبد لخالقه
سئل هل المذكور امس ايضا ما وضع اوراقا في الجامع فجاوب
ان ما عنده خبر بذلك
سئل هل ما منع سليمان عن فعل ذنب بليغ فجاوب انه ايدا ما
حدثه بهذا الشيء ولكن قال له ان مراده يفعل شيء جنون وانه عمل كل جهده حتى يرجعه
سئل ايش هو الجنان الذي قاصد يعمله وحدثه عليه فجاوب انه
قال له انه كان مراده يغازي في سبيل الله وان هذه المغازاة هي قتل واحد نصراني
وليكن ما اخبره باسمه وانه قصد يمنعه بقوله ان ربنا اعطى القوة للفرنساوية ما احد
يقدر يمنعهم حكم البلاد فبعد هذا المتهوم المذكور انشال لمحله وهذا الفحص تحتم بحضور
سوارى العساكر المجموعين بامضاء سارى عسكر منو والدفتردار سارتلون الذي هو ذاته
حرر هذا الفحص بأمر سارى عسكر منو ثم بعد قراءته على المتهومين وضعوا اسماءهم
وخطهم بالعربي تحريرا في اليوم والشهر والسنة المحرر اعلاه ثلاث امضاآت بالعربي
امضاء سارى عسكر منو امضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كا سارى عسكر
العام منو امير الجيوش الفرنساوية في مصر
المادة الاولى أن ينشأ ديوان قضاة لاجل أن يشرعوا على
الذين غدروا سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال
المادة الثانية القضاة المذكورون يكونوا تسعة وهم سارى
عسكر رينيه سارى عسكر فرياند سارى عسكر روبين الجنرال موراند رئيس المعمار بربراند
الوكيل رجينيه دفتردار البحر لرو والدفتردار سارتلون في وظيفة مبلغ والوكيل لبهر في
وظيفة وكيل الجمهور
المادة الثالثة القضاة المذكورون ينظر لهم كاتم سر
المادة الرابعة القضاةالمذكورين مفوضون الامر في الكشف
والتفتيش وحوش كل من يريدوا حتى انهم يطلعوا على الذين لهم حصة في الذنب المذكور
او يكون عندهم خبرة
المادة الخامسة القضاة المذكورون يتفقوا على العذاب
اللائق الى موت القاتل ورفقائه
المادة السادسة القضاة المذكورون يجتمعوا من نهار تاريخه
الذي هو السادس والعشرون من شهر برريال لحد خلاص الشريعة المذكورة امضاء سارى عسكر
منو وهذه نسخة من الاصل امضاء الجنرال رنة كتخدا مدبر الجيوش
شرح اجتماع القضاة في السنة الثامنة من انتشار الجمهور
الفرنساوي في اليوم السادس والعشرين من شهر برريال حكم أمر سارى عسكر العام منو
أمير الجيوش الفرنساوي المحرر في نهار تاريخه اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه
المذكور وساري عسكر وبين ودفتردار البحر لو والجنرال مارتينه عوضا عن سارى عسكر
فرياند حكم أمر سارى عسكر منو ثم الجنرال موراند ورئيس العسكر جرجه ورئيس العمارة برتراند
ورئيس المدافع فاورو الوكيل رجيه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل ابهر في
وظيفة وكيل الجمهور لاجل قضاء شريعة قتل سارى عسكر العام كلهبر الذي انغدر امس
تاريخه القضاة المذكورون اجتمعوا مع شيخهم سارى عسكر رينيه وعلى قرار أمر سارى
عسكر منو المشروح
أعلاه وحكم المادة الثالثة المحررة فيه استخصوا كاتم
السرلهم الوكيل بينه الذي حلف كما هي العوائد ولزم وظيفته ثم القضاة المذكورون
وكلوا سارى عسكر رينيه والمبلغ الدفتردار سارتلون في التفتيش والحبس لكل من
اكتشفوا عليه حكم ما هو محرر في المادة الرابعة المحررة اعلاه وهذا لكي يظهروا
رفقاء القاتل ثم ان السكينة التي وجدت مع القاتل حين انمسك تبقى عند كاتم السر
لاجل يظهرها في الوقت الذي يلزم ثم وعدوا المجلس لصباح تاريخه في الساعة الرابعة
قبل الظهر ثم حرروا خط يدهم مع كاتم السر امضاء الوكيل رجنيه امضاء رئيس المعمار بريراند
امضاء رئيس المدافع فاور امضاء رئيس العسكر جرجه امضاء الجنرال موراند امضاء
الجنرال مارتينه امضاء دفتردار البحر لرو امضاء سارى عسكر روبين امضاء سارى عسكر
رينيه امضاء كاتم السر بينه اقرار الشهود نهار تاريخه في ستة وعشرين شهر برريال
السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار
سارتلون المسمى من حضرة سارى عسكر العام منو أمير الجيوش وفي وظيفة مبلغ حكم الامر
الذي خرج من طرفه
انتشار القضاة في شرع القاتلين سارى عسكر العام كلهبر
والسيتوين بينه المسمى من القضاة المذكورين في مرتبة كاتم السر انه حضر بين يدنا
يوسف برين عسكرى خيال من الطبجية الملازمين بيت سارى عسكر العام وقال لنا هو
ورفيقه خيال ايضا يسمى روبرت مسكوا المسلم سليمان المتهوم في غدر سارى عسكر العام وانهم
وجدوه في الجنينة التي معمول فيها الحمامان الفرنساويان الملتزقان بجنينة سارى
عسكر وانهم رأوه مخبأ بين حيطان الجنينة المهدودة وان الحيطان المذكورة كانت
ملغمطة بدم في بعض نواحي وان سليمان المذكور كان ايضا ملغمطا بدم وانهم مسكوه في
هذه الحالة وان بعده التزموا يضربوه بالسيف لاجل يمشوه ثم برين المذكور قال بعد
حوشة سليمان بساعة في الموضع ذاته الذي
كان مخبأ فيه شاف سكينة بدمها وانه سلم السكينة في بيت
سارى عسكر العام فقربنا اليه اقراره هذا وسألناه هل فيه شيء زائد أم ناقص فجاوب ان
هذا كل الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا امضاء برين الخيال امضاء سارتلون امضاء
كاتم السر بينه ثم حرر ايضا بين أيدينا الشاهد الثاني وهو السيتوين روبرت الخيال
أحد الطبجية الملازمين وقال انه حين كان يفتش على الذي قتل سارى عسكر دخل في
الجنينة التي فيها الحمامان الفرنساويان لزق جنينة سارى عسكر العام وهناك شاف
برفقة برين المذكور سليمان الحلبي مستخبى في ركن حيطان مهدودة وكان ملغمط دم وفي
رأسه شرموطة زرقاء وان في هذه الحالة عرفت ان هذا هو القاتل وان الحيطان التي كان
فات عليها كانت ايضا ملغمطة دم وان حين مسكوه بان منه وهم وان بعد حوشته بساعة شاف
برفقة السيتوين برين في الموضع ذاته سكينة بدمها وانهم سلموها في بيت سارى عسكر
العام والسكينة المذكورة كانت مخبية تحت الارض فقرأنا عليه اقراره هذا ثم سألناه
ان كان ما فيه زائد ام ناقص فجاوب ان هذا هو الذي فعله وشافه ثم حرر خط يده معنا
حرر بمدينة مصر في النهار والشهر والساعة المحررة أعلاه امضاء روبرت الخيال امضاء
سارتلون امضاء كاتم السر بينه انا الدفتردار سارتلون المبلغ رحت الى بيت السيتوين
بروتاين لانه كان راقدا بسبب جروحاته ثم استلمت منه التبليغ الآتي أدناه انا حنا
قسطنطين بروتاين المهندس وعضو من أعضاء مدرسة العلم في بر مصر انني كنت أتمشور تحت
التكعيبة الكبيرة التي في جنينة سارى عسكر وتطل على بركة الازبكية وكنت برفقة سارى
عسكر العام فنظرت رجلا لابسا عثملي خارج من مبتدأ التكعيبة من جنب الساقية فانا
كنت بعيد كام خطوة عن سارى عسكر انادى على الغفراء فانتبهت لاجل أشوف السيرة رأيت
ان الرجل المذكور يضرب سارى عسكر بالسيكنة ذاتها كام مرة فارتميت على الارض وفي
الوقت سمعت سارى عسكر يصرخ ثانيا فهميت ورحت قريبا من سارى عسكر فرايت الرجل
يضربه فهو ضربني ثانيا كام سكينة التي رمتني وغيبت صوابي
وما وعدت نظرت شيا غير انني اعرف طبيب اننا قعدنا مقدار ستة دقائق قبل ما أحد
يسعفنا فبعده قريت هذا الإقرار على السيتوين بروتاين وسألته هل فيه زائد ام ناقص
فجاوب ان هذا الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء بروتاين امضاء سارتلون امضاء
كاتم السربينه والسيتوين بروتاين بعد ما ختم الورقة أعلاه قال ان مقصوده يضيف
عليها ان بعد غدر سارى عسكر بزمان قليل حين شاف سليمان الحلبي الذي هو ذاته الذي
كان ضرب سارى عسكر وبعده ضربه سليمان المذكور كام سكينة غيبت صوابه فقرينا عليه
ايضا هذه الاضافة فجاوب انها حاوية الحق وما فيها زائد ولا ناقص ثم ختمها معنا
أمضاء بروتاين سارتلون امضاء كاتم السر بينه نهار تاريخه سنة وعشرين في شهر برريال
السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي انا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة
المأمور في شرع قتلة سارى عسكر العام كلهبر ذهبت الى مساعدين سارى عسكر المذكور
لاجل ان اسمع اقرارهم ثم كان معي كاتم السر بينه وهم قالوا لنا كما يذكر أدناه
السيتوين فورتونه دهوج ابن اربعة وعشرين سنة فسيال في طابور الخيالة ومساعد عند
سارى عسكر كلهبر قال انه في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال كان سارى عسكر
العام حين حضر الى الازبكية يشوف بيته الذي كان داير فيه العمارة وانه شاف رجلا بعمة
خضراء ودلق وحش وكان دائما تابع سارى عسكر حين كان دائر يتفرج على المحلات وانه هو
وخلافه حسبوا هذا الرجل من جملة الفعلة فما أحد سأله ولكن حين نزل سارى عسكر من
بيته الى الجنينة لاجل ينفذ الى جنينة سارى عسكر داماس السيتوين دهوج شاف الرجل
المذكور مدسوس بين جماعة سارى عسكر فنهره وطرده برا فبعد ساعتين حين انغدر سارى
عسكر السيتوين دهوج المذكور عرف دلق الخائن لانه كان رماه جنب سارى عسكر وبعده حين
انمسك الرجل
فعرفه انه هو الذي قبل بشويه طرده من الجنينة ثم قرىء
هذا المضمون على السيتوين دهوج المذكور لاجل بيان هل يوجد شيء خلافه يزيد ام ينقص
فجاوب ان هذا الحق حكم ما عاين وفعل ثم حرر خط يده مع كاتم السر تحريرا في اليوم
والشهر والسنة والمحررة أعلاه امضاء السيتوين دهوج امضاء سارتلون امضاء بينه كاتم السر
ثاني فحص سليمان الحلبي نهار تاريخه سنة وعشرين من شهر
برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار
سارتلون برتبة مبلغ والوكيل بينه في رتبة كاتم سر القضاة المنقامين الى شرع كل من
هو متهوم في غدر سارى عسكر العام كلهبر احضر سليمان الحلبي لاجل نساله من اول
وجديد عن صورة غدر وقتل سارى عسكر وهذا صار بواسطة السيتوين براشويش كاتم سر
وترجمان سارى عسكر العام كما يذكر ادناه
سئل المذكور عن قصة سارى عسكر فجاوب انه حضر من غزة مع
قافلة حاملة صابون ودخان وانه كان راكب هجين وبحيث ان القافلة كانت خائفة ان تنزل بمصر
توجهت الى ريف يسمى الغيظة في ناحية الالفية وهناك استكرى حمارا من واحد فلاح وحضر
لمصر ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار ثم ان احمد اغا وياسين اغا من اغوات
الينكجرية بحلب وكلوه في قتل سارى عسكر العام بسبب انه يعرف مصر طيب بحيث انه سكن
فيها سابق ثلاث سنوات وانهم كانوا وصوه أنه يروح ويسكن في الجامع الازهر وأن لا
يعطي سره لاحد كليا بل يوعي لروحه ويكب الفرصة في قضاء شفله لانها دعوة تحب السر
والنباهة ثم يعمل كل جهده حتى يقتل سارى عسكر لكن حين وصل الى مصر التزم يسارر الاربعة
مشايخ الذين أخبر عنهم لانه لو كان ما قال لهم فما كانوا يسكنونه في الجامع وانه
كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الامر وان المشايخ المذكورين
قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم انه ما يقدر عليه
وهو ما دعاهم لمساعدته لانه كان يعرفه بليدين وان اليوم الذي قصد التوجه فيه ليقتل
سارى عسكر قابل احدهم الذي هو محمد الغزى فعرفه ان مقصوده ان يتوجه الى الجيزة
ليفعل هذا الغدر وان تخمينه انه مثل المجنون من حين اراد ان يقضي هذا الامر لانه
لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الامر وان الاوراق التي وضعها هي بعض آيات من القرآن
لانه عوائد الكتبة اولاد العرب وضعوا ذلك في الجامع وانه ما أخذ دراهم من احد في
مصر لان الاغوات كانوا أعطوا له كفايته وان الافندي الذي كان يروح يقرأ عنده يسمى
مصطفى افندي وكان يقرأ عليه نهار الاثنين والخميس تبع العادة ولكن ما اخبره بسر
خوفا ان ينشهر واما من قبل الاربعة مشايخ المذكورين صحيح انه قال لهم كل شيء لانهم
من اولاد بلاده ثم حقق لهم انه ناوى ان يغازى في سبيل الله
سئل اين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتداء شهر
جرمنيال الموافق لشهر الاسلام ذي القعدة فجاوب انه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير
اخذ العريش
سئل اين شاف احمد اغا الذي يقول انه عرض عليه مادة قتل
سارى عسكر وفي أي يوم قال له ذلك فجاوب انه حين انكسر الوزير رجع الى العريش وغزة
في أواخر شوال او في اوائل شهر ذي القعدة الموافق لشهر جرمنيال الفرنساوي وان احمد
اغا المذكور هو من جملة اغوات الوزير ولكن كان رسم عليه في غزة من حين اخذ العريش
وحين رجع ارسله الى القدس في بيت المتسلم ثم انه يوم وصوله توجه سلم عليه في بيت
المتسلم وشكا له من ابراهيم باشا متسلم حلب الذي كان يظلم اباه الذي يسمى الحاج محمد
امين بياع سمن وحططوه غرامات زائدة ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام ثم
وقع بعرضه بشأن ذلك ثم انه رجع عند احمد اغا ثاني يوم وان الاغا في وقتها قال له
انه محب ابراهيم باشا وانه ما يقصر ويوصيه في راحة ابيه ولكن بشرط انه يروح يقتل
امير الجيوش الفرنساوية
ثم في ثالث ورابع يوم كرر عليه ايضا هذا السؤال وحالا
ارسله الى ياسين اغا في غزة لاجل ان يعطي له مصروفه وانه من بعد هذا الكلام بأربعة
ايام سافر من القدس الى الخليل وهناك قعد كام يوم وما وصله ولا مكتوب من احمد اغا
واما احمد اغا المذكور كان ارسل خداما الى غزة لاجل يخبر ياسين اغا بالذي اتفقوا
عليه
سئل كام يوم قعد في الخليل فجاوب عشرين يوما
سئل لاي سبب قعد عشرين يوما في الخليل وهل في هذه المدة
ما وصله مكاتيب من الاثنين الاغوات فجاوب ان السكة كانت ملانة عرب وأنه خائف منهم
فالتزم يستنظر سفر القافلة التي سافر برفقتها وانه كان في غزة في اواخر شهر ذي القعدة
الموافق لغرة شهر فلوريال الفرنساوي
سئل ايش عمل في غزة وآيش قال له ياسين اغا فجاوب ان ثاني
يوم وصوله راح شاف الاغا والمذكور قال له انه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره هذا
وانه اسكنه في الجامع الكبير وهناك مرار عديدة كان يروح يشوفه ليلا ونهارا ويتحدث
معه في هذا الامر ووعده انه يرفع الغرائم عن ابيه وانه دائما يجعل نظره عليه في كل
ما يلزمه ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله كما شرح اعلاه وهذا صار سرا بينهم ثم
اعطى له اربعين قرشا لمصروف السفر وبعد عشرة ايام سافر من غزة راكب هجين ووصل هنا بعد
ستة ايام كما عرف سابقا وان سفره من غزة كان في اوائل شهر ذي الحجة الموافق الى
نصف شهر فلوريال الفرنساوي فبقى باين أنه حين غدر سارى عسكر كان له واحد وثلاثون
يوما في مدينة مصر
سئل هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به سارى عسكر
فجاوب نعم يعرفه
سئل من اين احضر هذا الخنجر وهل أحد من الاغوات اعطاه له
أم احد خلافهم فجاوب انه ما احد اعطاه له وانما بحيث انه كان قصد قتل سارى عسكر
توجه الى سوق غزة واشترى اول سلاح شافه
سئل هل ان احمد أغا او ياسين اغا ما حدثاه اصلا عن
الوزير وعشموه بشيء من طرفه ان كان يقدر يقتل سارى عسكر فجاوب لا بل انهم ذاتهم
وعدوه انهم يساعدوه في كل ما يلزمه ان كان يخرج هذا الشيء من يده
سئل هل ان الوزير نادى في تلك النواحي بقتل الفرنساوية فجاوب
انه لا يعلم بل يعرف ان الوزير كان ارسل طاهر باشا لاجل يعين الذين كانوا بمصر
وانه رجع حين شاف العثملي مقبلين لبر الشام من مصر
سئل هل هو فقط الذي توكل في هذه الارسالية فجاوب ان
تخمينه هكذا لان هذا الكلام قد حصل سرا ما بينه وبين الاغوات
سئل كيف كان يعمل حتى انه كان يعرف الاغوات بالذي فعله
فجاوب انه كان قصده يروح هو بنفسه يخبرهم او يرسل لهم حالا ساعي فبعد خلاص الفحص
المذكور انقرأ على المتهوم وهو حرر خط يده مع المبلغ وكاتم السر والترجمان حرر
بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة اعلاه أمضاء سليمان الحلبي بالعربي امضاء كاتم
السر بينه
مقابلة المتهمين مع بعضهم نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر
برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي انا الواضع اسمي فيه مبلغ
القضاة المنقامين لشرع كل من هو متهوم في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا الشيخ
محمد الغزي لاجل تجدد فحصه ونقابله مع سليمان الحلبي قاتل سارى عسكر ولهذا كان
موجود معنا السيتوين بينه كاتم سر القضاة المذكورين وصار كما يذكر ادناه
سئل الشيخ محمد الغزي هل يعرف سليمان الحلبي الموجود
ههنا فجاوب نعم
سئل سليمان الحلبي هل يعرف الشيخ محمد الغزي الموجود
ههنا فجاوب نعم
سئل محمد الغزي هل ان سليمان الحلبي ما قال له من قيمة
واحد وثلاثين يوما انه حضر من بر الشام من طرف احمد اغا وياسين الاغا لاجل يقتل
سارى
عسكر العام وهو كل يوم ماحدثه في هذا الشغل حتى انه في
آخر يوم قال له انه رائح الى الجيزة حتى يغدر سارى عسكر فجاوب ان هذا ما له اصل
لكن حين شافوا بعضا وقع بينهم سلام فقط ومن قبل آخر يوم الذي نوى فيه سليمان على
الرواح الى الجيزة جاب له ورق وحبر وقال له انه ما يرجع الا غدا فقيل انه ما يخبر بالصحيح
لان سليمان يحقق انه اخبره بهذه السيرة كل يوم وان عشية قبل غدر سارى عسكر كان قال
له انه رائح لقضاء هذا الامر فجاوب ان هذا الرجل يكذب
سئل هل كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي
وهل في الايام الاخيرة ما راح بات عنده فجاوب ان من حين دخول الفرنساوية ما راح
ابدا بات عنده واما قبل دخول الفرنساوية كان يبيت عنده بعض مرار فقيل له انه ما
يحكي الصحيح لان في فحص امس قال انه كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي
فجاوب انه ما قال ذلك
سئل سليمان الحلبي هل يقدر يثبت على الشيخ محمد الحاضر
بانه كل يوم كان يخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا عشية النهار الذي صباحه
صار القتل فجاوب نعم وانه ما قال الا الصحيح وان الشيخ محمد الغزى ما كان يقر
بالحق امرنا بضربه كعادة البلد فحالا انضرب لحد انه طلب العفو ووعد انه يحكي على
كل شيء فارتفع عنه الضرب
سئل هل سليمان اخبره على ضميره في قتل سارى عسكر فجاوب
ان سليمان كان قال له انه حضر من غزة لاجل انه يغازي في سبيل الله بقتل الكفرة
الفرنساوية وانه منعه عن ذلك بقوله انه يحصل له من ذلك ضرر وما عرفه انه مراده
يغدر سارى عسكر الا الليلة التي راح فيها الى الجيزة وصباحها قتله
سئل لاي سبب ما حضر أخبرنا على سليمان المذكور فجاوب انه
ابدا ما كان يصدق ان واحدا مثل هذا يقدر على قتل سارى عسكر والذي الوزير بذاته ما
قدر عليه
سئل هل اخبر بالذي قال له عليه سليمان لاحد من المدينة
وخصوصا الى الشيخ الشرقاوي فجاوب انه ما اخبر أحدا بذلك وحتى اذا وضعوه تحت القتل
ما يقول بذلك
سئل هل يعرف احدا خلاف سليمان حضر لاجل غدر الفرنساوية
واين هم قاعدين فجاوب انه ما يعرف وان سليمان ما قال له على احد
سئل سليمان المذكور انه يشهر رفقاءه فجاوب انه لم يعرف
احد في مصر وان تخمينه ما فيه غيره الذي قاصد قتله الفرنساوية فبعد هذا صرفنا محمد
الغزي المذكور لحبسه وابقينا سليمان لاجل نقابله مع السيد احمد الوالي الذي حالا احضرناه
لاجل ذلك
سئل هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل ايضا سليمان هل يعرف السيد احمد الوالي الموجود ههنا
فجاوب هو ايضا نعم
سئل السيد احمد الولاي هل ان سليمان ما أخبره على نيته
في قتل سارى عسكر وخصوصا في العشية التي قصد بها التوجه لذلك فجاوب ان سليمان حين وصل
من مدة ثلاثين يوما كان قال له انه حضر حتى يغازي في الكفرة وانه نصحه عن ذلك بقوله
ان هذا شيء غير مناسب وما أخبره على سيرة سارى عسكر
سئل سليمان المذكور انه يبين هل حدثه احمد الوالي في قتل
سارى عسكر وكم يوم له ما حدثه فجاوب ان في أوائل وصوله قال له انه حضر بقصد الغزو
في الكفار وان السيد احمد ما رضي له بذلك ثم بعد ستة ايام اخبره على نيته في قتل
سارى عسكر ومن بعدما عاد حدثه بذلك وقبل الغدر بأربعة أيام ما كان قابله فقيل
للسيد احمد الوالي انه لم يصدق في قوله لانه ينكر ان سليمان ما أخبره بأنه كان
ناوي بقتل سارى عسكر فجاوب الان لما فكره سليمان افتكر انه اخبره
سئل لاي سبب ما اشهر سليمان المذكور فجاوب انه ما اشهره
لسببين
الاول انه كان يخمن انه يكذب والثاني ما كان مستعنيه في
فعل مادة مثل هذه
سئل هل سليمان ما عرفه برفقائه وهل هو ما تحدث مع احد
بذلك وخصوصا مع شيخ الجامع الذي هو ملزوم يخبر بكل ما يجري فجاوب ان سليمان ما قال
له على رفقائه وهو ما اخبر بذلك احدا ولا ايضا شيخ الجامع
سئل هل يعرف الامر الذي خرج من سارى عسكر العام بأن كل
من شاف عثملي في البلد يخبر عنه فجاوب انه ما درى بذلك
سئل هل سكن سليمان بالجامع لسبب انه قال له على مراده في
قتل سارى عسكر فجاوب لا لان كل أهل الاسلام تقدر تسكن في الجامع
سئل سليمان هل انه ما قال بأنهم ما كانوا يريدوا يسكنوه
لولا انه قال لهم على سبب مجيه لمصر فجاوب ان كامل الغرباء لازم يخبروا عن سبب
حضورهم واما هو يقول الحق ان ما احد من المشايخ ارتضى على مقصوده فبعد هذا ارسلنا
السيد احمد الوالي الى حبسه وبقي سليمان الحلبي لاجل مقابلة السيد عبد الله الغزي
الذي احضرناه في الحال
سئل سليمان هل يعرف السيد عبد الله الغزي الموجود ههنا
فجاوب نعم
سئل السيد عبد الله الغزي هل ما بلغه نية سليمان في قتل
سارى عسكر فجاوب واقر ان يوم حضور سليمان عرفه انه حضر يغازي في الكفرة وانه مراده
يقتل سارى عسكر وانه قصد يمنعه عن ذلك
سئل لاي سبب ما شكاه فجاوب انه كان يظن ان سليمان
المذكور يتوجه عند المشايخ الكبار وان المذكورين كانوا يمنعوه ولكن من الان صار
يخبر بالذين يحضرون بهذه النية
سئل هل يعرف ان سليمان اخبر احدا خلافه في مصر فجاوب ان
ما عنده علم بذلك
سئل هل يعرف ان موجود بمصر ناس خلاف سليمان متوكلين في
قتل الفرنساوية فجاوب ان ما عنده خبر وان تخمينه لم يوجد احد
فبعد ذلك انقرأ هذا الفحص على الاربعة المتهومين وهم
سليمان الحلبي ومحمد الغزىوالسيد احمد الولاي والسيد عبد الله الغزى وسألوهم هل
جواباتهم هذه صحيحة ولافيها زائد ولا ناقص فأربعتهم جاوبوا لاثم حرروا خط يدهم
معنا بالعربي برفقة الاثنين المترجمين وكاتم السر حرر بمدينة مصر في اليوم والشهر
والسنة المحررة اعلاه امضاء المتهومين بالعربي امضاء الترجمان لو ما كان امضاء
دمياسومر برا شويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام امضاء المبلغ سارتلون امضاء
كاتم السر بينه بعد خلاص الفحص المشروح اعلاه انا المبلغ سارتلون سالت الاربعة
المتهومين المذكورين انهم يختاروا لهم واحدا ليتكلم عنهم قدام القضاة ويحامي عنهم
والمذكورون قالوا ان ما هم عارفون من يختاروا فأورينا لهم الترجمان لوماكا لاجل
يمشي لهم في ذلك
بيان فحص مصطفى افندي نهار تاريخه ستة وعشرين شهر برريال
السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا المبلغ سارتلون وبينه كاتم سر
القضاة المنتشرين لشرع كل من كان له جرة في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا
مصطفى افندي لكي تفحص منه على الذي قد حصل
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب بانه يسمى مصطفى
أفندي ولادة برصة في بر أناضول وعمره واحد وثمانون سنة وساكن في مصر ثم صنعته معلم
كتاب
سئل هل من مدة شهر شاف سليمان الحلبي فجاوب ان هذا الرجل
مشدود من مدة ثلاث سنين وانه من مدة عشرة أو عشرين يوما حضر عنده وبات ليلة ومن
حيث انه رجل فقير قال له يروح يفتش له على محل غيره
سئل هل سليمان المذكور ما أخبره أنه حضر من بر الشام حتى
يقتل
سارى عسكر العام فجاوب لا بل حضر عنده ليسلم عليه فقط
لكونه معلمة من قديم
سئل هل سليمان ما عرفه عن سبب حضوره لهذا الطرف وهل هو
نفسه ما استخبر عن ذلك فجاوب ان كل اجتهاده كان في انه يصرفه من عنده بحيث انه رجل
فقير بل سأله عن سبب حضوره فأخبره لاجل يتقن القراءة
سئل هل يعرف بان سليمان راح عند ناس من البلد وخصوصا عند
أحد من المشايخ الكبار فجاوب انه لا يعرف شيئا لانه ما شافه الا قليلا وانه لم
يقدر يخرج كثيرا من بيته بسبب ضعفه وكبره
سئل هل انه ما يعلم القرآن الا مشاديده فجاوب نعم
سئل هل ان القرآن يرضي بالمغازاة ويأمر بقتل الكفرة
فجاوب انه ما يعرف ايش هي المغازاة التي القرآن ينبي عنها
سئل هل يعمل مشاديده هذه الأشياء فجاوب واحد اختيار مثله
ماله دعوة في هذه الاشياء بل انه يعرف ان القرآن ينبي عن المغازاة وان كل من قتل
كافرا يكسب اجرا
سئل هل علم هذا الغرض لسليمان فجاوب انه ما علمه الا
الكتابة فقط
سئل هل عنده خبر ان أمس تاريخه رجل مسلم قتل سارى عسكر
الفرنساوية الذي ما هو من ملته وهل بموجب تعليم القرآن هذا الرجل فعل طيب ومقبول
عند النبي محمد فجاوب ان القاتل يقتل واما هو يظن ان شرف الفرنساوية هو من شرف الاسلام
واذا كان القرآن يقول غيره شيا هو ما له علاقة فحالا قدمنا سليمان المذكور
وقابلناه بمصطفى أفندي ثم سالناه هل شاف مصطفى أفندي مرارا كثيرة وهل بلغه عن نيته
فجاوب انه ما شافه سوى مرة واحدة لاجل انه يسلم عليه بحيث انه معلمه القديم
وبما انه رجل اختيار وضعيف قوي ما رأى مناسب يخبره عن
ضميره
سئل هل هو من ملة المغازين وهل ان المشايخ سمحوا له في
قتل الكفار في مصر ليكتب له أجر ويقبل عند النبي محمد فجاوب انه ما فتح سيرة
المغازاة
الا الى الاربعة مشايخ فقط الذين سماهم
سئل هل انه ما تحدث مع الشيخ الشرقاوي فجاوب انه ما شاف
هذا الشيخ لانه ما هو من ملته بسبب ان الشيخ الشرقاوي شافعي وهو حنفي فبعد هذا
قرينا على سليمان ومصطفى افندي اقرارهم هذا فجاوبوا ان هذا هو الحق وما عندهم ما يزيدوا
ولا ينقصوا ثم حرروا خط يدهم برفقة الترجمان ونحن حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة
والمحررة اعلاه امضاء الاثنين المتهومين بالعربي امضاء لوماكا الترجمان امضاء
سارتلون امضاء كاتم السر بينه
هذه الرواية المنقولة في اليوم السابع والعشرين من شهر
برريال السنة الثامنة من اقامة الجمهور الفرنساوي عن الوكيل سارتلون بحضور مجمع
القضاة المفوضين لمحاكمة قاتل سارى عسكر العام كلهبر وايضا لمحاكمة شركاء القاتل
المذكور يا ايها القضاة ان المناحة العامة والحزن العظيم الذي نحن مشتملون بهما
الآن يخبران بعظم الخسران الذي حصل الان بعسكرنا لان سارى عسكرنا في وسط نصراته ومماجده
ارتفع بغتة من بيننا تحديد قاتل رذيل ومن يد مستأجره من كبراء ذوي الخيانة والغيرة
الخبيثة والان أنا معين ومأمور لاستدعاء الانتقام للمقتول وذلك بموجب الشريعة من
القاتل المسفور وشركائه كمثل أشنع المخلوقات لكن دعوني ولو لحظة خالطا فيض دموع
عيني وحسراتي بدموعكم ولوعاتكم التي سببها هذا المفدى الاسيف والمكرم المنيف فقلبي
احتسب جدا اهتياجه لتأدية تلك الجزية لمستحقها فوظيفتي كأنها ليست في الرؤية الا
الما بتغريق المهيب بماء هذه المصنوعة الشنيعة التي بوقوعها ارتبكت سمعتم الان
قراءة اعلام وفحص المتهمين وباقي المكتوبات عما جرى منهم وقط ما ظهر سيئة أظهر من
هذه السيئة التي أنتم محاكمون فيها من صفة الغدارين ببيان الشهود واقرار القاتل وشركائه
والحاصل كل شيء متحد ورامي الضياء المهيب لمناورة ذا القتل الكريه اني أنا راوي
لكم سرعة الاعمال جاهد نفسي أن ظفرت لمنع غضبي منهم منها فلتعلم
بلاد الروم والدنيا بكمالها ان الوزير الاعظم سلطنة العثمانية
ورؤساء جنود جنود عسكرها رذلوا أنفسهم حتى ارسلوا قتال معدوم العرض الى الجريء
والا نجب كلهبر الذي لا استطاعوا بتقهيره وكذلك ضعوا الى عيوب مغلوبيتهم المجرم
الظالم بالذي ترأسوا قبل السماء والارض تذكروا جملتكم تلك الدول العثمانية
المحاربين من اسلامبول ومن أقاصي أرض الروم وأناضول واصلين منذ ثلاثة شهور بواسطة
الوزير لتسخير وضبط بر مصر وطالبين تخليتها بموجب الشروط الذي بمتفقيتهم بذاتهم
مانعوا اجراءها والوزير أرق بر مصر وبر الشام بمناداته مستدعي بها قتل عام
الفرنساوية وعلى الخصوص هو عطشان لانتقامه لقتل سر عسكرهم وفي لحظة الذين هم اهالي
مصر محتفين باغويات الوزير كانوا محرومين شفقات ومكارم نصيرهم وفي دقيقة الذين هم
اسارى ومجروحين العثملية هم مقبولين ومرعبين في دور ضيوفنا وضعفائنا تقيد الوزير بكل
وجوه بتكميل سوء غفارته تلوه منذ زمان طويل واستخدم لذلك أغا مغضوبا منه ووعد له
اعادة لطفه وحفظ رأسه الذي كان بالخطر ان كان يرتضي بذا الصنع الشنيع وهذا المغوى
هو احمد اغا المحبوس بغزة منذ ما ضبط العريش وذهب للقدس بعد انهزام الوزير في
أوائل شهر جرمينال الماضي والاغا المرقوم محبوس هناك بدار متسلم البلد وفي ذلك
الملجأ فهو مفتكر باجراء السوء الخبيث الذي يستثقل التقدير لافهيم ولا معه تدبير
سيما هو عامل شيء لاجراء انتقام الوزير وسليمان الحلبي شب مجنون وعمره أربعة
وعشرون سنة وقد كان بلا ريب متدنس بالخطايا ظهر عند ذا الاغا يوم وصوله القدس
وبترجى صيانته لحراسة أبيه تاجر بحلب من اذيات ابراهيم باشا والى حلب يرجع له
سليمان يوم غدره فقد كان استفتش الاغا عن احتيال اصل وفصل ذا الشب المجنون وعلم
انه مشتغل بجامع بين قراء القرآن وانه هو الان بالقدس للزيارة وانه قد حج سابقا بالحرمين
وان العته النسكي هو منصوب في اعلى رأسه المضطرب من زيغاته وجهالاته بكمالة
اسلامه وباعتمده ان المسمى منه جهاد وتهليك الغير المؤمنين
فمما انهى وأيقن ان هذا هوالايمان ومن ذلك الان مارما بقي تردد أحمد اغا في بين ما
نوى منه فوعد له حمايته وانعامه وفي الحال ارسله الى ياسين اغا ضابط مقدار من جيوش
الوزير بغزة وبعثه بعد أيام لمعاملته واقبضه الدراهم اللازمة له وسليمان قد امتلأ
من خباثته وسلك بالطرق فمكث واحد وعشرين يوم في بلد الخليل يجبرون منتظر فيه قبيلة
لذهاب البادية وكل مستعجل ووصل غزة في اوائل شهر فلوريال الماضي وياسين اغا مسكنه
بالجامع لاستحكام غيرته والمجنون يواجهه مرارا وتكرارا بالنهار والليل مدة عشرة
أياما مكثه بغزة يعلمه وبعد ما اعطاه أربعين غرشا أسديا ركبه بعقبيه الهجين الذي
وصل مصر بعد ستة ايام وممتن بخنجر دخل بأواسط شهر فلوريال الى مصر التي قد سكنها
سابقا ثلاث سنين وسكن بموجب تربياته بالجامع الكبير ويتحضر فيه للسيئة التي هو
مبعوث لها ويستدعي الرب تعالى بالمناداة وكتب المناجاة وتعليقها بالسور مكانه
بالجامع المذكور علاه وتأنس مع الاربعة مشايخ الذين قرأ والقرآن مثله وهم مثل
مولودين ببر الشام وسليمان أخبرهم بسبب مراسلته وكان كل ساعة معهم متؤامرين به لكن
ممنوعين بصعوبة ومخطرات الوحدة محمد الغزي والسيد احمد الوالي وعبد الله الغزي
وعبد القادر الغزي هم معتمدين سليمان بارتهان ما نواه ولا عاملوا شيء لممانعته او
لبيانه وعن مداومة سكونهم به صاروا مسامحين ومشتركين في قبحة القاتل هو منتظر واحد
وثلاثين يوم معدودة بمصر فعقبة جزم توجهه الى الجيزة وبذاك اليوم اعقد سره الى الشركاء
المذكورين اعلاه وكان كل شيء صار سهل جزم القاتل بمصنوعته الشنيعة وبيوم الغدوة
طلع السر عسكر من الجيزة متوجها مصر وسليمان طوى الطرق ولحقه هلقدو حتى لزم ان
يطروده مرارا مختلفة لكن هو المكار عقيب غدرا تعداه وفي يوم الخامس والعشرين من
شهرنا الجاري وصل واختفى في جنينة السر عسكر لتقبيل يده فالسر عسكر لا أبي عن
قيافة
فقره وفي حال ما السر عسكر ترك له يده ضربه سليمان
بخنجرة ثلاث جروح وقصد الستوين بروتاين الذي هو رئيس المعمار ومصاحب العرفاء وجاهد
لحماية السر عسكر لكن ما نفع جسارته فهو بذاته وقع ايضا مجروح عن يد القاتل
المسفور بستة جروحات وبقي لا مستطيع شيء وهكذا وقع بلا صيانة وهو الذي كان من
الاماجد في الحرب ومخاطرات الغزا وهو اول الذين مضوا برياسة عسكر دولة الجمهور
الفرنساوي المنصور الرهن الرهين وهو فتح ثانيا بر مصر حينئذ بهجوم سحائب من
العثمانية فكيف اقتدر واضم الوجع العميق الجملة الى دموع الاجناد الى لوعات
الرؤساء وجميع الجنرالية أصحابه بالمجاهدة والمماجدة بالمناحة وموالهة العسكر انتم
جميعا تنعوه والمحاسنات تستأهله وتنبغي له القاتل سليمان ما قدر يهرب من مغاشاة
الجيوش غضوبين له الدم ظاهر في ثيابه وخنجره واضطرابه ووحشة وجهه وحاله كشفوا جرمه
وهو بالذات مقر بذنبه بلسانه ومسمى شركاه وهو كمادح نفسه للقتل الكريه صنع يديه
وهو مستريح بجواباته للمسائل وينظر محاضر سياسات عذابه بعين رفيعة والرفاهية هي
الثمر المحصول من العصمة والتفاوه فكيف تظهر بوجوه الآثمين ومسامحينهم شركاء
سليمان الاثيم كانوا مرتهنين سره للقتل الذي حصل من غفلتهم وسكوتهم قالوا باطلا
انهم ما صدقوا سليمان هو مستعدد بذا الاثم وقالوا باطلا ايضا ان لو كانوا صدقوا ذا
المجنون كانوا في الحال شايعين خيانته لكن الاعمال شهود تزور وتنبيء انهم قابلوا
القاتل وما غيروا له نية الا خوف مهلكتهم ومصممين تهلكة غيرهم ولا هم مستعذرين
وجها من الوجوه لا حكى لهم شيء من مصطفى افندي بما ان لا ظهر شيء عند ذاك الشيب
يثبت معاقرته بشكل العذاب اللائق للمذنبين هو تحت اصطفاكم بموجب الامر من الذي
أنتم مأمورن بعقيبه لمحاكمة السيئين وأظن ان يليق ان تصنعوا لهم من العذابات العادية
ببلاد مصر ولكن عظمة الاثم تستدعي ان يصير عذابه مهيبا فان سألتوني أجبت انه يستحق
الخوزقة وان قبل كل شيء تحرق
يد ذا الرجل الاثيم وانه هو يموت بتعذيبه ويبقى جسده
لمأكول الطيور وبجهة المسامحين له يستحقون الموت لكن بغير عقوبة كما قلت لكم ونبهت
فليعلم الوزير والعملية الظالمين تحت امره حد جزاء الآثمين الذين ارتكبوا بقصد
انتقامهم لعدم المروءة انهم عدموا من عسكرنا واحد مقدام سبب دائمي دموعنا ولوعتنا
الابدية فلا يحسبوا ولا يأملوا بأقلال جزائنا انما خليفة السر عسكر المرحوم هو رجل
قد شهر شجاعة ومضى قدماه بصفاء ضمير منير وهو مشار اليه بالبنان لمعرفة بتدبير الجنود
والجمهور المنصور وهو يهدينا بالنصرة وأما اولئك المعدومون القلب والعرض فلا احمرت
وجوههم بانتقامهم وانهزامهم باق ثم عدم اعتبارهم بالتواريخ لا بد أنهم باقين
بالرذالة لا نفع لهم قدام العالم الا اكتساب خجالتهم ولعدم المبالاة حالا كشفتها
لهم اثبت محاكمات كما يأتي بيانها
اولا أن سليمان الحلبي مثبت اسمه الكريه بقتل السرعسكر
كلهبر فلهذا هو يكون مدحوضا بتحريق يده اليمنى وبتحريقه حتى يموت فوق خازوقه
وجيفته باقية فيه لمأكولات الطيور
ثانيا ان الثلاثة مشايخ المسمين محمد الغزى وعبد الله
الغزي واحمد الغزي يكونون متبينين منكم انهم شركاء لهذا القاتل فلذلك يكونون
مدحوضين بقطع رؤسهم
ثالثا ان الشيخ عبد القادر الغزي يكون مدحوضا بذلك
العذاب
رابعا ان اجراء عذابهم يصير بعودة المجتمعين لدفن السر
عسكر وامام العسكر وناس البلد لذاك الفعل موجودين فيه
خامسا ان مصطفى افندي تبين غير مثبوت مسامحته وهو مطلوق
الى مانرى
سادسا ان ذا الاعلام وبيناته وما جرى بطبع في خمس نسخ
ويؤول من لسان الفرنساوي بالعربي والتركي لتلزيقها بمحلات بلاد بر مصر بكمالها
بموجب المأمور حرر بمصر القاهرة في اليوم السابع وعشرين من
شهرنا برريال سنة ثمانية من اقامة الجمهور المنصور ممضى
سارتلون
الفتوى الخارجة من طرف ديوان القضاة المنتشرين بأمر سارى
عسكر العام منو امير الجيوش الفرنساوية في مصر
لاجل شرعية كل من له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام
كلهبر في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي وفي اليوم السابع وعشرين من
شهر برريال اجتمعوا في بيت سارى عسكر رينيه المذكور وسارى عسكر روبين ودفتردار البحرلرو
والجنرال مارتينه والجنرال مورانه ورئيس العسكر جوجه ورئيس المدافع فاور ورئيس
المسار برترنه والوكيل رجينه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل لبهر في
رتبة وكيل الجمهور والوكيل بينه في رتبة كاتم السر وهذا ما صار حكم أمر سارى عسكر
العام منو أمير الجيوش الفرنساوية الذي صدر أمس وأقام القضاة المذكورين لكي يشرعوا
على الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولكي يحكموا
عليه بمعرفتهم فحين اجتمعوا القضاة المذكورون وسارى عسكر رينيه الذي هو شيخهم أمر
بقراءة الامر المذكور أعلاه الخارج من يد سارى عسكر منو ثم بعده المبلغ قرأ كامل
الفحص والتفتيش الذي صدر منه في حق المتهومين وهم سليمان الحلبي والسيد عبد القادر
الغزي ومحمد الغزي وعبد الله الغزي واحمد الوالي ومصطفى أفندي فبعد قراءة ذلك أمر
سارى عسكر رينيه بحضور المتهومين المذكورين قدام القضاة وهم من غير قيد ولا رباط
بحضور وكيلهم والابواب مفتحة قدام كامل الموجودين فحين حضروا سارى عسكر رينيه
وكامل القضاة سألوهم جملة سؤالات وهذا بواسطة الخواجا براشويش الترجمان فهم ما
جاوبوا آلا بالذي كانوا قالوه حين انفحصوا فسارى عسكر رينيه سالهم أيضا ان كان
مرادهم يقولوا شيأ مناسبا لتبرئتهم فاجاوبوه بشيء فحالا سارى عسكر المذكور أمر
بردهم الى الحبس مع الخفراء عليهم ثم ان سارى عسكر رينيه التفت الى القضاة وسالهم
ايش رأيهم في عدم حديث المتهومين وأمر
بخروج كامل الناس من الديوان وقفل المحل عليهم لأجل
يستشارو بعضهم من غير ان احدا يسمعهم ثم انوضع اول سؤال وقال
سليمان الحلبي ابن أربعة وعشرين سنة وساكن بحلب منهم
بقتل سارى عسكر العام وجرح السيتوين بروتاين المهندس وهذا صار في جنينة سارى عسكر
العام في خمسة وعشرين من الشهر الجاري فهل هو مذنب فالقضاة المذكورون ردوا كل واحد
منهم لوحده والجميع بقول واحد ان سليمان الحلبي مذنب
السؤال الثاني السيد عبد القادر الغزى مقرى قرآن في
الجامع الازهر ولادة غزة وساكن في مصر متهوم انه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر
العام وما بلغ ذلك وقصد الهروب فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
ثم وضع السؤال الثالث وقال محمد الغزى ابن خمسة وعشرين
سنة ولادة غزة وساكن في مصر مقرى قرآن في الجامع الازهر متهوم انه بلغه بالسر في
غدر سارى عسكر وانه حين ذلك الغادر كان نوى الرواح لقضاء فعله بلغه أيضا وهو ما
عرف أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال الرابع عبد الله الغزى ابن ثلاثين سنة ولادة عزة
ومقرى قرآن في الجامع الازهر متهوم انه كان يعرف في غدر سارى عسكر وانه ما بلغ
أحدا بذلك فهو هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال الخامس احمد الوالي ولادة غزة مقرى قرآن في جامع
الازهر متهوم أن عنده خبر في غدر سارى عسكر وانه ما بلغ أحدا بذلك فهل هو مذنب
فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال السادس مصطفى أفندي ولادة برصة في براناضول عمره
واحد وثمانين سنة ساكن في مصر معلم كتاب ما عنده خبر بغدر سارى عسكر فهل هو مذنب
فالقضاة تماما جاوبوا بانه غير مذنب وأمروا باطلاقه
فبعد ذلك القاضي وكيل الجمهور طلب انهم يفتوا بالموت على
المذنبين المشروحين أعلاه فالقضاة تشاوروا مع بعضهم ليعتمدوا على جنس عذاب لائق
لموت المذنبين أعلاه ثم بدؤا بقراءة خامس مادة من الامر الذي اخرجه امس سارى عسكر
منو بسبب ذل والذي بموجبه أقامهم قضاة في فحص وموت كل من كان له جرة في غدر وقتل
سارى عسكر العام كلهبر ثم اتفقوا جميعهم ان يعذبوا المذنبين ويكون لائق للذنب الذي
صدر وأفتوا ان سليمان الحلبي تحرق يده اليمين وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين
تأكل رمته الطيور وهذا يكون فوق التل الذي برا قاسم بك ويسمى تل العقارب وبعد دفن
سارى عسكر العام كلهبر وقدام كامل العسكر وأهل البلد الموجودين في المشهد ثم افتوا
بموت السيد عبد الغادر الغزى مذنب ايضا كما ذكر اعلاه وكل ما تحكم يده عليه يكون
حلال للجمهور الفرنساوي ثم هذه الفتوى الشرعية تكتب وتوضع فوق البيت الذي مختص
بوضع رأسه وأيضا افتوا على محمد الغزى وعبد الله وأحمد الوالي ان تقطع رؤسهم وتوضع
على نبابيت وجسمهم يحرق بالنار وهذا يصير في المحل المعين اعلاه ويكون ذلك قدام
سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شيء هذه الشريعة والفتوى لازم ان ينطبعا باللغة
التركية والعربية والفرنساوية من كل لغة قدر خمسمائة نسخة لكي يرسلوا ويعلقوا في
المحلات اللازمة والمبلغ يكن مشهل في هذه الفتوى تحريرا في مدينة مصر في اليوم
والشهر والسنة المحررة اعلاه ثم ان القضاة حطوا خط يدهم باسمائهم برفقة كاتم السر
ممضى في اصله ثم هذه الشريعة والفتوى انقرت وتفسرت على المذنبين بواسطة السيتوين
لو ما كان الترجمان قبل قصاصهم فهم جاوبوا ان ما عندهم شيء يزيدوا ولا ينقصوا على
الذي أقروا به في الاول فحالا قضوا امرهم في ثمانية وعشرين من شهر برريال حكم
الاتفاق وقبل نصف النهار بساعة واحدة حرر بمصر في ثمانية وعشرين برريال السنة الثامنة
من انتشار الجمهور الفرنساوي ثم ختموا باصله الدفتردار سارتلون وكاتم
السر بينه وهذه نسخة من الاصل امضاء بينه كاتم السر آه
وهذا آخر ما كتبوه في خصوص هذه القضية ورسموه وطبعوه بالحرف الواحد ولم اغير شيئا
مما رقم اذ لست ممن يحرف الكلم وما فيه من تحريف فهو كما في الاصل والله اعلم
واحكم
ولما فرغوا من ذلك اشتغلوا بامر عسكرهم المقتول وذلك بعد
موته بثلاثة ايام كما ذكر ونصبوا مكانه عبد الله جاك منو ونادوا ليلة الرابع من
قتلته وهي ليلة الثلاثاء خامس عشرين المحرم في المدينة بالكنس والرش في جهات حكام
الشرطة فلما اصبحوا اجتمع عساكرهم واكابرهم وطائفة عينها القبط والشوام وخرجوا
بموكب مشهده ركبانا ومشاة وقد وضعوه في صندوق من رصاص مسنم الغطاء ووضعوا ذلك
الصندوق على عربة وعليه برنيطته وسيفه والخنجر الذي قتل به وهو مغموس بدمه وعملوا
على العربة اربعة بيارق صغار في اركانها معمولة بشعر أسود ويضربون بطبولهم بغير
الطريقة المعتادة وعلى الطبول خرق سود والعسكر بايديهم البنادق وهي منكسة الى اسفل
وكل شخص منهم معصب ذراعه بخرقة حرير سوداء ولبسوا ذلك الصندوق بالقطيفة السوداء
وعليها قصب مخيش وضربوا عند خروج الجنازة مدافع وبنادق كثيرة وخرجوا من بيت الازبكية
على باب الخرق الى درب الجماميز الى جهة الناصرية فلما وصلوا الى تل العقارب حيث
القلعة التي بنوها هناك ضربوا عدة مدافع وكانوا أحضروا سليمان الحلبي والثلاثة
المذكورين فأمضوا فيهم ما قدر عليهم ثم ساروا بالجنازة الى أن وصلوا باب قصر
العيني فرفعوا ذلك الصندوق ووضعوه على علوة من التراب يوسط تخشيبة صنعوها وأعدوها
لذلك وعملوا حولها داربزين وفوقه كساء ابيض وزرعوا حوله اعواد سرو ووقف عند بابها
شخصان من العسكر ببنادقهما ملازمان ليلا ونهارا يتناوبان الملازمة على الدوام
وانقضى أمره واستقر عوضه في السر عسكرية قائممقام عبد الله جاك منو وهو الذي كان
متوليا على رشيد من قدومهم وقد كان أظهر انه
اسلم تسمى بعبدالله وتزوج بامرأة مسلمة وقلدوا عوضه في
قائمقامية بليار فلما أصبح ثاني يوم حضر قائممقام والاغا الى الازهر ودخلا اليه
وشقا في جهاته وأروقته وزواياه بحضرة المشايخ
وفي يوم الخميس حضر سارى عسكر عبد الله جاك منو وقائمقام
لو الاغا وطافوا به ايضا وأرادوا حفر أماكن للتفتيش على السلاح ونحو ذلك ثم ذهبوا فشرعت
المجاورون به في نقل امتعتهم منه هو نقل كتبهم واخلاء الاروقة ونقلوا الكتب
الموقوفة بها الى اماكن خارجة عن الجامع وكتبوا أسماء المجاورين في ورقة وامروهم
ان لا يبيت عندهم غريب ولا يؤوا اليهم آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه المجاورين من
طائفة الترك ثم ان الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي توجهوا في عصريتها عند كبير
الفرنسيس منو واستأذنوه في قفل الجامع وتسميره فقال بعض القبطة الحاضرين للاشياخ
هذا لا يصح ولا يتفق فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقال اكفونا شر دسائسكم ياقبطة وقصد
المشايخ من ذلك منع الريبة بالكلية فان للازهر سعة لا يمكن الاحاطة بمن يدخل فربما
دس العدو من يبيت به واحتج بذلك على انجاز غرضه ونيل مراده من المسلمين والفقهاء
ولا يمكن الاحتراس من ذلك فاذن كبير الفرنسيس بذلك لما فيه من موافقة غرضه باطنا
فلما اصبحوا قفلوه وسمروا أبوابه من سائر الجهات
وفي غايته جمعوا الوجاقلية وأمروهم باحضار ما عندهم من
الاسلحة فأحضروا ما أحضروه فشددوا عليهم في ذلك فقالوا لم يكن عندنا غير الذي
احضرناه فقالوا وأين الذي كنا نرى لمعانه عند متاريسكم فقالوا تلك اسلحة العساكر
العثمانية والاجناد المصرية وقد سافروا بها
واستهل شهر صفر بيوم الثلاثاء سنة في اوائله سافر بعض الاعيان
من المشايخ وغيرهم الى بلاد الارياف بعيالهم وحريمهم وبعضهم بحث حريمه واقام هو
مسافر الشيخ محمد الحريري وصحب معه حريم الشيخ السحيمي وصهره الشيخ المهدي فلما
رآهم الناس عزم الكثير منهم على الرحلة واكثروا المراكب
والجمال وغير ذلك فلما اشيع ذلك كتب الفرنسيس أوراقا ونادوا في الاسواق بعدم
انتقال الناس ورجوع المسافرين ومن لم يرجع بعد خمسة عشر يوما نهبت داره فرجع أكثر
الناس ممن سافر او عزم على السفر الا من اخذ له ورقة بالاذن من مشاهير الناس احتج
بعذر كائن في خدمة لهم او قبض خراج أو مال أو غلال من التزامه
وفيه قرروا فردة أخرى وقدرها أربعة ملايين وقدر المليون
مائة وستة وثمانون الف فرانسة وكان الناس ما صدقوا قرب تمام الفردة الاولى بعد ما
قاسوا من الشدائد ما لا يوصف ومات اكثرهم في الحبوس وتحت العقوبة وهرب الكثير منهم
وخرجوا على وجوههم الى البلاد ثم دهوا بهذه الداهية أيضا فقرروا على العقار والدور
مائتي الف فرانسة وعلى الملتزمين مائة وستين ألفا وعلى التجار مائتي ألف وعلى
ارباب الحرف المستورين ستين ألفا واسقطوا في نظير المنهوبات مائة ألف وقسموا
البلدة ثمانية اخطاط وجعلوا على كل خطة منها خمسةوعشرين ألف ريال ووكلوا بقبض ذلك
مشايخ الحارات والامير الساكن بتلك الخطة مثل المحتسب بجهة الحنفي وعمر شاه وسويقة
السباعين ودرب الحجر ومثل ذي الفقار كتخدا جهة المشهد الحسيني وخان الخليلي والغورية
والصنادقية والاشرفيةوحسن كاشف جهة الصليبة والخليفة وما في ضمن كل من الجهات
والعطف والبيوت فشرعوا في توزيع ذلك على الدور الساكنة وغير الساكنة وقسموها عال
وأوسط ودون وجعلوا العال ستين ريالا والوسط اربعين والدون عشرين ويدفع المستأجر
قدر ما يدفع المالك والدار التي يجدونها مغلقة وصاحبها غائب عنها ياخذون ما عليها
من جيرانها
وفي سادس عشرينه أفرجوا عن الشيخ السادات ونزل الى بيته
بعد ان غلق الذي تقرر عليه واستولوا على حصصه وأقطاعه وقطعوا مرتباته وكذلك
جهات حريمه والحصص الموقوفة على زاوية أسلافه وشرطوا عليه
عدم الاجتماع بالناس وأن لا يركب بدون اذن منهم ويقتصد في أمور معاشه ويقلل اتباعه
شهر ربيع الاول سنة فيه نادوا على الناس الخارجين من مصر
من خوف الفردة وغيرها بان من لم يحضر من بعد اثنين وثلاثين يوما من وقت المناداة
نهبت داره واحيط بموجوده وكان من المذنبين واشتد الامر بالناس وضاقت منافسهم
وتابعوا نهب الدور بأدنى شبهة ولا شفيع تقبل شفاعته أو متكلم تسمع كلمته واحتجب سارى
عسكر عن الناس وامتنع من مقابلة المسلمين وكذلك عظماء الجنرالات وانحرفت طباعهم عن
المسلمين زيادة عن أول واستوحشوا منهم ونزل بالرعية الذل والهوان وتطاولت عليهم
الفرنساوية وأعوانهم وأنصارهم من نصارى البلد الاقباط والشوام والاروام بالاهانة
حتى صاروا يامرونهم بالقيام اليهم عند مرورهم ثم شددوا في ذلك حتى كان اذا مر بعض
عظمائهم بالشارع ولم يقم اليه بعض الناس على أقدامه رجعت اليه الاعوان وقبضوا عليه
وأصعدوه الى الحبس بالقلعة وضربوه واستمر عدة أيام في الاعتقال ثم يطلق بشفاعة بعض
الاعيان
وفيه أنزلوا مصطفى باشا من الحبس وأهدوا اليه هدايا
وأمتعة وأرسلوه الى دمياط فأقام بها أياما وتوفي الى رحمة الله تعالى
شهر ربيع الثاني سنة فيه اشتد أمر المطالبة بالمال وعين
لذلك رجل نصراني قبطي يسمى شكر الله فنزل بالناس منه مالا يوصف فكان يدخل الى دار
أي شخص كان لطلب المال وصحبته العسكر من الفرنساوية والفعلة وبأيديهم القزم
فيأمرهم بهدم الدار ان لم يدفعوا له المقرر وقت تاريخه من غير تأخير الى غير ذلك وخصوصا
ما فعله ببولاق فانه كان يحبس الرجال مع النساء ويدخن عليهم بالقطن والمشاق وينوع
عليهم العذاب ثم رجع الى مصر يفعل كذلك
وفيه اغلقوا جميع الوكائل والخانات على حين غفلة في يوم
واحد وختموا على جميعها ثم كانوا يفتحونها وينهبون ما فيها من جميع البضائع
والاقمشة والعطر والدخان خانا بعد خان فاذا فتحوا حاصلا من الحواصل قوموا ما فيه
بما احبوا بابخس الاثمان وحسبوا غرامته فان بقى لهم شيء أخذوه من حاصل جاره وان
زاد له شيء أحالوه علىجاره الاخر كذلك وهكذا ونقلوا البضائع على الجمال والحمير والبغال
وأصحابها تنظر وقلوبهم تنقطع حسرة على مالهم واذا فتحوا مخزنا دخله امناؤهم
ووكلاؤهم فيأخذون من الودائع الخفيفة أو الدراهم وصاحب المحل لا يقدر على التكلم
بل ربما هرب أو كان غائبا
وفيه حرروا دفاتر العشور وأحصوا جميع الاشياء الجليلة
والحقيرة ورتبوها بدفاتر وجعلوها اقلاما يتقلدها من يقوم بدفع مالها المحرر وجعلوا
جامع أزبك الذي بالازبكية سوقا لمزاد ذلك بكيفية بطول شرحها وأقاموا على ذلك أياما
كثيرة يجتمعون لذلك في كل يوم ويشترك الاثنان فاكثر في القلم الواحد وفي الاقلام
المتعددة
وفيه كثر الهدم في الدور وخصوصا في دور الامراء ومن فر
من الناس وكذلك كثر الاهتمام بتعمير القلاع وتحصينها وانشاء قلاع في عدة جهات
وبنوا بها المخازن والمساكن وصهاريج الماء وحواصل الجبخانات حتى ببلاد الصعيد
القبلية
واستهل شهر جمادى الاولى سنة والامور من أنواع ذلك
تتضاعف والظلومات تتكاثف وشرعوا في هدم اخطاط الحسينية وخارج باب الفتوح وباب
النصر من الحارات والدور والبيوت والمساكن والمساجد والحمامات والحوانيت والاضرحة فكانوا
اذا دهموا دارا وركبوها للهدم لا يمكنون أهلها من نقل متاعهم ولا أخذ شيء من أنقاض
دارهم فينهبونها ويهدمونها وينقلون الانقاض النافعة من الاخشاب والبلاط الى حيث
عمارتهم وأبنيتهم وما بقى يبيعون منه ما أحبوا
بأبخس الاثمان ولوقود النيران وما بقى من كسارات الخشب
يحزمه الفعلة حزما ويبيعونه على الناس باغلى الاثمان لعدم حطب الوقود ويباشر غالب
هذه الافاعيل النصارى البلدية فهدم للناس من الاملاك والعقار مالا يقدر قدره وذلك
مع مطالبتهم بما قرر على أملاكهم ودورهم من الفردة فيجتمع على الشخص الواحد النهب
والهدم والمطالبة في آن واحد وبعد أن يدفع ما على داره أو عقاره وماصدق أنه غلق ما
عليه الا وقد دهموه بالهدم فيستغيث فلا يغاث فترى الناس سكارى وحيارى ثم بعد ذلك
كله يطالب بالمنكسر من الفردة وذلك أنهم لما قسموا الاخطاط كما تقدم وتولى ذلك
أمير الخطة وشيخ الحارة والكتبة والاعوان وزعوا ذلك برأيهم ومقتضى أغراضهم فاول ما
يجتمعون بديوانهم يشرع الكتبة في كتابة التنابيه وهي اوراق صغار باسم الشخص والقدر
المقرر عليه وعلى عقاره بحسب اجتهادهم ورأيهم وعلى هامشها كراء طريق المعينين
ويعطون لكل واحد من اولئك القراسة عدة من تلك الاوراق فقبل ان يفتح الانسان عينيه ما
يشعر الا والمعين واقف بابه وبيده ذلك التنبيه فيوعدوه حتى ينظر في حاله فلا يحد
بدا من دفع حق الطريق فما هو الا ان يفارقه حتى يأتيه المعين الثاني بتنبيه آخر
فيفعل معه كالاول وهكذا على عدد الساعات فإن لم يوجد المطلوب وقف ذلك القواس على
داره ورفع صوته وشتم حريمه أو خادمه فيسعى الشخص جهده حتى يغلق ما تقرر عليه
بشفاعة ذي وجاهة أو نصراني وما يظن انه خلص الا والطلب لاحقه ايضا بمعين وتنبيه
فيقول ما هذا فيقال له ان الفردة لم تكمل وبقى منها كذا وكذا وجعلنا على العشرة
خمسة او ثلاثة أو ما سولت لهم أنفسهم فيرى الشخص أن لا بد من ذلك فما هو الا أن
خلص ايضا الاوكرة أخرى وهكذا أمرا مستمرا ومثل ذلك ما قرر على الملتزمين فكانت هذه
الكسورات من أعظم الدواهي المقلقة ونكسات الحمى المطبعة
وفي خامسة كان عيد الصليب وهو انتقال الشمس لبرج الميزان
والاعتدال
الخريفي وهو أول سنة الفرنسيس وهي السنة التاسعة من
تاريخ قيامهم ويسمى عندهم هذا الشهر وتدميير وذلك يوم عيدهم السنوي فنادوا بالزينة
بالنهار والوقدة بالليل وعملوا شنكات ومدافع وحراقات ووقدات بالازبكية والقلاع وخرجوا
صبح ذلك اليوم بمواكبهم وعساكرهم وطبولهم وزمورهم الى خارج باب النصر وعملوا
مصافهم فقرىء عليهم كلام بلغتهم على عادتهم وكأنه مواعظ حربية ثم رجعوا بعد الظهر
وفي هذه السنة زاد النيل زيادة مفرطة لم يعهد مثلها فيما
رأينا حتى انقطعت الطرقات وغرقت البلدان وطف الماء من بركة الفيل وسال الى درب
الشمسي وكذلك حارة الناصرية وسقطت عدة دور من المطلة على الخليج ومكث زائدا الى
آخر توت
واستهل شهر جمادى الثانية سنة فيه قرروا على مشايخ
البلدان مقررات يقومون بدفعها في كل سنة أعلى وأواسط وأدنى فالاعلى وهو ما كانت
بلده ألف فدان فأكثر خمسمائة ريال والأوسط وهو ما كانت خمسمائة فأزيد ثلثمائة ريال
والادنى مائة وخمسون ريالا وجعلوا الشيخ سليمان الفيومي وكيلا في ذلك فيكون عبارة
عن شيخ المشايخ وعليه حساب ذلك وهو من تحت يد الوكيل الفرنساوي الذي يقال له
يريدون فلما شاع ذلك ضجت مشايخ البلاد لان منهم من لا يملك عشاءه فاتفقوا على أن
وزعوا ذلك على الاطيان وزادت في الخراج واستملوا البلاد والكفور من القبطة فأملوها
عليهم حتى الكفور التي خربت من مدة سنين بل سموا اسماء من غير مسميات
وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على نسق غير الاول من تسعة
أنفار فيه خصوصي وعمومي على ما سبق شرحه بل هو ديوان واحد مركب من الشيخ الأمير
والشيخ الصاوي وكاتبه والشيخ موسى السرسي والشيخ تسعة رؤساء هم الشيخ الشرقاوي
رئيس الديوان والمهدي كاتب السر خليل البكري والسيد علي الرشيدي نسيب سارى عسكر والشيخ
الفيومي
والقاضي الشيخ اسمعيل الزرقاني وكاتب سلسلة التاريخ
السيد اسمعيل الخشاب والشيخ علي كاتب عربي وقاسم افندي كاتب رومي وترجمان كبير
القس رفائيل وترجمان صغير الياس فخر الشامي والوكيل الكمثارى فوريه ويقال له مدير
سياسة الاحكام الشرعية ومقدم وخمسة قواسه متعممين لا غير وليس فيهم قبطي ولا
وجاقلي ولا شامي ولا غير ذلك وليس واختاروا لذلك بيت رشوان بك الذي بحارة عابدين
وكان يسكنه برطلمان فانتقل منه الى بيت الجلفي بالخرنفش وعمر وبيض وفرشت قاعة
الحريم بمجلس الديوان فرشا فاخرا وعينوا عشر جلسات في كل شهر وانتقل اليها فوريه
وسكنها بأتباعه واعدوا للمترجمين والكتبة من الفرنساوية مكانا خاصا يجلسون به في
غير وقت الديوان على الدوام لترجمة اوراق الوقائع وغيرها وجعلوا لها خزائن للسجلات
وفتحوا ايضا بجانبها دارا نفذوها اليها وشرعوا في تعميرها وتأنيقها وسموها بمحكمة المتجر
واخذوا يرتبون انفارا من تجار المسلمين والنصارى يجلسون بها للنظر في القضايا
المتعلقة بقوانين التجار والكبير على ذلك كله فوريه ولم يتم ذلك المكان الثاني
وفي خامس عشره شرعوا في جلسة الديوان وصورته انه اذا تكامل
حضور المشايخ يخرج اليهم الوكيل فوريه وصحبته المترجمون فيقومون له فيجلس معهم
ويقف الترجمان الكبير رفائيل ويجتمع ارباب الدعاوي فيقفون خلف الحاجز عند آخر
الديوان وهو من خشب مقفص وله باب كذلك وعنده الجاويش يمنع الداخلين خلاف ارباب
الحوائج ويدخلهم بالترتيب الاسق فالاسبق فيحكي صاحب الدعوة قضية فيترجمها له
الترجمان فان كانت من القضايا الشرعية فإما ان يتمها قاضي الديوان بما يراه
العلماء أو يرسلوها الى القاضي الكبير بالمحكمة ان احتاج الحال فيها الى كتابة حجج
او كشف من السجل وان كانت من غير جنس القضايا الشرعية كأمور الالتزام أو نحو ذلك
يقول الوكيل ليس هذا من شغل
الديوان فان ألح على أرباب الديوان في ذلك يقول اكتبوا
عرضا لسارى عسكر فيكتب الكاتب العربي والسيد اسمعيل يكتب عنده في سجله كل ما قال المدعي
والمدعى عليه وما وقع في ذلك من المناقشة وربما تكلم قاضي الديوان في بعض ما يتعلق
بالامور الشرعية ومدة الجلسة من قبيل الظهر بنحو ثلاث ساعات الى الاذان أو بعده
بقليل بحسب الاقتضاء ورتبوا لكل شخص من مشايخ الديوان التسعة أربعة عشر ألف فضة في
كل شهر عن كل يوم أربعمائة نصف فضة وللقاضي والمقيد والكاتب العربي والمترجمين
وباقي الخدم مقادير متفاوتة تكفيهم وتغنيهم عن الارتشاء وفي اول جلسة من ذلك اليوم
عملت المقارعة لرئيس الديوان وكاتب السر فطلعت للشرقاوي والمهدي على عادتهما وكذلك
الجاويشية والترجمان وكتبت تذكرة من أهل الديوان خطأ بالسارى عسكر يخبرونه فيها
بما حصل من تنظيم الديوان وترتيبه وسر الناس بذلك لظنهم انه انفتح لهم باب الفرج
بهذا لديوان ولما كانت الجلسة الثانية ازدحم الديوان بكثرة الناس وأتوا اليه من كل
فج يشكون
وفي ثالث عشرينه أمروا بجمع الشحاذين أي السؤال بمكان
وينفق عليهم نظار الاوقاف
وفيه ايضا أمروا بضبط ايراد الاوقاف وجمعوا المباشرين
لذلك وكذلك الرزق الاحباسية والاطيان المرصدة على مصالح المساجد والزوايا وأرسلوا
بذلك الى حكام البلاد والاقاليم
وفي غايته حضر رجل الى الديوان مستغيث بأهله وأن قلق
الفرنسيس قبض على ولده وحبسه عند قائممقام وهو رجل زيات وسبب ذلك ان امرأة جاءت اليه
لتشتري سمنا فقال لها لم يكن عندي سمن فكررت عليه حتى حنق منها فقالت له كأنك
تدخره حتى تبيعه على العثملي تريد بذلك السخرية فقال لها نعم رغما عن انفك وانوف
الفرنسيس فنقل عنه مقالته غلام كان معها حتى أنهوه الى قائممقام فأحضره وحبسه
ويقول أبوه اخاف
أن يقتلوه فقال الوكيل لا لا يقتل بمجرد هذا القول وكن
مطمئنا فان الفرنساوية لا يظلمون كل هذا الظلم فلما كان في اليوم الثاني قتل ذلك
الرجل ومعه اربعة لا يدري ذنبهم وذهبوا كيوم مضى
واستهل شهر رجب الفرج سنة والطلب والنهب والهدم مستمر
ومتزايد وأبرزوا أوامر ايضا بتقرير مليون على الصنائع والحرف يقومون بدفعه في كل
سنة قدره مائة الف وستة وثمانون ألف ريال فرانسة ويكون الدفع على ثلاث مرات كل
أربعة أشهر يدفع من المقرر الثلث وهو اثنان وستون ألف فرانسة فدهى الناس وتحيرت
افكارهم واختلطت اذهانهم وزادت وساوسهم واشيع ان يعقوب القبطي تكفل بقبض ذلك من
المسلمين ويقلد في ذلك شكر الله واضرابه من شيطاين اقباط النصارى واختلفت الروايات
فقيل ان قصده ان يجعلها على العقار والدور وقيل بل قصده توزيعها بحسب الفردة وذلك
عشرها لان الفردة كانت عشرة ملايين فالذي دفع عشرة يقوم بدفع واحد على الدوام ولاستمرار
ثم قيدوا لذلك رجلا فرنساويا يقال له دناويل وسموه مدبر الحرف فجمع الحرف وفرض عليهم
كل عشرة اربعة فمن دفع عشرة في الفردة يدفع اربعة الآن فعورض في ذلك بأن هذا غير
المنقول فقال هذا باعتبار من خرج من البلد ومن لم يدخل في هذه الفردة كالمشايخ
والفارين فان الذي جعل عليهم أضيف على من بقي فاجتمع التجاروتشاورا فيما بينهم في
شأن ذلك فرأوا ان هذا شيء لا طاقة للناس به من وجوه الاول وقف الحال وكساد البضائع
وانقطاع الاسفار وقلت ذات اليد وذهاب البقية التي كانت في ايدي الناس في الفرد
والدواهي المتتابعة الثاني ان الموكلين بالفردة السابقة وزعوا على التجار
والمتسببين وكل من كان له اسم في الدفتر من مدة سنين ثم ذهب ما في يده وافتقر حاله
وخلا حانوته وكيسه فالزموه بشقص من ذلك وكلفوه به وكتب اسمه في دفتر الدافعين
ويلزمه ما يلزمهم وليس ذلك في الامكان الثالث أن الحرفة التي دفعت مثلا ثلاثين
الفا يلزمها ثلاثة آلاف في السنة على الرأي الاول وعلى الثاني
اثنا عشر الفا وقد قل عددهم وغلقت اكثر حوانيتهم لفقرهم
وهجاجهم وخصوصا اذا ألزموا بذلك المليون فيفر الباقي ويبقى من لا يمكنه الفرار ولا
قدرة للبعض بما يلزم الكل
وفيه أمر الوكيل بتحرير قائمة تتضمن اسماء الذين تقلدوا قضاء
البلاد من طرف القاضي والذين لم يتقلدوا وأخبر أن السر في ذلك أن مناصب الاحكام
الشرعية استقر النظر فيها له وانه لا بد من استئناف ولايات القضاة حتى قاضي مصر
بالقرعة من ابتداء سنة الفرنساوية ويكتب لمن تطلع له القرعة تقليد من سارى عسكر
الكبير فكتبت له القائمة كما أشار
وفي رابعه قتل جماعة بالرميلة وغيرها ونودى عليهم هذا
جزاء من يتداخل في الفرنسيس والعثملي
وفي سادسه عملت القرعة على طهابل زاد تكرارها ثلاث مرات
لقاضي مصر واستقرت للعريشي على ما هو عليه وخرج له التقليد بعد مدة طويلة
وفي ثامنه قتل غلام وجارية بباب الشعرية ونودي عليهما
هذا جزاء من خان وغش وسعى بالفساد فيقال انهما كانا يخدمان فرنساويا فدسا له سما
وقتلاه
وفي تاسعه حضر جماعة من الوجاقلية الى الديوان وهم يوسف
باشا جاويش ومحمد اغا سليم كاتب الجاويشية وعلي أغا يحيى باشجاويش الجراكسة ومصطفى
اغا ابطال ومصطفى كتخدا الرزاز وذكروا انهم كانوا تعهدوا بباقي الفردة المطلوبة من
الملتزمين وقدرها خمسة وعشرين ألف ريال وقد استدانوا لذلك قدرا من البن بخمسة
وثلاثين ألف ريال فرانسة ليوفوا ما عليهم من الديوان وانهم أرسلوا الى حصصهم
يطالبون الفلاحين بماعليهم من الخراج فامتنع الفلاحون من الدفع وأخبروا ان
الفرنساوية خرجوا عليهم ومنعوهم من دفع المال للملتزمين فكتب لهم عرض حال في شأن
ذلك وارسل الى سارى عسكر ولم يرجع جوابه
وفي رابع عشره صنع الجرنال بليار المعروف بقائم مقام
عزومة لمشايخ
الدويان والوجاقلية وأعيان التجار وأكابر نصارى القبط
والشوام ومد لهم اسمطة حافلة وتعشوا عنده ثم ذهبوا الى بيوتهم
وفي ثاني عشرينه طيف بأمرأتين في شوارع مصر بين يدي
الحاكم ينادى عليهما هذا جزاء من يبيع الاحرار وذلك انهما باعتا امراة لبعض نصارى
الاروام بتسعة ريالات
وفيه طلب الخواجة الفرنسيسي المعروف بموسى كافو من
الوجاقلية بقية الفردة المتقدم ذكرها فأجابوا بأن سبب عجزهم عن غلاقها توقف
الفلاحين عن دفع المال بأمر الفرنساوية وعدم تحصيلهم المال من بلادهم ثم احيلوا
بعد كلام طويل على استيفاء الخازندار لان ذلك من وظائفه لا من وظائف الديوان
وفي سابع عشرنيه حضر الوجاقلية ومعهم بعض الاعيان
وحريمات ملتزمان يستغيثون بأرباب الديوان ويقولون انه بلغنا ان جمهور الفرنساوية
يريدون وضع أيديهم على جميع الالتزام المفروج عنه الذي دفعوا حلوانه ومغارمه ولا
يرفع أيدي الملتزمين عن التصرف في الالتزام جملة كافيةوقد كان قبل ذلك أنهى الملتزمون
الذين لم يفرجوا لهم عن حصصهم اما لفرارهم وعودهم بالامان واما لقصر أيديهم عن
الحلوان واما لشراقي بلادهم واما لانتظارهم الفرج وعود العثمانيين فيتكرر عليهم
لحلوان والمغارم فلما طال المطال وضاق حال الناس عرضوا أمرهم وطلبوا من مراحم
الفرنساوية الافراج عن بعض ما كان بأيديهم ليتعيشوا به ووقع في ذلك بحث طويل
ومناقشات يطول شرحها ثم ما كفى حتى بلغهم أن القصد نزع المفروج عنه ايضا ونزع ايدي
المسلمين بالكلية وانه يستشفعون بأهل الديوان عند سارى عسكر بان يبقى عليهم
التزامهم يتعيشون به ويقضون ديونهم التي استدانوها في الحلوان ومغارم الفردة فقال
فوريه الوكيل هل بلغكم ذلك من طريق صحيح فقالوا نعم بلغنا من بعض الفرنساوية وقال
الشيخ خليل البكري وانا سمعته من الخازندار وقال
الشيخ المهدي مثل ذلك وانهم يريدون تعويضهم من أطيان
الجمهور فقال الملتزمون ان بيدنا الفرمانات والتمسكات من سلفكم بونابارته ومن
السلاطين السابقين ونوابهم وقائمون بدفع الخراج وانهم ورثوا ذلك عن آبائهم
وأسلافهم وأسيادهم واذا اخذ منهم الالتزام اضطروا الى الخروج من البلد والهجاج وخراب
دورهم ويصبحون صعاليك ولا يأتمنهم الناس وطالب البحث في ذلك والوكيل مع هذا كله
ينكر وقوع ذلك مرة ويناقش اخرى الى أن انتهى الكلام بقوله له ان هذا الكلام في هذا
وأمثاله ليس من وظيفتي فإني حاكم سياسة الشريعة لا مدبر أمر البلاد نعم من وظيفتي
المعاونة والنصح فقط
وفي خامس عشرينه اتفق ان جماعة من أولاد البلد خرجوا الى
النزهة جهة الشيخ قمر ومعهم جماعة الآتية يغنون ويضحكون فنزل اليهم جماعة من
العسكر الفرنساوية المقيمين بالقلعة خارج الحسينية وقبضوا عليهم وحبسوهم وأرسلوا
شخصا منهم الى شيخ البلد بليار وأخبروه بمكانهم ليستفسر عن شأنهم فلقيه ثم رده الى
القلعة الظاهرية تانيا فبات عند اصحابه ثم طلبهم في ثاني يوم فذهبوا وصحبتهم جماعة
من العسكر بالبندق تحرسهم فقابلوه ومن عليهم بالاطلاق وذهبوا الى منازلهم
وفيه منعوا الاغا والوالي والمحتسب من عوائدهم على الحرف
والمتسببين فانها اندرجت في أقلام العشور ورتبوا لهم جامكية من صندوق الجمهور
يقبضونها في كل شهر
واستهل شهر شعبان سنة فيه أجيب الملتزمون بابقاء
التزامهم عليهم وأنكروا ما قيل في رفع أيديهم وعوتب من صدق هذه الاكذوبة وان كانت
صدرت من الخازندار فانما كانت على سبيل الهزل او يكون التحريف من الترجمان أو
الناقل
وفيه حضر التجار الى الديوان وذكروا أمر المليون وان
قصدهم أن يجعلوه موزعا على الرؤوس ولا يمكن غير ذلك وطال الكلام والبحث
شأن ذلك ثم انحط الامر على تفويض ذلك لرأي عقلاء
المسلمين وانهم يجتمعون ويدبرون ويعملون رأيهم في ذلك بشرط أن لا يتداخل معهم في
هذا الامر نصراني أو قبطي وهم الضامنون لتحصيله بشرط عدم الظلم وأن لا يجعلوا على
النساء ولا الصبيان ولا الفقهاء ولا الخدامين شيئا وكذلك الفقراء ويراعي في ذلك
حال الناس وقدرتهم وصناعتهم ومكاسبهم ثم قالوا نرجو ان تضيفوا الينا بولاق ومصر القديمة
فلم يجابوا الى ذلك لكونهم جعلوهما مستقلين وقرروا عليهما قدرا آخر خلاف الذي
قرروه على مصر
وفيه لخصوا عرضا ولطفوا فيه العبارة لسارى عسكر فأجيبوا
الى طلبهم ما عدا بولاق ومصر القديمة وأخرجوا من أرباب الحرف الصيارفة والكيالين
والقبانية وجعلوا عليهم بمفردهم ستين الف ريال خلاف ما يأتي عليهم من المليون ايضا
يقومون بدفعها في كل سنة والسر في تخصيص الثلاث حرف المذكورة دون غيرها أن صناعتهم
من غير رأس مال
وفيه افدروا ديوانا لذلك ببيت داود كاشف خلف جامع
الغورية وتقيد لذلك السيد احمد الزرو وأحمد بن محمود محرم وابراهيم أفندي كاتب
البهار وطائفة من الكتبة وشرعوا في تحرير دفاتر باسماء الناس وصناعاتهم وجعلوها
طبقات فيقولون فلان من نمرة عشرة أو خمسة أو ثلاثة او اثنين أو واحد ومشوا على هذا
الاصطلاح
وفيه أبطلوا عشور الحرير الذي يتوجه من دمياط الى المحلة
الكبرى
وفيه أرسل سارى عسكر يسأل المشايخ عن الذين يدورون في
الاسواق ويكشفون عوراتهم ويصيحون ويصرخون ويدعون الولاية وتعتقدهم العامة ولا
يصلون صلاة المسلمين ولا يصومون هذا جائز عندكم في دينكم أو هو محرم فأجابوه بأن
ذلك حرام ومخالف لديننا وشرعنا وسنتنا فشكرهم على ذلك وأمر الحكام بمنعهم والقبض
على من يرونه كذلك فان كان مجنونا ربط بالمارستان أو غير مجنون فإما أن يرجع عن
حالته
وفيه أرسل رئيس الاطباء الفرنساوي نسخا من رسالة ألفها
في علاج الجدري لارباب الديوان لكل واحد نسخة على سبيل المحبة والهدية ليتناقلها
الناس ويستعملوا ما اشار اليه فيها من العلاجات لهذا الداء العضال فقبلوا منه ذلك
وأرسلوا له جوابا شكر له على ذلك وهي رسالة لا بأس بها في بابها
وفي حادي عشره وجدت امرأة مقتولة بغيط عمر كاشف بالقرب
من قناطر السباع فتوجه بسبب الكشف عليها رسول القاضي والاغا وأخذوا الغيطانية
وحبسوهم وكان بصحبتهم ايضا القبطان الحاكم بالخط ولم يظهر القاتل ثم أطلقوا
الغيطانية بعد أيام
وفيه كمل المكان الذي أنشؤوه بالازبكية عند المكان
المعروف بباب الهواء وهو المسمى في لغتهم بالكمرى وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل
عشر ليال ليلة واحدة يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي
والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل وذلك بلغتهم ولا يدخل أحد اليه الا بورقة
معلومة وهيئة مخصوصة
وفي سادس عشرة ذكروا في الديوان أن سارى عسكر امر وكيل
الديوان ان يذكر لمشايخ الديوان ان قصده ضبط واحصاء من يموت ومن يولد من المسلمين
وأخبرهم ان سارى عسكر بونابارته كان في عزمه ذلك وان يقيد له من يتصدى لذلك ويرتبه
ويدبره ويعمل له جامكية وافرة فلم يتم مرامه والان يريد تتميم ذلك ويطلب منهم
التدبير في ذلك وكيف يكون وذكر لهم ان في ذلك حكما وفوائد منها ضبط الانساب ومعرفة
الاعمار فقال بعض الحاضرين وفيه معرفة انقضاء عدة الازواج ايضا ثم اتفق الرأي على
ان يعلموا بذلك قلقات الحارات واخطاط وهم يقيدون على مشايخ الحارات والاخطاط بالتفحص
عن ذلك من خدمة الموتى والمغسلين والنساء القوابل وما في معنى ذلك ثم ذكر الوكيل
ان سارى عسكر ولد له مولود
فينبغي أن تكتبوا له تهنئة بذلك المولود الذي ولد له من
المرأة المسلمة الرشيدية وجوابا عن هذا الرأي فكتبوا ذلك في ورقة كبيرة وأوصلها
اليه الوكيل فوريه
وفي غايته سقطت منارة جامع قوصون سقط نصفها الاعلى فهدم
جانبا من بوائك الجامع ونصفها الاسفل مال على الاماكن المقابلة له بعطفة الدرب
النافذ لدرب الاغوات وبقي مسندا كذلك قطعة واحدة الى يومنا هذا واظن ان سقوطها من
فعل الفرنسيس بالبارود
واستهل شهر رمضان سنة ثبت هلاله ليلة الجمعة وعملت
الرؤية وركب المحتسب ومشايخ الحرف بالطبول والزمور عل العادة وأطلقوا له خمسين ألف
درهم لذلك نظير عوائده التي كان يصرفها في لوازم الركبة
وفي خامسه وقع السؤال والفحص عن كسوة الكعبة التي كانت
صنعت على يد مصطفى أغا كتخدا الباشا وكملت بمباسرة حضرة صاحبنا العمدة الفاضل
الاريب الاديب الناظم الناثر السيد اسمعيل الشهير بالخشاب ووضعت في مكانها المعتاد
بالمسجد الحسيني وأهمل امرها الى حد تاريخه وربما تلف بعضها من رطوبة المكان وخرير
السقف من المطر فقال الوكيل ان سارى عسكر قصده التوجه بصحبتكم يوم الخميس قبل
الظهر بنصف ساعة الى المسجد الحسيني ويكشف عنها فان وجد بها خللا أصلعه ثم يعيدها
كما كانت وبعد ذلك يشرع في ارسالها الى مكانها بمكة وتكسى بها الكعبة على اسم
المشيخة الفرنساوية فقالوا له شأنكم وما تريدون وقرىء في المجلس فرمان بمضمون ذلك
وفي ذلك اليوم قرىء فرمان مضمونه انه وردت مكاتبات من
فرانسا بوقوع الصلح بينهم وبين أهل الجزائر وتونس بشروط ممضاة مرضية وقد أطلقوا
الأذن للتجار من اهل الجهتين بالسفر للتجارة فمن سافر له الحماية والصيانة في
ذهابه وايابه وقامته باسم دولة الجمهور الفرنساوية
الى آخره ولم يظهر لذلك أثر
وفيه قرىء تقليد الشيخ احمد العريشي بقضاء مصر ووصل ايضا
تقليد القضاء بدمياط لاحمد أفندي عبد القادر وأبيار للعلامة الشيخ رضوان نجا ومحلة
مرحوم للشيخ عبد الرحمن طاهر الرشيدي وذلك على موجب القرعة السابقة من مدة شهرين أو
اكثر وقرى ذلك بالديوان ولم يحصل بعد ذلك غيرهم فلما كان صبح ذلك اليوم أرسل شيخ
البلد بليار الى العريشي ومشايخ الديوان والوجاقلية فلما تكاملوا خلع على القاضي
العريشي فروة سمور بولايته القضاء وركب بصحبته الجميع وجملة من العساكر الفرناسوية
وشيخ البلد بجانبه ومشوا من وسط المدينة الى أن وصلوا المحكمة بين القصرين فجلسوا
ساعة من النهار وقرىء تقليده بحضرة الجميع ووكيل الديوان فوريه ثم رجعوا الى
منازلهم
وفي يوم الخميس الموعود بذكره توجه الوكيل ومشايخ
الديوان الى المشهد الحسيني لانتظار حضور سارى عسكر الفرنسيس بسبب الكشف على
الكسوة وازدحم الناس زيادة على عاتهم في الازدحام في رمضان فلما حضر ونزل عن فرسه
عند الباب وأراد العبور للمسجد رأى ذلك الازدحام فهاب الدخول وخاف من العبور وسأل
ممن معه عن سبب هذا الازدحام فقالوا له هذه عادة الناس في نهار رمضان يزدحمون
دائما على هذه الصورة في المسجد ولو حصل منكم تنبيه كنا أخرجناهم قبل حضوركم فركب
فرسه ثانيا وكر راجعا وقال نأتي في يوم آخر وانصرف حيث جاء وانصرفوا
وفي ليلة السبت تاسعه حصلت كائنة سيدي محمود وأخيه سيدي
محمد المعروف بابي دفية وذلك ان سيدي محمود المذكور كان بينه وبين علي باشا
الطرابلسي صداقة ومحبة ايام اقامته بالجيزة وحج صحبته في سنة تسع ومائتين وألف
فلما وقعت حادثة الفرنساوية وخرج علي باشا
المذكور مع من خرج الى الشام ووردت العساكر العثمانية
صحبة يوسف باشا الوزير في العام الماضي وصحبته علي باشا المذكور وله به مزيد
الوصلة والعناية والمرجع في المشورة لخبرته بالاقطار المصرية ومعرفته أهالي البلاد
استشاره في شخص يعرفه يكون عينا بمصر ليراسله ويطالعه بالاخبار فأشار عليه بمحمود
افندي المذكور فكانوا يراسلونه ويطالعهم بالاخبار سرا فلما قدموا الى مصر في السنة
الماضية وجرى ما جرى من نقض الصلح ورجوع الوزير ولم يزل سيدي محمود تأتيه
المراسلات بواسطة السيد احمد المحروقي ايضا ولان علي باشا ارتحل الى الديار
الرومية فيطالعهم كذلك بالاخبار مع شدة الحذر خوفا من سطوة الفرنساوية وتجسس
عيونهم المقيدة لذلك فكان يذهب القاصد ويرد له الجواب فلما كان في التاريخ ورد
عليه رسول ومعه جواب وأربعة أوراق مكتوبة باللغة الفرنساوية وفيها الامر بتوزيعها
ووضعها في أماكن معينة حيث سكن الفرنساوية فوزع اثنين وقصد وضع الثالثة في موضع جمعيتهم
فلم يمكنه ذلك الا ليلا فأعطاها خادمة وأمره أن يشكها بمسمار في حائط ذلك المكان
وهو بالقرب من الحمام المعروف بحمام الكلاب ففعل وتلكأ في الذهاب فأطلع عليه بعض
الفرنسيس من أعلى الدار فنزل اليه وأخذ الورقة وقبضوا على ذلك الخادم وصادف ذلك
مرور حسن القلق وهو يتوقع نكتة تكون له بها الوجاهة عند الفرنساوية فأغتنم هذه
الفرصة وقبض على الخادم مع الفرنساوية وسيده ينظر اليه من بعيد وعلم انه وقع في
خطب لا ينجيه منه الا الفرار فرفع الى داره وتناجى مع أخيه وأستشاره فيما وقع فيه
وكيف يكون العمل فأشار عليه بالاختفاء ويستمر أخوه بالمنزل مستهدفا للقضاء وليكون وقاية
على منزله وعرضه وليس هو مقصودا بالذات فكان كذلك وتغيب سيدي محمود وأصبح الطلب
قاصده فلما لم يجده قبضوا على أخيه سيدي محمد أفندي ومن كان معه بالبيت وهو الشيخ
خليل المنير وقرابته اسمعيل حلبي ونسيبه البرنوسي والسقاء وشيخ
حارتهم وحبسوهم ببيت قائممقام وهم سبعة أنفار بالخادم
المقبوض عليه اولا واوقفوا حرسا بدراهم واجتهدوا في الفحص عن سيدي محمود وتكرار
السؤال عليه من أخيه ورفقائه اياما فلما لم يقفوا له على خبر أحاطوا بالدار ونهبوا
ما فيها وصحبتهم الخادم يدلهم على المتاع والمخبأت ثم أصعدوهم الى القلعة وضيقوا
عليهم وأرسلوا خلف الشواربي شيخ قليوب ومن كان ينتقل عندهم وألزموهم بأحضاره
فانكروه وجحدوه ثم أطلقوا خادمه بعد أن أعطوه خمسين ريالا فرانسة وجعلوا له ألفان
إن دلهم عليه وقيدوا به عينا يتبعه أينما توجه فأستمر أياما يغدو ويروح في مظناته
لم يقع له على خبر فردوه الى السجن ثانيا عند أصحابه ولم يزالوا حتى فرج الله عنهم
وأما المطلوب فوقع له مزيد المشقة في مدة اختفائه وتبرأ منه غالب أصحابه ومعارفه
من العربان وغيرهم وتنكروا منه ولم يزل حتى استقر عند شيخ العرب موسى أبي حلاوة وأولاده
بناحية أمييه بالقليوبية باطلاع الشواربي فأكرموه وواسوه وأخفوا أمره ولم يزل
مقيما عندهم في غاية الاكرام حتى فرج الله عنه
ولما كان يوم الخميس رابع عشره تقيد للحضور بسبب الكشف
على الكسوة استوفو خازندار الجمهور وفوريه وكيل الديوان فحضر صحبتهم المشايخ
والقاضي والاغا والوالي والمحتسب بعدما أخلى المسجد من الناس وأحضروا خدامين
الكسوة الاقدمين وحلوارباطاتها وكشفوا عليها فوجدوا بها بعض خلل فأمروا بإصلاحه
ورسموا لذلك ثلاثة آلاف فضة وكذلك رسموا للخدمة الذين يخدمونها ألف نصف فضة ولخدمة
الضريح ألف نصف ثم ركبوا الى منازلهم ثم طويت ووضعت في مكانها بعد اصلاحها
وفي رابع عشرينه ضربت مدافع كثيرة بسبب ورود مركبين
عظيمين من فرانسا فيهما عساكر وآلات حرب واخبار بأن بونابارته أغار على بلاد
النيمسا وحاربهم وحاصرهم وضايقهم وانهم نزلوا على حكمه وبقى الامر بينهم وبينه على
شروط الصلح وانه استغنى عن هذه الاشياء المرسلة
وسيأتي في أثرهم مركبان آخران فيهما أخبار تمام الصلح
ويستدل بذلك على أن مملكة مصر صارت في حكم الفرنسيس لا يشركهم غيرهم فيها هكذا
قالوا في ورقة بالديوان
واستهل شهر شوال سنة فيه بدا أمر الطاعون فانزعج
الفرنساوية من ذلك وجردوا مجالسهم من الفرش وكنسوها وغسلوها وشرعوا في عمل
كرنتينات ومحافظات
وفي ثامنه قال وكيل الديوان للمشايخ ان حضرة سارى عسكر
بعث الى كتابا معناه ايضاح ما يتعلق بأمر الكرنتينه ويرى رأيكم في ذلك وهل توافقون
على رأي الفرنساوي أم تخالفون فقالوا حتى تنظر ما هو المقصود فقال حضرة أرباب
الديوان يجب عليهم أن يعملوا الطريق الذي يكون سببا لانقطاع هذه العلة فاننا نبغي
لهم ولغيرهم الخير فإن أجابوا فذاك والا فليزموا ولو قهرا وربما استعملنا القصاص
ولو بالموت عند المخالفة ومن الذي يتغافل عما يكون سببا لقطع هذا الداء فان رأينا
قدانعقد على ذلك ويجب أن يتفق معنا أرباب الديوان لان حفظ الصحة واجب ولذا نرى
كثيرا من الناس ولا سيما المتشرعون يستعمل الطبيب عند المرض وغايته حفظ الصحة وما
نحن فيه من ذلك ونذكر لكم أن بلاد الغرب قد اعتمدوا فعل الكرنتينة الآن فعلماء
القاهرة أولى بأن لا يتأخروا عن استعمال الوسائط اذ قد ربطت الاسباب بالمسببات
فقيل له وما الذي تأمرون به أن يفعل فقال هو الحذر لا غير وهو الغاية والنتيجة وهو
انه اذا دخل الطاعون بيتا الا يدخل فيه أحد ولا يخرج منه أحد مع ما يترتب على ذلك
من القوانين المختصة به وخدمة المريض وعلاجه وسيوضح لكم ذلك فيما بعد يعني أن
تذعنوا للطاعة وعدم المخالفة وظل البحث والمناقشة في ذلك بين أرباب الديوان
والوكيل وانفض المجلس على ان الوكيل سيفاوض سارى عسكر في ذلك ثم يدبرون أمرا
وطريقة يكون فيها الراحة للناس البلدية والفرنساوية فان ذلك فيه مشقة على أهل
البلد لعدم الفتهم
لهذه الامور
وفي ثالث عشرة ضربت عدة مدافع من القلاع لا يدري سببها
وفي رابع عشر قرىء فرمان من سارى عسكر بالديوان وألصقت
منه نسخ في مفارق الطرق والاسواق
ونصه بعد البسملة والحمدلة من عبد الله جاك منوسر عسكر
أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كامل
الاهالي كبير وصغير غني وفقير المقيمين حالا بمحروسة مصر وبملكة مصر الناس الذين
هم من الاشقياء والمفسدين ولا يفتشون الا على الاضرار بالناس واضراركم يظهرون في
وسط المدينة بينكم أخبارا رديئة تزويرا لتخويفكم وتخويف المملكةوكل ذلك كذب
وافتراء فانما نحن نخبركم جميعا ان كلا من الاهالي المذكورة من أي طائفة وملة كان
الذي يثبت عليه بالاشها أو النشر من نفسه بينكم تلك الاخبار الرديئة المكذوبة
تخويفا لكم واضلالا بالناس ففي الحال ذلك الرجل يمسك وترمى رقبته بوسط واحدة طرق
مصر ويا أهالي مصر انتبهوا وتذكروا هذه الكلمات وكونوا مسترحين البال ومترفهين
الحال انما دولة الجمهور الفرنساوي حاضرة لحمايتكم وصيانتكم ولكن ناظر كذلك الى
تعذيب العصاة والسلام على من اتبع الهدى والصدق والاستقامة تحرير في شهر وافتور
سنة تسع الموافق لحادي عشر شهر شوال انتهى
فعلم الناس من ذلك الفرمان ورودشىء وحصول شيء على حد كاد
المرتاب أن يقول خذني وليس للناس ذكر ولا فكر الا في بواقي الفردة وما لزمهم في
المليون ولا شغل لكل فرد الا بتحصيل ما فرض عليه ولعل ذلك بسبب الاوراق الواصلة
على يد سيدي محمود أبي دفية باللغة الفرنساوية التي تقدم ذكرها واشتهر ايضا أنه
وردت عليهم أخبار بوصول مراكب انكليز جهة أبي قير وفي ذلك المجلس سئل الوكيل عن
ضرب المدافع لاي شيء فقال لابد وان أحيط علمكم ببعض ذلك في هذا المجلس وهو ان
الفرنساوية كانت تحارب القرانات والآن وقع صلح بينهم
وبين القرانات ما عدا الانكليز فإنه الآن مضيق عليه وربما كان ذلك سببا لرضاه
بالدخول في الصلح وقد خرج من فرانسا عمارة ربما توجهت على الهند وربما أنهم يقدمون
الى مصر وقد وصل لسارى عسكر أمر من المشيخة بوصول مراكب الموسقو التي تحمل الذخائر
الى الفرنساوية وأن يمكنهم من دخول اسكندرية وقد خرج سنة غلايين من فرانسا الى بحر
الهند فربما قدموا بعد ذلك الى جهة السويس وبورود هذه الاخبار تعين خلوص مصر الى
جمهور الفرنساوية وفي سالف الزمان كانت جميع القرانات التي بالجهة الشمالية ضدا للفرنساوية
وقد زالت الان هذه الضدية ومتى انقضى أمر الحرب عمت الرحمة والرأفة والنظر
بالملاطفة للرعية والذي أوجب الاغتصاب والعسف انما هو الحرب ولو دامت المسالمة لما
وقع شيء من هذا فقال بعض أهل الديوان سنة الملوك العفو والصفح وما مضى لابعاد
فارحموا واعفوا عما سلف فقال الوكيل قد وقع الامتحان ولم يبق الا السلم والمسامحة
وفيه قبضوا على القلق المعروف بعمر أغا وهو أغات
المغاربة المرتبة عندهم عسكرا وعلى شخصين آخرين يدعى أحدهما علي جلبي والاخر مصطفى
جلبي وسجنا بالقلعة وسبب ذلك انه حضر الى مصطفى جلبي مكتوب من نسبيه بجهة الشام
يطلب منه بعض حوائج فقرىء ذلك المكتوب بحضرة عمر القلق ورفيقه الاخر فوشي بهم رجل
قواس فقبضوا على الجميع وكان مصطفى جلبي المذكور سكن ببيته محمد افندي ثاني قلفة
فدخلوا يفتشون عليه في الدار فلم يجدوه فالزموا به محمد أفندي المذكور وأزعجوه
وأحاط به عدة من العسكر ولم يمكنوه من القيام من مجلسه ولا من اجتماعه بأحد وبعد
ان وجدوا ذلك الانسان لم يفرجوا عن محمد أفندي بل استمر معهم في الترسيم ووجدوا
مكانا بالدار به أسلحة وأمتعة فنهبوه وانتهبت الدار والحارة وحصل عندهم غاية الكرب
والمشقة حتى ان بعض جيران ذلك المحل كبر عنده الخوف وغلب عليه الوهم فمات
فجأة رحمه الله ثم فرج الله عن محمد افندي بعد ثلاثة
ايام وأطلق عمر القلق لظهور براءته ولم يكن له جرم غير العلم والسكوت وانتقل محمد
افندي من تلك الدار وما صدق بخلاصة مها وبقي علي جلبي ومصطفى جلبي في الحبس وفي
سابع عشره استفيضت الاخبار بوصول مراكب الى أبي قير كما تقدم
وفي ثامن عشره خرج جملة من العسكر الفرنساوية وسافروا
الى الجهة البحرية برا وبحرا
وفي عشرينه اجتمع اهل الديوان فيه على العادة فبدأ
الوكيل يقول انه كان يظن انه يكون حرب ولكن وردت اخبار ان المراكب التي حضرت الى
اسكندرية وهي نحو مائة وعشرين مركبا قد رجعت فقيل له وما هذه المراكب فقال مراكب
فيها طائفة من الانكليز وصحبتهم جماعة من الاروام ليس فيها مراكب كبار الا قليل جدا
وباقيها صغار تحمل الذخيرة ثم قال ان حضرة سارى عسكر قد كان وجه اليكم فرمانا في
شأن ذلك قبل أن يتبين الأمر وهو وان كان قد فات موضعه من حيث انه كان يظن ان هناك
حرب ولكن من حيث كونه قد برز الى الوجود فينبغي أن يتلى على مسامعكم ثم أمر رفائيل
الترجمان بقراءته ونصه من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور
الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى جميع الكبير والصغير الاغنياء
والفقراء المشايخ والعلماء وجميعهم الذين يتبعون الدين الحق والحاصل لجميع اهالي
بر مصر سلمهم الله بمقام السر عسكر الكبير بمصر في أربعة عشر شهر ونتور سنة تسع من
قيام الجمهور الفرنساوية واحد ولا ينقسم ثم كتب تحت ذلك البسملة ولفظ الجلالة
وتحته ان الله هو هادي الجنود ويعطي النصرة لمن يشاء والسيف الصقيل في يد ملاكه يسابق
دائما الفرنساوية ويضمحل أعداؤهم ان الانكليزية الذين يظلمون كل جنس للشرفي كل
المواضع فهم ظهروا في السواحل وأن كانوا يتجرؤا يضعوا أرجلهم في البر فيرتدوا في
الحال على اعقابهم في البحر والعثمانيين متحركين كهؤلاء
الانكليزية يعلمون ايضا بعض حركات فان كان يقدموا ففي الحال يرتدوا وينقلعوا في
غبار وعفار البادية فأنتم يا أهالي مملكة ومحروسة مصراني أنا أخبركم ان كان تسلكوا
في طريق الخائفين الله وتبقوا مستريحين في بيوتكم ومقيمين كما كنتم في أشغالكم
وأغراضكم فحينئذ لا خوف عليكم ولكن ان كان واحد منكم يسلك للفساد واضلالكم
بالعداوة ضد دولة الجمهور الفرنساوي فأقسمت بالله العظيم وبرسوله الكريم ان رأس
ذلك المفسد ترمي تلك الساعة فتذكروا في كل المواقع حين محاصرة مصر الاخيرة وجرى
دماء آبائكم ونسائكم وأولادكم في كل مملكة مصر وخصوصا محروسة مصر وخواصكم انتهبوا
تحت الغارات وطرحوا علكيم فردة قوية غير المعتاد فأدخلوا في عقولكم واذهانكم كل ما
قلت لكم الآن والسلام على كل من هو في طريق الخير فالويل ثم الويل على كل من يبعد من
طريق الخير ممضي خالص الفؤاد عبد الله جاك منو
وفي ذلك اليوم عملوا شنكا وضربوا عدة مدافع من القلاع فارتاع
الناس لذلك واضطربوا شديدا فسئل من الفرنسيس فأخبروا ان ذلك سرور بقدوم مركبين من
فرانسة الى اسكندرية
وفي ذلك اليوم ايضا وقع بمجلس الديوان بين الوكيل
والمشايخ مفاوضة ومناقشة وذلك أنه لما أشيع خبر ورود المراكب الى أبي قير شحت
الغلال وارتفعت من الرقع على العادة وزادت أثمانها فتفاوضوا في شأن ذلك وأنه لا بد
من الاعتناء من الحكام وزجر الباعة وطواف المحتسب وشيخ البلد على الرقع والسواحل
ولما قرىء الفرمان المذكور قال بعض الحاضرين العقلاء لا يسعون في الفساد واذا
تحركت فتنة لزموا بيوتهم فقال الوكيل ينبغي للعقلاء ولامثالكم نصيحة المفسدين فان
البلاء يعم المفسد وغيره فقال بعضهم هذا ليس بجيد بل العقاب لا يكون الا على
المذنب قال تعالى كل نفس بما كسبت رهينة وقال آخر من أهل المجلس
ولا تزروا وزرة وزر أخرى فقال الوكيل المفسدون فيما وقدم
هاجوا الفتنة فعمت العقوبة والمدافع والبنبات لا عقل لها حتى تمير بين المفسد
والمصلح فانه لا تقرأ القرآن وقال اخر المخلص نيته تخلصه فقال الوكيل ان المصلح من
يشمل صلاحه الرعية فإن صلاحه في حد ذاته يخصه فقط والثاني أكثر نفعا وطال البحث
والمناقشة في نحو ذلك فلما كان عصر ذلك اليوم ورد فرمان من سارى عسكر الى وكيل
الديوان فأرسل خلف الشيخ اسمعيل الزرقاني فاستدعاه وسلمه اليه وأمره أن يطوف به
على مشايخ الديوان في بيوتهم فيقرؤه وهو مبنى على جواب المناقشة المذكورة وصورته
بعد البسملة والجلالة من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور
الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كافة المشايخ والعلماء الكرام
المقيمين بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله تعالى فضائلهم وألهمهم
الحكمة الواجبة لاجراء فرائضهم نرسل لحضراتكم يا مشايخ ويا علماء الكرام نداء جديد
خطابا الى جميع أهالي مملكة مصر وخصوصا أهل محروسة مصر ولا شبهة لي في تقييدكم
لتنبيههم بكل ما هو محرر فيها وغير ذلك تذكروا ان هذا التنبيه هو غرضكم انما
حضراتكم ههنا رجال دولة الجمهور الفرنساوي فيبقى في عقولكم وأذهانكم كل وما وقع
حين قصاص مصر الاخيرة تفهموا بناء على ذلك كيف هو واجب الى أمنيتكم وراحتكم ضبط
الخلائق لانه ان كان يصير أصغر الحركات فلا بدا ثقلها يقع على رؤسكم وغير ذلك ورد
لنا في الحال اخبار من فرانسا انه كملت المصالحة مع امبراطور النيمسا وان قيصر
الروسيا بيزو أقام المحاربة ضد دولة العثمانية والسلام
ولما أصبح ثاني يوم اجتمع المشايخ ببيت الشيخ عبد الله
الشرقاوي وحضر الاغا والوالي والمحتسب وأحضروا مشايخ الحارات وكبراء الاخطاط
ونصحوهم وأنذروهم وأمروهم بضبط من دونهم وأن لا يغفلوا أمر عامتهم وحذروهم وخوفوهم
العاقبة وما يترتب على قيام المفسدين وجهل
الجاهلين وانهم هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ
عنهم فالعاقل يشتغل بما يعنيه على انه لم يبق في الناس الا رسوم هافتة وانفصلوا
على ذلك هذا وديوان المليون يعملون فيه بالجد والاجتهاد وبث المعينين من القواسة والفرنساوية
في المطالبة بالثلث والكسرة الباقية من الفردة والتشديد في أمر الكرنتينة وازعاج
الناس من ذلك وخوفهم من حصول الطاعون وأشاعوا فيما بينهم أن من أصابه هذا الداء في
مكان كشفوا عليه فان كان مريضا بذلك الداء أخذوا ذلك المصاب الى الكرنتينة عندهم
وانقطع خبره عن أهله الا أن كان له أجل باق ويشفى من ذلك ويعود اليهم صحيحا والا
فلا يراه أهله بعد ذلك أصلا ولا يدري خبره لانه اذا مات أخذه الموكلون بالكرنتينة
ودفنوه بثيابه في حفرة وردموا عليه التراب وأما داره فلا يدخلها أحد ولا يخرج منها
مدة أربعة أيام ويحرقون ثيابه التي تختص به ويقف على بابه حرس فان مر احد ولمس الباب
أو الحد المحدود قبضوا عليه وأدخلوه الدار وكرتنوه وان مات الشخص في بيته وظهر انه
مطعون جمعوا ثيابه وفرشه وأحرقوها وغسله الغاسل وحمله الحمالون لا غير وأخرجوه من
غير مشهد وامامه ناس تمنع المارين من التقرب منه فان قرب منه أحد كرتنوه في الحال
وبعد دفنه يكرتنون على كل من باشره بغسل أو حمل أو دفن فلا يخرجون الا لخدمة
أخرىمثلها بشري لامساس فهال الناس هذا الفعل واستبشعوه وأخذوا في الهرب والخروج من
مصر الى الارياف لذلك والتوهم وقوع الفتنة بورود أخبار المراكب الى أبي قير وتحذر
الفرنساوية واستعدادهم وتأهبهم ونقل أمتعتهم الى القلعة
وفي تاسع عشرة خرجت عساكر كثير بحمولهم وفرشهم وذهبوا
الى جهة الشرق وأشيع حضور عرضي العثمانية ووصولهم الى العريش صحبة يوسف باشا
الوزير
وفيه أصعدوا الشيخ السادات الى القلعة من غير أهانة
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه قبضوا ايضا على حسن اغا المحتسب
وأصعدوه الى القلعة ايضا بشخص يخدمه فحبسوه بالبرج الكبير فأما الشيخ السادات فسأل
الموكل به عن ذنبه وجرمه الموجب لحبسه فقال لم يكن الا الحذر من اثارة تلك الفتن
في البلد واهاجه العامة لبغضك الفرنسيس لما سبق لك منهم من الايذاء وأما المحتسب
فإن الشيخ البكري والسيد احمد الزرو ذهبا الى قائمقام والى سارى عسكر وتكلما في
شأنه فأجابهما بان هذا لم يكن من شغلكما وقيل للسيد احمد انك رجل تاجروذاك أمير
وليس من جنسك حتى تشفع فيه فقال اننا محتاجون اليه لاجل مساعدته معنا في قبض
المليون ولا نعرف له ذنبا يوجب حبسه لانه ناصح في خدمة الفرنسيس فقالا على لسان
الترجمان الله يعلم ذنبه وسارى عسكر وهو ايضا يعلم ذلك من نفسه ولما سجنوه لم
يقلدوا مكانه غيره فكان كتخداه يركب مع الاغا وأمامهم الميزان ونوبة الحسبة وفيه
نادوا في الاسواق بالامان وعدم الانزعاج من أمر الكرنتينه وان من مات لاتحرق الا
ثيابه التي على بدنه لا غير وكان أشيع في الناس ما تقدم وزادوا على ذلك حرق الدار
التي يموت فيها ايضا وأن قصدهم ايضا عمل كرنتينه على البلد بتمامها فحصل من هذا المشاع
في الناس كرب عظيم ووهم جسيم فنودي بذلك ليسكن روع الناس
وفي يوم الخميس سادس عشرينه ارسل كبير الفرنسيس وطلب
رؤساء الديوان والتجار فحضروا الى منزله فأعلمهم أنه مسافر الى بحري وترك بمصر
قائمقام بليار وجملة من العسكر والكتبة والمهندسين وأوصاهم بأن يكون نظرهم على
البلد وكان في العزم حبسهم رهينة فاستشار في ذلك فاقتضى رأيهم تأخير ذلك وركب من
فوره مسافرا ولم يرجع من هذه السفرة الى مصر وحضر الجماعة الى الديوان واجتمعوا بالوكيل
فوريه فأخبرهم أنه حضر الى ناحية أبي قير طائفة من الانكليز وصحبتهم طائفة من
المالطية وأخرى نابلطية وطلعوا الى قطعة ارض رخوة بين
سلسولين من الماء وان الفرنساوية محيطون بهم من كل جهة
وفي سابع عشرينه رجعت العساكر التي كانت توجهت الى جهة
الشرق بحمولهم وأثقالهم وصحبتهم سارى عسكر الشرقية رينه فسافروا من يومهم ولحقوا
بكبيرهم برا وبحرا أو أخبروا عنهم لم يزالوا سائرين حتى وصلوا الى الصالحية
وأرسلوا هجانة الى العريش فلم يجدوا أحدا فكروا راجعين وأشاعوا أن الجهة الشرقية لم
يأت اليها أحد مطلقا وأصل الخبر أن سارى عسكر رينه كاشف القليوبية والشرقية أخبره
بعض عربان المويلح بانهم شاهدوا مراكب انكليزية ترددت بالقلزم فأرسل بخبر ذلك الى
سارى عسكر منو ويقول له في ضمن ذلك ويشير عليه بأن يتوجه صحبة جانب من العسكر
ويحصن نواحي الاسكندرية خوفا من ورود الانكليز تلك الناحية وان رينه يتكفل له بمن
يرد الى ناحية الشرق وأكد عليه في ذلك فأجابه سارى عسكر بقوله ان الانكليز لا
يأتون من هذه الناحية وانهم يأتون من ساحل الشام ويأمره بالارتحال والذهاب الى
الصالحية يرابط فيها فتواني في الحركة وأرسل اليه ثانيا بمعنى الجواب الاول ويحثه
على تحصين ثغور الاسكندرية وترددت بينهما المراسلات في ذلك ومضت ايام فيما بين ذلك
فورد الخبر للفرنساوية بورود مراكب الانكليز وتردادها تجاه الاسكندرية ثم رجوعها
فكتب سارى عسكر منو يقول لرينه انهم تراؤا ليوهموا بأن قصدهم ورود الاسكندرية ثم
غابوا وانهم رجعوا ليطلعوا بناحية الطينة ويستحثه على الرحلة والذهاب الى الصالحية
فلم يسعه الا الامتثال والارتحال وكتب اليه كتابا يقول فيه انهم لا يريدون الا ثغر
الاسكندرية وانما لم يسعفهم الريح فلا تغتر برجوعهم وانه رحل امتثالا للامر ويشير
عليه هو ايضا بعدم تأخره عن الذهاب الى الاسكندرية ويقبل اشارته فلم يستمع وتأخر
عن ذلك ورحل رينه الى جهة البركة ولم يستعجل الذهاب ثم انتقل الى الزوامل ثم الى
بلبيس وفي كل يوم ووقت يرسل
اليه سارى عسكر منو ويأمره بالذهاب الى الصالحية وهو
يتلكأ في الرحيل ثم أرسل له آخرا يقول له انه وردت علينا أخبار بأن يوسف باشا
الوزير متحرك الى القدوم ويحتم عليه في الرحيل الى الصالحية فعند ذلك جمع رينه
سوارى عسكره وعرض عليهم ذلك وسفه رأيه وان هذا الخبر لا اصل له وانا اعلم اننا لا
نصل الى الصالحية حتى يأتي الخبر بخلاف ذلك ويأتينا الامر بالرجوع والذهاب الى
الاسكندرية فلا نستفيد الا التعب والمشقة وارتحل بمن معه من غير استعجال فوصلوا
الى القرين في ثلاثة ايام واذا بمراسلة سارى عسكر منو الى رينه يخبره بان الانكليز
وصلوا الى أبي قير وطلعوا الى البر وتحاربوا مع أمير الاسكندرية ومن معه من
الفرنساوية وظهروا عليهم ويستعجله في الرجوع والذهاب الى الاسكندرية فقال رينه هذا
ما كنت أخمنه وأظنه وارتحل راجعا وعدي على برانبابة بعساكره وتقدم سارى عسكر منو
وسبقه الى الاسكندرية
شهر القعدة سنة في ثالثه أمر وكيل الديوان أرباب الديوان
بان يكتبوا السارى عسكر مكتوبا بالسلام ففعلوا ما أمروا به
وفي سادسه توفي محمد أغا مستحفظان مطعونا مرض يوم السبت
وتوفي ليلة الاحد فوضعوه في نعش وخرج به الحمالون لا غير وامامه الطرادون ولم
يعملوا له مشهدا ولا جماعة وكرتنوا داره واغلقوها على من فيها ولم يقلدوا عواضه
احدا بل اذنوا لعبد العال أن يركب عوضا عنه وذلك بمعونة نصر الله النصراني ترجمان
قائممقام فاستقر عبد العال المذكور أغات مستحفظان ومحتسبا فكان ذلك من جملة
النوادر والعبر فان عبد العال هذا كان من اسافل العامة وكان أجبر البعض نصارى
الشوام بخان الحمزاوي يخدمه ثم توسط بمصطفى اغا السابق بسبب معرفته للنصارى
المترجمين حتى تقدم بوساطته وقلدوه الاغاوية فجعله كتخداه ومشيره فلما تولى محمد
آغا تقيد معه كما كان مع مصطفى آغا
ولكن دون الحالة التي كان عليها مع ذلك لصلاحية محمد أغا
المقتول فلما توفي في هذا الوقت ترك لعبد العال أمر المنصب لاشغال الفرنساوية بما
هو الاهم من انفتاح الحروب والطاعون وغير ذلك
وفي يوم الثلاثاء تاسعه اشيع في الناس وصول العثمانيين
الى ناحية غزة وان جواسيسهم وصلوا الى العريش وقدمت الهجانة الى الفرنساوية بالخبر
فلما كان عشاء تلك الليلة طلبوا المشايخ الى الديوان فلما تكامل حضورهم حضر فورية
الوكيل وصحبته آخر من الفرنسيس من طرف قائمقام فتكلم فوريه كلاما كثيرا ليزيل عنهم
الوهم ويؤانسهم يزخرف القول كقوله انه يحب المسلمين ويميل بطبعه اليهم وخصوصا
العلماء وأهل الفضائل ويفرح لفرحهم ويغتم لغمهم ولا يحب لهم الا الخير وسياسة
الاحكام تقتضي بعض الامور المخالفة للمزاج وان سارى عسكر قبل ذهابه رسم لهم رسوما وأمرهم
بأجرائها والمشي عليها في أوقاتها وانه عند سفره قصد ان يعوق المشايخ واعيان الناس
ويتركهم في الترسيم رهينة عن المسلمين فلما ظهر له وتحقق ان الذين وردوا الى أبي
قير ليسوا من المسلمين وانما هم انكليزية ونابلطية واعداء للفرنساوية وللمسلمين
ايضا وليسوا من ملتهم حتى يتعصبوا من أجلهم والآن بلغنا أن يوسف باشا الوزير
وعساكر العثمانية تحركوا الى هذا الطرف فلزم الامر لتعويق بعض الاعيان وذلك من
قوانين الحروب عندنا بل وعندكم ولا يكون عندكم تكدر ولا هم بسبب ذلك فليس الا
الاعزاز والاكرام أينما كنتم والوكيل دائما نظره معهم ولا يغفل عن تعليل مزاجهم في
كل وقت ويوم ثم انتهى الكلام وانقضى المجلسن على تعويق أربعة اشخاص من المشايخ وهم
الشيخ الشرقاوي والشيخ المهدي والشيخ الصاوي والشيخ الفيومي فأصعدوهم الى القلعة
في الساعة الرابعة من الليل مكرمين وأجلسوهم بجامع سارية ونقلوا الى مكانهم الشيخ
السادات فاستمر معهم بالمسجد وأمروا الاربعة الباقية من أعضاء
الديوان وهم البكرى والامير والسرسى وكاتبه ان يكون
نظرهم على البلد ويجتمعون بشيخ البلد ولا ينقطعون عنه وان المشايخ المحجوزين لا خوف
عليهم ولا ضرروهم معززون مكرمون وأطلقوا لكل شيخ منهم خادما يطلع اليه وينزل ليقضي
له أشغاله وما يحتاج اليه من منزله والذي يريد من احبابهم وأصحابهم زيارتهم يأخذ
له ورقة بالاذن من قائمقام ويطلع بها فلا يمنع وكذلك اصعدوا ابراهيم أفندي كاتب
البهارا وأحمد ابن محمود محرم وحسين قرا ابراهيم ويوسف باشجاويش تفكجيان وعلي
كتخدا يحيى آغات الجراكسة ومصطفى آغا ابطال وعلي كتخدا النجدلي ومحمد افندي سليم
ومصطفى أفندي جمليان ورضوان كاشف الشعراوي وغيرهم وأمروا المشايخ الباقية والذين
لم يحبسوا بتقيدهم ونظرهم الى البلد والعامة وانهم يترددون على بليار قائمقام
ويعلمونه بالامور التي ينشأ عنها الشرور والفتن وأهمل ديوان المليون والمطالبة
بثلثه وكذلك كسرة الفردة ونفس الله عن الناس وكذلك تسوهل في أمر الكرنتينة واجازة
الاموات وعدم الكشف عليهم وتصديق الناس بما يخبرون به في مرض من يموت وذلك لكثرة
اشغالهم وحركاتهم وتحصنهم ونقل متاعهم وصناديقهم وفرشهم وذخائرهم الى القلعة
الكبيرة على الجمال والحمير ليلا ونهارا والطاعون متعلق فيهم ويموت منهم العدة
الكثيرة في كل يوم
وفي حادي عشرة افرجوا عن الشيخ سليمان الفيومي وأنزلوه
من القلعة ليكون مع من لم يحبس وأمرهم الوكيل بالتقيد والحضور الى الديوان على
عادتهم ولا يهملونه فكانوا يحضرون ويجلسون حصة يتحدثون مع بعضهم ولا يرد عليهم الا
القليل من الدعاوي ثم ينصرفون الى منازلهم وكذلك أمروا الشيخ أحمد العريشي القاضي
بان يحضر ويجلس من غير سابقة له بذلك وذلك حفظا للناموس لا غير
وفي ثالث عشرة نقل الكمثارى فوريه الوكيل متاعه الى
القلعة
وصعد اليها فلم ينزل وارسل الى الشيخ سليمان الفيومي
تذكرة يأمره فيها بأن ينقل فراش المجلس ويودعه في مكان بداره ففعل ما أمره به ولم
يتركوا به الا الحصر وامر بحضور ارباب الديوان على عادتهم فكانوا يفرشون سجاجيدهم ويجلسون
عليها حصة الجلوس ثم ينصرفون
وفي رابع عشره نقلوا حسن آغا المحتسب من البرج الى جامع
سارية صحبة المشايخ وكذلك فوريه الوكيل جعل سكنه الجامع المذكور وأظهر ان قصده
مؤانستهم وليس الا لضيق مساكن القلعة وازدحام الفرنسيس وكثرة ما نقلوه اليها من
الامتعة والذخائر والفلال والاحطاب مع ما هدموه من أماكنها حتى انهم سدوا ابواب
الميدان وجعلوه من جملة حقوقها فكانوا ينزلون اليه ويصعدون منه من باب السبع حدرات
وفي تاسع عشره ورد مكتوب من كبير الفرنسيس من ناحية
اسكندرية مؤرخ بثالث عشر القعدة وهو جواب عن المكتوب المرسل اليه السابق ذكره
وصورته بعد الصدر المعتاد من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش الفرنساوية
بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كامل المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بالديوان
المنيف بمحروسة مصر أدام الله فضائلهم ورد لنا مكتوبكم العزيز ورأينا بكامل السرور
كل ما فصلتم لنا به وثبت من مفهومنا صدق ودادكم لنا ولعساكر دولة جمهور الفرنساوية
ودمتم حضراتكم وكافة أهالي مصر بالحمية والاستقامة الموعودة ومعلوم على فضائلكم أن
الله يهدي كلا فما النصر الا منه ووضعت عليه اعتمادي وما توفيقي الا به وبرسوله
الكريم عليه السلام الدائم وان ابتغيت النصرة فما هو الا لسهول خيراتي الى بر مصر
وسكان ولايتها وخير أمور اهلها والله تعالى يكون دائما معكم ويكرم وجوهكم بالسلامة
وفيه سمع ونقل عن بعض الفرنسيس انه وقع الحرب بين
الفرنساوية والانكليزية وكانت الهزيمة على الفرنساوية وقتل بينهم مقتلة كبيرة
وانحازوا الى داخل الاسكندرية ووقع بينهم الاختلاف وانهم
منوسارى عسكر رينه وداماص ورابه منهما ما رابه وكان سببا لهزيمته فيما يظن ويعتقد
فقبض عليهما وعزلهما من امارتهما وذلك أن رينه وداماص لما ذهبا على الصورة المتقدمة
ونظر رينه وأرسل من كشف على متاريس الانكليز فوجدها في غاية الوضع والاتقان
فأجتمعوا للمشورة على عادتهم ودبروا بينهم أمر المحاربة فرأى سارى عسكر منو رأيه
فلم يعجب رينه ذلك الرأي وان فعلنا ذلك وقعت الغلبة علينا وانما الرأي عندي كذا
وكذا ووافقه على ذلك داماص وكثير من عقلائم فلم يرض بذلك منو وقال انا سارى عسكر
وقد رأيت رايي فلم يسعهم مخالفته وفعلوا ما أمر به فوقعت عليهم الهزيمة وقتل منهم
في تلك الليلة خمسة عشر ألفا وتنحى رينه وداماص ناحية ولم يدخلا في الحرب بعسكرهما
فاغتاظ منه ونسبهما للخيانة والمخامرة عليه وتسفيههم لرايه وأكذ ذلك عنده انهما
لما حضرا الى الاسكندرية أخذا معهما أثقالهما وما كان لهما بمصر لعلمهما عاقبة
الامر وسوء رأى كبيرهما فاشتد انكاره عليهما وعزل عنهما العسكر وحبسهما ثم اطلقهما
ونزلا الى المراكب مع عدة من اكابرهم وسافر الى بلادهما وان منو أرسل الى
بونابارته يخبر عن ورود الانكليز ويستنجده فأرسل اليه عسكرا فصادفوا الجماعة
المذكورين في الطريق فأخبروهم عن الواقع وردوهم من اثناء الطريق وقد أشاروا لذلك
في بعض مكاتباتهم واخبر ايضا المخبرون ان الانكليز اطلقوا حبوس المياه الملحة حتى
اغرقت طرق الاسكندرية وصارت جميعها لجة ماء ولم يبق لهم طريق مسلوك الا من جهة
العجمي الى البرية وأن الانكليز تترسو اقبالهم من جهة الباب الغربي
وفيه ورد الخبر بأن حسين باشا القبطان ورد بعساكره جهة
أبي قير وطلع عسكره من المراكب الى البر وقويت القرائن الدالة على صحة هذه الاخبار
وظهرت لوائح ذلك الفرنسيس مع شدة تجلدهم وكتمان
امرهم وتنميق كلامهم
وفيه سدوا باب البرقية المعروف بباب الغريب وبنوه فضاق
خناق الناس بسبب الخروج الى القرافة بالاموات فكان الذي مدفنه ببستان المجاورين
يخرج بجنازته من باب النصر ويمرون بها من خلف السور المسافة الطويلة حتى ينتهوا
الى مدفنهم فحصل للناس مشقة شديدة وخصوصا مع كثرة الاموات فكلم يوم الاحد حادى
عشرينه بعض المشايخ قائمقام في شان ذلك فأرسل الى قبطان الحنطة ففتح بابا صغيرا من
حائط السور جهة كفر الطماعين على قدر النعش والحمالين والمشاة
وفي ثاني عشرينه سافر جماعة من أعيان الفرنساوية الى جهة
بحرى وهم استوف الخازندار العام ومدبر الحدود وفوريه وكيل الديوان وشنانيلو مدبر
املاك الجمهور وبرنار وكيل دار الدرب وريج خازندار دار الضرب ولابرت رئيس مدرسة
المكتب وحافظ سجلاتهم وكتبهم واخذوا معهم طائفة من رؤساء القبط وفيهم جرجس الجوهري
وأشيع في الناس بأن سفرهما لتقرير الصلح وليس كذلك
وفي ثالث عشرينه توكل بحضور الديوان كمثارى يقال له
جيرار وحضر يوم الجمعة سادس عشرينه بصحبة كاتب سلسلة التاريخ محبنا الفاضل العمدة
السيد اسمعيل المعروف بالخشاب وحضرة قاسم افندي امين الدين كاتب الديوان فلما
استقر به الجلوس أخبر أنه ورد كتاب من كبيرهم جاك منو باللغة الفرنساوية مضمونه
انه مقيم بسكندرية وهو مؤرخ بعشرين القعدة ومثل ذلك من الكلام الفارغ
وفيه قدم ثلاثة أنفار من العرب صحبة جماعة من الفرنسيس
وذهبوا بهم الى بيت قائمقام فاستفسر منهم فاختل كلامهم وتبين كذبهم فأمر بحبسهم
وفيه حضر جماعة من الفرنسيس من جهة الشرق ومعهم دواب
كثيرة وآلات حرب ومروا في شارع المدينة ومنعوا الناس من شرب الدخان
خوفا على البارود من النار ولم يعلم سبب قدومهم ثم تبين
انهم الذين كانوا محافظين بالصالحية وبعد أيام حضر ايضا الذين كانوا بالقرين وكذلك
الذين كانوا ببلبيس وناحية الشرق شيئا بعد شيء
شهر ذي الحجة الحرام سنة فيه حصل الاجتماع بالديوان
وأخبر الوكيل ان كبيرهم قد بعث أخبارا بالامس منها انه قد مات جماعة من كبراء
الانكليز وان اكثر عساكرهم مريضون بمرض الزحير والرمد وربما يحصل الصلح عن قريب
ويرجعون الى بلادهم وان العطش مضاررهم وبعثوا عدة مراكب لتأتيهم بالماء فتعذر
عليهم ذلك ثم سأل عن أحوال البلد وسكون الرعية والغلال والأقوات فأجيب بأن البلد
مطمئنة والرعية ساكنة والغلال موجودة فقال لا بد من اعتنائكم بجميع هذه الامور
الموجبة للراحة
وفيه أشيع ان الانكليز ومن معهم من العثمانية ملكوا ثغر
رشيد وابراجها وحاربوا من كان بها من الفرنسيس حتى اجلوهم عنها ودخلوها
وفي ذلك اليوم قبضوا على نيف وستين من مغاربة الفحامين
وطولون والغورية ونفوهم وذلك من فعل عبد العال الآغا
وفيه أمر بليار قائمقام بركوب احد المشايخ صحبة عبد
العال ويمرون بشوارع المدينة فكان يركب معه مرة الشيخ محمد الامير ومرة الشيخ
سليمان الفيومي وذلك لتطمئن الرعية
وفي سادسه قرىء مكتوب زعموا أنه حضر من سارى عسكر منو من
جهة الاسكندرية وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر المعتاد الى حضرات كافة
المشايخ والعلماء الكرام المستشارين بمحفل الديوان المنيف بمحروسه مصر أدام الله
تعالى فضائلهم وما النصرة الا من الله وبشفاعة رسوله الكريم عليه السلام الدائم
العساكر الفرنساوية والانكليزية هما الى هذا الان حصيران قبلهما فحصنا أطرافنا
بمتاريس وخنادق لا تغلب ولا تهجن وغير ذلك يلزم نخبر حضراتكم لتهدية تمشياتكم ولاجل
انتظامها
ان سلطان الروسية المحمية اعلن بواسطة مرسله الى حضرة
السلطان سليم أذعن الامر الى عساكره لاجل ما يتجانبوا ويتراووا ويخلو من بر مصر
جميعا والا لابد من سلطان الروسيات الجمعية الاقامة بالمحاربة بمعية مائة ألف
عسكرية ضد العثمانية وضد قسطنطينية فبناء على ذلك أرسل السلطان سليم أوامره
بفرمانه خطابه الى عساكره لتخلية بر مصر ولكامل من بالبر المذكور لكي وثم ولكن ذهب
الانكليزية كفا للارتشاء بعض من مقدار العسكر العثمانية وبتقديم امتثالهم الى
أوامر سلطانهم فاعلنوا وأخبروا كل ذلك ألى أهالي مصر فانتظموا كما كنتم دائما
بالخير واعتمدوا واعتنوا بحماية وصيانة دولة الجمهور الفرنساوية والله تعالى يديم
فضائلكم عن الالهام بالخير والسلامات حرر في الخامس والعشرين من شهر جرمينيال سنة
تسعة الموافق لثلاثة ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر وكتب بألفاظه وحروفه من
خط منشئه لوما كالترجمان ثم قال الترجمان ان الفرنساوي الذي حمل هذا الكتاب نقل لي
عن سر عسكر انه ناشر لكم ألوية الشكر على قيامكم بوظائفكم فدوموا على ذلك فأجيب
السمع والطاعة تم ان بعض الحاضرين من المشايخ أخبر بأن رجلا من المنوفية يقال له
موسى خالد كان الفرنساوية أحسنوا اليه وقدموه على أقرانه فلما خرجوا من المنوفية
أفسد في البلاد وقطع الطريق ولا يتمكن أحد من أهل هذه الجهة أن يخرج من بلده لتحصيل
معاشه وانه قبض على الشيخ عابدين القاضي وصادره في نحو ثلاثة آلاف ريال وكذلك صادر
كثيرا من أغنياء منوف وغيرها وأخذ أموالهم فقال الوكيل ستسكن الفتنة ويعاقب
المفسدون ثم أمر بكتابة مكاتيب ممضاة من مشايخ الديوان خطابا للتجار والمتسببين
ولمشايخ البلاد يأمرونهم بارسال الغلال والاقوات الى مصر فكتبوا للمحلة الكبرى
منوف والمنصورة والفشن وبني سويف
وفيه كتبوا جوابا من مشايخ الديوان لكبير الفرنسيس جوابا
عن
=============
ج8. كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد الرحمن بن
حسن الجبرتي
المكتوب المذكور آنفا
وفيه ذكر قائمقام بليار لبعض الرؤساء انه اذا رجع سارى
عسكر منصورا ودامت أهل البلد على طاعتهم وسكونهم رفع عنهم نصف المليون والظلم
وفي عاشره افرجوا عن ابن محرم التاجر بتوسل والدته
بقائمقام بليار على مصلحة الفين ريال فرانسة
وفيه خرج عبد العال الى ناحية أبي زعبل ورجع ومعه ثلاثة
أشخاص من الفلاحين ضرب عنق أحدهم
وفي ثاني عشرة قبض عبد العال على أناس من الغورية
والصاغة ومرجوش وغيرهم وألزمهم بمال وسئل عن ذلك فقال لم أفعله من قبل نفسي بل عن
أمر من الفرنسيس
وفيه حفروا خندقا عند تلال البرقية فكان الذين يخرجون
بالاموات يصعدون بهم من فوق التل ثم ينزلون ويمرون عل سقالة من الخشب على الخندق المحفور
فحصل للناس غاية المشقة واتفق ان ميتا سقط من على رقاب الحمالين وتدحرج الى أسفل
التل
وفيه ورد الخبر بموت مراد بك بالوجه القبلي بالطاعون
وكان موته رابع الشهر ودفن بسوهاج عند الشيخ العارف وأقيم عزاؤه عند زوجته الست
نفيسة وبنت له قبرا بمدفن على بك واسمعيل بك بالقرافة بالقرب من قبة الامام
الشافعي رضي الله تعالى عنه وأشيع نقله اليه ثم ترك ذلك وبطل وكان الفرنساوية عند
ما اصطلح معهم وأعطوه امارة الصعيد رتبوا لزوجته المذكورة في كل شهر مائة ألف فضة
واستمرت تقبض ذلك حتى أخرج الفرنساوية جوابات الى الامراء المرادية يعزونهم في
استاذهم وتقريرا الى عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي بان يكون أميرا ورئيسا
على خشداشينه وعوضا عن مراد بك ويستمرون على امريتهم وطاعتهم
وفيه حضرت جوابات المراسلات التي أرسلت الى البلاد بسبب
الغلال والاقوات بان المتسببين والتجار أجابوا بالسمع
والطاعة غير ان المانع لهم قطاع الطريق وتعدى العرب ومنعهم السبيل وان أبواب
البلدان مغلوقة بحيث لا يمكن الخروج منها فاذا أمنت الطرق حضر المطلوب وكلام هذا معناه
وأما الساعي المرسل الى المنصورة فانه رجع من اثناء الطريق ولم يمكنه الوصول اليها
لان العساكر القادمة قد دخلوها وصارت في حكمهم
وفيه أي في هذا الشهر زاد أمر الطاعون وطعن مصطفى أغا
ابطال بالقلعة فلما ظهر فيه ذلك رفعوه بطريق مهانة وأنزلوه الى الكرنتينه بباب
العزب وألقوه بها ثم تكلم في شأنه ارباب الديوان فانزلوه الى داره فمات بها وكذلك
وقع لحسين قرأ ابراهيم التاجر وعلى كتخدا النجدلي وذلك في اوائله وفي كل يوم يموت
من الفرنسيس الكائنين بالقلعة الثلاثون والاربعون وينزلون بهم من كرنتينة القلعة
على الاخشاب مثل الابواب كل ثلاثة أو أربعة سواء يحملهم الحمالون وامامهم اثنان من
الفرنسيس يمنعون الناس ويباعدونهم عن القرب منهم الى أن يخرجوا بهم من باب القرافة
فيلقوهم في حفر عميقة قد اعدها الحفارون ويهيلون عليهم التراب حتى يعلوهم ثم يلقون
صفا آخر ويغطونهم بالتراب وهكذا حتى تمتلىء الحفرة ويبقى بينها وبين الارض نحو
الذراع فيكبسونها بالتراب والاحجار ويحفرون أخرى غيرها كذلك فيكون في الحفرة
الواحد اثنا عشر وستة عشر وأكثر فوق بعضهم البعض وبينهم التراب ويرمونهم بثيابهم
وأغطيتهم وتواسيمهم التي في أرجلهم وذلك المكان الذي يدفنون به في العلوة الكائنة خارج
مزار القادرية بين الطريقين الموصلين الى جهة مزار الامام الشافعي رضي الله عنه
وفيه انهى مشايخ الديوان تعرض عبد العال لمصادرة الناس
وطلب المال بعد تأمينهم وتبشيرهم برفع نصف المليون عنهم فأجيبوا بأن ذلك على سبيل
القرض لتعطل المال الميري واحتياج العسكر الى النفقة وقيل
لهم ايضا ان كان يمكنكم ان تكتبوا الى البلاد بدفع
الميري رفعنا الطلب عن الناس فقالوا هذا غير ممكن لحصول البلاد في حيازة القادمين
وقطع الطريق من وقوف العرب بها وعدم الانتظام وانما القصد الملاطفة والرفق فان
وظيفتنا النصح والوساطة في الخير
وفي يوم الخميس سادس الحجة حضر استوف الخازندار وجرجس
الجوهري ومن معهما من القبطة وغيرهم ما عدا الفرنسيس الذين ذهبوا معهم فارسلت
اوراق بحضور مشايخ الديوان والتجار والاعيان من الغد فلما كان في صبحها حصلت
الجمعية واحضر الخازندار والوكيل وعبد العال وعلى أغا الوالي وبعض التجار كالسيد
احمد الزرو والحاج عبد الله التاودي شيخ الغورية والحاج عمر الملطيلي التاجر بخان
الخليلي ومحمود حسن وكليمان الترجمان فتكلم استوف وترجم عنه الترجمان بقوله ان
سارى عسكر الكبير منو يقرئكم السلام ويثنى عليكم كثيرا وسينجلى هذا الحادث ان شاء
الله تعالى ويقدم في خير ويرى أهل مصر ما يسرهم وقد هلك من الانكليز خلق كثير وباقيهم
أكثرهم مرمودون الاعين وبمرض الزحير وجاءت طائفة منهم الى الفرنساوية وانضموا
اليهم من جوعهم وعطشهم ولتعلموا أن الفرنساوية لم يسلموا في رشيد قهرا عنهم بل
تركوها قصدا وكذلك أخلينا دمياط لاجل ان يطمعوا ويدخلوا الى البلاد وتتفرق عساكرهم
فتتمكن عند ذلك من اسئصالهم ونخبركم انه قد وردت الى اسكندرية مركب من فرانسا
وأخبرت ان الصلح قد تم مع كامل القرانات ما عدا الانكليز فأنهم لم يدخلوا في الصلح
وقصدهم عدم سكون الحرب والفتن ليستولوا على أموال الناس واعلموا ان المشايخ
المحبوسين بالقلعة وغيرهم لا بأس عليهم وانما القصد من تعويفهم وحبسهم رفع الفتن
والخوف عليهم وشريعة الفرنساوية اقتضت ذلك ولا يمكن مخالفتها ومخالفتها كمخالفة
القرآن العظيم عندكم وقد بلغنا ان السلطان العثملي أرسل الى عسكره بالكف عن
الفرنساوية والرجوع
عن قتالهم فخالف عليه بعض السفهاء منهم وخرجوا عن طاعته
وأقاموا الحرب بدون اذنه فأجابه بعض الحاضرين بقوله ان القصد حصول الراحة والصلح والفرنساوية
عندنا أحسن حالا من الانكليز لاننا قد عرفنا أخلاقهم ونعلم أن الانكليز انما
يريدون بانضمامهم الى العثملية تنفيذ أغراضهم فقط فانهم يدلون العثملي ويغرونه حتى
يوقعوه في المهالك ثم يتركوه كما فعلوا سابقا ثم قال الخازندار ان الفرنساوية لا
يحبون الكذب ولم يعهد عليهم فلازم أن تصدقوا كل ما أخبروكم به فقال بعض الحاضرين
انما يكذب الحشاشون والفرنساوية لا يأكلون الحشيش ثم قال الخازندار ان وقع من أهل
مصر فشل أو فساد عوقبوا أكثر من عام اول واعلموا أن الفرنساوية لا يتركون الديار
المصرية ولا يخرجون منها أبدا لانها صارت بلادهم وداخله في حكمهم وعلى الفرض
والتقدير اذا غلبوا على مصر فانهم يخرجون منها الى الصعيد ثم يرجعون اليها ثانيا
ولا يخطر في بالكم قلة عساكرهم فانهم على قلب رجل واحد واذا اجتمعوا كانوا كثيرا
وطال الكلام في مثل هذه التمويهات والخرافات وأجوبة الحاضرين بحسب المقتضيات ثم
قال الخازندار القصد منكم معاونة الفرنساوية ومساعدتهم وغلاق نصف المليون ولشفع
بعد ذلك عند سارى عسكر في فوات النصف الثاني حكم ما عرفكم قائمقام بليار فاجتهدوا
في غلاقه من الاغنياء واتركوا الفقراء فأجابوا في آخر الكلام بالسمع والطاعة فقال
لكن ينبغي التعجيل فان الامر لازم لاجل نفقه العسكر ثم قال لهم ينبغي ان تكتبوا
جوابا بالسارى عسكر تعرفونه فيه عن راحة اهل البلد وسكون الحال وقيامكم بوظائفكم
وهو ان شاء الله يحضر اليكم عن قريب وانفض المجلس وكتب الجواب المأمورية وارسل
وفيه ورد الخبر بوصول طاهر باشا الارنؤدي بجملة من
العساكر الارنؤدية الى أبي زعبل
وفيه خرج عدة من عساكر الفرنساوية وضربوا أربع قرى من
الريف بعلة موالاة العرب وقطاع الطريق فنهبوهم وحضروا الى مصر بمتاعهم ومواشيهم
وفيه ارسل بليار قائمقام يطلب من الوجاقلية بقية ما
عليهم من المال المتأخر من فردة الملتزمين وقدره اثنا عشر ألف ريال وان تأخروا عن
الدفع احاط العسكر بيوتهم ونقلهم الى أضيق الحبوس بل واستعملهم في شيل الاحجار
فاعتذروا بضيق ذات يدهم وحبسهم فتصدر اليهم السيد احمد الزرو وتشفع عند قائمقام
بأن يقوموا بدفع أربعة آلاف ريال ويؤجلوا بالباقي وينزلوا من القلعة لتحصيل ذلك فأجابه
وأنزل علي أغا يحيى اغات الجراكسة ويوسف باشجاويش الى بيت عبد العال وحبسهم بمكان
بداره وحبس معهم مصطفى كتخدا الرزار فكان يتهددهم ويرسل اليهم أعوانه يقولون لهم
شهلوا ما عليكم والا ضربكم الاغا بالكرابيج فسبحان الفعال لما يريد فان عبد العال
هذا الذي يتهددهم ربما كان لا يقدر على الوصول الى الوقوف بين يدي بعض اتباعهم
فضلا عنهم
وفيه أحاط الفرنسيس بمنزل حسن أغا لوكيل المتوفي قبل
تاريخه وذلك بسبب انه وجد ببيته غلام فرنساوي مختف أسلم وحلق رأسه وقبضوا على أحد
خشداشينه وحبسوه لكونه علم ذلك ولم يخبر به
وفيه حضرت رسل من طرف عرضي الوزير لقائمقام بليار فاجتمعوا
به وخلا بهم ووجههم من ليلتهم فلما حصلت الجمعية بالديوان سئل الوكيل عن ذلك فقال
نعم انهم أرسلوا يطلبون الصلح
وفي ثامن عشره أفرجوا عن ابراهيم افندي كاتب البهار
ليساعد في قبض نصف المليون
وفي رابع عشرينه قبضوا على أبي القاسم المغربي شيخ رواق
المغاربة وحبسوه بالقلعة بسبب انه كان يتكلم في بعض المجالس ويقول أنا شيخ
المغاربة وأحكم عليهم ويتباهى بمثل هذا القول فنقل عنه ذلك إلى
عبد العال والفرنسيس وظنوا صحة قوله وانه ربما أثار فتنة
فقبضا عليه وحبسوه وكذلك حبسوا محمد افندي يوسف ثاني قلفه وآخر يقال له عبيد
السكري
وفي خامس عشرينه أبرزوا مكتوبا وزعموا انه حضر من سارى
عسكرهم وقرىء بالديوان وصورته بعد الصدر خطابا الى كافة العلماء والمشايخ الكرام
بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر حالا أدام الله تعالى فضائلهم ورد لنا مكتوبكم
وانشرح قلبي من كل ما شهدتم لنا فيه بانه يثبت عقلكم السليم وصدقكم وتقييد قلوبكم
في طارق الدستور فدوموا مهتدين بهذه الملكة ولا بد لفضائلكم من دولة جمهورنا كامل الوفاء
من حسن رضا واطمئنان عليكم منها ومن طرف عمدة أصحاب الجراءة والشجاعة حضرة القونصل
أولها بونابارته وعلى الخصوص من طرفنا وكان ضد اوامري ان الستويان فوريه الذي كنت
وضعته قرب فضائلكم ترك ذلك الموضع وتوجه الى اسكندرية وما تلك الفعلة الا من نقص
جسارته في ذي الوقعة فبدلناه جنب فضائلكم بالستويان جيرار رجل واجب الاستوصاء لاجل
عرضه وفضله وخصوصا لاجل غيرته وجسارته فلذلك هو كسب اعتمادي فاعتمدوا الى كل ما هو
قائل بفضائلكم من جانبنا وبمنه وعونه تعالى عن قريب نواجهكم بمصر بخير وسلامة
ودوموا حسب تدبيراتكم لتنظيم البلد ومماسكة الطاعة بين الامة الحامدة والسياسة بين
غيرهم وكذلك نرجو من رب الاجناد بحرمة سيد العباد ان تشدوا قلوبكم توكلا له لان
عوننا اسمه العظيم حرر في ثلاثة عشر فلوريال سنة تسعة موافقا لثمانية عشر ذي الحجة
سنة ألف ومائتين وخمسة عشر ممضي عبد الله جاك منو انتهى بالفاظه وحروفه
وفي سادس عشرينه أعادوا فرش الديوان بأمر الوكيل جيرار
وفيه أفرجوا عن محمد كاشف سليم الشعراوي بشفاعة حسين
كاشف وسافر الى جهة الصعيد
وفي ثامن عشرينه وردت الاخبار بوصول ركاب الوزير يوسف
باشا الى مدينة بلبيس وذلك يوم الجمعة رابع عشرينه
وفيه أخبر وكيل الديوان ان سارى عسكر ارسل كتابا الى
الست نفيسة بالتعزية ورتب لها في كل شهر مائة الف نصف وأربعين وانقضت هذه السنة
بحوادثها وما حصل فيها فمنها توالى الهدم والخراب وتغيير المعالم وتنويع المظالم
وعم الخراب خطة الحسينية خارج باب الفتوح والخروبي فهدموا تلك الاخطاط والجهات والحارات
والدروب والحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وبركة جناق وما بها من
الدور والقصور المزخرفة وجامع الجنبلاطية العظيم بباب النصر وما كان به من القباب
العظام المعقودة من الحجر المنحوت المربعة الاركان الشبيهة بالاهرام والمنارة
العظيمة ذات الهلالين واتصل هدم خارج باب النصر بخارج باب الفتوح وباب القوس الى
باب الحديد حتى بقي ذلك كله خرابا متصلا واحدا وبقي سور المدينة الاصلي ظاهرا مكشوفا
فعمروه ورموا ماتشعث منه وأوصلوا بعضه ببعض بالبناء ورفعوا بنيانه في العلو وعملوا
عند كل باب كرانك وبدنات عظاما وأبوابا داخلة وخارجه وأخشابا مغروسة بالارض مشبكة
بكيفيه مخصوصة وركزوا عند كل باب عدة من العسكر مقيمين وملازمين ليلا ونهارا ثم
سدوا باب الفتوح بالبناء وكذلك باب البرقية وباب المحروق وأنشؤا عدة قلاع فوق
التلال البرقية ورتبوا فيها العساكر وآلات الحرب والذخيرة وصهاريج الماء وذلك من
حد باب النصر الى باب الوزير وناحية الصوة طولا فمهدوا أعالي التلال وأصلحوا طرقها
وجعلوا لها مزالق وانحدارات لسهولة الصعود والهبوط بقياسات وتحريرات هندسية على
زوايا قائمة ومنفرجة وبنوا تلك القلاع بمقادير بين أبعادها وهدموا أبنية رأس الصوة
حيث الحطابة وباب الوزير تحت القلعة الكبيرة وما بذلك من المدارس القديمة المشيدة
والقباب المرتفعة وهدموا أعالي المدرسة النظامية ومنارتها وكانت في غاية من
الحسن وجعلوها قلعة ونبشوا ما بها من القبور فوجدوا
الموتى في توابيت من الخشب فظنوا داخلها دراهم فكسروا بعضها فوجدوا بها عظام
الموتى فأنزلوا تلك التوابيت وألقوها الى خارج فاجتمع أهل تلك الجهة وحملوها
وعملوا لها مشهدا بجمع من الناس ودفنوها داخل التكية المجاورة لباب المدرج وجعلوا
تلك المدرسة قلعة أيضا بعد أن هدموا منارتها أيضا وكذلك هدموا مدرسة القانبية والجامع
المعروف بالسبع سلاطين وجامع الجركسي وجامع خوند بركة الناصرية خارج باب البرقية
وكذلك أبنية باب القرافة ومدارسها ومساجدها وسدوا الباب وعملوا الجامع الناصري
الملاصق له قلعة بعد أن هدموا منارته وقبابه وسدوا أبواب الميدان من ناحية الرميلة
وناحية عرب اليسار وأوصلوا سهور باب القرافة بجامع الزمر وجعلوا ذلك الجامع قلعة
وكذلك عدة قلاع متصلة بالمجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة الكبيرة وسدوا عيونها
وبواكيها وجعلوها سورا بذاتها ولم يبقوا منها الا قوصرة واحدة من ناحية الطبي جهة
مصر القديمة جعلوها بابا ومسلكا وعليها الكرنك والغفر والعسكر الملازمين الاقامة
بها ولقبض المكس من الخارج والداخل وسدوا الجهة المسلوكة من ناحية قنطرة السد
بحاجز خشب مقفص وعليه باب يقفل مقفص أيضا وعليه حوسجية ملازمون القيام عليه وذلك
حيث سواقي المجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة وحفروا خلف ذلك خندقا
وأما ما أنشؤه وعمروه من الابراج والقلاع والحصون بناحية
ثغر الاسكندرية ورشيد ودمياط وبلاد الصعيد فشيء كثير جدا وذلك كله في زمن قليل
ومنها تخريب دور الازبكية وردم رصيفاتها بالاتربة وتبديل
اوضاعها وهدم خطة قنطرة الموسكي وما جاورها من أول القنطرة المقابلة للحمام الى
البوابة المعروفة بالعتبة الزرقاء حيث جامع أزبك وما كان في ضمن
ذلك من الدور والحوانيت والوكائل وكوم الشيخ سلامة فيسلك
المار من على القنطرة في رحبة متسعة تنتهي الى رحبة الجامع الازبكي وهدموا بيت
الصابونجي ووصلوه بجسر عريض ممتد ممهد حتى ينتهي الى قنطرة الدكة وفي متوسط ذلك
الجسر ينعطف جسر آخر الى جهة اليسار عند بيت الالفي حيث سكن سارى عسكر ممتد ذلك
الجسر الى قنطرة المغربي ومنها يمتد الى بولاق على خط مستقيم الى ساحل البحر حيث
موردة التبن والشون ووزعوا بحافتيه السيسبان والاشجار وكذلك برصيفات الازبكية
وهدموا المسجد المجاور لقنطرة الدكة مع ما جاوره من الابنية والغيطان وعملوا هناك
بوابة وكرنكا وعسكرا ملامين الاقامة والوقوف ليلا ونهارا وذلك عند مسكن بليار
قائمقام وهي دار جرجس الجوهري وما جاوره وكان في عزمهم ايصال ما انتهوا الىهدمه
بقنطرة الموسكي الى صور باب البرقية ويهدمون من حد حمام الموسكي حتى يتصل المهدوم بناحية
الاشرفية ثم الى خان الخليلي الى اسطبل الطارمة العروفة الآن بالشنواني الى ناحية
كفر الطماعين الى البرقية ويجعلون ذلك طريقا واحدا متسعا وبحافتيه الحوانيت
والخانات وبها أعمدة وأشجار وتكاعيب وتعاريش وبساتين من أولها الىآخرها من حد باب
البرقية الى بولاق فلما انتهوا في الهدم الى قنطرة الموسكي تركوا الهدم ونادوا
بالمهلة ثلاثة أشهر وشرعوا في أبنية حوائط بحافتي القنطرة ومعاطف ومزالق الى حارة
الافرنج وحارة النباقة وذلك بالحجر النحت المتقن الوضع وكذلك عمروا قناطر الخليج
المتهدمة داخل مصر وخارجها على ذلك الشكل مثل قنطرة السد والقنطرة التي بين أراضي الناصرية
وطريق مصر القديمة وقنطرة الليمون وقنطرة قدبدار وقنطرة الاوز وغير ذلك ثم فاجأهم
حادث الطاعون ووصول القادمين فتركوا ذلك واشتغلوا بأمور التحصين وسيأتي تتمة ذلك
ومنها توالي خراب بركة الفيل وخصوصا بيوت الامراء التي كانت بها وأخذوا أخشابها
لعمارة القلاع ووقود النيران والبيع
وكذلك ما كان بها من الرصاص والحديد والرخام وكانت هذه
البركة من جملة محاسن مصر وفيها يقول أبو سعيد الاندلسي وقد ذكر القاهرة وأعجبني
في ظاهرها بركة الفيل لانها دائرة كالبدر والمناظر فوقها كالنجوم وعادة السلطان أن
يركب فيها بالليل ويسرج أصحاب المناظر على قدر هممهم وقدرتهم فيكون بذلك لها منظر
عجيب
وتخرب ايضا جامع الرويعي وجعلوه خمارة وبعض جامع عثمان كتخدا
القزد علي الذي بالقرب من رصيف الخشاب وجامع خير بك حديد الذي بدرب الحمام بقرب
بركة الفيل وجامع البنهاوي والطرطوشي والعدوى وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا
المقابل لباب الفتوح حتى لم يبق به الا بعض الجدران وجعلوا جامع أزبك سوقا لبيع
أقلام المكوس
ومنها أنهم غيروا معالم المقياس وبدلوا أوضاعه وهدموا
قبته العالية والقصر البديع الشاهق والقاعة التي بها عامود المقياس وبنوها على شكل
آخر لا بأس به لكنه لم يتم وهي على ذلك باقية الى الآن ورفعوا قاعدة العامود
العليا ذراعا وجعلوا تلك الزيادة من قطعة رخام مربعة ورسموا عليها من جهاتها
الاربع قراريط الذراع
ومنها انهم هدموا مساطب الحوانيت التي بالشوارع ورفعوا
أحجارها مظهرين ان القصد بذلك توسيع الازقة لمرور العربات الكبيرة التي ينقلون
عليها المتاع واحتياجات البناء من الاحجار والجبس والجير وغيره والمعنى الخفي
الشافي خوفا من التترس بها عند حدوث الفتن كما تقدم وكانوا وصلوا في هدم المساطب
الى باب زويلة ومن الجهة الاخرى الى عطفه مرجوش فهدموا مساطب خط قناطر السباع والصليبة
ودرب الجماميز وباب سعادة وباب الخرق الى آخر باب الشعرية ولو طال الحال لهدموا
مساطب العقادين والغورية والصاغة والنحاسين الى آخر باب النصر وباب الفتوح فحصل
لارباب الحوانيت غاية الضيق لذلك وصاروا يجلسون في داخل فجوات الحوانيت مثل
الفيران في الشقوق وبعض الزوايا والجوامع
والرباع التي درجها خارج عن سمت حائط البناء لما هدموا
درجة وبسطته بقي باب مدخله معلقا فكانوا يتوصدون اليه بدرج من الخشب مصنوع يضعونه
وقت الحاجة ويرفعونه بعدها وذلك عمل كثير
ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو
انه لما حضر الفرنسيس الى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع
نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على
مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات الصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا
عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت اليهم نفوس
أهل الاهواء من النساء الاسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الاموال
لهن وكان ذلك التداخل اولا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في اخفائه فلما وقعت
الفتنة الاخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا
ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على
طريقتهن في كامل الاحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك
المأسورات غيرهم من النساء الفواجر ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب
الاموال واجتماع الخيرات في حور الفرنسيس ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء
وخضوعهن له وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته او ضربته بتاسومتها فطرحن
الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس
الى الشهوات وخصوصا عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الاعيان وتزوجوهن رغبة في
سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة العهد الاسلام وينطق بالشهادتين لانه ليس له عقيدة
يخشى فسادها وصار مع حكام الاخطاط منهم النساء المسلمات متزيبات بريهم ومشوا معهم
في الاخطاط للنظر في أمور الرعية والاحكام العادية والامر والنهي والمناداة
وتمشي المرأة بنفسها او معها بعض أترابها واضيافها على
مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل مايمر
الحاكم ويأمرن وينهين في الاحكام
ومنها انه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء الى الخليج
وجرت في السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في
المراكب والمرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة
وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب وملاحو السفن
يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المقاديف بسخيف موضوعاتهم
وكتائف مطبوعاتهم وخصوصا اذا دبت الحشيشة في رؤسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون
ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد
كلامهم شيء كثير
وأما الجواري السود فانهن لما علمن رغبة القوم في مطلق
الانثى ذهن اليهم أفواجا فرادى وأواجا فنططن الحيطان وتسلقن اليهم من الطيقان
ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك
ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه
سارى عسكر القبطة جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية
مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة وعليه قطعة فروة سوداء
من جلد الغنم في غاية البشاعة مع ما يضاف اليها من قبح صورهم وسواد أجسامهم وزفارة
أبدانهم وصيرهم عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الاماكن المجاورة لحارة النصارى
التي هو ساكن بها خلف الجامع الاحمر وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وابراج وباب
كبير يحيط به بدنات عظام وكذلك بنى ابراجا في ظاهر الحارة جهة بركة الازبكية وفي
جميع السور المحيط والابراج طيقانا للمدافع وبنادق الرصاص على هيئة سور مصر الذي
رمه
الفرنساوية ورتب على باب القلعة الخارج والداخل عدة من
العسكر الملازمين للوقوف ليلا ونهارا وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية ومنها
قطعهم الاشجار والنخيل من جميع البساتين والجنائن الكائنة بمصر وبولاق ومصر
القديمة والروضة وجهة قصر العيني وخارج الحسينية وبساتين بركة الرطلي وأرض الطبالة
وبساتين الخليج بل وجميع القطر المصري كالشرقية والغربية والمنوفية ورشيد ودمياط
كل ذلك لاحتياجات عمل القلاع وتحصين الاسوار في جميع الجهات وعمل العجل والعربات والمتاريس
ووقود النار وكذلك المراكب والسفن وأخذ أخشابها أيضا مع شدة الاحتياج اليها وعدم
انشاء الناس سفنا جديدة لفقرهم وعدم الخشب والزفت والقار والحديد وباقي اللوازم
حتى انهم حال حلولهم الديار المصرية وسكنهم بالازبكية كسروا جميع القنج
والاغربةالتي كانت موجودة تحت الاعيان بقصد التنزه وكذلك ما كان ببركة الفيل وبسبب
ذلك شحت البضائع وغلت الاسعار وتعطلت الاسباب وضاقت المعايش وتضاعفت أجر حمل
التجارات في السفن لقلتها
ومنها هدم القباب والمدافن الكائنة بالقرافة تحت القلعة
خوفا من تترس المحاربين بها فكانوا يهدمون ذلك بالبارود على طريقة اللغم فيسقط
المكان بجميع اجزائه من قوة البارود وانحباسه في الارض فيسمع له صوت عظيم ودوي فهدموا
شيئا كثيرا على هذه الصورة وكذلك ازالوا جانبا كبيرا من الجبل المقطم بالبارود من
الجهة المحاذية للقلعة خوفا من تمكن الخصم منها والرمي على القلعة
ومنها زيادة النيل المفرطة التي لم يعهد مثلها في هذه السنين
حتى غرقت الاراضي وحوصرت البلاد وتعطلت الطرق فصارت الارض كلها لجة ماء وغرق غالب
البلاد التي على السواحل فتهدم من دورها شيء كثير وأما المدينة فإن الماء جرى من
جهة الناصرية الى الطريق المسلوكة وطفح من بركة الفيل الى درب الشمسي وطريق قنطرة
عمر شاه
ومنها استمرار انقطاع الطرق واسباب المتاجر وغلو البضائع
المجلوبة من البلاد الرومية والشامية والهندية والحجازية والمغرب حتى غلت اسعار
جميع الاصناف وانتهى سعر كل شيء الى عشرة امثاله وزيادة على ذلك فبلغ الرطل
الصابون الى ثمانين نصفا واللوزة الواحدة بنصفين وقس على ذلك وأما الاشياء البلدية
فانها كثيرة موجودة وغالبها يباع رخيصا مثل السمن والعسل النحل والارز والغلال
وخصوصا الارز فانه بيع في ايامهم بخمسمائة نصف فضة الاردب وكانت النصارى باعة العسل
النحل يطوفون به في بلاليص محملة على الحمير ينادون عليه في الازقة بأرخص الاثمان
ومنها وقوع الطاعون بمصر والشام وكان معظم عمله ببلاد الصعيد
أخبرني صاحبنا العلامة الشيخ حسن المعروف بالعطار المصري نزيل اسيوط مكاتبة ونصه
ونعرفكم يا سيدي انه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم تسمع بمثله وخصوصا ما
وقع منه باسيوط وقد انتشر هذا البلاء في جميع البلاد شرقاوغربا وشاهدنا منه العجائب
في أطواره وأحواله وذلك أنه اباد معظم اهل البلاد وكان اكثره في الرجال سيما
الشبان والعظماء وكل ذي منقبة وفضيلة واغلقت الاسواق وعزت الاكفان وصار المعظم من
الناس بين ميت ومشيع ومريض وعائد حتى ان الانسان لا يدري بموت صاحبه أو قريبه الا
بعد ايام ويتعطل الميت في بيته من أجل تجهيزه فلا يوجد النعش ولا المغسل ولا من
يحمل الميت الا بعد المشقة الشديدة وان اكبر كبير اذا مات لا يكاد يمشي معه مازاد
على عشرة انفار تكترى وماتت العلماء والقراء والملتزمون والرؤساء وأرباب الحرف ولقد
مكثت شهرا بدون حلق رأسي لعدم الحلاق وكان مبدأ هذا الامر من شعبان وأخذ في
الزيادة في شهر ذي القعدة والحجة حتى بلغ النهاية القصوى فكان يموت كل يوم من
اسيوط خاصة زيادة على الستمائة وصار الانسان اذا خرج من بيته لا يرى الا جنازة أو
مريضا
أو مشتغلا بتجهيز ميت ولا يسمع الا نائحة او باكية
وتعطلت المساجد من الاذان والامامة لموت أرباب الوظائف واشتغال من بقى منهم بالمشي
اما الجنائز والسبح والسهر وتعطيل الزرع من الحصاد ونشف على وجه الارض وأبادته
الرياح لعدم وجدان من يحصده وعلى التخمين أنه مات الثلثان من الناس هذا مع سعي
العرب في البلاد بالفساد والتخويف بسبب خلو البلاد من الناس والحكام الى أن قال
ولو شئت ان اشرح لك يا سيدي ما حصل من أمر الطاعون لملأت الصحف مع عدم الايفاء
وتاريخه ثامن عشرين الحجة سنة تاريخه
من مات في هذه السنة من الاعيان مات الامام الالمعي
والذكي اللوذعي من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف العمدة العلامة
والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم
الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري وهو أحد الاخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف هو
بالصغير ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف وقرأ
عليه وعلى أخيه الاكبر الشيخ أحمد ابن احمد وعلي الشيخ خليل المغربي والشيخ محمد
الفرماوي وغيرهم من فضلاء الوقت وأجازه الشيخ محمد الملوي بما في فهرسته وحضر دروس
الشيخ عطية الاجهوري في الاصول والفقه وغير ذلك فلازمه وبه تخرج في الالقاء وحضر
الشيخ علي الصعيدي والبراوي وتلقى عن الشيخ الوالد حسن الجبرتي كثيرا من العلوم
ولازم التردد عليه والاخذ منه مع الجماعة ومنفردا وكان يحبه ويميل اليه ويقبل
بكليته عليه وحج مع والده في سنة ثمان وستين وجاور معه فاجتمع بالشيخ السيد عبد الله
الميرغني صاحب الطائف واقتبس من أنواره واجتنى من ثماره وكان آية في الفهم والذكاء
والغوص والاقتدار على حل المشكلات وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالاشرفية وأظهر
التعفف والانجماع عن خلطة الناس
والذهاب والترداد الى بيوت الاعيان والتزهد عما بأيديهم
فأحبه الناس وصار له أتباع ومحبون وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده
واقبال الناس عليه ومدحتهم له وترغيبهم في زيادته وتزوج ببنت الخواجا الكريمي وسكن
بدارها المجاورة لبيت والده بالازبكية واتخذ له مكانا خاصا بمنزل والده يجلس فيه
في اوقات وكل من حضر عند أبيه في حال انقطاعه من الاكابر أو من غيرهم للزيارة أو
للتلقي يأمره بزيارة ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه ويحكى لهم عنه مزايا
وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات فازداد اعتقاد الناس فيه وعاشر العلماء
والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه وتردد عليهم وترددوا عليه ويبيتون عنده
ويطمعهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال ومجانبة الامور
المخلة بالمروأة ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في اقراء
الدروس اجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في اقراء الدروس في الازهر والمشهد
الحسيني في رمضان فامتنع من ذلك وواظب على حالة انجماعه وطريقته واملائه الدروس
بالاشرفية وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف وجاور سنة وعقد دروسا بالحرم وانتفع
به الطلبة ثم عاد الى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الاوقات
فعظمت رغبة الناس فيه ورد هداباهم مرة بعد أخرى وأظهر الغني عنهم فازداد ميل الناس
اليه وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده وتردد الامراء وسعوا لزيارته أفواجا وربما
احتجب عن ملاقاتهم وقلد بعضهم بعضا في السعي ولم يعهد عليه أنه دخل بيت امير قط أو
أكل من طعام أحد قط الا بعض أشياخه المتقدمين وكانت شفاعته لا ترد عند الامراء
والاعيان مع الشكيمة والصدع بالامر والمناصحة في وجوههم اذا أتوا اليه وازدادت
شهرته وطار صيته ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم وقصدوا
زيارته والتبرك به وحج ايضا في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء
مصر فسافر بأهله وعياله وقصد المجاورة فجاور سنة واقرأ
هناك دروسا واشترى كتبا نفيسة ثم عاد الى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه
عن الناس بل بالغ في ذلك ويقرىء ويملي الدروس بالاشرفية وأحيانا بروايتهم بدرب شمس
الدولة وأحيانا بمنزله بالازبكية ولما توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولىمشيخة
الازهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي باتفاق الامراء والمتصدرين من الفقهاء
وهاجت حفائظ الشافعية ذهبوا اليه وطلبوه للمشيخة فأبى ذلك ووعدهم بالقيام لنصرتهم
وتولية من يريدونه فأجتمعوا ببيت الشيخ البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك
وأرسلوا الى الامراء فلم يوافقوا على ذلك فركب المترجم بصحبة الجمع الى ضريح
الامام الشافعي ولم يزل حتى نقض ما أبرمه العلماء والامراء ورد المشيخة الى الشافعية
وتولى الشيخ أحمد العمروسي وتم له الامر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي ولما توفي
الشيخ احمد العروسي كان المترجم غائبا عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي فأهمل
الامر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله الشرقاوي باشارته ولم يزل وافر الحرمة معتقدا
عند الخاص والعام حتى حضر الفرنساوية واختلت الامور وشارك الناس في تلقي البلاء
وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم
والامراض وحصل له اختلاط ولم يزل حتى توفي يوم الاحد حادي عشرين شهر القعدة سنة
تاريخه بحارة برجوان وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند والده وأخيه بزاوية
القادرية بدرب شمس الدولة وبالجملة فكان من محاسن مصر والفريد في العصر ذهنه وقاد ونظمه
مستجاد وكان رقيق الطبع لطيف الذات مترفها في مأكله وملبسه
ومات الاجل الامثل العمدة الوجيه السيد عبد الفتاح بن
أحمد ابن الحسن الجوهري أخو المترجم المذكور وهو أسن منه واصغر من اخيه الشيخ احمد
ولد سنة احدى واربعين ومائة والف ونشأ في حجر ابيه
وحضر الشيخ الملوي وبعض دروس ابيه وغيره ولم يكن معتنيا
بالعلم ولم يلبس زي الفقهاء وكان يعاني التجارة ويشارك ويضارب ويحاسب ويكاتب فلما
توفي اخوه الاكبر الشيخ أحمد وامتنع اخوه الاصغر الشيخ محمد من التصدر للاقراء في
محله اتفق الحال على تقدم المترجم حفظا للناموس وبقاء لصورة العلم الموروث فعند
ذلك تزيابزي الفقهاء ولبس التا والفراجة الواسعة واقبل على مطالعة العلم وخالط
أهله وصار يطالع ويذاكر وأقرأ دروس الحديث بالمشهد الحسيني في رمضان مع قلة بضاعته
وذلك بمعونة الشيخ مصطفى بن الشيخ محمد الفرماوي فكان يطالع الدرس الذي يمليه من الغد
ويتلقى عنه مناقشات الطلبة وثبت على ذلك حتى ثبتت المشيخة وتقررت العالمية كل ذلك
مع معاناته التجارة وتردد الى الحرمين واثرى واقتن كتبا نفيسة وعروضا وحشما واشترى
المماليك والعبيد والجواري والاملاك والالتزام ولم يزل حتى حصلت حوادث الفرنساوية
وصادروه وأخذوا منه خمسة عشر الف فرانسة وداخله من ذلك كرب وانفعال زائد فسافر الى
بلدة جارية في التزامه يقال لها كوم النجار فأقام بها أشهرا ثم ذهب الى شيبين
الكوم بلدة أقاربه وأقام بها الى ان مات في هذه السنة وذلك بعد وفاة أخيه الشيخ
محمد بنحو خمسة ايام ودفن هناك رحمه الله تعالى
ومات الامام العلامة الثقة الهمام النحرير الذي ليس له
في فضله نظير أبو محمد أحمد بن سلامة الشافعي المعروف بأبي سلامة اشتغل بالعلم
وحضر العلوم النقلية والنحوية والمنطقية وتفقه على كثير من علماء الطبقة الاولى
كالشيخ علي قايتباي والحفني والبراوي والملوي وغيرهم وتبحر في الاصول والفروع وكان
مستحضرا للفروع الفقهية والمسائل الغامضة في المذاهب الاربع ويغوص بذهنه وقياسه في
الاصول الغريبة ومطالعة كتب الاصول القديمة التي اهملها المتأخرون وكان الفضلاء
يرجعون في ذلك اليه ويعتمدون قوله ويعولون في الدقائق عله الا ان الدهر لم يصافه
على
عادته وعاش في خمول وضيق وخشونة ملبس وفقد رفاهية بحيث
ان من يراه لا يعرف لرثائه ثيابه وكان مهذبا حسن المعاشرة جميل الخلق والنادرة
مطبوعا فيه صلاح وتواضع ونزل مؤقتا في مسجد عبد الرحمن كتخدا الذي أنشأه تجاه باب الفتوح
بمعلوم قدره ثمانية انصاف يتعيش بها مع ما برد عليه من بعض الفقهاء والعامة الذين
يحتاجون اليه في مراجعة المسائل والفتاوي فلما خرب المسجد المذكور في حادثة
الفرنسيس وجهات اوقافه انقطع عنه ذلك المعلوم وكان ذا عائلة ومع ذلك لا يسأل شيأ
ولا يظهر فاقة توفي في يوم الاحد حادي عشرين جمادى الآخرة من السنة عن خمس وسبعين
سنة تقريبا رحمه الله
ومات الامير مراد بك محمد مات بسهاج قادما الى مصر
باستدعاء الفرنسيس ودفن بها عند الشيخ العارف وكان موته رابع شهر الحجة كما تقدم
وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ومحمد بك مملوك علي بك وعلي بك مملوك ابراهيم
كتخدا الفازدغلي اشترى محمد بك مراد بك المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف
وذلك في اليوم الذي قتل فيه صالح بك الكبير فاقام في الرق أياما قليل أعقه وأمره وأنعم
عليه بالاقطاعات الجليلة وقدمه على أقرانه وتزوج بالست فاطمة زوجة الامير صالح بك
وسكن داره العظيمة بخط الكبش
ولما مات علي بك تزوج بسريته ايضا وهي ألست نفيسة
الشهيرة الذكر بالخير ولما انفرد محمد بك بأمارة مصر كان هو وابراهيم بك اكبر
امرائه المشار اليهما دون غيرهما فلما سافر محمد بك الى الديار الشامية محاربا
للظاهر عمر أقام عوضه في امارة مصر ابراهيم بك وأخذ صحبته مراد بك وباقي أمرائه
فلما مات محمد بك بعكا اجتمع أمراؤه على رأى مماليكه في رآسه مراد بك فتقدم وقدمه
عليهم وحملوا جثة سيدهم وحضروا بأجمعهم الى مصر فاتفق راي الجميع على امارة من
استخلفه سيدهم وقدمه دون غيره وهو ابراهيم بك ورضى الجميع بتقدمه ورياسته
لوفور عقله وسكون جاشه فاستقر بمشيخة مصر ورياستها ونائب
نوابها ووزرائها وعكف مراد بك علي لذاته وشهواته وقضى أكثر زمانه خارج المدينة مرة
بقصره الذي أنشأه بالروضة وأخرى بجزيرة الذهب وأخرى بقصر قايماز جهة العادلية كل
ذلك مع مشاركته لابراهيم بك في الاحكام والنقض والإبرام والايراد والاصدار ومقاسمة
الاموال والدواوين وتقليد مماليكه وأتباعه الولايات والمناصب واخذ في بذل الاموال
وانفاقها على امرائه وأتباعه فانضم اليه بعض امراء على بك وغيرهم ممن مات أسيادهم
كعلي بك المعروف بالملط وسليمان بك الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان فأكرمهم وواساهم
ورخص لمماليكه في هفواتهم وسامحهم في زلاتهم وحظى عنه كل جريء غشوم عسوف ذميم ظلوم
فانقلبت أوضاعهم وتبدلت طباعهم وشرهت نفوسهم وعلت رؤسهم فتناظروا وتفاخروا وطمعوا
في أستاذهم وشمخت آنافهم عليه وأغاروا حتى على ما في يده واشتهر بالكرم والعطاء
فقصده الراغبون وامتدحه الشعراء والغاوون وأخذا الشيء من غير حقه واعطاه لغير مستحقه
ثم لما ضاف عليه المسالك ورأى أن رضا العالم غاية لا
تدرك أخذ يتحجب عن الناس فعظم فيه الهاجس والوسواس وكان يغلب على طبعه الخوف
والجبن مع التهور والطيش والتورط في الاقدام مع عدم الشجاعة ولم يعهد اليه انه انتصر
في حرب باشرها أبدا علىما فيه من الادعاء والغرور والكبر والخيلاء والصلف والظلم
والجور
ولما قدم حسن باشا الى مصر وخرج المترجم مع خشداشينه
وعشيرته هاربين الى الصعيد حتى انقضت ايام حسن باشا واسمعيل بك ومن كان معه ورجعوا
ثانيا بعد أربع سنين وشيء من الشهور من غير عقد ولا حرب تعاظم في نفسه جدا واختص
بمساكن اسمعيل بك وجعل اقامته بقصر الجيزة وزاد في بنائه وتنميقه وبنى تحته رصيفا
محكما وأنشأ بداخله بستانا عظيما نقل اليه أصناف النخيل والاشجار والكروم واستخلص
غالب بلاد اقليم الجيزة لنفسه شراء ومعاوضة وغصبا وعمر
ايضا قصر جزيرة الذهب وجعل بها بستانا عظيما وكذلك قصر ترسا وبستان المجنون وصار
يتنقل في تلك القصور والبساتين ويركب للصيد في غالب أوقاته واقتنى المواشي من
الابقار والجواميس الحلابة والاغنام المختلفة الاجناس فكان عنده بالجيزة من ذلك
شيء كثير جدا وعمل له ترسخانة عظيمة وطلب صناع آلات الحر ب من المدافع والقنابر
والبنب والجلل والمكاحل واتخذ بها ايضا معامل البارود خلاف المعامل التي في البلد وأخذ
جميع الحدادين والسباكين والنجارين فجمع الحديد المجلوب والرصاص والفحم الحطب حتى
شحت جميع هذه الادوات لكونه كان يأخذ كل ما وجده منها وكذلك حطب القرطم والترمس
والذرة لحرق قمام الجير والجبس للعمارة وأوقف الاعوان في كل جهة يحجزون المراكب
التي تأتي من البلاد بالاحطاب يأخذونها ويجمعونها للطلب ويبيعون لانفسهم ما أحبوا
ويأخذون الجعالات على ما يسمحون به أو يطلقونه لاربابه بالوسائط والشفاعات واحضر
أناسا من القليونجية ونصارى الاروام وصناع المراكب فانشؤا له عدة حربية وغلايين
وجعلوا بها مدافع وآلات حرب على هيئة مراكب الروم صرف عليها أموالا عظيمة ورتب بها
عساكر وبحرية وأدر عليهم الجماكي والارزاق الكثيرة وجعل عليهم رئيسا كبيرا رجلا
نصرانيا وهو الذي يقال له نقولا بنى له دارا عظيمة بالجيزة وأخرى بمصر وله عزوة
وأتباع من نصارى الأروام المرتبين عسكرا وكان نقولا المذكور يركب الخيل ويلبس
الملابس الفاخرة ويمشي في شوارع مصر راكبا وامامه وخلفه قواسة يوسعون له الطريق في
مروره على هيئة ركوب الامراء كل ذلك خطرات من وساوسه لا يدري أحد لاي شيء هذا
الاهتمام ولأي حاجة انفاق هذا المال في الخشب والحديد واعطاؤه لنصارى الاروام
واختلفت آراء الناس في ذلك فمن قائل ان ذلك خوفا من خشداشينه وقائل من مخافة
العثمانية كما تقدم في قضية حسن باشا والبعض يظن خلاف ذلك
وليس غير الوهم والتخيل الفاسد والخوف شيء وبقيت آلات
الحرب جميعها والبارود بحواصله والجلل والبنيات حتى أخذ جميعه الفرنسيس فيقال انه
كان بحواصل الترسخانة من جنس الجلل احد عشر ألف جلة كذا نقل عن معلم الترسخانة أخذ
جميع ذلك الفرنسيس يوم استيلائهم على الجيزة والقصر
ومما اتفق انه وقعت مشاجرة في بعض نصارى الاروام
القليونجية وبعض السوقة بمصر القديمة فتعصب النصارى على أهل البلد وحاربوهم وقتلوا
منهم نيفا وعشرين رجلا وانتهت الشكوى الى الامير فطلب كبيرهم فعصى عليه وامتنع من
مقابلته وعمر مدافع المراكب ووجهها جهة قصره فلم يسعه الا التغافل وراحت على من
راح واستوزر رجلا بربريا وهو المسمى بابراهيم كتخدا السنارى وجعله كتخداه ومشيره
وبلغ من العظمة ونفوذ الكلمة باقليم مصر ما لم يبلغه أعظم أمير بها وبنى له دارا
بالناصرية واقتنى المماليك الحسان والسرارى البيض والحبوش والخدم وتعلم اللغة
التركية والاوضاع الشيطانية واختص ذلك السنارى أيضا ببعض رعاع الناس وجعله كتخدا يأتمر
بأمره ويتوصل به أعاظم الناس في قضاء أشغالهم ولما حصل لمراد بك الاقامة بالجيزة
واختار السكن بها وزين له شيطانه العزلة عن خشداشينه وأقرانه وترك لابراهيم بك أمر
الاحكام والدواوين ومقتضيات نواب السلطنة العثمانية مع كونه لا ينفذ أمرا دون رأيه
ومشورته واحتجب هو عن الاجتماع بالناس بالكلية حتى عن الامراء الكبار من أقرانه
كان السفير وبينهم وبينهم ابراهيم كتخدا المذكور فكان هو عبارة عنه وربما نقض
القضايا التي انبرم أمرها عند ابراهيم بك أو غيره بنفسه او عن لسان مخدومه وأقام
المترجم على عزلته بالبر الغربي نحو الست سنوات متوالية لايعدى الى البر الشرقي
أبدا ولا يحضر الديوان ولا يتردد الى الاقران واذا حضر الباشا المولى على مصر ووصل
الى بر انبابة ركب وسلم عليه مع الامراء ورجع الى قصره
فلا يراه بعد ذلك ابدا وتعاظم في نفسه وتكبر على اقرانه
وأبناء جنسه فتزاحمت على سدته الطلاب وتكالبت على جيفته الكلاب فانزوى من نبشهم
وتوارى من نهشهم فاذا بلغه قدوم من يختشيه أو وصول من يرتجيه وكان يستحي من رده او
يخشى عاقبة صده ركب في الحال وصعد الى الجبال وربما وصلة الغريم على غفلة فيجده قد
شمع الفتلة فان صادفه واجتمع عليه اعطاه ما في يديه أو وعده بالخير أو وهبه ملك
الغير فما يشعر الميسور الا ولقمته قد اختطفتها النسور
ثم أخذ يعبث بدواوين الاعشار والمكوسات والبهار فيحول
عليهم الحوالات ويتابع لمماليكه ختم الوصولات فتجاذب هو وابراهيم بك ذلك الايراد
وتعارضت أوراقهما وخافا في المعتاد ثم اصطلحا على أن تكون له الدواوين البحرية
ولقسيمه ما يرد من الاصناف الحجازية وما انضاف الى قلم البهار وحسب في دفاتر
التجار فانفرد كل منهما بوظيفته وفعل بها من الاجحاف ما سطر في صحيفته فاحدث
المترجم ديوانا خاصا بنفر رشيد على الغلال التي تحمل الى بلاد الافرنج وسموه ديوان
البدعة وأذن ببيع الغلال لمن يحملها الى بلاد الافرنج أو غيرها وجعل على كل اردب
دينارا خلاف البراني والتزم بذلك رجل سراج من أعوانه الموصوفين بالجور وسكن برشيد
وبقيت له بها وجاهة وكلمة نافذة فجمع من ذلك اموالا وايرادا عظيما وكانت هذه
البدعة السيئة من أعظم اسباب قوة الفرنسيس وطمعهم في الاقليم المصري مع ما أضيف الى
ذلك من أخذ أموالهم ونهب تجاراتهم وبضاعاتهم من غير ثمن واقتدى به أمراؤه وتناظروا
في ذلك وفعل كل منهم ما وصلت اليه همته واستخرجته فطنته واختص بالسيد محمد كريم
الاسكندري ورفع شأنه بين أقرانه فمهد له الامور بالثغر به وأجرى أحكامه به وفتح له
باب المصادرات والغرامات ودله على مخبآت الامور وأخذ أموال التجار من المسلمين
وأجناس الافرنج حتى تجسمت العداوة بين المصريين والفرنسيس وكان
هو من اعظم الاسباب في تملك الفرنسيس للثغر كما ذكر ذلك
في قتلته وذلك انه لما خرجت من مراكب الفرنساوية وعمارتهم لا يدري احد لاي جهة
يقصدون تبعهم طائفة الانكليز الى الاسكندرية فلم يجدوهم وكانوا ذهبوا اولا الى جهة
مالطه فوقف الانكليز قبالة الاسكندرية وأرسلوا قاصدهم الى الثغر يسالون عن خبر
الفرنساوية فردهم المذكور ردا عنيفا فاخبروه الخبر على جليته وانهم اخصامهم وعلموا
بخروجهم فاقتفوا أثرهم ونريد منكم أن تعطونا الماء والزاد بثمنه ونقف لهم على ظهر البحر
فلا نمكنهم من العبور الى ثغركم فلم يقبل منهم ولم يأذن في تزويدهم فذهبوا ليتزدوا
من بعض الثغور فما هو الا أن غابوا في البحر نحو الاربعة أيام الا والفرنسيس قد
حضروا وكان ما كان
ومما سولت به نفس المترجم بارشاد بعض الفقهاء عمارة جامع
عمرو ابن العاص وهو الجامع العتيق وذلك انه لما خرب هذا الجامع بخراب مدينة
الفسطاط وبقيت تلالا وكيمانا وخصوصا ما قرب من ذلك الجامع ولم يبق بها بعض العمار
الا ما كان من الاماكن التي على ساحل النيل وخربت في دولة القزدغلية وأيام حسن
باشا لما سكنتها عساكره ولم يبق بساحل النيل الا بعض أماكن جهة دار النحاس وفم
الخليج يسكنها اتباع الامراء ونصارى المكوس وبها بعض مساجد صغار يصلى بها
السواحلية والنواتية وسكان تلك الخطة من القهوجية والباعة والجامع العتيق لا يصل
اليه أحد لبعده وحصوله بين الاتربة والكيمان وكان فيما أدركنا الناس يصلون به آخر
جمعة في رمضان فتجتمع به الناس على سبيل التسلي من القاهرة ومصر وبولاق وبعض الامراء
ايضا والاعيان ويجتمع بصحبته أرباب الملاهي من الحواة والقراداتية وأهل الملاعيب
والنساء الراقصات المعروفات بالغوازي فبطل ذلك ايضا من نحو ثلاثين سنة لهدمه وخراب
ماحوله وسقوط سقفه واعمدته وميل شقته اليمنى بل وسقوطها بعد ذلك فحسن ببال المترجم
هذه وتجديده بارشاد بعض
الفقهاء ليرقع به دينه الخلق فاهتم لذلك وقيد به نديمه
الحاج قاسم المعروف بالمصلي فجعله مباشرا على عمارته وصرف عليه اموالا عظيمة أخذها
من غير حلها ووضعها في غير محلها وأقام أركانه وشيد بنيانه نصب اعمدته وكمل زخرفته
وبني به منارتين وجدد جميع سقفه بالخشب النقي وبيضه جميعه فتم على أحسن ما يكون
وفرشه بالحصر الفيومي وعلق به القناديل وحصلت به الجمعية آخر جمعة برمضان سنة
اثنتي عشرة ومائتين والف فحضر الامراء والاعيان والمشايخ واكبر الناس وعامتهم وبعد
انقضاء الصلاة عقد له الشيخ عبد الله الشرقاوي مجلسا وأملى حديث من بني لله مسجدا
وآية انما يعمر مساجد الله وعند فراغه ألبس فروة من السمور وكذلك الخطيب فلما حضرت
الفرنساوية في العام القابل جرى عليه ما جرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذ
أخشابه حتى اصبح بلقعا أشوه مما كان فياليتها لم تتصدق وبالجملة فمناقب المترجم لا
تحصى وأوصافه لا تستقصى وهو كان من أعظم الاسباب في خراب الاقليم المصري بما تجدد
منه ومن مماليكه واتباعه من الجور والتهور ومسامحته لهم فلعل الهم يزول بزواله
ومات الامير حسن بك الجداوي مملوك علي بك وهو من خشداشين
محمد بك أبي الذهب مات بغزة بالطاعون وكان من الشجعان الموصوفين والابطال
المعروفين ولما انفرد علي بك بمملكة مصر ولاه امارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك
سنة اربع وثمانين ومائة والف وابتلى فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته ولذلك
خير يطول شرحه ولما حصلت الوحشة بين اسمعيل بك والمحمديين كان المترجم ممن نافق
معه وعضده هو وخشداشينه رضوان بك وعبد الرحمن بك وكانت لهم الغلبة ونما أمره عند
ذلك وظهر شأنه بعد ان كان خمل ذكره وهو الذي تجاسر على قتل يوسف بك في بيته بين
مماليكه وعزوته ثم خامر على اسمعيل بك وانقلب مع المحمديين عندما خرج لمحاربتهم
بالصعيد فخادعوه وراسلوه
وانضم اليهم بمن معه ورجعوا الى مصر وفر اسمعيل بك بمن
معه الى الشام واستقر هو وخداشينه في مملكة مصر مشاركين لهم مظهرين عليهم الشمم
طامعين في خلوص الامر لهم متوقعين بهم الفرصة مع التهور الموجب لتحذر الآخرين منهم
الى ان استعجلوا اشعال نار الحرب فجرى ما جرى بينهم من الحروب والمحاصرة بالمدينة
وانجلت عن خذلانهم وهزيمتهم وظهور المحمديين عليهم وقتل بها عدة من أعيانهم
ومواليهم ومن انضم اليهم وربما عوقب من لا جناية له كما سطر ذلك في محله وفر
المترجم مع بعض من بقى من عشيرته الى القليونجية فقبض عليه وأتى به اتى مصر ففر
الى بولاق بمفرده والتجأ الى بيت الشيخ الدمنهوري فأحاط به العساكر فنط من سطح
الدار وخلص الى الزقاق وسيفه مشهور في يده فصادف جنديا فقتله وأخذ فرسه فركبه وفر
والعساكر خلفه تريد أخذه وتتلاحق به من كل جهة وهو يراوغهم ويقاتلهم حتى خلص الى
بيت ابراهيم بك فأمنه واتفقوا على ارساله الى جدة فلما أقلع به في القلزم أمر رئيس
المركب ان يذهب به الى القصير وخوفه القتل ان لم يفعل فذهب به الى القصير فتوجه
منها الى اسنا وعلمت به عشيرته وخشداشينه ومماليكه فتلاقوا به واستقر أمرهم بها بعد
وقائع يطول شرحها فأقام نيفا وعشر سنين حتى رجع اليهم اسمعيل بك بعد غيبته الطويلة
وانضم اليهم واصطلح معهم الى أن كان ما كان من وصول حسن باشا الى الديار المصرية
واخراج المحمديين وادخاله للمذكور مع اسمعيل بك ورضوان بك واتباعهم وتأميرهم بمصر
واستقرارهم بها بعد رجوع حسن باشا الى بلاده ووقوع الطاعون الذي مات به اسمعيل بك
ورضوان بك وغيرهم من الامراء فاستقل بمن بقي من الامراء وفعل معهم من التهور
والحمق الشر ما أوجب لهم بغض النعيم والحياة معه وخامر عليه من كان يأمن اليه فلم
يسعه ومن معه الا الفرار ورضى ذاك لنفسه بالذل والعار ودخلت المحمديون الى مصر
المحميةواستقر هو كما
كان بالجهة القبلي فأقام على ذلك سبع سنين وبعض أشهر الى
ان وقعت حادثة الفرنسيس واستولوا على الاقليم المصري وحضرت العساكر بصحبة الوزير
يوسف باشا ووقع ما وقع من الصلح ونقضه وانحصر المترجم مع من انحصر بالمدينة من المصرلية
والعثمانية فقاتل وجاهد وأبلى بلاء حسنا شهد له بالشجاعة والاقدام كل من العثمانية
والفرنساوية والمصرلية فلما انفصل الامر وخرجوا الى الجهة الشامية لم يزل محرصا
ومرابطا ومجتهدا حتى مات بالطاعون في هذه السنة وفاز بالشهادتين وقدم على كريم يغفر
الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وامراؤه الموجودون الان عثمان بك المعروف
بالحسيني واحمد بك امره الوزير عوضا عن استاذه
ومات الامير عثمان بك المعروف بطبل وهو من مماليك اسمعيل
بك أمره في سنة اثنتين وتسعين ثم خرج مع سيده وتغرب معه في غيبته الطويلة فلما رجع
الى مصر في أيام حسن باشا تولى امارة الحج في سنة خمس ومائتين والف وكان سيده
يقدمه على أقرانه ويظن به النجاح ولما طعن وعلم انه مفارق الدنيا أحضره وأوصاه
وحذره من اعدائه وقال له اني حصنت لك مصر وسورتها وصيترها بحيث تملكها بنت عمياء
فلما مات سيده تشوق للإمارة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار فلم يرض كل منهما
بالاخر وتخوفا من بعضهما فاتفق رأيهما على تأمير عثمان بك المذكور كبيرا عوضا عن
سيده وسكن داره وعقدوا الدواوين عنده فنزل عن امارة الحج لحسن بك تابع حسن بك قصبة
رضوان واشتغل هو بأمور الدولة ومشيخة مصر فلم يفلح وخامر مع أخصامه وأخصام سيده
والتف عليهم سرا وصدق تمويهاتهم وخذل نفسه ودولته وذلك غيظا من حسن بك كما سبقت
اليه الاشارة وكل من حسن بك وعثمان بك الجداوي وعلي بك الدفتردار يتخوف نفاق صاحبه
لتكرر ذلك منهما في الوقائع السابقة وانحراف طبع كل عن صداقة الآخر الباطنية ولم
يخطر ببالهما بل ولا ببال أحد من المجانين فضلا عن العقلاء
ركون المشار اليه الى أعدائه وأعداء سيده العداوة الموروثة فكانا كلما شرعا في
تدبير شيء من مكايد الحرب تبطهما واقعدهما وهما يظنان نصحه ويعتقدان خلوصه ومعرفته
ولكونه تعلم سياسة الحروب من سيده لكثرة تجاربه وسياحته ولم يعلما أنه يمهد لنفسه
طريقا مع الاعداء الى ان كان ماكان من مساعدته لهم بالتغافل والتقاعد حتى تحولوا
الى الجهة الشرقية خلص اليهم بمن انضم اليه من عشيرته فلم يسع الباقين الا الهرب
واسلم هو نفسه لاعدائه فأظهروا له المحبة وولوه امارة الحج حكم عهدهم بذلك وأن
تكون له امارة الحج ما دام حيا فخرج في تلك السنة اميرا على الحج اعنى سنة ست
ومائتين والف وكذلك سنة سبع ونهب الحج في تلك السنة وفر المترجم الى غزة فصودرت
زوجاته واقتسمت اقطاعه ورجع بعد حين الى مصر وأهمل أمره واقام بطالا واستمر كآحاد الطائفة
من الاجناد ويغدو ويروح اليهم ويرجو رفدهم الى ان حدثت حادثة الفرنسيس فخرج مع من
خرج الى الشام ولم يزل هناك حتى مات بالطاعون في السنة المذكورة وكان دائما يقول
عند تذكره الدولة والنعيم ذلك تقدير العزيز العليم
ومات الامير عثمان بك المعروف بالشرقاوي وهو من مماليك
محمد بك أبي الذهب ايضا الكبار وتأمر في أيامه وعرف بالشرقاوي لكونه تول الشرقية ووقع
منه ظلم وجبروت بعد موت أستاذه وصادر كثيرا من الناس في أموالهم ثم انكف عن ذلك
وزعم ان ذلك كان باغراء مقدمة فشهره وقتله ولم يزل في امارته حتى مات في الشام
بالطاعون
ومات ايوب بك الكبير وهو ايضا من مماليك محمد بك وكان من
خيارهم يغلب عليه حب الخير والسكون ويدفع الحق لاربابه وتأمر على الحج وشكرت سيرته
واقتنى كتبا نفيسة واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة وكان لين
الجانب مهذب النفس بحب أهل
الفضائل ذا ثروة عزوة وعفة لا يعرف الا الجد ويجتنب
الهزل ويلوم ويعترض على خشداشينه في أفعالهم ولا يعجبه سولكهم ولا يهمل حقا توجه
عليه واذا ساوم شيئا وقال له البائع هذا بعشرة يقول له بل هو بخمسة مثلا وهذا
ثمنها حالا وقد يكون ذلك رأس مالها أو بزيادة قليلة ويرضي البائع بذلك ويقبض الثمن
في المجلس وهكذا كان شانه وطريقته
ومات الامير مصطفى بك الكبير وهو ايضا من مماليك محمد بك
تولى الصعيد وامارة الحج عدة مرار وكان فظا غليظا متمولا بخيلا شحيحا وفي امارته
على الحج ترك زيارة المدينة لخوفه من العرب وشحه بعوائدهم وقلة اعتنائه بشعائر
الدين وانتقد ذلك على المصريين من الدولة وغيرها وكان ذلك من أعظم ما اجترحه من
القبائح
ومات الامير سليمان بك المعروف بالاغا توفي بأسيوط
بالطاعون وهو ايضا من مماليك محمد بك الكبير وهو أخو ابراهيم بك المعروف بالوالي
صهر ابراهيم بك الكبير وهو الذي مات غريقا في وقعة الفرنسيس الاولى بانبابة مدبرا
فارا فسقط في البحر وغرق وكان هو وأخوه المترجم قبل تقلدهما الصنجقية أحدهما والي
الشرطة والآخر آغات مستحفظان فلم يزالا يلقبان بذلك حتى ماتا وكان المترجم محبا
لجمع المال وله أفطاع واسعة وخصوصا بجهة قبلي وفي آخر أمره استوطن اسيوط لانها
كانت في اقطاعه وبنى بها قصرا عظيما وانشأ بعض بساتين وسواقي واقتنى أبقارا
وأغناما كثيرة ومما اتفق له انه جز صوف الاغنام وكانت اكثر من عشرة آلاف ثم وزعه على
الفلاحين وسخرهم في غزله بعد أن وزنه عليهم ثم وزعه على القزازين فنسجوه اكسيه ثم
جمع التجار وباعه عليهم بزيادة عن السعر الحاضر فبلغ ذلك مبلغا عظيما
ومات الامير قائد أغا وهو من مماليك محمد بك ايضا وكان
يلقب أيام كشوفيته بقائد نار لظلمه وتجبره وولى أغات مستحفظان في سنة ثمان
وتسعين ومائة وألف فأخاف العامة وكان يتنكر ويتزيا
باشكال مختلفة ويتجسس على الناس وذلك أيام خروج ابراهيم بك الى قبلي ووحشته من
مراد بك وانفراد مراد بك بأمارة مصر فلما تصالحا ورجع ابراهيم بك رد الاغاوية لعلي
أغا فحنق المترجم لذلك وقلق قلقا عظيما وترامى على الامراء وصار يقول ان لم يردوا لي
منصبي قتلت علي أغا او قتلت نفسي فلما حصل منه ذلك عزلوا علي أغا وقلدوا سليم آغا
امين البحرين أغاوية مستحفظان ولم يبلغ غرضه ولم ترض نفسه بالخمول وأكثر عنده من
الاعوان والاتباع فيحضرون بين يديه الشكاوى والدعاوى ويضرب الناس ويحبسهم ويصادرهم
في أموالهم ويركب وبين يديه العدة الوافرة من القواسة والخدم يحملون بين يديه
الحراب والقرابين والبنادق وخلفه الكثير من الاجناد والمماليك واتخذ له جلساء
وندماء يباسطونه ويضاحكونه ولم يزل كذلك حتى خرج مع عشيرته الى الصعيد عند حضور
حسن باشا فاستولى على كثير من حصص الاقطاع فلما رجعوا في أواخر سنة خمس بعد
المائتين سكن دار جوهر أغا دار السعادة سابقا بالخرنقش وقد كان مات في الطاعون
وتزوج سريته قهرا واستكثر من المماليك والجند وتاقت نفسه للامارة وتشوف الى
الصنجقية وسخط على زمانه والامراء الذين لم يلبوا دعوته ولم يبلغوه أمنيته وصارت
جلساؤه وندماؤه لا يخاطبونه الا بالامارة ويقولون له يا بك ويكره من يخاطبه بدون ذلك
وكان له من الاولاد الذكور اثنا عشر ولدا لصلبه يركبون الخيول ماتوا في حياته وكان
له أخ من أقبح خلق الله في الظلم اتخذ له اعوانا واتباعا وليس عنده ما يكفيهم فكان
يخطف كل ما مر بخطته بباب الشعرية من قمح وتبن وشعير وغير ذلك ولا يدفع له ثمنا
هلك قبله بنحو ست سنين بناحية قبلي وأتوا بجيفته الى مصر مقرفصا ودفن بمدفن أخيه
بتربة المجاورين ومن جملة أفاعيله القبيحة انه كان يجر سيفه ويضرب رقاب الحمير
ويزعم انه يقطعها في ضربة واحدة ولم يزل المترجم أخوه على حالته حتى خرج
من مصر عند مجيء الفرنسيس وعاد بصحبة عرضي العثملي ومات
قاسم بك مع من مات من الامراء والصناجق بالشام فقلده الوزير الصنجيقة فيمن تقلد
وأدرك أمنيته فأقام قليلا وهلك فيمن هلك بالطاعون فكان كما قال القائل كالمتمني أن
يرى فلقا من الصباح فلما أن رآه عمي
ومات ايضا حسن كاشف المعروف بجركس وهو ايضا من مماليك محمد
بك واشراق عثمان بك الشرقاوي وكان من الفراعنة وهو الذي عمر الدار العظيمة
بالناصرية وصرف عليها اموالا عظيمة فما هو الا ان تممم بناءها ولم يكمل بياضها حتى
وصلت الفرنسيس فسكنها الفلكيون والمدبرون وأهل الحكمة والمهندسون فلذلك صينت من
الخراب كما وقع بغيرها من الدور لكون عسكرهم لم يسكنوا بها وتقلد المذكور الصنجقية
بالشام ايضا ثم هلك بالطاعون
ومات الامير حسن كتخدا المعروف بالجربان بالشام ايضا
وأصله من مماليك حسن بك الازبكاوي وكان ممتهنا في المماليك فسموه بالجربان لذلك
فلما قتل استاذه بقى هو لا يملك شيئا فجلس بحانوت جهة الازبكية يبيع فيها تنباكا
وصابونا ثم سافر الى المنصورة فأقام بها مدة تحت قصر محمود جربجي ثم رجع الى مصر
في أيام دولة علي بك وتنقلت به الاحوال فأنعم عليه علي بك بامرية بناحية قبلي فلما
حصلت الوحشة بين علي بك ومحمد بك وخرج محمد بك من مصر الى قبلي خرج اليه المترجم
ولاقاه وقدم بين يديه ما كان عنده من الخيام واليرق والخيول وانضم اليه ولم يزل
حتى تملك محمد بك واستوزر اسمعيل أغا الجلفي وكان يبغض المترجم لامور بينهما فلم
يزل حتى أوغر عليه صدر مخدومه وادى به الحال الى الاقصاء والبعد الى ان انضم الى
مراد بك وتقرب منه وكان مفوها لينا مشاركا قد حنكته الايام والتجارب فجعله كتخدا
ووزيره واشتهر ذكره وعمر دارا بناحية باب اللوق بالقرب من غيظ الطواشي وصار من
الاعيان المعدودين وقصدته ارباب الحاجات واحتجب
في غالب الاوقات واتحد به محمد اغا البارودي فقربه من
مراد بك وبلغ الى ما بلغ معه وكان يعترى المترجم مرض شبيه بالصرع ينقطع به اياما
عن السعي والركوب ولم يزل حتى مات مع من مات بالشام
ومات الامير قاسم بك المعروف بالموسقو وكان من مماليك
ابراهيم بك وكان لين الجانب قليل الاذى الا انه كان شيخا لا يدفع حقا توجه عليه
ولما مات خشداشه حسن بك الطحطاوي تزوج بزوجته وشرع في بناء السبيل المجاور لبيته
بحارة قوصون بالقرب من الداودية فما قرب اتمامه الا وقد قدمت الفرنسيس لمصر فخربوه
وشعثوا بنيانه وخرقوا حيطانه وأخذوا عواميده وبقى على حالته مثل ما فعلوه بدور تلك
الخطة وغيرها ومات ايضا المترجم بالشام
ومات علي آغا كتخدا الجاويشية وهو من مماليك الدمياطي
ونسب الى محمد بك وأخيه ابراهيم بك ورقاه واختص به وولاه آغات مستحفظان في سنة
اثنتين وتسعين ومائة وألف لم يزل الى سنة ثمان وتسعين فخرج مع ابراهيم بك الى
المنية عندما تغاضب مع مراد بك فلما تصالحا قلد الاغاوية كما كان فحنق قائد آغا
وكان ما كان من عزله وولاية سليم اغا كما سبق الالماع بذلك عند ذكر قائد أغا ثم
تقلد كتخدا الجاويشية في سنة ست ومائتين وألف ولم يزل متقلدا ذلك حتىخرج مع من خرج
في حادثة الفرنسيس وكان ذا مال وثروة مع مزيد شح وبخل واشترى دار عبد الرحمن كتخدا
القازدغلي العظيمة التي بحارة عابدين وسكنها وليس له ن المآثر الا السبيل والكتاب
الذي أنشأه بجوار داره الاخرى بدرب الحجر وهو من أحسن المباني وقد حماه الله من
تخريب الفرنسيس وهو باق الى يومنا هذا ببهجته ورونقه
ومات الامير يحيى كاشف الكبير وهو من مماليك ابراهيم بك الاقدمين
وكان لطيف الطباع حسن الاوضاع وعنده ذوق وتودد عطارديا يحب الرسومات والنقوش
والتصاوير والاشكال ودقائق الصناعات والكتب
المشتملة على ذلك مثل كليلة ودمنه والنوادر والامثال
واهتم في بناء السبيل المجاور لداره بخطة عابدين فرسم شكله قبل الشروع فيه في
قرطاس بمعونة الاسطا حسن الخياط ثم سافر الى الاسكندرية وأحضر ما يحتاجه من الرخام
والاعمدة المرمر الكبيرة والصغيرة وأنواع الاخشاب وحفر اساسه واحكم وضعه واستدعى
الصناع والمرخمين فتانقوا في صناعته ونقش رخامه على الرسم الذي رسمه لهم كل ذلك
بالحفر بالآلات في الرخام وموهوه بالذهب فما هو الا ان ارتفع بنيانه وتشيدت اركانه
وظهر للعيان حسن قالبه وكاد يتم ما قصده من حسن مآربه حتى وقعت حادثة الفرنسيس
فخرج مع من خرج قبل اتمامه وبقى على حالته الى الآن ولما خرج سكن داره برطلمين
واستخرج مخباة بين داره والسبيل فيها ذخائره ومتاعه فاوصلها للفرنسيس
ومات الامير رشوان كاشف وهو من مماليك مراد بك وكان له
أقطاع بالفيوم فكان معظم اقامته بها فاحتكر الورد وما يخرج من مائه والخل المتخذ
من العنب والخيش واتجر في هذه البضائع بمراده واختياره وتحكم في الاقليم تحكم
الملاك في املاكهم وعبيدهم وذلك قوة واقتدار
ومات الامير سليم كاشف باسيوط مطعونا وهو من مماليك
عثمان بك المعروف بالجرجاوي من البيوت القديمة وخشداش عبد الرحمن بك عثمان المتوفي
في سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون الذي مات به اسمعيل بك وخلافه وتزوج ابنته بعد
موته وكان ملتزما بحصة من اسيوط وشرق الناصري واستوطن باسيوط وبنى بها دارا عظيمة
وعدة دور صغار وانشأ بها عدة بساتين وغرس بها وبشرق الناصري اشجارا كثيرة وعمر عدة
قناطر وحفر ترعا وصنع جسورا واسبلة في مفاوز الطرق وانشأ دارا بمصر بالمناخلية
بسوق الانماطيين واشترى دارا جليلة كانت لسليمان بك المعروف بابي نبوت بحارة
عابدين وعمرها وزخرفها وانشأ باسيوط جامعا عظيما ومكتبا فما هو الا أن أكمل بنيانه
حتى قدمت الفرنسيس
فاتخدوه سجنا يسجنون به ثم لما قابل المذكور الفرنسيس
وامنوه أخذ في اصلاح ما تشعث من البناء وتقيم العمارة ولم يساعده الوقت اذ ذاك
لقلة الاخشاب وآلات البناء فاشتغل بذلك على قدر طاقته فلما فرغ البناء وقارب
التمام ولم يبق الا اليسير وقع الطاعون باسيوط فمات والمسجد باق على ما هو عليه
الآن وهو من المباني العظيمة المزخرفة على هيئة مساجد مصر وكان المذكور ذا بأس وشدة
واقدام وشجاعةوتهور مشابه لحسن بك الجداوي في هذه الفعال وموائده مبسوطة وطعامه
مبذول وداره باسيوط مقصدا للوارد والقاصد والصادر من الامراء وغيرهم وله اغداقات
وصدقات وانواع من البر ومحبة في العمارة وغراس الاشجار واقتناء الانعام وكان
متزوجا بثلاث زوجات احداهن ابنة سيده عثمان بك توفيت بعصمته والثانية ابنة خشداشه
عبد الرحمن المذكور آنفا والثالثةزوجة علي كاشف المعروف بجمال الدين وكان ذا بأس
وله صولة وظلم وتجاوز على سفك الدماء فبذلك خافته عرب الناحية وأهل القرى وقاتل
العرب مرارا وقتل منهم الكثير وبسكناه باسيوط كثرت عمارتها وأمنت طرقها برا وبحرا
واستوطنها الكثير من الناس لحمايتهم وعدم صولة احد على أهلها وله مهاداة مع
الامراء المصرية وأرباب الحل والعقد بها والمتكلمين عندهم فيرسل اليهم الغلال
والعبيد والجوراي السود والطواشية وغير ذلك وله عدة مماليك بيض وسود أعتق كثيرا من
جملتهم عزيرتا الامير أحمد كاشف المعروف بالشعراوي رقيق حواشي الطبع مهذب الاخلاق
ذو فروسية في ركوب الخيل ومحبة في العلماء واللطفاء وهو من جملة محاسن سيده
ومات كل من الامير باكير بك والامير محمد بك تابع حسين
بك كشكش كلاهما بالشام ومات غير هؤلاء ممن لم تحضرني اسماؤهم
واستهلت سنة ست عشرة ومائتين وألف بيوم الخميس
وباستهلالها خف امر الطاعون وفي ليلة الجمعة تلك ارسل عبد العال
الاغا احضر الشيخ محمد الامير ليلا الى منزله فبيته عنده
ولما أصبح النهار طلع به الى القلعة وحبسه عند المشايخ بجامع سارية والسبب في ذلك
ان ولد الشيخ المذكور كان من جملة من يستحث الناس على قتال الفرنسيس في الواقعة السابقة
بمصر فلما انقضت هرب الى جهة بحرىثم حضر بعد مدة الى مصر فأقام اياما ثم رجع الى
قوة بأذن من الفرنسيس فلما حصلت هذه الحركة وتحذروا شدة التحذر وآخذوا الناس بأدنى
شبهة وتقرب اليهم المنافقون بالتجسس والاغراء ذكر بعضهم ذلك لقائمقام وادخل في
مسامعه ان ابن الشيخ المذكور ذهب الى عرضي الوزير والتف عليهم فأرسل قائممقام الى
الشيخ قبل تاريخه فلما حضر سأله عن ولده المذكور فأخبره ان مقيم بفوة فقال له لم
يكن هناك وانما هو عند القادمين قال له لم يكن ذلك وان شئتم أرسلت اليه بالحضور
فقال له ارسل اليه وأحضره فقام من عنده على ذلك وأمهله ثمانية ايام مدة مسافة
الذهاب والمجيء ثم خاطبه على لسان وكيل الديوان ايضا بحضوره أو حضور الجواب بعد
يومين واعتذر بعدم أمن الطريق فلما انقضى اليومان أمروا عبد العال بطلبه واصعاده الى
القلعة ففعل
وفيه حضر جملة من عساكر الفرنساوية من جهة بحري وتواترت
الاخبار بوصول القادمين من الانكليز والعثمانية الى الرحمانية وتملكهم القلعة وما
بالقرب منها من الحصون الكائنة بالعطف وغيره وذلك يوم السبت خامس عشرين الحجة
وفيه حضرت زوجة سارى عسكر كبير الفرنسيس بصحبة أخيها
السيد علي الرشيدي أحد أعضاء الديوان وكان خرج بها من رشيد حين ما ملكها القادمون
ونزل بها في مركب وأرسى بها قبالة الرحمانية فلما حصلت واقعة الرحمانية وأخذت
قلعتها حضر بها الى مصر بعد مشقة وخوف من العربان وقطاع الطريق وغير ذلك فأقامت هي
وأخوها
ببيت الالفي بالازبكية نحو ثلاثة ايام ثم صعدا الى
القلعة
وفيه قربت العساكر القادمة من الجهة الشرقية وحضرت
طوالعهم الى القليوبية والمنير والخانكة لاخذ الكلف فتأهب قائمقام بليار للقائهم
وامر العساكر بالخروج من أول الليل ثم خرج هو في آخر الليل فلما كان يوم الاحد
رابعه رجع قائمقام ومن معه ووقع بينه وبينهم مناوشة فلم يثبت الفرنسيس لقلتهم
ورجعوا مهزومين وكتموا امرهم ولم يذكروا شيئا
وفي خامسه رفعوا الطلب عن الناس بباقي نصف المليون
وأظهروا الرفق بالناس والسرور بهم لعدم قيامهم عند خروجهم للحرب وخلوا البلدة منهم
وكانوا يظنون منهم غير ذلك
وفيه أخذت جملة من عدد الطواحين وأصعدت الى القلعة
واكثروا من نقل الماء والدقيق والاقوات اليها وكذلك البارود والكبريت والجلل
والقنابر والبنب ونقلوا ما في الاسوار والبيوت من الامتعة والفرش والاسرة وحملوه
اليها ولم يبقوا بالقلاع الصغار الا مهمات الحرب
وفيه طلبوا الزياتين وألزموهم بمائتي قنطار شيرج وسمروا
جملة من حوانيتهم وخرج جماعة من الجزارين لشراء الغنم من القرى القريبة فقبض عليهم
عسارك العثمانية القادمة ومنعوهم من العود بالغنم والبقر وكذلك منعوا الفلاحين
الذين يجلبون الميرة والاقوات الى المدينة فانقطع الوارد من الجهات البحرية
والقليوبية وعزت الاقوات وشحح اللحم والسمن جدا واغلقت حوانيت الجزارين واجتهد
الفرنساوية في وضع متاريس خارج البلد من الجهة الشرقية والبحرية وحفروا خنادق
وطلبوا الفعلة للعمل فكانوا يقبضون على كل من وجدوه ويسوقونهم للعمل وكذلك فعلوا
بجهة القرافة والقوا الاحجار العظيمة والمراكب ببحر انبابة لتمنع المراكب من
العبور وابتدؤا المتاريس البحرية من باب الحديد ممدودة الى قنطرة الليمون الى قصر افرنج
أحمد الى السبتية
الى مجرى البحر
وفي ثامنه بعث قائمقام بليار فأحضر التجار وعظماء الناس
وسالهم عن سبب غلق الحوانيت فقالوا له من وقف الحال والكساد الجلاء والموت فقال
لهم من كان موجودا حاضرا فألزموه بفتح حانوته والا فاخبروني عنه ونزلت الحكام
فنادت بفتح الحوانيت والبيع والشراء
وفي عاشره شرعوا في هدم جانب من الجيزة من الجهة البحرية
وقربت عساكر الانكليز القادمة من البر الغربي الى البلد المسماة بنادر عند رأس
ترعة الفرعونية
وفيه تواترت الاخبار بأن العساكر الشرقية وصلت أوائلها
الى بنها وطحلا بساحل النيل وان طائفة من الانكليز رجعوا الى جهة الاسكندرية وان
الحرب قائم بها وأن الفرنساوية محصورون بداخل الاسكندرية والانكليز ومن معهم من
العساكر يحاربون من خارج وهي في غاية المنعة والتحصين وان الانكليز بعد قدومهم
وطلوعهم الى البر ومحاربتهم لهم المرات السابقة أطلقوا الحبوس عن المياه السائلة
من البحر المالح منه الى الجسر المقطوع حتى سالت المياه وعمت الاراضي المحيطة بالاسكندرية
وأغرقت اطيانا كثيرة وبلادا ومزارع وانهم قعدوا في الاماكن التي يمكن الفرنسيس
النفوذ منها بحيث انهم قطعوا عليهم الطرق من كل ناحية
وفي ثاني عشرة نزلت امرأة من القلعة بمتاعها واختفت بمصر
فأحضر الفرنسيس حكام الشرطة والزموهم باحضارها وهذه المرأة اسمها هوى كانت زوجة
لبعض الامراء الكشاف ثم انها خرجت عن طورها وتزوجت نقولا وأقامت معه مدة فلما حدثت
هذه الحوادث جمعت ثيابها واحتالت حتى نزلت من القلعة هي على حمار ومتاعها محمول
على حمار آخر فنزلت عند بعض العطف واعطت المكارية الاجرة وصرفتهم من خارج
واختف فلما وقع عليها التفتيش وأحضروا المكارية قالوا
لانعلم غير المكان الذي أنزلناها به وأعطتنا الاجرة عنده فشددوا على المكارية
ومنعوهم من السروح وقبضوا على أهل الحارة وحبسوهم ثم احضروا مشايخ الحارات وشددوا
عليهم وعلى سكان الدور واعلموهم انه ان وجدت المرأة في حارة من الحارات ولم يخبروا
عنها نهبوا جميع دور الحارة وعاقبوا سكانها فحصل للناس غاية الضجر والقلق بسبب
اختفائها وتفتيش أصحاب الشرطة وخصوصا عبد العال فانه كان يتنكر ويلبس زي النساء
ويدخل البيوت بحجة التفتيش عليها فيزعج ارباب البيوت والنساء ويأخذ منهن مصالح
ومصاغا ويفعل مالا خير فيه ولا يخشى خالقا ولا مخلوقا
وفي خامس عشره قبضوا على ألطون ابي طاقية النصراني
القبطي وحبسوه بالقلعة والزموه بمبلغ دراهم تأخرت عليه من حساب البلاد
وفي سادس عشره أفرجوا عن محمد أفندي يوسف ونزل الى بيته
وكذلك الشيخ مصطفىالصاوي لمرضه
وفيه انقضت دعوة تهمة الشيخ خليل البكري ومحصلها ان خادم
مملوكه ذهب عن لسان المملوك الى بليار قائمقام وأخبره انه وصل الى استاذه الشيخ
خليل البكري المذكور فرمان من عرضي الوزير بالامان وكان هذا باغراء عبد العال ليوقعه
في الوبال ويحرك عليه الفرنسيس لحزازة بينه وبينه فلما حضر الشيخ خليل على عادته
عند قائمقام سأله عن ذلك فجحده فأحضروا الخادم الذي بلغ ذلك فصدق على ذلك واسند
الى المملوك سيده فأحضروا المملوك وسألوه فقال نعم فقالوا له وأين الفرمان فقال
قرأه وقطعه فقال الفرنساوية وكيف يقطعه هذا دليل الكذب لانه لا يصح أن يتلقاه
بالقبول ثم يقطعه فقيل له ومن أتى به قال فلان فألزموا الشيخ بأحضار ذلك الرجل
وحبس المملوك عند عبد العال يومين وحضر الرجل فسألوه فجمد ولم يثبت عليه وظهر
كذب الغلام والخادم فعند ذلك طلب الشيخ غلامه فقال
قائمقام ان قصاصه في شريعتنا ان يقطع لسانه فتشفع فيه سيده وأخذه بعد أمور وكلام
قبيح قاله الغلام في حق سيده
وفيه حضر حسين كاشف اليهودي الى قائمقام واخبره ان
الامراء الذين بالصعيد خرجوا عن طاعة الفرنساوية وردوا مكاتبتهم التي أرسلوها لهم
بعد موت مراد بك وانهم مروا وتوجهوا الى بحري من البر الغربي وعثمان بك الاشقر ذهب
من خلف الجبل الى جهة الشرق فلما حصل ذلك ركب قائمقام وذهب للست نفيسة وأمنها وطيب
خاطرها وأخبرها انها في أمان هي وجميع نساء الامراء والكشاف والاجناد ولا مؤاخذة
عليهم بما فعله رجالهن
وفي عشرينه توكل رجل قبطي يقال له عبد الله من طرف يعقوب
بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس فتعدى على بعض الاعيان وأنزلهم من على دوابهم
وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسأل دمه فتشكى الناس من ذلك القبطي وأنهوا
شكواهم الى بليار قائمقام فأمر بالقبض على ذلك القبطي وحبسه بالقلعة ثم فردوا على
كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما اجرة من شيخ الحارة
وفيه وردت الاخبار بان الوزير وصل دجوة
وفي يوم الاثنين سمع عدة مدافع على بعد وقت الضحوة
وفي ذلك اليوم قبل العصر طلبوا مشايخ الديوان فاجتمعوا
بالديوان وحضر الوكيل والترجمان وطلبهم للحضور الى قائمقام فلما حصلوا عنده قال
لهم على لسان الترجمان نخبركم أن الخصم قد قرب منا ونرجوكم أن تكونوا على عهدكم مع
الفرنساوية وأن تنصحوا أهل البلد والرعية بان يكونوا مستمرين على سكونهم وهدوهم
ولا يتداخلوا في الشر والشغب فان الرعية بمنزلة الولد وأنتم بمنزلة الوالد والواجب
على الوالد نصح ولده وتأديبه وتدريبه على الطريق المستقيم التي يكون
فيها الخير والصلاح فإنهم ان داموا على الهدو حصل لهم الخير
ونجوا من كل شر وان حصل منهم خلاف ذلك نزلت عليهم النار وأحرقت دورهم ونهبت
أموالهم ومتاعهم ويتمت اولادهم وسبيت نساؤهم والزموا بالأموال والفرد التي لا طاقة
لهم بها فقد رأيتم ما حصل في الوقائع السابقة فأحذروا من ذلك فإنهم لا يدرون
العاقبة ولا نكلفكم المساعدة لنا ولا المعاونة لحرب عدونا وانما نطلب منكم السكون
والهدو لا غير فأجابوه بالسمع والطاعة وقولهم كذلك وقرىء عليهم ورقة بمعنى ذلك
وأمروا الاغا واصحاب الشرطة بالمناداة على الناس بذلك وأنهم ربما سمعوا ضرب مدافع
جهة الجيزة فلا ينزعجوا من ذلك فانه شنك وعيد لبعض أكابرهم وأن يجتمع من الغد
بالديوان الاعيان والتجار وكبار الاخطاط ومشايخ الحارات ويتلى عليهم ذلك فلما كان
ضحوة يوم الثلاثاء اجتمعوا كما ذكر وحصلت الوصية والتحذير وانتهى المجلس وذهبوا
الى محلاتهم
وفي ذلك اليوم اشيع حضور الوزير الى شلقان وكذلك عساكر
الانكليز بالناحية الغربية وصلوا الى أول الوراريق
وفي يوم الجمعة غايته اجتمع المشايخ والوكيل بالديوان
على العادة وحضر استوف الخازندار وترجم عنه رفاييل بقوله انه يثنى على كل من
القاضي والشيخ اسمعيل الزرقاني باعتنائهما فيما يتعلق بأمر المواريث وبيت المال
والمصالح على التركات المختومة لان الفرنساوية لم يبق لهم من الايراد الا ما يتحصل
من ذلك والقصد الإعتناء ايضا بأمر البلاد والحصص التي انحلت بموت أربابها فلازم
ايضا من المصالحة والحلوان والمهلة في ذلك ثمانية ايام فمن لم يصالح على الالتزام
الذي له فيه شبهة في تلك المدة ضبطت حصته ولا يقبل له عذر بعد ذلك واعلموا أن أرض
مصر استقر ملكها للفرنساوية فلازم من اعتقادكم ذلك وأركزوه في أذهانكم كما تعتقدون
وحدانية الله تعالى ولا يغرنكم هؤلاء القادمون
وقربهم فانه لا يخرج من أيديهم شيء أبدا وهؤلاء الانكليز
ناس خوارج حرامية وصناعتهم القاء العداوة والفتن والعثملي مغتربهم فان الفرنساوية
كانت من الاحباب الخلص للعثملي فلم يزالوا حتى اوقعوا بينه وبينهم العداوة والشرور
وان بلادهم ضيقة وجزيرتهم صغيرة ولو كان بينهم وبين الفرنساوية طريق مسلوك من البر
لا تمحى أثرهم ونسى ذكرهم من زمان مديد وتأملوا في شأنهم وأي شيء خرج من أيديهم
فإن لهم ثلاثة أشهر من حين طلوعهم الى البر والى الآن لم يصلوا الينا والفرنسيس
عند قدومهم وصلوا في ثمانية عشر يوما فلو كان فيهم همة او شجاعة لوصلوا مثل وصولنا
وكلام كثير من هذا النمط في معنى ذلك من بحر الغفلة ثم ذكر البكري والسيد احمد
الزر وأنه حضر مكتوب من رشيد على يد رجل حناوي لاخر من منية كنانة يذكر فيه أنه
حضر الى اسكندرية مراكب وعمارة من فرانسا وان الانكليز رجعت اليهم وان الحرب قائمة
بينهم على ظهر البحر فقال الخازندار يمكن ذلك وليس ببعيد ثم نقلوا ذلك الى بليار
قائمقام فطلب الرجل الراوي لذلك فأحضر الزرو رجلا شرقاويا حلف لهم انه سمع ذلك
بأذنه من الرجل الواصل الى منية كنانة من رشيد
شهر صفر الخير سنة استهل بيوم السبت وفي ذلك اليوم قبل
المغرب مشى عبد العال الاغا وشق في شوارع المدينة وبين يديه منادى يقول الامن
والامان على جميع الرعايا وفي غد تضرب مدافع وشنك من الفلا في الساعة الرابعة فلا
تخافوا ولا تنزعجوا فانه حضرت بشارة بوصول بونابارته بعمارة عظيمة الى الاسكندرية
وان الانكليز رجعوا القهقرى فلما أصبح يوم الاحد في الساعة الرابعة من الشروق ضربت
عدة مدافع وتابعوا ضربها من جميع القلاع وصعد أناس الى المنارات ونظروا بالنظارات
فشاهدوا عساكر الانكليز بالجهة الغربية وصلوا الى آخر الورايق وأول انبابة ونصبوا
خيامهم أسفل انبابة وعند وصولهم الى مضاربهم ضربوا عدة
مدافع فلما سمعها الفرنساوية ضرب الاخرون تلك المدافع التي ذكروا انها شنك وأما
العساكر الشرقية فوصلت اوائلهم الى منية الامراء المعروفة بمنية السيرج والمراكب
فيما بينها من البرين بكثرة فعند ذلك عزت الاقوات وشبحت زيادة على قلتها وخصوصا
السمن والجبن والاشياء المجلوبة من الريف ولم يبق طريق مسلوكة الى المدينة الا من
جهة باب القرافة وما يجلب من جهة البساتين من القمح والتبن فيأتي ذلك الى عرضة
الغلة بالرميلة ويزدحم عليه النساء والرجال بالمقاطف فيسمع لهم ضجة عظيمة وشح
اللحم ايضا وغلا سعره لقلة المواشي والاغنام فوصل سعر الرطل تسعة أنصاف والسمن
خمسة وثلاثين نصفا والبصل باربعمائة فضة القنطار والرطل الصابون بثمانين فضة
والشيرج عشرين نصفا وأما الزيت فلا يوجد البتة وغلت الابزار جدا واتفق الى قصة غريبة
وهو اني احتجت الى بعض أنيسون فأرسلت خادمي الى الابزارية على العادة يشتري لي منه
بدرهم فلم يجده وقيل له انه لا يوجد الا عند فلان وهو يبيع الأوقية بثلاثة عشر
نصفا ثم اتاني منه باوقيتين بعد جهد في تحصيله فحسب على ذلك سعر الاردب فوجدته
يبلغ خمسمائة ريال أو قريبا من ذلك فكان ذلك من النوادر الغريبة
وفي يوم الاثنين ثالثه حصلت الجمعية بالديوان وحضر التجار
ومشايخ الحارات والاغا وحضر مكتوب من بليار قائمقام خطابا بالارباب الديوان
والحاضرين يذكر فيه أنه حضر اليه مكتوب من كبيرهم منوبا بالاسكندرية صحبة هجانة
فرنسيس وصلوا اليهم من طريق البرية مضمونة أنه طيب بخير والاقوات كثيرة عندهم يأتي
بها العربان اليهم وبلغهم خبر وصول عمارة مراكب الفرنساوية الى بحر الخزز وانها من
قريب تصل الاسكندرية وأن العمارة حاربت بلاد الانكليز واستولت على شقة كبيرة منها
فكونوا مطمئنين الخاطر من طرفنا ودوموا على هدوكم
وسكونكم الىآخر ما فيه من التمويهات وكل ذلك لسكون الناس
وخوفا من قيامهم في هذه الحالة وكان وصول هذا المكتوب بعد نيف وأربعين يوما من
انقطاع اخبار في اسكندرية ولا أصل لذلك
وفي ذلك اليوم قتل عبد العال رجلا ذكروا أنه وجد معه
مكتوب من بعض النساء مرسل الى بعض أزواجهن بالعرضي قتل ذلك الرجل بباب زويلة ونودي
عليه هذا جزاء من ينقل الاخبار الى العثملي والانكليز
وفيه وصلت العساكر الشرقية الى العادلية وامتد العرضي
منها الى قبلي منية السيرج وكذلك الغريبة الى انبابة ونصبوا خيامهم بالبرين
والمراكب بينهم في النيل وضربوا عدة مدافع وخرج عدة من الفرنساوية خيالة فترامحوا
معهم وأطلقوا بنادق ثم انفصلوا بعد حصة من الليل ورجع كل الى مأمنه واستمر هذا
الحال على هذا المنوال يقع بينهم في كل يوم وفي سادسه زحفت العساكر الشرقية حتى
قربوا من قبة النصر وسكن ابراهيم بك زاوية الشيخ دمرداش وحضر جماعة من العسكر
وأشرفوا على الجزارين من حائط المذبح وطلبوا شيخ الجزارين ووجدوا ثلاثة انفار من
الفرنسيس فضربوا عليهم بنادق فأصيب أحدهم في رجله فأخذوه وهرب الاثنان واصيب جزار
يهودي ووقع بين الفريقين مضاربة على بعد وقتل بعض قتلى وأسر بعض اسرى ولم يزل
الضرب بينهم الى قريب العصر والفرنسيس يرمون من القلعة الظاهرية وقلعة نجم الدين
والتل ولا يتباعدون عن حصونهم
وفي سابعه وقعت مضاربة بين الفريقين ببنادق ومدافع من
الصباح الى العصر ايضا
وفيه أشبع موت السيد أحمد المحروقي بدجوة وكان مريضا بها
وامتنع الوارد من الجهة البحرية بالكلية
وفيه قبضوا على رجل شبه خدام ظنوه جاسوسا فاحضروه عند
قائمقام
فسألوه فلم يقر بشيء فضربوه عدة مرار حتى ذهل عقله وصار
كالمختل وكرروا عليه الضرب والعقاب وضربوه بالكرابيج على كفوفه ووجهه ورأسه حتى
قيل أنهم ضربوه نحو ستة آلاف كرباج وهو على حاله ثم أودعوه الحبس
وفيه اطلقوا محبوسا يقال له الشيخ سليمان حمزة الكاتب
وكان محبوسا بالقلعة من مدة اشهر فطلق على مصلحة الفي ريال
وفي ثامنه وقعت مضاربة أيضا بطول النهار ودخل نحو خمسة
وعشرين نفرا من عسكر العثمانية الى الحسينة وجلسوا على مساطب القهوة واكلوا كعكا
وخبزا وفولا مصلوقا وشربوا قهوة ثم انصرفوا الى مضربهم وأخذ الفرنساوية عسكريا من اتباع
محمد باشا والى غزة والقدس المعروف بأبي مرق فحبسوه ببيت قائمقام وأغلقوا في ذلك
اليوم باب النصر وباب العدوي
وفيه زحفت عساكر البر الغربي الى تحت الجيزة فحضر في
صبحها بنى وأخبر قائمقام فركب من ساعته وعدى الى بر الجيزة فسمع الضرب ايضا من
ناحية الجيزة وسمعت طبول الامراء ونقاقيرهم واستمر الامر الى يوم الثلاثاء حادي
عشره فبطل الضرب في وقت الزوال ولما حصلوا جهة الجيزة انتشروا الى قبلي منها
ومنعوا المعادي من تعدية البر الشرقي فانقطع الجالب من الناحية القبلية أيضا
فامتنع وصول الغلال والاقوات والبطيخ والعجور والخضروات والخيار والسمن والجبن
والمواشي فعزت الاقوات وغلت الاسعار في الاشياء الموجودة منها جدا واجتمع الناس بعرصة
الغلة بالرميلة يريدون شراء الغلة فلم يجدوها فكثر ضجيجهم وخرج الاكثر منهم بمقاطفهم
الى جهة البساتين ورجع الباقون من غير شيء فاحضر عبد العال القبانية وألزمهم
باحضار السمن وضرب البعض منهم فاحضروا له في يومين أربعة عشر رطلا بعد الجهد في
تحصيلها وبيعت الدجاجة بأربعين نصفا وامتنع وجود اللحم
من الاسواق واستمر الامر على ذلك الاربعاء والخميس والمضاربة
بين الفريقين ساكنة وأشيع وقوع المسالمة والمراسلة بينهما والمتوسط في ذلك
الانكليز وحسين قبطان باشا فانسر الناس وسكن جاشهم لسكون الحرب
وفي ذلك اليوم اغلقوا باب القرافة وباب المجراة ولم يعلم
سبب ذلك ثم فتحوهما عند الصباح من يوم الجمعة ورفعوا عشور الغلة
وفي يوم الاثنين سابع عشرة أطلقوا المحبوسين بالقلعة من
أسرى العثمانية وأعطوا كل شخص مقطع قماش وخمسة عشر قرشا وأرسلوهم الى عرضي الوزير
وكان بلغ بهم الجهد من الخدمة والفعالة وشيل التراب والاحجار وضيق الحبس والجوع ومات
الكثير منهم وكذلك أفرجوا عن جملة من العربات والفلاحين
وفي ليلة الاثنين المذكور سمع صوت مدفع بعد الغروب عند
قلعة جامع الظاهر خارج الحسينية ثم سمع منها اذان العشاء والفجر فلما أضاء النهار
نظر الناس فاذا البيرق العثماني بأعلاها والمسلمون على أسوارها فعلموا بتسليمها
وكان ذلك المدفع اشارة الى ذلك ففرح الناس وتحققوا أمر المسالمة وأشيع الافراج عن الرهائن
من المشايخ وغيرهم وباقي المحبوسين في الصباح واكثر الفرنساوية من النقل والبيع في
أمتعتهم وخيولهم ونحاسهم وجواريهم وعبيدهم وقضاء أشغالهم
وفي ذلك اليوم أنزلوا عدة مدافع من القلعة وكذلك من قلعة
باب البرقية وأمتعة وفرش وبارود
وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وحضر الوكيل واعلن بوقوع
الصلح والمسالمة ووعد ان في الجلسة الآتية يأتي اليهم فرمان الصلح وما اشتمل عليه
من الشروط ويسمعونه جهارا
وفي ذلك اليوم اكثر اهتمام الفرنساوية بنقل الامتعة من
القلعة الكبيرة
وباقي القلاع بقوة السعي
وفيه أفرجوا عن محمد جلبي ابي دفية واسمعيل القلق ومحمد
شيخ الحارة بباب اللوق والبرنوسي نسيب ابي دفية والشيخ خليل المنبر وآخرين تكملة
ثمانية نفار ونزلوا الى بيوتهم
وفيه سافر عثمان بك البرديسي الى الصعيد وعلى يده
فرمانات للبلاد بالامن والامان وسوق المراكب بالغلال والاقوات الى مصر ويلاقي سنة
آلاف من عسكر الانكليز حضروا من القلزم الى القصير
وفيه شنق الفرنساوية شخصا منهم على شجرة ببركة الازبكية
قيل انه سرق
وفيه أرسل الفرنساوية الى الوزير وطلبوا منه جمالا
ينقلون عليها متاعهم فأمر لهم بارسال مائتي جمل وقيل اربعمائة مساعدة لهم وفيها من
جمال طاهر باشا وابراهيم بك
وفي يوم الخميس عشرينه أفرجوا عن بقية المسجونين والمشايخ
وهم شيخ السادات والشيخ الشرقاوي والشيخ الامير والشيخ محمد المهدي وحسن أغا المحتسب
ورضوان كاشف الشعرواي وغيرهم فنزلوا الى بيت قائمقام وقابلوه وشكروه فقال للمشايخ
ان شئتم اذهبوا فسلموا على الوزير فانى كلمته ووصيته عليكم
وفيه حضر الوزير ومن معه من العساكر الى ناحية شبرا
وكذلك الانكليز وصحبتهم قبطان باشا الى الجهة الغربية والعساكر تجاههم ونصبوا
الجسر فيما بينهم اعلى البحر وهو من مراكب مرصوصة مثل جسر الجيزة بل يزيد عنه في
الاتقان بكونه من الواح في غاية الثخن وله درابزين من الجهتين ايضا وهو عمل
الانكليز
وفيه ألصقوا أوراقا بالطرق المكتوبة بالعربي والفرنساوي
وفيها شرطان من شروط الصلح التي تتعلق بالعامة ونصها ثم انه أراد الله تعالى
بالصلح ما بين عسكر الفرنساوية وعساكر الانكليز وعساكرالعثمانية
ولكن مع هذا الصلح انفسكم واديانكم ومتاعكم ما ا د يقارشكم
ورؤوس عساكر الثلاثة جيوش قد اشترطوا بهذا كما ترونه الشرط الثاني عشر كل واحد من
أهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت الذي يريد ان يسافر مع الفرنساوية يكون مطلق
الارادة وبعد سفره كامل ما يبقى عياله ومصالحه ما احد يعارضهم الشرط الثالث عشر لا
احد من اهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت يكون قلقا من قبل نفسه ولا من قبل متاعه
جميع الذين كانوا بخدمة الجمهور الفرنساوي بمدة اقامة الجمهور بمصر ولكن الواجب أن
يطيعوا الشريعة ثم يا أهالي مصر وأقاليمها جميع الملل أنتم ناظرون لحد آخر درجة
الجمهور الفرنساوي ناظر لكم ولراحتكم فيلزم أنتم ايضا تسلكون في الطريق المستقيمة وتفتكرون
ان الله جل جلاله هو الذي يفعل كل شيء وعليه امضاء بليار قائمقام
وفي يوم الجمعة عملوا الديوان وحضر المشايخ والوكيل فقال
الوكيل بلغكم بقية الشروط الثلاثة عشر فقالوا لا فأبرز ورقة من كمه بالقلم
الفرنساوي فشرع يقرؤها والترجمان يفسرها وهي تتضمن الاحد عشر شرطا الباقية فقال ان
الجيش الفرنساوي يلزم أن يخلوا القلاع ومصر ويتوجهوا على البر بمتاعهم الى رشيد
وينزلوا في مراكب ويتوجهوا الى بلادهم وهذا الرحيل ينبغي أن يسرع به وأقل ما يكون
في خمسين يوما وأن يساق الجيش من طريق مختصر وسر عسكر الانكليز والمساعد يلزم أن
يقوما لهم بجميع ما يحتاجونه من نفقة ومؤنة وجمال ومراكب والمحل الذي يبدأ منه
السعي يكون بالتراضي بين الجمهور والانكليز والمساعد وكامل الامتعة والاثقال تتوجه
من البحر ومعهم جيش من الفرنساوي لاجل الحراسة ولا بد من كون المؤنة التي تترتب لهم
كالمؤنة التي كانوا يعطونها هم لجيش الانكليز ورؤسائهم وعلى رؤوساء عساكر الانكليز
وحضره العثملي القيام بنفقة الجميع
والحكام المتقيدون بذلك يحضرون لهم المراكب ليسفروهم الى
فرانسا من جهة البحر المحيط وان يقدم كل من حضرة العثملي والانكليز اربعة مراكب
للعليق والعلف للخيل التي يأخذونها في المراكب وأن يسيروا معهم مراكب للمحافظة
عليهم الى أن يصلوا الى فرانسا وان الفرنساوية لا يدخلون مينة الا مينة فرانسا
والامناء والوكلاء يقدمون لهم ما يحتاجون اليه نظرا لكفاية عساكرهم والمدبرون
والامناء والوكلاء والمهندسون الفرنساوية يستصحبون معهم ما يحتاجونه من أوراقهم
وكتبهم ولو التي شروها من مصر وكل من أهل الاقليم المصري أذا أراد التوجه معهم فهو
مطلق السراح مع الامن على متاعه وعياله وكذلك من داخل الفرنساوية من أي ملة كانت
فلا معارضة له الا ان يجري على أحواله السابقة وجرحى الفرنساوية يتخلفون بمصر
ويعالجهم الحكماء وينفق عليهم حضرة العثملي واذا عوفوا توجهوا الى فرانسا بالشروط
المتقدم ذكرها وحكام العثملي يتعهدون من بمصر منهم ولا بد من حاكمين من طرف
الجيشين يتوجهان بمركبين الى طولون فيرسلون خبرا الى فرانسا ليطلعوا حكامها على
الصلح وسائر الرسوم وكل جدال وخصام صدر بين شخصين من الفرنساوية فلا بد أن يقام
شخصان حاكمان من الطائفتين ليتكلما في الصلح ولا يقع في ذلك نقض عهد الصلح وعلى كل
طائفة معين من العثملي والفرنساوي ان تسلم ما عندها من الاسرى ولا بد من رهائن من
كل طائفة واحد كبير يكون عند الطائفة الاخرى حتى يتوصلوا الى فرانسا اه ثم قال
الوكيل وقد علمنا بالشروط وما ندري ماذا يكون فقيل له هذه شروط عليها علامة القبول
وهذا الصلح رحمة للجميع وسيكون الصلح العام فقال الوكيل اني ارجو ان يكون هذا
الصلح الخصوصي مبدأ للصلح العمومي
وفيه كثر خروج الناس ودخولهم من الاتباع والباعة
والمتنكرين من نقب البرقية المعروف بالغريب فصار الحرسجية من الفرنساوية يأخذون
من الداخل الخارج دراهم ولا يمنعونهم فلما علم الناس
بذلك كثر ازدحامهم فلما أصبحوا منعوهم فدخلوا وخرجوا من باب القرافة فلم يمنعهم
الواقفون به من الفرنسيس بل كانوا يفتشون البعض ويمنعون البعض وكل ذلك حذرا من
أفعال الطموش وسوء أخلاقهم وتوالد الشر بسببهم وقد دخل بعضهم أكابر الانكليز وصحبتهم
فرنساوية يفرجونهم على البلدة والاسواق وكذلك دخل بعض أكابر العثمانية فزاروا قبر
الامام الشافعي والمشهد الحسيني والشيخ عبد الوهاب الشعراوي والفرنساوية ينتظرونهم
بالباب
وفي ليلة الاثنين رابع عشرينه نادوا في الاسواق برمي
مدافع في صبحه وذلك لنقل رمة كلهبر فلا يرتاع الناس من ذلك فلما كان في صبح ذلك
اليوم اطلقوا مدافع كثيرة ساعة نبش القبر بالقرب من قصر العيني واخرجوا الصندوق
الرصاص الموضوع فيه رمته لياخذوه معهم الى بلادهم
وفيه ارسلوا اوراقا ورسلا للاجتماع بالديوان وهو آخر الدواوين
فاجتمع المشايخ والتجار وبعض الوجاقلية واستوف الخازندار والوكيل والترجمان فلما
استقر بهم الجلوس أخرج الوكيل كتابا مختوما وأخبر أن ذلك الكتاب من سارى عسكر منو
بعث به الى مشايخ الديوان ثم ناوله لرئيس الديوان ففضه وناوله للترجمان فقرأه
والحاضرون ويسمعون وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر نخبركم أنا علمنا بكثرة
الانبساط انكم تهتدون بكثرة الحكمة والانصاف في الموضع الذي أنتم مستمرون فيه وان
لم تقدروا لتنظيم أهالي البلد بالهدى والطاعة الموجبة منه لحكومة الفرنساوي فالله
تعالى بسعادة رسوله الكريم عليه السلام الدائم ينعم عليكم في الدارين عوض خيراتكم وأخبرنا
المقدام الجسور بونابارته المشهور عن كل ما فعلتم حاكما ونافعا بوصايا لاجلكم سارة
رضي واستراح لتلك الفعال الجيدة وعرفني ايضا أنه عن قريب
يرسل لكم بذاته جواب جميع مكاتيبكم اليه قدمتم الان بخير
الهدى وبقوته تعالى نرى فضائلكم عن قريب ونواجه سكان محروسة مصر كما هو مأمولنا
لكن يسركم ان الجمهور المنصور غلب في أقاليم الروم جميع اعدائه وبعون الله هادي كل
شيء سيغلب كذلك العدا في مصر واعتمدوا بأكثر الاعتماد على الستويان جيرار هذا الذي
وضعناه قربكم لانه هو رجل مشهور بالعدل والاستقامة ونوجه الى هممكم النصيحة الى
زوجتنا الكريمة السيدة زبيدة وولدنا العزيز سليمان مراد أن كليهما حالا كائنان في
حصننا في مصر الخ وذكر كثيرا من امثال هذه الخرافات والتمويهات ثم اخرج ورقة
بالفرنساوي وقرأها بنفسه حتى فرغ منها ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان رفاييل
ومضمونها حصول الصلح وتمويهات وهلسيات ليس في ذكرها فائدة ولما انتهى من قراءتها
ابرز ايضا استوف الخازندار ورقة وقرأها بالفرنساوي ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان
وهي في معنى الاولى
وركب المشايخ وخرجوا للسلام على الوزير يوسف باشا الذي
يقال له الصدر الاعظم والسلام على القادمين معه ايضا من اعيان دولتهم والامراء
المصرية وكانوا عزموا على الذهاب في الصباح فعوقوا لبعد الديوان وأما الشيخ
السادات فانه خرج للسلام من أول النهار وكتب لهم قائمقام أوراقا للحرسجية لانهم
مستمرون على منع الناس من الدخول والخروج وأبواب البلد مغلقة وكان خروجهم من طريق
بولاق فلما وصلوا الى العرضي سلموا على ابراهيم بك وتوجه معهم الى الوزير فلما وصلوا
الى الصيوان أمروهم برفع الطياسانا التي على أكتافهم وتقدموا للسلام عليه فلم يقم
لقدومهم فجلسوا ساعة لطيفة وخرجوا من عنده وسلموا ايضا على محمد باشا المعروف بأبي
مرق وعلي المحروقي والسيد عمر مكرم وباتوا تلك الليلة بالعرضي ثم عادوا الى بيوتهم
وفي ثاني يوم عدوا الى البر الغربي وسلموا على قبطان
باشا ورجعوا الى منازلهم
وفيه أرسل ابراهيم بك أمانا لاكابر القبط فخرجوا ايضا
وسلموا ورجعوا الى دورهم وأما يعقوب فأنه خرج بمتاعه وعازقه وعدي الى الروضة وكذلك
جمع اليه عسكر القبط وهرب الكثير منهم واختفى واجتمعت نساؤهم وأهلهم وذهبوا الى قائمقام
وبكوا وولولوا وترجوه في ابقائهم عند عيالهم واولادهم فإنهم فقراء وأصحاب صنائع ما
بين نجار وبناء وصائغ وغير ذلك فوعدهم انه يرسل الى يعقوب انه لا يقهر منهم من لا
يريد الذهاب والسفر معه
وفيه ذهب بليار قائمقام وصحبته ثلاثة انفار من عظماء
الفرنسيس الى العرضي وقابلوا الوزير فخلع عليهم وكساهم فراوى سمور ورجعوا
وفي يوم الاربعاء تاسع عشره خرج المسافرون مع الفرنساوية
الى الروضة والجيزة بمتاعهم وحريمهم وهم جماعة كثيرة من القبط وتجار الافرنج والمترجمين
وبعض مسلمين ممن تداخل معهم وخاف على نفسه بالتخلف وكثير من نصارى الشوام والاروام
مثل يني وبرطلمين ويوسف الحموي وعبد العال الاغا ايضا طلق زوجته وباع متاعه وفراشه
وما ثقل عليه حمله من طقم وسلاح وغيره فكان اذا باع شيئا يرسل خلف المشتري ويلزمه
باحضار ثمنه في الحال قهرا ولم يصحب معه الا ما خف حمل وغلا ثمنه
وفيه حضر وكيل الديوان الى الديوان وأحضر جماعة من
التجار وباع لهم فراش المجلس بثمن قدره ستة وثلاثون ألف فضة على ذمة السيد أحمد
الزرو
وفي ذلك اليوم ايضا فتحوا باب الجامع الازهر وشرعوا في
كنسه وتنظيفه
وفي ذلك اليوم وما بعده دخل بعض الانجليز ومروا بأسواق
المدينة يتفرجون وصحبتهم اثنان أو واحد من الفرنسيس يعرفونهم الطرق
وأشيع في ذلك اليوم ارتحال الفرنساوية ونزولهم من القلاع
وتسليمهم الحصون من الغد وقت الزوال
فلما أصبح يوم الخميس ومضى وقت الزوال لم يحصل ذلك
فاختلفت الروايات فمن الناس من يقول ينزلون يوم الجمعة ومنهم من يقول انهم أخذوا
مهلة ليوم الاثنين وبات الناس يسمعون لغط العساكر العثمانية وكلامهم ووطء نعالاتهم
فنظروا فاذا الفرنساوية خرجوا بأجمعهم ليلا وأخلوا القلعة الكبيرة وباقي القلاع
والحصون والمتاريخ وذهبوا الى الجيزة والروضة وقصر العيني ولم يبق منهم شبح يلوح
بالمدينة وبولاق ومصر العتيقة والازبكية ففرح الناس كعادتهم بالقادمين وظنوا فيهم
الخير وصاروا يتلقونهم ويسلمون عليهم ويباركون لقدومهم والنساء يلقلقن بالسنتهن من
الطيقان وفي الاسواق وقام للناس جلبة وصياح وتجمع الصغار والاطفال كعادتهم ورفعوا
اصواتهم بقولهم نصر الله السلطان ونحو ذلك وهؤلاء الداخلون ودخلوا من نقل الغريب
المثقوب في السور وتسلقوا ايضا من ناحية العطوف والقرافة وأما باب النصر والعدوى
فهما على حالهما مغلوقان لم يأذنوا بفتحهما خوفا من تزاحم العسكر ودخولهم المدينة دفعة
واحدة فيقع فيهم الفشل والضرر بالناس وباب الفتوح مسدود بالبناء فلما تضحي النهار
حضر قبي قول وفتح باب النصر والعدوى واجلس بهما جماعة من النيكجرية ودخل الكثير من
العساكر مشاة وركبانا اجناسا مختلفة ودخلت بلوكات الينكجرية وطافوا بالاسواق
ووضعوا نشاناتهم وزنكهم على القهاوى والحوانيت والحمامات فامتعض أهل الاسواق من
ذلك وكثر الخبز واللحم والسمن والشيرج بالاسواق وتواجدت البضائع وانحلت الاسعار
وكثرت الفاكهة مثل العنب والخوخ والبطيخ وتعاطي بيع غالبها الاتراك والارنؤد
فكانوا يتلقون من يجلبها من الفلاحين بالبحر البر
ويشترونها منهم بالاسعار الرخيصة ويبيعونها على أهل المدينة وبولاق بأغلى الاثمان
ووصلت مراكب من جهة بحري وفيها البضائع الرومية واليميش من البندق واللوز والجوز
والزبيب والتين والزيتون الرومي
فلما كان قبل صلاة الجمعة واذا بجاويشية وعساكر وأغوات
وتلا ذلك حضره يوسف باشا الصدر فشق من وسط المدينة وتوجه الى المسجد الحسيني فصلى
فيه الجمعة وزار المشهد الحسيني ودعاه حضرة الشيخ السادات الى دره المجاورة للمشهد
فأجابه فدخل معه وجلس هنيهة ثم ذهب الى الجامع الازهر فتفرج عليه وطاف بمقصورته
وأروقته وجلس ساعة لطيفة وأنعم على الكناسين والخدمة بدراهم وكذلك خدمة المسجد
الحسيني ثم ركب راجعا الى وطاقة بناحية الحلي بشاطيء النيل وعملوا في ذلك الوقت
شنكا وضربوا مدافع كثيرة من العرضي والقلعة ودخل قلقات الينكجرية وجلسوا برؤوس
العطف والحارات وكل طائفة عندها بيرق ونادوا بالامان البيع والشراء وطلب اولئك
القلقات من أهل الاخطاط المآكل والمشارب والقهوات والزموهم بذلك وانحاز الفرنساوية
الى جهة قصر العيني والروضة والجيزة الى حد قلعة الناصرية وفم الخليج وعليها بنديراتهم
ووقف حرسهم عند حدهم يمنعون من يأوى الى جهتهم من العثمانية فلا يمر العثماني الا
الى الجهة الموصلة الى بولاق واما اذا كان من اهل البلد فيمر حيث أراد وفي مدة
اقامة المشار اليه بساحل الحلى ببولاق خرب عساكره ما قرب منهم من الابنية والسواقي
والمتريز الذي صنعه الفرنساوية من حد باب الحديد الى البحر وأخذوا ما بذلك من
الافلاق الكثيرة المتهدمة والأخشاب المنجرة المرصوصة فوق المتريز وتحته وفي الخندق
فخربوا ذلك جميعه في هذه المدة القليلة وذلك لاجل وجود النار والمطابخ
وفي يوم السبت دخل قبي قول وهو المسمى عند المصريين
كتخدا
الينكجرية وشق المدينة وأمر بمحو نشانات الانكشارية من
الحوانيت ولم يترك الا القهاوي
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاحد سنة فيه ركب أغات
الينكجرية الكبير العثملي وشق المدينة وخلفه سليم آغا المصري ودخل الكثير من
العساكر والاجنادالمصرية بمتاعهم وعازقهم واحمالهم وطلبوا البيوت وسكنوها ودخل
محمد باشا المعروف بأبي مرق الغزي وهو المرشح لولاية مصر وسكن ببيت الهياتم بالقرب
من مشهد الاستاذ الحنفي وأرسل الى المشايخ وكبار الحارات وطلب منهم التعريف عن البيوت
الخالية بالاخطاط
وفي يوم الثلاثاء ثالثه حضر حسين باشا القبطان من الجيزة
ودخل المدينة وتوجه الى المشهد الحسيني فزاره وذبح به خمس جواميس وسبعة كباش
واقتسمتها خدمة الضريح وحلق تاج المقام باربعةشيلان كشميري وأخذ قياس المقام ليصنع
له سترا جديدا وفرق عليهم وعلى الفقراء نحو ألفي محبوب ذهب اسلامبولي
وفي ذلك اليوم وقعت حادثة وهو أن شخصا من العسكر
بالجمالية شرب من العرقسوسي شربة عرقسوس ولم يدفع له ثمنها فكلم العرقسوسي القلق
الانكشاري فأحضره وأمره بدفع ثمنها ونهره وأراد ضربه فاستل ذلك العسكري الطبنجة
وضرب ذلك الحاكم فقتله وهرب الى حارة الجوانية ودخل الى دار وامتنع فيها وصار يضرب
بالرصاص على كل من قصده فقتل خمسة أنفار ومر شخصان من الارنؤد بتلك الخطة فقتلهما
الانكشارية لكون الغريم أرنؤديا من جنسهما فلما أعياهم أمره حرقوا عليه الدار فخرج
هاربا من النار فقبضوا عليه وقتلوه ومات تسعة أشخاص في شربة عرقسوس
ووقع في ذلك اليوم ايضا ان شخصين من القليونجية دخلا الى
دار رجل نصراني فأخذا من بيته بقعتين من الثياب وخرجا فوجدا شخصين
مارين من الفلاحين فسخراهما في حمل البقجتين فخرج
النصراني وشكا الى القلق فأمر بالقبض على الشخصين العسكريين فتخلصا وهربا بعد ان
انجرح احدهما واخذوا الشخصين المسخرين فقطعوا رؤسهما ظلما وعدوانا وذلك من مبادي
قبائحهم
وفي يوم الاربعاء رابعه ارتحل الفرنساوية واخلوا قصر
العيني والروضة والجيزة وانحدروا الى بحري الوراريق وارتحل معهم قبطان باشا ومعظم
الانكليز ونحو الخمسة آلاف من عسكر الارنؤد ومن الامراء المصرية عثمان بك الاشقر ومراد
الصغير واحمد بك الكلارجي واحمد بك حسن فكانت مدة الفرنساوية وتحكمهم بالديار
المصرية ثلاث سنوات واحدا وعشرين يوما فأنهم ملكوا برانبابة والجيزة وكسرو الامراء
المصرية يوم السبت تاسع شهر صفر سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وكان انتقالهم ونزولهم
من القلاع وخلو المدينة منهم وانخلاعهم عن التصرف والتحكم ليلة الجمعة الحادي
والعشرين من شهر صفر سنة ست عشرة ومائتين وألف فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتحول
سلطانه
وفي ذلك اليوم حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف وصحبته
السيد أحمد المحروقي شاه بندر التجار بمصر وعليهما خلعتا سمور وتوجها الى دورهما
وفيه نبهوا على موكب حضرة الوزير يوسف باشا من الغد فلما
أصبح يوم الخميس خامسه اجتمع الناس من جميع الطوائف وسائر الاجناس وهرع الناس
للفرجة وخرجت البنت من خدرها واكتروا الدور المطلة على الشارع باغلى الاثمان وجلس
الناس على السفائف والحوانيت صفوفا وانجر الموكب من اول النهار الى قريب الظهر
ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه العساكر المختلفة من الارنؤد وارط الينكجرية
والعساكر الشامية والامراء المصرلية والمغاربة والقليونجية وطاهر باشا باشة
الارنؤد وابراهيم باشا والي حلب ومحمد باشا والي
مصر الكتبة ورئيس الكتاب وكتخدا الدولة والاغوات الكبار
بالطبول والنقرزانات وقاضي العسكر ونواب القضاء والعلماء المصرية ومشايخ التكايا
والدراويش واقبل المشار اليه وأمامه الملازمون بالبراقع والجاويشية والسعاة والجوخدارية
وعليه كرك صوف سنجاني مطرز مخبش وعلى رأسه شلنج بفصوص الماس وخلفه اثنان عن يمينه
وشماله ينثرون دراهم الفضة البيضاء ضربخانة اسلامبول على المتفرجين من النساء
والرجال وخلفه ايضا العدة الوافرة من أكابر اتابعه وبعدهم الكثير من عسكر الارنؤد
وموكب الخازندار وخلفه النوبة التركية المختصة به ثم المدافع وعربات الجبخانات
وعملوا وقت الموكب شنكا ضربوا فيه مدافع كثيرة فكان ذلك اليوم يوما مشهودا وموسما
وبهجة وعيدا عمت المسلمين فيه المسرات ونزلت في قلوب الكافرين الحسرات ودقت
البشائر وقرت النواظر وأمروا بوقود المنارات سبع ليال متواليات فلله الحمد والمنة
على هذه النعمة ونرجو من فضله أن يصلح فساد القلوب ويوفق أولي الامر للخير والعدل
المطلوب ويلهمهم سلوك سواء السبيل القويم ويهديهم الى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين وممن قدم بصحبة ركاب المشار اليه من
أكابر دولتهم ابراهيم باشا والي حلب وابراهيم باشا المعروف بأبي مرق وخليل أفندي
الرجائي الدفتر دار ومحمود أفندي رئيس الكتاب وشريف أغا نزله أمين ومحمد أغا جيجي
باشا الشهير بطوسون ووقع الاختيار بأن يكون سكن المشار اليه ببيت رشوان بك بحارة
عابدين تجاه بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي
وفي يوم الجمعة نودي بابطال كلف القلفات وابطال شرك
العسكر لارباب الحرف الا من شارك برضاه وسماحة نفسه فلم يمتثلوا لذلك واستمر أكثرهم
على الطلب من الناس
وفي يوم الاحد نودي بأن لا أحد يتعرض بالاذية لنصراني
ولا
يهودي سواء كان قبطيا او روميا او شاميا فانهم من رعايا
السلطان والماضي لا يعاد والعجيب ان بعض نصارى الاروام الذين كانوا بعسكر الفرنسيس
تزيوا بزي العثمانية وتسلحوا بالاسلحة واليطقانات ودخلوا في ضمنهم وشمخوا باآنافهم
وتعرضوا بالاذية للمسلمين في الطرقات بالضرب والسب باللغة التركية ويقولون في ضمن
سبهم للمسلم فرنسيس كافر ولا يميزهم الا الفطن الحاذق أو يكون له بهم معرفة سابقة
وفيه ارسلوا هجانا الى الحجاز ومعه فرمان بخبر الفتح
والنصر وارتجال الفرنساوية من ارض مصر ودخول العثمانية ومكاتبات من التجار
لشركائهم بارسال المتاجر الى مصر
وفيه ارسلوا فرمانا ايضا الى الاقاليم المصرية والقرى
بعدم دفع المال الى الملتزمين ولا يدفعون شيا الا بفرمان من الوزير
وفي يوم الاثنين قتلوا شخصا بالرميلة يسمى حجاجا كان
متولى الاحكام ببولاق أيام الفرنسيس وجار وعسف وقتل معه آخر يقال انه أخوه
وفيه ايضا اشخاصا بالازبكية وجهات مصر
وفيه ركب الوزير بثياب التخفيف وشق المدينة وتامل في
الاسواق وأمر بمنع العسكر من الجلوس على حوانيت الباعة وأرباب الصنائع ومشاركتهم
في ارزاقهم ثم توجه الى المشهد الحسيني فزاره ثم عبر الى دار السيد أحمد المحروقي وشرفه
دبخوله اليه فجلس ساعة ثم ركب وأعطى أتباعه عشرين دينارا وذكر له أنه إنما قصد
بحضوره إليه تشريفه وتشريف أقرانه وتكون له منقبة وذلك على ممر الازمان وأما
العسكر فلم يمتثلوا ذلك الامر الا اياما قليلة ووقع بسبب ذلك شكاوي ومشاكلات
ومرافعات عند العظماء
وفي يوم الثلاثاء وصل قاصد من دار السلطنة وعلى يده شال
شريف من حضرة الهنكار السلطان سليم خان خطابا لحضرة الوزير ومعه خنجر
مرصع بفصوص الماس وهو جواب عن رسالته بدخوله بلبيس
وفيه نودى بتزيين الاسواق من العد تعظيما ليوم المولد
النبوي الشريف فلما اصبح يوم الاربعاء كررت المناداة والامر بالكنس والرش فحصل
الاعتناء وبدل الناس جهدهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل
الهندية مع تخوفهم من العسكر وركب المشار اليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد الشوارع
وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجمع بتكية الكلشني
على العادة وتردد الناس ليلا للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات وقراءة قرآن
وضجت الصغار في الاسواق وعم ذلك سائر اخطاط المدينة العامرة ومصر وبولاق وكان من
المعتاد القديم أن لا يعتني بذلك الا بجهة الازبكية حيث سكن الشيخ البكري لان عمل
المولد من وظائفه وبولاق فقط
وفي يوم الخميس ثاني عشره سافر سليمان أغا وكيل دار
السعادة وصحبته عدة هجانة الى ناحية الشام لاحضار المحمل الشريف وحريمات الامراء
الى مصر
وفيه افتتحوا ديوان مزاد الاعشار والمكوس وذلك ببيت الدفتردار
ولله الامر من قبل ومن بعد
وفيه حضر اليسرجي الذي جلب مملوك الشيخ البكري الذي تقدم
ذكره الى بيت القاضي واحضرو الشيخ خليلا البكري وادعى عليه انه قهره في أخذ
المملوك بالفرنسيس وأخذه منه بدون القيمة وانه ان أحضره على ذمة مراد بك وطال بينهما
النزاع وآل الامر بينهما الى انتزاع المملوك من المذكور وقد كان أعتقه وعقد له عل
ابنته فأبطلوا العتق وفسخوا النكاح وأخذ المملوك عثمان بك الطنبرجي المرادي ودفع
للشيخ دراهمه ولجلابة باقي الثمن وتجرع فراقه
وفي يوم الجمعة ركب الوزير وحضر الى الجامع الازهر وصلى
به
الجمعة وخلع علي الخطيب فرجيه صوف وفي ذلك اليوم احترق
جامع قايتباي الكائن بالروضة المعروف بجامع السيوطي والسبب في ذلك ان الفرنسيس
كانوا يصنعون البارود بالجنينة المجاورة للجامع فجعلوا ذلك الجامع مخزنا لما يصنعونه
فبقى ذلك بالمسجد وذهب الفرنسيس وتركوه كما هووجانب كبريت في انخاخ ايضا فدخل رجل
فلاح ومعه غلام وبيده قصبة يشرب بها الدخان وكأنه فتح ماعونا من ظروف البارود
ليأخذ منه شيئا ونسي المسكين القصبة بيده فأصابت البارود فاشتعل جميعه وخرج له صوت
هائل ودخان عظيم واحترق المسجد واستمرت النار في سقفه بطول النهار واحترق الرجل
والغلام
وفي يوم الاحد خامس عشره اشيع بانه كتب فرمان على
النصارى انهم لا يلبسون الملونات ويقتصرون على لبس الازرق والاسود فقط فبمجرد
الاشاعة وسماع ذلك ترصد جماعة القلقات لمن يمر عليهم من النصارى ومن لم يجدوه
بثياب ملونة يأخذوا طربوشه ومداسه الاحمر ويتركوا له الطاقية والشد الازرق وليس
القصد من اولئك القلقات الانتصار للدين بل استغناء السلب واخذ الثياب ثم ان
النصارى صرخوا الى عظمائهم فأنهوا شكواهم فنودي بعدم التعرض لهم وان كل فريق يمشي
على طريقته المعتادة
وفي يوم لاثنين طلب الوزير من التجار مائة كيس وعشرة اكياس
سلفة من عشور البهار والزمهم باحضارها من الغد فاجتمع المستعدون لجمع الفردة في
أيام الفرنساوية كالسيد أحمد الزرو وكاتب البهار وأرادوا توزيعها على المحترفين
كعادتهم فاجتمع أرباب الحرف الدنيئة وذهبوا الى بيت الوزير والدفتردار واستغاثوا
وبكوا فرفعوا عنهم الطلب وألزموا بها المياسير
وفيه قلدوا محمد آغا تابع قاسم بك موسقو الابراهيمي
وجعلوه واليا عوضا عن علي آغا الشعراوي
وفي ثامن عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي كان وفاء
النيل المبارك وركب محمد باشا المعروف بأبي مرق المرشح لولاية مصر في صبحها الى
قنطرة السد وكسروا جسر الخليج بحضرته وفرق العوائد وخلع الخلع ونثر الذهب والفضة
وفيه عزل الوزير القاضي وهو قاضي العرضي الذي كان ولاه
الوزير قاضي العسكر بمصر نائبا عمن يؤل اليه القضاء باسلامبول فلما تولى ذلك حصل
منه تعنت في الاحكام وطمع فاحش وضيق على نواب القضاء بالمحاكم ومنعهم من سماع
الدعاوي ولم يجرهم على عوائدهم وأراد ان يفتح بابا في الاملاك والعقار ويقول انها صارت
كلها ملكا للسلطان لان مصر قد ملكها الحربيون وبفتحها صارت ملكا للسلطان فيحتاج أن
أربابها يشترونها من الميري ثانيا ووقع بينه وبين الفقهاء المصرية مباحثات ومناقشات
وفتاوي وظهروا عليه ثم تحامل عليه بعض أهل الدولة وشكوه الى الوزير فعزله وقلد
مكانه قدسي افندي نقيب الاشراف بحلب سابقا ونقل المعزول متاعه من المحكمة فكانت
مدة ولايته خمسة عشر يوما
وفي ذلك اليوم ايضا خلع الوزير على الامير محمد بك
الالفي فروة سمور وقلده امارة الصعيد وليرسل المال والغلال ويضبط مواريث من مات
بالصعيد بالطاعون فبرز خيامه من يومه الى ناحية الآثار وأسكن داره بالازبكية رئيس
افندي
وفي يوم الجمعة حضر الوزير الى جامع المؤيد وصلى به
الجمعة
وفيه قبضوا على عرفة بن المسرى وحبس ببيت الوزير بسبب
أخيه ابراهيم كان شيخ مرجوش وتقيد بقبض فردة الفرنسيس ثم ذهب الى المحلة وتوفي بها
فغمزوا على أخيه عرفة المذكور وقبضوا عليه وحبسوه وأرسلوا فرمانا الى المحلة بضبط ماله
وما يتعلق به وبأخيه عند شركائهما ثم نهبوا ببيت المذكور
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه طلبت ابنة الشيخ البكري
وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير فحضروا الى دار أمها بالجودرية
بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله فقالت اني تبت من ذلك فقالوا لوالدها
ما تقول أنت فقال أقول اني بريء منها فكسروا رقبتها وكذلك المرأة التي تسمى هوى
التي كانت تزوجت نقولا القبطان ثم اقامت بالقلعة وهربت بمتاعها وطلبها الفرنساوية
وفتش عليها عبد العال وهجم بسببها عدة أماكن كما تقدم ذكر ذلك فلما دخلت المسلمون
وحضر زوجها مع من حضر وهو اسمعيل كاشف المعروف بالشامي أمنها وطمنها وأقامت معه
أياما فأستأذن الوزير في قتلها فأذنه فخنقها في ذلك اليوم ايضا ومعهاجاريتها
البيضاء أم ولده وقتلوا ايضا امرأتين من اشباههن
وفي يوم الاربعاء أرسلوا طائفة معينين من طرف محمد باشا
أبي مرق الى أخي الشواربي شيخ قليوب فأحضروه على غير صورة ماشيا مكتوفا مسحوبا
مضروبا من قليوب الى مصر فحبسوه ببيت الوزير ثم حضر أخوه وصالح عليه بعشرة أكياس
قام بدفعها وأطلق قيل ان السبب في ذلك ان جماعة من اتباع محمد باشا ذهبوا الى
قليوب وطلبوا تبنا فطردهم الساكن وأعطاهم دراهم ذهبوا عنه وتركوه وان عاند سبوه
وضربوه وشتمهم وردهم من غير شيء وقيل ان ذلك باغراء ابن المحروقي لضغين بينه
وبينهم قديم
وفي آخره تحرر ديوان العشور فكان المتحصل ستة عشر ألف
كيس
وفيه تشاجر طائفة من الينكجرية مع طائفة من الانكليز
بالجيزة وقتل بينهما أشخاص فنودى على الينكجرية ومنعوا من التعدى الى بر الجيزة
وفيه كثر اشتغال طائفة العسكر بالبيع والشراء في اصناف
المأكولات وتسلطوا على الناس بطلب الكلف ورتبوا على السوقة وأرباب الحوانيت دراهم
يأخذونها منهم في كل يوم ويأخذون من لخابز الخبز من غير ثمن وكذلك
يشربون القهوة من القهاوي ويحتكرون ما يريدون من الاصناف
ويبيعونها بأغلى الاثمان ولا يسرى عليهم حكم المحتسب وكذلك تسلطوا على الناس
بالاذية بأدنى سبب وتعرضوا للسكان في منازلهم فتأتي منهم الطائفة ويدخلون الدار
ويأمرون أهلها بالخروج ليسكنوها فإن لاطفهم الساكن واعطاهم دراهم ذهبوا عنهم
وتركوه وان عاند سبوه وضربوه ولو عظيما وان شكا الى كبيرهم قوبل بالتبكيت ويقال له
ألا تفسحون لاخوانكم المجاهدين الذين حاربوا عنكم وانقذوكم من الكفار الذين كانوا
يسومونكم سوء العذاب ويأخذون أموالكم ويفجرون بنسائكم وينهبون بيوتكم وهم ضيوفكم
أياما قليلة فما يسع المسكين الا ان يكلفهم بما قدر عليه وان أسعفته العناية
وانصرفوا عنه باي وجه فيأتي اليه خلافهم وان سكنوا دارا أخربوها وأما الفلقات
والينكجرية الذين تقيدوا بحارات النصارى فانهم كلفوهم اضعاف ما كلفوا به المسلمين
ويطلبون منهم بعد كلف المأكل واللوازم مصروف الجيب وأجرة الحمام وغير ذلك وتسلطت
عليهم المسلمون بالدعاوى والشكاوى على أيدي أولئك القلقات فيخلصون منهم ما لزمهم
بأدنى شبهة ولا يعطون المدعي الا القليل من ذلك والمدعي يكتفي بما حصل له من
التشفي والظفر بعدوه واذا تداعي شخص على شخص أو أمرأة مع زوجها ذهب معهم اتباع
القلق الى المحكمة ان كانت الدعوى شرعية فاذا تمت الدعوى أخذ القاضي محصولة ويأخذ
مثله اتباع القلق على قدر تحمل الدعوى
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الثلاثاء سنة فيه افرج عن
عرفة بن المسيري وصولح عليه بخمسة عشر كيسا وكتب له فرمان برد منهوباته وعدم
التعرض لتعلقاته بالمحلة
وفي يوم الاربعاء ثانيه أمر الوزير الوجاقلية بلبس
القواويق على عادتهم القديمة فأخبروا ابراهيم بك فقال الامر عام لنا ولكم أولكم
فقط فقالوا لا ندرى فسأل ابراهيم بك الوزير المشار اليه فقال له بل ذلك عام فلما
كان يوم الجمعة حادي عشره لبس الوجاقلية والامراء المصرية
زيهم من القواويق المختلفة الاشكال على عادتهم القديمة
حسب الامر بذلك وكذلك الامراء الصناجق وحضروا في يوم الجمعة بديوان الوزير ونظر
اليهم وأعجب بهيآتهم واستحسن زيهم ودعا لهم واثنى عليهم وأمرهم أن يستمروا على
هيئتهم وذلك على ما هم فيه من التفليس وغالبهم لا يملك عشاء ليلته فضلا عن كونه
يقتني حصانا وشنشارا وخدما ولوازم لا بد منها ولا غنى للمظهر عنها
وفيه حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة
الفرنساوية فتخلفوا عنهم ورجعوا الى مصر
وفيه أرسلوا تنابيه للملتزمين بطلب بواقي مال سنة ثلاث
عشرة واربع عشرة فأعتذروا بأنهم ممنوعون من التصرف فمن اين يدفعون البواقي
وفي يوم الخميس نبهوا على العساكر المتداخلة في
الينكجرية وغيرهم بالسفر
وفيه كتبت فرمانات باللغة العربية بترصيف صاحبنا العلامة
السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب وأرسلت الى البلاد الشرقية والمنوفية
والغربية مضمونها الكف عن أذية النصارى واليهود أهل الذمة وعدم التعرض لهم وفي
ضمنه آيات قرآنية وأحاديث نبوية والاعتذار عنهم بان الحامل لهم على تداخلهم مع الفرنساوية
صيانة اعراضهم وأموالهم
وفي يوم الجمعة احضروا رمة زوجة ابراهيم بك عملوا لها
قبرا بجانب أخيها محمد بك أبي الذهب بمدرسته المقابلة للجامع الازهر ودفنوها به
وفي يوم السبت خامسه ورد الخبر بوفاة احمد بك حسن أحد
الامراء الذين توجهوا صحبة حسين باشا القبطان والفرنساوية وكان القبطان وجهه الى
عرب الهنادي الذين يحملون الميرة الى الفرنسيس المحصورين بأسكندرية وضم اليه عدة
من العسكر فحاربهم وقاتلهم عدة مرار فأصابته رصاصة دخلت في جوفه فرجع الى مخيمه
ومات من
ليلته وكان يضاهي سيده في الشجاعة والفروسية
وفيه اطلعوا للملتزمين التصرف في سنة خمس عشرة ليقضوا ما
لهم وما عليهم من البواقي ومال الميري والمضاف ويدفعوا جميع ذلك الى الخزينة
بأوراق مختومة من ابراهيم بك وعثمان بك والقصد من ذلك اطمئنانهم بالجباية والرجاء
بالتصرف في المستقبل ووعدهم بذلك سنة تاريخه بعد دفعهم الحلوان مع ان الفرنساوية لما
استقر أمرهم بمصر ونظروا في الاموال الميرية والخراج فوجدوا ولاة الامور يقبضون
سنة معجلة ونظروا في الدفاتر القديمة واطلعوا على العوائد السالفة ورأوا ذلك كان
يقبض أثلاثا مع المراعاة في ري الاراضي وعدمه فاختاروا والاصلح في أسباب العمار
وقالوا ليس من الانصاف المطالبة بالخراج قبل الزراعة بسنة واهملوا وتركوا سنة خمس
عشرة فلم يطالبوا الملتزمين بالاموال الميرية ولا الفلاحين بالخراج فتنفست
الفلاحون وراج حالهم وتراجعت ارواحهم مع عدم تكليفهم كثرة المغارم والكلف وحق طرق
المعينين ونحو ذلك
وفي يوم الثلاثاء ثامنه وصلت قافلة شامية وبها بضائع
وصابون ودخان وحضر السيد بدر الدين المقدسي والحاج سعودي الحناوي وآخرون وتراجع
سعر الصابون والقناديل الخليلي والدخان
وفيه ورد الخبر بسفر الفرنساوية ونزولهم المراكب من ساحل
أبي قير
وفي يوم الاحد حبس حسن آغا محرم المنفصل عن الحسبة وطولب
بمائتي كيس وذلك معتاد الحسبة في الثلاث سنوات التي تولاها أيام الفرنساوية فانه
لما تقلد أمر الحسبة في أيامهم منعوه من أخذ العوائد والمشاهرات من السوقة وجعلوا
له مرتبا في كل يوم يأخذه من الاموال الديوانية نظير خدمته وكذلك أتباعه وطالبوه
ايضا بأربعة آلاف قرش كان اعطاها له نزله امين عند حضورهم في العام الماضي
لمشتروات الذخيرة ثم نقض الصلح عقيب ذلك وخرجوا من مصر وبقيت بذمته فأخبر أن
الفرنساوية علموا بها وأخذوها منه واعطوه ورقة بوصول ذلك
اليهم فلم يقبلوا منه ذلك وبقي معتقلا وادعوا عليه ايضا بتركة الاغا الذي كان
نزيله ومات عنده واحتوى على موجوده فأخبر ايضا ان الفرنسيس اخذوا منه ذلك ايضا
واعطوه سندا فلم يقبلوا منه ذلك واستمر محبوسا
وفي يوم الاثنين رابع عشره نودي على أن أهل البلدة لا
يصاهرون العساكر العثمانية ولا يزوجونهم النساء وكان هذا الامر كثر بينهم وبين أهل
البلد واكثرهم النساء اللاتي دون مع الفرنساوية ولما حضر العثمانية تحجبن وتنقبن
وتوسطن لهن اشباهن من الرجال والنساء وحسنوهن للطلاب ورغبوا فيهن الخطاب فأمهروهن المهور
الغالية وانزولهن المناصب العالية وفي ذلك اليوم ايضا نودي على أهل الذمة بالامن
والامان وأن المطلوب منهم جزية أربع سنوات
وفيه قبض على جربجي موسى الجيزاوي وعمل عليه عشرون كيسا
وفيه قبض محمد باشا ابو مرق على مقدمه مصطفى الطاراتي
وضربه علقة وحبسه وألزمه بمبلغ دراهم
وفيه سافر الانكليزية الذين بالجيزة والروضة الى جهة
الاسكندرية وأشيع أن الحرب قائمة بين العساكر والفرنسيس الاسكندرانية من يوم
الاثنين سابعه فطلبوا المراكب حتى شح وجودها وضاق الحال بالمسافرين واستمر طلبهم
ونزولهم عدة ايام وكذلك نبهوا على الكثير من العساكر الاسلامية بالسفر
وفي يوم الخميس نقضت الاوامر بتصرف الملتزمين في البلاد
وقيدت صيارف من نصارى القبط بالنزول الى البلاد لقبض الاموال في غير أوانها لطرف
الدولة
وفي يوم الجمعة ثامن عشره لبس الامراء الكبار القواويق
على رؤوسهم
وفيه قبض من مصطفى الطاراتي المعتقل المتقدم ذكره خمسة
عشر
ألف ريال ولم يزل معتقلا وقيل انه غمز عليه فوجد له في مكان
صندوقات ضمنهما ذهب نقدعين ومصطفى هذا كان كلارجيا عند قائد أغا حين كان بمصر فلما
خرج الامراء مقدما عند بونابارته ثم عند كلهبر فلما وقعت الفتنة السابقة وظهر
يعقوب القبطي وتولي أمر الفردة وجمع المال تقيد بخدمته وتولى أمر اعتقال المسلمين
وحبسهم وعقوبتهم وضربهم فكان يجلس على الكرسي وقت القائلة ويأمر اعوانه بإحضار
افراد المحبوسين من التجار وأولاد الناس فيمثل بين يديه ويطالبه بأحضار ما فرض
عليه مما لا طاقة له به ولا قدرة له على تحصيله فيعتذر بخلو يده ويترجى امهاله
فيزجره ويسبه ويأمر بضربه فيبطحونه ويضرب بين يديه ويرده الى السجن بعد أن يأمر
أعوانه أن يذهب الى داره وصحبته الجماعة من عسكر الفرنسيس ويهجمون على حريمه
وأمثال ذلك
وفي يوم الاحد وردت أخبار من اسكندرية بتملك العساكر
الاسلامية والانجليزية متاريس الفرنساوية وأخذهم المتاريس التي جهة العجمي وباب
رشيد وجانبا من اسكندرية القديمة وتخطت المراكب وعبرت الى المينة وأن الفرنساوية
انحصروا داخل الابراج واخذ منهم نحو المائة وسبعين أسيرا وقتل منهم عدة وافرة
ووقعت بين الفريقين مقتلة عظيمة لم يقع نظيرها وقتل الكثير من عسكر قبطان باشا
وكذلك من الانجليز ثم انجلت الحرب عما ذكر فلما ور الخبر بذلك ضربوا عدة مدافع وسر
الناس بذلك
وفيه ورد الخبر بوصول سليمان صالح الى بلبيس وصحبته المحمل
والحريمات وأحضر معه رمة سيده صالح بك ليدفنها بمصر بالقرافة فخرج أناس لملاقاتهم
وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء وهدبه
وفي يوم الاثنين وصل سليمان أغا الى بركة الحاج وصحبته
المحمل ونساء الامراء القادمين من الشام ومعه ايضا رمة صالح بك ليدفنها بقرافة مصر
فخرج الناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء
وهديات ونودي في عصريته بعمل موكب من الغد وطاف ألاى
جاويش بزيه المعتاد وخلفه القابجية وهم ينادون يارن الاى فلما اصبح يوم الثلاثاء
ثاني عشرينه عمل الموكب وانجر الالاى ودخل المحمل من باب النصر وشقوا به من الشارع
الاعظم وصادف ذلك اليوم يوم مولد المشهد الحسيني والاسواق مزينة وعلى الحوانيت
الشقق الحرير والزردخات والتفاصيل وتعاليق القناديل ومشى في الموكب رسوم الوجاقلية
والاوده باشية واكثر الامراء والمشايخ والعلماء ونقيب الاشراف ونبه على جميع
الاشراف تلك الليلة بالحضور في صبح ذلك اليوم للمشي في ذلك الموكب فمشى كل من كان
له عمامة خضراء يكبرون ويهللون فكانوا عدداكثيرا وكل من وجدوه بالطريق وعلى رأسه
خضار جذبوه وسحبوه قهرا وامروه بالمشي وان أبى ضربوه وسبوه وبكتوه بقولهم ألست من
المسلمين وكذلك تجمع ارباب الاشاير ومشوا على عادتهم بطبولهم وزمورهم وخباطهم
وخرقهم وخورهم وصياحهم فلم يزالوا حتى وصلوا الى قراميدان وتسلم المحمل محمد باشا
ابومرق من سليمان أغا الذي وصل به ولكونه عوضا عن سيده أمير الحاج صالح بك ثم
صعدوا به الى القلعة وأودعوه هناك وعملت وقدة وشنك تلك الليلة
وفي ذلك اليوم شرعوا في فتح باب الفتوح وكان القصد ادخال
المحمل منه لضيق باب الاستثنا الثاني الذي جدده الفرنساوية عند باب النصر فلم يتأت
ذلك لمتانة البناء واستمروا ثلاثة أيام يهدمون في البناء الذي على الباب من داخل
فلم يمكن ودفنوا صالح بك بتربة اعدت له بقرافة المجاورين والعجب ان الناس من
القديم يتمنون أن يقبروا بالارض المقدسة لكونها عش الانبياء والصديقين وهؤلاء
الثلاثة بالعكس فما هو الا لتطهيرها منهم
وفيه ورد خبر باسكندرية بانقضاء الحرب وطلب الفرنسيس
الصلح بعد وقوع الغلبة عليهم وهزيمتهم وأخذ منهم عدة اسرى وانحصروا في
الابراج فأمنوهم وأجلوهم خمسة أيام آخرها يوم الخميس
سابع عشرينه
وفيه الزموا حسن أغا المحتسب بالنقلة من داره وهو في
الحبس فأرسل الى حريمه واتباعه فانتقلوا الى مكان آخر
وفيه ورد الخبر ايضا بورود عثمان كتخدا الدولة الذي كان
بمصر في العام السابق وباشر الحروب بمصر وصحبته آخر يقال له شريف افندي
وفي سادس عشرينه قدم محمد افندي المعروف بشريف افندي
الدفتردار وقدم بصحبته عثمان كتخدا الدولة وسكن شريف افندي بدرب الجماميز وسكن
الكتخدا بمنزل حسن أغا المحتسب سابقا بسويقة اللالا
وفي غايته عمل شنك ومدافع كثير وذلك لوصول خبر بتسليم
الاسكندرية وسبب تأخرهم الى هذه المدة بعد وقوع الصلح انتظار الامر بالانتقال من
بونابارته وذلك انه لما وقع الصلح المتقدم أرسل سارى عسكر منو تطريدة الى فرانسا
بالخبر الى بونابارته وانتظر الجواب فورد عليه الامر بالانتقال والحضور فعند ذلك
نزلوا متاعهم الى المراكب وسافروا الى بلادهم
شهر جمادى الاولى استهل بيوم الخميس سنة فيه قرئت
فرمانات صحبة عثمان كتخدا وفيها التنويه بذكر أعيان الكتبة الاقباط والوصية بهم
مثل جرجس الجوهري واصف وملطي ومقدمهم في تحرير الاموال الميرية
وفيه أنفصل مولانا السيد محمد المعروف بقدسي افندي عن
القضاء وسافر ذلك اليوم وذلك بمراده واستعفائه وطلبه وتقلد القضاء عوضه عبد الله افندي
قاضي الميري وكاتب الجمرك وحضر في ذلك اليوم الى المحكمة
وفي يوم السبت ثالثه أفرج عن حسن أغا المحتسب بشفاعة
عثمان
كتخدا وحسن أغا وكيل قبطان باشا من غير شيء وتوجه الى
دار بجوار داره
وفيه تجمع النساء والفلاحون والملتزمون والوجاقلية ببيت
الوزير بسبب الالتزام والمنع من التصرف وحضور الفلاحين للضيق عليهم بطلب المال الى
ملتزميهم ومطالبتهم اياهم بما قبضوه منهم فلما اجتمعوا وصرخوا سأل الوزير عن ذلك
فأخبروه فأمر بكتابة فرمان بالاطلاق والاذن للملتزمين بالتصرف ووجهوا الامر الى
الدفتردار فكتب عليه ثم الى الروزنامجي كذلك ثم توجهوا الى دفتردار الدولة فتوقف
وبقى الامر زجاجا اياما وذلك ان القوم يريدون امورا مبطونة في نفوسهم واطماعا
مركوزة في طباعهم
وفي يوم الاثنين نودي بالزينة ثلاثة ايام اولها الاربعاء
وآخرها الجمعة تاسعه سرورا بتسليم الاسكندرية فزينت المدينة وعملت الوقدات
بالاسواق والمغاني للفرجة ليلا ونهارا وكل ليلة يعمل شنك نفوط وسواريخ وبارود
ببركة الغرابين المطل عليها بيت الوزير
وفيه حضر نحو ستة انفار من اعيان الانكليز وصحبتهم جماعة
من العثمانية يفرجونهم على مواطن مزارات المسلمين فدخلوا الى المشهد الحسيني وغيره
بمداساتهم فتفرجوا وخرجوا
وفيه تحاسب السيد أحمد المحروقي مع السيد أحمد الزرو على
شركة بينهما فتأخر علي الزرو أحد وعشرون كيسا فألزمه باحضارها وحبسه بسجن قواس
باشا وأمره بالتضييق عليه ولما اصبح يوم السبت لغط الناس باستمرار الزينة سبعة
ايام وانتظروا الاذن في رفع التعاليق فلم يؤذن لهم بشيء فاستمروا طول النهار في
اختلاف وحل وربط ثم اذن لهم قبيل الغروب برفعها بعدما عمروا القناديل وكان الناس
يبيتون سهارى بالحوانيت والقلقات يطوفون بالاسواق فمن وجدوه نائما نبهوه بإزعاج
وفي يوم الاثنين ثاني عشره ووقع من طوائف العسكر عربدة
بالاسواق وتخطفوا امتعة الناس ومن باعة المآكل كالشواء والفطير والبطيخ والبلح
فأنزعجت الناس ورفعوا متاعهم من الحوانيت واخلوا منها واغلقوها فحضر اليهم بعض
أكابرهم وراطنهم فانكفوا وراق الحال وتبين ان السبب في ذلك تأخير علائفهم وذلك أن من
عادتهم القبيحة انه اذا تأخرت عنهم علائفهم فعلوا مثل ذلك بالرعية وأثاروا الشرور
فعند ذلك يطلبون خواطرهم ويعدونهم أو يدفعون لهم
وفيه ورد الخبر بتولية محمد باشا خسرو على مصر وهو كتخدا
حسين باشا القبودان فألبس الوزير وكيله خلعةعوضا عنه واشيع عزل محمد باشا أبي مرق
وسفره الى بلاده وحضر السفار أيضا من جهة رشيد واسكندرية واخبروا بان الفرنساوية
لم يزالوا باسكندرية وبنديراتهم على الابراج وان القبطان ومن معه لم يدخلوها وانما
يدخلها معهم الانكليزية وانهم ينتظرون الى الآن الجواب والاذن من شيختهم وما أشيع
قبل ذلك فلا أصل له وأما الطائفة الاخرى التي سافرت من مصر فإنهم نزلوا وسافروا
على وفق الشرط من أبي قير كما تقدم
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وردت مكاتبة من قبطان باشا
بطلب عثمان بك المرادي وعثمان بك البرديسي وابراهيم كتخدا السناري والحاج سلامة
تابعه وآخرين فسافروا في يوم السبت رابع عشرينه
وفي ليلة السبت المذكور قتلوا شخصا يسمى مصطفى الصيرفي
من خط الصاغة قطعوا رأسه تحت داره عند حانوته وسبب ذلك انه كان يتداخل في نصارى
القبط والذين يتعاطون الفرد ويوزعونها وتولى فردة أهل الصاغة وسوق السلاح وتجاهر
بأمور نقمت عليه وأضر اشخاصا وأغرى به فحبس اياما ثم قتل بأمر الوزير وترك مرميا
ثلاث ليال ثم دفن وفي صبيحة قتله طاف المشاعلي بالخطة ودوائرها مثل الجمالية
والضيية والنحاسين وباب الزهومة وخان الخليلي فجبى من أرباب
الحوانيت دراهم ما بين خمسة انصاف فضة وعشرة وعند شيله
جبي القلقات ايضا ما يزيد على المائة قرش وذلك من جملة عوائدهم القبيحة
وفيه هرب السيد احمد الزرو فلم يعلم له خبر وذلك بعد ما
أطلق بضمانة السيد أسعد وابن محرم فكتب الوزير عدة فرمانات وارسلها صحبة هجانة الى
جهة الشام وختموا على دوره ولم يعلم هروبه الا بعد أربعة أيام لما داخله من الخوف بقتل
الصيرفي المذكور
وفي يوم الخميس تاسع عشرنيه عقد ابراهيم بك الكبير عقد
ابنته عديلة هانم التي كانت تحت ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي الذي غرق
بواقعة الفرنسيس بانبابة على الامير سليمان كاشف مملوك زوجها الاول على صداق ألفين
ريال وحضر العقد الشيخ السادات والسيد عمر النقيب والفيومي وبعض الاعيان
وفي يوم الجمعة غايته قتل شخص أيضا بسوق السلاح وهو من
ناحية المنصورة وجبي المشاعلية والقلقات دراهم من أرباب الحوانيت مثل ذلك المذكور
فيما تقدم وانقضى هذا الشهر وحوادثها التي منها الارتباك في أمر حصص الالتزام
والمزاد في المحلول وعدم الراحة والاستقرار على شيء يرتاح الناس عليه ومثل ذلك
الرزق الاحباسية والاوقاف وحضر شخص تولى النظر والتفتيش على جميع الاوقاف المصرية
السلطانية وغيرها وبيده دفاتر ذلك فجمع المباشرين واستملاهم وكذلك كاتب المحاسبة
وبث المعينين لاحضار النظار بين يديه وحسابهم على الايراد والمصرف واظهر انه يريد
بذلك تعمير المساجد الكائنة بالقرى المصرية وانضمت اليه الاغوات وطلب كل من كان له
ادنى علاقة بذلك واستمروا على ذلك بطول السنة ثم انكشف الامر وظهر ان المراد من
ذلك ليس الا تحصيل الدراهم فقط وأخذ المصالحات والرشوات بقدر الامكان بعد
التعنت في التحرير والتعلل بأثبات المدعي في الايراد والمصرف
خصوصا اذا كان الشخص ضعيفا وليس من أرباب الوجاهة والمتجوهين أو بينه وبين الكتبة
حزازة باطنية ثم يحررون دفترا ويحررون الفائظ ثم يطلبون منه ايراد ثلاث سنوات أو
اربعة ولم يزل حتى يصالح على نفسه بما أمكنه ثم يختمون له ذلك الدفتر ويتركونه وما
يدين ان شاء عمر وان شاء اخر فان انتهت اليهم بعد ذلك شكوى في ناظر وقف سبقت له
مصالحة لا تسمع شكوى الشاكي ولا يلتفت اليها ويفعلون هذا الفعل في كل سنة
ومنها زيادة النيل الزيادة المفرطة عن المعتاد وعن العام
الماضي ايضا حتى غطى الذراع زاده الفرنساوية على عامود المقياس فان الفرنساوية لما
غيروا معالم المقياس رفعوا الخشبة المركبة على العامود وزادوا فوق العامود قطعة
رخام مربعة مهندمة وجعلوا ارتفاعها مقدار ذراع مقسوم باربعة وعشرين قيراطا وركبوا
عليها الخشبة فسترها الماء ايضا ودخل الماء بيوت الجيزة ومصر القديمة وغرقت الروضة
ولم يقع في هذا النيل حظوظ ولا نزهة للناس كعادتهم في البرك والخلجان والمراكب وذلك
لاشتغال الناس بالهموم المتوالية وخصوصا الخوف من اذى العسكر وانحراف طباعهم
وأوضاعهم وعدم المراكب وتخريب الفرنسيس أماكن النزاهة وقطع الاشجار وتلف المقاصف
التي كانت تجلس بها أولاد البلد مثل دهليز الملك والجسر والرصيف وغير ذلك مثل
الكازروني والمغربي وناحية قنطرة السد وقصر العيني والقصور
ومنها ان محمد بك المعروف بالمنفوخ المرادي حصل عنده
وحشة من قبطان باشا فحضر الى ناحية الاهرام بالجيزة وطلب الحضور عند الوزير يستجير
به فذهب اليه خشداشه عثمان بك البرديسي وحادثه وأشار عليه بالرجوع الى جهة القبطان
فأقام أياما ثم رجع الى ناحية اسكندرية والسبب في ذلك ما حصل في الواقعة التي قتل
بها أحمد بك
الحسيني قيل ان ذلك بنفاقه عليه واتضح ذلك للقبطان
واحضرت العرب مراسلته اليهم بذلك فانحرف عليه القبطان فلما علم ذلك داخله الخوف ثم
ارسل اليه الامراء والقبطان أمانا فرجع بعد أيام
ومنها حضور الجمع الكثير من أهالي الصعيد هروبا من
الالفي وما أوقعه بهم من الجور والمظالم والتقارير والضرائب والغرائم وحضر ايضا
الشيخ عبد المنعم الجرجاوي والشيخ العارف وخلافهم يتشكون مما أنزله على بلادهم وطلب
متروكات الاموات وأحضر ورثتهم وأولاده وأطفالهم ومن توسط أو ضبط أو تعاطي شيئا من
القضاة والفقهاء وحبسهم وعاقبهم وطالبهم وطلب استئصال ما بأيديهم ونحو ذلك كل ذلك
بأمن من الدولة وغير ذلك معين فحضورا فصالحوا على تركة سليم كاشف باثنين وعشرين
ألف ريال بعد ان ختموا على دوره بعد أن أزعجوا حريمه وعياله ونطوا من الحيطان ثم
حضروا الى مصر وأمثال ذلك
ومنها كثرة تعدى العسكر بالاذية للعامة وأرباب الحرف
فيأتي الشخص منهم ويجلس على بعض الحوانيت ثم يقوم فيدعي ضياع كيسه أو سقوط شيء منه
وان أمكنه اختلاس شيء فعل أو يبدلون الدنانير الزيوف الناقصة النقص الفاحش
بالدراهم الفضة قهرا أو يلاقشون النساء في مجامع الاسواق من غير احتشام ولا حياء واذا
صرفوا دراهم أو أبدلوها اختلسوا منها وانتشروا في القرى والبلدان ففعلوا كل قبيح
فتذهب الجماعة منهم الى القرية وبيدهم ورقة مكتوب باللغة التركية ويوهمونهم انهم
حضروا اليهم بأوامر ما برفع الظلم عنهم أو ما يبتدعونه من الكلام المزور ويطلبون
حق طريقهم مبلغا عظيما ويقبضون على مشايخ القرية ويلزمونهم بالكلف الفاحشة ويخطفون
الاغنام ويهجمون على النساء وغير ذلك مما لا يحيط به العلم فطفشت الفلاحون وحضر
أكثرهم الى المدينة حتى امتلأت الطرق والازقة منهم أو يركب العسكري حمار المكارى
قهرا ويخرج به الى جهة الخلاء فيقتل المكارى
ويذهب بالحمار فيبيعه بساحة الحمير واذا انفردوا بشخص أو
بشخصين خارج المدينة أخذوا دراهمهم او شلحوهم ثيابهم أو قتلوهم بعد ذلك وتسلطوا
على الناس بالسب والشتم ويجعلونهم كفرة وفرنسيس وغير ذلك وتمنى أكثر الناس وخصوصا
الفلاحين أحكام الفرنساوية
ومنها أن أكثرهم تسبب في المبيعات وسائر اصناف المأكولات
والخضارات ويبيعونها بما أحبوا من الاسعار ولا يسرى عليهم حكم المحتسب ولا غيره
وكذلك من تولى منهم رياسة حرفة من الحرف كالمعمارجية أو غيرهم قبض من أهل الحرفة
معلوم اربع سنوات وتركهم وما يدينون فيسعرون كل صنف بمرادهم وليس له هو التفات
لشيء سوى ما يأخذه من دراهم الشكاوى فعلا بسبب ذلك الجبس والجير وأجر الفعلة والبنائين
خصوصا وقد احتاج الناس لبناء ما هدمه الفرنسيس وما تخرب في الحروب بمصر وبولاق
وجهات خارج البلد حتى وصل الاردب الجبس الى مائة وعشرين نصف فضة والجير بخمسين نصف
فضة وأجرة البناء أربعين فضة والفاعل عشرين وأما الغلة فرخصية وكذلك باقي الحبوب
بكثرتها مع ان الرغيف ثلاثة آواق بنصف لما ذكر من عدم الالتفات الى الاحكام
والتسعيرات
واستهلت جمادى الثانية بيوم السبت سنة فيه تفكك الجسر
الكبير المنصوب من الروضة الى الجيزة وذلك من شدة الماء وقوته فتحللت رباطاته
وانتزعت مراسيه وانتشرت أخشابه وتفرقت سفنه وانحدرت الى بحري
وفي ليلة الاحد ثانية حصلت زلزلة في ثالث ساعة من الليل
وفي يوم الاثنين ثالثه قطعوا رأس مصطفى المقدم المعروف
بالطاراتي بين المفارق بباب الشعريةوذلك بعد حبسه أياما عديدة وضربه وعقابه حتى
تورمت أقدامه وطاف مع المعينين عدة ايام يتداين بواقي ما قرر عليه ودخل دارا نافذة
وأجلس الملازمين له ببابها وهم لا يعلمون
بنفوذها وأوهم انه يريد التداين من صاحب الدار ونفذ من
الجهة الاخرى واختفى في بعض الزوايا فاستعوقه الجماعة ودخلوا الى الدار فلم يجدوه
وعلموا بنفوذها فقبضوا على خدمة الدار وضربوهم فلم يجدوا عندهم علما منه فأطلقوهم
وأوقعوا عليه الفحص والتفتيش فرآه شخص ممن صادره في ايام الفردة فصادفه في صبحها
خارج باب القرافة فقبض عليه وأحضره بين يدي جماعة القلق فدل عليه فقبضوا عليه وقتلوه
بعد القبض عليه بثلاثة أيام وتركوه مرميا تحت الارجل وسط الطريق وكثرة الازدحام
ثلاث ليال وفعلوا عادتهم في جبي الدراهم من تلك الخطة
وفيه ورد فرمان من محمد باشا والي مصر بأن يتأهبوا
لموكبه على القانون القديم فكتبوا تنابيه للوجاقلية والاجناد بالتهيء للموكب
وفي يوم الثلاثاء وصل شمس الدين بك أميراخور كبير ومرجان
أغا دار السعادة فأرسلوا تنابيه الى الوجاقلية والامراء والمشايخ ومحمد باشا
وابراهيم باشا فاجتمعوا ببيت الوزير وحضر المذكوران بعد الظهر فخرج الوزير
ولاقاهما من المجلس الخارج فسلماه كيسا بداخله خط شريف فأخذه وقبله وأحضرا له بقجة
بداخلها خلعة سمور عظيمة فلبسها وسيفا تقلد به وشلنج جوهر وضعه على رأسه ودخل
صحبتهما الى القاعة حيث الجمع ففتح الكيس وأخرج منه الفرمان ففتحه واخرج منه ورقة
صغيرة فسلمها لرئيس افندي فقرأها باللغة التركية والقوم قيام على اقدامهم مضمونها
الخطاب لحضرة الوزير الحاج يوسف باشا وحسين باشا القبطان والباشات والامراء
والعساكر والمجاهدين والثناء عليهم والشكر لصنيعهم وما فتحه الله على يديهم
واخراجهم الفرنسيس ونحو ذلك ثم وعظ بعض الافندية بكلمات معتادة ودعوا للسلطان
والوزير والعساكر الاسلامية وتقدم ابراهيم باشا ومحمد باشا وطاهر باشا وباقي
الامراء فقبلوا ذيل الخلعة وانصرفوا وضربوا مدافع كثيرة
من القلعة في ذلك الوقت وفي ذلك اليوم ألبس الوزير
الامراء والبلات فراوى وخلعا وشلنجات ذهب على رؤوسهم
وفيه حضرت اطواخ بولاية جدة لمحمد باشا توسون اغات
الجبجية وهو انسان لا بأس به
وفيه حضر القاضي الجديد من الروم ووصل الى بولاق وهو
صاحب المنصب فأقام ثلاثة أيام وصحبته عياله وحريمه فلما كان يوم السبت ثامنه حضر
بموكبه الى المحكمة وذهب اليه الاعيان في صبحها وسلموا عليه وله مسيس بالعلم
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل الوزير الديوان وحضر
عنده الامراء فقبض على ابراهيم بك الكبير وباقي الامراء الصناجق وحبسهم وارسل طاهر
باشا بطائفة من العسكر الارنؤد الى محمد بك الالفي بالصعيد وكان اشيع هروبه الى
جهات الواحات وذهبت طائفة الى سليم بك أبي دياب وكان مقيما بالمنيل فلما أخذ الخبر
طلب الهرب وترك حملته فلما حضرت العسكر اليه فلم يجدوه فنهبوا القرية واخذوا جماله
وهي نحو السبعين وهجنه وهي نيف وثلاثون هجينا وذهبت اليه طائفة بناحية طرا فقاتلهم
ووقع بينهم بعض قتلى ومجاريح ثم هرب الى جهة قبلي من على الحاجز ووقفت طائفة
العسكر والارنؤد بالاخطاط والجهات وخارج البلد يقبضون على من يصادفونه من المماليك
والاجناد ونودي في ذلك اليوم بالامن والامان على الرعية والوجاقلية وأطلق الوزير
مرزوق بك ورضوان كتخدا ابراهيم بك وسليمان أغا كتخداه المسمى بالحنفي وأحاطت
العسكر بالامراء المعتقلين واختفى باقيهم ونودي عليهم وبالتوعد لمن أخفاهم أو
آواهم وباتوا بليلة كانت أسوأ عليهم من ليلة كسرتهم وهزيمتهم من الفرنسيس وخاب
أملهم وضاع تعبهم وطمعهم وكان في ظنهم ان العثملي يرجع الى بلاده ويترك لهم مصر
ويعودون الى حالتهم الاولى يتصرفون في الاقاليم كيفما شاؤا
فاستمروا في الحبس ثم تبين ان سليم بك ابا دياب ذهب الى
عند الانكليز والتجأ اليهم بالجيزة وألبس لوزير سليمان آغا تابع صالح آغا زي
العثمانيين وجعله سلخور وأمره أن يتهيأ ليسافر الى اسلامبول في عرض الدولة
وفي يوم الاثنين سابع عشره سافر اسمعيل افندي شقبون كاتب
حوالة الى رشيد باستدعاء من الباشا والي مصر
وورد الخبر بوصول كسوة للكعبة من حضرة السلطان فلما كان
يوم الاربعاء حضر واحد افندي وآخرون وصحبتهم الكسوة فنادوا بمرورها في صبحها يوم
الخميس فلما أصبح يوم الخميس المذكور ركب الاعيان والمشايخ والاشاير وعثمان كتخدا المنوه
بذكره لامارة الحج وجمع الجاويشية والعساكر القاضي ونقيب الاشراف وأعيان الفقهاء
وذهبوا الى بولاق وأحضورها وهم امامها وفردوا قطع الحزام المصنوع من المخيش ثلاث
قطع والخمسة مطوية وكذلك البرقع ومقام الخليل كل ذلك مصنوع بالمخيش العال والكتابة
غليظة مجوفة متقنة وباقي الكسوة في سحاحير على الجمال وعليها أغطية جوخ أخضر ففرح
الناس بذلك وكان يوما مشهودا وأخبر من حضر أنه عند ماوصل الخبر بفتح مصر أمر حضرة
السلطان بعملها فصنعت في ثلاثين يوما وعند فراغها أمرهم بالسير بها ليلا وكان
الريح مخالفا فعندما حلوا المراسي اعتدل الريح بمشيئة الله تعالى وحضروا الى
اسكندرية في أحد عشر يوما
وفيه وردت الاخبار بان حسين باشا القبطان لم يزل يتحيل وينصب
الفخاخ للامراء الذين عنده وهم محترزون منه وخائفون من الوقوع في حباله فكانوا لا
يأتون اليه الا وهم متسلحون ومحترزون وهو يلاطفهم ويبش في وجوههم الى ان كان اليوم
الموعود به عزم عليهم في الغليون الكبير الذي يقال له ازج عنيرلي فلما طلعوا الى
الغليون وجلسوا فلم يجدوا القبودان فأحسوا بالشر وقيل انه كان بصحبتهم فحضر اليه
رسول وأخبره انه حضر معه ثلاثة من السعاة بمكاتبة فقام ليرى تلك
المراسلة فما هو الا أن حضر اليهم بعض الامراء وأعلمهم
أنه ورد خط شريف باستدعائهم الى حضرة مولانا السلطان وأمرهم بنزع السلاح فأبوا
ونهض محمد بك المنفوخ وسل سيفه وضرب ذلك الكبير فقتله فما وسع البقية الا أنهم
فعلوا كفعله وقاتلوا من بالغليون من العساكر وقصدوا الفرار فقتل عثمان بك المرادي
الكبير وعثمان بك الاشقر ومراد بك الصغير وعلي بك أيوب ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك
الحسيني الذي قامر عوضا عن أحمد بك الحسيني وابراهيم كتخدا السناري وقبض على
الكثير منهم وأنزلوهم المراكب وفر البقية مجروحين الى عند الانكليز وكانوا واقعين
عليهم من ابتداء الامر فاغتاظ الانكليز وانحازوا الى اسكندرية وطرودا من بها من العثمانيين
وأغلقوا أبواب الابراج وحضر منهم عدة وافرة وهم طوابير بالسلاح والمدافع واحتاطوا
بقبطان باشا من البر والبحر فتهيأ عساكره لحربهم فمنعهم فطلب الانجليز بروزه
بعساكره لحربهم فقال لم يكن بيننا وبينكم حرب واستمر جالسا في صيوانه فحضر اليه
كبير الانجليز وتكلم معه كثيرا وصمم على أخذ بقية الامراء المسجونين فاطلقهم له
فتسلمهم وأخذ أيضا المقتولين ونقل عرضى الامراء من محطتهم الى جهة الاسكندرية
وعملوا مشهد للقتلى مشى به عساكر الانجليز على طريقتهم في موتي عظمائهم ووصل الخبر
الى من بالجيزة من الانكليز وذلك ثاني يوم من قبض الوزير على الامراء ففعلو كفعلهم
وأخذوا حذرهم وضربوا بعض مدافع ليلا وشرعوا في ترتيب آلة الحرب
وفي ذلك اليوم طلع محمد باشا توسون والي جدة الساكن بيت
طرا الى القلعة وصعد معه جملةمن العسكر وشرعوا في نقل قمح ودقيق وقومانية وملؤا
الصهاريج وشاع ذلك بين الناس فارتاعوا وداخلهم الوسواس من ذلك واستمروا ينقلون الى
القلعة مدافع وبارود او آلات حرب
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه حضر كبير الانجليز الذي
بالجيزة فالبسه الوزير فروة وشلنجا
وفي ذلك اليوم خلع الوزير على عثمان أغا المعروف بقبي
كتخدا وقلده على امارة الحج
وفي ذلك اليوم وقع بين عسكر المغاربة والانكشارية فتنة
ووقفوا قبالة بعضهم ما بين الغورية والفحامين وأغلقت الناس حوانيتهم بسوق الغورية
والعقادين والصاغة والنحاسين ولم يزالوا على ذلك حتى حضر أغات انكشارية وسكنت
الفتنة بين الفريقين
وفي الخميس سابع عشرينه مروا بزفة عروس بسوق النحاسين وبها
بعض انكشارية فحصلت فيهم ضجة ووقع فيه فشل فخطفوا ما على العروس وبعض النساء من
المصاغ المزينات به وفي أثناء ذلك مر شخص مغربي فضربه عسكري رومي ببارودة فسقط
ميتا عند الاشرفية فبلغ ذلك عسكر المغاربة فأخذوا سلاحهم وسلوا سيوفهم وهاجت
حماقتهم وطلعوا يرمحون من كل جهة وهم يضربون البندق ويصرخون فاغلقت الناس الحوانيت
وهرب قلق الاشرفية بجماعته وكذلك قلق الصنادقية وفزعت الناس ولم يزالوا على ذلك من
وقت الظهر الى الغروب ثم حال بينهم الليل وقتل المغاربة أربعة أشخاص وأصبحوا
محترسين من بعضهم فحضر آغات الانكشارية على تخوف وجلس بسبيل الغورية وحضر الكثير
من عقلاء الانكشارية واقاموا بالغورية وحوالي جهة الكعكبين والشوائين حيث سكن
المغاربة واستمر السوق مغلقا ذلك اليوم ورجعت القلقات الى مراكزها وبردت القضية
وكأنهم اصطلحوا وراحت على من راح
وانقضى هذا الشهر بحوادثه التي منها استمرار نقل الادوات
الى القلعة وكذلك مراكز باقي القلاع مع انهم حربوا أكثرها
ومنها زيادة تعدى العسكر على السوقة والمحترفين والنساء
واخذ ثياب من ينفردون به من الناس في أيام قليلة
ومنها استمرار مكث النيل على الارض وعدم هبوطه حتى دخل
شهر
هاتور وفات أوان الزراعة وعدم تصرف الملتزمين وهجاج
الفلاحين من الارياف لما نزل بهم من جور العسكر وعسفهم في البلاد حتى امتلأت
المدينة من الفلاحين ونودي عليهم عدة مرار بذهابهم الى بلادهم
ومنها ان الوزير امر المصرلية بتغيير زيهم وان يلبسوا زي
العثمانية فلبس ارباب الاقلام والافندية والقلقات القواويق الخضر والعنتريات
وضيقوا اكمامهم ولبس مصطفى أغا وكيل دار السعادة سابقا وسليمان أغا تابع صالح أغا
وخلافهما
واستهل شهر رجب الفرد سنة سافر سليمان أغا تابع صالح أغا
الى اسلامبول
وفيه أمر الوزير الامراء المحبوسين بان يكتبوا كتابا الى
الانكليز بانهم اتباع السلطان وتحت طاعته وامره ان شاء أبقاهم في أمارتهم وان شاء
قلدهم مناصب في ولايات اخرى وان شاء طلبهم يذهبون اليه فلا دخل لكم بيننا وبينه وكلام
في معنى ذلك فارسلوا يقولون ان هذا الكلام لا عبرة به فأنهم مسجونون وتحت امركم
ومكتوب المقهور المكره لا يعمل به فان كان ولا بد فأرسلوهم الينا لتخاطبهم ونعلم
ضميرهم وحقيقة حالهم فلما كان ليلة الاثنين تاسعه احضر الوزير ابراهيم بك والامراء
وأعلمهم أن قصده ارسالهم الى بر الجيزة عند الانجليز ليتفسحوا ذلك اليوم ويخبروهم
انهم مطيعون للسلطان وتحت أوامره وأن المراسلة التي ارسلوها عن طيب قلب امنهم
وليسوا مكرهين في ذلك فأظهر ابراهيم بك القنع عن الذهاب وانه لا غرض له في الذهاب
الى مخالفين الدين فجزم عليه ووعده خيرا وعاهدهم وحلفهم فنزلوا وركبوا من عنده في
الصباح وما صدقوا بالخلاص وعدوا الى الجيزة وذهبوا الى عند الانجليز فتبعهم
أتباعهم ومماليكهم يرمحون اليهم ويلقحون بهم فاقاموا هناك ولم يرجعوا فانتظر
الوزير رجوعهم خمسة أيام وأرسل اليهم يدعوهم الى الرجوع حكم عهدهم فامتنع ابراهيم بك
وتكلم بما في ضميره من قهره
من الوزير وخبانته له
وفي يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات واجتمع
المشايخ والوجاقلية وذلك بأمر من الوزير وأرسل اليهم مكاتبة وفي ضمنها النصيحة
والرجوع الى الطاعة فأرسلوا في جواب الرسالة يقولون انهم ليسوا مخالفين ولا عاصين
وانهم مطيعون لأمر الدولة وانما تاخرهم بسبب خوفهم وخصوصا ما وقع لاخوانهم
باسكندرية وانهم لم يذهبوا الى عند الانجليز لعلمهم انهم عسكر السلطان ومن
المساعدين له على اعدائه ومتى ظهر لهم أمر يرتاحون فيه رجعوا الى الطاعة ونحو ذلك
من الكلام
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه حضر عابدي بك نسيب مولانا
الوزير فخرج اليه غالب أعيان العثمانية والجاويشية وطاهر باشا وعسكر الارنؤد وتلقوه
ودخل بحموله في موكب جليل وكان حضرة الوزير حاصلا عنده توعك وغالب أوقاته محتجب عن
ملاقاة الناس
وفيه ورد الخبر بسفر قبطان باشا من ساحل ابي قير الى
الديار الرومية في منتصف الشهر وأما محمد باشا الوالي على مصر فانه لم يزل مقيما
بأبي قير وحضر خازنداره وسكن ببيت البكري بالازبكية
واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة فيه حضر يوسف افندي
وبيده مرسوم بولايته على نقابة الاشراف فبات ببولاق وأرسل ناسا يعلمون بحضوره فلم
يخرج لملاقاته أحد ثم ان بعض الناس أحضر اليه فرسا فركبه في ثاني يوم وحضر الى مصر
وأشاع انه متولى نقابة الاشراف ومشيخة المدارس الحبانية وخبر ذلك الانسان انه كان يبيع
الخردة واليميش بحانوت بخان الخليلي وهو من متصوفة الاتراك الذي يتعاطون الوعظ
والاقراء باللغة التركية فمات شيخ رواق الاروام بالازهر فاشتاقت نفسه للمشيخة عل
الرواق المذكور فتولاها بمعونة بعض سفهائهم فنقم عليه الطائفة أمورا واختلاسات من
الوقف
فتعصبوا عليه وعزلوه وولوا السيد حسين افندي المولى الان
فحنق من ذلك وداخله قهر عظيم وحقد على حسين أفندي المذكور واضمر له في نفسه
المكروه فدعاه يوما الى داره ودس له سما في شرابه فنجاه الله من ذلك وشربت ابنة
يوسف افندي الداعي تلك الكاسة المسمومة غلطا وماتت وشاع ذلك وتواترت حكايته بين
الناس ورجع كيده عليه وذاق وبال أمره
ثم انه سافر الى اسلامبول وأقام هناك مدة اقامة الفرنسيس
بمصر ولم يزل يتحيل ويتداخل في بعض حواشي الدولة وعرض بطلب النقابة ومشيخة
الحبانية فاعطوه ذلك لعدم علمهم بشأنه وظنهم أنه اهل لذلك بقوله لهم انه كان شيخا
على الازهر ومعرفته بالعلم فلما حصل بمصر وظهر أمره تجمعت أعيان الاشراف وقالوا لا
يكون هذا حاكما ولا نقيبا علينا أبدا تنوقل خبره وظهر حاله لاكابر الدولة وحضرة
الصدر الاعظم فلم يصغوا اليه ولم يسعفوه وأهمل أمره وهكذا شأن رؤساء الدولة أدام
الله بقاءهم اذا تبين لهم الصواب في قضية لا يعدلون الى خلافه
من الحوادث أنه تقيد بأبواب القاهرة بعض من نصارى القبط
ومعهم بعض من العسكر فصاروا يأخذون دراهم من كل من وجدوا معه شيأ سواء كان داخلا
او خارجا بحسب اجتهادهم وكذلك ما يجلب من الارياف وزاد تعديهم فعم الضرر وعظم
الخطب وغلت الاسعار وكل من ورد بشيء يبيعه يشتط في ثمنه ويحتج بأنه دفع عليه كذا
وكذا من دراهم المكس فلا يسع المشتري ألا التسليم لقوله والتصديق له وقبول عذره
والسبب في ذلك ان الذين تقيدوا بديوان العشور بساحل بولاق دس عليهم بعض المتقيدين
معهم من الاقباط بأن كثيرا من المتاجر التي يؤخذ عليها العشور يذهب بها أربابها من
طريق البر ويدخلون بها في أوقات الغفلة تحاشيا عن دفع ما عليها وبذلك لا يجتمع المال
المقرر بالديوان فيلزم أن
يتقيد بكل باب من يترقب لذلك ويرصده ويأخذ ما يخص
الديوان من ذلك فأذن كبراء الديوان بذلك فانفتح لهم بذلك الباب فولجوه ولم يحسبوا
للعاقبة من حساب وزادوا في الجور والفضائح وأظهروا ما في نفوسهم من القبائح فساءت
الظنون واستغاثت المستغيثون وأكثر سخاف الاحلام مما لا طائل تحته من الكلام الى ان
زاد التشكي وأنهى الآمر الى الوزير فأمر بأبطال ذلك وانجلت تلك الغمة
وفيه ايضا عرض طائفة القبانية وتشكوا مما رتب عليهم من
الجمرك السنوي فأطلق لهم الامر برفعه عنهم
وفيه قبضوا على رجل من المفسدين باقليم الموفية يقال له
راضي النجار واحضروه الى مصر وقطعت رأسه بالرميلة
وفي خمسه نزل محمد باشا توسون والي جدة من القلعة في
موكب وتوجه الى العادلية قاصدا السفر الى جدة
وفي يوم الاربعاء تاسعه قبضوا على ثلاثة من النصارى
الاروام المتزيين بزي العساكر الانكشارية ويعملون القبائح بالرعية فرموا رقابهم
احدهم بالدرب الاحمر والثاني بسوق السلاح عند الرفاعي والثالث بالرميلة
وفي يوم الخميس عاشره ايضا قطعوا رأس على جلبي تابع حسين
أغاشنن بباب الخرق بين المفارق بأمر من الوزير والسبب في ذلك أن المرحوم يوسف باشا
المذكور الكبير المتوفي بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان أودع
عند حسين أغاشنن وديعة فلما ملك الفرنسيس مصر وجرى ما جرى من ورود العرضي والصلح
ونقضه فاعتقد قصار العقول ان الامر انتهى للفرنسيس فتجاوزوا الحد وأغروا ببعضهم
وتتبعوا العورات وكشفوا عن المستورات ودلوا الفرنسيس على المخبآت وتقربوا اليهم
بكل ما وصلت اليه همتهم وراجت به سلعتهم والمسكين المقتول مديدة الى بعض ودائع
سيده فاختلس منها وتوسع في نفسه
وركب الخيول واتخذ له خدما وتداخل مع الفرنسيس وحواشيهم
فاستخفوا عقله فاستفسروا منه فأخبرهم بالوقائع والخبايا فاستخرجوها ونقلوها وكانت
شيأ كثيرا جدا وأظهر أن ذلك لم يكن بواسطته ليواري ما اختلسه لنفسه ويكون له عذر
في ذلك فلما حضر له سيده صحبة العرضي ذهب اليه وتملق له وربط في رقبته منديلا
فاهمل أمره الى هذاالوقت حتى اطمأن خاطره ثم انه أخبر بقصته الوزير لعلمه أنه
سيطالب بوديعة يوسف باشا فأمره بأن يرفع قصته الى القاضي ويثبت تلك الدعوى لتبرأ
ساحته عند الدولة ففعل ثم أمر الوزير بقتل علي جلبي المذكور فقتل وترك من ميا
ثلاثة أيام بلياليها
شهر رمضان المعظم سنة 1216 استهل بيوم الاربعاء ولم يعمل فيه
شنك الرؤيا على العادة خوفا من عربدة العساكر والمحتسب كان غائبا فركب كتخداه بدلا
عنه بموكبه فقط ولم يركب معه مشايخ الحرف فذهب الى المحكمة وثبت الهلال تلك الليلة
ونودى بالصوم من الغد
وفيه أمر الوزير محمد باشا العربي بالسفر الى البلاد الشامية
فبرز خيامه الى خارج باب النصر وخرج هو في ثالثه وسافر وأشيع سفر الوزير أيضا وذلك
بعد أن حضرت أجوبة من الباب الاعلى
وفي ثالثه ارتحل محمد باشا المذكور
وفي خامسه انتقل رئيس افندي من بيت الالفي وسكن في بيت
اسمعيل بك وشرعوا في تعميره واصلاحه لسكن والي مصر
وفي ثاني عشره وصل محمد باشا والي مصر الى شلقان
وفي ثالث عشره ضربت عدة مدافع من الجيزة صباحا ومساء
فقيل انه حضر ستة قناصل الى الجيزة
وفي خامس عشره حضر القناصل المذكورون الى بيت الوزير
وقابلوه فخلع عليهم خلعا ورجعوا الى أماكنهم في الجيزة وفي ذلك اليوم وصل محمد
باشا والي مصر إلى جهة بولاق ونصب
وطافه بالقرب من المكان المعروف بالحلي ثم انتقل الى جهة
قبة النصر فلما كان يوم الجمعة سابع عشره وصل الى المدينه من باب النصر في موكبه
وطوائفه على غير الهيئة المعتادة ولم يلبس الطلخان تادبا مع الوزير لحصوله بمصر
فتوجه الى بيت الوزير وأفطر معه
وفي تلك الليلة عزل خليل افندي الرجائي من دفتردارية
الدولة وقلد عوضه حسن افندي باش محاسب وسببه ان الوزير طلب خلعا ليخلعها على والي
مصر وقناصل الانكليز فتأخر حضورها فخنق وسأل عن سبب تأخير المطلوب فقال الرسول ان
الخازندار قال حتى استأذن الدفتردار فحنق الوزير وأمر بحبس الخازندار وعزل
الدفتردار وهرب السفير الذي كان بينهما
وفيه انتقل الامراء المصرلية المرادية من الجيزة الى
جزيرة الذهب ونصبوا وطاقهم بها وأرسلوا ما كان عندهم من الحريم الى دورهم بمصر
واستمر ابراهيم بك وعثمان بك الحسيني ومحمد بك المبدول وقاسم بك ابو سيف بالجيزة
ولم يعلم حقيقة حالهم ثم في ثاني يوم لحق ابراهيم بك وباقي الجماعة بالاخرين وخرج
اليهم طلبهم ومتاعهم واغراضهم فلما كان ليلة الاثنين تاسع عشره ركبوا ليلا باجمعهم
الى الصعيد من الجهة الغربية وتخلف عنهم قاسم بك أبو سيف لمرضه وكذلك تخلف عنهم
محمد آغا آغات المتفرقة وآخرون
وفي عشرينه نودي بالامان على المماليك واتباعهم ومن تخلف
عنهم أو انقطع منهم وكذلك في ثاني يوم
وفيه قلد محمد باشا والي مصر حسن أغا وألبسه على جرحا
وفي ثامن عشرينه عزل الباشا محمد أغا المعروف بالزربة من
الكتخدائية وهو من المصرلية وولاه كشوفية الغربية وتقلد عوضه في الكتخدائية يوسف
أغا امين الضربخانة سابقا وتقلد كشوفية المنوفية وتقلد كشوفية القليوبية
وفي ليلة الاربعاء تاسع عشرينه ذهب يوسف افندي الى عند
والي مصر فقلده نقابة الأشراف وألبسه فروة بعد أن كان اهمل امره
وفيه عزل أغات الانكشارية وتولى آخر عوضه من العثمانية
ونزل المعزول الى بولاق ليسافر الى جهة الصعيد
شهر شوال سنة استهل بيوم الخميس في ثالثه يوم السبت خرج
جاليش الوزير الى قبة النصر ونودى بخروج العساكر ويكون آخر خروجهم يوم الاثنين
فشرعوا في الخروج بأحمالهم ودوابهم فلما كان يوم الاثنين خامسه خرج الوزير على حين
غفلة الى قبة النصر وتتابع خروج الاثقال والاحمال والعساكر وحصل منهم في الناس
عربدة وأذية وأخذ بعضهم من عطارين القصر ثلاثة ارطال بن ثمنها مائة وعشرون نصفا فرمى
له عشرين نصفا فصرح الرجل وقال اعطني حقي فضربه وقتله فأغلق الناس الحوانيت
وانكفوا في دورهم فاستمرت جميع حوانيت البلدة مغلوقة حتى سافرت العساكر وانتقلت من
قبة النصر ولازم حضرة محمد باشا والي مصر وطاهر باشا على المرور والطواف بالشوارع
بالتبديل وثياب التخفيف ليلا ونهارا ولولا ذلك لحصل من العسكر مالا خير فيه
وفيه كتبت فرمانات والصقت بالشوارع ومفارق الطرق مضمونها
بأن لا احد يتعرض بأذية لغيره وكل من كان له دعوى أو شكية فليرفع قصته الى الباشا
وكل انسان يمشي في زيه وقانونه القديم ويلازموا على الصلوات بالجماعة في المساجد
ويوقدوا قناديل ليلا على البيوت والمساجد والوكائل والخانات التي بالشوارع ولا يمر
أحد من العسكر من بعد الغروب والذي يمشي بعد الغروب من أهل البلد يكون معه فانوس
أو سراج ويبيعون ويشترون بالحظ والمصلحة ولا أحد يخفي عنده أحد من عسكر العرضي
والذي يبقى منهم بيده يعاقب وان القهاوى المحدثة جميعها تغلق ولا يفتح الا القهاوي
القديمة الكبار ولا يبيت أحد
من العسكر في قهوة ولا يبيعون المسكرات ولا يشترونها الا
الكفرة سرا وأمثال ذلك فانبرت القلوب بتلك الفرمانات واسشتبشروا بالعدل
وفيه خرجت عساكر وسافرت الى جهة قبلي وعدتهم ستة آلاف
وذلك بسبب الامراء المصرلية الهربانين وقرر لهم بأن من اتى برأس صنجق فله ألف
دينار أو كاشف فله ثلثمائة او جندي او مملوك فله مائة
وفي يوم السبت ركب الوزير من قبة النصر وارتحل العرضي
الى الخانكة وعند ركوبه حضر اليه السيد عمر افندي النقيب وبعض المتعممين لوداعه
فأعطاهم صررا وقرؤا له الفاتحة وركب وخرج ايضا في ذلك اليوم بقية المشايخ وذهبوا
الى الخانكة ايضا وودعوه ورجعوا
وفي يوم الاثنين ثاني عشره أحضر الباشا محمد أغا الوالي
وسليم أغا المحتسب وأمر برمي رقابهما فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا على الجسر
والمحتسب عند باب الهواء وختم على دورهما في تلك الساعة وشاع خبر ذلك في البلد فارتاع
الناس لذلك واستعظموه وداخل الخوف أهل الحرف مثل الجزارين والخبازين وغيرهم وعلقوا
اللحم الكثير بحوانيتهم وباعوه بتسعة انصاف بعد أن كانوا يبيعونه باحد عشر مع قلته
واحتكاره وكانوا نبهوا عليهم قبل ذلك فلم يستمعوا
وفي صبحها يوم الثلاثاء قلد علي اغا الشعراوي الزعامة
عوضا عن محمد آغا المقتول وزين الفقار كتخدا امين احتساب عوضا عن سليم آغا أرنؤد
المقتول ايضا واجتمعوا ببيت القاضي وحضر أرباب الحرف وعملوا قائمة تسعيرة لجميع المبيعات
من المأكولات وغيرها فعملوا اللحم الضاني بثمانية انصاف والماعز بسبعة والجاموسي
بستة وان لا يباع فيه شيء من السقط مثل الكبدة والقلب وغير ذلك والسمن المسلى
بمائة وثمانين نصفا العشرة أرطال بعد أن كانت بثلثمائة واربعين والزبد العشرة
بمائة وستين بعد ان كانت بمائتين واربعين وجميع الخضراوات تباع بالرطل حتى الفجل
والليمون والجبن الذي بخيره بثلاثة انصاف بعد عشرة
والخبز رطل بنصف فضة وكذلك جميع الاشياء العطرية والاقمشة
العشرة احد عشر والراوية الماء بعشرة انصاف بعد عشرين وغير ذلك ورسموا بان الرطل
في الاوزان مطلقا يكون قباني اثني عشر وقية وابطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به
الادهان والاجبان والخضراوات وهو أربعة عشر وقية فلم يستمر من هذه الاوامر بعد ذلك
سوى نقص الارطال ولما برزت هذه الرسوم هرع الناس لشراء اللحم والماكولات حتى فرغ
الخبز من الافران وشق المحتسب فقبض على جماعة من الخبازين وخزم آنافهم وعلق فيها
الخبز وكذلك الجزارون خزمهم وعلق في آنافهم اللحم واكثر حضرة الباشا وعظماء أتباعه
من التجسس وتبديل الشكل والملبوس والمرور والمشي في الازقة والاسواق حتى أخافوا
الناس وانكف العسكر عن الاذية ولزموا الادب ومشى كل واحد في طريقته ودربه ومشت
النساء كعادتهم في الاسواق لقضاء أشغالهم فلم يتعرض لهم أحد من العسكر كما كانوا يفعلون
وفي يوم الخميس خامس عشره ارتحل الوزير من بلبيس
وفي يوم السبت سابع عشره سافر خليل افندي الرجائي
الدفتردار المعزول في البحر من طريق دمياط وانتقل شريف أفندي الدفتردار الى الدار
التي كان بها الاول وهي دار البارودي بباب الخرق
وفي يوم الاثنين تاسع عشره كان موكب امير الحاج عثمان بك
وصحبته المحمل على العادة وخرج في أبهة ورونق وانسرت القلوب في ذلك اليوم الى
لقائه ونجز له جميع اللوازم مثل الصرة وعوائد العربان وغير ذلك وكان المتقيد
بتشهيل ذلك وبجميع اللوازم حضرة شريف افندي الدفتردار
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه شنقوا ثلاثة أنفار في جهات
مختلفة تزيوا بزي العسكر يقال انهم من الفرنسيس افتقدوهم من العسكر المتوجه الى
الحج
وفي ذلك اليوم عمل حضرة الباشا ديوانا وأرسل الجاويشية
الى جميع
المشايخ والعلماء وخلع عليهم خلعا سنية زيادة على العادة
اكثر من سبعين خلعة وكذلك على الوجاقلية والافندية وجبر خاطر الجميع وكانت العادة
في هذا التلبيس أن يكون عند قدومه والسبب في تأخيره لهذا الوقت تعويق حضور المراكب
التي بها تلك الخلع
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه انتقل امير الحاج بالركب من
الحصوة الى البركة
وفيه ركب حضرة محمد باشا الى الامام الشافعي فزاره وانعم
على الخدمة بستين الف فضة والبسهم خلعا وفرق دنانير ودراهم كثيرة في غير محلها
وكذلك يوم الجمعة ركب وتوجه الى المشهد الحسيني فصلى الجمعة وخلع على الامام
الراتب والخطيب وكبير الخدمة فراوى وفرق دراهم كثيرة في طريقه ورجع من ناحية الجمالية
وكان في موكب جليل على الغاية
وفيه أمر المشار اليه بنصب عدة مشانق عند ابواب المدينة
برسم الباعة والمتسببين والخبازين وغيرهم وأكثر أرباب الدرك من المرور والتجسس
والتخويف وعلقوا عدة اناس من الباعة على حوانيتهم وخزموهم من آنافهم فرخص السعر
وكثرت البضائع اوالمأكولات وحصل الامن في الطرق وانكفت العربان وقطاع الطريق فحضرت
الفلاحون من البلاد وكثر السمن والجبن والاغنام وكبر العيش وكثر وجوده وانحط سعر
السمن عن التسعيرة عشرين نصفا لكثرته ولله الحمد وهاب الناس هذا الباشا وخافوه
وصاروا يترنمون به في البلاد والارياف ويغنون بذكره حتى الصبيان في الاسواق ويقولون
سيدي يا محمد باشا يا صاحب الذهب الاصفر وغير ذلك وكان في مبدأ أمره يظنه الظمآن
ماء
شهر القعدة سنة استهل بيوم السبت فيه نهبت العربان قافلة
التجار الواصلة من السويس
وفي ثانيه حضر السيد احمد الزرو الخليلي التاجر بوكالة
الصابون بديوان الباشا وتداعى على جماعة من التجار وثبت له عليهم عشرة آلاف
ريال فأمر الباشا بسجنهم
وفي رابعه يوم الثلاثاء حضر السيد احمد المذكور الى بيت
الباشا فأمر بقتله فقبض عليه جماعة من العسكر وقطعوا رأسه عند المشنقة حيث قنطرة
المغربي على قارعة الطريق وختموا على موجوده واخذ الباشا ما ثبت له على المحبوسين والسبب
في ذلك ا بعضهم أوشى الى الباشا انه كان بحب الفرنسيس ويميل اليهم ويسالمهم وعند
خروجهم هرب الى الطور خوفا من العثمانية ثم حضر بأمان من الوزير
وفي يوم الجمعة حضر المشار اليه الى الجامع الازهر
بالموكب فصلى به الجمعة وخلع على الخطسب فروة سمور وفرق ونثر دراهم ودنانير على الناس
في ذهابه وايابه وتقيد قبي كتخداه واسمعيل افندي شقبون بتوزيع دراهم على الطلبة
والمجاورين بالاروقة والعميان والفقراء ففرقوا فيهم نحو خمسة أكياس
وفيه عمل الشيخ عبد الله الشرقاوي وليمة لزواج ابنه ودعا
حضرة المشار اليه فحضر في يوم الاحد ثانيه وحضر ايضا شريف أفندي وعثمان كتخدا الدولة
فتغدوا عنده وأنعم على ولد الشيخ بخمسة اكياس رومية والبسه فروة سمور وفرق على
الخدم والفراشين والقراء دنانير ودراهيم بكثرة وكذلك دفع عثمان كتخدا وشريف افندي
كل واحد منهم كيسا وانصرفوا
وفي يوم الاربعاء خامسه حضر الباشا محمد أغات المعروف بالوسيع
اغات المغاربة وأمر بقتله فقطعوا رأسه على الجسر ببركة الازبكية قبالة بيت الباشا
لامور نقمها عليه وكتبت في ورقة وضعت عند رأسه
وفي يوم الخميس سادسه توفي قاسم بك ابو سيف على فراشه
وفي منتصفه وردت الاخبار من الجهة البحرية بضياع نحو
الخمسين مركبا حلت مراسيها من ثغر اسكندرية مشحونة بمتاجر وبضائع وكانت معوقة
بكرنتينة الانكليز فلما اذنوا لهم بالسراح فما صدقوا بذلك فصادفتهم فرتونة خرجت عليهم
فضاعوا بأجمعهم ولا حول ولا قوة الا
بالله العلي العظيم
وفيه طلب الباشا المشايخ وتكلم معهم في شأن الشيخ خليل
البكري وعزله عن وظيفته وسال رايهم في ذلك فقالوا له الرأي لحضرتكم فقال ان الشيخ
خليلا لا يصلح لسجادة الصديق واريد عزله عنها من غير ضرر عليه بل اعطيه اقطاعا لنفقته
والقصد أن تروا رايكم فيمن يصلح لذلك ومن يستحق فطلبوا المهلة الى غد وانحط الرأي
بعد اختلاف كبير على تقليد ذلك لمحمد سعد من أولاد جلال الدين فلما حضروا في اليوم
الثاني اخبروه بذلك وانه يستحقها الا انه فقير فقال ان الفقر ليس بعيب فأحضروه
وألبسه فروة سمور واركبه فرسا بعباءة مزركشة وأنعم عليه بثمانين ألف درهم وكان من
الفقراء المحتاجين للدرهم الفرد ولما ذهب للسلام على الشيخ السادات خلع ايضا فروة
سمور عليه
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه توفي إلى رحمة الله الشيخ
مصطفى الصاوي الشافعي وكان عالما نجيبا وشاعرا لبيبا وقد ناهز الستين
وفيه جهزت عدة من العسكر الى قبلي
وفيه نودي بان خراج الفدان مائة وعشرون نصفا وكذلك نودي
برفع عوائد القاضي والافندي التي كانت تؤخذ على اثبات الجامكية والجراية والرفق
بعوائد تقاسيط الالتزام والاقطاع وكتبوا بذلك أوراقا وألصقت بالاسواق وفي آخرها لا
ظلم اليوم أي مما تقرر قبل اليوم فان الفدان بلغ في بعض القرى بمصاريفه ومغارمه
أربعة آلاف نصف فضة واما بدعة القاضي وعوائد التقاسيط فزادت عن أيام الوزير وزاد
على ذلك اهمال الاوراق ببيت الباشا لاجل العلامة شهرين وأربعة حتى يسام صاحبها
وتحفى أقدامه من كثرة الذهاب والمجيء ومقاساة الذل من الخدم والاتباع ورفع التفتيش
والرشوة على التعجيل أو يتركها وربما ضاعت بعد طول المدة فيحتاج الى استئناف العمل
شهر ذي الحجة الحرام سنة استهل بيوم الاحد في رابعه حضر
خمسة اشخاص من الكشاف القبالي من اتباع ابراهيم بك الوالي الى مصر بامان فقابلوا
حضرة والي مصر وأنعم عليهم وألبسهم خلعا
وفيه أنعم على خدامهم وفيه عمل الانكليز كرنتينة بالجيزة
ومنعوا من يدخلها ومن يخرج منها وذلك لتوهم وقوع لطاعون وورود الاخبار بكثرته في
جهة قبلي وبعض البلاد البحرية وأما المدينة ففيها بعض تنقير
وفي يوم الاثنين تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وعملوا في
ذلك اليوم شنكا ومدافع وحضرت أغنام وعجول كثيرة للاضحية حتى امتلأت منها الطرقات
وازدحمت الناس وافراد العسكر على الشراء وغيمت السماء في ذلك اليوم وأمطرت مطرا كثيرا
حتى توحلت الازقة ونودي بفتح الحوانيت والقهاوي والمزينين ليلا واظهار الفرح
والسرور واظهار بهجة العيد واستمر ضرب المدافع في الاوقات الخمسة ونودي أيضا بالمواظبة
على الاجتماع للصلوات في المساجد وحضور الجمعة من قبل الصلاة بنصف ساعة وان يسقوا
العطاش من الاسبلة ولا يبيعون ماءها وأشيع سفر الانكليز وسفر عثمان كتخدا الدولة
وتشهيل الخزينة
وفي خامس عشره حضر قاصد من الديار الرومية بمكاتبات
وتقرير نقابة الاشراف للسيد عمر وعزل يوسف افندي فلما كان في صبحها يوم الاحد ركب
السيد عمر المذكور وتوجه الى عند الباشا فألبسه خلعة سمور ثم حضر الى عند
الدفتردار كذلك وكانت مدة ولاية يوسف افندي المعزول شهرين ونصفا
وفي يوم الاربعاء ثامن عشره خرج أحمد آغا خورشيد امير
الاسكندرية الى بولاق قاصدا السفر الى منصبه وركب الباشا لوداعه في عصريته وضربوا
عدة مدافع من بولاق وبرانبابة ونودي في ذلك اليوم بان لا أحد يواري أحدا من
الانكليز أو يخبيه وكل من فعل ذلك عوقب
وفي خامس عشرينه قبضوا على امراة سرقت امتعة من حمام
وشنقوها عند باب زويله وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث التي من جملتها
ان شريف أفندي الدفتردار أحدث على الرزق الاحباسية المرصدة على الخيرات والمساجد وغيرها
مال حماية على كل فدان عشرة أنصاف فضة وأقل واكثر في جميع الأراضي المصرية القبلية
والبحرية وحرروا بذلك دفاتر فكل من كان تحت يده شيء من ذلك قل أو كثر يكتب له
عرضحال ويذهب به الى ديوان الدفتردار فيعلم عليه علامته وهي قوله قيد بمعنى انه
يطلب قيوده من محله التي تثبت دعواه ثم يذهب بذلك العرضحال الى كاتب الرزق فيكشف
عليها في الدفاتر المختصة بالاقليم الذي فيه الارصاد بموجب الاذن بتلك العلامة
فيكتب له ذلك تحتها بعد أن يأخذ منه دراهم ويطيب خاطره بحسب كثرة الطين وقلته وحال
الطالب ويكتب تحته علامته فيرجع به الى الدفتردار فيكتب تحته علامة غير الاولى
فيذهب به الى كاتب الميري فيطالبه حينئذ بسنداته وحجج تصرفه ومن أين وصل اليه ذلك فان
سهلت عليه الدنيا ودفع له ما ارضاه كتب له تحت ذلك عبارة بالتركي لثبوت ذلك والا نعنت
على الطالب بضروب من العلل وكلفة بثبوت كل دقيقة يراها في سنداته وعطل شغله فما
يسع ذلك الشخص الا بذل همته في تتميم غرضه بأي وجه كان اما أن يستدين أو يبيع
ثيابه ويدفع ما لزمه فان ترك ذلك وأهمله بعد اطلاعهم عليه حلوه عنه ورفعوه وكتبوه
لمن يدفع حلوانه ثلاث سنوات أو أكثر وكتبوا له سندا جديدا يكون هو المعول عليه بعد
ويقيد بالدفاتر ويبطل اسم الاول وما بيده من الوقفيات والحجج والافراجات القديمة
ولو كانت عن اسلافه ثم يرجع كذلك الى الدفتردار فيكتب له علامة لكتابة الاعلام
فيذهب به الى الاعلامجي فيكتب له عبارة ايضا في معنى ما تقدم ويختم تحتها بختم
كبير فيه اسم الدفتردار ويأخذ على ذلك دراهم ايضا وبعد ذلك يرجع الى الدفتردار
فيقرر ما يقرره عليها من المال الذي يقال له مال الحماية ثم
يذهب بها الى بيت الباشا ليصحح عليها بعلامته ويطول عند
ذلك انتظاره لذلك ويتفق اهمالها الشهرين والثلاثة عند الفرمانجي وصاحبها يغدو
ويروح في كل يوم حتى تحفى قدماه ولا يسهل به تركها بعدما قاساه من التعب وصرفه من
الدراهم فاذا تمت علامتها دفع أيضا المعتاد الذي على ذلك ورجع بها الى بيت
الدفتردار فعند ذلك يطلبون منه ما تقرر عليها فيدفعه عن تلك السنة ثم يكتبون له
سندا جديدا ويطالب بمصروفه ايضا وهو شيء له صورة ايضا فلا يجد بدا من دفعه ولا
يزال كذلك يغدو ويروح مدة ايام حتى يتم له المراد
ومنها المعروف بالجامكية ومرتبات الغلال بالانبار وذلك
ان من جملة الاسباب في رواج حال أهل مصر المتوسطين وغناهم ومدار حال معاشهم
وايرادهم في السابق هذان الشيآن وهما الجامكية والغلال التي يقال لها الجرايات
رتبها الملوك السالفة من الاموال الميرية للعساكر المنتسبة للوجاقات والمرابطين
بالقلاع الكائنة حوالي الاقليم ومنها ما هو للايتام والمشايخ والمتقاعدين ونحوهم
وكانت من ارواج الإيراد لاهل مصر وخصوصا أهل الطبقة الذين ليس لهم اقطاع ولا
زراعات ولا تجارات كأهل العلم ومساتير اولاد البلد والارامل ونحوهم وثبت وتقرر
ايرادها وصرفها في كل ثلاثة أشهر من اول القرن العاشر الى أواخر الثاني عشر بحيث تقرر
في الاذهان عدم اختلالها أصلا ولما صارت بهذه المثابة تناقلوها بالبيع والشراء
والفراغ وتغالوا في أثمانها ورغبوا فيها وخصوصا لسلامتها من عوارض الهدم والبناء
كما في العقار واوقفوها وأرصدوها ورتبوها عل جهات الخيرات والصهاريج والمكاتب
ومصالح المساجد ونفقات أهل الحرمين وبين أهل المقدس وأفتى العلماء بصحة وقفها لعلة
عدم تطرق الخلل فلما اختلت الاحوال وحدثت الفتن وطمع الحكام والولاة في الاموال
الميرية ضعف شأنها ورخص سعرها وانحط قدرها وافتقر اربابها ولم تزل في الانحطاط
والتسفل حتى بيع الاصل والايراد بالغين الفاحش جدا
وتعطل بسبب ذلك متعلقاتها ولم يزل حالها في اضطراب الى
أن وصل هؤلاء القادمون وجلس شريف افندي الدفتردار المذكور ورأى الناس فيه مخايل
الخير لما شاهدوه فيه من البشاشة واظهار الرفق والمكارم غرض الناس عليه شأن
العلوفة المذكورة والغلال فلم يمانع في ذلك وكتب الاذن على الاوراق كعادته وذهب
بها أربابها الى ديوان الكتبة وكبيرهم ويسمى حسن أفندي باش محاسب وهو من
العثمانيين عارض في حسابها وقال ان العثماني اسم لواحد الاقجة وصرفه عندنا بالروم
كل ثلاث أقجات بنصف فضة وما في دفاتركم يزيد في الحساب الثلث فعورض وقيل له ان
الاقجة المصري كل اثنين بنصف بخلاف اصطلاح الروم وهذا أمر تداولنا عليه من قديم
الزمان ولم يزل حتى فقد ذلك المشروع ومشوا على فقد الثلاث ورضى الناس بذل لظنهم
رواج الباقي وعند استقرار الامر بذلك أخذوا يتعنتون على الناس في الثبوت وقد كان
الناس اصطلحوا في اكثرها عند فراغها على عدم تغيير الاسماء التي رقمت بها وخصوصا بعد
ضعفها فيبيعها البائع ويأخذها المشتري بتمسك البيع فقط ويترك سند الاصل بما فيه من
الاسم القديم عنده أو تكون باسم الشخص ويموت وتبقى عند اولاده فجعلوا معظمها بهذه
الصورة وأخذوه لأنفسهم وأعطوا منه لاغراضهم بعد رفع الثلث الاصل وثلث الايراد
وضاعت على اربابها مع كونهم فقراء وكذلك فعلوا في أوراق الغلال وجعلوها بدراهم عن
كل اردب خمسون نصفا غلا أو رخص وزادوا في القيود التي تكتب على العرضحالات المصطلحين
عليها بأن يكتب عليها أيضا قاضي العسكر بعد حسابهم مقدار العلوفة والغلال ويأخذ
على كل عثماني نصفين أو أقل أو اكثر وعلى كل اردب قرشا روميا وكل ذلك حيلة على أخذ
المال بطريق شيطاني وحرروا ما حرروه ودفعوا للناس حيلة ما دفعوه حرروه ودفعوا
للناس ما دفعوه مقسطا على الجمع والشهور ورضوا بذلك وفرحوا به لظنهم دوامة
واستعوضوا الله فيما ذهب لهم وختموا الدفتر على مقدرا ما
عرض عليهم وما ظهر بعد ذلك لا يعمل به ويذهب في المحلول
ولما انقضت هذه السنة الاخرى وافتتح الناس الطلب قيل لهم ان الذي اخذتموه هو عن
السنة القابلة وقد قبضتموها معجلة وعزل شريف افندي الدفترادر في أثرها ووصل خليل
أفندي الرجائي واضطربت الاحوال ولم ينفع القيل والقال كما يأتي
من مات في هذه السنة مات الشيخ العمدة الامام خاتمة
العلماء الاعلام ومسك ختام الجهابذة ذوي الافهام ومن افتخر به عصره على الاعصار
وصاح بلبل فصاحته في الامصار يتيمة الدهر وشامة وجه اهل العصر العالم المحقق
والتحرير المدقق بديع الزمان والتاج المرصع على رؤوس الاقران الناظم الناثر الفصيح
الباهر الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي والده كان من أعيان التجار بمصر وأصل
مرباهم بالسويس بساحل القلزم وصاوى نسبة الى بلدة بشرقية بلبيس سمى الصوة وهي على
غير القياس وهي بلدة والده ثم انتقل منها الى السويس وكان يبيع بها الماء وولد له
بها المترجم فارتحل به الى مصر وسكن بحارة الحسينية مدة وأتى بولده المترجم الى الجامع
الازهر واشتغل بالقراءة فحفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر دروس الاشياخ
ولازم الشيخ عيسى البراوي وتخرج به ومهر وأنجب وأقرأ الدروس وختم الختوم وشهد له
الفضلاء وكان لطيف الذات مليح الصفات رقيق حواشي الطبع مشارا اليه في الافراد
والجمع مهذب الاخلاق جميل الاعراق وحاله وفضله كثير ولم يزل يقرر ويفيد ويملي
ويعيد حتى قطفت يد الاجل نواره واطفأت رياح المنية انواره
ومات الامير عثمان بك الاسقر الابراهيمي وهو من مماليك ابراهيم
بك الكبير الموجود الآن اشتراه ورباه واعتقه وجعله خازنداره مدة ثم قلده الامارة
والصنجقية في سنة 1129 وعرف بالاشقر اشقرته ولما انتقل اسناده الى بيت سيده محمد
بك بعطفة قوصون سكن مكانه بدرب
الجماميز وصار له مماليك واتباع وانتظم في عداد الامراء
وخرج مع سيده في الحوادث وتغرب معه في البلاد القبلية وطلع اميرا بالحج في سنة
1210 وعاد في أمن وأمان ولما حصلت حادثة الفرنسيس كان هو مع من كان بالبر الغربي
وذهب الى الصعيد ثم مر من خلف الجبل ولحق باستاذه ببر الشام ولم يزل حتى رجع مع استاذه
والامراء بصحبة عرضي الوزير في المرة الثانية ثم سافر مع حسين باشا القبودان فقتل
مع من قتل بأبي قير ودفن بالاسكندرية وكان ذا حشمة وسكون وحسن عشرة مع مافيه من
الشح
ومات الامير عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي
المرادي وهو من مماليك مراد بك اشتراه ورباه ورقاه وقلده الامارة والصنجقية في سنة
1197 ولما وصل حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج مع سيده وباقي الامراء من مصر على
الصورة المتقدمة ووقع بينهم ما وقع من الحروب والمهادنة حضر هو وحسين بك المعروف
بشفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي الى مصر رهائن ولما سافر حسن باشا الى الروم أخذهم
صحبته باغراء اسمعيل بك فأقاموا هناك ثم نفوهم الى ليميا فاستمروا بها ومات بها
حسين بك خشداشه المذكور ثم رجع المترجم وعبد الرحمن بك بعد وقوع الطاعون وموت
اسمعيل بك واتباعهما الى مصر فلم يزالوا حتى حصل ما حصل من ورود الفرنسيس وموت
مراد بك في آخريات أيامهم فوقع اختيار المرادية على تأميره عوضا عن سيده باشارة
خشداشه محمد بك الالفي وانتقل بعشيرته الى الجهة البحرية وانضموا الى عرضي الوزير ووصلوا
الى مصر فكان هو وابراهيم بك الالفي ثاني اثنين يركبان معا وينزلان معا ولم يزل
حتى سافر القبودان بعدما مكر مكره مع الوزير سرا على خيانة المصريين فأرسل يستدعيه
هو وعثمان بك البرديسي فسافرا امتثالا للامر فأوقع بهما ما تقدم وقتل المترجم ونجا
البرديسي ودفن بالاسكندرية وكان أمير لا بأس به وجيه الشكل عظيم اللحية ساكن
الجأش فيه تؤدة وعقل وسبب تلقبه بالطنبرجي أنه كان في
عنفوان أمره مولعا بسماع الآلات وضرب الطنبور
ومات الامير مراد بك المعروف بالصغير وهو من مماليك محمد
بك أبي الذهب وانتمى الى سليمان بك الآغا واستمر ملازما له ومنسوبا اليه مدة أعوام
وكان يعرف بمراد كاشف وله ايراد واسع ومماليك ثم تقلد الامارة والصنجقية في 1206 فزادت
وجاهته ولم يزل كذلك حتى سافر مع عثمان بك الاشقر وأحمد بك الحسني مع القبودان
وقتل كذلك بأبي قير ودفن بالاسكندرية
ومات الامير قاسم بك أبو سيف وهو مملوك عثمان بك أبي سيف
الذي سافر بالخزينة ومات بالروم وذلك سنة 1180 وهي آخر خزينة رأيناها سافرت الى
اسلامبول على الوضع القديم وعثمان بك هذا مملوك عثمان بك أبي سيف الذي كان من جملة
القاتلين لعلي بك الدمياطي وخليل بك قطامش ومحمد بك قطامش في ولاية راغب باشا كما
تقدم وخدم المترجم مراد بك وكان يعرف بقاسم كاشف أبي سيف وكان له اقطاع والتزام وايراد
واشتهر ذكره في أيام مراد بك وبني داره التي بالناصرية وانفق عليها أموالا جمة
وكان له ملكة وفكرة في هندسة البناء واستأجر قطعة عظيمة من أراضي البركة الناصرية
اتجاه داره من وقف المولوية وسورها بالبناء وبنى في داخلها قصرا مزخرفا برحبة
متسعة وقسم تلك الارض بتقاسيم للمزارع وحولها طرق ممهدة مستطيلة ومجار للمياه التي
تصل اليها أيام النيل ومجار أخرى عالية مبنية بالمؤن والخافقي من داخلها تجري فيها
المياه من السواقي ويحيط بذلك جمعية اشجار الصفصاف المتدانية القطاف وبداخل تلك
البركة المنقسمة النخيل والاشجار ومزارع المقاثىء والبرسيم والغلة وغيرها يسرح
فيها النظر من سائر جهاتها وتنشرح النفوس في ارجائها ومساحاتها وجعل السواقي في
ناحية تجتمع مياهها في حوض وبأسفله أنابيب تتدفق منها المياه الى حوض اسفل منه
وعنده
مجلس ومساطب للجلوس وتجرى منه المياه الى المجارى
المخفقة المرتفعة ومنها تنصب من مصبات من حجر الى أحواض أسفل منها صغار وتجرى الى
مساقي المزارع وعند كل مصب منها محل للجلوس وعليه اشجار تظله وبوسطه ايضا ساقية
بفوهتين تجري منها المياه ايضا والقصر يشرف على ذلك كله وحول رحبة القصر وطرق الممشاة
كروم العنب والتكاعيب واباح للناس الدخول اليها والتنزه في رياضها والتفسح في
غياضها والسروح في خلالها والتفيؤ في ظلالها وسماها حديقة الصفصاف والاس لمن يريد
الحظو والائتناس ونقش ذلك في لوح من الرخام وسمرة في اصل شجرة يقرؤها الداخلون
اليها فأقبل الناس على الذهاب اليها للنزاهة ووردوا عليها من كل جهة وعملوا فيها
قهاوي ومساقي ومفارش واتخاخا يفرشها القهوجية للعامة وقللا واباريق واجتمع بها
الخاص والعام وصار بها مغان وآلات وغواني ومطربات والكل يرى بعضهم بعضا وجعل بها
كراسي للجلوس وكنيفات لقضاء الحاجة وجعل للقصر فرشا ومساند ولوازم ومخادع لنفسه
ولمن يأتي اليه بقصد النزاهة من أعيان الامراء والآكابر فيبيتون به الليالي ولا
يحتاجون لسوى الطعام فيأتي اليهم من دورهم وزاد بها الحال حتى امتنع من الدخول اليها
أهل الحياء والحشمة وأنشأ تجاهها أيضا على يسار السالك الى طريق الخلاء بستانا آخر
علىخلاف وضعها واخبرني المترجم ايضا من لفظه أنه انشأ بستانا بناحية قبلي اعجب
وأغرب من ذلك ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج منها أمراؤها تخلف المترجم
عن مخدومه واستقر بمصر فقلدوه الامارة والصنجقية في سنة 1201 فعظمت امرته وزادت
شهرته وتقلد امارة الحج مرتين ولما أوقع العثمانية بالامراء المصرلية ما أوقعوه
وانفصلوا من حبس الوزير وانضموا الى الانكليز بالجيزة ثم انتقلوا الى جزيرة الذهب
وارتحلوا منها الى قبلي تخلف عنهم المترجم لمرض اعتراه وحضر الى مصر ولازم الفراش
ولم يزل حتى مات في يوم الخميس سادس القعدة من السنة
وكان يخضب لحيته بالسواد مدة سنين رحمه الله
ومات ابراهيم كتخدا السناري الاسود وأصله من برابرة نقلة
وكان بوابا في مدينة المنصور وفيه نباهة فتداخل في الغز القاطنين هناك مثل
الشابوري وغيره بكتابة الرقي وضرب الرمل ونحو ذلك ولبس ثيابا بيضاء ثم تعاشر مع
بعضهم وركب فرسا وانتقل الى الصعيد مع من اختلط بهم وتداخل في اتباع مصطفى بك الكبير
ولم يزل حتى اعتشر بالامير المذكور وتعلم اللغة التركية فأستعمله في مراسلاته
وقضاياه فنقل فتنة ونميمة بين الامراء فاراد مراد بك قتله فألتجا الى حسين بك
وخدمه مدة ثم تحيل والتجأ الى مراد بك وعاشره وأحبه ولازمه في الغربة والاسفار
واشتهر ذكره وكثر ماله وصار له التزام وايراد وبنى داره التي بالناصرية وصرف عليها
اموالا واشترى المماليك الحسان والسراري البيض وتداخل في القضايا والمهمات العظيمة
والامور الجسيمة وصار من أعظم الاعيان المشار اليهم بمصر ونمى ذكره وعظم شأنه
وباشر بنفسه الامور من غير مشورة الامراء فكان يحل ما يعقده الامراء الكبار ولما
تحجب مخدومه بقصر الجيزة كان المترجم لسان حاله في الامر والنهي وبيده مقاليد
الاشياء الكلية والجزئية ولا يحجب عن ملاقاة مخدومه في أي وقت شاء فينهى اليه ما
يريد تنفيذه بحسب غرضه واتتخذ له اتباعا وخدما يقضون القضايا ويسعون في المهمات ويتوسطون
لارباب الحاجات ويصانعهم الناس حتى الاكابر ويسعون الى دورهم وصاروا من أرباب
الوجاهات والثروات ولم يزل ظاهر الامر نامي الذكر حتى وقعت الحوادث وسافر
الفرنانساوية ودخل العثمانية ورجع قبودان باشا الى أبي قير فأرسل يطلبه في جملة من
استدعاهم اليه وقتل مع من قتل ودفن بالاسكندرية
محرم الحرام ابتداء سنة ألف ومائتين وسبع عشره هجرية
استهل بيوم الاثنين فيه تواترت الاخبار بحصول الصلح العمومي بين القرانات جميعا
ورفع الحروب فيما بينهم
وفيه ترادفت الاخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث
سنوات من ناحيةنجد ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة وبث دعاته في أقاليم الارض
ويزعم انه يدعو الى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ويأمر بترك البدع التي
ارتكبها الناس ومشوا عليها الى غير ذلك
وفيه سافر عثمان كتخدا الدولة الى الديار الرومية ونزل
الى بولاق وضربوا له عدة مدافع وأخذ صحبته الخزينة وسافر معه مختار افندي ابن شريف
افندي دفتردار مصر
وفي هذه الايام حصلت امطار متتابعة وغيام ورعود وبروق
عدة أيام وذلك في اواسط نيسان الرومي
وفي ذلك اليوم نبهوا على الوجاقات والعساكر بالحضور من
الغد الى الديوان لقبض الجامكية فلما كان في صبحها يوم الثلاثاء نصبوا صيوانا
كبيرا ببركة الازبكية وحضر العساكر الوجاقلية بترتيبهم ونزل الباشا بموكبه الى ذلك
الصيوان وهو لابس على رأسه الطلخان والقعطان الأطلس وهو شعار الوزارة ووضعوا
الاكياس وخطفوها على العادة القديمة فكان وقتا مشهودا
وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر كبير الانكليز من الاسكندرية
ونصبوا وطاقهم ببرانبابة فلما كان يوم الاربعاء يوم عاشوراء عدي كبير الانكليز
ومعه عدة من أكابرهم فتهيأ لملاقاته الباشا واصطفت العساكر عند بيت الباشا ووصل
الانكلز الى الازبكية وطلعوا الى عند الباشا وقابلوه فخلع عليهم وقدم لهم خيلا
وهدية ثم نزلوا وركبوا ورجعوا الى وطاقهم وعند ركوبهم ضربوا لهم عدة مدافع فلم
يعجب الباشا ضربها فأمر الطبجية لكونهم لم يضربوها على نسق واحد
وفيه وردت الاخبار بأن الانكليز أخلوا القلاع
بالاسكندرية وسلموها لاحمد بك خورشيد وذلك يوم الاثنين ثامنه وأبطلوا الكرنتينه
ايضا وحصل الفرج للناس وانطلق سبيل المسافرين برا وبحرا وأخذ الباشا في
الاهتمام بتشهيل الانكليز المسافرين الى السويس والقصير
وما يحتاجون اليه من الجمال والادوات وجميع ما يلزم ولما حضر الانكليز الى عند
الباشا فدعوه الى الحضور الى عندهم فوعدهم على يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة
ثالث عشره ركب الباشا وصحبته طاهر باشا في نحو الخمسين وعدي الى الجيزة بعد الظهر
ووقفت عساكر الانكليز صفوفا رجالا وركبانا وبأيديهم البنادق والسيوف واظهروا زينتهم
وأبهتهم وذلك عندهم من التعظيم للقادم فنزل الباشا ودخل القصر فوجدهم كذلك صفوفا
بدهليز القصر ومحل الجلوس فجلس عندهم ساعة زمانية وأهدوا له هدايا وتقادم وعند
قيامه ورجوعه ضربوا له عدة مدافع على قدر ما ضرب لهم هو عند حضورهم اليه فلقد
أخبرني بعض خواصهم ان الباشا ضرب لهم سبعة عشر مدفعا ولقد عددت ما ضربه الانكليز للباشا
فكان كذلك وأخبرني حسين بك وكيل قبطان باشا وكان بصحبة الباشا عند ذهابه الى
الانكليز قال كنا في نحو الخمسين والانكليز في نحو الخمسة آلاف فلو قبضوا علينا في
ذلك الوقت لملكوا الاقليم من غير ممانع فسبحان المنجي من المهالك واذا تأمل العاقل
في هذه القضية يرى فيها أعظم الاعتبارات والكرامة لدين الاسلام حيث سخر الطائفة الذين
هم اعداء للملة هذه الدفع تلك الطائفة ومساعدة المسلمين عليهم وذلك مصداق الحديث
الشريف وقوله صلى الله عليه و سلم ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فسبحان
القادر الفعال واستمرت طائفة كبيرة بالاسكندرية من الانكليز حتى يريد الله
وفي ذلك اليوم سافرت الملاقاة للحجاج بالوش وفيه وصلت
مكاتبات من أهل القدس ويافا والخليل يشكون ظلم محمد باشا ابي مرق وانه احدث عليهم
مظالم وتفاريد ويستغيثون برجال الدولة وكذلك عرضوا أمرهم لأحمد باشا الجزار وحضر
الكثير من أهل غزة ويافا والخليل والرملة هروبا من المذكور وفي ضمن المكاتبات انه
حفر قبور
المسلمين والاشارف والشهداء بيافا ونبشهم ورمى عظامهم
وشرع يبنى في تلك الجبانة سورا يتحصن به واذن للنصارى ببناء دير عظيم لهم ومكنهم
ايضا من مغارة السيدة مريم بالقدس وأخذ منهم مالا عظيما على ذلك وفعل من امثال هذه
الفعال اشياء كثيرة
وفيه حضر جماعة من العسكر القبالي وصحبتهم أربعة رؤس من
المصرلية وفيهم رأس على كاشف ابي دياب وتواترت الاخبار بوقوع معركة بين العثمانية
والمصرلية وكانت الغلبة على العثمانية وقتل منهم الكثير وذلك عند ارمنت وراس عصبة المصرلية
الالفي وصحبته طائفة من الفرنسيس وتجمع عليهم عدة من عسكر الفرنساوية والعثمانية
طمعا في بذلهم وان عثمان بك حسن انفرد عنهم وارسل يطلب امانا ليحضر فأرسلوا له
امانا فحضر الى باشة الصعيد وخلع عبيه فروة سمور وقدم له خيلا وهدية
وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا توسون والي جدة وكذلك
خازنداره وفي يوم السبت رابع عشره شرع الانكليز المتوجهون الى جهة السويس في تعدية
البر الشرقي ونصبوا وطاقهم عند جزيرة بدران وبعضهم جهة العادلية وذهبت طائفة منهم
جهة البر الغربي متوجهين الى القصير واستمروا يعدون عدة أيام ويحضر أكابرهم عند
الباشا ويركبون فيرمون لهم مدافع حال ركوبهم الى اماكنهم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه عدى حسين بك وكيل القبطان
الى الجيزة وتسلمها من الانكليز واقام بها وسكن بالقصر
وفي خامس عشرينه وصل الى ساحل بولاق اغا وعلى يده مثالات
واوامر وحضر ايضا عساكر رومية فأرسلوا عدة منهم الى الجيزة فركب ذلك الاغا في موكب
من بولاق الى بيت الباشا فخلع عليه وقدم له تقدمه وضربوا له عدة مدافع
وفيه حضر ططرى من ناحية قبلي بالاخبار بما حصل بين
العثمانية والمصرلية وطلب جبخانة ولوازمها
وفيه وصلت الاخبار بان احمد باشا ارسل عسكر الى ابي مرق
من البر والبحر فأحاطوا بيافا وقطعوا عنها الجالب واستمروا على حصاره
وفيه اتخذ الباشا عسكرا من طائفة التكرور الذين يأتون
الى مصر بقصد الحج فعرضهم واختار منهم جملة وطلبوا الخياطين ففصلوا لهم قناطيش
قصارا من جوخ احمر والبسة من جوخ ازرق وصدريات وجميعها ضيقة مقمطة مثل ملابس
الفرنسيس وعلى رؤوسهم طراطير حمر واعطوهم سلاحا وبنادق وأسكنوهم بقلعة الجامع
الظهري خارج الحسينية وجعلوا عليهم كبيرا يركب فرسا ويلبس فروة سمور وجمع الباشا ايضا
العبيد السود وأخذهم من أسيادهم بالقهر وجعلهم طائفة مستقلة وألبسهم شبه ما تقدم
وأركبهم خيلا وجعلهم فرقتين صغارا وكبارا واختارهم للركوب اذا خرج الى الخلاء
وعليهم كبير يعلمهم هيئة اصطاف الفرنسيس وكيفية أوضاعهم والاشارات بمرش واردبوش
وكذلك طلب المماليك وعصب ما وجده منهم من أسيادهم واختص بهم وألبسهم شبه لبس المماليك
المصرلية وعمائم شبه البحرية الاروام وبلكات وشراويل وادخل فيهم ما وجده من
الفرنسيس وجعل لهم كبيرا ايضا من الفرنسيس يعلمهم الكر والفر والرمي بالبنادق وفي
بعض الاحيان يلبسون زرديات وخودا وبأيديهم السيوف المسلولة وسموا ذلك كله النظام
الجديد
واستهل شهر صفر الخير بيوم الاربعاء سنة في ثانيه وصل
سعيد اغا وكيل دار السعادة وهو فحل اسمر فحضر عند الباشا فقابله وخلع عليه وقدم له
تقدمة وضربوا له عدة مدافع ايضا
وفي يوم الخميس تاسعه عمل الباشا ديوانا وحضر القاضي والعلماء
والاعيان وقرأوا خطا شريفا حضر بصحبة وكيل دار السعادة بانه ناظر اوقاف الحرمين
وفي يوم الاثنين ثالث عشره قتل الباشا ثلاثة اشخاص من
النصارى
المشاهير وهم ألطون ابو طاقية وابراهيم زيدان وبركات
معلم الديوان سابقا وفي الحال ارسل الدفتردار فختم على دورهم واملاكهم وشرعوا في
نقل ذلك الى بيت الدفتردار على الجمال ليباع في المزاد فبدأوا باحضار تركة ألطون
ابي طاقية فوجد له موجود كثير من ثياب وامتعة ومصاغ وجواهر وغيرها وجوار سود وحبوش
وساعات واستمر سوق المزاد في ذلك عدة ايام
وفيه تواترت الاخبار بان بونابارته خرج بعمارة كبيرة
ليحارب الجزائر وانه انضم الى طائفة الفرنسيس الاسبانيول والنامرطان وتفرقوا في
البحر وكثر اللغط بسبب ذلك وامتنع سفر المراكب ورجع الانكليز الى قلاع الاسكندرية
واستمرت هذه الاشاعة مدة ايام ثم ظهر عدم صحة هذه الاخبار وان ذلك من اختلافات
الانكليز
وفي يوم الخميس سابع عشره حضر جاويش وصحبته مكاتبات
الحجاج من العقبة وضربوا لحضوره مدافع واخبروا بالامن والرخاء والراحة ذهابا
وايابا ومشوا من الطريق السلطاني وتلقتهم العربان وفرحوا بهم فلما كان يوم الاثنين
وصل الحجاج ودخلوا الى مصر
وفي صبحها دخل امير الحج وصحبته المحمل
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه سافر حسين اغا شنن وزين
الفقار كتخدا وصحبتهما على كاشف لملاقاة عثمان بك حسن وأخلوا له دار عبد الرحمن
كتخدا بحارة عابدين
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه حضر عثمان بك حسن فارسل
اليه الباشا اعيان اتباعه من الاغوات وغيرهم والجنائب فحضر بصحبتهم وقابل حضرة الباشا
وخلع عليه خلعة وقدم له تقدمة وذهب الى الدار التي اعدت له وحضر صحبته صالح بك
غيطاء وخلافه من الامراء البطالين ومعهم نحو المائتين من الغز والمماليك سكن كل من
الامراء والكشاف في
مساكن ازواجهم فكانوا يركبون في كل يوم الى بيت عثمان بك
ويذهبون صحبته الى ديوان الباشا ورتب له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الخميس سنة فيه شرعوا في عمل
المولد النبوي وعملوا صوارى ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتردار والشيخ البكري
ونصبوا خياما في وسط البركة ونودي في يوم الخميس ثامنه بتزيين البلد وفتح الاسواق والحوانيت
والسهر بالليل ثلاث ليال اولها صبح يوم الجمعة وآخرها الاحد ليلة المولد الشريف
فكان كذلك
وفي ليلة المولد حضر الباشا الى بيت الدفتردار باستدعاء
وتعشى هناك واحتفل لذلك الدفتردار وعمل له حراقة نفوط وسواريخ حصة من الليل
وفيه وصلت الاخبار بكثرة عربدة الامراء القبالى وتجمع
عليهم الكثير من غوغاء الخوف والهوارة والعربان ووصلوا الى غربي اسيوط وخافتهم
العساكر العثمانية وداخلهم الرعب منهم وتحصن كل فريق في الجهة التي هو فيها وانكمشوا
عن الإقدام عليهم وهابوا لقاءهم مع ما هم عليه من الظلم والفجور والفسق بأهل الريف
والعسف بهم وطلبهم الكلف الشاقة والقتل والحرق وذلك هو السبب الداعي لنفور اهل
الريف منهم وانضامهم الى المصرلية ومن جملة افاعيلهم التي ضيقت المنافس واحرجت
الصدور حتى اعاظم الدولة حجزهم المراكب ومنعهم السفار حتى تعطلت الاسباب وامتنع
حضور الغلال من الجهة القبلية وخلت عرصات الغلة والسواحل من الغلال مع كثرتها في
بلاد الصعيد ولولا تشديد الباشا في عدم زيادة سعر الغلة لغلت اسعارها وامر بان لا
يدخلوا الى الشون والحواصل شيئا من الغلة بل يباع ما يرد على الفقراء حتى يكتفوا
وفي كل وقت يرسلون اوراقا وفرمانات الى العساكر باطلاق المراكب فلا يمتثلون
ويحجز الواحد منهم او الاثنان المركب التي تحمل الالف
اردب ويربطونها بساحل الجهة التي هم بها وتستمر كذلك من غير منفعة وربما مرت بهم
شرعوا في تسفير عساكر ايضا وسارى عسكرهم طاهر باشا واخذ في المراكب المشحونة
بالغلة فيأخذون منها النواتية والريس يستخدمونه في مركبهم ويأخذ غيرهم المركب فيرمي
ما بها من الغلال على بعض السواحل ان لم يجدوا من يشتريه ويأخذون المراكب
فيربطونها عندهم وامثال ذلك مما تقصر عنه العبارة ولما تواترت هذه الاخبار عن
الامراء القبالي التشهيل والسفر فلما كان يوم الخميس خامس عشره عدى الى البر
الغربي وتبعته العساكر
وفي ذلك اليوم حضرت مكاتبة من الامراء القبالي ملخصها أن
الارض ضاقت عليهم واضطرهم الحال والضيق وفراق الوطن الى ما كان منهم وانهم في طاعة
الله والسلطان ولم يقع منهم ما يوجب ابعادهم وطردهم وقتلهم فأنهم خدموا وجاهدوا
وقاتلوا مع العثمانية وأبلوا مع الفرنساوية فجوزوا بضد الجزاء ولا يهون بالنفس
الذل والاقبال على الموت فأما أن تعطونا جهة نتعيش فيها أو ترسلوا لنا أهلنا
وعيالنا وتشهلوا لنا مراكب على ساحل القصير فنسافر فيها الى جهة الحجاز او تعينوا
لنا جهة نقيم بها نحو خمسة اشهر مسافة ما نخاطب الدولة في أمرنا ويرجع لنا الجواب
ونعمل بمقتضى ذلك فان لم تجيبونا لشيء من ذلك فيكون ذنب الخلائق في رقابكم لا رقابنا
وورد الخبر عنهم انهم رجعوا القهقرى الى قبلي فلما حضرت تلك المكاتبة فاشتوروا في
ذلك وكتبوا لهم جوابا بامضاء الباشا والدفتردار والمشايخ حاصله الامان لما عدا
ابراهيم بك والالفي والبرديسي وابادياب فلا يمكن أن يؤذن لهم بشيء حتى يرسلوا الى
الدولة ويأتي الاذن بما تقتضيه الاراء وأما بقيتهم فلهم الامان والاذن بالحضور الى
مصر ولهم الاعزاز والاكرام ويسكنون فيما أحبوا من البيوت ويرتب لهم ما يكفيهم
من التراتيب والالتزام وغير ذلك مثل ما وقع لعثمان بك
حسن فانهم رتبوا له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر ومكنوه مما طلبه من خصوص الالتزام
ورفعوها عمن كان أخذها بالحلوان وهذه اول قضية شنيعة ظهرت بقدومهم واستمر طاهر
باشا مقيما بالبر الغربي
وفي هذا الشهر كمل تنميم عمارة المقياس على ما كان عمره الفرنسيس
على طرف الميري وأنشا به الباشا طيارة في علوه عوضا عن الطيارة القديمة التي هدمها
الفرنسيس وأنشأ ايصا مصطبة في مرمى النشاب بالناصرية وجعل فيها كشكا لطيفا مزينا
بالاصباغ ودرابزين حول المصطبة المذكورة
ومن الحوادث بسكندرية حضر قليون وفيه تجار وبزرجانية
يقال له قليون مهر الدار الدولة فأرسى بالمينة الغربية وطلع منه قبطان وبعض التجار
الى البلدة وأقام نحو يومين او ثلاثة فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز انه مات به
رجل بالطاعون ومات قبله ثلاثة ايضا فطلبوا القبطان فهرب فأرسلوا الى المركب وأحضروا
اليازجي وتحققوا القضية وأحرقوا المراكب بما فيها وأشهروا اليازجي وعروه من ثيابه
وسحبوه بينهم في الاسواق وكلما مروا به على جماعة من العثمانية مجتمعين على مصاطب القهاوي
بطحوه بين أيديهم وضربوه ضربا شديدا ولم يزالوا يفعلون به ذلك حتى قتلوه
ووقع ايضا ان خورشيد حاكم الاسكندرية أحدث مظالم ومكوسا
على الباعة والمحترفين فذهب بعض الانكليز يشتري سمكا فطلب السماك منه زيادة في
الثمن عن المعتاد فقال له الانكليزي لاي شيء تطلب زيادة عن العادة فعرفه بما أحدث
عليهم من المكس فرجع الانكليزي وأخبر كبراءة فتحققوا القضية وأحضروا المنادي
وأمروه بالمناداة بأبطال ما أحدثه العثمانية من المكوس والمظالم فخرج المنادي وقال
حسبما رسم الوزير
محمد باشا وخورشيد أغا بان جميع الحوادث المحدثة بطاله فسمعوه
يقول ذلك فأحضروه وضربوه ضربا شديدا وعزروه على ذلك القول وقالوا له قل في مناداتك
حسبما رسم سارى عسكر الانكليز
ووقع ايضا ان جماعة من العسكر ارادوا القبض على امرأة من
النساء اللاتي يصاحبن الانكليز فمنعها منهم عسكر الانكليز فتضاربوا معهم فقتل من
الانكليز اثنان فاجتمع الانكليز وأرسلوا الى خورشيد بان يخرج الى خارج البلدة
ويحاربهم فامتنع من ذلك فأمروه بالنزول من القلعة واسكنوه في دار بالبلد ومنعوا
عسكره من حمل السلاح مطلقا مثل الانكليزية واستمروا على ذلك
واستهل شهر ربيع سنة فيه حضر أحمد أغا شويكار من عند
القبالي ومحمد كاشف صحبته من جماعة الالفي ومعهم مكاتبات وأشيع طلبهم الصلح
فأقاموا عدة ايام محجوبين عن الاجتماع بالناس ثم سافروا في أواسطه ولم يظهر كيفية
ما حصل وبطل سفر طاهر باشا الى الجهة القبلية ورجع الى داره بعد أيام من رجوعهم
وفيه عمل مولد المشهد الحسيني ودعا شيخ السادات الباشا
في خامسه وتعشى هناك ورجع الى داره
وفيه تقلد السيد أحمد المحروقي امين الضربخانة وفرق ذهبا
كثيرا في ذلك اليوم ببيت الباشا وعمل له ليلة بالمشهد الحسيني ودعا الباشا
والدفتردار وأعيان الدولة والعلماء وأولم لهم وليمة عظيمة وأوقد بالمسجد وقدة
كبيرة وقدم للباشا تقدمة وفي صبحها أرسل مع ولده هدية وتعبية أقمشة نفيسه فخلع عليه
الباشا فروة سمور
وفي غرة هذا الشهر شرع الباشا في هدم الاماكن المجاورة
لمنزله التي تهدمت واحترقت في واقعة الفرنسيس ليبنيها مساكن للعساكر
المختصة به وتسمى عندهم بالقشلة وذلك من قبالة منزله من
المكان المعروف بالساكت الى جامع عثمان كتخدا حيث رصيف الخشاب واهتم لذلك اهتماما
عظيما ورسم بعمل فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى وأرسلوا المعينين لقبض ذلك من البلاد
مع ما الفلاحون فيه من الظلم والجور من العساكر والمباشرين وحق الطرق وفرد
الانكليز
وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع
وكان من خبره ان هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة
عمائره وذلك في سنة 1174 فلم يزل على ذلك الى ان ظهر به خلل ومال شقه فانتدب
لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فهدمه
وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا اعمدته وأرادوا عقد قناطره فحصلت
حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى فبقى على حالته الى أن خرج الفرنسيس من ارض مصر وحضرت
الدولة العثمانية فعرض خدمة الضريح الى الوزير يوسف باشا فأمر باتمامه واكماله على
طرف الميري ثم وقع التراخي في ذلك الى ان استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فأهتم
لذلك فشرعوا في اكماله وتنميمه وتسقيفه وتقيد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على
أحسن ما كان واحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والاصباغ ولما كان يوم
الجمعة رابع عشره حصلت به الجمعية وحضر الباشا الدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة
وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الامير المالكي درس وظيفته وأملى انما يعمر
مساجد الله الاية والاحاديث المتعلقة بذلك وثم المجلس وخلع عليه الباشا بعد ذلك
خلعة وكذا الامام
وفيه نصب للباشا خيمة عند بيته بقرب الهدم يجلس بها حصة
كل يوم لمباشرة العمل وربما باشر بنفسه ونقل بعض الانقاض فلما عاينه الاغوات
والجوخدارية بادروا الى الشيل ونقل التراب بالغلقان فلما أشيع ذلك
حضر طاهر باشا واعيان العساكر فنقلوا ايضا وطلبوا
المساعدة وحضر طائفة من ناحية الرميلة وعرب اليسار ومعهم طبول وزمور فسأل عن ذلك
فقال له المحتسب ذو الفقار هؤلاء طائفة من طوائفي حضروا لاجل المساعدة فشكرهم على
ذلك وأمرهم بالذهاب فبقى منهم طائفة وأخذوا في شيل التراب بالاغلاق ساعة والطبول
تضرب لهم فانسر الباشا من ذلك وحسن القرناء للباشا المساعدة وان الناس تحب ذلك
فرتبوا ذلك وأحضروا قوائم ارباب الحرف التي كتبت ايام فرد الفرنسيس ونبهوا عليهم
بالحضور فأول ما بدأوا بالنصارى الاقباط فحضروا ويقدمهم رؤساؤهم جرجس الجوهري
وواصف وفلتيوس ومعهم طبول وزمور واحضر لهم ايضا مهتار باشا النوبة التركية وانواع
الآلات والمغنين حتى البرامكة بالرباب فاشتغلوا نحو ثلاث ساعات وفي ثاني يوم حضر منهم
ايضا كذلك طائفة
ولما انقضت طوائف الاقباط حضر النصارى الشوام والاروام
ثم طلبوا ارباب الحرف من المسلمين فكان يجتمع الطائفتان والثلاثة ويحضرون معهم عدة
من الفعلة يستأجرونهم ويحضرون الى العمل ويقدمهم الطبول والزمور والمجرية وذلك
خلاف ما رتبه مهتار باشا فيصير بذلك ضجة عظيمة مختلطة من نوبات تركية وطبول شامية
ونقاقير كشوفية ودبادب حربية وآلات موسيقية وطبلات بلدية وربابات برامكية كل ذلك
في الشمس والغبار والعفار وزادوا في الطنبور نغمة وهي انهم بعد ان يفرغوا من الشغل
ويأذنوا لهم بالذهاب يلزمونهم بدراهم يقبضها مهتار باشا برسم البقشيش على أولئك الطبالين
والزمارين فيعطيهم النزر اليسير ويأخذ لنفسه الباقي وذلك بحسب رسمه واختياره فيأتي
على الطائفة المائة قرش والخمسون قرشا ونحو ذلك فيركب في ثاني يوم ويذهب الى خطتهم
ويلزمهم باحضار الذي قرره عليهم فيجمعونه من بعضهم ويدفعونه واذا حضرت طائفة ولم
تقدم بين يديها هدية أو جعالة
طولوا عليهم المدة واتعبوهم ونهروهم واستحثوهم في الشغل
ولو كانوا من ذوي الحرف المعتبرة كما وقع لتجار الغورية والحريرية واذا قدموا بين
ايديهم شيئا خففوا عليهم واكرموهم ومنعوا اعيانهم وشيوخهم من الشغل واجلسوهم بخيمة
مهتار باشا واحضر لهم الآلات والمغاني فضربت بين ايديهم كما وقع ذلك لليهود واستمر
هذا العمل بقية الشهر الماضي الى وقتنا هذا فاجتمع على الناس عشرة اشياء من
الرذالة وهي السخرة والمعونة واجرة الفعلة والذل ومهنة العمل وتقطيع الثياب ودفع
الدراهم وشماتة الاعداء من النصارى وتعطيل معاشهم وعاشرها اجرة الحمام
وفي يوم الاربعاء ثاني عشره الموافق لسادس مسرى القبطي
كان وفاء النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم الخميس بحضرة الباشا والقاضي
والشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ولم يطف مثل العادة ومنعوا دخول السفن
والمراكب المعدة للنزهة وذلك بسبب اذية العساكر العثمانية
وفي منتصفه حضر قصاد من الططر وعلى يدهم مكاتبات من
الدولة بوقوع الصلح العام من الدولة والقرانات وعثمان باشا ومن معه من المخالفين
على الدولة ومن جهة الروملي فعملوا شنكا ومدافع ثلاثة ايام تضرب في كل وقت من
الاوقات الخمسة وكتبوا اوراقا بذلك والصقوها في مفارق الطرق بالاسواق وقد تقدم مثل
ذلك واظنه من المختلقات
وفي اواخره حضر حريم الباشا من الجهة الرومية وهما
اثنتان احداهما معتوقة ام السلطان والاخرى معتوقة اخته زوجة قبطان باشا وصحبتهما
عدة سراري فاسكنهن ببيت الشيخ خليل البكري وقد كان عمره قبل حضورهن وزخرفه ودهنوه
بانواع الصباغات والنقوش وفرشوه بالفرش الفاخرة وفرش المحروقي مكانا وكذلك جرجس
الجوهري فرش مكانا واحمد بن محرم واعتنوا بذلك اعتناء زائدا حتى ان جرجس فرش بساطا
من الكشمير وغير ذلك وعمل وليمة العقد وعقد على الثنتين في آن
واحد بحضرة القاضي والمشايخ واهدوا لكل من الحاضرين بقجة
من ظرائف الاقمشة الهندية والرومية وعملوا شنكا وحراقة بالازبكية عدة ليال
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم الاثنين سنة في يوم
الاثنين ثامنه شنقوا ثلاثة من عساكر الاروام احدهم بباب زويلة والثاني بباب الخرق
والثالث بالازبكية بالقرب من جامع عثمان كتخدا وقتلوا ايضا شخصا بالنحاسين
وفي يوم الثلاثاء تاسعه عمل الباشا ديوانا وفرق الجامكية
على الوجاقلية
وفيه وردت الاخبار بوقوع حادثة بين الامراء القبالي
والعثمانية وذلك ان شخصا من العثمانية يقال له أجدر موصوفا بالشجاعة والاقدام أراد
أن يكبس عليهم على حين غفلة ليكون له ذكر ومنقبة في أقرانه فركب في نحو الالف من العسكر
المعدودين وكانوا في طرف الجبل بالقرب من الهو فسبق العين الى الامراء وأخبرهم
بذلك فلما توسطوا سطح الجبل واذا بالمصرلية أقبلت عليهم في ثلاثة طوابير فأحاطوا
بهم فضرب العثمانية بنادقهم طلقا واحدا لا غير ونظروا واذا بهم في وسطهم وتحت
سيوفهم ففتكوا فيهم وحصدوهم ولم ينج منهم الا القليل وأخذ كبيرهم أجدر المذكور
أسيرا وانجلت الحرب بينهم وأحضروا أجدر بين يدي الالفي فقال له لاي شيء سموك أجدر
فقال الاجدر معناه الافعى العظيم وقد صرت من اتباعك فقال لكن يحتاج الى تطريمك
واخراج سمك أولا وأمر به فأخذوه وقلعوا اسنانه ثم قتلوه وأخذوا جميع ما كان معهم
ومن جملة ذلك أربعة مدافع كبار
وفيه قلدوا أحمد كاشف سليم امارة اسيوط وعزل أميرها
مقدار بك العثماني بسبب شكوى اهل النواحي من ظلمه
وفي منتصفه تواترت الاخبار برجوع الامراء القبالي الى
بحري وانهم وصلوا الى بني عدي فنهبوا غلالها ومواشيها وقبضوا اموالها وأعطوهم
وصولات بختمهم وكذلك الحواوشة وما جاور ذلك من البلاد فشرع
العثمانية بمصر في تشهيل جريدة وعساكر
وفيه حضرت ايضا عساكر كثيرة من هبود الاتراك والارنؤد
فأحضروا مشايخ الحارات وأمروهم باخلاء البيوت لسكناهم فأزعجوا الكثير من الناس
وأخرجوهم من دورهم بالقهر فحصل للناس غاية الضرر وضاق الحال بالناس وكلما سكنت
منهم طائفة بدار أخربوها وأحرقوا أخشابها وطيقانها وأبوابها وانتقلوا الى غيرها فيفعلون
بها كذلك ومن تكلم أو دافع عن داره وبخ بالكلام وقيل له عجب كنتم تسكنون الفرنسيس
وتخلون لهم الدور وأمثال ذلك من الكلام القبيح الذي لا أصل له ولما شرعوا في تشهيل
التجريدة حصلت منهم أمور وأذية في الناس كثيرة فمنها أنهم طلبوا الحمارة المكارية
وأمروهم باحضار ستمائة حمار وشددوا عليهم في ذلك فقيل انهم لما جمعوها أعطوهم
أثمانها في كل حمار خمسة ريالات بعدته ولجامه مع أن فيها ما قيمته خمسون ريالا
خلاف عدته ثم ما كفاهم ذلك بل صاروا يخطفون حمير الناس من اولاد البلد بالقهر
وكذلك حمير السقائين التي تنقل الماء من الخليج حتى امتنعت السقاؤن بالكلية وبلغ
ثمن القربة الكتافي من الخليج عشرة انصاف فضة وتعدى بالخطف ايضا من ليس بمسافر
فكانوا ينزلون الناس من على حميرهم ويذهبون بها الى الساحة ويبيعونها والبعض تبعهم
واشترى حماره بالثمن فخبى جميع الناس حميرهم في داخل الدور فكان يأتي الجماعة من
العسكر وينصتون بآذانهم على باب الدار ويتبعون نهيق الحمير وبعض شياطينهم يقف على
الدار ويقول زر ويكررها فينهق الحمار فيعلمون به ويطلبونه من البيت فأما اخذوه او
افتداه صاحبه ببما ارادوه وغير ذلك
وفيه حضر قاضي سكندرية الى مصر وذلك أنه لما حضر من
اسلامبول طلع الى داره وحضرت اليه الدعاوي فأخذ منهم المحصول على الرسم المعتاد
فأرسل اليه الانجليز ولاموه على عدم حضوره اليهم وقت قدومه وقالوا له ان أقمت هنا بتقليدنا
اياك فلا نأخذ من أحد شيئا ونرتب لك
ثلاثة قروش في كل يوم والا فأذهب حيث شئت فحضر الى مصر
بذلك السبب
شهر جمادى الثانية سنة في خامسه سافرت العساكر الى
الامراء القبالي وسافر ايضا عثمان بك الحسني وباقي العساكر المعزولين وأمير
العساكر العثمانية محمد علي سرششمه وكان الباشا أرسل ابراهيم كاشف الشرقية بجواب
اليهم فرجع في ثامنه بجواب الرسالة وأعطاه الالفي ألفي ريال وقدم له حصانين وحاصل
تلك الرسالة كما تقدم الامان لجميع الامراء المصرلية وانهم يحضرون الى مصر ويقيمون
بها ولهم ما يرضيهم من الفائظ وغيره ما عدا الاربعة الامراء وهم ابراهيم بك
والالفي والبرديسي وأبا دياب فانهم مطلوبون الى حضرة السلطان يتوجهون اليه مع
الامن عليهم ويعطيهم مناصب وولايات كما يحبون فان لم يرضوا بذلك فيأخذوا اقطاع
اسنا ويقيمون بها فلما وصل ابراهيم اغا المذكور الى أسيوط وأرسل اليهم ارسلوا اليه
أحمد آغا شويكار ومحمد كاشف الالفي فانتظروه خارج الجبانة فخرج اليهم ولاقوه
وأخذوه وصحبتهم الى عرضيهم وأنزلوه بوطاق بات به فلما اصبح الصباح طلبوه الى
ديوانهم فحضر ووقفت عساكرهم صفوفا ببنادقهم وفيهم كثير على هيئة اصطفاف الفرنسيس
وعملوا له شنكا ومدافع ثم اعطاهم المكاتبة بحضرة الجميع فقرؤها ثم تكلم الالفي
وقال أما قولكم نذهب الى اسلامبول ونقابل السلطان ينعم علينا فهذا مما لا يمكن وان
كان مراده أن ينعم علينا فاننا في بلاده وانعامه لا يتقيد بحضورنا بين يديه واما
بقية اخواننا فهم بالخيار ان شاؤا أقاموا معنا والا ذهبوا وكل انسان امير نفسه واما
كون حضرة الباشا يعطينا اقطاع اسنا فلا يكفينا هذا وانما يكفينا من اسيوط الى آخر
الصعيد ونقوم بدفع خراجه فان لم يرضوا بذلك فان الارض لله ونحن خلق الله نذهب حيث
شئنا ونأكل من رزق الله ما يكفينا ومن أتى الينا حاربناه حتى يكون
من امرنا ما يكون ثم استقروا بقنطرة اللاهون وكسروا
القنطرة وشرعوا في قبض اموال من بلاد الفيوم فلما رجع ابراهيم كاشف بذلك الجواب
ركب الباشا في صبحها الى الآثار واستعجل العسكر بالذهاب فعدوا الى البر الغربي
وتأخر عنهم عثمان بك الحسني والغز المصرلية وباتوا بطرا
وفيه شنق الباشا رجلا طبجيا في المشنقة التي عند قنطرة
المغربي ثم ان عثمان بك ارسل الى الباشا يطلب حسين اغا شنن ومصطفى اغا الوكيل
ليتفاوض معهما في كلام فأرسل له ابراهيم اغا كاشف الشرقية فأعطاه الخلعة التي
خلعها عليه الباشا ودراهم الترحيلة وقال له سلم علي افندينا واخبره اني جاهدت الفرنسيس
وبلوت معهم ثم اني حضرت بامان طائعا فلم اجاز ولم يحصل ما كنت اؤمله ولم يوفوا معي
وعدا وانا لا اقاتل اخواني المسلمين واختم عملي بذلك ولا اقيم بمصر آكل الصدقة
وانما اذهب سائحا في بلاد الله وكان في ظن عثمان بك انه اذا اتى الى مصر على هذه
الصورة يجعله الباشا امير البلد أو امير الحاج
وفيه امر الباشا محمد كتخدا المعروف بالزربة بالسفر الى
جهة قبلي فاستعفى من ذلك فأمر بقتله فشفع فيه يوسف كتخدا الباشا وقال ان له حرمة
وقد كان في السابق كتخدا لافندينا ولا يناسب قتله على هذه الصورة فأمر بسفره الى
جهة البحيرة محافظا فسافر من يومه واما عثمان بك فانه ركب وذهب الى جهة قبلي مشرقا
على غير الرسم واشيع ذلك في الناس ولغطوابه فلما تحقق العثمانية ذلك رسموا الطوائف
العسكر أن يقيموا منهم طوائف بالقلاع التي على التلول ونصبوا عليها بيارق واوقفوا
حراسا على ابواب المدينة يمنعون من يخرج من المدينة من الغز الخياله والمصرلية فمن
خرج الى بولاق او غيرها فلا يخرج الا بورقة من كتخدا الباشا
وفي ليلة الجمعة عاشره أمر الباشا بكبس بيوت الامراء
الحسنية ونهب ما بها من الخيول والجمال والسلاح
وفيه حضر اغات التبديل الى بيت الخربطلي بعطفة خشقدم وبه
جماعة من عسكر المغاربة فكبس عليهم وقبض على جماعة منهم وكتفهم وكشف رؤسهم وأحاطت
بهم عساكره وسحبوهم واخذوا ما وجدوه في جيوبهم على هيئة شنيعة ومروا بهم على الغورية
ثم على النحاسين وباب الشعرية حتى انتهوا بهم الى الازبكية على حارة النصارى
ودخلوا بهم بيت الباشا وهم لا يعلمون لهم ذنبا فلما مثلوا بين يدي كتخدا الباشا
ذكر لهم أن بجوارهم دير للنصارى وأنهم فتحوا طاقا صغيرا يطل على الدير فقالوا لا
علم لنا بذلك وأخبروا ان جماعة من الارنؤد ساكنون معهم بأعلى الدار فيحتمل أن ذلك
من فعلهم فأرسلوا من كشف على ذلك فوجدوه كما قال المغاربة فأطلقوهم بعد هذه الجرسة
الشنيعة ومرورهم بهم الى حارة النصارى وأخذ دراهمهم ومتاعهم والامر لله وحده
وفيه أشيع مرور جماعة من الغز القبالي على جهة الجيزة
الى جهة سكندرية وكذلك جماعة من الانجليز من سكندرية الى قبلي
وفيه تداعي مصطفى خادم مقام سيدي أحمد البدوي مع نسيبه
سعد بسبب ميراث اخته فقال مصطفى أنا أحاسبه علىخمسين ألف ريال فقال سعد انا استخرج
منه مائتي ألف ريال بشرط أن تعوقوه هنا وتعطوني خادمه وجماعة من العسكر ففعلوا ذلك
وعوقوه ببيت السيد عمر النقيب وتسلم سعد خادمه والعسكر وذهب بهم الى طندتا فعاقبوا
الخادم فاقر على مكان اخرجوا منه ستة وثلاثين ألف ريال فرانسه ثم فتحوا بئر مردومة
بالاتربة واخرجوا منها ريالات فرانسه وانصافا وارباعا وفضة عددية كلها مخلوطة
بالاتربة وقد ركبها الصدأ والسواد فأحضروها وجلوها في قاعة اليهود ولم يزالوا
يستخرجون حتى غلقوا مائة وسبعة وثمانين ألف وسبعمائة وكسورا وآخر الامر اخرجوا
خبيئة لا يعلم قدرها ثم حصل العفو ورجع العسكر واخذوا كراء طريقهم وأخذوا من اولاد
عمه عشرة اكياس
وفي يوم السبت حادي عشره كان آخر التسخير في نقل التراب
من
العمارة وكان آخر ذلك طائفة الخردة من الغياش والقرادتية
وارباب الملاعيب وبطل الزمر والطبل واستمر الفعلة في حفر الاساس ورشح عليهم الماء
بادنى حفر لكون ان ذلك في وقت النيل والبركة ملائة بالماء حول ذلك
وفي خامس عشره خرجت عساكر ودلاة ايضا وسافروا الى قبلي
وفي ثالث عشرينه سافر عساكر في نحو الاربعين مركبا الى
جهة البحيرة بسبب عرب بنى على فأنهم عانوا بالبحيرة ودمنهور
ومن الحوادث السماوية ان في تلك الليلة وهي ليلة
الاربعاء ثاني عشرينه احمرت السماء بالسحاب عند غروب الشمس حمرة مشوبة بصفرة ثم
انجلت وظهر في اثرها برق من ناحية الجنوب في سحاب قليل متقطع وازداد وتتابع من غير
فاصل حتى كان مثل شعلة النفط المتوقدة المتوجة بالهواء واستمر ذلك الى ثالث ساعة
من الليل ثم تحول الى جهة المغرب وتتابع لكن بفاصل على طريقة البرق المعتاد واستمر
الى خامس ساعة ثم أخذ في الاضمحلال وبقي أثره غالب الليل وكان ذلك ليلة سادس عشرين
درجة من برج الميزان وحادي عشر بابه القبطي وثامن تشرين اول الرومي ولعل ذلك من
الملاحم المنذرة بحادث من الحوادث
وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا وبها الجي وقنصل
وصحبتهما عدة فرنسيس فعمل لهم الانكليز شنكا ومدافع بالاسكندرية فلما كان ليلة
الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الالجي وصحبته خمسة من اكابر الفرنسيس الى ساحل
بولاق فأرسل الباشا لملاقاتهم خازنداره وصحبته عدة عساكر خيالة وبأيديهم السيوف
المسلولة فقابلوهم وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والازبكية وركبوا الى دار
أعدت لهم بحارة البنادقة وحضروا في صبحها الى عند الباشا وقابلوه وقدم لهم خيلا معدة
واهدى لهم هدايا وصاروا يركبون في هيئة وأبهة معتبرة وكان فيهم جبير ترجمان
بونابارته
وفيه وردت الاخبار بأن الغز القبالي نهبوا بلاد الفيوم
وقبضوا أموالها ونهبوا غلالها ومواشيها وحرقوا البلاد التي عصت عليهم وقتلوا ناسها
حتى قتلوا من بلدة واحدة مائة وخمسين نفرا واما العثمانية الكائنون بالفيوم فانهم
تحصنوا بالبلدة عملوا لهم متاريس بالمدينة وأقاموا داخلها
شهر رجب الفرد سنة استهل بيوم الجمعة فيه رموا اساس
عمارة الباشا وكان طلب من الفلكيين ان يختاروا له وقتا لوضع الاساس ففعلوا ذلك
وكان بعد اثني عشر يوما من يوم تاريخه فأستبعده وأمر برمي الاساس في اليوم المذكور
ورب النجم يفعل ما يشاء وفيه احضروا أربعة رؤس فوضعت عند
باب الباشا زعموا أنهم من قتلى الغز المصرلية
وفي خامسه يوم الثلاثاء سافر الالجي الفرنساوي وأصحابه
فنزلوا الى بولاق وامامهم مماليك الباشا بزينتهم وهم لابسون الزروخ والخود
وبايديهم السيوف المسلولة وخلفهم العبيد المختصة بالباشا وعلى رؤسهم طراطير حمر
وبايديهم البنادق على كواهلهم فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتوا ببولاق ثم رجعوا
ثم نزلوا المراكب الى دمياط وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن
وفيه أشيع انتشار الامراء القبالي الى جهة بحري وحضروا
الى اقليم الجيزة وطلبوا منها الكلف حتى وصلوا الى وردان
وفيه حضر محمد كتخدا المعروف بالزربة الذي كان كتخدا
الباشا وتقدم أنه كان أمره بالسفر الى قبلي فأمتنع وأذن له بالسفر الى البحيرة
محافظا فلما تقدم طوائف الامراء الى بحري فمر منهم جماعة قليلة على محمد كتخدا
الزربة المذكورة فلم يتعرض لهم مع قدرته على تعويقهم فبلغ الباشا ذلك فحقدها عليه وأرسل
اليه وطلبه الى الحضور فحضر فلما كان يوم السبت تاسعه طلبه الباشا في بكرة النهار
فلما أحضر أمر بقتله فنزل به العسكر
ورموا رقبته عند باب الباشا ثم نقلوه الى بين المفارق
قبالة حمام عثمان كتخدا فاستمر مرميا عريانا الى قبيل الظهر ثم شالوه الى بيته
وغسلوه في حوش البيت سكنه ودفنوه وعند موته ارسل الدفتردار فختم على داره واخرج
حريمه وفي ثاني يوم أحضروا تركته ومتاعه وباعوا ذلك ببيت الدفتردار
وفيه وردت مكاتبات من الديار الرومية وفيها الخبر بعزل
شريف أفندي الدفتردار وولاية خليل افندي الرجائي المنفصل عن الدفتردارية عام أول
فحزن الناس لذلك حزنا عظيما فأن أهل مصر لم يروا راحة من وقت دخول العثمانية الى
مصر بل من نحو أربعين سنة سوى هذه السنة التي باشرها هو فأنه أرضى خواطر الصغير
قبل الكبير والفقير قبل الغني وصرف الجامكية وغلال الانبار عينا وكيلا وكان كثير
الصدقات ويحب فعل الخير والمعروف وكان مهذبا في نفسه بشوشا متواضعا وهو الذي أرسل
يطلب الاستعفاء من الدفتردارية لما رأى من اختلال أحكام الباشا
وفي يوم الاثنين حادي عشره عدى يوسف كتخدا الباشا الى
برانبابة وعدى معه الكثير من العسكر ونصب العرضى ببرانبابة على ساحل البحر وأشيع
وصول الامراء الى ناحية الجسر الاسود وقطعوا الجسر لاجل تصفية المياه وانحدارها من
الملق لاجل مشى الحافر ثم رجعوا الى ناحية المنصورية وبشتيل واستمر خروج العساكر
والعثمانية التي كانت جهة قبلي الى برانبابة وهم كالجراد المنتشر ونصبوا وطاقهم
ظاهر انبابة واستمر خروج العساكر والطلب ونقل البقساط والجبخانة على الجمال والحمير
ليلا ونهارا وأخذوا المراكب ووسقوها معهم في البحر وغصبوا ما وجدوه من السفن قهرا
وانتشرت عساكرهم وخيامهم ببرانبابة حتى ملؤا الفضاء بحيث يظن الرائي لهم انهم متى
تلاقوا مع الغز المصرلية اخذوهم تحت اقدامهم لكثرتهم واستعدادهم بحيث كان اوائل
العرضي عند الوراريق
وآخرهم بالقرب من بولاق التكر ورطولا ثم ان الامراء
رجعوا الى ناحية وردان والطرانة
وفي يوم الجمعة خامس عشره انتقل العرضي من برانبابة
وحلوا الخيام وفي ثاني يوم خرجت عساكر خلافهم ونصبت مكانهم وسافروا وخرج خلافهم
وهكذا دأبهم في كل يوم تخرج طائفة بعد اخرى
وفيه رسم الباشا بالف اردب فتح انعام تفرق على طلبة
العلم المجاورين والاروقة بالجامع الازهر ففرقت بحسب الاغراض وانعم ايضا بعد أيام
بالف اردب اخرى فعل بها كذلك ... وانها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا
ولا كرما ...
وفي يوم الاحد سابع عشره وصلت جماعة ططر واخبروا بتقليد
شريف محمد افندي الدفتردار ولاية جدة
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره خرج طاهر باشا ونصب وطاقه
جهة انبابة للمحافظة وخرجت عساكره ونصبت وطاقاتهم ببر انبابة ايضا متباعدين عن
بعضهم البعض واستمروا على ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه حضر رجل من طرف الدولة يقال
له حجان وهو رجل عظيم من ارباب الاقلام وعلى يده فرمان فأرسل الباشا الى شريف
افندي الدفتردار والقاضي والمشايخ وجمعهم بعد صلاة الجمعة وقرىء عليهم ذلك الفرمان
وهو خطاب الى حضرة الباشا وملخصه اننا اخترناك لولاية مصر لكونك ربيت بالسراية
ولمانعلمه منك من العقل والسياسة والشجاعة وارسلنا اليك عساكر كثيرة وامرناك بقتال
الخائنين واخراج الاربعة انفار من الاقليم المصري بشرط الامان عليهم من القتل
وتقليدهم ما يختارونه من المناصب في غير اقليم مصر واكرامهم غاية الاكرام ان
امتثلوا الاوامر السلطانية واطلقنا لك التصرف في الاموال الميرية لنفقة العسكر
واللوازم وما عرفنا موجب تأخير امرهم لهذا الوقت فان كان لقلة العساكر أرسلنا اليك
كذلك ان لم يمتثلوا وكل من انضم اليهم كان مثلهم
ومن شذ عنهم وطلب الأمان فهو مقبول وعليه الامان الى آخر
ما ذكر من ذلك المعنى
وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتبت اوراق بمعنى ذلك وألصقت
بالطرقات
وفي خامس عشرينه تواترت الاخبار بوقوع معركة بين
العثمانيين والامراء المصرلية بأراضي دمنهور وقتل من العساكر العثمانية مقتلة
عظيمة وكانت الغلبة للمصرليين وانتصروا على العثمانيين وصورة ذلك انه لما تراءى
الجمعان واصطفت عساكر العثمانيين الرجالة ببنادقهم واصطفت الخيالة بخيولهم وكان الالفي
بطائفة من الاجناد نحو الثلاثمائة قريبا منهم وصحبتهم جماعة من الانكليز فلما
رأوهم مجتمعين لحربهم قال لهم الانكليز ماذا تصنعون قالوا نصدمهم ونحاربهم قال
الانكليز انظر واما تقولون ان عساكرهم الموجهين اليكم اربعة عشر الفا وانتم قليلون
قالواالنصر بيد الله فقالوا دونكم فساقوا اليهم خيولهم واقتحموا الى الخيالة فقتل
منهم من قتل فأنهزم الباقون وتركوا الرجالة خلفهم ثم كروا على الرجالة فلم يتحركوا
بشيء وطلبوا الامان فساقوا منهم نحو السبعمائة مثل الاغنام واخذوا الجبخانة
والمدافع وغالب الحملة والانكليز وقوف على علة ينظرون الى الفريقين بالنظارات فلما
تحقق الباشا ذلك اهتم في تشهيل عساكر ومدافع وعدوا الى بر انبابة ونصبوا وطاقهم
هناك وانتقل ظاهر باشا الى ناحية الجيزة
استهل شهر شعبان بيوم السبت سنة فيه شرعوا في عمل متاريس
جهة الجيزة وقبضوا على أناس كثيرة من ساحل مصر القديمة ليسخروهم في العمل
وفيه حضر الكثير من العساكر المجاريح وجمع الباشا
النجارين والحدادين وشرع في عمل شركفلك فاشتغلوا فه ليلا ونهارا حتى تمموه في خمسة
أيام وحملوه على الجمال وأنزلوه المراكب وسفروه الى دمنهور
في سادسه وفي عاشره كتبوا عدة اوراق وختم عليها المشايخ
ليرسلوها الى البلاد خطأ بالمشايخ البلادوالعربان مضمونها معنى ما تقدم وكتبوا كذلك
نسخا وألصقت بالاسواق وذلك باشارة بعض قرناء الباشا المصرلية وهي بمعنى التحذير
والتخويف لمن يسالم الامراء المصرلية وخصوصا المغضوب عليهم مطرودين السلطنة للعصاة
الى آخر معنى ما تقدم
وفي هذه الايام كثرت الغلال حتى غصت بها السواحل والحواصل
ورخص سعرها حتى بيع القمح بمائة وعشرين نصفا الاردب واستمرت الغلال معرمة في
السواحل ولا يوجد من يشتريها وكان شريف افندي الدفتردار أنشأ اربعة مراكب كبار
لغلال الميري ولما حصلت النصرة للمصرلية على العثمانية خصوصا هذه المرة مع كثرتهم
وقوتهم واستعدادهم ضبغوا فيهم واحتكروها ووقفوا على سواحل النيل يمنعون الصادر
والوارد منهم ومن غيرهم وأما الباشا فأنه سخط على العساكر وصار يلعنهم ويشتمهم في
غيابهم وحضورهم
وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وعلمائها هروبا من
الوهابيين وقصدهم السفر الى اسلامبول يخبرون الدولة بقيام الوهابيين ويستنجدون بهم
لينقذوهم منهم ويبادروا لنصرهم عليهم فذهبوا الى بيت الباشا والدفتردار وأكابر
البلد وصاروا يحكون ويشكون وتنقل الناس أخبارهم وحكاياتهم
استهل شره رمضان المعظم سنة عملت الرؤية ليلة الاحد وركب
المحتسب ومشايخ الحرف على العادة ولم ير الهلال وكان غيما مطبقا فلزم اتمام عدة
شعبان ثلاثين يوما فأنتدب جماعة ليلة الاحد وشهدوا انهم رأوا هلال شعبان ليلة
الجمعة فقبله القاضي وحكم به تلك الليلة على ان ليلة الجمعة التي شهدوا برؤيته
فيها لم يكن
للهلال وجودالبتة وكان الاجتماع في سادس ساعة من ليلة
الجمعة المذكورة باجماع الحساب والدساتير المصرية والرومية على انه لم ير الهلال
ليلة السبت الاحد يد البصر في غاية العمر والعجب وشهر رجب كان أوله الجمعة وكان
عسر الرؤية ايضا وان الشاهد بذلك لم يتفوه به الا تلك الليلة فلو كانت شهادته صحية
لاشاعها في أول الشهر ليوقع ليل النصف التي هي من المواسم الاسلامية في محلها حيث
كان حريصا على اقامة شعائر الاسلام
وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وغيرها
وفي خامس عشرينه حضر خليل افندي الرجائي الدفتردار في
قلة من اتباعه وترك أثقاله بالمراكب وركب من مدينة فوة وحضر على البر وذلك بسبب
وقوف جماعة من الامراء المصرلية ناحية النجيلة يقطعون الطريق على المارين في
المراكب ولما حضر نزل ببيت اسمعيل بك بالازبكية
وفي غايته وقع ما هو أشنع مما وقع في غرته وذلك ان ليلة
الاثنين غايته كان بالسماء غيم مطبق ومطر ورعد وبرق متواتر وأوقدت قناديل المنارات
والمساجد وصلى الناس التراويح واستمر الحال الى سابع ساعة من الليل واذا بمدافع
كثيرة وشنك من القلعة والازبكية ولغط الناس بالعيد وذكروا ان جماعة حضروا من
دمنهور البحيرة وشهدوا انهم رأوا هلال رمضان ليلة السبت فذهبوا الى بيت الباشا
فأرسلهم الى القاضي فتوقف القاضي في قبول شهادتهم فذهبوا الى الشيخ الشرقاوي
فقبلهم وايدهم وردهم الى القاضي والزمه بقبول شهادتهم فكتبوا بذلك اعلاما الى
الباشا وقضوا بتمام عدة رمضان بيوم الاحد ويكون غرة شوال صبحها يوم الاثنين واصبح
الناس في امر مريج منهم الصائم ومنهم المفطر فلزم من ذلك انهم جعلوا رجب ثمانية
وعشرين يوما وشعبان تسعة وعشرين وكذلك رمضان والامر لله وحده
شهر شوال سنة كان اوله الحقيقي يوم الثلاثاء وجزم غالب
الناس المفطرين بقضاء يوم الاثنين
وفي خامسه وصلت اثقال خليل افندي الرجائي الدفتردار
وفيه طلبوا الف كيس سلعة من التجار وارباب الحرف فوزعت
وقبضت على يد احمد المحروقي وهي اول حادثة وقعت بقدوم الدفتردار
وفي يوم الخميس عاشره نصب جاليش شريف باشا المعبر عنه
بالطوخ عند بيته بالازبكية وضربت له النوبة التركية واهدى له الباشا خياما كثيرة
وطقما ولوازم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه كان خروج امير الحاج
بالموكب والمحمل المعتاد الى الحصوة وكان ركب الحجاج في هذه السنة عالما عظيما
وحضر الكثير من حجاج المغاربة من البحر وكذلك عالم كثير من الصعيد وقرى مصر البحرية
والاروام وغير ذلك
وفي يوم الخميس خامس عشرينه خرج شريف باشا في موكب جليل
ونصب وطاقه عند بركة الشيخ قمر فأقام به الى ان يسافر الى جدة من القلزم وانتقل
خليل افندي الرجائي الدفتردار الى دار شريف باشا بالازبكية
وفي غايته حضر أولاد الشريف سرور شريف مكة هروبا من الوهابيين
ليستنجدوا بالدولة فنزلوا ببيت المحروقي بعدما قابلوا محمد باشا والي مصر وشريف
باشا والي جدة
شهر ذي القعدة الحرام سنة استهل بيوم الاربعاء فيه تقدم
الناس بطلب الجامكية فأمرهم الدفتردار بكتابة عرضحالات فثقل عليهم ذلك فقالوا اننا
كتبنا عرضحالات في السنة الماضية وأخذنا سنداتنا من الدفتردار المنفصل ودفع لنا
سنة ستة عشر فقيل لهم انه دفع لكم سنة معجلة والحساب لا يكون الا من يوم التوجيه
فضجوا من ذلك وكثر لغط الناس بسبب ذلك واكثروا من التشكي
من الدفتردار
وفي سادسه اجتمع الكثير من النساء بالجامع الأزهر وصاحوا
بالمشايخ وأبطلوا دروسهم فاجتمعوا بقبلته ثم ركبوا الى الباشا فوعدهم بخير حتى
ينظر في ذلك وبقي الامر وهم في كل يوم يحضرون وكثر اجتماعهم بالأزهر وباب الباشا
فلم يحصل لهم فائدة من ذلك سوى أن رسم لهم بمواجب اخر سنة تاريخه معجلة ولم يقبضوا
منها الا ما قل بسبب تتابع الشرور والحوادث
وفي حادي عشره يوم السبت ارتحل شريف باشا الى بركة الحج
متوجها الى السويس
وفيه ارتحل حجاج المغاربة وكانوا كثيرين فسافر اغنياؤهم
والكثير من فقرائهم من طريق البر وآخرون من السويس على القلزم
وفي رابع عشره حضر ططريات الى الباشا وعلى يدهم شالات
شريفة وبشارة بتقرير على السنة الجديدة وزيد له تشريف تترخانية ومعناه مرتبة عالية
في الوزارة فضربوا شنكا ومدافع متوالية يومين
وفيه اشيع انتقال الامراء المصرلية من جهة البحيرة
وقبلوا الى ناحية الجسر الاسود وأشيع ايضا ان جماعة منهم نزلوا بصحبة جماعة من
الانكليز الى البحر قاصدين التوجه الى اسلامبول وانتقل كتخدا بك خلفهم بعساكره
ولكن لم يتجاسروا على الاقدام عليهم
وفيه وصلت الاخبار من الجهات الشامية بهروب محمد باشا
أبي مرق من يافا واستيلاء عساكر احمد باشا الجزار عليها وذلك بعد حصاره فيها سنة
وأكثر
وفي رابع عشره حضر كتخدا الباشا وتقدم الامراء المصرلية
الى جهة قبلي حتى عدوا الجيزة وحصل منهم ومن العساكر العثمانية الضرر الكثير في
مرورهم على البلاد من التفاريد والكلف ورعى الزروع وقطع الطرق
برا وبحرا وكان آغات الجو الى القبلية وهو نجيب افندي
كتخدا الدفتردار وصحبته ارباب مناصب عدوا الى الجيزة متوجهين الى الصعيد ونصبوا
خيامهم ببر الجيزة فصادفوهم وهجموا عليهم وقتلوا منهم من وجدوه وهرب الباقون
فاستولوا على خيامهم ووطاقهم وكذلك كتخدا الدفتردار خرج الى مصر القديمة متوجها
الى الصعيد لقبض الغلال والاموال فاستمر مكانه وتأخر لعدم المراكب وخوفا من
المذكورين
وفيه ورد الخبر بنزول شريف باشا الى المراكب بالقلزم يوم
الخميس سادس عشره
وفي يوم الاربعاء ثاني عشرينه طلبوا ايضا خمسة آلاف كيس
سلفة من التجار ثلاثة آلاف كيس ومن الملتزمين ألفا كيس وشرعوا في توزيعها فأنزعج
الناس واغلق أهل الغورية حوانيتهم وكذا خلافهم وهرب أهل وكالة الصابون الى الشام على
الهجن واختفى اكثر الناس مثل السكرية واهل مرجوش وخلافهم فطلبهم المعينون ولزموا
بيوتهم وسمروا مطابخ السكر وكذلك عملوا فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى الا على
خمسمائة ريال والاوسط ثلثمائة والادنى مائة وخمسون
وفيه تحقق الخبر بنزول طائفة الانكليز وسفرهم من ثغر الاسكندرية
في يوم السبت حادي عشره ونزل بصحبتهم محمد بك الالفي وصحبته جماعة من اتباعه
وفي خامس عشرينه حضر أحمد باشا والي دمياط وكانوا أرسلوا
له طوخا ثالثا وأنه يحضر ويتوجه لمحافظة مكة وكذلك قلدوا آخر باشاوية المدينة يسمى
أحمد باشا وضعوا لهما عسكرا يسافرون صحبتهم للمحافظة من الوهابيين وأخذوا في
التشهيل
وفي هذه الايام كثر تشكي العسكر من عدم الجامكية والنفقة
فأنه اجتمع لهم جامكية نحو سبعة أشهر وقد قطع عليهم الباشا رواتبهم وخرجهم لقلة
الايراد وكثرة المطلوبات وكراهته لهم فصار كبراؤهم يترددون
ويكثرون من مطالبة الدفتردار حتى كان يهرب من بيته غالب
الايام وأشيع بالمدينة قيام العسكر وانهم قاصدون نهب امتعة الناس فنقل أهل الغورية
وخلافهم بضائعهم من الحوانيت وامتنع الكثير منهم من فتح الحوانيت وخافهم الناس حتى
في المرور وخصوصا أوقات المساء فكانوا اذا انفردوا بأحد شلحوه من ثيابه وربما
قتلوه وكذلك أكثروا من خطف النساء والمردان
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه كان انتقال الشمس لبرج
الحمل وأول فصل الربيع وفي تلك الليلة هبت رياح شمالية شرقية هبوبا شديدا مزعجا واستمرت
بطول الليل وفي آخر الليل قبل الفجر اشتد هبوبها ثم سكنت عند الشروق وسقط تلك
الليلة دار بالحبالة بالرميلة ومات بها نحو ثلاثة أشخاص وداران أيضا بطولون وغير
ذلك حيطان وأطارف أماكن قديمة ثم تحولت الريح غربية قوية واستمرت عدة أيام ومعها
غيم ومطر
وفيه وصل الامراء المصرلية الى الفيوم فأخذوا كلفا
ودراهم كثيرة فردوها على البلاد ثم سافروا الى الجهة القبلية
وفيه ورد الخبر بأن المراكب التي بها ذخيرة أمير الحاج
بالقلزم المتوجهة الى الينبع والمويلح غرقت بما فيها ومركب الجميعي من جملتها
وفيه حضر مصطفى بينباشا الذي كان ايام الوزير بمصر الى
بلبيس وهو موجه بطلب مبلغ دراهم فأقام ببلبيس حتى أرسلوها له ثم ذهب الى دمياط
وصحبته نحو الاربعمائة من الارنؤد ليسافر من البحر
وفيه توجه المحروقي والكثير من الناس لزيارة سيدي أحمد
البدوي لمولد الشرنبلالية وأخذ معه عدة كثيرة من العسكر خوفا من العربان ووصل اليه
فرمان بطلب دراهم من أولاد الخادم ومن أولاد البلد فدلوا على مكان لمصطفى الخادم
فأستخرجوا منه ستة آلاف ريال وطلبوا من كل واحد من اولاد عمه مثلها
شهر ذي الحجة الحرام سنة استهل بيوم الجمعة في يوم
الاثنين رابعه قتلوا شخصا عسكريا نصرانيا عند باب الخرق قتله آغات التبديل بسبب
انه كان يقف عند باب داره بحارة عابدين هو ورفيقان له ويخطفون من يمر بهم من
النساء في النهار الى ان قبض عليه وهرب رفيقاه
وفيه ايضا أخرجوا من دار بحارة خشقدم قتلى كثيرة نساء
ورجالا من فعل العسكر
وفيه عدي ابراهيم باشا الى بر الجيزة
وفي يوم الاحد عاشره كان عيد الاضحى في ذلك اليوم حضر من
الامراء القبالي مكاتبة على يد الشيخ سليمان الفيومي خطابا للمشايخ فأخذها بختمها
وذهب بها الى الباشا ففتحها واطلع على ما فيها ثم طلب المشايخ فحضروا اليه وقت
العصر
وفي يوم الجمعة خامس عشره حضرت مكاتبات من الديار
الحجازية يخبرون فيها عن الوهابيين انهم حضروا الى جهة الطائف فخرج اليهم شريف مكة
الشريف غالب فحاربهم فهزموه فرجع الى الطائف وأحرق داره التي بها وخرج هاربا الى مكة
فحضر الوهابيون الى البلدة وكبيرهم المضايفي نسيب الشريف وكان قد حصل بينه وبين
الشريف وحشة فذهب مع الوهابيين وطلب من مسعود الوهابي أن يؤمره على العسكر الموجه
لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ
البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والاطفال وهذا
دأبهم مع من يحاربهم
وفي ذلك اليوم مر أربعة أنفار من العسكر وأخذوا غلاما
لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة فعارضهم الاوسطى الحلاق في أخذ
الغلام فضربوا الحلاق وقتلوه ثم ذهبوا بالغلام الى دارهم بالخطة فقامت في الناس
ضجة وكرشة وحضر اغات التبديل فطلبهم فكرنكوا بالدار
وضربوا عليه البنادق من الطيقان فقتلوا من اتباعه ثمانية
أنفار ولم يزالوا على ذلك الى ثاني يوم فركب الباشا في التبديل ومر من هناك وأمر
بالقبض عليهم فنقبوا عليهم من خلف الدار وقبضوا عليهم بعد ما قتلوا وجرحوا آخرين
فشنقوهم ووجدوا بالدار مكانا خربا اخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من
وجدوها وطفلها مذبوح معها في حضنها
وفيه حضر علي آغا الوالي الى بيت احمد آغا شويكار بضرب
سعادة واخرج منه قتلى كثيرة وامثال ذلك شيء كثير
وفي خامس عشره ايضا امر الباشا الوجاقلية ان يخرجوا جهة
العادلية لاجل الخفر من العربان فانهم فحش امرهم وتجاسروا في التعرية والخطف حتى
عل نواحي المدينة بل وطريق بولاق وغير ذلك فلما كان في ثاني يوم ركب الوجاقلية بأبهتهم
وبيارقهم وحضروا الى بيت الباشا وخرجوا من هناك الى وطاقهم الذي أعدوه لأنفسهم
خارج القاهرة وشرعوا ايضا في تعمير قصر من القصور الخارجة التي خربت أيام الفرنسيس
وفي تاسع عشره سافر جماعة الوجاقلية المذكورين وصحبتهم
عدة من العسكر الى جهة عرب الجزيرة بسبب اغارة موسى خالد ومن معه على البلاد وقطع
الطرق فلاقاهم المذكور وحاربهم وهزمهم الى وردان وذهب هو الى جهة البحيرة
وفي رابع عشرينه يوم الاحد كان عيد النصارى الكبير في
ليلتها وهي ليلة الاثنين وقع الحريق في الكنيسة التي بحارة الروم وفي صبحها شاع
ذلك فركب اليها أغات الانكشارية والوالي وأحضروا السقائين والفعلة الذين يعملون في
عمارة الباشا حتى أخذوا الناس المجتمعة بسوق المؤيد بالانماطيين وحضر الباشا ايضا
في التبديل واجتهدوا في اطفائها بالماء والهدم حتى طفئت في ثاني يوم واحترق بها
أشياء كثيرة وذخائر وأمتعة ونهبت أشياء
وفيه وردت اخبار بان الامراء المصرلية وصلوا الى منية بن
خصيب
فأرسلوا الى حاكمها بان ينتقل منها ويعدى هو ومن معه من
العسكر الى البر الشرقي حتى انهم يقيمون بها اياما ويقضون اشغالهم ثم يرحلون فأبوا
عليهم وحصنوا البلدة وزادوا في عمل المتاريس وحاكمها المذكور سليم كاشف تابع عثمان
بك الطنبرجي المرادي المقتول فانه سالم العثمانيين وانضم اليهم فألبسوه حاكما على
المنية واضافوا اليه عساكر فذهب اليها ولم يزل مجتهدا في عمل متاريس ومدافع حتى ظن
انه صار في منعة عظيمة فلما أجابهم بالامتناع حضروا الى البلدة وحاربهم اشد
المحاربة مدة أربعة ايام بلياليها حتى غلبوا عليهم ودخلوا البلدة وأطلقوا فيها
النار وقتلوا أهلها وما بها من العسكر ولم ينج منهم الا من ألقى نفسه في البحر
وعام الى البر الاخر أو كان قد هرب قبل ذلك وأما سليم كاشف فانهم قبضوا عليه حيا
وأخذوه أسيرا الى ابراهيم بك فوبخه وأمر بضربه فضربوه علقة بالنبابيت
وفيه وصلت هجانة من شريف باشا بمكاتبة للباشا والدفتردار
يخبر فيها انه وصل الى الينبع وهو عازم على الركوب من هناك على البر ليدرك الحج
ويترك أثقاله تتوجه في المركب الى جده
وفي غايته وصل سلحدار الباشا وصحبته أغات المقرر الذي
تقدمت بشارته فلما وصلوا الى بولاق أرسل الباشا في صبحها اليهم فركبوا في موكب الى
بيت الباشا وضربوا لهم مدافع وحضر المشايخ والقاضي والاعيان والوجاقات فقرىء عليهم
ذلك وفيه الامر بتشهيل غلال للحرمين والحث والامر بمحاربة المخالفين
وفيه بعثوا نحو ألف من العسكر الى جهة اسيوط للمحافظة
فساروا على الهجن من البر الشرقي
وفيه ارسلوا أوراقا الى التجار وأرباب الحرف بطلب باقي
الفردة وهو القدر الذي كان تشفع فيه المحروقي وأخذوا في تحصيله
وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الكلية التي
ذكر بعضها
وأما الجزئية فلا يمكن الاحاطة ببعضها فضلا عن كلها
لكثرتها واختلاف جهاتها واشتغال البال عن تتبع حقائقها ونسيان الغائب بالاشتع والقبيح
بالاقبح فمن الكلية التي عم الضرر بها زيادة المكوس أضعاف المعتاد في كل ثغر ذهابا
وايابا ومنها توالي الفرد والسلف والمظالم على أهل المدينة والارياف وحق طرق
المعينين وكلفهم الخارجة عن الحد والمعقول بأدنى شكوى ولو بالباطل فبمجرد ما يأتي
الشاكي بعرضحال شكواه يكتب له ورقة ويعين بها عسكري أو اثنان أو اكثر بحسب اختيار
الشاكي وطلبه للتشفي من خصمه فبمجرد وصوله الى المشكى بصورة منكرة وسلاح كثير
متقلد به فلا يكون له شغل الا طلب خدمته ولا يسأل عن الدعوى ولا عن صورتها ويطلب
طلبا خارجا عن المعقول كألف قرش في دعوى عشرة قروش وخصوصا اذا كانت الشكوى على
فلاح في قرية فيحصل أشنع من ذلك من اقامتهم عندهم وطلبهم وتكليفهم الذبائح والفطور
بما يشترطونه ويقترحونه عليهم وربما يذهب الشخص الذي يكون بينه وبين آخر عداوة قديمة
أو مشاحنة أو دعوى قضى عليه فيها بحرق من زمان طويل فيقدم له عرضحال ويعين له
مباشرا بفرمان ويذهب هو فلا يظهر ويذهب المعين في شغله والمشكي لا يرى الشاكي ولا
يدري من اين جاءته هذه المصيبة ويمكن أنه من بعد خلاصه من امر المباشر يحضر الى
بيت الباشا ويفحص عن خصمه ويعرفه فينهى دعواه ويظهر حجته بانه على الحق وان خصمه
على الباطل فيقال له عين على خصمك أيضا فأن أجاب الى ذلك رسم له بفرمان ومعين آخر
كذلك والا ترك أجره على الله ورجع فضاق ذرع الناس من هذه الحال وكرهوا هذه الاوضاع
وربما قتل الفلاحون المعينين وهربوا من بلادهم وجلوا عن أوطانهم خوف الغائلة ولم
يزل هذا دأبهم حتى نفرت منهم القلوب وكرهتهم النفوس وتمنوا لهم الغوائل وعصت أهل
النواحي وعربدت العربان وقطعوا الطرق وعلموا خيانتهم فخانوهم ومكالبتهم فكالبوهم وانتمى
عربان الجهة القبلية الى الامراء
المصرلية وساعدوهم عليهم ولما انحدر الامراء الى جهة
بحري انضمت اليهم جميع قبائل الجهة العربية والهنادي وعرب البحيرة وخلافهم فلما
وقعت الحروب بين الامراء والعثمانيين وكانت الغلبة للامراء والعربان زادت جسارتهم
عليهم ورصدوا لهم الغوائل وقطعوا عليهم وعلى المسافرين الطرق بحرا وبرا فمن ظفروا
به ومانعهم نهبوا متاعه وقتلوه والا سلبوه وتركوه فحش الامر جدا قبلي وبحري حتى
وقف حال الناس ورضوا عن احكام الفرنسيس ومنها ان الباشا لما قتل الوالي والمحتسب وعمل
قائمة تسعيرة للمبيعات وان يكون الرطل اثنتي عشرة أوقية في جميع الاوزان وأبطلوا
الرطل الزياتي الذي يوزن به السمن والجبن والعسل واللحم وغير ذلك وهو أربع عشرة
أوقية لم ينفذ من تلك الاوامر شيء سوى نقص الارطال ولم يزل ذو الفقار محتسبا حتى
رتب المقررات على المتسببين زيادة عن القانون الاصلي وجعل منها قسط الخزينة الباشا
وللكتخدا وخلافهما ورجعت الامور في الاسعار أقبح وأغلى مما كانت عليه في كل شيء واستمر
الرطل اثنتي عشرة أوقية لا غير وكثر ورود الغلال أيام النيل ورخص سعرها والرغيف
على مقدار رغيف الغلاء ومنها ان الفضة الانصاف العددية صاروا يأخذونها من دار
الضرب أول بأول ويرسلونها الى الروم والشام بزيادة الصرف ولا ينزل الى الصيارف
منها الا القليل حتى شحت بأيدي الناس جدا ووقف حالهم في شراء لوازم البيوت ومحقرات
الامور ويدور الاسانن بالريال او المحبوب أو المجر وهو في يده طول النهار فلا يجد
مصارفته وأغلقت غالب الصيارف حوانيتهم بسبب ذلك وبسبب أذية العسكر فأنهم يأتون
اليهم ويلزمونهم بالمصارفة فيقول له الصيرفي ليس عندي فضة فلا يقبل عذره ويفزع
عليه بيطقانه أو بارودته وان وجد عنده المصارفة وكان المحبوب أو البندقي ناقصا في
الوزن لا يستقيم في نقصه ولا يأخذ الا صرفه كاملا واذا اشترى شيئا من سوقي أعطاه
بندقيا وطلب باقيه ولم يكن عند البائع باقيه أخذ
الذي اشتراه والبندقي وذهب ولا يقدر المسبب على استخلاص
حقه منه وان وجد معه باقي المصارفة وأخذ ذلك البندقي ونقد عند الصراف وكان ناقصا
وهو الغالب لا يقدر الصيرفي أن يذكر نقصه فان قال انه ينقص كذا فزع عليه وسبه
وبعضهم أدخل اصبعه في عين الصراف وامثال ذلك
ومنها شحة المراكب حتى أن المسافر يمكث الايام الكثيرة
ينتظر مركبا فلا يجد وربما اخذوها بعد تمام وسقها فنكتوه واخذوها وان مرت على
الامراء المصرلية ومن انضم اليهم تعرضوا لها ونهبوا ما بها من الشحنة وأخذوا
المركب واستمر هذا الحال على الدوام فكان ذلك من اعظم اسباب التعطيل ايضا
ومنها تسلط العسكر على خطف الناس وسلبهم وقتلهم وخصوصا
في اواخر هذه السنة حتى امتنعت الناس من المرور في جهات سكنهم الا ان يكونوا في
عزوة ومنعة وقوة ولا تكاد ترى شخصا يمر في الاسواق السلطانية من بعد المغرب وقبيل
العشاء واذا اضطر الانسان الى المرور تلك الاوقات فلا يمر الا كالمجازف على نفسه
وكأنما على رأسه الطير فيقال أن فعلهم هذه الفعائل من عوائدهم الخبيثة اذا تأخرت نفقاتهم
فعلوا ذلك مع العامة على حد قول القائل خلص تارك من جارك وذلك كله بسبب تأخير
جماكيهم وقطع خرجهم نحو خمسة أشهر والباشا يسوقهم ويقول هؤلاء لا يستحقون فلسا وأي
شيء خرج من يدهم وطول المدى نكلفهم ونعطيهم وما ستروا أنفسهم مع الغز المصرلية ولا
مرة فلا حاجة لنا بهم بل يخرجون علي ويذهبون حيث شاؤا فليس منهم الا الرزية
والفنطزية وهم يقولون لا نخرج ولا نذهب حتى نستوفي حقنا على دور النصف الفضة
الواحد وان شئنا أقمنا وان شئنا ذهبنا ومنها استمرار الباشا على الهمة والاجتهاد
في العمارة والبناء وطلب الاخشاب والمؤن حتى عز جميع أدوات العمارة وضاق حال الناس
بسبب احتياجهم لعمارة أماكنهم التي تخرب في الحوادث السابقة وبلغ سعر الاردب الجبس
مائة وعشرين
نصفا والجير المخلوط اربعين نصفا واجرة المعلم في اليوم
خمسة وأربعين نصفا ويتبعه آخر مثل ذلك والفاعل اثنين وعشرين نصفا وأحدثوا أخذ
اجازة من المعمارجي وهو ان الذي يريد بناء ولو كانونا لا يقدر أن يأتيه البناء حتى
يأخذ ورقة من المعمارجي ويدفع عليها خمسين نصفا ولم يزل الاجتهاد في العمارة
المذكورة حتى أقاموا جانبا من القشلة وهي عبارة عن وكالة يعلوها طباق وأسفلها
اصطبلات وحولها من داخل حواصل ومن خارج حوانيت وقهوة فعندما تمت الحوانيت ركبوا
عليها درفها وأسكنوا بها قهوجيا ومزينا من أتباع الباشا وخياطين وعقادين وسروجية
الباشا وغير ذلك ولم يكمل تسقيف الطباق وعملوا لها بوابة عظيمة بمصاطب وهدموا حائط
الرحبة المقابلة لبيت الباش الخارجة وعمرت وانشئت بالحجر النحت المحكم الصنعة
وعملوا لها بابا عظيما ببدنات وابراج عظيمة وبها طاقات عليا وسفلى وصفوا بها
المدافع العظيمة وبركة الرحبة مثل ذلك وعملوا لها باب آخر قبالة باب القشلة بحيث
صار بينها وبين القشلة رحبة متسعة يسلك منها المارون الى جهة بولاق على الجسر الذي
عمله الفرنسيس ويخرجون ايضا في سلوكهم من بوابة عظيمة الى طريق بولاق من الجهة الغربية
بحائط حجر متصلة من الحربة حيث البوابة المواجهة للقشلة الى آخر القشلة وعلى هذه
البوابة من الجهتين مدافع مركبة على بدنات وابراج وطيقان مهندمة وبأسفلها من داخل
مصطبة كبيرة من حجر وبها باب يصعد منه الى تلك الابراج والجبخانة والعساكر جلوس
على تلك المصاطب الخارجة والداخلة لابسين الاسلحة وبنادقهم مرصوصة بدائر الحيطان
وبداخل الرحبة الوسطانية مدافع عظيمة مرصوصة بطول الرحبة يمينا وشمالا وكذلك بداخل
الحوش الجواني الاصلي وبأسفل البركة نحو المائتي مدفع مرصوصة ايضا وعربيات وصناديق
جبخانة وآلات حرب وغير ذلك والجبخانة الكبيرة لها محل مخصوص بالحوش الداخل الاصلي
ولها خزنة وطبجية وعربجية
ومنها انه عدم البصل الاحمر حتى بيع الرطل بسعر القنطار
في الزمن السابق وعدم الملح أيضا بسبب احتكاره وعدم المراكب التي تجلبه من بحري
لما ترتب عليهم من زيادة الجمرك وعدم مكاسبهم فيه لان الذي تولى على جمرك الملاحة
صار يأخذه من أصحابه على ذمته بسعر قليل معلوم ويبيعه على ذمته بسعر كثير لمن
يسافر به الى جهة قبلي وذلك خلاف ما يأخذه من المراكب التي تحمله فامتنع المتسببون
فيه من تجارته فعز وجوده في آخر السنة حتى بيع الربع بثمانين نصفا من ثلاث انصاف
وضجت الناس من ذلك فأرسل ذلك الملتزم ثلاثة مراكب على ذمته ووسقها ملحا وصار يبيع
الربع بعشرين نصفا ويبيعه المسبب بثلاثين وهذا لم يعهد فيما تقدم من السنين وعدم
ايضا الصابون بسبب تأخر القافلة حتى بيع بأغلى ثمن ثم حضرت القافلة فانحل سعره وتواجد
وغير ذلك مما لا يمكن الاحاطة به ونسأل الله تعالى حسن العاقبة
سنة ثمان عشرة ومائتين والف شهر محرم الحرام سنة 1218
استهل بيوم السبت في ذلك اليوم وقعت زعجة عظيمة في الناس
وحصلت كرشات في مصر وبولاق وحوانيتهم ورفعوا منها ماخف من متاعهم من الدكاكين
وبعضهم ترك حانوته وهرب والبعض سقط متاعه من يده ولم يشعر من شدة ما لحقهم من
الخوف والارجاف ولم يعلم سبب ذلك فيقال ان السبب في ذلك ان جماعة من كبار العسكر ذهبوا
الى الباشا وطلبوا جماكيهم المنكسرة وخرجهم فقال لهم اذهبوا الى الدفتردار فذهبوا
الى الدفتردار فقال لهم جمكيتكم عند محمد علي فذهبوا الى محمد علي وكانوا وعدوهم
بقبض جامكيتهم في ذلك اليوم فلما ذهبوا الى محمد علي قال لهم لم اقبض شيئا فعلموا
معه شراسة وضرب بينهم بعض بنادق وهاجت العسكر عند بيت محمد علي سرششمه فحصلت هذه
الزعجة في مصر وبولاق ثم سكن ذلك بعد أن وعدهم بعد ستة أيام
وفيه وردت عدة تقارير وبها جبخانة وجملة من العسكر
وصحبتهم ابراهيم اغا الذي كان كاشف الشرقية عام اول وكان توجه الى اسلامبول فحضر
وصحبته ذلك فحملوا الجبخانة وطلعوها الى القلعة فيقال انها متوجهة الى جدة بسبب
فتنة الحجاز وقيل غير ذلك
وفي يوم الجمعة سابعه ثارت العسكر وحضروا الى بيت
الدفتردار فاجتمعوا بالحوش وقفلوا باب القيطون وطردوا القواسة وطلع جمع منهم
فوقفوا بفسحة المكان الجالس به الدفتردار ودخل اربعة منهم عند الدفتردار فكلموه في
انجاز الوعد فقال لهم انه اجتمع عندي نحو الستين الف قرش فاما أن تأخذوها أو
تصبروا كم يوم حتى يكمل لكم المطلوب فقالوا لا بد من التشهيل فان العسكر تقلقوا من
طول المواعيد فكتب ورقة وارسلها الى الباشا بأن يرسل اليه جانب دراهم تكملة للقدر
الحاصل عنده في الخزينة فرجع الرسول وهو يقول لا ادفع ولا آذن بدفع شيء فأما ان
يخرجوا ويسافروا من بلدي او لا بد من قتلهم عن آخرهم فعندما رجع بذلك الجواب قال
له ارجع اليه واخبره ان البيت قد امتلأ بالعساكر فوق وتحت واني محصور بينهم فعند
وصول المرسال وقبل رجوعه أمر الباشا بأن يديروا المدافع ويضربوها على بيت
الدفتردار وعلى العسكر فما يشعر الدفتردار الا وجلة وقعت بين يديه فقام من مجلسه
الى مجلس آخر وتتابع الرمي واشتعلت النار في البيت وفي الكشك الذي أنشأه ببيت جده
المجاور لبيته وهو من الخشب والحجنة من غير بياض لم يكمل فالتهب بالنهار فنزل الى
اسفل والارنؤد محيطة به وبات تحت السلالم الى الصباح ونهب العسكر الخزينة والبيت
ولم يسلم الا الدفتردار والاوراق وضعوها في صناديق وشالوها وكان ابتداء رمي
المدافع وقت صلاة الجمعة واما اهل البلد فانهم كانوا متخوفين ومتطيرين من قومه او
فزعة تحصل من العسكر قبل ذلك فلما عاين الناس تجمعهم ببيت الدفتردار شاع ذلك في المدينة
ومر الوالي يقول للناس ارفعوا متاعكم
واحفظوا انفسكم وخذوا حذركم واسلحتكم فأغلق الناس
الدكاكين والدروب وهاجوا وماجوا فلما سمعوا ضرب المدافع زاد تطيرهم وتخيلوا هجوم
العكسر ونهب البلد بل ودخول البيوت ولا راد يردهم ولا حاكم يمنعهم ونادى المنادي
معاشر الناس واولاد البلد كل من كان عنده سلاح فليلبسه واجتمعوا عند شيخ مشايخ
الحارات يذهب بكم الى بيت الباش وحضرت اوراق من الباشا لأهل الغورية ومغاربة
الفحامين وتجار خان الخليل وأهل طولون يطلبهم بأسلحتهم والحضور عنده والتحذير من التخلف
فذهب بعض الناس فأقاموهم عند بيت حريم الباشا وبيت بن المحروقي المجاور له وهو بيت
البكري القديم فباتوا ليلتهم هناك وحضر حسن آغا والي العمارة عشاء تلك الليلة وطاف
على الناس يحرضهم على القيام ومعاونة الباشا وتجمع بعض الاوباش بالعصي والمساوق
وتحزبوا احزابا وعملوا متاريس عند رأس الوراقين وجهة العقادين والمشهد الحسيني
فلما دخل الليل بطل الرمي الى الصباح فشرعوا في الرمي بالمدافع والقنابر من
الجهتين وتترست العساكر بجامع أزبك وبيت الدفتردار وبيت محمد علي وكوم الشيخ سلامة
وداخل الناس خوف عظيم من هذه الحادثة وأما القلعة الكبيرة فان الباشا مطمئن من
جهتها لانه مقيد بها الخازندار ومعه عدة من الارنؤد وغيرهم وقافل أبوابها ولما كان
يوم الجمعة امس تاريخه قبل حصول الواقعة وحضر اغات الإنكشارية والوجاقلية لاجل السلام
على عادتهم ودخلوا عند كتخدا بك فقال لهم نبهوا على اهل البلد بغلق الدكاكين
والاسواق والاستعداد فإن العسكر حاصل عندهم قلة ادب فلما طلعوا عند الباشا اعلموه
بمقالة كتخدا بك فقال لهم نعم فقال له آغات الانكشارية يا سلطانم ينبغي الاحتفاظ
بالقلعة الكبيرة قبل كل شيء فقال ان بها الخازندار واوصيته بالاحتفاظ وغلق الابواب
فقال له الاغا لكن ينبغي أن نترك عند كل باب من خارج قدر خمسين انكشاريا فقال وايش
فائدتهم ما عليكم من هذا الكلام
تريدون تفريق عساكري اذهبوا لما امرتكم به وذلك لاجل انفاذ
القضاء وحضر طاهر باشا ايضا في ذلك الوقت وهو كالمحب ومكمن العداوة فلم يقابله
الباشا وأمره بأن يذهب الى داره ولا يقارش فلما كان في صبحها يوم السبت رتب الباشا
عساكره على طريقة الفرنسيس وهو المسمى بالنظام الجديد فخرجوا بأسلحتهم وبنادقهم
وخيولهم وهم طوابير ومروا حوالي البركة وانقسموا فرقتين فرقة أتت على رصيف الخشاب
وفرقة على جهة باب الهواء ليأخذوا الارنؤدية بينهم ويحصروهم من الجهتين فلما حضرت
الفرقة التي من ناحية رصيف الخشاب قاتلوا الارنؤدية فعند ذلك أركبوا الدفتردار
وأخذوه الى بيت طاهر باشا ومعه أتباعه وانهزم الارنؤدية من تلك الجهة وانحصروا جهة
جامع ازبك واشتغلوا بمحاربة الفرقة الاخرى وتحققوا الهزيمة والخذلان وعندما وصلت عساكر
الباشا الى بيت الدفتردار والمحروقي وبيت حريم الباشا اشتغلوا بالنهب واخراج
الحريم وتركوا القتال وتفرقوا بالمنهوبات وفترت همة الفرقة الاخرى وجرى أكثرهم
ليخطف شيئا ويغنم مثلهم وقالوا نحن نقاتل ونموت لاعلى شيء وأصحابنا ينهبون ويغنمون
فهزموا انفسهم لذلك وتراجع الارنؤدية واشتدت عزيمتهم ورجع البعض منهم على عساكر
الباشا فهزموا من بقي منهم وملكوا الجهة التي كانوا أجلوهم عنها فعند ذلك ظهر طاهر
باشا وركب الى الرميلة وتقدم الى باب العزب فوجده مغلوقا فعالج الطاقات الصغار
التي في حائط باب العزب القريبة من الارض المعدة لرمي المدافع من أسفل ففتح بعضها
ودخل منها بعض عسكر فتلاقوا مع الارنؤد المحافظين داخل الباب فالتف بعضهم على بعض
ثم طلعوا عند الخازندار وكان عنده ابن أخت طاهر باشا ممرضا قبل ذلك بايام وصحبته
طائفة ايضا فالتفوا على بعضهم وصاروا عصبة وطلبوا مفاتيح القلعة من الخازندار
فمانعهم ولما رأى منهم العين الحمراء سلمهم المفاتيح فنزلوا وفتحوا الابواب لطاهر
باشا وحبسوا الخازندار وأنزلوا من القلعة مدافع وبنبات وجبخانة
الى الازبكية لجماعتهم وكذلك قيدوا بالقلعة طبجية وعساكر
كل ذلك ومحمد باشا لا يدري بشيء من ذلك فلم يشعر الا والضرب نازل عليه من القلعة
فسأل ما هذا فقيل له انهم ملكوا القلعة فسقط في يذه وعند ذلك نزل طاهر باشا من
القلعة وشق من وسط المدينة وهو يقول بنفسه مع المنادي أمان واطمئنان افتحوا
دكاكينكم وبيعوا واشتروا وما عليكم باس وطاف يزور الاضرحة والمشايخ والمجاذيب
ويطلب منهم الدعاء ورفع الناس المتاريس من الطرق وانكفوا عن مقارشة العسكر وكذلك
لم يحصل أذية من العسكر لاحد من الرعية وأمروا بفتح مخابز العيش والماآكل وأخذوا
واشتروا عن غير اجحاف ولا بخس فلما علم الباعة منهم ذلك ذهبوا اليهم بالعيش والكعك
والجبن والفطير والسميط وغير ذلك ودخلوا فيهم يبيعون عليهم وهم يشترون منهم
بالمصلحة وصار بعض أولاد البلد يذهب الى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا
يتعرضون لهم ويقولون نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا ووجدوا مع البضع سلاحا
ذهب به عندما ارسل الباشا ونادى بالناس فردوهم بلطف وكل ذلك على غير القياس وطاهر
باشا لم يكن له شغل الا الطواف بالمدينة والاسواق وخارج البلد ويقول للفلاحين
الذين يجلبون الحطب والجلة والسمن والجبن من الارياف كونوا على ما أنتم عليه
وهاتوا أسبابكم وبيعوا واشتروا وليس عليكم باس وحضر اليه الوالي فأمره بالمرور
والمناداة بالامن للناس واستمر الحرب بين الفريقين نهار السبت واشتد ليل الاحد طول
الليل فما أصبح النهار حتى زحف عساكر الارنؤد الى جامع عثمان كتخدا والي حارة
النصارى من الجهة الاخرى وطلعوا الى التلول التي بناحية بولاق وملكوا بولاق وهجموا
على مناخ الجمال الذي بالقرب من الشيخ فرج فقتلوا من به من عسكر التكرور وهرب من
بقى منهم عريانا وقبضوا على منش القبطان وعدوا بالغليون الى برانبابة ونهبوا ما
فيه وكان به مال القبطان وذخائره التي جمعها من مظالم المراكب والمسافرين
والقادمين شيا كثيرا وكذلك ذهبت
طائفة منهم الى قصر العيني وقبضوا على من به ومن عبيد
الباشا وعروهم وأخذوهم اسرى ونهبوا بيت السيد أحمد المحروقي بالازبكية وهو بيت
البكري القديم وقد كان اخلاه لنفسه وعمره وسكنه بحريمه فنهبوا منه شيئا كثيرا يفوق
الحصر واخرجوا منه النساء بعد ما فتشوهن او افتدين انفسهن وكذلك بيت حريم الباشا
الملاصق له بعد ما ارسل الباشا عساكره قبل بيوم فنقل منه الحريم عنده بطولهن لا
غير ونهبوا بيت جرجس الجوهري وأخذوا منه اشياء نفيسة كثيرة وفراوي مثمنة وحريم بيت
الباشا لم يتمكنوا منه الا بعد انفضاض القضية بيومين بسبب ان المحافظين عليه كانوا
ثمانية عشر فرنساويا فحاصروا فيه هذه المدة حتى خرجوا منه بامان واما سكان تلك
الخطة فأنهم كانوا يذهبون الى طاهر باشا او محمد علي فيرسل معهم عسكر لخفارتهم حتى
ينقلوا امتعتهم او امكنهم الى جهات بعيدة عن ذلك المحل ليامنوا على انفسهم من
الحرب وهرب المحروقي وابنه عند الباشا ولاحت لوائح الخذلان على الباشا واستعد
للفرار فأنه لما بات تلك الليلة لم يجد عليقا ولا خبزا فعلقوا على الخيل ارزا
وتعشى الباشا بالقسمات وارسل الى حارة النصارى فطلب منهم خبزا فأرسلوا له خبزا
فخطفه الارنؤد في الطريق ولم يصل اليه ثم عسكر الارنؤد احضروا آلة بنية ووضعوها
بالبركة وضربوا بها على بيت الباشا فوقعت واحدة على الباذاهنج فألتهب فيه النار
فأرادوا اطفاءها فلم يجدوا سقائين تنقل الماء ويقال ان الخازندار الذي كان بالقلعة
لما قبضوا عليه التزم لهم بحرق بيت الباشا ويطلقوه فأرسل بعض أتباعه الى مكانه
الذي ببيت الباشا فأوقدوا فيه النار في ذلك الوقت واشتعلت في الاخشاب والسقوف وسرت
الى مساكن الباشا فعند ذلك نزل الباشا الى أسفل وأنزل الحريم وعددهن سبع عشرة
امرأة فأركبهن بغالا وأمر الدلاة والهوارة ان يتقدموهن وركب صحبتهن المحروقي وابنه
وترجمانه وصير فيه وعبيده وفراشوه وتأخر الباشا حتى أركب الحريم ثم ركب في مماليكه
ومن بقي من عسكره
وأتباعه وركب معه حسين آغاشنن وبعض آغوات وصحبته ثلاث
هجن وخرج الى جزيرة بدران فعندما أشيع ركوبه هجمت عساكر الارنؤد على البيت
واشتغلوا بالنهب هذا والنار تشتعل فيه وكان ركوبه قبيل أذان العصر من يوم الاحد
تاسع المحرم وخرج خلفه عدة وافرة من عسكر الارنؤد فرجع عليهم وهزمهم مرتين وقيل
ثلاثا واما المحروقي ومن معه فأنهم تشتتوا من بعضهم خلف الدلاة ولم يلحقوهم وانقطع
حزام بغلته فنزل عنها فأدركه العساكر المتلاحقة بالباشا فعروه وشلحوه هو واتباعه
وابنه واخذوا منهم نحو عشرين الف دينار اسلامبولي نقدية وقيل جواهر بنحو ذلك
فأدركهم عمر أغا بينباشي المقيم ببولاق فوقعوا عليه فأمنهم واخذهم معه الى بولاق وباتوا
عنده الى ثاني يوم واخذ لهم امانا وحضر الى طاهر باشا وقابله وكذلك جرجس الجوهري
ونهب العسكر بيت الباشا واخذوا منه شيئا كثيرا وباتت النار تلتهب فيه والدخان صاعد
الى عنان السماء حتى لم يبق فيه الا الجدران التحتانية الملاصقة للارض واحترقت
وانهدمت تلك الابنية العظيمة المشيدة العالية وما به من القصور والمجالس والمقاعد
والرواشن والشبابيك والقمريات والمناظر والتنهات والخزائن والمخادع وكان هذا البيت
من أضخم المباني المكلفة فانه اذا حلف الحالف انه صرف على عمارته من اول الزمان
الى ان احترق عشر خزائن من المال او اكثر لا يحنث فان الالفي لما انشأه صرف عليه مبالغ
كثيرة وكان اصل هذا المكان قصرا عمره وانشأه السيد ابراهيم ابن السيد سعودي اسكندر
من فقهاء الحنفية وجعل في اسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة وجعلها برسم النزهة
لعامة الناس فكان يجتمع بها عالم من اجناس الناس واولاد البلد شيء كثير وبها قهاوي
وبياعون وفكهانية ومغاني وغير ذلك ويقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الاجناس
فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار الى آخر الليل من الخط والنزاهة
ما لا يوصف ثم تداول ذلك القصر أيدي الملاك وظهر علي بك وقساوة حكمه فسدوا تلك
البوائك
ومنعوا الناس عنها لما كان يقع بها في الاحيان من اجتماع
اهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الامير أحمد أغا شويكار وباعه بعد مدة فاشتراه
الامير محمد بك الالفي في سنة احدى عشرة ومائتين وألف وشرع في هدمه وتعميره
وانشائه على الصورة التي كان عليها وكان غائبا جهة الشرقية فرسم لكتخداه صورته في
كاغد بكيفية وضعه فحضر ذو الفقار كتخدا وهدم ذلك القصر وحضر الجدران ووضع الاساس
وأقام الدعائم ووضع سقوف الدور السفلى فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم
الذي حدده له فهدمه ثانيا وأقام دعائمه على مراده واجتهد في عمارته وطلب له الصناع
والمؤن من الاحجار والاخشاب المتنوعة حتى شحت المؤن في ذلك الوقت وأوقفت أربعة من
امرائه على أربع جهاته وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس وقمن الجير واحضر البلاط
من الجبل قطعا كبارا ونشرها على قياس مطلوبة وذلك الرخام وذلك خلاف انقاض رخام المكان
وانقاض الاماكن التي اشتراها وهدمها وأخذ اخشابها وانقاضها ونقلها على الجمال وفي
المراكب لاجل ذلك فمنها البيت الكبير الذي كان أنشأه حسن كتخدا الشعراوي على بركة
الرطلي وكان به شيء كثير من الاخشاب والانقاض والشبابيك والرواشن نقلت جميعها الى
العمارة فصار كل من الامراء المشيدين يبني وينقل ويبيع ويفرق على من أحب حتى بنوا
دورا من جانب تلك العمارة والطلب مستمر حتى أتموه في مدة يسيرة وركب على جميع
الشبابيك شرائح الزجاج أعلى وأسفل وهو شيء كثير جدا وفي المخادع المختصة به ألواح
الزجاج البلور الكبار التي يساوي الواحد منهما خمسمائة درهم وهو كثير ايضا ثم فرشه
جميعه بالبسط الرومي والفرش الفاخر وعلقوا به الستائر والوسائد المزركشة وطوالات المراتب
كلها مقصبات وبنى به حمامين علويا وسفليا الى غير ذلك فما هو الا ان ثم ذلك فأقام
به نحو عشرين يوما ثم خرج الى الشرقية فأقام هناك وحضر الفرنسيس فسكنه سارى عسكر
بونابارته فعمر فيه
أيضا عمارة ولما سافر وأقام مكانه كلهبر عمر فيه ايضا
فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو لم يزل مجتهدا في عمارته وغير معاليمه
وادخل فيه المسجد وبنى الباب على الوضع الذي كان عليه وعقد فوقه القبة المحكمة
واقام في أركانها الاعمدة بوضع محكم متقن وعمل السلالم العراض التي يصع منها الى
الدور العلوي والسفلي من على يمين الداخل وجعل مساكنه كلها تنفذ الى بعضها البعض
على طريقة وضع مساكنهم واستمر يبني فيه ويعمر مدة اقامته الى ان خرج من مصر فلما
حضر العثمانية وتولى على مصر محمد باشا المذكور رغب في سكنى هذا المكان وشرع في
تعميره هذه العمارة العظيمة حتى أنه رتب لحرق الجير فقط اثني عشر قمينا تشتغل على
الدوام والجمال التي تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات كل قطار سبعون جملا وقس على
ذلك بقية اللوازم ورموا جميع الاتربة في البركة حتى ردموا منها جانبا كبيرا ردما
غير معتدل حتى شوهوا البركة وصارت كلها كيمانا واتربة والعجب ان منتهى الرغبة في
سكن هذه البركة وأمثالها انما هو تسريح النظر وانبساط النفس باتساعها واطلاقها
وخصوصا أيام النيل حين تمتلىء بالماء فتصير لحة ماء دائرة بركارية مملوءة بالزوارق
والقنج والشطيات المعدة للنزهة تسرح فيها ليلا ونهارا وعند دخول المساء يوقدون القناديل
بدائرها في جميع قواطين البيوت فيصير لذلك منظر بهيج لا سيما في الليالي المقمرة
فيختلط ضحك الماء في وجه البدر والقناديل وانعكاس خيالها كأنها أسفل الماء ايضا
وصدى أصوات القيان والاغاني في ليال لا تعد من الاعمار اذ الناس ناس والزمان زمان
فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم الى ان كان ما كان وقعت هذه الحوادث
فتضاعف المسخ والتشويه والعجب انه لما وقعت الحرابة بين الفرنساوية والعثمانية
وأهل مصر واقام الحرب 36 يوما وهم يضربون على ذلك بالبيت بالمدافع والقنابر لم
يصبه شيء ولم ينهدم منه حجرا واحدا ولما وقعت هذه الحرابة بين الباشا وعسكره احترق
وانهدم في ليلة واحدة كذلك احترق بيت الدفتردار وهو بيت ثلاثة ولية الذي كان أنشأه
رضوان كتخدا
الجلفي وكان بيتا عظيما ليس له نظير في عمارته وزخرفته
وكلفته وسقوفه من اغرب ما صنعته ايدي بني آدم في الدقة والصنعة وكله منقوش بالذهب
واللازورد والاصباغ وعلى مجالسه العليا قباب مصنعة وارضه كلها بالرخام الملون
فأحترق جميعه ولم يبق به شيء الا بعد الجدران اللاطئة بالارض وسكنت الفتنة وشق الوالي
علي آغا الشعراوي وذو الفقار المحتسب وآغات الانكشارية ونادوا بالامان والبيع
والشراء فكانت مدة ولاية هذا الباشا عل مصر سنة وثلاثة اشهر وواحدا وعشرين يوما
وكان سيء التدبير ولا يحسن التصرف ويحب سفك الدماء ولا يتروى في ذلك ولا يضع شيئا
في محله ويتكرم على من لا يستحق ويبخل على من يستحق وفي آخر مدته داخله الغرور
وطاوع قرناء السوء المحدقين به والتفت الى المظالم والفرد على الناس وأهل القرى
حتى انهم كانوا حرروا دفاتر فردة عامة على الدور والاماكن بأجرة ثلاث سنوات وقيل
اشنع من ذلك فأنقذ الله منه عباده وسلط عليه جنده وعساكره وخرج مرغوما مقهورا على
هذه الصورة ولم يزل في سيره الى ان نزل بقليوب بعد الغروب فعشاه الشواربي شيخ
قليوب ثم سار ليلا الى دجوة فأنزل الحريم والاثقال في ثلاثة مراكب وسار هو الى جهة
بنها وغالب جماعته تخلفوا عنه بمصر وكذلك الكتخدا وديوان افندي والخازندار الذي كان
بالقعلة والسلحدار وخليل افندي خزنة كاتب
وفي يوم الاثنين عاشره نودى بالامان ايضا وان العساكر لا
يتعرضون لاحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه الى القلق
الكائن بخطته ويحضره الى طاهر باشا فينتقم له منه
وفي يوم الخميس وقت العصر حضر الاغا والوجاقلية الى بيت القاضي
واعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسه قائمقام ويكتبون عرض
محضر بحاصل ما وقع
وفي 2 ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع ابراهيم بك وبيده
مراسلة خطابا للعلماء والمشايخ وقيل انه كان بمصر من مدة ايام وكان يجتمع
بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية فلما اصبح يوم الجمعة رابع
عشره اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانا
واحضر القاضي فروة سمور البسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية او يأتي
وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال
بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الامراء القبالى وهو مشتمل على ايات
واحاديث وكلام طويل ومحصلة انهم طائعون وممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة
وانما اذا حضروا الى جهة او بلدة وطلبوا المرور عليها او قضاء حاجة من بندر منعهم
الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك اذا وقعت بيننا محاربة
لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفي ما يترتب
على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل
وبدؤنا بالطرد والابعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في
رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ ان يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما
يقوم بمؤنتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير الا اخراجنا من القطر المصري كليا وبعثتم
تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولى الامر منكم ولم تذكروا لنا آية تدل على اننا نخرج من تحت السماء ولا
آية تدل على اننا نلقي بأيدينا الى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر
ربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا انما تركنا حريمنا
ثقة بانهم في كفالتكم وعرضكم على ان المروءة تابى صرف الهمة الى امتداد الايدي
للحريم والرجال للرجال على ان املك دورا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله
يؤتيه من يشاء قل اللهم مالك الملك الاية فلما قرىء ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له
فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا
وأودعه في جيبه ثم قال الحاضرون فما يكون الجواب قال حتى
نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابا يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من
مصر لربما اقتضى الحال إلى المعاونة
وفي يوم الإثنين سابع عشرة كتبوا العرض المحضر بصورة ما
وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه إلى اسلامبول وأما محمد باشا المهزوم
فإنه لم يزل في سيره حتى وصل إلى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك
فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردا ومظالم وكلفا وصادف في طريقه
بعض المعينين حاضرين بمبالع الفردة السابقة فأخذها منهم
وفي ليلة الثلاثاء بعد المغرب ثامن عشرة أرسل طاهر باشا
عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم آغات الانكشارية ومصطفى كتخدا
الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد احمد المحروقي
فأنزلوه الى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك بقية
الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس واقل واكثر واقاموا في الترسيم
وفي يوم الجمعة حادي عشرينه ركب طاهر باشا بالموكب
والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين
وفيه وردت الاخبار بان الامراء المصرية رجعوا الى قبلي
ووصلوا الى قرب بني سويف
وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل واخذه الى
بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسا فلما كان يوم الاحد أرسل طاهر باشا يطلب
مصطفى اغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد اغا وكيل دار السعادة
وذهبا صحبته الى بيت طاهر باشا فلما طلعوا الى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة من
العسكر وجذبوا مصطفى أغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه الى أسفل واخذوه الى القلعة
ماشيا على أقدامه
فحنق الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه
فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا اليه فقال هذا لا يؤاخذ به انما يؤاخذ اذا كان
المكتوب منه الى محمد باشا ثم انحط الامر عل انه لا يقتله ولا يطلقه ثم ان طاهر
باشا ركب ليلا وذهب الى شيخ السادات واخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره اليه في ذلك
الوقت
وفي ثالث عشرينه اطلعوا يوسف كتخدا الباشا الى القلعة
والزموه بمال وكذلك خزنة كاتب
وفيه خرج أمير الالزم لملاقات الحجاج فنصب وطاقه بقبة
النصر واقام هناك
وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر
الحجة مضمونها ان الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وان شريف مكة الشريف غالب
تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وارشاهم على ان يتعوقوا معه اياما
حتى ينقل ما له ومتاعه الى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على
حربه ثم يرجعون على ذلك الى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثنى عشر
يوما ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن احرق داره ورحل شريف باشا ايضا الى جدة
وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية ايضا المستورين
وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع
وفي خامس عشرينه قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك
عملوا على طائفة من اليهود مائة كيس
وفيه حضر أحمد أغا شويكار الى مصر بمراسلة من الامراء
القبالي
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه سافرت التجريدة المعينة
لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر ايضا
وفي يوم الخميس قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان
كتبة القبط
وهو الذي كان قاضيا ايام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب
زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني اخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند
باب الخرق في ذلك اليوم واقاما مرميين الى ثاني يوم
وفي يوم السبت غايته رجع أحمد آغا شويكار بجواب من
الباشا الى رفقائه وأشيع وصول ابراهيم بك ومن معه الى زاوية المصلوب ووصلت
مقدماتهم الى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد
وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين
كيسا ونزل من القلعة الى داره
وفيه ارسل طاهر باشا الى مصطفى افندي رامز الكاتب
وابراهيم افندي الروزنامجي وسليمان افندي فأخذوهم عند عبد الله افندي رامز
الروزنامجي الرومي
شهر صفر استهل بيوم الاحد في ثانيه حضر الامراء القبالي
الى الشيخ الشيمي
وفي ليلة الاربعاء رابعه خنقوا احمد كتخدا علي باش
اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز كتخدا العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا
وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما الى خارج
وفي صبحها يوم الاربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا
لمحاربة محمد باشا مضمونه انه انتقل من مكانه وذهب الى جهة دمياط وانه تخلف عنه
العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الامان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك
فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانا ويضموهم اليهم
وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية الى البر
الغربي ليسلم على الامراء المصرلية وفي ذلك الوقت امر باحضار حسن اغا محرم فارتاع
من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا واعطاه
الفي فرانسا وامره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق
انه خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر اليه
طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة
ليتوجهوا الى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة
محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الارنؤد
شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون اليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية
ونظرهم في انفسهم انهم فخذ السلطنة وان الارنؤد خدمهم وعسكرهم واتباعهم ولما فرد
الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع الى طائفة الارنؤد جماكيهم المنكسرة او
يحولهم بارواق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئا من جماكيهم قال لهم ليس
لكم عندي شيء ولا اعطيكم الا من وقت ولايتي فان كان لكم شيء فأذهبوا وخذوه من محمد
باشا فضاق خناقهم واوغر صدورهم وبيتوا امرهم مع احمد باشا والي المدينة فلما كان
في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرا
بعددهم واسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم اسمعيل اغا ومعه آخر يقال له
موسى اغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم ليس لكم عندي الا
من وقت ولايتي وان ان لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا
عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك الى الحوش
وسحبت طوائفهم الاسلحة وهاجوا في اتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الاسلحة
والبارود الذي في أماكن اتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في لناس كرشات
وخرجت العساكر الانكشارية وبايديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب
فأنزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا إلى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا
يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والاغا ينادون بالامن والامان حسب
مارسم احمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية
البلدية وخلافهم عند احمد باشا على طائفة الارنؤد وقتلهم
واخرجهم من المدينة فتحزبوا احزابا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الارنؤد جهة الازبكية وفي
بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية اذا ظفروا باحد من الارنؤد اخذوا سلاحه
وربما قتلوه وكذلك الارنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت
طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة
طاهر باشا مرمية لم يلتفت اليها احد ولم يجسر أحد من اتباعه على الدخول الى البيت
واخراجها ودفنها وزالت دولته وانقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين
يوما ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته اسمر اللون نحيف
البدن اسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلا عن العربي ويغلب عليه لغة الارنؤدية
وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية
وكان يبيت فيها كثيرا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي الى السطح في الليل ويذكر
معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الامراء وكان يجتمع عنده
اشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما راوأ منه ذلك خرج الكثير من الاوباش وتزيا بما
سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطور طويلا ومرقعة ودلفا وعلق له جلاجل وبهرجان
وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات
مستهجنة والفاظ موهمة بانه من ارباب الاحوال ونحو ذلك ولما قتل اقام مرميا الى
ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير راس بقبة عند بركة الفيل واخذ بعض الينكجرية
راسه وذهبوا بها ليوصلوها الى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من
الارنؤد فقتلوهم واحذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب احمد باشا
مكتوبا الى محمد باشا يعلمه بصورةالواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد
اغا ارسل كل واحد مكتوبا بمعنى ذلك وظنوا تمام النصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما
جاوره من دور
الناس من الحبانية الى ضلع السمكة الى درب الجماميز ثم
ان احمد باشا احضر المشايخ واعلمهم بما وقع وامرهم بالذهاب الى محمد علي ويخاطبوه
بان يذعن الى الطاعة فلما ذهبوا اليه وخاطبوه في ذلك اجاب بان احمد باشا لم يكن
واليا على مصر بل انما هو والي المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة والسلام
وليس له علاقة بمصر وانا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف
الدولة وله شبهة في الجملة واما احمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج
البلد ويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر الى ولايته فقاموا من عنده على ذلك
واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الارنؤد وتحزيوا وتسلحوا وعملوا
متاريس على جهاتهم ونواحيهم الى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ
والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تحوف ولما اصبح نهار الخميس مر
الوالي والاغا ينادون بالامان برسم حكم احمد باشا ثم ان احمد باشا ارسل اوراقا الى
المشايخ بالحضور فذهبوا اليه فقال لهم اريد منكم ان تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم
بالخروج على الارنؤد وقتلهم فقالوا سمعا وطاعة واخذوا في القيام فقال لهم لا
تذهبوا وكونوا عندي وارسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له ان عادتنا ان يكون جلوسنا
في المهمات بالجامع الازهر ونجتمع به ونرسل الى الرعية فانهم عند ذلك لا يخالفون
وكان مصطفى اغا الوكيل حاضرا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا
وخرجوا وكان احمد باشا ارسل احضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله افندي
رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى أغا الوكيل كان مرهونا عند شيخ
السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وابهته وأخذ معه عدة من
الانكشارية وذهب الى عند احمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي
والأنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الامراء فلما اصبح
ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق