حمل المصحف
ج5.وج الجبرتي 6.
ج5. كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد
الرحمن بن حسن الجبرتي
تجار المغاربة فأجتمعوا وطلعوا بعد العشاء وباتوا
بالسبيل الذى في رأس الرميلة وشدد الباشا في اجتماع الالضاشات ومن ينتسب للوجاقات
فقيل له ان منهم من لا يملك قوت يومه وسبب تفرقهم الجوع وعدم النفقة فطلب أغات مستحفظان
وأعطاه أربعة آلاف ريال لينفقها فيهم
وفيه عدى مراد بك من جزيرة الذهب الى الآثار وكان
ابراهيم بك ركب الى حلوان وضربها وأحرقها بسبب ان أهل حلوان نهبوا مركبا من مراكبه
ولما عدى مراد بك الى البر الشرقي أرسل الى ابراهيم بك فحضر اليه واصطلح معه لان
ابراهيم بك كان مغتاظا منه بسبب سفرته وكسرته فان ذلك كان على غير مراد ابراهيم بك
وكان قصده انهم يستمرون مجتمعين ومنضمين واذا وصل القبطان اخلوا من وجهه ان لم
يقدروا على دفعه أو مصالحته وتركوا له البلد ومصيره الرجوع الى بلاده فيعودون بعد
ذلك باى طريق كان
وكان ذلك هو الرأى فلم يمتثل مراد بك وأخذ في أسباب الخروج
والمحاربةة ولم يحصل من ذلك الا ضياع المال والفشل والانهزام الذى لا حقيقة له
وكان الكائن
ولما اصطلحا تفرقت طوائفهما يعبثون في الجهات وبخطفون ما
يجدونه في طريقهم من جمال السقائين وحمير الفلاحين وبعضهم جلس في مرمى النشاب
وبعضهم جهة بولاق ونهبوا نحو عشرين مركبا كانت راسية عند الشيخ عثمان وأخذوا ما
كان فيها من الغلال والسمن والاغنام والتمر والعسل والزيت
وفي يوم الاحد حادى عشرة زاد تنطيطهم وهجومهم على البلد
من كل ناحية ويدخلون احزابا ومتفرقين ودخل قائد أغا وأتى الى بيته الذى كان سكن فيه
وسكنه بعده حسن أغا المتولي وهو بيت قصبة رضوان فوجد بابه مغلوقا فأراد كسره
بالبلط فأعياه وخاف من طارق فذهب الى باب آخر من ناحية القربية فضرب عليه الحراس
بنادق فرجع بقهره يخطف كل ما صادفه ولم يزالوا على هذه الفعال الى بعد الظهر من
ذلك اليوم
واشتد الكرب وضاق خناق الناس وتعطلت أسبابهم ووقع الصياح
في أطراف الحارات من الحرامية والسراق والمناسر نهارا والاغا والوألي والمحتسب
مقيمون بالقلعة لا يجسرون على النزول منها الى المدينة وتوقع كل الناس نهب البلد
من أوباشها
وكل ذلك والمآكل موجودة والغلال معرمة كثيرة بالرقع
ورخصت أسعارها والاخباز كثيرة وكذلك أنواع الكعك والفطير وأشيع وصول مراكب القبطان
الى شلقان ففرح الناس وطلعوا المنارات والاسطحة العالية ينظرون الى البحر فلم يروا
شيئا
فأشتد الانتظار وزاغت الابصار فلما كان بعد العصر سمع
صوت مدافع على بعد ومدافع ضربت من القلعة ففرحوا واستبشروا وحصل بعض الاطمئنان
وصعدوا ايضا على المنارات فرأوا عدة مراكب ونقاير وصلت الى قرب ساحل بولاق ففرح
الناس وحصل فيهم ضجيج وكان مراد بك وجماعة من صناجقة وامرائه قد ذهبوا الى بولاق وشرعوا
في عمل متاريس جهة السبتية واحضروا جملة مدافع على عجل وجمعوا الاخشاب وحطب الذرة
وافرادا وغيرها فوردت مراكب الاروام قبل اتمامهم ذلك فتركوا العمل وركبوا في الوقت
ورجعوا
وضجت الناس وصرخت الصبيان وزغرتت النساء وكسروا عجل
المدافع
وفي هذا اليوم أرسل الامراء مكاتبة الى المشايخ
والوجاقات يتوسلون بهم في الصلح وانهم يتوبون ويعودون الى الطاعة فقرئت تلك
المكاتبات بحضرة الباشا فقال الباشا سبحان الله كم يتوبون ويعودون ولكن اكتبوا لهم
جوابا معلقا على حضور قبطان باشا
فكتبوه وأرسلوه
وفي وقت العشاء من ليلة الاثنين وصل حسن باشا القبطان
الى ساحل بولاق وضربوا مدافع لقدومه واستبشر الناس وفرحوا وظنوا انه مهدى الزمان
فبات في مراكبه الى الصباح يوم الاثنين ثاني عشر شوال وطلع
بعض اتباعه الى القلعة وقابلوا الباشا ثم ان حسن باشا
ركب من بولاق وحضر الى مصر من ناحية باب الخرق ودخل الى بيت ابراهيم بك وجلس فيه
وصحبته اتباعه وعسكره وخلفه الشيخ الاترم المغربي ومعه طائفة من المغاربة فدخل بهم
الى بيت يحيى بك
وراق الحال وفتحت أبواب القلعة واطمأن الناس ونزل من
بالقلعة الى دورهم وشاع الخبر بذهاب الامراء المصرية الى جهة قبلي من خلف الجبل
فسافر خلفهم عدة مراكب وفيها طائفة من العسكر واستولوا على مراكب من مراكبهم
وأرسلوها الى ساحل بولاق وأنقذ حسن باشا رسلا الى اسمعيل بك وحسن بك الجداوى
يطلبهما للحضور الى مصر
وفيه خرجت جماعة من العسكر ففتحوا عدة بيوت من بيوت
الامراء ونهبوها وتبعهم في ذلك الجعيدية وغيرهم فلما بلغ القبطان ذلك أرسل الى
الوالي والآغا وامرهم بمنع ذلك وقتل من يفعله ولو من أتباعه
ثم ركب بنفسه وطاف البلد وقتل نحو ستة أشخاص من العسكر
وغيرهم وجد معهم منهوبات فأنكفوا عن النهب
ثم نزل على باب زويلة وشق من الغورية ودخل من عطفة
الخراطين على باب الازهر وذهب الى المشهد الحسيني فزاره ونظر الى الكسوة ثم ركب
وذهب الى بيت الشيخ البكرى بالازبكية فجلس عنده ساعة وأمر بتسمير بيت ابراهيم بك
الذى بالازبكية وبيت أيوب بك الكبير وبيت مراد بك
ثم ذهب الى بولاق ورجع بعد الغروب الى المنزل وحضر عنده
محمد باشا مخفيا واختلى معه ساعة
وفي يوم الثلاثاء ذهب اليه مشايخ الازهر وسلموا عليه
وكذلك التجار وشكوا اليه ظلم الامراء فوعدهم بخير واعتذر اليهم باشتغاله بمهمات
الحج وضيق الوقت وتعطل أسبابه
وفيه عمل الباشا الديوان وقلد حسن أغا مستحفظان صنجقية
وخلع
على علي بك جركس الاسماعيلي صنجقية كما كان في أيام سيده
اسمعيل بك وخلع على غيطاس كاشف تابع صالح بك صنجقيه وخلع على قاسم كاشف تابع أبي
صنجقية أيضا وخلع على مراد كاشف تابع حسن بك الازبكاوى صنجقية وخلع على محمد كاشف تابع
حسين بك كشكش صنجقية وقلد محمد أغا ارنؤد الوالي أغات الجمليان وقلد موسى أغا
الوالي تابع علي بك اغات تفكجية وخلع على باكير أغا تابع محمود بك وجعله أغات
مستحفظان وخلع على عثمان أغا الجلفي وقلده الزعامة عوضا عن محمد آغا ولما تكامل
لبسهم التفت اليهم الباشا ونصحهم وحذرهم وقال للوجاقلية الزموا طرائقكم وقوانينكم
القديمة ولا تدخلوا بيوت الامراء الصناجق الا لمقتضى واكتبوا قوائمكم بتعلقاتكم
وعوائدكم أمضيها لكم
ثم قاموا وانصرفوا الى بيوتهم ونزل الآغا وامامه
المناداة بالتركي والعرببي بالامان على اتباع الامراء المتوارين والمخفيين وكل ذلك
تدبير وترتيب الاختيارية وقلدوا من كل بيت أميرا لئلا يتعصوا لانفسهم ولا تتحد
أغراضهم
وفيه أرسل حسن باشا إلى نواب القضاء وأمرهم ان يذهبوا
الى بيوت الامراء ويكتبوا ما يجدونه من متروكاتهم ويودعوه في مكان من البيت
ويختمون عيه ففعلوا ذلك
وفي تلك الليلة وردت خمس مراكب رومية وضربوا مدافع
وأجيبوا بمثلها من القلعة
وفي يوم الاربعاء ركب حسن باشا وذهب الى بولاق وهو بزى
الدلاة وعلى رأسه هيئة قلبق من جلد السمور ولابس عباءة بطراز ذهب وكان قبل ذلك
يركب بهيئته المعتادة وهي هيئة القباطين وهي فوقانية جوخ صاية بدلاية حرير على
صدره وعلى رأسه طربوش كبير يعمم بشال أحمر وفي وسطه سكينة كبيرة وبيده مخصرة لطيفة
هيئة حربة بطرفها
مشعب حديد على رسم الجلالة
وفيه نادى الاغا على كل من كان سراجا بطالا أو فلاحا أو
قواسا بطالا يسافر الى بلده ومن وجد بعد ثلاثة أيام يستحق العقوبة
وفيه أيضا نودى على طائفة النصارى بان لا يركبوا الدواب
ولا يستخدموا المسلمين ولا يشتروا الجوارى والعبيد ومن كان عنده شيء من ذلك باعه
أو أعتقه وان يلزموا زيهم الاصلي من شد الزنار والزنوط
وفيه ارسل حسن باشا الى القاضي وأمره بالكشف عن جميع ما
أوقفه المعلم ابراهيم الجوهرى على الديور والكنائس من أطيان ورزق وأملاك والمقصود
من ذلك كله استجلاب الدراهم والمصالح
وفي يوم الخميس نودى على طائفة النصارى بالامان وعدم
التعرض لهم بالايذاء وسببه تسلط العامة والصغار عليهم
وفيه كثر تعدى العساكر على أهل الحرف كالقهوجية
والحمامية والمزينين والخياطين وغيرهم فيأتي احدهم الى الحمامي أو القهوجي أو الخياط
ويقلع سلاحه ويعلقه ويرسم ركنه في ورقة أو على باب دكان وكأنه صيره شريكه وفي حمايته
ويذهب حيث شاء أو يجلس متى شاء ثم يحاسبه ويقاسمه في المكسب وهذه عادتهم اذا ملكوا
بلدة ذهب كل دى حرفة الى حرفته التي كان يحترفها في بلده ويشارك البلدى فيها فثقل
على أهل البلدة هذه الفعلة لتكلفهم مالا ألفوه ولا عرفوه
وفيه أجلسوا عى أبواب المدينة رجلا أوده باشا ومعه طائفة
من العسكر نحو الثلاثين أو العشرين
وفيه اعني يوم الخميس الموافق لسادس مسرى القبطي نودى
بوفاء النيل فأرسل حسن باشا في صبح يوم الجمعة كتخداه والوالي فكسر السد على حين
غفلة وجرى الماء في الخليج ولم يعمل له موسم ولا مهرجان مثل العادة بسبب القلقة
وعدم انتظام الاحوال والخوف من هجوم الامراء
المصرية فانهم مقيمين جهة حلوان
وفيه نودى بتوقير الاشراف واحترامهم ورفع شكواهم الى
نقيب الاشراف وكذلك المنسوبون الى الابواب ترفع الى وجاقة وان كان من أولاد البلد
فالى الشرع الشريف
وفيه مرت جماعة من العسكر على سوق الغورية فخطفوا من
الدكاكين امتعة واقمشة فهاجت أهل الدكاكين والناس المارون وأغلقوا الحوانيت وثارت كرشة
الى باب زويلة وصادف مرور الوالي فقبض على ثلاثة أنفار منهم واستخلص ما بأيديهم
وهرب الباقون وكان الوالي والاغا كل منهما صحبته ضابطان من جنس العسكر
وفيه نودى بمنع القواسة وأسافل الناس من لبس الشيلان
الكشميرى والتختم أيضا
وفيه وصلت مراكب القباطين الواردين من جهة دمياط الى
ساحل بولاق وفيهم اسمعيل كتخدا حسن باشا فضربت لهم مدافع من القلعة
وفيه قبضوا على ثلاثة من العسكر أفسدوا بالنساء بناحية
الرميلة فرفعوا أمرهم وأمر الخطافين الى القبطان فأمر بقتلهم فضربوا اعناق ثلاثة
منهم بالرميلة وثلاثة في جهات متفرقة
وفيه نودى بأبطال شركة العسكر لاهل الحرف ومن أتاه عسكرى
يشاركه أو أخذ شيئا بغير حق فليمسك ويضرب وتوثق أكتافه ويؤتى به الى الحاكم وحضر
الوالي وصحبته الجاويش وقبض على من وجده منهم بالحمامات والقهاوى وطردهم وزجرهم
وذلك بسبب تشكي الناس فلما حصل ذلك اطمأنوا وارتاحوا منهم
وفيه عدى الامراء الى البر الغربي
وفي يوم السبت خلعوا على محمد بك تابع الجرف وجعلوه
كاشفا على البحيرة
وفيه جاء الخبر عن الامراء ان جماعة من العرب نحو الالف
اتفقوا انهم يكبسون عليهم ليلا ويقتلونهم وينهبونهم فذهب رجل من العرب واخبرهم
بذلك الاتفاق فأخلوا من خيامهم وركبوا خيولهم وكمنوا بمرآى من وطاقهم فلما جاءت العربان
وجدوا الخيام خالية فأشتغلوا بالنهب فكبس عليهم الامراء من كمينهم فلم ينج من
العرب الا من طال عمره
وفيه نودى على طائفة النساء ان لا يجلسن على حوانيت
الصياغ ولا في الاسواق الا بقدر الحاجة
وفي يوم الاحد عملوا الديوان وقلدوا مراد بك أمير الحاج
وسماه حسن باشا محمدا كراهة في اسم مراد بك فصار يكتب في الامضاء محمد بك حسن وكان
هذا اليوم هو ثاني يوم ميعاد خروج المحمل من مصر فان معتادة في هذه العصور سابع عشر
شوال
وفي يوم الثلاثاء كتبت فرمانات لشيخ العرب أحمد بن حبيب بخفر
البرين والموارد من بولاق الى حد دمياط ورشيد على عادة اسلافه وكان ذلك مرفوعا
عنهم من أيام علي بك ونودى له بذلك على ساحل بولاق
وفيه أخرجت خبايا وودائع للامراء من بيوتهم الصغار لهم
ولاتباعهم وختم ايضا على أماكن وتركت على ما فيها ووقع التفتيش والفحص على غيرها
وطلبوا الخفراء فجمعوهم وحبسوهم ليدلوا على الاماكن التي في العطف والحارات وطلبت
زوجة ابراهيم بك وحبست في بيت كتخدا الجاويشية هي وضرتها ام مرزوق بك حتى صالحا بجملة
من المال والمصاغ خلاف ما أخذ من المستودعات عند الناس وطولبت زليخا زوجة ابراهيم
بك بالتاج الجوهر وغيره وطلبت زوجة مراد بك فاختفت وطلب من السيد البكرى ودائع
مراد بك فسلمها
وفي يوم الخميس عمل الباشا ديوانا وخلع على علي آغا
كتخدا الجاويشية وقلده صنجيقا ودفتردار وشيخ البلد ومشير الدولة فصار
صاحب الحل والعقد واليه المرجع في جميع الامور الكلية
والجزئية وقلد محمد أغا الترجمان وجعله كتخدا الجاويشية عوضا عن المذكور وخلع على
سليمان بك الشابورى وقلده صنجقا كما كان أيضا في الدهور السالفة وخلع على محمد
كتخدا ابن اباظة المحتسب وجعله ترجمانا عوضا عن محمد أغا الترجمان وخلع على أحمد أنما
بن ميلاد وجعله محتسبا عوضا عن بن اباظه
وفي يوم الجمعة ركب المشايخ الى حسن باشا وتشفعوا عنده
في زوجة ابراهيم بك وذلك باشارة علي بك الدفتردار فأجابهم بقوله تدفع ما على زوجها
للسلطان وتخلص أزواجهن لهم مدة سنين ينهبون البلاد ويأكلون أموال السلطان والرعية
وقد خرجوا من مصر على خيولهم وتركوا الاموال عند النساء فان دفعن ما على ازواجهن
تركت سبيلهن والا اذقناهن العذاب
وانفض المجلس وقاموا وذهبوا
وفيه ورد الخبر عن الامراء انهم ذهبوا الى اسيوط واقاموا
بها
وفي يوم السبت حصل التشديد والتفتيش والفحص عن الودائع
ونودى في الاسواق بان كل من عنده وديعة او شيء من متاع الامراء الخارجين ولا يظهر
ولا يقر عليه في مدة ثلاثة ايام قتل من غير معاودة ان ظهر بعد ذلك
وفيه طلب حسن باشا من التجار المسلمين والافرنج والاقباط
دراهم سلفة لتشهيل لوازم الحج وكتب لهم وثائق وأجلهم ثلاثين يوما ففردوها على
افرادهم بحسب حال كل تاجر وجمعوها
وفيه حصلت كائنة على بن عياد المغربي ببولاق وقتله
اسمعيل كتخدا حسن باشا
وفيه نادوا على النساء بالمنع من النزول في مراكب الخليج
والازبكية وبركة الرطلي
وفيه كتبوا مكاتبات من حسن باشا ومحمد باشا الوالي
والمشايخ والوجاقات خطابا لاسمعيل بك وحسن بك الجداوى باستعجالهم للحضور الى مصر
وفي يوم الاحد خامس عشرينه نودى على النساء ان لا يخرجن
الى الاسواق ومن خرجت بعد اليوم شنقت فلم ينتهين
وفيه أحضر حسن باشا المطربازية واليسرجية واخرج جوارى
ابراهيم بك وباقي الامراء بيضا وسودا وحبوشا ونودى عليهن بالبيع والمزاد في حوش
البيت فبيعوا بأبخس الاثمان على العثمانية وعسكرهم وفي ذلك عبرة لمن يعتبر
وفي يوم الاثنين أحضروا أيضا عدة جوار من بيوت الامراء
ومن مستودعات كن مودعات وأخذوا جوارى عثمان بك الشرقاوى من بيته ومحظيته التي في
بيته الذى عند جيضان المصلى فأخرجوها بيد القلبونجية وكذلك جوارى ايوب بك الصغير
وما في بيوت سليمان اغا الحنفي من جوار وامتعة وكذلك بيوت غيره من الامراء واحاطوا
بعدة بيوت بدرب الميضاة بالصليبة وطيلون ودرب الحمام وحارا المغاربة وغيرهم في عدة
اخطاط فيها ودائع وأغلال فأخذوا بعضها وختموا على باقيها وأحضروا الجوارى بين يدى
حسن باشا فأمر ببيعهن وكذلك امر ببيع اولاد ابراهيم بك مرزوق وعديله والتشديد على
زوجاته ثم ان شيخ السادات ركب الى الشيخ أحمد الدردير وأرسلوا الى الشيخ أحمد
العروسي والشيخ محمد الحريرى فحضروا وتشاوروا في هذا الامر ثم ركبوا وطلعوا الى
القلعة وكلموا محمد باشا وطلبوا منه أن يتكلم مع قبطان باشا فقال لهم ليس لي قدرة
على منعه ولكن اذهبوا اليه واشفعوا عنده
فالتمسوا منه المساعدة فأجابهم وقال اسبقوني وأنا أكون
في اثركم فلما دخلوا على القبطان وحضر أيضا محمد باشا وخاطبوه في شأن ذلك وكان
المخاطب له شيخ السادات فقال له انا سررنا بقدومك
الى مصر لما ظنناه فيك من الانصاف والعدل وان مولانا
السلطان أرسلك الى مصر لاقامة الشريعة ومنع الظلم وهذا الفعل لا يجوز ولا يحل بيع
الاحرار وأمهات الاولاد ونحو ذلك من الكلام فاغتاظ وأحضر افندى ديوانه وقال اكتب أسماء
هؤلاء لارسل الى السلطان واخبره بمعارضتهم لاوامره ثم التفت اليهم وقال أنا أسافر
من عندكم والسلطان يرسل لكم خلافي فتنظروا فعله أما كفاكم أني في كل يوم أقتل من
عساكرى طائفة على أيسر شيء مراعاة وشفقة ولو كان غيري لنظرتم فعل العسكر في البيوت
والاسواق والناس
فقالوا له انما نحن شافعون والواجب علينا قول الحق
وقاموا من عنده وخرجوا وتغير خاطره من ذلك الوقت على شيخ
السادات
وفيه قبض اسمعيل كتخدا حسن باشا على الحاج سليمان بن
ساسي التاجر وجماعة من طيلون وألزمه بخمسمائة كيس فولول واعتذر بعجزه عن ذلك فلم
يقبل ولطمه على وجهه وشدد عليه فراجعوه وتشفعوا فيه الى أن قررها مائة كيس فحلف
انه لا يملك الا ثلثمائة فرق بن وليس له غيرها فأرسل وختم عليها في حواصلها واستمر
في الاعتقال حتى غلق المائة كيس على نفسه منها خمسون ومثلها على الطولونية وسبب
ذلك حادثة ابن عياد لانهم أولاد بلاده
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه كان خروج المحمل صحبة أمير
الحاج محمد بك المبدول بالموكب على العادة ما عدا طائفة الينكجرية والعزب خوفا من
اختلاط العثمانية بهم وحضر حسن باشا القبطان الى مدرسة الغورية لاجل الفرجة والمشاهدة
ولم يزل جالسا حتى مر الموكب والمحمل
ولما مرت عليه طوائف الاشاير فكانت تقف الطائفة منهم تحت
الشباك ويقرأون الفاتحة فيرسل لهم ألف نصف فضة في قرطاس ولما انقضى امر ذلك ركب
بجماعة قليلة وازدحمت الناس للفرجة عليه وكان لابسا على
هيئة ملوك العجم وعلى رأسه تاج من ذهب مزرد مخروط الشكل
وعليه عصابة لطيفة من حرير مرصعة بالجوهر ولها ذوائب على آذانه وحواجبه وعليه
عباءة لطخ قصب أصفر
وفي يوم الاربعاء نودى على النصارى واليهود بان يغيروا
أسماءهم التي على أسماء الانبياء كأبراهيم وموسى وعيسى ويوسف واسحق وأن يحضروا
جميع ما عندهم من الجوارى والعبيد وان لم يفعلوا وقع التفتيش على ذلك في دورهم
واماكنهم فصالحوا على ذلك بمال فحصل العفو وأذنوا لهم في أن يبيعوا ما عندهم من
الجوارى والعبيد ويقبضوا اثمانهم لانفسهم ولا يستخدموا المسلمين فأخرجوا ما عندهم
وباعوا بعضه وأودعوه عند معارفهم من المسلمين
وفيه حضر مبشر بتقرير الباشا على السنة الجديدة
وفيه حضر القاضي الجديد الى بولاق
وفي يوم الخميس أرسل حسن باشا القبطان جملة من العسكر
البحرية وصحبتهم اسمعيل كتخدا الى عرب البحيرة لكونهم خامروا مع المصرلية ووقع
الخلف بينهم وبين قبيلتهم ثم حضروا مع أخصامهم بين يدى القبطان واصطلحوا ثم نكثوا وتحاربوا
مع بعضهم فحضر الفرقة الاولى واستنجدوا بحسن باشا فأرسل لهم اسمعيل كتخدا بطائفة
من العسكر في المراكب فهربوا ورجع اسمعيل كتخدا ومن معه على الفور
وفي يوم الجمعة غاية شوال وصلت العساكر البرية صحبة عابدى
باشا ودرويش باشا الى بركة الحج وكان أمير الحاج مقيما بالحجاج بالعادلية ولم
يذهبوا الى البركة على العادة بسبب قدوم هؤلاء
وفي يوم السبت غرة القعدة ارتحل الحجاج من العادلية وحضر
عابدى باشا ودرويش باشا الى العادلية وخرج حسن باشا الى ملاقاتهم ودخلت طوائف
عساكرهما الى المدينة وهم بهيئات مختلفة وأشكال منكرة وراكبون
خيولا واكاديش كأمثال دواب الطواحين وعلى ظهورها لبابيد
شبه البراذع متصلة بكفل الاكديش وبعضهم بطراطير سود طوال شبه الدلاة والبعض معمم
ببوشية ملونة مفشولة على طربوش واسع كبير مخيط عليه قطعة قماش لابسها في دماغه والطربوش
مقلوب على قفاء مثل حزمة البراطيش وهم لابسون زنوط وبشوت محزمين عليها وصورهم بشعة
وعقائدهم مختلفة وأشكالهم شتى وأجناسهم متفرقة ما بين اكراد ولاوند ودروز وشوام
ولكن لم يحصل منهم ايذاء لاحد واذا اشتروا شيئا أخذوه
بالمصلحة فياتوا بالخيام عند سبيل قيماز تلك الليلة
وفي يوم الاحد ركب عابدى باشا ودرويش باشا وذهبوا الى
البساتين من خارج البلد فمروا بالصحراء وباب الوزير وأجروا عليهم الرواتب من الخبز
واللحم والارز والسمن وغيره
وفيه نودى على النصارى بأحضار ما عندهم من الجوارى
والعبيد ساعة تاريخه ثم نزلت العساكر وهجمت على بيوت النصارى واستخرجوا ما فيها
فكان شيئا كثيرا وأحضروهم الى القبطان فأخرجوهم الى المزاد وباعوهم واشترى غالبهم
العسكر وصاروا يبيعونهم على الناس بالمرابحة فاذا أراد انسان ان يشترى جارية ذهب
الى بيت الباشا وطلب مطلوبة فيعرض عليه الجوارى من مكان عند باب الحريم فاذا
أعجبته جارية أو أكثر حضر صاحبها الذى اشتراها فيخبره برأس ماله ويقول له وأنا آخذ
مكسي كذا فلا يزيد ولا ينقص فان أعجبه الثمن دفعه والا تركها وذهب
ثم وقع التشديد على ذلك واحضروا الدلالين والنخاسين
القدم والجدد واستدلوا منهم على المبيوعات
وفيه القبطان المهندسين ليستخبر منهم عن الخبايا
والدفائن التي صنعوها في البيوت وغيرها
وفيه يوم الاثنين أمر القبطان الامراء والصناجق
والوجاقلية ان يذهبوا للسلام على عابدى باشا ودرويش باشا فذهب الصناجق أولا بسائر
أتباعهم وطوائفهم وتلاهم الوجاقلية فسلموا ورجعوا من
البساتين وكلاهما في جمع كثير
وفي يوم الثلاثاء رابعه حضر عابدى عند القبطان وسلم عليه
ثم طلع الى القلعة وسلم على محمد باشا المتولي ثم نزل وخرج الى مخيمه بالبساتين
وفيه قرر على بيوت النصارى الذين خرجوا بصحبة الامراء
المصرية مبلغ دراهم مجموع متفرقها خمسة وسبعون الف ريال
وفيه أمر أيضا باحصاء بيوت جميع النصارى ودورهم وما هو
في ملكهم وان يكتب جميع ذلك في قوائم ويقرر عليها أجرة مثلها في العام وان يكشف في
السجل على ما هو جار في املاكهم
ثم قرر عليهم أيضا خمسمائة كيس فوزعوها على أفرادهم فحصل
لفقرائهم الضرر الزائد وقيل انهم حسبوا لهم الجوارى المأخوذة منهم من اصل ذلك على
كل رأس أربعون ريالا
وقرر أيضا على كل شخص دينارا جزية العال كالدون وذلك
خارج عن الجزية الديوانية المقررة
وفي يوم الخميس عمل محمد باشا ديوانا وخلع على مصطفى اغا
تابع حسن أغا تابع عثمان أغا وكيل دار السعادة سابقا وقلده وكيل دار السعادة
كأستاذ أستاذه وكانت شاغرة من أيام علي بك
وفيه أيضا سمحوا في جمرك البهار والسلخانة لباب
الينكجرية كما كان قديما وكان ذلك مرفوعا عنهم من أيام ظهور علي بك
وفيه انتقل عابدى باشا ودرويش باشا من ناحية البساتين
الى قصر العيني بشاطىء النيل وجلسوا هناك
وفيه دفع قبطان بعض دراهم السلفة التي كان اقترضها من
التجار فدفع ما للافرنج وجانبا لتجار المغاربة ووعدهم بغلاق الباقي
وفيه قبض القبطان على راهب من رهبان النصارى واستخلص منه
صندوقا من ودائع النصارى
وفيه أيضا قبض على شخص من الاجناد من بيته بخشقدم
واخرجوا من داره زلعتين مسدودتين كل واحدة منهما يرفعها ثمانية من الرجال العتالين
بالآلة لا يعلم ما فيها
وفي يوم الجمعة عمل شيخ السادات عزومة لحسن باشا عند
تربة أجداده بالقرافة
وفيه حضر قاصد من طرف اسمعيل بك وعلى يده مكاتبات من
المذكور يخبر فيها بانه وصل الى دجرجا وقصده الاقامة هناك لاجل المحافظة في تلك
الجهة حتى تسافر العسكر فاذا التقوا مع الامراء وكسروهم وهزموهم يكون هو ومن معه
في أقفيتهم وقت الحرب ومانعا عند الهزيمة
وفي يوم السبت قبض القبطان على المعلم واصف وحبسه وضربه
وطالبه بالاموال وواصف هذا أحد الكتاب المباشرين المشهورين ويعرف الايراد
والمصاريف وعنده نسخ من دفاتر الروزنامة ويحفظ الكليات والجزئيات ولا يخفى عن ذهنه
شيء من ذلك ويعرف التركي
وفي يوم الاحد تاسعه قبض على بعض نساء المعلم ابراهيم
الجوهرى من بيت حسن أغا كتخدا علي بك امين احتساب سابقا فأقرت على خبايا اخرجوا
منها أمتعة وأواني ذهب وفضة وسروجا وغير ذلك
وفي يوم الاثنين حصلت جمعية بالمحكمة بسبب جمرك البهار
وذلك ان ابراهيم بك شيخ البلد اخذ من التجار في العام الماضي مبلغا كبيرا من حساب
الباشا وذلك قبل حضوره من ثغر سكندرية فلما حضر دفعوا له البواقي وحاسبهم وطالبهم
بذلك المبلغ فماطلوا ووعدوه الى حضور المراكب فلما حضرت المراكب في أوائل شهر
رمضان من هذه السنة أحضرهم وطالبهم فلم يزالوا يستوفونه ويعتذرون له وذلك خوفا من
ابراهيم بك ويعيدون القول على ابراهيم بك فيقول لهم لا تفضحوني
ويلاطفهم ويداهنهم كما هي عادته والباشا يطالبهم فلما
ضاق خناقهم أخبروه ان ابراهيم بك يطلب ذلك ويقول أنا محتاج لذلك في هذا الوقت
ووالدى الباشا يمهل وانا أحاسبه به بعد ذلك ولم يخبروه أنه أخذه فلم يرض ولم يقبل
وصار يرسل الى ابراهيم بك يشكو له من التجار ومطلهم فيرسل إبراهيم بك مع رسوله
معينين من سراجينه يقولون للتجار ادفعوا مطلوبات الباشا فاذا حضر اليه التجار تملق
لهم ويقول اشتروا لحيتي واشتروني فلم يزل التجار في حيرة بينهما وقصد ابراهيم بك
ان التجار يدفعون ذلك القدر ثانيا الى الباشا وهم يثاقلونه خوفا من ان يقهرهم في
الدفع
ثم حصلت الحركات المذكورة وحضور القبطان وخروج ابراهيم
بك واخوانه فبقي الامر على السكوت
فلما راق الحال واطمأن الباشا أرسل يطالب التجار بالمبلغ
وهو أربعة وأربعون الف ريال فرانسة فعند ذلك أفصحوا له عن حقيقة الامر وانهم دفعوا
ذلك لابراهيم بك قبل حضوره الى مصر فاشتد غيظه وقال ومن أمركم بذلك ولا يلزموني
ولا بد من أخذ عوائدى على الكامل
ثم انهم ذهبوا الى حسن باشا واستجاروا به فأمرهم أن
يترافعوا الى الشرع فأجتمعوا يوم الاحد في المحكمة واقام الباشا من جهته وكيلا
وأرسله صحبة أنفار من الوجاقلية واجتمعت التجار حتى ملأوا المحكمة وطلبوا حضور
العلماء فلم يحضروا وانفض المجلس بغير تمام ثم حضر التجار في ثاني يوم وحضر
العلماء ولم يحضر وكيل الباشا ثم ابرز التجار رجعة بختم ابراهيم بك وتسلمه المبلغ
مؤرخة في ثاني عشر شعبان ايام قائمقاميته ووكالته عن الباشا وابرزوا فتاوى أيضا
وسئل العلماء فأجابوهم بقولهم حيث ان الباشا أرسل فرمانا لابراهيم بك أن يكون
قائما مقامه ووكيلا عنه الى حين حضوره فيكون فعل الوكيل كالاصيل وتخلص ذمة التجار
وليس للباشا مطالبتهم ومطالبته على ابراهيم بك على ان ذلك ليس حقا شرعيا
وكتب القاضي
اعلاما بذلك وأرسله الى الباشا وانفض المجلس على دماغ
الباشا
وفي يوم الخميس تعين للسفر عدة من العساكر البحرية في
المراكب ولحقت بالمراكب السابقة
وفي يوم الجمعة حضر أحمد باشا والي جدة الذى كان مقيما
بثغر الاسكندرية الى ثغر بولاق فذهب لملاقاته على بك الدفتردار وكتخدا الجاويشية
وأرباب الخدم فركب صحبتهم وتوجه الى ناحية العادلية وجلس هناك بالقصر
وفي يوم السبت حضر حسن باشا وعابدى باشا ودرويش باشا الى
بيت الشيخ البكرى بالازبكية باستدعاء وجلسوا هناك الى العصر وقدم لهم تقادم وهدايا
وحضروا اليه في مراكب من الخليج
وفي يوم الاحد احضروا عند حسن باشا رجلا من الاجناد يسمى
رشوان كاشف من مماليك محمد بك أبي الذهب فأمر برمي عنقه ففعلوا به ذلك وعلقوا رأسه
قبالة باب البيت
قيل ان سبب ذلك انه كان بجرجا أيام الحركة فلما خرج
رفقاؤه حضر الى مصر وطلب الامان فأمنوه ولم يزل بمصر الى هذا الوقت فحدثته نفسه
بالهروب الى قبلي فركب جواده وخرج فقبض عليه المحافظون وأحضروه الى حسن باشا فأمر
برمي عنقه وقيل ان السبب غير ذلك
وفيه وصلت مراسلة من كبير العساكر البحرية واخبروا انهم
وقع بينهم وبين الامراء القبالي لطمة ورموا على بعضهم مدافع وقنابر من المراكب
فانتقل المصريون من مكانهم وترافعوا جهة الجبانة وصار البلد حائلا بين الفريقين وساحل
أسيوط طرد لا يحمل المراكب ومن الناحية الاخرى جزيرة تعوقهم عن التقرب اليهم
وصوروا صورة ذلك وهيئته في كاغد لاجل المشاهدة وارسلوها
مع الرسول
وفيه عمل الديوان بالقلعة وتقلد قاسم بك أبو سيف ولاية
جرجا وسارى
عسكر التجريدة المعينة صحبة عابدى باشا ودرويش باشا
ومعهم من الصناجق ايضا علي بك جركس الاسمعيلي وغيطاس بك الصالحي ومحمد بك كشكش ومن
الوجاقلية خمسمائة نفر وأخذوا في التجهيز والسفر
وفي يوم الاثنين سابع عشر حضر الى ساحل بولاق آغا من
الديار الرومية وهو أمير اخور وعلى يده مثالات وخلع وهو جواب عن الرسالة بالاخبار
الحاصلة وخروج الامراء فركب أغات مستحفظان ومن له عادة بالركوب لملاقاته وطلع حسن
باشا وعابدى باشا وأحمد باشا الجداوى ودرويش باشا والامراء والصناجق والوجاقات
والقاضي والمشايخ واجتمعوا بالقلعة وحضر الاغا من بولاق بالموكب والنوبة خلفه
وبقية الاغوات وهم يحملون بقجا على أيديهم والمكاتبات في اكياس حرير على صدورهم
ولما دخلوا باب الديوان قام الباشوات والامراء على أقدامهم وتلقوهم ثم بدأوا بقراءة
المرسوم المخاطب به حسن باشا فقرأوه ومضمونه التبجيل والتعظيم لحسن باشا وحسن
الثناء عليه بما فعله من حسن السياسة والوصية على الرعية وصرف العلائف والغلال
وفيه ذكر اسمعيل بك وحسن بك والتحريض والتأكيد على القتل
والانتقام من العصاة ولما فرغوا من قراءة ذلك أخرجوا الخلعة المخصوصة به فلبسها
وهي فروة سمور وقفطان أصفر مقصب مفرق الاكمام فلبسه من فوق وسيف مجوهر تقلد به ثم
قرأوا المرسوم الثاني وهو خطاب لمحمد باشا يكن المتولي ومعه الخطاب للقاضي
والعلماء والامراء والوجاقلية والثناء على الجميع والنسق المتقدم في المرسوم
السابق
ثم لبس الخلعة المخصوصة به وهي فروة وقفطان ثم قرأوا
المرسوم الثالث وهو خطاب لاحمد باشا والي جده بمثل ذلك ولبس خلعته أيضا وهي فروة
وقفطان
ثم قرىء المرسوم الرابع وفيه الخطاب لعابدى باشا ومضمونه
ما تقدم ولبس أيضا خلعته وفروته
ثم قرىء المرسوم الخامس ومضمونه الخطاب
لدرويش باشا وذكر ما تقدم ولبس خلعته وهي فروة على بنش
لانه بطوخين ثم مرسوم بالخطاب لعلي بك الدفتردار ومضمونه الثناء عليه من عدم
التأخر عن الاجابة والنسق
ثم فرمان ثان وهو خطاب لامير الحاج والوصية بتعلقات الحج
فما فرغوا من ذلك الا بعد الظهر ثم ضربوا مدافع كثيرة
ودخلوا الى داخل وجلسوا مع بعضهم ساعة ثم ركبوا ونزلوا الى أماكنهم
وكان ديوانا عظيما وجمعية كبيرة لم تعهد قبل ذلك ولم
يتفق انه اجتمع في ديوان خمسة باشوات في آن واحد
وفي يوم الاربعاء تاسع عشره عمل الباشا ديوانا وخلع على
باكير آغا مستحفظان وقلده صنجقا وخلع على عثمان أغا الوالي وقلده اغات مستحفظان
عوضا عن باكير أغا
وفي يوم الخميس خلع الباشا على اسمعيل كاشف من اتباع كشكش
وقلده واليا عوضا عن عثمان أغا المذكور وأقر احمد افندى الصفائي في وظيفته
روزنامجي افندى على عادته وكانوا عزموا على عزله وأرادوا نصب غيره فلم يتهيأ ذلك
وفيه وصل ابراهيم كاشف من طرف اسمعيل بك وحسن بك واخبر بقدومهما
وأنهما وصلا الى شرق أولاد يحيى وأرسلا يستأذنان في المقام هناك بالجمعية حتى تصل
العساكر المعينة فيكونوا معهم فلم يجبه حسن باشا الى ذلك وحثه على الحضور فيقابله
ثم يتوجه من مصر ثانيا
ثم أجيب الى المقام حتى تأتيهم العساكر وأخبر أيضا ان
الامراء القبليين لم يزالوا مقيمين بساحل أسيوط على رأس المجرور وبنوا هناك متاريس
ونصبوا مدافع وأن المراكب راسية تجاههم ولا تستطيع السير في ذلك المجرور الا
باللبان لقوة التيار ومواجهة الريح للمراكب
وفيه استعفى علي بك جركس الاسماعيلي من السفر فأعفي وعين
عوضه حسن بك رضوان وانفق حسن باشا على العسكر فاعطى لكل أمير خمسة
عشر ألف ريال وللوجاقلية سبعة عشر الف ريال وأنفق عابدى
باشا في عسكره النفقة ايضا فاعطى لكل عسكرى خمسة عشر قرشا فغضبت طائفة الدلاة
واجتمعوا بأسرهم وخرجوا الى العادلية يريدون الرجوع الى بلادهم وحصل في وقت خروجهم
زعجة في الناس واغلقت الحوانيت ولم يعرفوا ما الخبر
ولما بلغ حسن باشا خبرهم ركب بعسكره وخرج يريد قتلهم
وخرج معه المصريون وركب عابدى باشا ايضا ولحق به عند قصر قايماز وكان هناك احمد
باشا الجداوى فنزل اليه ايضا واجتمعوا اليه واستعطفوا خاطره وسكنوا غضبه وارسلوا
الى جماعة الدلاة فأسترضوهم وزادوا لهم في نفقتهم وجعلوا لكل نفر اربعين قرشا
وردوهم الى الطاعة
ورجع حسن باشا وعابدى باشا الى اماكنهم قبيل الغروب
وفي صبح ذلك اليوم سافر اسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر
في البحر الى جهة قبلي
وفيه اعني يوم الخميس اخرجوا جملة غلال من حواصل بيوت
الامراء الخارجين فأخرجوا من بيت ايوب بك الكبير وبيت احمد اغا الجملية وسليمان بك
الاغا وغيرهم
وفيه ايضا اخذت عدة ودائع من عدة اماكن وتشاجر رجل جندى
مع خادمه وضربه وطرده ولم يدفع له اجرته فذهب ذلك الخادم الى حسن باشا ورفع اليه
قصته وذكر له ان عنده صندوقا مملوءا من الذهب من ودائع الغائبين فأرسل صحبته طائفة
من العسكر فدلهم على مكانه فأخرجوه وحملوه الى حسن باشا وامثال ذلك
وفي يوم الجمعة فتحوا بيت المعلم ابراهيم الجوهرى وباعوا
ما فيه وكان شيئا كثيرا من فرش ومصاغ واوان وغير ذلك
وفي يوم السبت برز عابدى باشا ودرويش باشا واخرجوا
خيامهما الى البساتين قاصدين السفر
وفيه ركب علي بك الدفتردار وذهب الى بولاق وفتح الحواصل
واخرج منها الغلال لاجل البقسماط والعليق
وفي يوم الاحد نودى على الغز والاجناد والاتباع البطالين
ان يخدموا عند الامراء
وفي يوم الاثنين سافر عابدى باشا ودرويش باشا واخرجوا
خيامهما الى البساتين واخرج الامراء الصناجق خيامهم ونصبوا مكان المرتحلين
وفيه حضر باشا من ناحية الشام وهو امير كبير من امراء
شين اغلي وصحبته نحو الف عسكري فنزل بهم بالعادلية يومه ذلك
وفي يوم الثلاثاء دخلت عساكر المذكور الى القاهرة
وأميرهم توجه الى ناحية البساتين من نواحي باب الوزير
وفي يوم الخميس سافر أمير شين اغلي بعساكره الى جهة قبلي
وفي يوم السبت ثامن عشرين القعدة نودى بفرمان بمنع زفاف
الاطفال للختان في يوم الجمعة بالطبول وسبب ذلك ان حسن باشا صلى بجامع المؤيد الذى
بباب زويلة فعند ما شرع الخطيب في الخطبة واذا بضجة عظيمة وطبول مزعجة فقال الباشا
ما هذا فأخبروه بذلك فأمر بمنع ذلك في مثل هذا الوقت
وفي غرة الحجة اشيعت أخبار وروايات ووقائع بين الفريقين
وان جماعة من القبالي حضروا بأمان عند اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر الحجة حضر الى مصر فيض الله
افندى رئيس الكتاب فتوجه الى حسن باشا فتلقاه بالاجلال والتعظيم وقابله من أول
المجلس ثم طلع الى القلعة وقابل محمد باشا أيضا ثم نزل الى دار أعدت له ثم انتقل
الى دار بالقلعة عند قصر يوسف
وفي يوم الخميس حضر اغا وعلى يده تقرير لمحمد باشا على
السنة الجديدة فركب من بولاق الى العادلية وخرج اليه ارباب الخدم والدفتردار
واغات مستحفظات وأغات العزب والوجاقلية ودخل بموكب عظيم
من باب النصر وشق القاهرة وطلع الى القلعة
وفي يوم السبت نودى بان من كانت له دعوة وانقضت حكومتها
في الايام السابقة لاتعاد ولا تسمع ثانيا وسبب ذلك تسلط الناس على بعضهم في
التداعي
وفيه ردت السلفة التي كانت أخذت من تجار المغاربة وهي
آخر السلف المدفوعة
وفي يوم الاربعاء عاشر الحجة كان عيد النحر وفيه وردت
أخبار من الجهة القبلية بوقوع مقتلة عظيمة بين الفريقين وقتل من المصرلية عمر كاشف
الشرقية وحسن كاشف وسليمان كاشف ثم انحازت العسكر الى المراكب ورجع الامراء الى وطاقهم
فأغنم حسن باشا لتمادى أمرهم وكان يرجو انقضاءه قبل دخول الشتاء ويأخذ رؤسهم ويرجع
بهم الى سلطانه قبل هبوط النيل لسير المراكب الرومية حتى انه منع من فتح الترع
التي من عادتها الفتح بعد الصليب كبحر أبي المنجاومويس والفريقين خوفا من نقض
الماء فتتعوق المراكب الكبار
وفيه حضر واحد ططرى وعلى يده مرسوم فطلب حسن باشا محمد
باشا المتولي فنزل اليه وجمع الديوان عنده فقرأ عليهم ذلك المرسوم وحاصله الحث
والتشديد والاجتهاد في قتل العصاة والفحص عن أموالهم وموجوداتهم والانتقام ممن
تكون عنده وديعة ولا يظهرها وعدم التفريط في ذلك وطلب حلوان عن البلاد فائظ ثلاث
سنوات
وفي اواخر الحجة ارسل عابدى باشا مكاتبة حضرت له من
الامراء القبالي وهي جواب عن رسالتهم وهي باللغة التركية وحاصل ما فهمته من ذلك
انكم تخاطبونا بالكفرة والمشركين والظلمة والعصاة واننا بحمد الله تعالى موحدون
واسلامنا صحيح وحججنا ببيت الله الحرام وتكفير
المؤمن كفر ولسنا عصاة ولا مخالفين وما خرجنا من مصر
عجزا ولا جبنا عن الحرب الا طاعة للسلطان ولنائبه فانه أمرنا بالخروج حتى تسكن
الفتن وحقنا للدماء ووعدنا انه يسعى لنا في الصلح فخرجنا لاجل ذلك ولم نرض باشهار
السلاح في وجوهكم وتركنا بيوتنا وحريمنا في عرض السلطان ففعلتم بهم ما فعلتم
ونهبتم اموالنا وبيوتنا وهتكتم اعراضنا وبعتم اولادنا واحرارنا وامهات اولادنا
وهذا الفعل ما سمعنا ببه ولا في بلاد الكفر وما كفاكم ذلك حتى ارسلتم خلفنا
العساكر يخرجونا عن بلاد الله وتهددونا بكثرتكم وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
بأذن الله وان عساكر مصر أمرها في الحرب والشجاعة مشهور في سائر الاقاليم والايام
بيننا
وكان الاولى لكم الاجتهاد والهمة في خلاص البلاد التي
غصبها منكم الكفار واستولوا عليها مثل بلاد القرم والودن واسمعيل بك وغير ذلك
وامثال هذا القول وتخشين الكلام تارة وتليينه اخرى وفي
ضمن ذلك آيات واحاديث وضرب امثال وغير ذلك
فأجابهم عابدى باشا ونقض عليهم ونسب كاتبهم الى الجهل
بصناعة الانشاء وغير ذلك مما يطول شرحه وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث
الغريبة
من مات في هذه السنة توفي الشيخ العلامة المحقق والفهامة
المدقق شيخنا الشيخ محمد ابن موسى الجناجي المعروف الشافعي وهو مالكي المذهب احد
العلماء المعدودين والجهابذة المشهورين تلقى عن مشايخ عصره ولازم الشيخ الصعيدى ملازمة
كلية وصار مقرئه ومعيدا لدروسه وأخذ عن الشيخ خليل المغربي والسيد البليدى وحضر
على الشيخ يوسف الحفني والملوى وتمهر في المعقول والمنقول ودرس الكتب المشهورة
الدقيقة مثل المغني لابن هشام والاشموني والفاكهي والسعد وغير ذلك واخذ علم الصرف
عن بعض علماء الاروام وعلم الحساب والجبر والمقابلة وشباك بن الهائم
عن الشيخ حسين المحلاوى واشتهر فضله في ذلك والف فيها
رسائل وله في تحويل النقود بعضها الى بعض رسالة نفيسة تدل على براعته وغوصه في علم
الحساب وكان له دقائق وجودة استحضار في استخراج المجهولات واعمال الكسورات والقسمة
والجذورات وغير ذلك من قسمة المواريث والمناسخات والاعداد الصم والحل والموازين ما
انفرد به عن نظائره
وكتب على نسخة الخرشي التي في حوزه حواشي وهوامش مما
تلقاه ولخصه من التقارير التي سمعها من افواه اشياخه ما لو جرد لكان حاشية ضخمة في
غاية الدقة وكذلك باقي كتبه وله عدة رسائل في فنون شتى وكتب حاشية على شرح العقائد
ومات قبل اتمامها كتب منها نيفا وثمانين كراسا
وتلقى عنه كثير من اعيان علماء العصر ولازموا المطالعة
عليه مثل العلامة الشيخ محمد الامير والعلامة الشيخ محمد عرفة الدسوقي والمرحوم
الشيخ محمد البناني واجتمع بالمرحوم الوالد سنة ست وسبعين واستمر مواظبا لنا في كل
يوم وواظب الفقير في اقرائي القرآن وحفظه فأحفظني من شورى الى مريم وينسخ للوالد
ما يريد من الكتب الصغيرة الحجم
ولم يزل على حاله معنا في الحب والمودة وحسن العشرة الى
آخر يوم من عمره وحضرت عليه في مبادى الحضور الملوى على السلم وشرح السمرقندية في الاستعارات
والفاكهي على القطر في دروس حافلة بالازهر والسخاوية والنزهة في الحساب خاصة
بالمنزل وكان مهذب الاخلاق جدا متواضعا لا يعرف الكبر ولا التصنع اصلا ويلبس اى
شيء كان من الثياب الناعمة والخشنة ويذهب بحماره الى جهة بولاق ويشترى البرسيم
ويحمله عليه ويركب فوقه ويحمل طبق العجين الى الفرن على رأسه ويذهب في حوائج
اخوانه
ولما بنى محمد بك ابو الذهب مسجده تجاه الازهر تقرر في
وظيفة خزن الكتب نيابة عن محمد افندى حافظ مضافة الى وظيفة تدريس مع المشايخ
المقررين فلازم
التقييد بها وينوب عنه اخوه الشيخ حسن في غيابه وكان
اخوه هذا ينسخ اجزاء القرآن بخط حسن في غاية السرعة ويتحدث مع الناس وهو يكتب من
حفظه ولا يغلط
ولم يزل المترجم يملي ويفيد ويبدى ويعيد مقبلا على شأنه
ملحوظا بين أقرانه حتى وافاه الحمام في سابع عشرين جمادى الثانية من السنة مطعونا
وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين
ومات الامام الفاضل المحدث الفقيه البارع السيد محمد بن
أحمد ابن محمد أفضل صفي الدين أبو الفضل الحسيني الشهير بالبخارى ولد تقريبا سنة
1160 وقرأ على فضلاء عصره وتكمل في المعقول والمنقول وورد الى اليمن حاجا في سنة
ثلاث وسبعين فسمع بالنجائي السيد عبد الرحمن ابن أحمد باعيديد وذاكر معه في الفقه
والحديث ثم ورد زبيد فأدرك الشيخ المسند محمد بن علاء الدين المزجاجي فسمع منه
أشياء وكذلك من السيد سليمان بن يحيى وغيرهما ثم حج وزار واجتمع بالشيخ محمد ابن
عبد الكريم السمان فأحب طريقته ولازمه ملازمة كلية واجازه فيها وورد الينبع فجلس
فيه مدة وأحبه أهله
وورد مصر سنة 1182 واجتمع بعلمائها وذاكر بانصاف وتؤده
وكمال معرفة ولم يصف له الوقت فتوجه الى الصعيد فمكث في نواحي جرجا مدة وقرأ عليه
هناك بعض الافراد في أشياء ثم رجع الى مصر سنة سبع وثمانين وسافر منها الى بيت
المقدس فأكرم بها وزار الخليل وأحبه اهل بلده فزوجوه
ثم أتى الى مصر سنة ثمان وثمانين واجتمعت حواسه في
الجملة ثم ذهب الى نابلس واجتمع بالشيخ السفاريني فسمع عليه أشياء وأجازه وأحبه
وكان المترجم قد اتقن معتقد الحنابلة فكان يلقيه لهم بأحسن تقرير مع التأييد ودفع
ما يرد على أقوالهم من الاشكالات بحسن بيان والبلد أكثر أهله حنابلة فرفعوا شأنه
وعظم عندهم مقداره
ثم ورده مصر سنة تسعين واجتمع
بشيخنا السيد مرتضى لمعرفة سابقة بينهما وكان ذلك في
مبادى طنطنة شيخنا المذكور فنوه بشأنه وكان يأتي الى درسه بشيخون فيجلسه بجانبه
ويأمر الحاضرين بالاخذ عنه ويجله ويعظمه فراج أمره بذلك فأقام بمصر سنة في وكالة بالجمالية
واشتهر ذكره عند كثير من الاعيان بسبب مدح شيخنا المذكور فيه وحثهم على اكرامه
فهادوه بالملابس وغيرها ثم عزل على السفر الى نابلس فهرعوا اليه وزودوه بالدراهم
واللوازم وأداوت السفر وشيعوه بالاكرام وسافر الى نابلس ثم الى دمشق وأخذ عنه
علماؤها واحترموه واعترفوا بفضله
وكان انسانا مجموع الفضائل رأسا في فن الحديث يعرف فيه
معرفة جيدة لا نعلم من يدانيه في هذا العصر يعد شيخنا المذكور واسع الاطلاع على
متعلقاته مع ما عنده من جودة الحفظ والفهم السريع وادراك المعاني الغريبة وحسن
الايراد للمسائل الفقهية والحديثية
ثم عاد الى نابلس وسافر بأهله الى الخليل فأراد ان يسكن
بها فلم يصف له الوقت ولم ينتظم له حال لضيق معاش اهل البلد فعاد الى نابلس في
شعبان وبها توفي سحر ليلة الاحد سابع عشرين رمضان من السنة مطعونا بعد ان تعلل
يوما وليلة ودفن بالزاركية قرب الشيخ السفاريني وتأسف عليه الناس وحزنوا عليه جدا
وانقطع الفن من تلك البلاد بموته رحمه الله وعوض في شبابه الجنة ولم يخلف الا ابنة
صغيرة وله مؤلفات في فن الحديث
ومات العمدة المبجل الفقيه الوجيه والحبر اللوذعي النبيه
السيد نجم الدين بن صالح بن أحمد بن محمد بن صالح بن محمد بن عبد الله التمرتاشي الغزى
الحنفي قدم الى مصر في حدود الستين وحضر على مشايخ الوقت وتفقه وقرأ في المعقولات
والمنقولات وتضلع ببعض العلوم ثم شغف بأسباب الدنيا وتعاطى بعض التجارات وسافر الى
اسلامبول وتداخل في سلك القضاء ورجع الى مصر ومعه نيابة قضاء أبيار بالمنوفية
ومرسومات بنظارات أوقاف فأقام بأبيار قاضيا بضع وعشر
سنين وهو يشترى نيابتها كل دور وابتدع فيها الكشف على الاوقاف القديمة والمساجد
الخربة التي بالولاية وحساب الواضعين أيديهم على ارزاقها وأطيانها حتى جمع من ذلك
أموالا ثم رجع الى مصر واشترى دارا عظيمة بدرب قرمز بين القصرين واشترى المماليك والعبيد
والجوارى وترونق حاله واشتهر أمره وركب الخيول المسومة وصار في عدادا لوجها وكان
يحمل معه دائما متن تنوير الابصار يراجع فيه المسائل ويكتب على هامشه الوقائع
والنوادر الفقهية
ثم تولى نيابة القضاء بمصر في سنة ست وثمانين فأزدادت
وجاهته وانتشر صيته وابتكر في نيابته أمورا منها تحليف الشهود وغير ذلك ثم سافر الى
اسلامبول في سنة اثنتين وتسعين وعاد
ثم سافر في سنة تسع وتسعين واجتمع هناك بحسن باشا ووشى
اليه أمر مصر وسهل له امرها وامراءها حتى جسره على القدوم اليها وحضر صحبته الى
ثغر اسكندرية وكان بينه وبين نعمان افندى قاضي الثغر كراهة باطنية فوشى به عند حسن
باشا حتى عزله من وظيفة القضاء وقلدهم للمترجم وكاد ان يبطش بنعمان افندى فهرب منه
الى رشيد ولم يلبث المترجم أن أصابه الفالج ومات سابع عشرين رمضان عن نيف وتسعين
سنة
ونقم عليه بعد ذلك حسن باشا أمورا وعلم براءة نعمان
أفندى مما نسبه اليه وأحضر نعمان أفندى وأكرمه ورد له منصبه وأجله وأكرمه وصاحبه
مدة اقامته بمصر ورجع معه الى اسلامبول وجعله منجم باشا
وكانت له يد طولى في علم النجامة ثم نفاه بعد ذلك الى
اماصيه بسبب توسطه مع صالح أغا للامراء المصريين كما ذكر في موضعه
وخلف المترجم ابنه صالح جلبي الموجود الآن ومملوكه علي
أفندى الذى كان يتولى نيابات القضاء في المحلة ومنوف وغيرهما
ومات الشيخ الصالح احمد بن عيسى بن عبد الصمد بن احمد بن
فتيح
ابن حجازى القطب السيد علي تقي الدين دفين رأس الخليج بن
فتح ابن عبد العزيز بن عيسى بن نجم خفير بحر البرلس الحسيني الخليجي الاحمدى
البرهاني الشريف الشهير بأبي حامد ولد برأس الخليج وحفظ القرآن وبعض المتون ثم حبب
اليه السلوك في طريق الله تعالى فترك العلائق وانجمع عن الناس واختار السياحة مع
ملازمته لزيارة المشاهد والاولياء والحضور في موالدهم المعتادة
وكان الاغلب في سياحته سواحل بحر البرلس ما بين رشيد
ودمياط على قدم التجريد
ووقعت له في أثناء ذلك اشارات واجتمع فيها باكابر أهل
الله تعالى وكان يحكي عنهم أمورا غريبة من خوارق العادات وأقام مدة يطوى الصيام
ويلازم القيام واجتمع في سياحته ببلاد الشرق على صلحاء ذلك العصر ورافق السيد محمد
ابن مجاهد في غالب حالاته فكانا كالروح في جسد وله مكارم اخلاق ينفق في موالد كل
من القطبين السيد البدوى والسيد الدسوقي أموالا هائلة ويفرق في تلك الايام على
الواردين ما يحتاجون اليه من المآكل والمشارب وكان كلما ورد الى مصر يزور السادة
العلماء ويتلقى عنهم وهم يحبونه ويعتقدون فيه منهم الشيخ الدمياطي وشمس الدين
الحنفي وغيرهما وكان له شيخنا السيد مرتضى مزيد اختصاص وألف بأسمه رسالة المناشي
والصفين وشرح له خطبة الشيخ محمد البحيرى البرهاني على تفسير سورة يونس وبأسمه
أيضا كتب له تفسيرا مستقلا على سورة يونس على لسان القوم وصل فيه الى قوله تعالى
واجعلوا بيتكم قبلة وذلك في أيام سياحته معه وكمله بعد ذلك
وفي سنة 1199 ورد الى مصر لامر اقتضى فنزل في المشهد
الحسيني وفرش له على الدكة وجلس معه مدة وتمرض اشهرا بورم في رجليه حتى كان في اول
المحرم من هذه السنة زاد به الحال فعزم على الذهاب الى فوة
فلما نزل الى بولاق وركب السفينة وافاه الحمام وأجاب
مولاه بسلام وذلك في يوم عاشوراء
وذهب به اتباعه الى فوة بوصية منه وغسل هناك ودفن بزاوية
قرب بيته وعمل عليه مقام يزار
ومات الشيخ الفاضل النبيه اللوذعي الذكي المفوه الناظم
الشاعر اللبيب الشيخ محمد المعروف بشبانه كان من نوادر الوقت اشتغل بالمعقول وحضر
على أشياخ العصر فأنجب وعانى علم العروض ونظم الشعر وأجاد القوافي وداعب أهل عصره
من الشعراء وغيرهم واشتهر بينهم وأذعنوا لفضله الا ان سليقته في الهجو أجود من
المدح
ومات الاجل المركم احمد بن عياد المغربي الجربي كان من أعيان
اهل تونس وتولى بها الدواوين واثرى فوقع بينه وبين اسمعيل كتخدا حمودة باشة تونس
أمور أوجبت جلاءه عنها فنزل في مركب بأهله وأولاده وماله وحضر الى اسكندرية فلما
علم به القبطان اراد القبض عليه وأخذ أمواله فشفع فيه نعمان افندى قاضي الثغر وكان
له محبة مع القبطان فأفرج عنه فأهدى بن عياد لنعمان أفندى الف دينار في نظير
شفاعته كما اخبرني بذلك نعمان افندى المذكور
ثم حضر الى مصر وسكن بولاق بشاطيء النيل بجوار دارنا
التي كانت لنا هناك وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومعه ابنه صغيرا ونحو اثنتي عشرة سرية
من السرارى الحسان طوال الاجسام وهن لابسات ملابس الجزائر بهيئة بديعة تفتن الناسك
وكذلك عدة من الغلمان المماليك كأنما أفرغ الجميع في قالب الجمال وهم الجميع بذلك
الزى
وصحبته أيضا صناديق كثيرة وتحائف وامتعة فأقام بذلك
المكان منجمعا عن الناس لا يخرج من البيت قط ولا يخالط أحدا من أهل البلدة ولا
يعاشر الا بعض افراد من أبناء جنسه يأتونه في النادر فأقام نحو ثمان سنوات ومات
اكثر جواريه ومماليكه وعبيده وخرج بعده من تونس اسمعيل كتخدا ايضا فارا من حموده
باشا ابن علي باشا وحضر الى مصر وحج ورجع الى اسلامبول واتصل بحسن باشا
ولازمه فاستوزره وجعله كتخدا
فلما حضر حسن باشا الى مصر أرسل اليه بن عياد تقدمة
وهدية فقبلها وحضر أيضا في أثره اسمعيل كتخداه المذكور فأغراه به لما في نفسه منه
من سابق العداوة والظلم كمين في النفس القوة نظهره والضعف يخفيه فأرسل حسن باشا
يطلب ابن عياد للحضور اليه بامان فاعتذر وامتنع فسكت عنه اياما ثم ارسل يستقرض منه
مالا فأبى ان يدفع شيئا ورد الرسل أقبح رد فرجعوا وأخبروا اسمعيل كتخدا وكان بخان
الشرايبي بسبب المطلوب من التجار فحنق لذلك وتحرك كامن قلبه من العداوة السابقة
وركب في الحال وذهب الى بولاق ودخل الى بيته وناداه فأجابه بأحسن الجواب وأبى ان
ينزل اليه وامتنع في حريمه وقال له أما كفاك اني تركت لك تونس حتى أتيتني الى هنا
وضرب عليه بنادق الرصاص فقتل من أتباعه شخصين فهجم عليه
اسمعيل كتخدا وطلعوا اليه وتكاثروا عليه وقتلوه وقطع رأسه وأراد قتل ولده أيضا
فوقعت عليه أمه فتركوه وأخرجوا جثته خارج الزقاق فألقوها في طريق المارة واخرجوا
نساءه وخدمه واحتاطوا بالبيت وختموا عليه 2
سنةأحدى ومائتين وألف
في يوم الاثنين سابع المحرم حضر اسمعيل بك في تجريدة إلى
مصر فركب بمفرده وهو ملثم بمنديل وحضر عند حسن باشا وقابله وهو أول اجتماعه به
وجلس معه مقدار درجتين لا غير واستأذنه في القيام فخلع عليه فروة سمور وقام وذهب
إلى بيت مملوكه علي بك جركس وهو بيت ايوب بك الصغير الذي في الحبانية وكان السبب
في حضوره على هذه الصورة انه في يوم الخميس ثالث المحرم التقوا مع الأمراء
القبليين واتفقوا معهم عند المنشية فكان بينهم وقعة عظيمة وقتل من الفريقين جملة
كبيرة وأبلى فيها المصريون البحرية والقبلية مع بعضهم وتنحت عنهم العساكر
العمثانية ناحية وهجمت القبالي وألقوا بأنفسهم في نار الحرب وطلب كل غريم غريمه ثم
اندفعت العثمانية مع البحرية وظهر من شجاعة عابدي باشا ما تحدث به الفريقان في شجاعته
وأصيب اسمعيل بك برشة رصاص دخلت في فمه وطلعت من خده فولى منهزما والقى نفسه في
البحر وركب في قنجة وحضر إلى مصر على الفور ولم يدر ماذا جرى بعده فلما حضر على
هذه الصورة وأشيع وقوع الكسرة والهزيمة على التجريدة اضطربت الأقاويل واختلفت
الروايات وكثرت الأكاذيب وارتج العثمانيون
وأرسل حسن باشا الرسل لاحضار العساكر التي بالاسكندرية
وكذلك ارسل إلى بلاد الروم
وفي يوم السبت ثاني عشرة حضر حسن بك الجداوي وجماعة من
الرجاقات والعساكر فذهب حسن بك إلى حسن باشا وقابله وقد أصيب بسيف على يده فخلع
عليه فروة ثم ذهب إلى بيته القديم وهو بيت الداودية وكذلك حضر بقية الامراء
الصناجق وأصيب قاسم بك بضربة جرحت أنفه وكذلك حضر عابدي باشا وطلع إلى قصر العيني وأقام
به
وفيه حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل محمد باشا عن ولاية
مصر وولاية عابدي باشا مكانه وان محمد باشا يتوجه إلى ولاية ديار بكر عوضا عن عابدي
باشا فشرع عابدي باشا في نقل عزاله إلى بولاق فتحدث الناس ان ذلك من فعل حسن باشا
لان بينهما أمورا باطنية
وفي يوم الاثنين عمل حسن باشا ديوانا في بيته اجتمع فيه
جميع الامراء والصناجق والمشايخ وألبس إسمعيل بك خلعة وجعله شيخ البلد وكبيرها
وألبس حسن بك خلعة وقلده أمير الحاج فخرجوا من مجلسه وهم كاظمون لغيظهم هذا
واسمعيل بك متململ من جرحه والسيد عثمان الحمامي يعالجه وأخرج من عنقه ست عشرة
زردة من زرد الزرخ فان الرصاص لما أصابه منعه الزرخ من الغوص في الجسد فغاص نفس
الزرد فأخرجه السيد عثمان بالالة واحدة بعد واحدة بغاية المشقة والالم ثم عالجه
بالادهان والمراهم حتى برىء في ايام قليلة
وفيه حضر إلى اسمعيل بك رجل بدوي وأخبر ان الجماعة
القبليين زحفوا إلى يجري ووصلت أوائلهم إلىبني سويف وأخبر أنه مات منهم مصطفى بك
الداودية ومصطفى بك السلحدار وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا ونحو خمسة عشر اميرا
من الكشاف وان نفوسهم قويت على الحرب
وفي يوم الثلاثاء حضر اسمعيل أغا كمشيش وكان ممن تخلف في
الأسر
عند القلبين فأفرجوا عنه وأرسلوا معه مكاتبة يذكرون فيها
طلب الصلح وتوبتهم السابقة واستعدادهم للحرب إن لم يجابوا في ذلك
وفي يوم الأربعاء نزل محمد باشا من القلعة وذهب إلى
بولاق
وفي يوم الخميس نودي على النفر والالضاشات والاجناد
والمماليك بان يتبع كل شخص متبوعه وبابه ومن وجد بعد ثلاثة أيام بطالا ولم يكن معه
ورقة يستحق العقوبة وكذلك حضور الغائبين بالأرياف
وفيه أخذ أحمد القبطان المعروف بحمامجي أوغلي المراكب
الرومية التي بقيت في النيل وجملة نقاير وصعد بهم إلى ناحية دير الطين قريبا من
التبين وشرعوا في عمل متاريس وحفر خنادق هناك ونقلوا جملة مدافع ايضا وكان أشيع
طلوع عابدي باشا إلى القلعة في ذلك اليوم فلم يطلع وحضر عند حسن باشا وتكلم معه
كلاما كثيرا وقال كيف أطلع وأتسلطن في هذا الوقت والاعداء زاحفون على البلاد
وأولاد أخي قتلوا في حربهم ولا أطلع حتى آخذ بثأرهم أو أموت ثم قام من عنده ورجع
إلى قصر العيني
وفيه سافر عمر كاشف الشعراوي لملاقاة الحجاج الى القلزم
وحضرت مكاتيب الجبل على العادة القديمة وأخبروا بالامن والراحة
وفي يوم الجمعة خرج رضوان بك بلغيا وسليمان الشابوري
وعبد الرحمن بك عثمان وبرزوا خيامهم ناحية البساتين
وفيه عمل حسن باشا ديوانا وخلع على ثلاثة أشخاص من امراء
حسن بك الجداوي وقلدهم صناجق وهم شاهين وعلي وعثمان
وفيه حضر إلى مصر ذو الفقار الخشاب كاشف الفيوم المعروف
بأبي سعدة
وفي يوم السبت خرج غالب الأمراء إلى ناحية البساتين وورد
الخبر عن القبليين انهم لم يزالوا مقيمين في ناحية بني سويف
وفيه أنفق حسن باشا ثلث النفقة على العسكر فأعطى اسمعيل
بك عشرين ألف دينار وحسن بك خمسة عشر ألفا ولكل صنجق عشرة آلاف
ولكل طائفة وجاق أربعة الاف فاستقل الينكجرية حصتهم
وكتبوا لهم عرضحال يطلبون الزيادة في نفقتهم
وفيه طلب حسن باشا دراهم سلفة من التجار فوزعوها على
أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر وهرب أكثرهم وأغلقوا حوانيتهم وحواصلهم فصاروا
يسمرونها وكذلك البيوت وطلبوا ايضا الخيول والبغال والحمير وكبسوا البيوت والاماكن
لاستخراجها وعزت الخيول جدا وغلت أثمانها
وفي يوم الاثنين قبض حسن باشا على اسمعيل اغا كمشيش
المتقدم ذكره وأمره بقتله وأخرجوه من بين يديه وعلى رأسه دفية فشفع فيه الوجاقلية
فعفا عنه من القتل وسجنوه وسبب ذلك أنه أحضر صحبته عدة مكاتيب سرا خطابا لبعض
أنفار فظهروا على ذلك فوقع له ما وقع
وفيه عمل حسن باشا ديوانا عظيما جمع فيه الأمراء
والاعيان وقرأوا مكاتبات أرسلها القبليون يطلبون الصلح والامان ويذكرون العابدي
باشا ما نهب له في المعركة وأن يرسل قائمة بذلك ويردون له ما ضاع بتمامه فقال
عابدي باشا لحسن بك الجداوي ما تقول في هذا الكلام قال أقول لا نأخذه إلا بالسيف كما
أخذوه منا بالسيف وانفض الديوان ووقع الاتفاق على ان يكتبوا لهم جوابا عن رسالتهم
ملخصة إن كان قصدهم الصلح والامان وقبول التوبة فانهم يجابون إلى ذلك ويحضر
إبراهيم بك ومراد بك ويأخذ لهم حضرة القبطان أمانا شافيا من مولانا السلطان اينما
يريدون في غير الأقليم المصري يتعيشون فيها بعيالهم واولادهم وما شاؤوا من
مماليكهم واتباعهم واما بقية الامراء فإن شاؤوا حضروا إلى مصر وأقاموا بها وكانوا
من جملة عسكر السلطان وان شاؤوا عينوا لهم أماكن من الجهات القبلية يقيمون بها وان
أبوا ذلك فليستعدوا للحرب والقتال
وفي يوم الثلاثاء قبض حسن باشا على عمر كاشف الذي سكنه
بالشيخ الظلام وعلي محمد أغا البارودي وأمر بحبسهما عند اسمعيل بك وسبب
ذلك المكاتبات التي تقدم ذكرها مع اسمعيل آغا كمشيش
وفي يوم الأربعاء سافر محمد آفندي مكتوبجي حسن باشا بالمكاتبة
إلى القبليين
وفي يوم الخيس نزل الاغا والجاويشية ونادوا على جميع
الالضاشات بالذهاب إلى بولاق ليسافروا في المراكب صحبة الوجاقلية وكل من بات في
بيته إستحق العقوبة وطاف الاغا عليهم يخرجهم من أماكنهم ويقف على الخانات ويسأل
على من بها منهم ويأمرهم بالخروج فأغلق الناس حوانيتهم وبطل سوق خان الخليلي في ذلك
اليوم وخرج منهم جماعة ذهبوا إلى بولاق ومنهم من طلع إلى الابواب حسب الامر وحصل
لفقرائهم كرب شديد لكونهم لم يأخذوا نفقة بل رسموا لهم انهم يأكلون على سماط بلكهم
ويعلقون على دوابهم وطعامهم البقسماط والارز والعدس لا غير وذلك لعزة اللحم وعدم
وجوده فان اللحم الضاني بالمدينة بثلاثة عشر نصف فضة ان وجد والجاموسي بثمانية
انصاف وزاد سعر الغلة بعد الانحطاط وكذلك السمن والزيت
وفي يوم الاحد سابع عشرينه حضر محمد افندي المكتوبجي من عند
الجماعة وصحبته علي أغا مستحفظان بجواب الرسالة السابق ذكرها فأخبر أنهم ممتثلون
لجميع ما يؤمرون به ما عدا السفر إلى غير مصر فان فراق الوطن صعب ويذكر عنهم انه
لم يشق عليهم شيء أعظم من تمكن أخصامهم من البلاد أعني اسمعيل بك وحسن بك وذلك هو
السبب الحامل لهم على القدوم والمحاربة فإن لم يقبل منهم ذلك فالقصد ان يبرز
لحربهم أخصامهم دون العساكر العثمانية فتكون الغلبة لنا او علينا فان كانت علينا
وظفروا بنا استحقوا الامارة دوننا وان كانت لنا وظفرنا بهم فالامر لكم بعد ذلك ان
شئتم قبلتم توبتنا ورددتم لنا مناصبنا وشرطتم علينا شروطكم فقمنا بها قياما لا
نتحول عنه ابدا ما بقينا وأن شئتم وجهتمونا
إلى أي جهة امتثلنا ذلك فلما ذكرا ذلك لحسن باشا قال
لعلي أغا أنا ما جئت إلى مصر لا عمل لهم على قدر عقولهم وانما السلطان امرني بما
أمرت به فان كانوا مطيعين فليمتثلوا الأمر والا فسيلقون وبال عصيانهم وكتب لعلي
أغا جوابا بذلك وخلع عليه فروة سمور وسافر من وقته ورجع إلى أصحابه وصحبته شخص من
طرف الباشا ولما ذهب إليهم محمد افندي المكتوبجي انعموا عليه واكرموه واعطاه مراد
بك خاصة ألف ريال فجعل يثني عليهم ويمدح مكارم اخلاقهم
واستهل شهر صفر الخير اوله يوم الخميس فيه حضرت خزينة
حسن باشا من ثغر اسكندرية فدفع باقي النفقة للعسكر والامراء
وفيه وصل الخبر ان الامراء القبالي زحفوا إلى بحري ووصلت
اوائلهم إلى بر الجيزة وآخرهم بالرقق وفردوا الكلف على بلاد الجيزة
وفيه طلب إسماعيل بك دراهم سلفة من التجار فاعتذروا بقلة
الموجود بأيديهم وأغنياؤهم جلوا إلى الحجاز ولم يدفعوا له شيئا وادعى على تجار
البن بمبلغ دراهم باقي حساب من مدته السابقة فصالحوه عنها بأربعة آلاف دينار
وفي يوم الجمعة نودى على المحمدية المقيمين بمصر أنهم
يذهبون إلى اسمعيل بك ويقابلونه سواء كان جنديا أو اميرا أو مملوكا ومن تأخر استحق
العقوبة وقبض على أنفار منهم وسجنوا بالقلعة وختم على دورهم من جملتهم جعفر كاشف
الساكن عند بيت القاضي من ناحية بين القصرين
وفي تلك الليلة أعني ليلة الاحد وقعت حادثة لشخص من
الاجناد يقال له اسمعيل كاشف أبو الشراميط بيته في عطفة بخط الخيمية قتله مماليكه
وسبب ذلك على ما سمعنا تقصيره في حقهم وفي تصرفه عدة حصص جارية في التزامه فكتب
تقاسيطها بتمامها باسم زوجته ولم يكتب لهم شيئا من ذلك وكان جبارا ظالما معدودا في
جملة كشاف مراد بك فلما حصلت المناداة على المحمدية ذهب إلى اسمعيل بك وقابله
فطرده وأمره
بلزوم بيته وأن لا يخرج منه فذهب إلى بتيه وارسل إلى
اسمعيل بك حصانين بعددهما أحدهما مركوبه والثاني لاحد مماليكه وأرسل معهما درعين
على سبيل التقدمة والهدية ليستميل خاطره وكان مملوكه صاحب الحصان غائبا في شغل
فلما حضر لم يجد الجواد فسأل عنه فأخبره خشداشه بصورة الحال فدخل إلى سيده وسأله فنهره
وشتمه فخرج مقهورا وجلس يتحدث مع رفيقه فقالوا لبعضهم هذا الرجل سيدنا لا نرى منه
إلا الاذى ولا نرى منه احسانا ولاحلاوة لسان كذلك الحصص كتبها لزوجته ولم يفعل
معنا خيرا عاجلا ولا آجلا وحملهم الغيظ على انهم دخلوا عليه بعد العشاء وقتلوه
فصرخت زوجته من أعلى ونزلت إليهم فقتلوها ايضا هي وجاريتها فسمعت الجيران وكثر
العائط وحضر الوالي فوقف المملوكان وضربا عليه بنادق الرصاص ونقبا بيوت الجيران
ونطا منها فلم يزل حتى قبض عليهما وقتلهما على رأس العطفة وأصبح الخبر شائعا بين
الناس بذلك
وفي يوم الأحد المذكور حضر نجاب الحج وأخبر ان العرب
وقفت للحجاج في طريق المدينة وحاربوهم سبعة أيام وانجرح امير الحاج وقتل غالب
أتباعه وخازنداره ومن الحجاج نحو الثلث ونهبوا غالب حمولهم بسبب عوائدهم القديمة
وفي يوم الاثنين شق الاغا وأمامه المنادى يقول أن
إبراهيم بك ومراد بك مطرودا السلطان ومن كان مختفيا او غائبا وأراد الظهور أو
الحضور فليظهر أو يحضر وعليه الامان ولا بأس عليه ومن خالف فلا يلومن الا نفسه
وفيه انتقل عساكر القليونجية وعدوا إلى البر الغربي
ونصبوا هناك متاريس وأما الأمراء القبليون فانهم اخرجوا أثقالهم من المراكب
وطلعوها بأجمعها إلى البر وتركوا المراكب ذهبت إلى حال سبيلها وانحازوا جميعا
عند الأهرام
وفي يوم الثلاثاء نودي على جميع الالضاشات بالخروج إلى
الوطاق وكذلك المقيمون بالقلعة فتكدر الناس لذلك واختفوا في الدور ولبس كثير منهم
ملابس الفقهاء والمجاورين وسبب ذلك عدم قدرتهم على الخروج من غير مصرف فإذا خرج فقير
الحال لا يجد ما يأكله ولا ما ينفقه عياله في غيبته ولا يفيده إلا مقاساة الجوع
والبرد والغربة والمشقة
وفي يوم الاحد حادي عشره نزل الحجاج ودخلوا مصر على حين
غفلة وهم في أسوأ حال من العري والجوع ونهبت جميع أحمال أمير الحاج وأحمال التجار
وجمالهم وأثقالهم وأمتعتهم واسر العرب جميع النساء بالاحمال وكان أمرا شنيعا جدا
ثم ان الحجاج استغاثوا بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي فتكلم مع العرب في أمر
النساء فأحضروهن عرايا ليس عليهن إلا القمصان وأجلسوهن جميعا في مكان وخرجت الناس
افواجا فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه او بنته وعرفها اشتراها ممن هي في اسره وصارت
المرأة من نساء العرب تسوق الاربعة من الجمال والخمسة باحمالها فلا تجد مانعا وسبب
ذلك كله رعونة أمير الحاج فأنه لما اراد أن يتوجه بالحجاج إلى المدينة ارسل إلى
العرب فحضر إليه جماعة من أكابرهم فدفع لهم عوائد سنتين وقسط البواقي على السنين
المستقبلة بموجب الفرمان وحجز عنده اربعة أشخاص رهائن فبدا له أن كواهم بالنار في
وجوههم فبلغ ذلك أصحابهم فقعدوا للحجاج في الطريق فبلغ أمير الحاج ذلك فذهب من
طريق أخرى فوجدهم رابطين فيها ايضا فقاتلوه قتالا هينا ففر هاربا وترك الحجاج
والعرب فنهبوا حملته وقتلوا مماليكه ولم يبق معه إلا القليل فهرب بمن بقي معه
واختفى عن الحجاج ثلاثة أيام ولم يره أحد وفعلت العرب في الحجاج ما فعلوه واخذوا
ما أخذوه فلم ينج منهم إلا من طال عمره وسلم نفسه او افتداها
إلى غير ذلك وأخذوا المحمل ايضا ولم يردوه
وفي يوم الاثنين ثاني عشرة هجمت القبليون على المتاريس
وأرادوا ان يملكوها في غفلة آخر الليل لعلمهم ان الامراء والباشا ذهبوا إلى مصر
واشتغلوا بالحجاج وكان حسن باشا ذلك اليوم لما بلغه حضور الحجاج ركب من فوره وذهب إلى
العادلية فقابل أمير الحاج ورجع من ليلته إلى الوطاق فلما هجموا على المتاريس كان
المتترسون مستيقظين فضربوا عليهم المدافع من البر والبحر من الفجر إلى شروق الشمس
فرجعوا إلى مكانهم من غير طائل ثم هجموا ايضا يوم الثلاثاء بعد الظهر فضربوا عليهم
ورجعوا
وفي يوم الاربعاء ركب الامراء القبليون وحملوا أحمالهم
وصعدوا إلى دهشور وجلسوا هناك وحضر منهم جماعة من الاجناد بأمان وانضموا إلى
البحريين
وفي أواخره امر حسن باشا بمحاسبة محمد باشا المعزول فذهب
إليه ارباب الخدم والعكاكيز واختيارية الوجاقات والافندية وذهبوا إليه ببولاق
وتحاسبوا معه ودققوا عليه في الحساب فطلع عليه ألف ومائتان وخمسة وعشرون كيسا فطلب
أن يخصم منها باقي عوائده التي بذمم الامراء وغيرهم فعرفوا حسن باشا عن ذلك فلم
يقبل وقال ان كان له شيء عند أحد يأخذه منه ولا بد من احضار الدراهم التي طلعت
عليه فإني محتاج إلى ذلك في المصاريف اللازمة للعسكر فشددوا عليه في الطلب فضاق
خناقه واعتذر وبكي وكتب على نفسه تمسكا بذلك واستوحشا من بعضهما فسعى فيض الله
أفندي الرئيس بينهما في ازالة ذلك ثم ذهب محمد باشا إلى حسن باشا واجتمع معه في قصر
الآثار
وفيه حضرت مكاتبة من القبالي يطلبون الأمان وأن يعينوا
لهم أماكن في الجهة القبلية يقيمون بها ويعيشون هناك فأجيبوا إلى ذلك ويختاروا
مكانا يريدونه بشرط أن يكونوا جماعة قليلة ويحضر باقي
الأمراء والعسكر إلى مصر بالامان فلم يرضوا بالافتراق ولم يجابوا إلا بمثل الجواب الأول
واستقروا ناحية بني سويف ورجعت عنهم عرب الهنادي وفارقوهم
واستهل ربيع الأول بيوم الجمعة فيه حضر ططرى من الدولة
وعلى يده مثال لحسن باشا بان يقيم بمصر ولا يخرج مع العساكر بل يستمر محافظا في
المدينة فتحقق الناس اقامته عدم سفره
وفيه شرع حسن باشا في عمل شر كفلك فشرعوا في عمله على
ساحل بولاق تجاه الديوان وهو عبارة عن متريز مصنوع من أخشاب ممتدة على مقصات من
خشب وهي قطع مفصلات يجمعها أغربة من جديد وعلى تلك المدادات عدة حراب حديد مستمرة
عليها محددة الأطراف وبين كل مقصين سفل الأخشاب الممتدة مدفع موضوع على شبه بسطة
من الخشب ومساحة ذلك نحو اربعمائة وخمسين ذراعا وهو يوضع على هيئات مختلفة مربعا
ومدورا والعسكر من داخله متحصنين به وإذا هجمت عليه الخيول رشقت بها تلك الحرب
وفي يوم الاثنين رابعه ركبت طوائف العسكر والوجاقات ومروا
بنظامهم من تحت قصر الآثار وحسن باشا ينظرهم فأعجبه نظامهم وترتيبهم وحسن زيهم ثم
تتابعوا في التعدية
وفي ليلة الخميس رابع عشرة كسف جرم القمر جميعه وكان
ابتداؤه من رابع ساعة إلى ثامن ساعة من الليل
وفي منتصفة حضرت عساكر من الاضات مثل قبرس وقرمان وغير
ذلك وجاء الخبر عن الامراء القبالي انهم وصلوا إلى أسيوط وتخلف عنهم جملة من
المماليك والاتباع في نواحي المنية وغيرها فمنهم من حضر إلى مصر ومنهم من اختفى في
البلاد
وفيه اشتكت الناس من غلاء الاسعار وتكلم الشيخ العروسي
مع حسن باشا بسبب ذلك وقال له في زمن العصاة كان الامراء ينهبون ويأخذون الاشياء
من غير ثمن والحمد لله هذا الامر ارتفع من مصر بوجودكم وما عرفنا موجب الغلاء أي
شيء فقال أنا لا اعرف اصطلاح بلادكم وتشاور مع الاختيارية في شأن ذلك فوقع الاتفاق
على عمل جميعة في باب الينكجرية واحضار الاغا والمحتسب والمعلمين ويعملون تسعيرة
وينادون بها ومن خالف او احتكر شيئا قتل فلما كان يوم السبت سادس عشرة اجتمعوا في
باب مستحفظان وحضر الشيخ العروسي ايضا واتفقوا على تسعيرة في الخبز واللحم والسمن
وغير ذلك وركب الاغا وبجنبه المحتبسب ونادوا في الاسواق فجعلوا اللحم الضاني
بثمانية انصاف وكان بعشرة والجاموسي ستة بعد سبعة والسمن المسلي بثمانية عشر
والزبد بأربعة عشر والخبز عشر آواق بنصف فضة وهكذا فعزت الاشياء وقل وجود اللحم
وإذا وجد كان في غاية الرداء مع ما فيه من العظم والكبد والفشة والكرشة
وفي أواخره وصل الخبر بان رضوان بك قرابة علي بك الكبير
المنافق وعلي بك الملط وعثمان بك وجماعة علوية حضروا إلى عرضي التجريدة وأخذوا
الأمان من اسمعيل بك وعابدي باشا وانهم قادمون إلى مصر وإن القبالي استقروا بوادي
طحطأ مكانهم الاول الذي قاتلوا فيه
شهر ربيع الثاني في يوم الخميس خامسه وصل المذكور إلى
مصر وقابلوا حسن باشا وتوجهوا إلى بيوتهم
وفي يوم الاحد ثامنه ضربوا مدافع كثيرة وقت الضحى وكان
أشيع في أمسه ان التجريدة نصرت وقتل من القبالي اناس كثيرة فلما سمعت الناس تلك
المدافع ظنوا تحقيق ذلك وكثرت الاكاذيب والاقاويل ثم تبين ان لا شيء وانها بسبب رجوع
بعض مراكب رومية من ناحية الفشن بسبب
قلة ماء النيل ومن عادتهم انهم إذا وصلوا للمرساة ضربوا
مدافع فيجابوا بمثلها
وفي منتصفه حضر محمد كتخدا الاشقر بسبب تجهيز ذخيرة
ولوازم ومصاريف فهيئت وأرسلت وكذلك قبل ذلك مرارا كثيرة وأخبر ان التجريدة وصلت
إلى دجرجا وإن القبالي ارتحلوا منها وصعدوا إلى قوق وتباعدوا عن البلد نحو ست
ساعات ثم انقطعت الأخبار
واستهل شهر جمادى الأولى فيه زاد قلق حسن باشا بسبب تأخر
الجوابات وطول المدة
وفيه عين حسن باشا على محمد باشا برشيد وشدد عليه في طلب
الدراهم وضايقوه حتى باع امتعته وحوايجه وغلق ما عليه وتوفيت زوجته فحزن عليها
حزنا شديدا مع ماهو فيه من الكرب ولم يفده من فعائله وهمته التي فعلها بمصر عند
قدوم حسن باشا شيء وجازاه بعد ذلك بأقبح المجازاة فأنه لولا أفاعيله وتمويهاته وأكاذيبه
ما تمكن حسن باشا من دخول مصر فأنه كان يعظم الأمر على الأمراء المصريين ويهول
تهويلات كثيرة عليهم وعلى المشايخ واختيارية الوجاقات ويقول اياكم والعناد وإياكم
ان توقعوا حربا فانكم تخربون بلادكم وتكونون سببا في هلاك أهلها فأنه بلغني أنه
تعين مع حسن باشا كذا كذا الفا من الجنس الفلاني وكذا كذا ألفا من جنس العسكر
الفلاني وانهم متأخرون في الحضور عنه تحت الاحتياج وكذلك في عساكر البر الواصلة من
الجهة الشامية ومعهم ثمانون ألف ثور ومائة ألف جاموس برسم جر المدافع وفي المدافع
ما يصحبه خمسون ثورا ونحو ذلك حتى ادخل عليهم الوهم وظنوا صدقة وانحلت عرا الناس
عنهم وخصوصا بما منا هم به من اقامة العدل ومنع الظلم والجور وغير ذلك حتى جذب
قلوب العالم وتحولوا عن الامراء وتمنوا زوالهم في أسرع وقت وهيج الناس وأثارهم قبل
وصول حسن
باشا وملك القلعة ومهد له الأمور فجزاه بعد تمكنه
بالخذلان والعزل والحساب والتدقيق وغير ذلك
وفي يوم الاربعا ثالثه ورد نجاب وصحبته مكتوب من عابدي
باشا إلى حسن باشا وأخبر بوقوع الحرب بين الفريقين في يوم الجمعة ثامن عشرين الآخر
عند الأمير ضرار وكانت الهزيمة على القبالي ولكن بعد أن كسروا الجردة مرتين وهجموا
على شركفلك فضربوا عليهم من داخله بالمدافع والبنادق وقتل لاجين بك عند شركفلك
وقتل الكثير من عرب الهنادى وقبض على كبيرهم اسيرا ومات من المصاحبين للعسكر ذو
الفقار الخشاب وجماعة من الوجاقلية منهم على جربجي المشهدي وكانت الحرب بينهم نحو
ست ساعات وكانت وقعة عظيمة وقتل من الفريقين مالا يحصى وكان حضور هذا النحاب
علىالفور من غير تحقيق فلما ورد ذلك سر الباشا سرورا كثيرا وأمر بعمل شنك فضربوا
مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة وضربوا النوبة السلطانية في برج القلعة وكذلك
نوبة حسن باشا تحت القصر وأرسل المبشرين إلى الأعيان كالشيخ البكري والشيخ السادات
وأكابر الوجاقات وحضروا جميعا للتهنئة
وفي سادسة حضرت عدة مكاتبات من امراء التجريد فأخبروا
فيها بتلك الواقعة وان القبالي صعدوا بعد الهزيمة إلى عقبة الهو على جرائد الخيل
فلم يصعدوا خلفهم لصعوبة المسلك على الأجمال والاثقال وانهم منتظرون حضور مراكبهم
وما فيها من الذخيرة فيحملوا لاحمال ويسيرون بأجمعهم خلفهم من الطريق المستقيم
التي توصل إلى خلف العقبة واخبروا ايضا انهم استولوا على حملاتهم ومتاعهم حتى بيع
الجمل وعليه النقاقير بخمسة ريال ونحو ذلك
من الحوادث في هذه الأيام وقوع الموت الذريع في الابقار
حتى صارت تتساقط في الطرقات ومات لابن بسيوني غازي بناحية سنديون خاصة مائة وستون
ثورا وقس على ذلك
وفي عاشره طلب الباشا حوضا ليعمله حنفية فأخبره الحاضرون
وعرفوه بالحوض الذي تحت الكبش المعروف بالحوض المرصود فأمر بأحضاره فأرسلوا إليه
الرجال والحمالين وأرادوا رفعه من مكانه فأزدحمت عليه الناس من الرجال والنساء لما
تسامعوا بذلك لينظروا ما شاع وثبت في أذهانهم من ان تحته كنزا وهو مرصود على شيء
من العجائب او نحو ذلك وان الباشا يريد الكشف عن امره فلما حصل ذلك الازدحام ووجده
الحمالون ثقيلا جدا وهم لا يعرفون صناعة جر الاثقال وحركوه عن مكانه يسيرا وبلغ
الباشا ما حصل من ازدحام العامة امر بتركه فتركوه ومضوا فذهب العامة في أكاذيبهم
كل مذهب فمنهم من يقول انهم لما حركوه وأرادوا جره رجع بنفسه ثانيا ومنهم من يقول
غير ذلك من السخافات
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرة وصل نيف وثلاثون رأسا من
قتلى القبليين فألقوهم عند باب القلعة بالرميلة على سرير من جريد النخل وأبقوهم
ثلاثة ايام ثم دفنوهم ووجد فيهم راس عزوز كتخدا عزبان
وفي ذلك اليوم امر الباشا بشنق رجلين من الغيطانية
تشاجرا مع طائفة من العسكر وضرباهم وأخذا سلاحهم ورفعت الشكوى إلى الباشا فأمر
بشنق الغيطانية ظلما على الشجرة التي عند القنطرة فيما بين طريق مصر القديمة وطريق
الناصرية
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه نظر أصحاب الدرك عدة هجانة
مرت من ناحية الجبل معهم أمتعة وثياب مرسلة إلى القبالي من نسائهم فركبوا
خلفهم فلم يدركوهم واشاعوا انهم قبضوا عليهم من غير اصل
ووصل خبرهم حسن باشا فاغتاظ من الاغا والوالي وأمرهما بالذهاب إلى بيوتهم
ويسمرونها عليهن ففعلوا ذلك وقبضوا على الاغوات الطواشية والسقائين وحصلت ضجة في
البلد بين الظهر والعصر بسبب ذلك وفرت زوجة إبراهيم بك إلى بيت شيخ السادات ثم أن رضوان
بك قرابة علي بك تشفع في تسمير البيوت فقبلت شفاعته وأرسل لمعادي الخبيري والجيزة
ومنعهم من التعدية وحجزهم إلى البر الشرقي
وفي يوم الثلاثاء وردت نجابة وعلى أيديهم مكاتبات من
عابدي باشا يخبر فيها بأن يحيى بك وحسن كتخدا الجربان حضرا اليه بأمان وخلع عليهم
فراوي وصحبتهم عدة من الكشاف والمماليك وذلك بعد أن وصلوا الى اسنا وان القبالي
ذهبوا إلى ناحية ابريم فتخلف عنهم المذكورون
وفي يوم الخميس سادس عشرينه حضر اسمعيل القبطان وكان
بصحبته حمامجي أوغلي وأخبر ان العسكر العثمانية ملكوا أسوان وأن الأمراء القبالي
ذهبوا الى ابريم وانهم في أسوأ حال من العري والجوع وغالب مماليكهم لابسون
الزعابيط مثل الفلاحين وتخلف عنهم كثير من اتباعهم فمنهم من حضر الى عابدي باشا
بأمان ومنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتله الفلاحون وغير ذلك من المبالغات
وفي يوم الاثنين خلع حسن باشا علي رضوان بك العلوي وقلده
كشوفية الغربية وقلد علي بك الملط كشوفية المنوفية وقرر لهما على كل بلد اربعة
آلاف نصف قضة ونزلا إلى طندتا لاجل خفارة مولد السيد أحمد البدوي
وفي هذا الشهر عمت البلوى بموت الابقار والثيران في سائر
الاقليم البحري ووصل إلى مصر حتى انها صارت تتساقط في الطرقات وغيطان المرعى وجافت
الارض منه فمنها ما يدركونه بالذبح ومنها ما يموت
ورخص سعر اللحم البقري جدا لكثرته حتى صار يباع بمصر آخر
النهار كل رطلين بنصف فضة مع كونه سمينا غير هزيل وعافته الناس وبعضهم كان يخاف من
أكله وأما الأرياف فكان يباع فيها بالاحمال وبيعت البقرة بما خلعها بدينار وكثر عويل
الفلاحين وبكاؤهم على البهائم وعرفوا بموتها قدر نعمتها وغلا سعر السمن واللبن
والاجبان بسبب ذلك لقلتها
شهر جمادى الآخرة استهل بيوم الاربعاء وكان ذلك يوم
النوروز السلطاني وانتقال الشمس لبرج الحمل
وفي يوم الاثنين سافر حمامجي اوغلي بالجوابات إلى الجهة
القبلية وفيها الامر بحضور عابدي باشا واسمعيل بك وباقي الامراء إلى مصر وان حسن
بك ومحمد بك المبدول ويحيى بك يقيمون باسنا محافظين
وفي يوم الخميس سادس عشره نودي على النساء أن لا يخرجن
إلى موسم الخماسين المعروف عند القبط بشم النسيم وذلك يوم الاثنين صبيحة عيدهم
وفي عشرينه نودي بأبطال المعامله بالذهب الفندقلي الجديد
واستمرت المناداة على النساء في عدم خروجهن إلى الاسواق وسبب ذلك وقائعهن مع
العسكر منها انهم وجدوا ببيت يوسف بك سكن حمامجي اوغلي نحو سبعين امرأة مقتولة
ومدفونة بالاسطبلات ومن النساء من لعبت على العسكر وأخذت ثيابه وأمثال ذلك فنودي
عليهن بسبب ذلك فتضرر المحترفات منهن مثل البلانات والدايات وبياعات الغزل والقطن
والكتان ثم حصل الاطلاق وسومحن في الخروج
وفي خامس عشرينه حضرت نجابة من قبلي وحضر ايضا حمامجي
اوغلي وأخبروا ان الباشا والامراء وصلوا إلى دجرجا
شهر رجب الفرد استهل بيوم الخميس فيه قبض حسن باشا على
احمد قبودان المعروف بحمامجي اوغلي وحبسه وحبس ايضا تابعه عثمان
التوقتلي كان يسعى معه في الخبائث وكذلك رجل يقال له مصطفى
خوجة
وفي يوم الخميس سابعه نودي على النساء انهن إذا خرجن
لحاجة يخرجن في كمالهن ولا يلبسن الحبرات الصندل ولا الإفرنجي ولا يربطن على
رؤوسهن العمائم المعروفة بالقازدغلية وذلك من مبتدعات نساء القازدغلية وذلك أنهن يربطن
الشاشيات الملونة المعروفة بالمدورات ويجعلنها شبه الكعك ويملنها على جباههن
معقوصات بطريقة معلومة لهن وصار لهن نساء يتولين صناعة ذلك بأجرة على قدر مقام
صاحبتها ومنهن من تعطي الصانعة لذلك دينارا أو أكثر أو اقل وفعل ذلك جميع النساء
حتى الجواري السود
وفي يوم الاحد حادي عشرة حضر عابدي باشا واسمعيل بك وعلي
بك الدفتردار ورضوان بك بلفيا وحسن بك رضوان ومحمد بك كشكش وعبد الرحمن بك عثمان
وسليمان بك الشابوري وباقي الوجاقلية إلى مصر وذهبوا إلى بيوتهم وبات الباشا في
مصر القديمة
وفي صبحها يوم الاثنين ركب عابدي باشا وطلع إلى القلعة
من غير موكب وطلع من جهة الصليبة وذلك قبل آذان الظهر بنحو خمس درجات فلما استقر
بها ضربوا له مدافع من الابراج وبعد انقضاء المدافع ارعدت السماء رعودا متتابعة
إلى العصر وأمطرت مطرا غزيرا وذلك رابع عشرين برموده القبطي وتاسع عشر نيسان
الرومي وأما حسن بك الجداوي فانه تخلف بقنا هو واتباعه وكذلك عثمان بك وسليم بك
الاسماعيلي باسنا وعلي بك جركس بارمنت وعثمان بك وشاهين بك الحسيني ويحيى بك باكير
بك ومحمد بك المبذول كذلك تخلفوا متفرقين في البنادر لاجل المحافظة وقاسم بك أبو
سيف في منصبه بدجرجا وأراد الباشا واسمعيل بك ان يبقوا طائفة من الوجاقلية ومعهم
طائفة من العسكر فأبوا وقالوا حتى نذهب إلى مصر ونعدل حالنا وبعد ذلك نأتي
وفي ذلك اليوم وصل الخبر بان القبالي رجعوا إلى اسوان
وشرعوا في التعدية إلى أسنا فأرسل اسمعيل بك الى الاختيارية فحضروا عنده بعد العصر
وتكلموا في شأن ذلك بحضرة علي بك ايضا وكذلك اجتمعوا في صبحها يوم الثلاثاء وانفصل
المجسر كالاول
وفي أواخره وصل الخبر انهم زحفوا إلى بحرى وان حسن بك
تأخر عنهم
شهر شعبان المكرم في اوائله جاء الخبر انهم وصلوا إلى
دجرجا وان حسن بك والامراء وصدوا في التأخر إلى المنية وعملت جمعيات ودواوين بسبب
ذلك وشرعوا في طلوع تجريدة ثم وقع الاختلاف بين الباشا والامراء واستقر الأمر
بينهم في الرأي أن يراسلوهم في الصلح وانهم يقيمون في البلاد التي كانت بيد اسمعيل
بك وحسن بك ويرسلوا أيوب بك الكبير والصغير وعثمان بك الاشقر وعثمان بك المرادي
يكونوا بمصر رهائن وكتبوا بذلك مكاتبات وأرسلوها صحبة محمد افندي المكتوبجي
وسليمان كاشف قنبور والشيخ سليمان الفيومي
وفيه قررت المظالم على البلاد وهي المعروفة برفع المظالم
وكان حسن باشا عندما قدم إلى مصر أبطلها وكتب برفعها فرمانات إلى البلاد فلما حضر
اسمعيل بك حسن له اعادتها فأعيدت وسموها التحرير وكتب بها فرمانات وعينت بها
المعينون وتفرقوا في الجهات والاقاليم بطلبها مع ما يتبعها من الكلف وحق الطرق وغيرها
فدهى الفلاحون وأهل القرى بهذه الداهية ثانيا على ما هم فيه من موت البهائم وهياف
الزرع وسلاطة الفيران الكثيرة على غيطان الغلة والمقاثي وغيرها وما هم فيه من تكلف
المشاق الطارىء عليهم ايضا بسبب موت البهائم في الدراس وادارة السواقي بأيديهم
وعوافيهم أو بالحمير أو الخيل أو الجمال لمن عنده مقدرة على شرائها وغلت أثمانها
بسبب ذلك إلى الغاية فتغيرت قلوب الخلق جميعا على حسن باشا وخاب ظنهم فيه وتمنوا
زواله وفشا شر جماعته وعساكره
القليونجية في الناس وزاد فسقهم وشرهم وطمعهم وانتهكوا
حرمةالمصر وأهله إلى الغاية
وفي خامسه يوم الاربعاء توفي أحمد كتخدا المجنون وقلدوا
مكانه في كتخدائية مستحفظان رضوان جاويش تابعه عوضا عنه
وفيه قتل عثمان التوقتلي بالرميلة رفيق حمامجي اوغلي بعد
ان عوقب بانواع العذاب مدة حبسه واستصفيت منه جميع الاموال التي كان يملكها
واختلسها ودل على غيرها حمامجي اوغلي واستمر حمامجي اوغلي في الترسيم
وفيه قبض على سراج متوجه إلى قبلي ومعه دراهم وامتعة
وغير ذلك فأخذت منه ورمي عنقه ظلما بالرميلة
واستهل شعر رمضان المعظم بيوم الاحد فيه اختصرت الامراء
من وقدة القناديل في البيوت عن العادة وعبى اسمعيل بك هدية جليلة وأرسلها الى حسن
باشا وهي سبع فروق وخمسون تفصيلة هندي عال مختلفة الاجناس وأربعة آلاف تصفية
دنانير نقد مطروقة وجملة من بخور العود والعنبر وغير ذلك فأعطى للشيالين على سبيل الانعام
أربعة عشر قرشا رومية عنها خمسمائة وستون نصفا فضة
وفي يوم الثلاثاء عاشره حضر المحمل صحبة رجل من الاشراف
وذلك انه لما وقع للحجاج من العربان ما وقع في العام الماضي ونهبوا الحجاج وأخذوا
المحمل بقي عندهم إلى أن جيش عليهم الشريف سرور وحاربهم وقاتلهم قتالا شديدا وأفنى
منهم خلائق لا تحصى واستخلص منهم المحمل وأرسله إلى مصر صحبة ذلك الشريف وقيل ان الشريف
الذي حضر به هو الذي افتداه من العرب باربعمائة ريال فرانسة فلما حضر خرج إلى
ملاقاته الاشاير والمحملدارية وارباب الوظائف ودخلوا به من باب النصر وامامه
الاشاير والطبول والزمور وذلك الشريف راكب امامه ايضا
وفي ذلك اليوم بعد اذان العصر بساعتين وقعت حادثة مهولة
مزعجة يخط البندقانيين وذلك ان رجلا عطارا يسمى أحمد ميلاد وحانوته تجاه خان
البهار اشترى جانب بارود انكليزي من الفرنج في برميلين وبطة ووضعها في داخل الحانوت
فحضر إليه جماعة من اهل الينبع وساوموه على جانب بارود وطلبوا منه شيئا اليروه
ويجربوه فأحضر البطة وصب منها شيئا في المنقد الذي يعد فيه الدراهم ووضعوه على
قطعة كاغد واحضروا قطعة يدك وطيروا ذلك البارود عن الكاغد فأعجبهم ومن خصوصية
البارود الانكليزي إذا وضع منه شيء على كاغد وطير فالنار لا تؤثر في الكاغد ثم
رموا بالقطعة اليدك على مصطبة الحانوت وشرع يزن لهم وهم يضعونه في ظرفهم ويتساقط
فيما بين ذلك من حباته وانتشر بعضها إلىناحية اليدك وهم لا يشعرون فاشتعلت تلك
الحبات واتصلت بما في أيديهم وبالبطة ففرقعت مثل المدفع العظيم واتصلت النار بذينك
البرميلين كذلك فارتفع عقد الحانوت وما جاوره بما على تلك العقود من الابنية
والبيوت والربع والطباق في الهواء والتهبت بأجمعها نارا وسقطت بمن فيها من السكان على
من كان اسفلها من الناس الواقفين والمارين وصارت كوما يظن من لم يكن رآه قبل ذلك
انه له مائة عام وذلك كله في طرفة عين بحيث ان الواقف في ذلك السوق او المار لم
يمكنه الفرار والبعيد أصيب في بعض أعضائه اما من النار او الردم وكان السوق في ذلك
الوقت مزدحما بالناس خصوصا وعصرية رمضان وذلك السوق مشتمل على غالب حوائج الناس
وبه حوانيت العطارين والزياتين والقبانية والصيارف وبياعي الكنافة والقطائف
والبطيخ والعبدلاوي ودكاكين المزينين والقهاوي وغالب جيران تلك الجهة وسكان السبع
قاعات وشمس الدولة يأتون في تلك الحصة ويجلسون على الحوانيت لاجل التسلي والحاصل
ان كل من كان حاصلا بتلك البقعة في ذلك الوقت سواء كان عاليا او متسفلا او مارا او
واقفا لحاجة او جالسا اصيب البتة وكان ذلك
العطار يبيع غالب الاصناف من رصاص وقصدير ونحاس وكحل
وكبريت وعنده موازين شبه الجلل فلما اشتعل ذلك البارود صارت تلك الجلل وقطع الرصاص
والكحل والمغناطيس تتطاير مثل جلل المدافع حتى أحرقت واجهة الربع المقابل لها وكان
خان البهار مقفولا متخربا وبابه كبير مسماري فصدمه بعض الجلل وكسر واشتعل بالنار
واتصل بالطباق التي تعلو ذلك الخان ووقعت ضجة عظيمة وكل من كان قريبا وسلم أسرع
يطلب الفرار والنجاة وما يدري أي شيء القضية فلما وقعت تلك الضجة وصرخت النساء من
كل جهة وانزعجت الناس انزعاجا شديدا وارتجت الارض واتصلت الرجة إلى نواحي الأزهر
والمشهد الحسيني ظنوها زلزلة وشرع تجار خان الحمزاوي في نقل بضائعهم من الحواصل
فان النار تطايرت اليه من ظاهره وحضرالاغا والوالي فتسلم الاغا جهة الحمزاوي وتسلم
الوالي جهة شمس الدولة وتتبعوا النار حتى أخمدوها وختموا على دكاكين الناس التي
بذلك لخط وارسلوا ختموا بيت احمد ميلاد الذي خرجت النار من حانوته بعد ان أخرجوا
منه النساء ثم أفرجوا عنهم بأمراسمعيل بك وأحضروا في صبحها نحو المائتين فاعل وشرعوا
في نبش الأتربة وإخراج القتلى وأخذ ما يجدونه من الاسباب والامتعة وما في داخل
الحوانيت من البضائع والنقود وما سقط من الدور من فرش وأوان ومصاغ النساء وغير ذلك
شيئا كثيرا حتى الحوانيت التي لم يصبها الهدم فتحوها وأخذوا ما فيها وأصحابها
ينظرون ومن طلب شيئا من متاعه يقال له هو عندنا حتى تثبته هذا إذا كان صاحبه ممن
يخاطب ويصغى إليه وقيامه قائمة ومن يقرأ ومن يسمع ووقفت اتباعهم بالنبابيت من كل
جهة يطرودن الناس ولا يمكنون احدا من أخذ شيء جملة كافية وأما القتلى فإن من كان
في السوق او قريبا من تلك الحانوت والنار فإنه احترق ومن كان في العلو من الطباق
انهرس ومنهم من احترق بعضه وانهرس باقيه وإذا ظهر وكان عليه شيء أو معه شيء أخذوه
وان كانت امرأة
جردوها وأخدوا حليها ومصاغها ثم لا يمكنون أقاربهم من
أخذهم إلا بدراهم يأخذونها وكأنما فتح لهم باب الغنيمة ولما كشفوا عن أحمد ميلاد
وحانوته وجدوه تمزق واحترق وصار قطعا مثل الفحم فجمعوا منه ست قطع وأخذوا شيئا
كثيرا من حانوته ودراهم وودائع كانت أسفل الحانوت لم تصبها النار وكتم عليها الردم
والتراب وكذلك حانوت رجل زيات انهدم على صاحبه فكشفوا عنه وأخرجوه ميتا وأخذوا من
حانوته مبلغ دراهم وكذلك من بيت صباغ الحرير بجوار الحمزاوي انهدمت داره ايضا
وأخذوا ما فيها ومن جملتها صندوق ضمنه دراهم لها صورة ونحو ذلك واستمر الحال على
ذلك اربعة ايام في حفر ونبش واخراج قتلى وجنائز وبلغت القتلى التي أخرجت نيفا عن
مائة نفس وذلك خلاف من بقي تحت الردم منهم امام الزاوية المجاورة لذلك فأنها
انخسفت ايضا على الإمام وبقى تحت الردم ولم يجدوا بقية اعضاء احمد ميلاد وفقدوا
دماغه فجمعوا اعضاءه ووضعوها في كيس قماش ودفنوه وسدوا على تلك الخطة من الجهتين
وتركوها كما هي مدة ايام ونظفت وعمرت بعد ذلك فكانت هذه الحادثة من أعظم الحوادث
المزعجة
وفي يوم الخميس حضر الرسل من عند القبليين وحضر أيوب بك
الكبير رهينة عن المماليك المحمدية وعثمان بك الطنبرجي عن مراد بك وعبد الرحمن بك
عن إبراهيم بك فذهبوا إلى حسن باشا وقابلوه وكذلك قابلوا عابدي باشا ثم اجتمع
الأمراء عند حسن باشا وتكلموا في شأن هؤلاء الجماعة وقالوا هؤلاء ليسوا المطلوبين
ولم يأت الا أيوب بك الكبير من المطلوبين و 4 لم يأت عثمان بك الأشقر وأيوب بك
الصغير فاتفق الرأي على أعادة الجواب فكتبوا جوابات اخرى وأرسلوها صحبة سلحدار حسن
باشا
وفي هذا الشهر اخذت القرصان ثلاثة غلايين وفيها اناس من
اتباع
الدولة وأعيانها ووصل الخبر بوقوع حريق عظيم ببندر جدة
وتوفي احمد باشا واليها وعبى علي بك الدفتردار كساوى للأمراء فأرسل إلى اسمعيل بك
وحسن بك الجداوي ورضوان بك وباقي الصنادق والامراء حتى لحريمهم وأتباعهم وارسل
ايضا لطائفة الفقهاء وفتح السفر لجهة الموسقو وتقليد باكير قبطان باشا قائمقام عن
حسن باشا
وفي منتصفه وقعت حادثة بثغر بولاق بين طائفة الفليونجية والفلاحين
باعة البطيخ وذلك ان شخصا قليونجيا ساوم على بطيخة وأعطاه دون ثمنها فامتنع وتشاجر
معه فوكزه العسكري بسكين فزعق الفلاح على شيعته وزعق الاخر على رفقائه فاجتمع
الفريقان ووقع بينهم مقتله كبيرة قتل فيها من الفلاحين نحو ثلاثين انسانا ومن
القليونجية نحو أربعة
وفي يوم الأحد ثاني عشرينه قررت تفريدة على بلاد الارياف
أعلى وأوسط وادنى الاعلى خمسة وعشرون الف نصف فضة والأوسط سبعة عشر ألف والادنى
تسعة آلاف وذلك خلاف ما يتبعها من الكلف وحق الطرق
وفيه رفعوا خفارة البحرين عن بن حبيب وكذلك الموارد
والتزم بها رضوان بك على خمسين كيسا يقوم بها في كل سنة لطرف الميري وسبب ذلك
منافسة وقعت بينه وبين بن حبيب فأنه لما تولى المنوفية ومر على دجوة أرسل له بن
حبيب تقدمة فاستقلها ثم أرسل إليه بعد ارتحاله من الناحية يطلب منه جمالا وأشياء
فامتنع بن حبيب فأرسل يطلبه ليقابله فلم يذهب إليه واعتذر ولما رجع نزل اليه ابنه
علي بالضيافة فعاتبه علىامتناع أبيه من مقابلته وأضمر له في نفسه وتكلم معه حسن
باشا في رفع ذلك عنهم والتزم بالقدر المذكور وطريقة العثمانية الميل إلى الدنيا
بأي وجه كان فأخرج فرمانا بذلك
وفي ثاني شوال برزت الامراء المعينون لجمع الفردة وهم
سليم بك الاسماعيلي للغربية وشاهين بك الحسيني لأقليم المنصورة علي بك
الحسيني لاقليم المنوفية ومحمد بك كشكش للشرقية وعثمان
بك الحسيني للجيزة وعثمان كاشف الإسماعيلي للفيوم ويوسف كاشف الاسماعيلي للبهنسا
وأحمد كاشف للجيزة
وفي ثامنة حضر سلحدار الباشا وسليمان كاشف قنبور
المسافران بالجوابات إلى الأمراء القبليين وذلك انهم أرسلوا بطلب بلاد أخرى زيادة
على ما عينوا لهم وقالوا ان هذه البلاد لا تكفينا فأمر لهم حسن باشا بخمسة بلاد
اخرى فقال اسمعيل بك اطلبوا منهم حلوانها فقال اسمعيل كاشف قنبور اجعلوا ما أخذ من
بيوتهم في نظير الحلوان فقال كذلك
وفي عاشره حضر قاصد من الحجاز بمراسلة من الشريف سرور
يخبر فيها بعصيان عرب جرب وغيرهم وقعودهم على الطريق ومنعهم السبيل
ويحتاج أن أمير الحاج يكون في قوة واستعداد وان الحرب
قائمة بينهم وبين الشريف وخرج إليهم في نحو خمسة عشر الفا وفي منتصفه كمل عمارة
التكية المجاورة لقصر العيني المعروفة بتكية البكتاشية وخبرها ان هذه التكية موقوفة
على طائفة من الاعجام المعروفين بالبكتاشية وكانت قد تلاشى أمرها وآلت إلى الخراب
وصارت في غاية من القذارة ومات شيخها وتنازع مشيختها رجل أصله من سراجين مراد بك
وغلام يدعي أنه من ذرية مشايخها المقبورين فغلب على الغلام ذلك الرجل لانتسابه إلى
الامراء وسافر إلى اسكندرية فصادف مجيء حسن باشا واجتمع به وهو بهيئة الدراويش وهم
يميلون لذلك النوع وصار من اخصائه لكونه من أهل عقيدته وحضر صحبته إلى مصر وصار له
ذكر وشهرة ويقال له الدرويش صالح فشرع في تعمير التكية المذكورة من رشوات مناصب
المكوس التي توسط لاربابها مع حسن باشا فعمرها وبنى اسوارها وأسوار الغيطان
الموقوفة عليها المحيطة بها وأنشأ بها صهريجا في فسحة القبة ورتب لها تراتيب
ومطبخا وأنشأ خارجها مصلى
باسم حسن باشا فلما تم ذلك عمل وليمة ودعا جميع الأمراء
فحصل عندهم وسوسة واعتدوا وركبوا بعد العصر بجميع مماليكهم واتباعهم وهم بالاسلحة
متحذرين فمد لهم سماطا وجلسوا عليه واوهموا الأكل لظنهم الطعام مسموما وقاموا
وتفرقوا في خارج القصر والمراكب وعمل شنك وحرافة نفوط وبارود ظنوا غرابته ثم ركبوا
في حصة من الليل وذهبوا إلى بيوتهم
وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج المحمل وأمير الحجاج
غيطاس بك في موكب محتقر بدون الينكجرية والعزب مثل العام الماضي فخرجوا إلى الحصوة
وأقاموا هناك ولم يذهبوا إلى البركة
وفي يوم الثلاثاء غايته ارتحل الحجاج من الحصوة إلى
البركة بعد العصر وارتحلوا في ضحوة يوم الأربعاء غرة شهر القعدة
شهر القعدة الحرام في ثالثه يوم الجمعة الموافق لثالث
عشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك أذرعه ونودى بذلك وعمل الشنك وركب حسن باشا
في صبحها وكسروا السد بحضرته وجرى الماء في الخليج ولم يحضر عابدي باشا لمرضه
وفي سادسه نودى على المماليك ان لا يركبوا من بيوت
أسيادهم منفردين ابدا فترك ذلك في جملة المتروكات وتزوج المماليك وصار لهم بيوت
وخدم ويركبون ويغدون ويروحون ويشربون الدخان وهم راكبون في الشارع الأعظم وفي
أيديهم شبكات الدخان من غير انكار وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الادب لعدم
انكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الامور فإذا مات بعض الأعيان بادر أحد المماليك إلى
سيده الأمير صاحب الشوكة وقبل يده وطلب منه ان ينعم عليه بزوجة الميت فيجيبه إلى
ذلك ثم تراه ركب في الوقت والساعة ذهب إلى بيت المتوفي ولو قبل خروج جنازته ونزل
في البيت وجلس فيه وتصرف في تعلقاته وحازه وملكه بما فيه وأقام بمجلس الرجال ينتظر
انقضاء العدة ويأمر وينهي
ويطلب الغداء والعشاء والفطور والقهوة والشربات من
الحريم ويتصرف تصرف الملاك وربما وافق ذلك غرض المرأة فإذا رأته شابا مليحا قويا
وكان زوجهاالمقبور بخلاف ذلك أظهرت له المخبآت والمدخرات فيصبح اميرا من غير تأمر
وتتعدد عنده الخيول والخدام والفراشون والاصحاب ويركب ويذهب ويجيء إلى بيت سيده
وفي حاجاته وغير ذلك فجرى يوما بمجلس حسن باشا ذكر ركوب المماليك على انفرادهم في
الاسواق بحضرة بعض الاختيارية فقالوا انه قلة ادب وخلاف العادة القديمة التي
رأيناها وتربينا عليها فقال الباشا اكتبوا فرمانا بمنع ذلك ففعلوا ذلك ونادوا به
من قبيل الشغل الفارغ
وفي سابعه ثقل عابدي باشا في المرض وأشيع موته
وفي حادي عشره حضر حسين بك المعروف بشفت من قبلي في جملة
الرهائن وقابل الباشا وأقام بمصر
وفي منتصفه عوفي عابدي باشا من مرضه وشرعوا في طلب المال
الشتوي فضج الملتزمون وتكلم الوجاقلية في الديوان وقالوا من أين لنا ما ندفعه وما صدقنا
بخلاص المظالم والصيفي والفردة ولم يبق عندنا ولا عند الفلاحين شيء أعطونا
الجامكية ثم ندفعها لكم في المال الشتوي فانحط الرأي على كتابة رجع الجامكية وفرح
الناس بذلك ثم تبين له لا احد يأخذ رجعة إلا بقدر ما عليه من الميري وان زاد له
شيء يبقى له وديعة بالدفتر وان لم يكن له جامكية يدفع ما عليه نقدا فصار بعض
الملتزمين يأتي بأسماء برانية وينسبها لنفسه لاجل غلاق المطلوب منه فاتضحت تلك
النسبة له بمراجعة الدفتر ثم منعوا كتابة الرجع وصار الافندية يكشفون على الدفاتر
ويملون ويسددون بأنفسهم فمن زاد له شيء تبقى بالدفتر ومن زاد عليه شيء طلب منه
وفي عشرينه ذهب الأمراء إلى حسن باشا وهم اسمعيل بك وحسن
بك وعلي وباقي الأمراء فتكلم معهم بسبب الأموال التي جعلها عليهم
والميري المطلوب منهم ومن اتباعهم وقال لهم انا مسافر
بعد الاضحى ولا بد من تشهيل المطلوب فاعتذروا وطلبوا المهلة فشنع عليهم ووبخهم
بالكلام التركي ومن جملة ما قال لهم أنتم وجوهكم مثل الحيط وأمثال ذلك فخرجوا من
عنده وهم في غاية من القهر وكان ذلك باغراء اسمعيل بك ولما ذهب اسمعيل بك إلى بيته
طلب أمراءه وشنع عليهم كما شنع عليه الباشا وحلف ان كل من تبقى عليه شيء ولو ألف
درهم سلمه للباشا يقطع رأسه
وفي يوم الخميس غايته طلعوا عند عابدي باشا فطالبهم
بالميري ايضا وشنع عليهم وخصوصا قاسم بك أباسيف وحلف انه يحبسهم حتى يدفعوا ما
عليهم
واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة وفيه حضر الاغا
وعلى يده مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة
وفيه ايضا قوى عزم حسن باشا على السفر إلى بلاد الروم
وأعطى لاسمعيل بك جملة مدافع وقنابر وآلات حرب وصنع له قليونا صغيرا وقرر ألفا
وخمسمائة عسكري يقيمون بمصر
وفي يوم الخميس رابع عشرة عمل حسن باشا ديوانا بالقصر
وحضر عنده عابدي باشا والمشايخ وسائر الامراء بسبب قراءة مراسيم حضرت من الدولة
فقرأوا منها ثلاثة وفيها طلب حسن باشا إلى الديار الرومية بسبب حركة السفر إلى
الجهاد وان الموسقو زحفوا على البلاد واستولوا على ما بقي من بلاد القرم وغيرهم
والثاني فيه ذكر العفو عن إبراهيم بك ومراد بك من القتل وأن يقيم ابراهيم بك بقنا
ومراد بك باسنا ولا أذن لهم في دخول مصر جملة كافية
وفيه نودي على صرف الريال الفرانسة بمائة نصف فضة وكان
وصل إلى مائة وعشرة فتضرر الناس من ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه ركب الآمراء باسرهم لوداع
حسن باشا
وكان في عزمه النزول في المراكب بعد صلاة الجمعة فلما
تكاملوا عنده قبض على الرهائن وهم عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحسين بك
شفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي ثم أمر بالقبض على حسن كتخدا الجربان وسليمان كاشف قنبور
فهرب حسن كتخدا وساق جواده فتبعه جماعة من العسكر فلم يزل رامحا وهم خلفه حتى دخل
بيت حسن بك الجداوي ودخل إلى باب الحريم وكان حسن بك بالقصر فرجع العسكر واخبروا
الباشا بحضرة اسمعيل بك فطلب حسن بك وسأله اسمعيل بك فقال ان كان في بيتي خذوه
فأرسلوا واحضروه ووضعوه صحبة المقيدين
وفي يوم السبت ثالث عشرينه سافر حسن باشا من مصر وأخذ
معه الرهائن وسافر صحبته ابراهيم بك قشطة ليشيعه إلى رشيد وزار في طريقه سيدي احمد
البدوي بطندتا ولم يحصل من مجيئه إلى مصر وذهابه منها إلا الضرر ولم يبطل بدعة ولم
يرفع مظلمة بل تقررت به المظالم والحوادث فانهم كانوا يفعلونها قبل ذلك مثل السرقة
ويخافون من إشاعتها وبلوغ خبرها إلى الدولة فينكرون عليهم ذلك وخابت فيه الامال
والظنون وهلك بقدومه إليها ثم التي عليها مدار نظام العالم وزاد في المظالم
التحرير لانه كان عندما قدم أبطل رفع المظالم ثم أعاده بإشارة إسمعيل بك وسماه
التحرير فجعله مظلمة زائدة وبقى يقال رفع المظالم والتحرير فصار يقبض من البلاد
خلاف أموال الخراج عدة أقلام منها المضاف والبراني وعوائد الكشوفية والفرد
المتعددة ورفع المظالم والتحرير ومال الجهاد وغير ذلك ولو مات حسن باشا
بالاسكندرية او رشيد لهلك عليه أهل الاقليم اسفا وبنوا على قبره مزارا وقبة وضريحا
يقصده للزيارة
من مات في هذه السنة من الاعيان توفي الامام العالم
العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية شيخ
أهل الإسلام وبركة الانام الشيخ أحمد بن محمد بن احمد بن
أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدردير ولد ببني عدي كما اخبر
عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده وحبب اليه طلب العلم فورد الجامع الازهر وحضر دروس
العلماء وسمع الاولي عن الشيخ محمد الدقري بشرطه والحديث على كل من الشيخ احمد
الصباغ وشمس الدين الحفني وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ علي الصعيدي
ولازمه في جل درسه حتى انجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتيه من الشيخ الحفني وصار من
اكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والعفة والديانة
وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على
الشيخين الحفني والصعيدي وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الاخلاق وذكر لنا عن
لقبه ان قبيلة من العرب نزلت ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب
بلقبه تفاؤلا لشهرته وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره
الاجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الاقوال ومتن في فقه المذهب سماه
أقرب المسالك لمذهب مالك ورسالة في متشابهات القرآن ونظم الخريدة السنية في
التوحيد وشرحها وتحفة الاخوان في آداب أهل العرفان في التصوف وله شرح على ورد
الشيخ كريم الدين الخلوتي وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري ورسالة
في المعاني والبيان ورسالة أفرد فيها طريقة حفص ورسالة في المولد الشريف ورسالة في
شرح قول الوفائية يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم وشرح على
مسائل كل صلاة بطلت على الامام والاصل للشيخ البيلي وشرح على رسالة في التوحيد من
كلام دمرداش ورسالة في الاستعارات الثلاث وشرح على آداب البحث ورسالة في شرح صلاة
السيد احمد البدوي وشرح على الشمائل لم يكمل ورسالة في صلوات شريف اسمها المورد
البارق في الصلاة على أفضل
الخلائق والتوجه الاسني بنظم الاسماء الحسنى ومجموع ذكر
فيه أسانيد الشيوخ ورسالة جعلها شرحا على رسالة قاضي مصر عبد الله افندي المعروف
بططر زاده في قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك الآية وله غير ذلك ولما توفي الشيخ
علي الصعيدي تعين المترجم شيخا على المالكية ومفتيا وناظرا على وقف الصعايدة وشيخا
على طائفة الرواق بل شيخا على اهل مصر بأسرها في وقته حسا ومعنى فأنه كان رحمه
الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ولا يأخذه في الله لومة لائم وله
في السعي على الخير يد بضياء تعلل أياما ولزم الفراش مدة حتى توفي في سادس شهر
ربيع الاول من هذه السنة وصلى عليه بالازهر بمشهد عظيم حافل ودفن بزاويته التي
أنشأها بخط الكعكبيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب وعندما أسسها ارسل إلي وطلب مني
أن احرر له حائط المحراب على القبلة فكان كذلك وسبب انشائه للزاوية ان مولاي محمد سلطان
المغرب كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الآضرحة وأهل الحرمين في بعض
السنين وتكرر منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ثمان وتسعين مبلغا وللشيخ المترجم
قدرا معينا له صورة وكان لمولاي محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى نفذ ما
عنده من النفقة فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده فامتنع عليه وشاع
خبر ذلك في الناس وأرباب الصلات وذهبوا إلى الشيخ بحصته فسأل عن قضية بن السلطان
فأخبروه عنها وعن قصده وانه لم يتمكن من ذلك فقال والله هذا لا يجوز وكيف اننا
نتفكه في مال الرجل ونحن أجانب وولده يتلظى من العدم هو أولى مني وأحق أعطوه قسمي
فأعطاه ذلك ولما رجع رسول ابيه اخبر السلطان والده بما فعل الشيخ الدردير فشكره
على فعله وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له في ثاني عام عشرة امثال الصلة المتقدمة
مجازاة للحسنة فقبلها الاستاذ وحج منها ولما رجع من الحج بنى هذه الزاوية مما بقى ودفن
بها رحمه
الله ولم يخلف بعده مثله
ومات الشيخ الامام العلامة المتفنن المتقن المعمر الضرير
الشيخ محمد المصيلحي الشافعي أحد العلماء أدرك الطبقة الاولى وأخذ عن شيوخ الوقت
وأدرك الشيخ محمد شنن المالكي وأخذ عنه وأجازه الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ عبد ربه
الديوي والشيخ احمد الملوي والحفني والدفري والشيخ علي قايتباي والشيخ حسن
المدابغي وناضل ودرس وأفاد وأقر وانتفع عليه الطلبة ولما مات الشيخ احمد الدمنهوري
وانقرض أشياخ الطبقة الأولى نوه بذكره واشتهر صيته وحف به تلامذته وغيرهم ونصبوه
شبكة لصيدهم وآلة لاقتناصهم وأخذوه إلى بيوت الامراء في حاجاتهم وعرضوا به
المتصدرين من الاشياخ في الرياسة ويرى أحقيته لها لسنة وأقدميته ولما مات الشيخ
احمد الدمنهوري وتقدم الشيخ احمد العروسي في مشيخة الأزهر كان المترجم غائبا في
الحج فلما رجع وكان الأمر قد تم للعروسي أخذه حمية المعاصرة وأكثرها من اغراء من
حوله فيحركونه للمناقضة والمناكدة حتى انه تعدى على تدريس الصلاحية بجوار مقام
الامام الشافعي المشروطة لشيخ الأزهر بعد صلاة الجمعة فلم ينازعه الشيخ احمد
العروسي وتركها له حسما للشر وخوفا من ثوران الفتن والتزم له الاغضاء والمسامحة في
غالب الأطوار ولم يظهر الالتفات لما يعانوه أصلا حتى غلب عليهم بحلمه وحسن مسايرته
حتى انه لما توفي المترجم ورجع إليه تدريس الصلاحية لم يباشر التصدر في الوظيفة
بلى قرر فيها تلميده العلامة الشيخ مصطفى الصاوي وأجلسه وحضر افتتاحه فيها وذلك من
حسن الرأي وجودة السياسة توفي المترجم ثاني عشر شوال من هذه السنة وصلى عليه
بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين ومات الإمام العلامة واللوذعي الفهامة لسان
المتكلمين واستاذ المحققين الفقيه النبيه المستحضر الأصولي المنطقي الفرضي الحيسوب
الشيخ عبد الباسط السنديوني الشافعي تفقه على أشياخ العصر المتقدمين وأجازه
أكابر المحدثين ولازم الشيخ محمد الدفري وبه تخرج في
الفقه وغيره وأنجب ودرس وأفاد وأفنى في حياة شيوخه وكان حسن الالقاء جيد الحافظة
يملي دروسه عن ظهر قلبه وحافظته عجيب الاستحضار للفروع الفقهية والعقلية والنقلية
ومما شاهدته من استحضاره انه وردت فتوى في مسالة مشكلة في المناسخة فتصدى لتحريرها
وقسمتها جماعة من الأفاضل ومنهم الشيخ محمد الشافعي الجناجي وناهيك به في هذا الفن
وتعبوا فيها يوما وليلة حتى حرروها على الوجه المرضي ثم قالوا دعنا نكتبها في سؤال
على بياض ونرسلها للمتصدرين للأفتاء وننظر ماذا يقولون في الجواب ولو بالمهلة
ففعلوا ذلك وأرسلوها للشيخ المترجم مع بعض الناس وهو لا يعلم بشيء مما عانوه فغاب الرسول
مدة لطيفة وحضر بالجواب على الوجه الذي تعب فيه الجماعة يوما وليلة فقضعوا عجبا من
جودة استحضاره وحدة ذهنه وقوة فهمه الا انه كان قليل الورع عن بعض سفاسف الامور
اتفق انه تنازع مع عجوز في فدان ونصف طين مدة سنين وأهين بسببها مرارا في ايام
مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي والشيخ الحفني ورأيته مرة يتداعى معها عند شيخنا
الشيخ احمد العروسي فنهاه الشيخ العروسي عنها ولامه فلم ينته ولم يزل ينازعها
وتنازعه إلى ان مات وغير ذلك أمور يستحي من ذكرها في حق مثله وبذلك قلت وجاهته بين
نظرائه توفي في أول جمادى الآخرة من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بتربة المجاورين
رحمه الله وغفر لنا وله
ومات الشيخ الفاضل الصالح المجذوب صاحب الاحوال محمد ابن
أبي بكر بن محمد المغربي الطرابلسي الشهير بالاثرم ولد بقربه انكوان من اعمال طرابلس
في حدود سنة خمس وأربعين وبها نشأ وتنتسب جدوده إلى خدمة الولي الصالح الشهير سيدي
احمد زروق قدس سره وغلب عليه الجذب في مبادىء امره وحفظ جملة من كلام الشيخ المشار
إليه ومن كلام غيره وكان مبدأ أمره فيما اخبرنا انه توجه إلى تونس
برسم التجارة فاجتمع على رجل من الصالحين هناك ولازمه
فلما قربت وفاته اوصى اليه بملبوس بدنه فلما توفي جمع الحاضرين واراد بيعه فأشار
إليه بعض أهل الشأن أن يضن به ولا يبيعه فتنافس فيه الشارون وتزايدوا فدفع الدراهم
من عنده في ثمنه وابقاه وكان المتوفي فيما قيل قطب وقته فلبسه الوجد في الحال
وظهرت له امور هناك واشتهر امره واتى إلى الاسكندرية فسكنها مدة ثم ورد مصر في
اثناء سنة 1185 وحصلت له شهرة تامة ثم عاد إلى الاسكندرية فقطنها مدة ثم عاد إلى
مصر وهو مع ذلك ينجر في الغنم واثرى بسبب ذلك وتمول وكانت الاغنام تجلب من وادي
برقة فيشارك عليها مشايخ عرب اولاد علي وغيرهم وربما ذبح بنفسه بالثغر فيفرق اللحم
على الناس ويأخذ منهم ثمن ذلك وكان مشهورا بأطعام الطعام والتوسع فيه في كل وقت
وربما وردت عليه جماعة مستكثرة فيقريهم في الحال وتنقل له في ذلك أمور
ولما ورد مصر كان على هذا الشأن لا بد للداخل عليه من
تقديم مأكول بين يديه وهادته اكابر الامراء والتجار بهدايا فاخرة سنية وكان يلبس
احسن الملابس وربما لبس الحرير المقصب يقطع منها ثيابا واسعة الاكمام فيلبسها
ويظهر في كل طور في ملبس آخر غير الذي لبسه اولا وربما احضر بين يديه آلات الشرب وانكبت
عليه نساء البلد فتوجه اليه بمجموع ذلك نوع ملام الا ان اهل الفضل كانوا يحترمونه
ويقرون بفضله وينقلون عنه اخبارا حسنة وكان فيه فصاحة زايدة وحفظ لكلام القوم وذوق
للفهم ومناسبات للمجلس وله اشراف على الخواطر فيتكلم عليها فيصادف الواقع ثم عاد
إلى الاسكندرية ومكث هناك الى ان ورد حسن باشا فقدم معه وصحبته طائفة من عسكر
المغاربة ولما دخل مصر أقبلت عليه الاعيان وعلت كلمته وزادت وجاهته واتته الهدايا
وكانت شفاعته لا ترد عند الوزراء ولما كان آخر جمادى الأولى من هذه السنة توجه إلى
كرداسة لايقاع صلح بين العرب وبين جماعة من القافلة المتوجهة إلى طرابلس فمكث
عندهم في العزائم والاكرامات مدة من الايام ثم
رجع وكان وقتا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه البرد والرعدة
في الحال ومرض نحو ثمانية ايام حتى توفي نهار الثلاثاء ثالث جمادى الثانية وجهز
وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر ودفن تحت جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن
الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرا وقد رآه اصحابه بعد موته في منامات عدة تدل على
حسن حاله في البرزخ رحمه الله
ومات الإمام العلامة والفاضل الفهامة صفوة النبلاء
ونتيجة الفضلاء الشيخ احمد بن احمد بن محمد السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده
وعلى الشيخ احمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وانجب
ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق والصيانة توفي
سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير
ومات الأجل العمدة الشريف الصالح السيد عبد الخالق بن
احمد ابن عبد اللطيف بن محمد تاج العارفين المنتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر
الحسني الجيلي المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو اخو السيد محمد الجيزي المتوفي
قبل ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد اخيه الكتابة ببيت النقابة ومشيخة
القادرية واحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة وكان انسانا حسنا كثير الحياء متجمعا
عن الناس مقبلا عن شأنه وفيه رقة طبع مع الاخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار
رحمه الله
ومات الأمير الصالح المبجل احمد جاويش أرنؤد باش اختيار
وجاق التفكجية وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا
عند أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسمعون
لقوله وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن الآغراض وكان يحب أهل
الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من أنوار علومهم ويذهب كثيرا إلى سوق
لكتبيين ويشتري الكتب ويوقفها على طلبة العلم واقتنى
كتبا نفيسة ووقفها جميعها في حال حياته ووضعها بخزانة الكتب بجامع شيخون العمري
بالصليبة تحت يد الشيخ موسى الشيخوني الحنفي وسمع على شيخنا السيد مرتضى صحيح
البخاري ومسلم وأشياء كثيرة والشمائل والثلاثيات وغير ذلك وبالجملة فكان من خيار
من أدركنا من جنسه ولم يخلف بعده مثله توفي في ثامن شوال من السنة وقد ناهز التسعين
ومات الامير المبجل احمد كتخدا المعروف بالمجنون احد
الأمراء المعروفين والقراصنة المشهورين وهو من مماليك سليمان جاويش القازدغلي ثم انضوى
إلى عبد الرحمن كتخدا وانتسب إليه وعرف به وأدرك الحوادث والفتن التليدة والطارفة
ونفى من نفى في أمارة علي بك الغزاوي في سنة ثلاث وسبعين إلى بحري ثم إلى الحجاز
وأقام بالمدينة المنورة نحو اثنتي عشرة سنة وقادا بالحرم المدني ثم رجع إلى الشام
وأحضره محمد بك ابو الذهب إلى مصر واكرمه ورد اليه بلاده وأحبه واختص به وكان
يسامره ويأنس بحديثه ونكاته فانه كان يخلط الهزل بالجد ويأتي بالمضحكات في خلال
المقبضات فلذلك سمي بالمجنون وكان بلد ترسا بالجيزة جارية في التزامه وعمر بها
قصرا وانشأ بجانبه بستانا عظيما زرع فيه أصناف الأشجار والنخيل والرياحين ويجلب من
ثماره إلى مصر للبيع والهدايا ويرغب فيها الناس لجودتها وحسنها عن غيرها وكذلك
أنشأ بستانا بجزيرة المقياس في غاية الحسن وبنى بجانبه قصرا يذهب إليه في بعض الاحيان
ولما حضر حسن باشا إلى مصر ورأى هذا البستان اعجبه فاخذه لنفسه واضافه إلى أوقافه
وبنى المترجم ايضا داره التي بالقرب من الموسكي داخل درب سعادة ودارا على الخليج
المرخم اسكن فيه بعض سراريه وكان له عزوة ومماليك ومقدمون واتباع وإبراهيم بك اوده
باشه من مماليكه ورضوان كتخدا الذي تولى بعده كتخدا الباب وكان مقدمة في المدد
السابقة يقال له المقدم فوده له شأن وصوله بمصر وشهرة في القضايا والدعاوى ولم يزل
طول المدد السابقة جاويشا فلما
كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان ولم يزل
معروفا مشهورا في أعيان مصر إلى ان توفي في خامس شعبان من السنة
ومات الأمير الجليل محمد بك الماوردي وهو مملوك سليمان
اغا كتخدا الجاويشية زوج ام عبد الرحمن كتخدا وخشداشينه حسن بك الأزبكاوي الذي قتل
بالمساطب كما تقدم وحسن بك المعروف بأبي كرش فكان الثلاثة امراء يجلسون بديوان
الباشا وسيدهم كتخدا الجاويشية واقف في خدمته على أقدامه ومرت له محن في تنقلاته
ورحلاته إلى البلاد عندماتملك علي بك وخرج المترجم منفيا وهاربا من مصر مع من خرج
وباشر الحروب باسيوط وذهب الى الشام وغيرها لكن لم اتحقق وقائعه ولم يزل حتى حضر
الى مصر في أيام ابي الذهب وقد صار ذا شيبة وتزوج ببنت الشيخ العناني وأقام ببيتهم
بسوق الخشب خاملا حتى مات في هذه السنة وكان لا بأس به وتقلد في المدد السابقة
اغاوية مستحفظان ثم الصنجقية ونظارة الجامع الأزهر
سنة اثنتين ومائتين والف استهل المحرم بيوم السبت فيه
عزل المحتسب وتولى آخر يسمى يوسف اغا الخربتاوي وتولى عثمان بك طبل الإسماعيلي على
دجرجا وفيها انفرد اسمعيل بك الكبير في امارة مصر وصار بيده العقد والحل والابرام
والنقض واستوزر محمد اغا البارودي وجعله كتخداه واستمر اسمعيل كتخدا حسن باشا بمصر
لقبض بواقي المطلوبات وسكن ببيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق
وفيه قبض اسمعيل بك على الحاج سليمان بن ساسي وحبسه ببيت
محمد اغا البارودي وصادره في خمسين كيسا
وفي خامسه طلب اسمعيل بك دراهم قرضة مبلغا كبيرا فوزعوا
منها
جانبا على تجار البن والبهار وجانبا على الذين يقرضون
البن بالمرابحة للمضطرين وجانبا على نصارى القبط وعلى الأروام والشوام وعلى طوائف
المغاربة بطولون والغورية وعلى المتسببين في الغلال بالسواحل والرقع وكذلك بياعو القطن
والبطانة والقماش والمنجدون واليهود وغير ذلك فانزعج الناس وأغلقوا وكائل البن
والغورية ودكاكين الميدان
وفي يوم السبت خامس عشره اجتمع جملة من الطوائف المذكورة
وحضروا إلى الجامع الأزهر وضجوا واستغاثوا من هذا النازل وحضر الشيخ العروسي
فقاموا في وجهه وأرادوا قفل أبواب الجامع فمنعهم من ذلك فصاحوا عليه وسبوه وسحبوه
بينهم إلى جهة رواق الشوام فمنع عنه المجاورون وأدخلوه إلى الرواق ودافعوا عنه
الناس وقفلوا عليه باب الرواق وصحبته طائفة من المتعممين وكتبوا عرضا إلى اسمعيل
بك بسبب ذلك وأرسلوه صحبة الشيخ سليمان الفيومي وانتظروه حتى رجع إليهم ومعه تذكرة
من اسمعيل بك مضمونها الامان والعفو عن الطوائف المذكورة
وفيها ان هذا المطلوب انما هو على سبيل القرض والسلفة من
القادر على ذلك فلما قرئت عليهم التذكرة قالوا هذه مخادعة وعندما ينفض الجمع وتفتح
الدكاكين يأخذونا واحدا بعد واحد ثم قام الشيخ وركب وحوله الجم الغفير والغوغاء
وبعض المجاورين يدفع الناس عنه بالعصي والعامة يصيحون عليه ويسمعونه الكلام غير
اللائق الى ان وصل إلى باب زويلة فنزل بجامع المؤيد وأرسل إلى اسمعيل بك يخبره
بهذا الحال فحنق اسمعيل بك وظن انها مفتعلة من الشيخ وانه هو الذي أغراهم على هذه
الأفعال فأجابه الرسل وحلفوا له ببراءته من ذلك وليس قصده الا الخلاص منهم فقال
أنا ارسلت اليهم بالامان ودعوهم ينفضوا وما أحد يطالبهم بشيء فانفضوا وتفرقوا ومضى
على ذلك يوما فأرسلوا إلى أهل الصاغة والجواهرجية والنحاسين وطالبوهم بالمقرر
والموزع عليهم فلم يجدوا بدا من الدفع ثم طالبوا وكالة الجلاية وتطرق الحال إلى
باقي
الناس حتى بياعي الفسيخ ومجموع ذلك نحو اثنين وسبعين
حرفة
وفي منتصفه حضر علي كاشف من جهة قبلي وقد كان سافر بعد
سفر حسن باشا برسالة إلى الأمراء القبالي وأخبر أنهم مستقرون في اماكنهم ولم
يتحركوا
وفي يوم الخميس سادس عشرينه سافر أمير القلزم بملاقاة
الحاج وكان من عادته السفر في أول الشهر ولم يحضر في هذه السنة نجاب الجبل وأخذوا
من بلاد أمير الحج بلدين وأخذوا ايضا بيته الذي كان سكن به فلما استقر يحيى بك بمصر
أخذه وسكنه لكونه زوج بنت صالح بك وهو بيت أبيها وهو أحق به
ثم استهل شهر صفر الخير وفيه كملت القيسارية التي عمرها
اسمعيل بك بجانب السبيل الذي بسويقة لاجين فأنشأ بها أحدى وعشرين حانوتا وقهوة
وجعلها مربعة الأركان وهذا السبيل من انشاء سيده إبراهيم كتخدا ولما أتمها نقل
إليها سوق درب الجماميز بعد العصر وانتقل اليه الدلالون والناس والقماشون في عصرية
يوم الثلاثاء ثانية ويطل سوق درب الجماميز من ذلك اليوم وليس لاسمعيل بك من المحاسن
إلا نقل هذا السوق من تلك الجهة ووضعه في هذه الجهة كما لا يخفى
وفيه اشتد العسف في الرعية بسبب طلب السلفة وتعدى الحال
إلى بياع المخلل والصوفان وتضرر الفقراء من ذلك
وفي سابعه سافر محمد باشا وإلى جدة إلى السويس
وفي يوم السبت ثالث عشره طلع اسمعيل بك والامراء إلى
الديوان بالقلعة وأخرج قوائم مزاد البلاد التي تأخر على ملتزميها الميري فتصدر لشرائها
كتخدا محمد اغا البارودي فاشترى نحو سبعين بلدا وفي الحقيقة هي راجعة إلى مخدومه
يفرقها على من يشاء من أغراضه فشرع اولا في طلب الشتوي وزاد على من أخذ البلاد سنة
ونصفا ثم ادعى ان حسن باشا أخذ سنة من الحلوان ودخلت في حسابه وطلب سنة ونصف اخرى
وطلب المال الصيفي ايضا فعجزت الملتزمون ففعل هذه الفعلة
وأخرج قوائم مزادهم إلى الديوان واستخلصها من ملتزميها
وفي تلك الليلة حضرت جماعة من كشاف النواحي القبلية
واخبروا ان الأمراء القبالي حضرو إلى أسيوط وأوائلهم تعدي منفلوط فهرب من كان هناك
من الكشاف وغيرهم وحضروا إلى مصر فلما تحققت هذه الاخبار طلع في صبحها إسماعيل بك
إلى الديوان واجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ فتكلم اسمعيل بك وقال يا أسيادنا
يا مشايخ يا امراء يا وجاقلية أن الجماعة القبليين نقضوا عهد السلطان وانتقلوا من
اماكنهم وزحفوا على البلاد فهل الواجب قتالهم ودفعهم فقالوا نعم فقال ان المخالفين
إذا نقضوا عهد السلطان ولزم الحال إلى قتالهم يصرف على المقاتلين من العسكر من
خزينة السلطان وليس هنا خزينة فكل منكم يقاتل عن نفسه فأجابه اسمعيل افندي الخلوتي
وقال ونحن أي شيء تبقى عندنا حتىنصرفه وقد صرنا كلنا شحاتين لا نملك شيئا فقال له
الباشا هذا الكلام لا يناسب ولا ينبغي أنك تكسر قلوب العسكر بمثل هذاالكلام
والأولى ان تقول لهم أنا وأنتم شيء واحد ان جعت جوعوا معي وان شبعت اشبعوا معي ثم
انحط الرأي بينهم على أن يكتبوا عرضا للدولة والاخبار عن نقضهم وعرضا لهم بالتحذير
ثم كتبوا فرمانات لجميع الغز والاجناد الغائبين بالأرياف بالحضور وبكى اسمعيل بك
بالمجلس ونهنه في بكائه ثم كتبوا مكاتبة من الباشا ومن الوجاقلية والمشايخ
وأرسلوها صحبة واحد من طرف الباشا وسراج من طرف اسماعيل بك وأرسلوا إلى محمد باشا
المسافر إلى جدة بالرجوع من السويس إلى مصر بأمر من الدولة
وفي ذلك اليوم أعني يوم الحد رابع عشرة حضر جاويش الحاج
من العقبة
وفي يوم الأربع سابع عشرة نبهوا على مماليك الأمراء
القبليين وكشافهم الكائنين بمصر بالاجتماع والحضور فأرسل كل من كان مستخدماص عنده
جماعة من الأمراء والصناجق وغيرهم فجمعهم في مكان في بيته ومن كان غائبا في حاجة أرسلوا
إليه وأحضروه فلما تكاملوا أخذوا خيولهم وأسلحتهم وأبقوهم في الترسيم واما علي بك
الدفتردار فأنه لم يسلم
فيمن عنده وكان منقطعا في الحريم لصداع برأسه ووجع في
عينيه من مدة شهرين
وفي يوم الجمعة كان نزول الحجاج ودخولهم إلى مصر وكانوا
أغلقوا أبواب مصر وأجلسوا عليها حرسجية فلم يدخل الحجاج إلا من باب النصر فقط
فتضرر الناس من الازدحام في ذلك الباب وارتاح الحجاج في هذا العام ولم يحصل لهم
تعب وزاروا الدينة الشريفة
وفيه نزل الاغا وصحبته كتخدا الباشا وأمامهما المناداة
على كل من كان مختفيا من اتباع الأمراء القبليين ومماليكهم بالظهور ويطلعوا
يقابلوا الباشا وكل من ظهر عنده أحد بعد ثلاث ايام فانه يستأهل الذي يجري عليه
وفي صبحها يوم السبت دخل أمير الحاج غيطاس بك وصحبته
المحمل
وفيه شرع اسمعيل بك في طلب تفريدة من البلاد والقرى
فجعلوا على كل بلد مائة دينار وعشرة خلاف ما يتبع ذلك من الكلف وحق الطرق وغير ذلك
وعين لقبضها خازنداره وغيره
وفي تاسع عشره قبضوا على جماعة من المماليك والاجناد وهم
الذين كانوا في الترسيم وأنزلوهم في مراكب وأرسلوهم إلى ثغر اسكندرية وحبسوهم
بالبرج ومنهم جماعة بأبي قير وكان علي بك توقف في تسليم المنتسبين اليه فلم يزل به
اسمعيل بك حتى سلم فيهم
وفي عشرينه قبضوا على بواقيهم وأنزلوهم المراكب ايضا
وبعضهم أنزله عريانا ليس عليه سوى القميص والصديري واللباس وطاقية أو طربوش معمم
عليه بمحرمة أو منديل ونحو ذلك ولم تزل الحرسجية مقيمين عل الابواب وحصل منهم
الضرر للناس والرعية والمتسببين والفلاحين الواردين من القرى بالجبن والسمن والتبن
ونحو ذلك وكل من أراد العبور من باب منعوه من الدخول حتى يأخذوا منه دراهم ولو كان
بنفسه
وفي يوم الأحد ثامن عشرينه نزل الاغا وامامه الوالي
وأوده باشة البوابة وامامهم المناداة على جميع الالضاشات المنتسبين إلى الوجاقات بانهم
يأخذوا لهم أوراقا من ابوابهم وكل من وجد وليس معه ورقة بعد ثلاثة أيام يحصل له
مزيد من الضرر وبيد المنادي فرمان من الباشا
وفيه ركب اسمعيل بك ونزل إلى بولاق ليتفرج على شركفلك
الذي صنعه وتم شغله وقد زاد في صنعته عما فعله حسن باشا بان ركبه على عجل يجروه
وزاد في اتقانه وسبك جللا كثيرة للمدافع فلما رآه أعجبه وشرع أيضا في عمل شركفلكين
اثنين وجهز ذخيرة عظيمة من بقسيماط وغيره
وفي يوم الاثنين حضر الرسول الذي كان توجه بالرسالة
للأمراء القلبيين وهو الذي من طرف الباشا وصحبته آخر من طرف اسمعيل بك وعلى يدهما
جوابان احدهما خطاب للباشا والثاني خطاب للمشايخ فاجتمعوا بالديوان في صبحها يوم
الثلاثاء وقرأوا الجوابات وملخصها انكم نسبتونا لنقض العهد والحال ان النقض حصل
منكم بتسفير أخواننا الرهائن وذهابهم مع قبطان باشا إلى الروم وما فعلتم في بيوتنا
وحريمنا ولما حصل ذلك احتد البعض منا وزحفوا إلى بحري فركبنا خلفهم نردهم فلم
يمتثلوا فأقمنا معهم فلما قرأوا ذلك بحضرة الجمع اقتضى الرأي كتابة مراسلة أخرى من
الباشا والمشايخ وفيها الملاطفة في الخطاب والاعتذار وارسلوها وأخذوا في الاهتمام والتشهيل
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الاربعاء وفي ثانيه ركب
الآغا وشق الاسواق وصار يقف على الوكائل والخانات ويفتش على الالضاشات ودخل سوق خان
الخليلي ونبه على افرادهم وقال لهم في غد احضر في التبديل وكل من وجدته من غير
ورقة جدك فعلت به وفعلت وقطعت أذنيه أو أنفه
وفيه عزل احمد افندي الصفائي الروزنامجي من الروزنامة
لمرضه وتقلد احمد افندي المعروف بأبي كلية قلفة الانبار روزنامجي عوضا عنه
وفي سادسه ارسلوا بجوابات الرسالة الشيخ احمد بن يونس
وكتبوا
لهم ايضا سمهود وبرديس وزيادة على ما بأيديهم من البلاد
والحال ان الجميع بأيديهم
وفي يوم الثلاثاء حضر عابدي باشا واسمعيل بك إلى بيت
الشيخ البكري باستدعاء بسبب المولد النبوي فلما استقر بهم الجلوس التفت الباشا إلى
جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له أنها بيوت النصارى فأمر بهدمها وبالمناداة عليهم
بالمنع من ركوب الحمير فسمعوا في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال منها
على الشوام سبعة عشر ألفا وباقيها على الكتبه
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الجمعة فيه كتب الباشا
فرمانا على موجب الفتوى ونزل به آغات مستحفظان ونادى به جهارا وكذلك التنبيه على
جميع الوجاقلية باتباع ابوابهم وحضور الغائبين منهم والاستعداد للخروج
وفي ثالثه انفق اسمعيل بك على الامراء الصناجق وارسل لهم
الترحيله فأرسل إلى حسن بك الجداوي ثمانية عشر ألف ريال فغضب عليها وردها ووبخ
محمدا كتخدا البارودي وركب مغضبا وخرج إلى نواحي العادلية فركب إليه في صبحها
اسمعيل بك وعلي بك الدفتردار وصالحاه وزاد له في الدراهم حتى رضي وتكلم مع اسمعيل
بك في تشديده على الرعية والالضاشات
وفي يوم الخميس ثامنه سافر امام الباشا وعلي كاشف من طرف
اسمعيل بك بجوابات للأمراء القبليين حاصلها اما الرجوع إلى اماكنهم على موجب
الاتفاق والصلح بشرط ان تدفعوا ميري البلاد التي تعديتم عليها وإلا فنحن ايضا ننقض
الصلح بيننا وبينكم ثم وصل الخبر بان إبراهيم بك ارتحل من طحطا غرة الشهر وحضر إلى
المنية عند قسيمة مراد
بك وان مراد بك فرق البلاد من بحري المنية على اتباعه
واتباع أمراء الذين بصحبته ثم وقع التراخي في امر التجريدة وحصل التواني والاهمال
والترك وخرجت الخيول إلى المرعى
وفي يوم الجمعة سادس عشرة نزل عابدي باشا إلى بولاق وركب
إليه اسمعيل بك وبقية الامراء وامامه مدافع الزنبلك على الجمال فتفرج على الشركفلكات
وسيروا امامه الثلاث غلايين إلى مصر القديمة وضربوا مدافعها ثم عاد وطلع إلى
القلعة
وفي يوم الثلاثاء عزل احمد افندي أبو كلبة من الروزنامة
وتقلدها عثمان افندي العباسي على رشوة دفعها وضاع على أحمد افندي ما دفعه من
الرشوة
وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه حضر امام الباشا وعلي كاشف
وأخبرا ان ابراهيم بك حضر عند مراد بك بالمنية وان جماعة من صناجقهم وامرائهم
وصلوا إلى بني سويف وبحريها وانهم قالوا في الجواب اننا تركنا لهم الجهة البحرية
وأخذنا الجهة القبلية فان قاتلونا عليها قاتلناهم وان انكفوا عنا فلسنا واصلين اليهم
ولا طالبين منهم مصر ونعقد الصلح على ذلك فيرسلوا لنا بعض المشايخ والاختيارية
نتوافق معهم على أمر يحسن السكوت عليه فعملوا ديوانا اجتمع به الجميع وتحالفوا
واتفقوا على ارسال جواب صحبه قاصد من طرف الباشا مضمونه انهم يرسلون من جهتهم
أميرين كبيرين فيهما الكفاءة لفصل الخطاب ليحصل معهما التوافق ونرسل صحبتهما ما أشاروا
به
وفي يوم الاثنين حضر واحد بشلي وعلى يده مكاتبات من حسن باشاخطابا
إلى الباشا واسمعيل بك وعلي بك وحسن بك ورضوان بك واسمعيل كتخدا والشيخ البكري
وأخبر بوصول عسكر ارنؤدا إلى ثغر الاسكندرية وعليهم كبير ومعه هدية الى الأمراء
وفي يوم الخميس طلع الامراء إلى الديوان وتكلموا من جهة
النفقة فقال قاسم بك أما أنا فلا يكفيني خمسون ألف ريال فقال له إسمعيل
بك فعلى هذا أمثالك ويحتاج حسن بك ورضوان بك وعلي بك كل
واحد مائة ألف فلازم اننا نرسل الى السلطان يرسل لكم خزائنه حتى تكفيكم فرد عليه
علي بك وقال أنا صرفت على التجريدة الأولى وشهلت أربع باشاوات والامراء والاجناد وأنت
من جملتهم وما صادرت احدا في نصف فضة فاغتاظ اسمعيل بك وقال اعمل كبير البلد وافعل
مثل ما فعلت وانا اعطيك المال الذي تحت يدي الذي جمعته من الناس خذه واصرفه
بمعرفتك وقام من المجلس منتورا فرده الباشا واختلى به وبعلي بك وحسن بك ورضوان بك
ساعة زمانيةوتشاوروا مع بعضهم ثم قاموا ونزلوا
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم السبت فيه حضر ططرى وبيده
مرسومات فاجتمعوا بالديوان وقرأوها أحدها بطلب مشاق ويدك والثاني بسبب الجماعة
القبليين ان كانوا مقيمين بالاماكن التي عينها لهم حسن باشا فلا تتعرضوا لهم وان
كانوا زحفوا وتعدوا ونقضوا فأخرجوا إليهم وقاتلوهم وان احتجتم عساكر أرسلنا لكم والثالث
مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة والرابع بالوصية على الفقراء وغلال الحرمين
والانبار والجامكية وأمثال ذلك من الكلام الفارغ
وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا يكن المفصل من ولاية مصر
وفي يوم الاثنين ثالثه حضر المرسل من الجهة القبلية
وصحبته صالح اغا الوالي بجوابات حاصلها انهم يطلبون من طحطا الى قبلي ويطلبون حريمهم
وان يردوا لهن ما أخذوه من بلادهن وكذلك يطلبون أتباعهم ومماليكهم الذين ارسلوهم
إلى الاسكندرية فأن أجيبوا إلى ذلك لا يتعدون بعدها على شيء أصلا فلما قرئت
المكاتبة بحضرة الجمع في الديوان قال اسمعيل بك للباشا لا يمكن ذلك ولا يتصور ابدا
والا افعلوا ما بدالكم ولا علاقة لي ولا أكتب فرمانا فأني أخاف على نفسي ان زدتهم
على ما أعطاهم حسن باشا ولا بد من دفعهم الميري ثم كتبوا لهم جوابا وسافر به صالح
أغا المذكور وآخرمن طرف اسمعيل بك
وفي يوم السبت ثامنه وقع بين أهل بولاق وبين العسكر
معركة بسبب
افسادهم وتعديهم وفسقهم مع النساء وأذية السوقة وأصحاب
الحوانيت وخطفهم الاشياء بدون ثمن فاجتمع جمع من اهل بولاق وخرجوا إلى خارج البلدة
يريدون الذهاب إلى الباشا يشكون ما نزل بهم من البلاء فلما علم عسكر القليونجية ذلك
اجتمعوا بأسلحتهم وحضروا اليهم وقاتلوهم وانهزم القليونجية فنزل الاغا وتلافى
الأمر وأخذ بخاطر العامة وسكن الفتنة وخاطب العسكر ووبخهم على أفعالهم
وفي يوم الاثنين سابع عشرة حضر صالح آغا بجواب وأخبر
بصلح الامراء القبليين على ان يكون لهم من اسيوط وما فوقها ويقوموا بدفع ميرى البلاد
وغلالها ولا يتعدوا بعد ذلك وانهم يطلبون اناسا من كبار الوجاقات والعلماء ليقع
الصلح بأيديهم فعمل الباشا ديوانا وأحضر الامراء والمشايخ واتفقوا على ارسال الشيخ
محمد الامير واسمعيل افندي الخلوتي وآخرين وسافروا في يوم الاربعاء تاسع عشره
وفي خامس عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية حارة واستمرت
اثني عشر يوما
واستهل شهر جمادى الثاني بيوم الاحد فيه ورد الخبر بان
جماعة من الامراء القبليين حضروا إلى بني سويف
وفي ثالثه وصل الخبر بان مراد بك حضر ايضا إلى بني سويف
في نحو الاربعين فشرع المصريون في التشهيل والاهتمام وأخرجوا خيامهم ووطاقهم إلى
ناحية البساتين
وفي يوم الخميس طلع الامراء إلى الباشا وتكلموا معه
واخبروه بما ثبت عندهم من زحف الجماعة الى بحرى وطلبوه للنزول صحبتهم فقال لهم حتى
ترجع الرسل بالجواب أو نرسل لهم جوابا آخر وننظر جوابهم فامتثلوا إلى رأيه فكتب
مكتوبا مضمونه انكم طلبتم الصلح مرارا واجبناكم بما طلبتم وأعطيناكم ما سألتم ثم
بلغنا انكم زحفتم ورجعتم الى بني سويف فما عرفنا أي شيء هذا الحال والقصد أنكم
تعرفون عن قصدكم وكيفية حضوركم ان كنتم نقضتم الصلح والا لا فترجعوا الى
ما حددناه لكم وما وقع عليه الاتفاق وأرسله صحبة مرسل من
طرفه
وفي يوم الجمعة سحبوا الشركفلكات من بولاق وذهبوا بها
إلى الوطاق
وشرع اسمعيل بك في عمل متاريس عند طراو المعصرة وكذلك في
بر الجيزة وجمع البنائين والفعلة والرجال وأمر بحفر خندق وبني ابراجا من حجر
وحيطانا لنصب المدافع والمتاريس في البرين
وفي يوم الخميس ثاني عشرة حضر الشيخ محمد الامير ومن
بصحبته واخبروا انهم تركوا ابراهيم بك ومراد بك في بني سويف وأربعة من الامراء وهم
سليمان بك الاغا وابراهيم بك لوالي وأيوب بك الصغير وعثمان الشرقاوي بزاوية
المصلوب وحاصل جوابهم ان يكن صلح فليكن كاملا ونقعد معهم بالبلد عند عيالنا ونصير
كلنا اخوة ونقيم ثأرنا في ثأرهم ودمنا في دمهم وعفا الله عما سلف فان لم يرضوا
بذلك فليستعدوا للقاء وهذا آخر الجواب والسلام وأرسلوا جوابات بمعنى ذلك إلى
المشايخ وعلى انهم يسعون في الصلح أو يخرجوا لهم على الخيل كما هي عادة المصريين
في الحروب
وفي هذه الايام حصل وقف حال وضيق في المعايش وانقطاع
للطرق وعدم أمن وقوف العربان ومنع السبل وتعطيل أسباب وعسر في الاسفار برا وبحرا
فاقتضى رأي الشيخ العروسي أنه يجتمع مع المشايخ ويركبون الى الباشا ويتكلمون معه
في شأن هذا الحال فاستشعر اسمعيل بك بذلك فدبج امرا وصور حضور ططرى من الدوله وعلى
يده مرسوم فأرسل الباشا في عصر يوم الجمعة للمشايخ والوجاقلية وجمعهم وقرأوا عليهم
ذلك الفرمان ومضمونه الحث والامر والتشديد على محاربة الامراء القبالي وطردهم
وابعادهم فلما فرغوا من ذلك تكلم الشيخ العروسي قال خبرونا عن حاصل هذا الكلام
فاننا لا نعرف بالتركي فأخبروه فقال ومن المانع لكم من الخروج وقد ضاق الحال
بالناس ولا يقدر أحد من الناس أن يصل إلى بحر النيل وقربه الماء بخمسة عشر نصف فضة
وحضره اسمعيل بك مشتغل ببناء حيطان ومتاريس وهذه ليست طريقة
المصريين في الحروب بل طريقتهم المصادمة وانفصال الحرب
في ساعة اما غالب او مغلوب وأما هذا الحال فانه يستدعي طولا وذلك يقتضي الخراب
والتعطيل ووقف الحال فقال الباشا انا ما قلت لكم هذا الكلام اولا وثانيا هيا شهلوا
أحوالكم ونبهوا على الخروج يوم الاثنين وانا قبلكم
وفي ليلة الاثنين حضر شخصان من الططر ودخلا من باب النصر
وأظهرا انهما وصلا من الديار الرومية على طريق الشام وعلى يدهما مرسومات حاصلهما
الاخبار بحضور عساكر برية وعليهم باشا كبير وذلك ايضا لا أصل ونودى في ذلك اليوم بالخروج
الى المتاريس وكل من خرج يطلع اولا الى القلعة ويأخذ نفقة من باب مستحفظان وقدرها
خمسة عشر ريالا فطلع منهم حملة واخذوا نفقاتهم وخرجوا الى المتاريس بالجيزة
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه وردت مكاتبات من الديار
الحجازية واخبروا فيها بوفا الشريف سرور شريف مكة وولاية أخيه الشريف غالب
وفي ليلة الاحد تاسع عشرينه مات ابراهيم بك قشطة صهر
اسمعيل بك مطعونا
وفيه عزل اسمعيل بك المعلم يوسف كساب الجمركي بديوان
بولاق ونفاه الى بلاد الافرنج وقيل انه غرقه ببحر النيل وقلد مكانه مخاييل كحيل
على عشرين الف ريال دفعها
واستهل شهر رجب بيوم الثلاثاء
وفي كل يوم ينادي المنادى بالخروج ويهدد من تخلف
واستمروا متترسين بالبرين وبعض الامراء ناحية طرا وبعضهم بمصر القديمة في خلاعاتهم
وبعضهم بالجيزة كذلك الى ان ضاق الحال بالناس وتعطلت الاسفار وانقطع الجالب من
قبلي وبحري وارسل اسمعيل بك الى عرب البحيرة والهنادي فحضروا بجمعهم واخلاطهم
وانتشروا في الجهة الغربية من رشيد إلى الجيزة ينهبون البلاد ويأكلون الزروعات
ويضربون المراكب
في البحر ويقتلون الناس حتى قتلوا في يوم واحد من بلد النجيلة
نيفا وثلثمائة انسان وكذلك فعل عرب الشرق والجزيرة بالبر الشرقي وكذلك رسلان وباشا
النجار بالمنوفية فتعطل السير برا وبحرا ولو بالخفارة حتى ان الانسان يخاف أن يذهب
من المدينة الى بولاق او خارج باب النصر
وفي يوم السبت خامسه نهب سوق انبابة وفيه قتل حمزة كاشف
المعروف بالدويدار رجلا نصرانيا روميا صائغا اتهمه مع حريمه فقبض عليه وعذبه اياما
وقلع عينيه واسنانه وقطع انفه وشفتيه واطرافه حتى مات بعد ان استاذن فيه حسن بك الجداوي
وعندما قبض عليه ارسل حسن بك ونهب باقي حانوته من جوهر ومصاغ الناس وغير ذلك وطلق
الزوجة بعد ان اراد قتلها فهربت عند الست نفيسة زوجة مراد بك
وفي يوم الاحد أخذ اسمعيل بك فرمانا من الباشا بفردة على
البلاد لسليم بك امير الحاج ليستعين بها على الحج وقرر على كل بلدة مائة ريال وجملا
وفي يوم الثلاثاء اجتمع الامراء والوجاقلية والمشايخ
بقصر العيني فأظهر لهم أسمعيل بك الفرمان وعرفهم احتياج الحال لذلك فقام الاختيارية
واغلظوا عليه ومانعوا في ذلك
وفي يوم الخميس سابع عشرة وصل نحو الالف من عسكر الارنؤد
الى ساحل بولاق وعليهم كبير يسمى اسمعيل باشا فخرج اسمعيل بك وحسن بك وعلي بك
ورضوان بك لملاقاته ومدوا له سماطا عند مكان الحلي القديم
وفي يوم الجمعة ثامن عشرة امطرت السماء من بعد الفجر الى
العشاء واطبق الغيم قبل الغروب وارعد رعدا قويا وابرق برقا ساطعا ثم خرجت فرتونة
نكباء شرقية شمالية واستمر البرق والمطر يتسلسل غالب الليل وكان ذلك سابع عشر
برمودة وخامس عشر نيسان وخامس درجة من برج الثور فسبحان الفعال لما يريد
وفي يوم الاحد عشرينه كان عيد النصارى وفيه تقررت الفرد
المذكورة وسافر لقبضها سليم بك امين الحج ولم يفد من قيام الوجاقلية وسعيهم في
ابطالها شيء فإنهم لما عارضوا في ذلك فتح عليهم طلب المساعدة وليس بأيدي الملتزمين
شيء يدفعونه فقال إذا كان كذلك فاننا نقبضها من البلاد فلم يسعهم إلا الاجابة
وفي يوم الاثنين حضر إلى ثغر بولاق اغا اسود وعلى يده
مقرر لعابدي باشا وخلعه لشريف مكة فطلع عابدي باشا إلى القلعة وعمل ديوانا في يوم
الثلاثاء واجتمع الامراء والمشايخ والقاضي وقرأوا المقرر ووصل صحبة الاغا المذكور
ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبه العلم بالازهر ويقرأون له صحيح
البخاري ويدعون له بالنصر
وفي يوم الاربعاء قتل اسمعيل باشا كبير الارنؤد رئيس
عسكره وكان يخشاه ويخاف من سطوته قيل انه اراد أن يأخذ العسكر ويذهب بهم إلى
الامراء القبليين رغبة في كثرة عطائهم فطالبه بنفقة وألح عليه وقال له ان لم تعطهم
هربوا حيث شاؤوا فحضر عنده وفاوضه في ذلك فلاطفه وأكرمه واختلى به واغتاله وقطع
رأسه وألقاها من الشباك لجماعته
وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة اسماء المجاورين والطلبة
وأخبروا الباشا ان الالف قرش لا تكفي طائفة من المجاورين فزادها ثلاثة آلاف قرش من
عنده فوزعوها بحسب الحال أعلى وأوسط وآدنى فخص الاعلى عشرون قرشا والاوسط عشرة
والادنى اربعة وكذلك طوائف الاروقة بحسب الكثرة والقلة ثم احضروا اجزاء البخاري
وقرأوا وصادف ذلك زيادة أمر الطاعون والكروب المختلفة
وفي يوم الاثنين ثامن عشرينه توفي صاحبنا حسن افندي قلفة
الغربية وتقلد عوضه صهره مصطفى افندي ميسو كاتب اليومية
وفيه توفي ايضا خليل افندي البغدادي الشطرنجي
واستهل شهر شعبان بيوم الاربعاء فيه عدى بعض الامراء
بخيامهم الى البر الغربي ثم رجعوا في ثانيه ثم عدى البعض ورجع البعض وكل
ذلك أيهامات بالسفر وتمويهات من اسمعيل بك وفي الحقيقة
قصده عدم الحركة وضاقت أنفس المقيمين بالمتاريس وقلقوا من طول المدة وتفرق غالبهم
ودخلوا المدينة
وفي خامسه حضر إلى مصر رجل هندي قيل انه وزير سلطان
الهند حيدر بك وكان قد ذهب إلى سلامبول بهدية الى السلطان عبد الحميد ومن جملتها منبر
وقبلة مصنوعان من العود الفاقلي صنعة بديعة وهما قطع مفصلات يجمعها شناكل وأغربة
من فضة وذهب وسرير يسع ستة انفار وطائران يتكلمان باللغة الهندية خلاف الببغا
المشهور وانه طلب منه امداد يستعين على حرب اعدائه الانكليز المجاورين لبلاده
فأعطاه مرسومات إلى الجهات بالأذن لمن يسير معه فسار الى الاسكندرية ثم حضر الى
مصر وسكن ببولاق وهو رجل كالمقعد يجلس على كرسي من فضة ويحمل على الاعناق وقد مات
العساكر التي كانت معه ويريد اتخاذ غيرها من أي جنس كان وكل من دخل فيهم برسم
الخدمة وسموه بعلامة في جبهته لاتزول فنفرت الناس من ذلك وملابسهم مثل ملابس
الافرنج واكثرها من شيث هندي مقمطة على اجسامهم وعلى رأسهم شقات افرنجية
وفي ليلة الجمعة سابع عشره خرج الامراء بعد الغروب وأشيع
وصول القبليين وهجومهم على المتاريس
وفي صبحها حصلت زعجة وضجة وهرب الناس من القرافتين ونودى
بالخروج فلم يخرج احد ثم برد هذا الامر
وفي تلك الليلة ضربوا اعناق خمسة اشخاص من اتباع الشرطة
يقال لهم البصاصون وسبب ذلك انهم اخذوا عمله واخفوها من حاكمهم واختصوا بها دونه
ولم يشركوه معهم
وفي سابع عشرينه مات محمد اغا مستحفظان المعروف بالمتيم
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة
الكبرى وكان المنكسف منها نحو الثلاثة ارباع وأظلم الجو الا يسيرا ثم انجلى ذلك عن
الزوال
واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة ووافق ذلك اول بؤنة القبطي
وفي ثالثه قلدوا اسمعيل بك خازندار اسمعيل بك الذي كان
زوجه باحدى زوجات احمد كتخدا المجنون أغات مستحفظان وقلدوا خازندار حسن بك الجداوي
واليا عوضا عن اسمعيل اغا الجزايرلي لعزله
وفي ثاني عشرة حضر إبراهيم كاشف من اسلامبول وكان اسمعيل
بك ارسله بهدية الى الدولة فأوصلها ورجع إلى مصر بجوابات القبول وانه لما وصل الى
اسلامبول وجد حسن باشا نزل الى المراكب مسافرا الى بلاد الموسقو وبينه وبين
اسلامبول نحو اربع ساعات فذهب اليه وقابله ورجع معه في شكتربة الى اسلامبول وطلع
الهدية بحضرته وقد كان أشيع هناك بأن ابراهيم بك ومراد بك دخلا الى مصر وخرج من
فيها وحصل هناك هرج عظيم بسبب ذلك فلما وصل إبراهيم كاشف هذا بالهدية حصل عندهم
اطمئنان وتحققوا منه عدم صحة ذلك الخبر
وفي رابع عشرينه نهب العرب قافلة التجار والحجاج الواصلة
من السويس وفيها شيء كثير جدا من اموال التجار والحجاج ونهب فيها للتجار خاصة ستة
الاف جمل ما بين قماش وبهار وبن وأقمشة وبضائع وذلك خلاف أمتعة الحجاج وسلبوهم حتى
ملابس أبدانهم وأسروا النساء وأخذوا ما عليهن ثم باعوهن لآصحابهن عرايا وحصل لكثير
من الناس وغالب التجار الضرر الزائد ومنهم من كان جميع ماله بهذه القافلة فذهب
جميعه ورجع عريانا أو قتل وترك مرميا
وفي خامس عشرينه وقع بين طائف المغاربة الحجاج النازلين
بشاطىء النيل ببولاق بين عسكر القليونجية مقاتلة وسبب ذلك ان المغاربة نظروا
بالقرب منهم جماعة من القليونجية المتقيدين بقليون اسمعيل بك ومعهم نساء يتعاطون
المنكرات الشرعية فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح وخصوصا في مثل هذا الشهر
او انهم يتباعدون عنهم فضربوا عليهم طبنجات فثار عليهم المغاربة فهرب الفليونجية
إلى مراكبهم فنط المغاربة خلفهم واشتبكوا معهم ومسكوا من مسكوه وذبحوا من ذبحوه
ورموه إلى البحر وقطعوا حبال المراكب ورموا صواريها
وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة واغلقوا الدكاكين وقتل من القليونجية نحو العشرين
ومن المغاربة دون ذلك فلما بلغ اسمعيل بك ذلك اغتاظ وأرسل الى المغاربة يأمرهم
بالانتقال من مكانهم فانتقلوا إلى القاهرة وسكنوا بالخانات فلما كان ثاني يوم نزل
الاغا والوالي وناديا في الاسواق على المغاربة الحجاج بالخروج من المدينة إلى ناحية
العادلية ولا يقيموا بالبلد وكل من آواهم يستأهل ما يجري عليه فامتنعوا من الخروج
وقالوا كيف نخرج إلى العادلية ونموت فيها عطشا وذهب منهم طائفة الى اسمعيل كتخدا
حسن باشا فأرسل إلى اسمعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم فامتنع ولم يقبل الشفاعة
وحلف ان كل من مكث منهم بعد ثلاثة ايام قتله فتجمعوا احزابا واشتروا أسلحة وذهب
منهم طائفة الى الشيخ العروسي والشيخ محمد بن الجوهري فتكلموا مع اسمعيل بك فنادى
عليهم بالامان
وفي أواخره ورد خبر من دمياط بان النصارى اخذوا من على
ثغر دمياط اثني عشر مركبا
واستهل شهر شوال بيوم السبت في رابعه حضر سليم بك من
سرحته وفي خامسه ارسل الآغا بعض اتباعه بطلب شخصين من عسكر القليونجية من ناحية
بين السوربن بسبب شكوى رفعت اليه فيهما فضرب احدهما أحد المعينين فقتله فقبضوا
عليه ورموا عنقه ايضا بجانبه
وفيه حضر طائفة العربان الذين نهبوا القافلة إلى مصر وهم
من العيايدة وقابلوا اسمعيل بك وصالحوه على مال وكذلك الباشا واتفقوا على شيل
ذخيرة أمير الحاج وخلع عليهم ولما نهبت القافلة اجتمع الاكابر والتجار وذهبوا الى
اسمعيل بك وشكوا اليه ما نزل بهم فوبخهم وأظهر الشماتة فيهم وصارت يده ترتعش الغيظ
وخرجوا من بين يديه آيسين والحاضرون يلطفون له القول ويأخذون بخاطره وهو لا ينجلي
عنه الغيظ
وفي يوم السبت ثامنه نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة الى
المشهد الحسيني على العادة
وفي ليلة الثلاثاء حادي عشره في ثالث ساعة من الليل حصلت
زعجة عظيمة وركب جميع الامراء وخرجوا الى المتاريس وأشيع أن الامراء القبليين عدوا
الى جهة الشرق وركب الوالي والاغا وساروا يفتحون الدروب بالعتالات ويخرجون الاجناد
من بيوتهم الى العرضي وباتوا بقية الليل في كركبة عظيمة وأصبح الناس هايجين والمناداة
متتابعة على الناس والالضاشات والاجناد والعسكر بالخروج وظن الناس هجوم القبليين
ودخولهم المدينة فلما كان أواخر النهار حصلت سكتة وأصبحت القضية باردة وظهران
بعضهم عدي إلى الشرق وقصدوا الهجوم على المتاريس في غفلة من الليل فسبق العين
بالخبر فوقع ما ذكر فلما حصل ذلك رجعوا الى بياضة وشرعوا في بناء متاريس ثم تركوا
ذلك وترفعوا الى فوق ولم يزل المصريون مقيمين بطرا ما عدا اسمعيل بك فانه رجع بعد
يومين لاجل تشهيل الحاج
ثم استهل شهر القعدة بيوم الاثنين في ذلك اليوم رسموا
بنفي سليمان بك الشابوري الى المنصورة وتقاسموا بلاده
وفيه رجع الامراء من المتاريس الى مصر القديمة كما كانوا
ولم يبق بها الا المرابطون قبل ذلك
وفي يوم الثلاثاء ثار جماعة الشرام وبعض المغاربة
بالأزهر على الشيخ العروسي بسبب الجراية وقفلوا في وجهه باب الجامع وهو خارج يريد
الذهاب بعد كلام وصياح ومنعوه من الخروج فرجع الى رواق المغاربة وجلس به الى
الغروب ثم تخلص منهم وركب إلى بيته ولم يفتحوا الجامع واصبحوا فخرجوا الى السوق وأمروا
الناس بغلق الدكاكين وذهب الشيخ الى اسمعيل بك وتكلم معه فقال له انت الذي تأمرهم
بذلك وتريدون تحريك الفتن علينا ومنكم أناس يذهبون الى أخصامنا ويعودون فتبرأ من
ذلك فلم يقبل وذهب ايضا وصحبته بعض المتعممين الى الباشا بحضرة اسمعيل بك فقال
الباشا مثل ذلك وطلب الذين يثيرون الفتن من المجاورين ليؤد بهم وينفيهم فمانعوا في
ذلك ثم
ذهبوا الى علي بك الدفتردار وهو الناظر على الجامع فتلا
في القضية وصالح اسمعيل بك واجروا لهم الاخبار بعد مشقة وكلام من جنس ماتقدم
وامتنع الشيخ العروسي من دخول الجامع أياما وقرأ درسه بالصالحية
وفي يوم الاحد رابع عشره الموافق لثالث عشر مسرى القبطي
أوفى النيل أذرعه وركب الباشا في صبحها وكسر سد الخليج
وفي عشرينه انفتح سد ترعة مويس فأحضر اسمعيل بك عمر كاشف
الشعراوي وهو الذي كان تكفل بها لانه كاشف الشرقية ولامه ونسبه للتقصير في تمكينها
والزمه بسدها فاعتذر بعدم الامكان وخصوصا وقد عزل من المنصب وأعوانه صاروا مع
الكاشف الجديد فاغتاظ منه وأمر بقتله فاستجار برضوان كتخدا مستحفظان فشفع فيه
واخذه عنده وسعى في جريمته وصالح عليه
شهر الحجة في غرته حضر قليونان روميان الى بحر النيل
ببولاق يشتمل احدهما على احد وعشرين مدفعا والثاني اقل منه اشتراهما اسمعيل بك
وفيه زاد سعر الغلة ضعف الثمن بسبب انقطاع الجالب
وفي رابع عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني وتشاوروا
في خروج تجريدة وشاع الخبر بزحف القبليين
وفي يوم الاربعاء سادس عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر
العيني جمع به سائر الامراء والوجاقلية والمشايخ بسبب شخص الجي حضر بمكاتبات من
قرال الموسقو ولحضوره نبأ ينبغي ذكره كما نقل الينا وهو ان قرال الموسقو لما بلغه
حركة العثمنلي في ابتداء الامر على مصر ارسل مكاتبة الى امراء مصر على يد القنصل المقيم
بثغر سكندرية يحذرهم من ذلك ويحضهم على تحصين الثغر ومنع حسن باشا من العبور فحضر
القنصل الى مصر واختلى بهم واطلعهم على ذلك فاهملوه ولم يلتفتوا اليه ورجع من غير
رد جواب وورد حسن باشا فعند ذلك انتبهوا وطلبوا القنصل فلم يجدوه وجرى ما جرى
وخرجوا الى قبلي وكاتبوا القنصل فاعاد
الرسالة الى قراله وركب هجانا واجتمع بهم ورجع وصادف
وقوع الواقعة بالمنشية في السنة الماضية وكانت الهزيمة على المصريين وشاع الخبر في
الجهات بعودهم وقد كان ارسل لنجدتهم عسكرا من قبله ومراكب ومكاتبات صحبة هذا الالجي
فحضر الى ثغر دمياط في أواخر رمضان فرأى انعكاس الامر فعربد بالثغر وأخذ عدة نقاير
كما ذكر ورجع الى مرساه أقام بها وكاتب قراله وعرفه صورة الحال وان من بمصر الآن
من جنسهم ايضا وان العثمنلي لم يزل مقهورا معهم فأجمع رأيه على مكاتبة المستقرين
وامدادهم فكتب اليهم وأرسلها صحبة هذاالالجي وحضر الى دمياط وأنقذ الخبر سرا
بوصوله وطلب الحضور بنفسه فاعلموا الباشا بذلك سرا وأرسلوا اليه بالحضور فلما وصل
الى شلقان خرج اليه اسمعيل بك في تطريدة كان لم يشعر به أحد وأعد له منزلا ببولاق
وحضر به ليلا وأنزله بذلك القناق ثم اجتمع به صحبة علي بك وحسن بك ورضوان بك
وقرأوا المكاتبات بينهم فوصل اليهم عند ذلك جماعة من اتباع الباشا وطلبوا ذلك الالجي
عند الباشا وذلك باشارة خفية بينهم وبين الباشا فركبوا معه الى قصر العيني وأرسل
الباشا في تلك الليلة التنابيه لحضور الديوان في صبحها فلما تكاملوا أخرج الباشا
تلك المراسلات وقرئت في المجلس والترجمان يفسرها بالعربي وملخصها خطاب الى الامراء
المصرية انه بلغنا صنع بن عثمان الخائن الغدار معكم ووقوع الفتن فيكم وقصده ان
بعضكم يقتل بعضا ثم لا يبقى على من يبقى منكم ويملك بلادكم ويفعل بها عوائده من
الظلم والجور والخراب فانه لا يضع قدمه في قطر الا ويعمه الدمار الخراب فتيقظوا
لانفسكم واطردوا من حل ببلادكم من العثمانية وارفعوا بنديرتنا واختاروا لكم رؤساء
منكم وحصنوا ثغوركم وامنعوا من يصل اليكم منهم الا من كان بسبب التجارة ولا تخشوه
في شيء فنحن نكفيكم مؤنته وانصبوا من طرفكم حكاما بالبلاد الشامية كما كانت في السابق
ويكون لنا أمر بلاد الساحل والواصل لكم كذا وكذا مركبا وبها كذا من العسكر
والمقاتلين وعندنا من المال والرجال
ما تطلبون وزيادة على ما تظنون فلما قرىء ذلك اتفقوا على
ارسالها الى الدولة فأرسلت في ذلك اليوم صحبة مكاتبة من الباشا والامراء وانزلوا
ذلك الالبي في مكان بالقلعة مكرما
وفي يوم الاثنين وجهوا خمسة من المراكب الرومية الى جهة
قبلي وابقوا اثنين وارسلوا بها عثمان بك طبل الإسماعيلي وعساكر رومية والله أعلم وانقضت
هذه السنة
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الامام العلامة احد
المتصدرين واوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن
غالب الجداوي المالكي الازهري ولد بالجدية في سنة 1128 وهي قرية قرب رشيد وبها نشأ
وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى افقه
المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي
وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي أخذ عنهم الفنون بالاتقان ومهر فيها
حتى عد من الاعيان ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصور طاهر السريرة حسن
السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه
الرائق وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر وله مؤلفات
وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية
ايضا وينزل الى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها اياما ويجتمع عليه أهل
الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون
وقائعهم الحادثة بطول السنة الى حضوره ولا يثقون الا بقوله ثم يرجع الى مصر بما
اجتمع لديه من الارز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله الى قابل مع
الحشمة والعفة توفي بعد أن تعلل أشهرا في أواخر شهر ذي الحجة وجهز وصلي عليه
بالازهر بمشهد
حافل ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر اعده
لنفسه رحمه الله تعالى
ومات الامام العالم العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ
حسن الكفراوي الشافعي الأزهري ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى
فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر الى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ احمد السجاعي
والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي ومهر في الفقه
والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الاستاذ الحفني وتداخل في القضايا
والدعاوي وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما
امره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الاتباع واشترى بيت الشيخ
عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس
وأطعم الطعام واستعمل مكارم الاخلاق ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية
وسكن بها فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة
ومنعة على من يخالفه او يعانده ولو من الحكام وتردد الى الامير محمد بك أبي الذهب
قبل استقلاله بالامارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني فلما
استبد بالامر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من
غير استئذان في أي وقت اراد فزادت شهرته ونفذت احكامه وقضاياه واتخذ سكنا على بركة
جناق ايضا ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس
والافتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الامير المذكور وقصر
عليهم الافتاء وهم الشيخ احمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي
والمترجم وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر المبيضاة بجوار التكية التي
جعلها لطلبة الاتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للافتاء بعد
القائهم دروس الفقه ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم
عدم قبول الرشا والجعالات فاستمروا على ذلك أيام حياة
الامير واجتمع المترجم بالشيخ صادومه المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك
ونوه بشأنه عند الامراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه
من قبيل الخوارق والكرامات الى أن اتضح امره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينه
الشيخ المترجم من أجله ولم يتمكن من أيذائهما في حياة سيده فلما مات سيده قبض على
الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والافتاء وقلد ذلك
الشيخ أحمد بن يونس الخليفي وانكسف باله وخمد مشعال ظهروه بين أقرانه الا قليلا
حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول ونسيت القضية وبطل امر الوظيفة والتكية وتراجع
حاله لا كالاول ووافاه الحمام بعد ان تمرض شهورا وتعلل وذلك في عشرين شعبان من
السنة وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته اعراب
الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة
والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة ويحب
الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل
فان العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف
ويحلى باتباع الحق والانصاف اوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الاقران
ومات الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن ابو العباس
المغربي اصله من الصحراء من عمالة الجزائر دخل مصر صغيرا فحضر دروس الشيخ علي
الصعيدي فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون وأذن له في التدريس فصار يقرىء
الطلبة في رواقهم وراج امره لفصاحته وجوده حفظه وتميز في الفضائل وحج سنة 1182
وجاور بالحرمين سنة واجتمع بالشيخ ابي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعادا الى
مصر وكان يحسن الثناء على المشار اليه واشتهر امره وصارت له في
الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه
وبعد موت شيخه عظم امره حتى اشير له بالمشيخة في الرواق وتعصب له جماعة فلم يتم له
الامر ونزل له السيد عمر افندي الاسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين
وكان محجاجا عظيم المراس يتقي شره توفي ليلة الاربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا
وله
ومات الامام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي
الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الازهري نشأ بالجامع الازهر من صغره وحفظ القرآن
والمتون وحضر دروس الاشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي ومهر
وانجب وصار من الفضلاء المعدودين ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وافاد ولازم حضور
شيخا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد وكان مهذبا في نفسه متواضعا
مقتصدا في ملبسه ومأكله عفوفا قانعا خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته ولم
يزل منقطعا للعلم والإفادة ليلا ونهارا مقبلا على شأنه حتى توفي رحمه تعالى حادي
عشر شعبان مطعونا
ومات العلامة الاديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن
الشيخ محمد ابن علي بن عبد الله بن احمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل
مصر ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم إلى مصر سنة أحدى
وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس
الشيخ علي الصعيدي وابي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء
من أهل مصر وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والادب وصار له ملكة في استحضار
المناسبات الغريبة والنكات وتزوج وتزيا بزي اولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر
الحسن توفي رحمة الله في يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة
ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن
جاد ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي ورغب في صناعة
تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الاسطى احمد
الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق استاذه وادرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات
بالذهب المحلول والفضة والاصباغ الملونة والرسم والجداول والاطباع وغير ذلك وانفرد
بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان افندي بن عبد الله عتيق المرحوم
الوالد والشيخ محمد الشناوي وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف
الاوضاع ودودا مشفقا عفوفا صالحا ملازما على الاذكار والاوراد مواطبا على استعمال
اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفا وشتاء سفرا وحضرا حتى لاحت عليه
أنوار الاسم الشريف وظهرت فيه اسراره وروحانيته وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء
واضحة وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية وتلقن عنه الذكر
والاسم الاول وواظب على ورد العصر ايام حياة الاستاذ ولم يزل مقبلا على شأنه قانعا
بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها الى ان وافاه الحمام وتوفي سابع شهر
القعدة من السنة بعد ان تعلل أشهرا رحمه الله وعوضنا فيه خيرا فإنه كان بي رؤوفا
وعلي شفوقا ولا يصبر عني يوما كاملا مع حسن العشرة والمودة والمحبة لا لغرض من
الاغراض ولم أر بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة وهم الشيخ صالح وهو الكبير
واحمد بدوي والشيخ صالح المذكور هو الان عمدة مباشري الاوقاف بمصر وجابي المحاسبة
وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله واعانه على وقته
ومات ايضا الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد
والنادرة المفيد اخونا في الله خليل افندي البغدادي ولد ببغداد دار السلام وتربى
في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها مال
وثروة عظيمة وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة فلما وصل الطاغية
طهماز إلى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على
والد المترجم واتهمه
بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله
وأهلك تحت عقوبته وخرج اهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوهم وفيهم
المترجم وكان إذ ذاك أصغر اخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من
الواقعة مع بعض التجار الى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه
وجود الخط على الانيس والضيائي والكشري ومهر فيه وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه
فيه أحد مع الخفة والسرعة وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق
بدون الفرزان أو أحد الرخين ولم أر من ناقلة بالكامل الا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك
رغب في صحبته العيان والاكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك
الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الاعيان
باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة ويأوي الى طبقته ولم
يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالاشرفية وبآخرة عاشر الامير مراد
بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج واغدق عليه ووالاه بالبر
فراج حاله واشترى كتبا وواسى اخوانه وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولا يبقى
على درهم ولا دينار ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد وباع ما اقتناه من
الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه وعبه دائما ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر
والكعك والفاكهة يأكل منها ويفرق في مروره على الاطفال والفقراء والكلاب وكان
بشوشا ضحوك السن دائما منشرحا يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر
المكتوبة عن وقتها اينما كان ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الاحيان دروسهم
ويتلقى عنهم المسائل الفقهية ويحب سماع الالحان واجتماع الاخوان ويعرف اللسان
التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين
رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه فلقد كانت افاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب
أعراقه وأصوله
ومات الجناب الاوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب
والنادرة الاريب السيد ابراهيم بن احمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد امين الدين ابن علي
سعد الدين بن محمد امين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر تفقه على شيخ
والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان امام والده وتدرج في معرفة الاقلام
والكتابة فلما توفي والده تولى مكانه اخوه الاكبر يوسف في كتابة قلم الشهر فلما
شاخ وكبر سلمه الى اخيه المترجم فسار فيه احسن سير واقتنى كتبا نفيسة وتمهر في
غرائب الفنون واخذ طريق الشاذلية والاحزاب والاذكار على الشيخ محمد كشك وكان يبره
ويلاحظه بمراعاته وانتسب اليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه
كثيرا من الاجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالازبكية في مواسم النيل وكان
مهيبا وجيها ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحا بالعطاء
متوكلا توفي صبح يوم الاربعاء غاية شهر شعبان بعد ان تعلل سبعة ايام وجهز وصلي
عليه بمصلى شيخون ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين
حسن افندي وقاسم افندي ابقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما واصلح
لنا ولهم الايام
ومات الامام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه
الاصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد احد اعيان
العلماء النجباء الفضلاء تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر
وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول وألف وافاد وكان انسانا حسنا
جميل الاخلاق مهذب النفس متواضعا مشهورا بالعلم والفضل والصلاح لم يزل مقبلا على
شأنه محبوبا للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه
رحمه الله
ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم انيس الجليس
والنادرة الرئيس حسن افندي بن محمد افندي المعروف بالزامك قلف الغربية ومن له في
ابناء جنسه أحسن منقبة ومزية تربى في حجر والده ومهر
في صناعته ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله
وجده وعاشر ارباب الفضائل واللطفاء وصار منزله منهلا للواردين ومربعا للوافدين
فيتلقى من يرد اليه بالبشر والطلاقة ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به ادنى علاقة
فاشتهر ذكره وعظم امره وورد اليه الخاص والعام حتى امراء الالوف العظام فيواسي
الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة قطعنا
معه اوقاتا كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة وفي هذا العام قصد الحج
الى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والاشغال واشترى الخيش وادوات الاحمال فوافاه
الحمام وارتحل الى دار السلام بسلام وذلك في اواخر رجب بالطاعون رحمه الله
ومات ايضا الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين
والفضيلتين الامير احمد افندي الروزنامجي المعروف بالصفائي تقلد وظيفة الروزنامة
بديوان مصر عندما كف بصر اسمعيل افندي فكان لها اهلا وسار فيها سيرا حسنا بشهامة
وصرامة ورياسة وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا وحضر في الفقه والمعقول على اشياخ الوقت
قبل ذلك وكان يحفظ متن الالفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيرا من المتون
ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية فتراه اميرا مع الامراء ورئيسا مع
الرؤساء وعالما مع العلماء وكاتبا مع الكتاب وولداه سليمان افندي المتوفي سنة ثمان
وتسعين وعثمان افندي المتوفي بعده في الفصل سنة خمس ومائتين ووالدتهما المصونة
خديجة من أقارب المرحوم الوالد وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين اعقب سليمان
محمد افندي وتوفي في سنة ست عشرة وهو مقتبل الشبيبه وحسن افندي الموجود الان وأعقب
عثمان احمد وهو موجود ايضا ألا انه بعيد الشبه من ابيه وعمه واولاد عمه وجده وجدته
واما ابن عمه حسن افندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه ولما تعلل المترجم وانقطع عن
النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه احمد افندي المعروف بأبي كلبة على مال
دفعه فأقام
في المنصب دون الشهرين ومات احمد افندي فسمى عثمان افندي
العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على احمد افندي ابو كلبة ما دفعه
في الهباء وكانت وفاة احمد افندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من
السنة
ومات العمدة المفرد والنجيب الاوحد محمد افندي كاتب
الرزق الأحباسية وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها
واتقنوا أمرها وكان محمد افندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من اراضي الرزق
بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن
انتقلت اليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة وكان
على قدم الخير والصلاح مقتصدا في معيشته قانعا بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب
ويركب دائما الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع الى الديوان مع السكون
والحشمة وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل اياما
وتوفي الى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب
الصالح حموده افندي فسار كاسلافه سيرا حسنا وقام بأعباء الوظيفة حسا ومعنى الا انه
عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة
وابتذلت كغيرها وهكذا عادة الدنيا
ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب
السنية والافعال المرضية والسجايا المنيفة والاخلاق الشريفة السيد السند حامي
الاقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة تولى
الاحكام وعمره نحو احدى عشرة سنة وكانت مدة ولايته قريبا من أربع عشرة سنة وساس
الاحكام احسن سياسة وسار فيها بعدالة ورآسة وأمن تلك الاقطار امنا لا مزيد عليه
ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن وكان لا يغفل لحظة عن النظر
والتدبير في مملكته ويباشر الامور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الامور الكلية
والجزئية ولا ينام الليل قط فيدور ثلثي الليل ويطوف حول
الكعبة الثلث الاخير ولم يزل يتنقل ويطوف حتى يصلي الصبح ثم يتوجه الى داره فينام
الى الضحوة ثم يجلس للنظر في الاحكام ولا تأخذه في الله لومة لائم ويقيم الحدود ولو
على اقرب الناس اليه فعمرت تلك النواحي وأمنت السبل وخافته العربان واولاد الحرام
فكان المسافر يسير بمفرده ليلا في خفارته وبالجملة فكانت أفعاله حميدة وايامه
سعيدة لم يأت قبله مثله فيما نعلم ولم يخلفه الا مذمم ولما مات تولى بعده أخوه
الشريف غالب وفقه الله وأصلح شأنه
ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين وألف فكان ابتداؤها المحرم يوم
الخميس وفيه زاد اجتهاد اسمعيل بك في البناء عند طرا وأنشأ هناك قلعة بحافة البحر
وجعل بها مساكن ومخازن حواصل وأنشأ حيطانا وابراجا وكرانك وابنية ممتدة من القلعة
الى الجبل واخرج اليها الجبخانة والذخيرة وغير ذلك
وفي تاسعه سافر عثمان كتخدا عزبان الى اسلامبول بعرضحال
بطلب عسكر وأذن باقتطاع مصاريف من الخزينة
وفي رابع عشرينه سافر اسمعيل باشا باش الارنؤد بجماعته
ولحقوا بالغلايين والجماعة القبليون متترسون بناحية الصول وعاملون سبعة متاريس
والمراكب وصلت الى اول متراس فوجدوهم مالكين مزم الجبل فوقفوا عند اول متراس
ومدافعهم تصيب المراكب ومدافع المراكب لا تصيبهم وهم متمنعون بأنفسهم إلى فوق وانخرقت
المراكب عدة مرار وطلع مرة من أهل المراكب جماعة أرادوا الكبس على المتراس الاول
فخرج عليهم كمين من خلف مزرعة الذرة المزروع فقتل من طائفة المغاربة جماعة وهرب
الباقون ونصبت رؤوس القتلى على مزاريق ليراها اهل المراكب
وفي سادس عشرينه سافر ايضا عثمان بك الحسني وامتنع ذهاب السفار
وايابهم الى الجهة القبلية وانقطع الوارد وشطح سعر الغلة وبلغ النيل غايته في
الزيادة واستمر على الاراضي من غير نقص الى آخر شهر بابه القبطي وروى جميع الاراضي
وفي سابع عشرينه حضر سراج من عند القبليين وعلى يده مكاتبات
بطلب صلح وعلى انهم يرجعون إلى البلاد التي عينها لهم حسن باشا ويقومون بدفع المال
والغلال للميري ويطلقون السبل للمسافرين والتجار فأنهم سئموا من طول المدة ولهم
مدة شهور منتظرين اللقاء مع اخصامهم فلم يخرجوا اليهم فلا يكونون سببا لقطع ارزاق
الفقراء والمساكين فكتبوا لهم أجوبة للاجابة لمطلوبهم بشرط ارسال رهائن وهم عثمان
بك الشرقاوي وابراهيم بك الوالي ومحمد بك الالفي ومصطفى بك الكبير ورجع الرسول
بالجواب وصحبته واحد بشلي من طرف الباشا
شهر صفر في غرته حضر جماعة مجاريح
وفي ثانيه حضر المرسال الذي توجه بالرسالة وصحبته سليمان
كاشف من جماعة القبليين والبشلي وآخر من طرف اسمعيل باشا الارنؤدي وأحبروا ان
الجماعة لم يرضوا بارسال رهائن ثم أرسلوا لهم على كاشف الجيزة وصحبته رضوان كتخدا
باب التفكجية وتلطفوا معهم على أن يرسلوا عثمان بك الشرقاوي وأيوب بك فامتنعوا من
ذلك وقالوا من جملة كلامهم لعلمكم تظنون ان طلبنا في الصلح عجزا واننا محصورون
وتقولون بينكم في مصر انهم يريدون بطلب الصلح التحليل على التعدية الى البر الغربي
حتى يملكوا الاتساع وإذا قصدنا ذلك أي شيء يمنعنا في أي وقت شئنا وحيث كان الامر
كذلك فنحن لا نرضى الا من حد أسيوط ولا نرسل رهائن ولا نتجاوز محلنا فلما رجع
الجواب بذلك في سابعه أرسل الباشا فرمانا إلى اسمعيل باشا بمحاربتهم فبرزا اليهم
بعساكره
وجميع العسكر التي بالمراكب وحملوا عليهم حملة واحدة
وذلك يوم الجمعة ثامنه فاخلوا لهم وملكوا منهم متراسين فخرج عليهم كمين بعد أن
أظهروا الهزيمة فقتل من العسكر جملة كبيرة ثم وقع الحرب بينهم يوم السبت ويوم
الاحد واستمرت المدافع تضرب بينهم من الجهتين والحرب قائم بينهم سجالا وكل من
الفريقين يعمل الحيل وينصب الشباك على الآخر ويكمن ليلا فيجد الرصد ولم ينفصل
بينهم الحرب على شيء
وفي منتصفه شرع اسمعيل بك في عمل تفريدة على البلاد
فقرروا على الاعلى عشرين ألف فضة والأوسط خمسة عشر والادنى خمسة آلاف وذلك خلاف حق
الطرق وما يتبعها من الكلف وعمل ديوان ذلك في بيت علي بك الدفتردار بحضرة
الوجاقلية وكتبت دفاترها وأوراقها في مدة ثلاثة أيام
واستهل شهر ربيع الاول والحال على ما هو عليه وحضر مرسوم
من القبليين بطلب الصلح ويطلبون من حد اسيوط إلى فوق شرقا وغربا ولا يرسلون رهائن
ووصل ساع من ثغر اسكندرية بالبشارة لاسمعيل كتخدا حسن باشا بولاية مصر وان اليرق
والداقم وصل والبقجي والكتخدا وارباب المناصب وصلوا الى الثغر فردهم الريح عندما
قربوا من المرساة إلى جهة قبرص فشرع عابدي باشا في نقل متاعه من القلعة ولما حضرالمرسول
بطلب الصلح رضي المصرلية بذلك واعادوه بالجواب
وفي رابعه حشر احمد أغا اغات الجملية المعروف بشويكار
لتقرير ذلك فعمل عابدي باشا ديوانا اجتمع فيه الامراء والمشايخ والاختيارية وتكلم
احمد أغا وقال نأخذ من أسيوط الى قبلي شرقا وغربا بشرط ان ندفع ميري البلاد من
المال والغلال ونطلق سراح المراكب والمسافرين بالغلال والاسباب وكذلك أنتم لا
تمنعون عنا الواردين بالاحتياجات الا ما كان من آلة الحرب فلكم منعه وبعد أن يتقرر
بيننا وبينكم الصلح نكتب عرض محضر منا ومنكم الى الدولة وننظر ما يكون الجواب فان
حضر الجواب بالعفو لنا أو تعيين أماكن لنا لا نخالف ذلك ولا تتعدى الاوامر
السلطانية
بشرط أن ترسلوا لنا الفرمان الذي يأتي بعينه نطلع عليه
فأجيبوا الى ذلك كله ورجع احمد اغا بالجواب صبيحة ذلك اليوم صحبة عبدالله جاويش
وشهر حوالة والشيخ بدوي من طرف المشايخ وحضر في أثر ذلك مراكب غلال وانحلت الاسعار
وتواجدت الغلال بالرقع وكثرت بعد انقشاعهم ثم وصلت الاخبار بان القبليين شرعوا في
عمل جسر على البحر من مراكب مرصوصة ممتدة من البر الشرقي إلى البر الغربي وثبتوه
وسمروه بمسامير وباطات وثقلوه بمراس واحجار مركوزة بقرار البحر وأظهروا أن ذلك
لأجل التعدية ورجعت المراكب وصحبتها العسكر المحاربون واسمعيل باشا الارنؤدي وعثمان
بك الحسني والقليونجية وغيرهم وأشيع تقرير الصلح وصحته
وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر ان بمدفن السلطان
الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه و سلم وهي قطعة من قميصه
وقطعةعصا وميل فاحضر مباشر الوقف وطلب منه احضار تلك الآثار وعمل لها صندوقا
ووضعها في داخل بقجة وضمخها بالطيب ووضعها على كرسي ورفعها على رأس بعض الاتباع
وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي
صلى الله عليه و سلم حتى وصلوا بها الى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في
مكانها بالخزانة
وفي يوم الاثنين سابع عشرة حضر شهر حوالة وعبد الله
جاويش وأخبروا بانهم لما وصلوا إلى الجماعة تركوهم ستة ايام حتى تمموا شغل الجسر
وعدوا عليه البر الغربي ثم طلبوهم فعدوا اليهم وتكلموا معهم وقالوا لهم ان عابدي
باشا قرر معنا الصلح على هذه الصورة وتكفل لنا بكامل الأمور ولكن بلغنا في هذه
الايام انه معزول من الولاية وكيف يكون معزولا ونعقد معه صلحا هذا لا يكون إلا إذا
حضر اليه مقرر أو تولى غيره يكون الكلام معه وكتبوا له جوابات بذلك ورجع به
الجماعة المرسلون وأشيع عدم التمام فاضطربت الامور وارتفعت الغلال ثانية
وغلا سعرها وشح الخبز من الاسواق
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرة عمل الباشا ديوانا جمع فيه
الامراء والمشايخ والاختيارية والقاضي فتكلم الباشا وقال انظروا يا ناس هؤلاء
الجماعة ما عرفنا لهم حال ولا دينا ولا قاعدة ولا عهدا ولا عقدا أنا رأينا النصارى
إذا تعاقدوا على شيء لا ينقضوه ولا يختلوا عنه بدقيقة وهؤلاء الجماعة كل يوم لهم
صلح ونقض وتلاعب واننا اجبناهم الى ما طلبوا وأعطيناهم هذه المملكة العظيمة وهي من
ابتداء اسيوط إلى منتهى النيل شرقا وغربا ثم انهم نكثوا ذلك وأرسلوا يحتجون بحجة
باردة وإذا كنت انا معزولا فان الذي يتولى بعدي لا ينقض فعلى ولا يبطله ويقولون في
جوابهم نحن عصاة وقطاع طريق وحيث اقروا على أنفسهم بذلك وجب قتالهم ام لا فقال
القاضي والمشايخ يجب قتالهم بمجرد عصيانهم وخروجهم عن طاعة السلطان فقال إذا كان
الامر كذلك فإني اكتب لهم مكاتبة وأقول لهم اما ان ترجعوا وتستقروا على ما وقع
عليه الصلح واما أن أجهز لكم عساكر وانفق عليهم من أموالكم ولا أحد يعارضني فيما
افعله وألا تركت لكم بلدتكم وسافرت منها ولو من غير أمر الدولة فقالوا جميعا نحن
لا نخالف الامر فقال أضع القبض على نسائهم واولادهم ودورهم وأسكن نساءهم وحريمهم
في الوكائل وأبيع تعلقاتهم وبلادهم وما تملكه نساؤهم واجمع ذلك جميعه وأنفقه على
العسكر وان لم يكف ذلك تممته من مالي فقالوا سمعنا وأطعنا وكتبوا مكاتبة خطابا لهم
بذلك وختم عليها الباشا والامراء وأرسلوها
وفي يوم الاحد ثالث عشرينه نزل الاغا ونادى في الأسواق
بأن كل من كان عنده وديعة للامراء القبليين يردها لاربابها فان ظهر بعد ثلاثة ايام
عند أحد شيء استحق العقوبة وكل ذلك تدبير اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء حضر هجان وباش سراجين ابراهيم بك وأخبر
ان الجماعة عزموا على الارتحال والرجوع وفك الجسر فعمل الباشا ديوانا في صبحها
وذكروا المراسلة وضمن الباشا غائلتهم وضمن المشايخ غائلة
اسمعيل بك وكتبوا محضرا بذلك وختموا عليه وارسلوه صحبة
مصطفى كتخدا باش اختيار عزبان وتحقق رفع الجسر وورود بعض المراكب وانحلت الاسعار
قليلا
واستهل شهر ربيع الثاني فيه حضر شيخ السادات الى بيته
الذي عمره بجوار المشهد الحسيني وشرع في عمل المولد واعتنى بذلك ونادوا على الناس
بفتح الحوانيت بالليل ووقود القناديل من باب زويلة الى بين القصرين وأحدثوا سيارات
وأشاير ومواكب واحمال قناديل ومشاعل وطبولا وزمورا واستمر ذلك خمسة عشر يوما وليلة
وفي يوم الجمعة حضر عابدي باشا باستدعاء الشيخ له فتغدى
ببيت الشيخ وصلى الجمعة بالمسجد وخلع على الشيخ وعلى الخطيب ثم ركب إلى قصر العيني
وفي ذلك اليوم وصل ططرى من الديار الرومية وعلى يده
مرسومات فعملوا في صبحها ديوانا بقصر العيني وقرئت المرسومات فكان مضمون احدها
تقرير العابدي باشا على ولاية مصر والثاني الأمر والحث على حرب الأمراء القبليين
وإبعادهم من القطر المصري والثالث بطلب الافرنجي المرهون الى الديار الرومية فلما
قرىء ذلك عمل عابدي باشا شنكا ومدافع من القصر والمراكب والقلعة وانكسف بال اسمعيل
كتخدا بعد ان حضر اليه المبشر بالمنصب واظهر البشر والعظمة وانفذ المبشرين ليلا
الى الاعيان ولم يصبر الى طلوع النهار حتى انه ارسل الى محمد افندي البكري المبشر
في خامس ساعة من الليل واعطاه مائة دينار وحضر اليه الامراء والعلماء في صبحها
للتهنئة وثبت ذلك عند الخاص والعام ونقل عابدي باشا عزاله وحريمه إلى القلعة
وفي يوم الجمعة ثاني عشرة رجع مصطفى كتخدا من ناحية قبلي
وبيده جوابات وأخبر أن ابراهيم بك الكبير ترفع إلى قبلي وصحبته ابراهيم بك
الوالي وسليمان بك الاغا وأيوب بك وملخص الجوابات انهم
طالبون من حد المنية
وفي يوم الاحد رابع عشره عمل الباشا ديوانا حضره المشايخ
والامراء فلم يحصل سوى سفر الافرنجي
وفي أواخره حضر سراج باشا ابراهيم بك وبيده جوابات
يطلبون من حد منفلوط فأجيبوا الى ذلك وكتبت لهم جوابات بذلك وسافر السراج المذكور
واستهل شهر جمادى الاولى في غرته قلدوا غيطاس بك امارة
الحج
وفي ثالثه وصل ططريون من البر على طريق دمياط بمكاتبات
مضمونها ولاية اسمعيل كتخدا حسن باشا على مصر واخبروا ان حسن باشا دخل الى
اسلامبول في ربيع الاول ونقض ما أبرمه وكيل عابدي باشا والبس قابجي كتخدا اسمعيل المذكور
بحكم نيابته عنه قفطان المنصب ثالث ربيع الثاني وتعين قابجي الولاية وخرج من
اسلامبول بعد خروج الططر بيومين وحضر الططر في مدة ثلاث وعشرين يوما فلما وصل
الططر سر اسمعيل كتخدا سرورا عظيما وانقذ المبشرين الى بيوت الاعيان
وفيه ورد الخبر بانتقال الامراء القبليين إلى المنية
وسافر رضوان بك الى الموفية وقاسم بك الى الشرقية وعلي بك الحسني الى الغربية
وفي عشرينه جمع اسمعيل بك الامراء والوجاقلية وقال لهم
ايا اخواننا ان حسن باشا أرسل يطلب مني باقي الحلوان فمن كان عنده بقية فليحضر بها
ويدفعها فأحضروا حسن أفندي شقبون أفندي الديوان وحسبوا الذي طرف اسمعيل بك وجماعته
فبلغ ثلثمائة وخمسين كيساوطلع على طرف حسن بك واتباعه نحو اربعمائة كيس وعلى طرف
علي بك الدفتردار مائة وستون كيسا وكانوا أرسلوا الى علي بك فلم يأت فقال لهم حسن
بك أي شيء هذا العجب والاغراض بلاد علي بك فارسكور وبأرنبال
وسرس الليانة حلوانهم قليل وزاد اللغط والكلام فقام من بينهم
اسمعيل بك ونزل وركب إلى جزيرة الذهب وكذلك حسن بك خرج الى قبة العزب وعلي بك ذهب
الى قصر الجلفي بالشيخ قمر واصبح علي بك وركب الى الباشا ثم رجع الى بيته ثم ان
علي بك قال لا بد من تحرير حسابي وما تعاطيته وما صرفته من أيام حسن باشا الى
وقتنا وما صرفته على أمير الحج تلك السنة وادعي امير الحج الذي هو محمد بك المبدول
ببواقي ووقع على الجداوي فاجتمعو ببيت رضوان كتخدا تابع المجنون وحضر حسن كتخدا
علي بك وكيلا عن مخدومه ومصطفى اغا الوكيل وكيلا عن اسمعيل بك وحرروا الحساب فطلع
على طرف علي بك ثلاثة وعشرون كيسا وطلع له بواق في البلاد نيف واربعون كيسا
شهر جمادى الاخرة فيه حضر فرمان من الدولة بنفي اربع
اغوات وهم عريف أغا وعلي اغا وادريس اغا واسمعيل اغا فحنق لذلك جوهر اغا دار
السعادة وشرع في كتابه مرافعة
وفي عاشره وصل فرمان لاسمعيل كتخدا وخوطب فيه بلفظ
الوزارة
وفي يوم الاحد عمل اسمعيل باشا المذكور ديوانا في بتيه
بالازبكية وحضر الامراء والمشايخ وقرأوا المكاتبة وفيها الامر بحساب عابدي باشا
وبعد انفضاض الديوان امر الروزنامجي والافندية بالذهاب الى عابدي باشا وتحرير حساب
الستة اشهر من أول توت الى برمهات لانها مدة اسمعيل باشا وما اخذه زيادة عن عوائده
وأخذ منه الضربخانة وسلمها الى خازنداره وقطعوا راتبه من المذبح
وفي عصريتها ارسل الى الوجاقلية والاختيارية فلما حضروا
قال لهم اسمعيل باشا بلغني انكم جمعتم ثمانمائة كيس فما صنعتم بها فقالوا دفعناها
الى عابدي باشا وصرفها على العسكر فقال لاي شيء قالوا
لقتل العدو قال والعدو قتل قالوا لا قال حينئذ إذا احتاج
الحال ورجع العدو اطلب منكم كذلك قدرها قالوا ومن اين لنا ذلك قال إذا اطلبوها منه
واحفظوها عندكم في باب مستحفظان لوقت الاحتياج
وفيه تواترت الاخبار باستقرار ابراهيم بك بمنفلوط وبنى
له بها داراوصحبته ايوب بك واما مراد بك وبقية الصناجق فانهم ترفعوا إلى فوق
وفي يوم الاثنين حضر حسن كتخدا الجربان من الروم وكان
اسمعيل بك ارسل يتشفع في حضوره بسعاية محمد اغا البارودي وعلى انه لم يكن من هذه
القبيلة لانه مملوك حسن بك ابي كرش وحسن بك مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية ولما
حضر اخبر ان الامراء الرهائن ارسلوهم الى شنق قلعة منفيين بسبب مكاتبات وردت من
الامراء القبالى الى بعض متكلمين الدولة مثل القزلار وخلافه بالسعي لهم في طلب
العفو فلما حضر حسن باشا وبلغه ذلك نفاهم واسقط رواتبهم وكانوا في منزله واعزاز
ولهم رواتب وجاميكة لكل شخص خمسمائة قرش في الشهر
وفي عشرينه تحرر حساب عابدي باشا فطلع لاسمعيل باشا نحو
ستمائة كيس فتجاوز له عن نصفها ودفع له ثلثمائة كيس وطلع عليه لطرف الميري نحوها
أخذوا بها عليه وثيقة وسامحه الامراء من حسابهم معه وهادوه وأكرموه وقدموا له
تقادم وأخذ في أسباب الارتحال والسفر وبرز خيامه الى بركة الحج
وفي اواخره ورد الخبر مع السعاة بوصول الاطواخ لاسمعيل
باشا واليرق والداقم الى ثغر الاسكندرية
شهر رجب الفرد الحرام استهل بيوم السبت في ثالثه يوم
الاثنين سافر عابدي باشا من البر على طريق الشام الى ديار بكر ليجمع العساكر الى
قتال الموسقو وذهب من مصر بأموال عظيمة وسافر صحبته اسمعيل باشا الارنؤدي وابقى
اسمعيل باشا من عسكر القليونجية والانؤدية من اختارهم لخدمته واضافهم اليه
وفي عاشره وصلت الاطواخ والداقم الى الباشا فابتهج لذلك
وأمر بعمل شنك وحراقة ببركة الازبكية وحضر الامراء الى هناك ونصبوا صواري وتعاليق
وعملوا حراقة ووقدة ليلتين ثم ركب الباشا في صبح يوم الجمعة وذهب الى مقام الامام الشافعي
فزاره ورجع الى قبة العزب خارج باب النصر ونودى في ليلتها على الموكب فلما كان صبح
يوم السبت خامس عشره خرج الامراء والوجاقلية والعساكر الرومية والمصرلية واجتمع
الناس للفرجة وانتظم الموكب امامه وركب بالشعار القديم وعلى رأسه الطلخان والقفطان
الاطلس وامامه السعاة والجاويشية والملازمون وخلفه النوبة التركية وركب امامه جميع
الأمراء بالشعار والبيلشانات بزينتهم ونظامهم القديم المعتاد وشق القاهرة في موكب
عظيم ولما طلع الى القلعة ضرب له المدافع من الابراج وكان ذلك اليوم متراكم الغيوم
وسح المطر من وقت ركوبه الى وقت جلوسه بالقلعة حتى ابتلت ملابسه وملابس الامراء
والعسكر وحوائجهم وهم مستبشرون بذلك وكان ذلك اليوم خامس برمودة القبطي
وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وطلع الامراء والمشايخ وطلع
الجم الكثير من الفقهاء ظانين وطامعين في الخلع فلما قرىء التقرير في الديوان الداخل
خلع على الشيخ العروسي والشيخ البكري والشيخ الحريري والشيخ الأمير والامراء
الكبار فقط ثم ان اسمعيل بك التفت الى المشايخ الحاضرين وقال تفضلوا يا أسيادنا
حصلت البركة فقاموا وخرجوا
وفي يوم الخميس عشرينه امر الباشا المحتسب بعمل تسعيرة
وتنقيص الاسعار فنقضوا سعر اللحم نصفه فضة وجعلوا الضاني بستة انصاف والجاموسي
بخمسة فشح وجوده بالاسواق وصاروا يبيعونه خفية بالزيادة ونزل سعر الاردب الغلة الى
ثلاثة ريال ونصف بعد تسعة ونصف
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل
الباشا الديوان في ذلك وقرأوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالازهر
والدعاء بالنصر للسلطان على الموسقو فانهم تغلبوا
واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين وكذلك يدعون له بعد الاذان في كل
وقت وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرأون البخاري في كل
يوم ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفا من الضربخانة ووعدهم بتقريرها
لهم على الدوام بفرمان
وفيه شرع الباشا في تبييض حيطان الجامع الازهر بالنورة
والمغرة
وفي يوم الاحد حضر الشيخ العروسي والمشايخ وجلسوا في
القبلة القديمة جلوسا عاما وقرأوا اجزاء من البخارى واستداموا على ذلك بقية الجمعة
وقرر اسمعيل بك ايضا عشرة من الفقهاء كذلك يقرأون ايضا البخاري نظير لعشرة الاولى
وحضر الصناع وشرعوا في البياض والدهان وجلاء الاعمدة وبطل ذلك الترتيب
شهر شعبان المكرم في ثانيه نودي بأبطال التعامل بالزيوف
المغشوشة والذهب الناقص وان الصيارفة يتخدون لهم مقصات يقطعون بها الدراهم الفضة
المنحسة وكذلك الذهب المغشوش الخارج وإذا كان الدينار ينقص ثلاثة قراريط يكون
بطالا ولا يتعامل به وانما يباع لليهود الموردين بسعر المصاغ الى دار الضرب ليعاد جديدا
فلم يمتثل الناس لهذا الامر ولم يوافقوا عليه واستمروا على التعامل بذلك في
المبيعات وغيرها لان غالب الذهب على هذا النقص واكثر وإذا بيع على سعر المصاغ
خسروا فيه قريبا من النصف فلم يسهل بهم ذلك ومشوا على ما هم عليه مصطلحون فيما
بينهم
وفي أوائله ايضا تواترت الاخبار بموت السلطان عبد الحميد
حادي عشر رجب وجلوس ابن أخيه السلطان مصطفى مكانه وهو السلطان سليم خان وعمره نحو
الثلاثين سنة وورد في أثر الاشاعة صحبة التجار والمسافرين دراهم وعليها اسمه وطرته
ودعى له في الخطبة اول جمعة في شعبان المذكور
وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر علي بك الدفتردار من ناحية دجوة
وسبب ذهابه اليها ان اولاد حبيب قتلوا عبد العلي بك بمنية عفيف بسبب حادثة هناك
وكان ذلك العبد موصوفا بالشجاعة والفروسية فعز ذلك على علي بك فأخذ فرمانا من
الباشا بركوبه على أولاد حبيب وتخريب بلدهم ونزل اليهم وصحبته باكير بك ومحمد بك
المبدول وعندما علم الحبايبة بذلك وزعوا متاعهم وارتحلوا من البلد وذهبوا الى
الجزيرة فلما وصل علي بك ومن معه الى دجوة لم يجدوا احدا ووجدوا دورهم خالية
فأمروا بهدمها فهدموا مجالسهم ومقاعدهم وأوقدوا فيها النار وعملوا فردة على أهل
البلد وما حولها من البلاد وطلبوا منهم كلفا وحق طرق وتفحصوا على ودائعهم وامانتهم
وغلالهم في جيرة البلاد مثل طحلة وغيرها فأخذوها وأحاطوا بزرعهم وما وجدوه
بالنواحي من بهائمهم ومواشيهم ثم تداركوا أمرهم وصالحوه بسعي الوسائط بدراهم
ودفعوها ورجعوا الى وطنهم ولكن بعد خرابها وهدمها
وفيه ارسل الباشا سلحداره بخطاب للامراء القبالي يطلب
منهم الغلال والمال الميري حكم الاتفاق
واستهل شهر رمضان وشوال في رابعه وصل الى مصر أغا معين
باجراء السكة والخطبة باسم السلطان سليم شاه فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم
الوارد بذلك بحضرة الجمع والسبب في تأخيره لهذا الوقت الاهتمام بأمر السفر واشتغال
رجال الدولة بالعزل والتولية وورد الخبر ايضا بعزل حسن باشامن رياسة البحر الى رياسة
البر وتقلدا الصدارة وتولى عوضه قبطان باشا حسين الجردلي وأخبروا ايضا بقتل بستحي
باشا
وفي أوائله أيضا فتحوا ميري سنة خمسة مقدمة بعجلة
وفي أواخره حضر عثمان كتخدا عزبان من الديار الرومية
وبيده أوامر وفيها الحث على محاربة الامراء القبالي والخطاب للوجاقلية وباقي
الامراء
بان يكونوا مع اسمعيل بك بالمساعدة والاذن لهم بصرف ما
يلزم صرفه من الخزينة مع تشهيل الخزينة للدولة
وفي عاشره وصل ططري وعلى يده اوامر منها حسن عيار
المعاملة من الذهب والفضة وأن يكون عيار الذهب المصري تسعة عشر قيراطا ويصرف بمائة
وعشرين نصفا بنقص أربعة انصاف عن الواقع في الصرف بين الناس ولاسلامبولي بمائة وأربعين
وينقص عشر والفندقلي بمائتين بنقص خمسة والريال الفرانسة بمائة بنقص خمسة ايضا
والمغربي بخمسةوتسعين بنقص خمسة ايضا وهو المعروف بأبي مدفع والبندقي بمائتين وعشر
بنقص خمسة عشر فنزل الاغا والوالي ونادى بذلك فخسر الناس حصة من أموالهم
وفي غايته خرج أمير الحاج غيطاس بك بالمحمل وركب الحجاج
وفي منتصف شهر القعدة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في
النيل المبارك اذرع الوفاء ونزل الباشا الى فم الخليج وكسر السد بحضرته على العادة
وانقضى هذا العام بحوادثه وحصل في هذه السنة الازدلاف وتداخل العام الهلالي في الخراجي
ففتحوا طلب المال الخراجي القابل قبل أوانه لضرورة الاحتياج وضيق الوار بتعطيل
الجهة القبلية واستيلاء الامراء الخارجين عليها ووجه اسمعيل بك الطلب من أول السنة
بباقي الحلوان الذي قرره حسن باشا ثم المال الشتوي ثم الصيفي وفي اثناء ذلك
المطالبة بالفرد المتوالية المقرر على البلاد من الملتزمين ووجه على الناس قباح
الرسل والمعينين من السراجين والدلاة وعسكر القليونجية فيدهمون الانسان ويدخلون
عليه في بيته مثل التجريدة الخمسة والعشرة بأيديهم البنادق والاسلحة بوجوه عابسة
فيشاغلهم ويلاطفهم ويلين خواطرهم بالاكرام فلا يزدادون الا قسوة وفظاظة فيعدهم على
وقت آخر فيسمعونه قبيح القول ويشتطون في أجرة طريقهم وربما لم يجدوا صاحب الدار أو
يكون مسافرا فيدخلون الدار وليس فيها الا النساء ويحصل منهم مالا خير فيه من الهجوم
عليهن وربما نططن من الحيطان او هربن
الى بيوت الجيران وسافر رضوان بك قرابة علي بك الكبير
الى المنوفية وانزل بها كل بلية وعسف بالقرى عسفا عينفا قبيحا بأخذ البلص
والتساوين وطلب الكلف الخارجة عن المعقول إلى ان وصل الى رشيد ثم رجع لاى مولد
السيد البدوي بطندتا ثم عاد وفي كل مرة من مروره يستأنف العسف والجور وكذلك قاسم
بك بالشرقية وعلي بك الحسني بالغربية وقلد اسمعيل بك مصطفى كاشف المرابط بقلعة طرا
فعسف بالمسافرين الذاهبين والايبين الى جهة قبلي فلا تمر عليه سفينة صاعدة او منحدرة
الا طلبها اليه وأمر باخراج ما فيها وتفتيشها بحجة أخذهم الاحتياجات للأمراء القبليين
من الثياب وغيرها او ارسالهم اشياء او دراهم لبيوتهم فان وجد بالسفينة شيئا من ذلك
نهب ما فيها من مال المسافرين والمتسببين وأخذه عن آخره وقبض عليهم وعلى الريس
وحبسهم ونكل بهم ولا يطلقهم الا بمصلحة وان لم يجد شيئا فيه شبهة أخذ من السفينة
ما اختاره وحجزهم فلا يطلقهم الا بمال يأخذه منهم وتحقق الناس فعله فصانعوه ابتداء
تقية لشره وحفظا لمالهم ومتاعهم فكان الذي يريد السفر الى قبلي بتجارة او متاع
يذهب اليه ببعض الوسائط ويصالحه بما يطيب به خاطره ويمر بسلام فلا يعرض له وكذلك
الواصلون من قبلي يأتون طائعين إلى تحت القلعة ويطلع اليه الريس والمسافرون فيصالحونه
وعلم الناس هذه القاعدة واتبعوها وارتاحوا عليها في الجملة واستعوضوا الخسارة من
غلو الاثمان وكذلك فعل نساء سائر الامراء القبليين وهادينه وارشونه عن ارسالهن الى
ازواجهن من الملابس والامتعة سراحتى كانوا في الاخر يرسلن اليه ما يرمن ارساله وهو
يرسله بمعرفته وتأتي اجوبتهم على يده الى بيوتهن خفية واتخذ له يدا وجميلا وطوقهم
منته بذلك وشاع في بلاد الارنؤد وجبال الروملي رغبة اسمعيل بك في العساكر فوفدوا
عليه باشكالهم المختلفة وطباعهم المنحرفة وعدم أديانهم وانعكاس أوضاعهم فأسكن منهم
طائفة بالجيزة وطائفة ببولاق وطائفة بمصر العتيقة
واجرى عليهم النفقات والعلوفات وجلب له الياسيرجية
المماليك فاشترى منهم عدة وافرة منهم عدة وافرة وأكثرهم عزق ومشنبون واجناس غير
معهودة واستعملهم من أول وهلة في الفروسية ولم يدربهم في آداب ولا معرفة دين ولا
كتاب كل ذلك حرصا على مقاومة الاعداء وتكثير الجيش وتابع ارسال الهدايا والاموال
والتحف الى الدولة واحضر السروجية والصواع والعقادين فصنعوا ستة سروج للسلطان
واولاده وذلك قبل موت السلطان عبد الحميد على طريقه وضع سروج المصريين بعبايات مزركشة
وهي مع السرج والقصعة والقربوص مرصعة بالجواهر والبروق والذهب والركابات واللجامات
والبلامات والشماريخ والسلاسل كلها من الذهب البندقي الكسر والرأس والرشمات كلها
من الحرير المصنوع بالمخيش وسلوك الذهب وشماريخ المرجان والزمرد وجميع الشراريب من
القصب المخيش وبها تعاليق المرجان والمعادن صناعة بديعة كلفة ثمينة أقاموا في
صناعة ذلك عدة أيام ببيت محمد اغا البارودي واشترى كثيرا من الاواني والقدور
الصيني الاسكي معدن وملأها بأنواع الشربات المصنوع من السكر المكرر كشراب البنفسج
والورد والحماض والصندل المطيب بالمسك والعنبر وماءالورد والمربيات الهندية مثل
مربي القرنفل وجوزبوا والبسباسة والزنجبيل والكابلي وأرسل ذلك مع الخزينة بالبحر صحبة
عثمان كتخدا عزبان ومعها عدة خيول من الجياد واقمشة هندية وعود وعنبر وظرائف
وارزوبن وأفاويه وماء الورد المكرر وغير ذلك ولم يتفق لاحد فيما تقدم من أمراء مصر
أرسل مثل ذلك ولم نسمع به ولم نره في تاريخ فان نهاية ما رأينا ان الاشربة يضعونها
في ظروف من الفخار التي قيمة الظرف منها خمسة انصاف او عشرة حتى الذي يأتي من
اسلامبول لخصوص السلطان واما هذه فأقل ما فيها يساوي مائة دينار واكثر من ذلك
ومات في هذه السنة العلامة الماهر الحيسوب الفلكي ابو
الاتقان الشيخ مصطفى الخياط صناعة ادرك الطبقة الاولى من ارباب الفن مثل
رضوان افندي ويوسف الكلارجي والشيخ محمد النشيلي
والكرتلي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد الغمري والشيخ الوالد حسن الجبرتي
واخذ عنهم وتلقى منهم ومهر في الحساب والتقويم وحل الأزياج والتحاويل والحل
والتركيب وتحاويل السنين وتداخل التواريخ الخمسة واستخراج بعضها من بعض وتواقيعها وكبائسها
وبسائطها ومواسمها ودلائل الاحكام والمناظرات ومظنات الكسوف والخسوف واستخراج
اوقاتها ودقائقها مع الضبط والتحرير وصحة الحدس وعدم الخطأ واقر له اشياخه
ومعاصروه بالاتقان والمعرفة وانفرد بعد اشياخه ووفد عليه طلاب الفن وتلقوا عنه
وانجبوا واجلهم عصرينا وشيخنا العلامة المتقن الشيخ عثمان ابن سالم الورداني اطال
الله بقاءه ونفع به ولازم المترجم المرحوم الوالد مدة مديدة وتلقى عنه وحج معه في
سنة ثلاث وخمسين ومائة والف وسمعته يقول عنه الشيخ مصطفى فريد عصره في الحسابيات
والشيخ محمد النشيلي في الرسميات وحسن افندي قطه مسكين في دلائل الاحكام وكان
يستخرج في كل عام دستور السنة من مقومات السيارة ومواقع التواريخ وتواقيع القبط
والمواسم والاهلة ويعرب السنة الشمسية لنفع العامة وينقل منها نسخا كثيرة يتناولها
لخاص والعام يعلمون منها الاهلة واوائل الشهور العربية والقبطية والرومية والعبرانية
والتواقيع والمواسم وتحاويل البروج وغير ذلك والتمس منه الاستاذ سيدي ابو الامداد
احمد بن وفا تحريك الكواكب الثابته لغاية سنة ثمانين ومائة والف فأجابه إلى ذلك
واشتغل به أشهرا حتى أتم حساب أطولها وعروضها وجهاتها ودرجات ممرها ومطالع غروبها
وشروقها وتوسطها وأبعادها ومواضعها بأفق عرض مصر بغاية التحقيق والتدقيق على أصول
الرصد الجديد السمرقندي وقام له الاستاذ باوده ومصرفه ولوازم عياله مدة اشتغاله
بذلك واجازه على ذلك اجازة سنية
ومات سلطان الزمان السلطان عبد الحميد بن احمد خان وتولى
بعده ابن أخيه السلطان سليم بن مصطفى وفقه الله تعالى آمين
ودخلت سنة اربع ومائتين والف في المحرم وصلت الاخبار بأن
الموسقو أغاروا على عدة قلاع ومسالك اسلامية منها جهات الاوزي وكانت تغل على
اسلامبول كالصعيد على مصر وان اسلامبول واقع بها غلاء عظيم
وفي أواخره حضر واحد أغا وبيده مرسومات بسبب الامراء
القبليين بانهم ان كانوا تعدوا الجهات التي صالحوا عليها حسن باشا ولم يدفعوا
المال ولا الغلال فلازم من محاربتهم ومقاتلتهم وان لم يمتثلوا يخرجوا اليهم
ويقاتلوهم فان السلطان اقسم بالله أنه يزيل الفريقين ولا يقبل عذرهم في التأخير
فقرأوا تلك المرسومات في الديوان ثم أرسلوها مع مكاتبات صحبة واحد مصرلي وآخر من
طرف الاغا القادم بها واخر من طرف الباشا
وفي أوائل ربيع الاول رجع الرسل بجوابات من الامراء القبليين
ملخصها أنهم لم يتعدوا ما حددوه مع حسن باشا الا بأوامر من عابدي باشا فأنه حدد
لنا من منفلوط ثم اسمعيل بك بنى حاجزا وقلاعا وأسوارا بطرا وذلك دليل وقرينة على
أن ما وراء ذلك يكون لنا وانه اختص بالاقاليم البحرية وترك لنا الاقاليم القبلية
ولا مزية للامراء الكائنين بمصر علينا فانه يجمعنا واياهم أصل واحد وجنس واحد وان
كنا ظلمة فهم أظلم منا واما الغلال والمال فأننا أرسلنا لهم جانب غلال فلم ترجع
المراكب التي ارسلناها ثانيا فيرسلوا لنا مراكب ونحن نبيعها ونرسلها وذكروا ايضا
أنهم ارسلوا صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا إلى اسلامبول ونحن في انتظار رجوعه
بالجواب فعند رجوعه يكون العمل بمقتضى ما يأتي به من المرسومات ولا نخالف أمر
السلطان
وفي شهر جمادى الاولى وردت اخبار بعزل وزير الدولة وشيخ
الاسلام وأغات الينكجرية ونفيهم وان حسن باشا تولى الصدارة وهو بالسفر وانه محصور
بمكان يقال له اسمعيل لان الموسقو أغاروا على ما وراء اسمعيل واخذوا ما بعده من البلاد
ثم انه هادن الموسقو وصالحهم على خمسة أشهر الى خروج الشتاء وأن السلطان أحضر
الامراء المصرلية الرهائن المنفيين بقلعة ليميا وهم عبد الرحمن بك الابراهيمي
وعثمان بك المرادي وسليمان كاشف وأما حسين بك فانه مات بليميا ولما حضروا انزلوهم
في قناقات وعين لهم رواتب ويحضرهم السلطان في بعض الاحيان الى الميدان ويعملوا
رماحة بالخيول وهو ينظر اليهم ويعجبه ذلك ويعطيهم انعاما وورد الخبر ايضا أن صالح
أغا وصل إلى اسلامبول فصالح على الامراء القبالي وتم الامر بواسطة نعمان افندي
منجم باشا ومحمود بك وأرسلوا بالاوراق الى حسن باشا فحنق لذلك ولم يمضه وانحرف علي
نعمان افندي ومحمود بك وأمر بعزلهما من مناصبهما ونفيهما واخراجهما من دار السلطنة
فنفى نعمان افندي الىاماسيه ومحمود بك إلى جهة قريبة من اسلامبول وشاط طبيخهم وسافر
صالح اغا من اسلامبول
وفي شهر شعبان ورد الخبر بموت حسن باشا وكان موته في
منتصف رجب وكأنه مات مقهورا من الموسقو
وفي ثاني عشر رمضان حصل زلزلة لطيفة في ساس ساعة من
الليل
وفيه ايضا وصل ثلاثة اشخاص من الديار الرومية فأخذوا
ودائع كانت لحسن باشا بمصر فتسلموها ممن كانت تحت أيديهم ورجعوا
وفي ليلة الجمعة ثالث عشر شوال قبل الفجر احترق بيت
اسمعيل بك عن آخره
وفي خامس عشرينه عزل حسن كتخدا المحتسب من الحسبة
وقلدوها رضوان أغا محرم من وجاق الجاويشية فأنهى حسن أغا انه كان متكفلا
بجراية الجامع الأزهر فان كان المتولي يتكفل بها مثله
استمر فيها والا ردوا له المنصب وهو يقوم بها للمجاورين كما كان فلما قالوا لرضوان
اغا ذلك فلم يسمعه الا القيام بذلك وهي دسيسة شيطانية لا أصل فان اخبار الجامع الأزهر
لها جهات بعضها معطل والناظر عليه علي بك الدفتردار وحسن اغا كتخداه يصل ويقطع من
أي جهة أراد من الميري او من خلافه فدس هذه الدسيسة يريد بها تعجيز المتولي ليرجع
اليه المنصب ومعلوم ان المتولي لم يتقلد ذلك الا برشوة دفعها ويلزم من نزوله عنها
ضياع غرامته وجرسته بين اقرانه فما وسعه الا القيام بذلك وفردها على مظالم الحسبة
التي يأخذها من السوقة ويدفعها للخباز يصنع بها خبزا للمجاورين والمنقطعين في طلب
العلم ليكون قوتهم وطعامهم من الظلم والسحت المكرر وذلك نحو خمسة آلاف نصف فضة في
كل يوم واشتهر ذلك وعلمه العلماء والمجاوزون وغيرهم وربما طالبوه بالمنكسر أو اعتذروا
بقولهم الضرورات تبيح المحظورات
وفي ليلة السبت ثالث شهر الحجة الموافق لعاشر مسرى
القبطي أو في النيل أذرعه وكسر السد بحضرة الباشا والامراء على العادة وجرى الماء
في الخليج
وفيه وقعت واقعة بين عسكر القليونجية والارنؤدية بسوق
السلاح وقتل بينهم جماعة من الفريقين ثم تحزبوا احزابا فكان كل من واجه حزبا من
الطائفة الاخرى او انفرد ببعض منها قتلوه ووقع بينهم مالا خير فيه وداخل الناس
الخوف من ذلك فيكون الانسان مارا بالطريق فلا يشعر الا وكرشه وطائفة مقبلة
وبأيديهم البنادق والرصاص وهم قاصدون طائفة من أخصامهم بلغهم انهم في طريق من
الطرق واستمر هذا الامر بينهم نحو خمسة ايام ثم ادرك القضية اسمعيل بك وصالحهم
وفي أواخره حضر جماعة من الأرنؤد الى بيت محمد أغا
البارودي وقبضوا منه مبلغ دراهم من علوفتهم ونزلوا عند الخليج المرخم وازدحموا
في المركب فانقلبت بهم وغرق منهم نحو ستة انفار وقيل
تسعة وطلع من طلع في أسوأ حال
ذكر من مات في هذه السنة ومات في هذه السنة العلامة
الرحلة الفهامة الفقيه المحدث المفسر المحقق المتبحر الصوفي الصالح الشيخ سليمان
بن عمر بن منصور العجيلي الشافعي الأزهري المعروف بالجمل ويعرف أبوه وجده بشننت
ولد بمنية عجيل أحدى قرى الغربية وورد مصر ولازم الشيخ الحفني فشملته بركته وأخذ
عنه طريق الخلوتية ولقنه الاسماء وأذن له واستخلفه وتفقه عليه وعلى غيره من فضلاء
العصر مثل للشيخ عطية الاجهوري ولازم دروسه كثيرا واشتهر بالصلاح وعفة النفس ونوه
الشيخ الحفني بشأنه وجعله اماما وخطيبا بالمسجد الملاصق لمنزله على الخليج ودرس
بالاشرفيه والمشهد الحسيني في الفقه والحديث والتفسير وكثرت عليه الطلبة وضبطت من
املائه وتقريراته وقرأ المواهب والشمائل وصحيح البخاري وتفسير الجلالين بالمشهد
الحسيني بين المغرب والعشاء وحضره أكبر الطلبة ولم يتزوج وفي آخر امره تقشف في
ملبسه ولبس كساء صوف وعمامة صوف وطيلسانا كذلك واشتهر بالزهد والصلاح ويتردد كثيرا
لزيارات المشايخ والاولياء ولم يزل على حاله حتى توفي في حادي عشر القعدة من السنة
ومات الامام الفاضل العلامة الصالح المتجرد القانع
الصوفي الشيخ علي ابن عمر بن احمد بن عمر بن ناجي بن فنيش العوني الميهي الشافعي
الضرير نزيل طندتا ولد بالميه إحدى قرى مصر وأول من قدمها جده فنيش وكان مجذوبا من
بني العونة العرب المشهورين بالبحيرة فتزوج بها وحفظ المترجم القرآن وقدم الجامع
الازهر وجوده على بعض القراء واشتغل بالعلم على مشايخ عصره ونزل طندتا فتديرها
ودرس العلم
بالمسجد المجاور وللمقام الاحمدي وانتفع به الطلبة وآل
به الآمر الى أن صار شيخ العلماء هناك وتعلم عليه غالب من بالبلد علم التجويد وهو
فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة يحفظ كثيرا من النقول الغريبة وفيه أنس
وتواضع وتقشف وانكسار وورد مصر في المحرم من هذه السنة ثم عاد الى طندتا وتوفي في
ثاني عشر ربيع الاول من السنة ولم يتعلل كثيرا ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من اولاد
غازي في مقام مبنى عليه رحمه الله تعالى
ومات الفاضل النحرير الذي وقف الادب عند بابه ولاذت اربابه
باعتابه النبيه النبيل واللوذعي الجليل قاسم بن عطاء الله المصري الاديب ولد بمصر
وبها نشأ وقرأ في الفنون على بعض أهل عصره وحفظ الملحة والالفية وغيرهما واشتهر بفن
الادب والتوشيح والزجل وكان يعرف اولا بالزجال ايضا لاتقانه فيه وصار وحيد عصره في
هذه الفنون بحيث لا يجاريه أحد مع ما لديه من الارتجال في الشعر مع غاية الحسن
وأما في فن التاريخ فاليه المنتهى مع السلاسة والتناسب وعدم التكلف فيه
ومات الخواجا المعظم والناخودة المكرم الحاج احمد أغا بن
ملا مصطفى الملطيلي كان من أعيان التجار المشهورين وأرباب أهل الوجاهة المعتبرين
عمدة في بابه عدة لاحبابه ومن يلوز بجنابه وينتمي لسدته وأعتابه محتشما في نفسه
مبجلا بين أبناء جنسه توفي يوم الاربعاء ثاني عشرين القعدة ولم يخلف بعده مثله
ومات صاحبنا النبيه المفوه الفصيح المتكلم الكاتب
المنشيء حسين ابن محمد المعروف بدرب الشمسي وهو أحد أخوة حسن افندي من بيت المجد
والرياسة والشرف والفضيلة وكان من نوادر العصر في لفصاحة واستحضار المسائل الغربية
والنكات والفوائد الفقهية والطبية وعنده حرص على صيد الشوارد وأدرك بمصر أوقاتا
ولذات في الايام السابقة قبل أن يخرجهم علي بك من مصر في سنة اثنتين وثمانين
ونفيهم الى الحجاز
وبعد رجوعهم في سنة سبع وثمانين ولكن دون ذلك ولم يزل يرفل
في حلل السيادة حتى تعلل نحو عشرين يوما وتوفي في شهر رمضان من السنة وصلى عليه
بمصلى ايوب بك ودفن عند اسلافه وخلفه من بعده ابنه حسن جربجي الموجود الان بارك
الله فيه ورحم سلفه
ومات العمدة المفضل والملاد المبجل الشيخ عبد الجواد بن
محمد ابن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي الخير المكرم الجواد من بيت الثروة والفضل
جدوده مالكية فتحنف كان من أهل المآثر في اكرام الضيوف والوافدين وله حسن توجه مع
الله تعالى وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والاحزاب
ووردة مصر مرارا وفي آخره انتقل اليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة كتامة
المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد في دروس العلماء مع اكرامهم له ثم توجه الى
الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامير المبجل صالح فندي كاتب وجاق التفجية وهو من
مماليك ابراهيم كتخدا القازدغلي نشأ من صغره في صلاح وعفة وحبب اليه القراءة
وتجويد الخط فجوده على حسن افندي الضيائي والانيس وغيرهما حتى مهر فيه وأجازوه على
طريقتهم واصطلاحهم واقتنى كتبا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضائل والمعارف وله اعتقاد
حسن وحب في المرحوم الوالد ولا ينقطع عن زيارته في كل جمعة مرة او مرتين وكان
مترهفا في مأكله وملبسه معتبرا في ذاته وجيها منور الوجه والشيبة له من اسمه نصيب
وعنده حزم ومماليكه أحمد ومصطفى تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارا
عاليا ويستند على اتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وأنقضت
هذه السنة
واستهلت سنة خمس ومائتين وألف في حادي عشر المحرم ورد
أغا وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فعملوا له موكبا وطلع إلى
القلعة وقرىء المقرر بحضرة الجمع وضربوا له مدافع
وفي ذلك اليوم قبض اسمعيل بك على المعلم يوسف كساب معلم
الدواوين وأمر بتغريقه في بحر النيل
وفي صبحها نفوا صالحا أغا أغات الارنؤد قيل ان السبب في
ذلك انه تواطأ مع الامراء القبالي بواسطة المعلم يوسف المذكور على انه يملكهم
المراكب الرومية والقلاع التي بناحية طرا والجيزة وعملوا له مبلغا من المال التزم به
الذمي يوسف وكتب على نفسه تمسكا بذلك
وفيه كثر تعدى أحمد أغا الوالي علىأهل الحسينية وتكرر
قبضه وايذاؤه لاناس منهم بالحبس والضرب واخذ المال بل ونهب بعض البيوت وأرسل في
يوم الجمعة ثاني عشرينه أعوانه بطلب أحمد سالم الجزار شيخ طائفة البيومية وله كلمة
وصولة بتلك الدائرة وأرادوا القبض عليه فثارت طوائفه على أتباع الوالي ومنعوه منهم
وتحركت حميتهم عند ذلك وتجمعوا وانضم اليهم جمع كثير من أهل تلك النواحي وغيرها
وأغلقوا الأسواق والدكاكين وحضروا الى الجامع الازهر ومعهم طبول وقفلوا ابواب الجامع
وصعدوا على المنارات وهم يصرخون ويصيحون ويضربون على الطبول وأبطلوا الدروس فقال
لهم الشيخ العروسي أنا أذهب الى اسمعيل بك في هذا الوقت وأكلمه في عزل الوالي
وتخلص منهم بذلك وذهب إلى اسمعيل بك فاعتذر بأن الوالي ليس من جماعته بل هو من
جماعة حسن بك الجداوي وأمر بعض اتباعه بالذهاب اليه واخباره بجمع الناس والمشايخ
وطلبهم عزل الوالي فلم يرض بذلك
وقال ان كان أنا أعزل الوالي تابعي يعزل هو الاخر الاغا
تابعه ويعزل رضوان كتخدا المجنون من المقاطعة ويرفع مصطفى كاشف من طرا ويطرد عسكر
القليونجية والارنؤد وترددت بينهم الرسل بذلك ثم ركب حسن بك وخرج الى ناحية
العادلية مثل المغضب وصار أحمد أغا الوالي يركب بجماعة كثيرة ويشق من المدينة
ليغيظ العامة وكذلك يجمع من العامة خلائق كثيرة ووقع بينه وبينهم بعض مناوشات في مروره
وانجرح بينهم جماعة وقتل شخصان ثم ركب المشايخ وذهبوا الى بيت محمد افندي البكري
وحضر هناك اسمعيل بك وطيب خاطرهم والتزم لهم بعزل الوالي ومر الوالي في ذلك الوقت
على بيت الشيخ البكري وكثير من العامة مجتمع هناك ففزع فيهم بالسيف وفرق جمعهم
وسار من بينهم وذهب في طريقه ثم زاد الحال وكثرت غوغاء الناس ومشوا طوائف يأمرون
بغلق الدكاكين واجتمع بالأزهر الكثير منهم واستمرت هذه القضية الى يوم الثلاثاء
ثالث صفر ثم طلع اسمعيل بك والامراء الى القلعة واصطلحوا على عزل الوالي والآغا
وجعلوهما صنجقين وقلدوا خلافهما الاغا من طرف اسمعيل بك والوالي من طرف حسن بك
ونزل الوالي الجديد من الديوان إلى الازهر وقابل المشايخ الحاضرين واسترضاهم ثم
ركب الى بيته وانفض الجمع وكأنها طلعت بأيديهم والذي كان راكب حمارا ركب فرسا
وفي ليلة الجمعة خامس شهر صفر غيمت السماء غيما مطبقا
وسحت امطار غزيرة كأفواه القرب مع رعد شديد الصوت وبرق متتابع متصل قوي اللمعان
يخطف بالابصار مستديم الاشتعال واستمر ذلك بطول ليلة الجمعة ويوم الجمعة والامطار
نازلة حتى سقطت الدور القديمة على الناس ونزلت السيول من الجبل حتى ملأت الصحراء وخارج
باب النصر وهدمت التراب وخسف القبور وصادف ذلك اليوم دخول الحجاج الى المدينة فحصل
لهم غاية المشقة وأخذ السيل صيوان أمير الحاج بما فيه وانحدر به من الحصوة
الى بركة الحج وكذلك خيام الامراء وغيرهم وسالت السيول
من باب النصر ودخلت البلد وامتلأت الوكائل بالمياه وكذلك جامع الحاكم وقتلت اناس
في حواصل الخانات وصار خارج باب النصر بركة عظيمة متلاطمة بالامواج وانهدم من دور
الحسينية أكثر من النصف وكان امرا مهولا جدا
وفيه حصل ايضا كائنة عبد الوهاب افندي بشناق الواعظ وذلك
انه مات رجل من البشانقة من أهل بلده وكان قد جعله وصيا على تركته فاستولى عليها واستأصلها
وكان للرجل المتوفي شركة بناحية الاسكندرية فسافر المذكور الى الاسكندرية وحاز
باقي التركة ايضا ورجع الى مصر وحضر الوارث وطالبه بتركة مورثه فأظهر له شيئا نزرا
فذهب الوارث الى القاضي فدعاه القاضي وكلمه في ذلك فقال له انا وصي مختار وأنا
مصدق وليس عندي عندي خلاف ما سلمته له فقال له القاضي انه يدعى عليك بكذا وكذا
وعنده اثبات ذلك وطال بينهما الكلام وتطاول على القاضي واستجهله فطلع القاضي الى
الباشا وشكا له فأمر باحضاره فحضر في جمع الديوان وناقشوه فلم يتزلزل عن عناده الى
أن نسب الكل الى الانحراف عن الحق فحنق الباشا منه وأمر برفعه من المجلس فقبضوا
عليه وجروه وضربوه ورموا بتاجه الى الأرض وحبسوه في مكان وصادف ايضا ورود مكتوب من
ناحية المدينة من مفتيها كان أرسله المذكور اليه لسبب من الاسباب وذكر فيه الباشا
بقوله التعيس الحربي وكذلك الامراء بنحو ذلك فأرسله المفتي وأعاده على يد بعض
الناس الى اسمعيل بك حقدا منه عليه لكراهة خفية بينهما سابقة وأوصلة اسمعيل بك
ايضا الى الباشا فازداد غيظا وأرعد وابرق وأحضر بشناق افندي من محبسه وقت القائلة
وأراه ذلك المكتوب فسقط في يده واعتذر فلطمه على وجهه ونتف لحيته وأراد أن يضربه
بخنجره فشفع فيه أكابر أتباعه ثم أخذوه وسجنوه وامر بمحاسبته على ما أخذه من
التركة فحوسب وطولب وبقي بالحبس حتى وفي ما طلع عليه وشفع فيه علي بك الدفتردار
وخلصه من الترسيم
وفي أواخر صفر قلدوا أحمد بك الوالي المذكور كشوفية
الدقهلية وعثمان بك الحسني الغربية وشاهين بك شرقي بلبيس وعلي بك جركس المنوفية
وصار جماعة أحمد بك واتباعه عند سفرهم يخطفون دواب الناس من الاسواق وخيول
الطواحين ولما سرحوا في البلاد حصل منهم مالا خير فيه من ظلم الفلاحين مما هو
معلوم من أفعالهم
وفي شهر ربيع الاول كمل بناء بيت اسمعيل بك وبياضه وأتمه
على هيئة متقنة وترتيب في الوضع ونقل اليه قطع الاعمدة العظام التي كانت ملقاة في مكان
الجامع الناصري الذي عند فم الخليج وجعلها في جدرانه وبنى به مقعدا عظيما متسعا
ليس له مثيل في مقاعد بيوت الامراء في ضخامته وعظمه وهو في جهة البركة وغرس بجانبه
بستانا عظيما وظن ان الوقت قد صفا له
وفي اواخر شهر جمادى الاولى أشيع في الناس ان في ليل
السابع والعشرين نصف الليل يحصل زلزلة عظيمة وتستمر سبع ساعات ونسوا هذا القول إلى
أخبار بعض الفلكيين من غير أصل واعتقده الخاصة فضلا عن العامة وصمموا على حصوله من
غير دليل لهم على ذلك فلما كانت تلك الليلة خرج غالب الناس إلى الصحراء والى
الاماكن المتسعة مثل بركةالازبكية والفيل وخلافهما ونزلوا في المراكب ولم يبق في بيته
إلا من ثبته الله وباتوا ينتظرون ذلك إلى الصباح فلم يحصل شيء وأصبحوا يتضاحكون
على بعضهم
وفيه ابتدأ أمر الطاعون وداخل الناس منه وهم عظيم
وفيه قلدوا عبد الرحمن بك عثمان وجعلوه صنجق الخزينة
وشرعوا في تشهيله واجتهد اسمعيل بك في سفر الخزينة على الهيئة القديمة ولبس
المناصب والسدادة وأرباب الخدم وقد بطل هذا الترتيب والنظام من نيف وثلاثين سنة
فأراد اسمعيل بك اعادته ليكون له بذلك منقبة ووجاهة عند دولة بني عثمان فلم يرد الله
بذل وعاجله الرجز
وفي شهر رجب زاد أمر الطاعون وقوى عمله بطول شهر رجب
وشعبان وخرج عن حد الكثرة ومات به مالا يحصى من الاطفال والشبان والجواري والعبيد
والمماليك والاجناد والكشاف والامراء ومن امراء الالوف الصناجق نحو اثنى عشر صنجقا
ومنهم اسمعيل بك الكبير المشار اليه وعسكر القليونجية والارنؤد الكائنون ببولاق
ومصر القديمة والجيزة حتى كانوا يجفرون حفر المن بالجيزة بالقرب من مسجد أبي هريرة
ويلقونهم فيها وكان يخرج من بيت الامير في المشهد الواحد الخمسة والستة والعشرة
وازدحموا على الحوانيت في طلب العدد والمغسلين والحمالين ويقف في انتظار المغسل او
المغسلة الخمسة والعشرة ويتضاربون على ذلك ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه
فلا تجد الا مريضا أو ميتا او عائدا او معزيا أو مشيعا أو راجعا من صلاة جنازة أو
دفن او مشغولا في تجهيز ميت او باكيا على نفسه موهوما ولا تبطل صلاة الجنائز من
المساجد والمصليات ولا يصلي الا على اربعة او خمسة او ثلاثة وندر جدا من يشتكي ولا
يموت وندر ايضا ظهور الطعن ولم يكن بحمي بل يكون الانسان جالسا فيرتعش من البرد
فيدثر فلا يفيق الا مخلطا أو يموت من نهاره او ثاني يوم وربما زاد او نقص او كان
بخلاف ذلك وكان شبيها بفصل البقر الذي تقدم واستمر عمله الى اوائل رمضان ثم ارتفع
ولم يقع بعد ذلك إلا قليلا نادرا ومات الاغا والوالي في اثناء ذلك فولوا خلافهما
فماتا بعد ثلاثة ايام فولوا خلافهما فماتا ايضا واتفق ان الميراث انتقل ثلاث مرات
في جمعة واحدة ولما مات اسمعيل بك تنازع الرياسة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار
ثم اتفقوا على تامير عثمان بك طبل تابع اسمعيل بك على مشيخة البلد وسكن ببيت سيده
وقلدوا حسن بك قصبة رضوان أمير حاج ثم انهم اظهروا الخوف والتوبة والاقلاع وابطإل
الحوادث والمظالم وزيادات المكوس ونادوا بذلك وقلدوا أمراء عوضا عن المقبورين من
مماليكهم
وفي غرة رمضان حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل اسمعيل باشا
ولن يتوجه الى الموره وان باشة الموره محمد باشا الذي كان بجدة في العام الماضي
المعروف بعزت هو والى مصر فعملوا الديوان وقرئت المرسومات فقال الامراء لا نرضى
بذهابك من بلدنا وأنت أحسن لنا من الغريب الذي لا نعرفه فقال وكيف يكون العمل ولا
يمكن المخالفة فقالوا نكتب عرضحال الى الدولة ونرجو تمام ذلك فقال لا يتم ذلك فان المتولي
كأنكم به وصل الى الاسكندرية وعزم على النزول صبح تاريخه ثم انهم اتفقوا على كتابه
عرضحال بسبب تركة اسمعيل بك خوفا من حضور معين بسبب ذلك وعين للسفرية الشيخ محمد
الأمير
وفي يوم الخميس خامس عشر رمضان نزل الباشا من القلعة الى
بولاق وقصد السفر على الفور وطلب المراكب وأنزل بها متاعة ويرقه فلما رأوا منه
العجلة وعدم التأني وقصدهم تأخيره الى حضور الباشا الجديد ويحاسب على ما دخل في
جهته فاجتمعوا عليه صحبة الاختيارية وكلموه في الثاني فعارضهم وعاندهم وصمم على
السفر من الغد فاغلظوا عليه في القول وقالوا له هذا غير مناسب يقال ان الباشا أخذ
مال مصر وهرب فقال وأي شيء أخذته منكم قالوا له لا بد من عمل حساب فإن الحساب لا
كلام فيه ولا بد من التاني حتى نعمل الحساب فقال أنا ابقى عندكم الكتخدا فحاسبوه
نيابة عني والذي يطلع لكم في طرفي خذوه منه فلم يرضوا بذلك فقال أنا لا بد من سفري
أما اليوم أو غدا فقاموا من عنده على غير رضا وأرسلوا الوالي والاغا يناديان على
ساحل البحر على المراكب بان كل من سافر بشيء من متاع الباشا أو بأحد من اتباعه
يستاهل الذي يجري عليه وطردوا النواتية من المراكب ولم يتركوا في كل مركب الا شخصا
واحدا نوتيا فقط وتركوا عند بيت الباشا جماعة حراسا
وفيه حضر خازندار الباشا الجديد وأخبر بوصول مخدومه الى
ثغر الاسكندرية ومعه خلعة القائمقامية لعثمان بك طبل ومكاتبة الى الامراء
بعدم سفر الملاقة وأربا الخدم على العادة واخبر انه واصل
الى رسيد في البحر بالنقاير فنزل لملاقاته اغات المتفرقة فقط
وفيه رفعوا مصطفى كاشف من طرا وعملوه كتخدا عثمان بك شيخ
البلده
وفيه أشيع بان عبد الرحمن بك الابراهيمي حضر من طريق
الشام ومر من خلف الجبل وذهب الى سيده بالصعيد
وفي غرة شوال يوم الجمعة وليلة السبت حضر الباشا الجديد
الى ساحل بولاق فعملوا له اسقالة وركب الامراء وعدوا الى برأنبابة وسلموا عليه
وعدي صحبتهم وركب الى قصر العيني واوكب في يوم الاثنين رابعة في موكب اقل من
العادة بكثير الى القلعة من ناحية الصليبة وضربوا له مدافع من القلعة
وفي ذلك اليوم سافر الشيخ محمد الامير بالعرضحال وكانوا
آخروا سفره الى أن وصل الباشا الجديد وغيره بعد ان عرضوا عليه الأمر ثم انهم عملوا
حساب الباشا المعزول فطلع عليه للباشا المتولي مائتا كيس من ابتداء منصبه وهو سابع
عشر رجب وللامراء مبلغ ايضا فسدد ذلك بعضه أوراق وبعضه نقد وبعضه أمتعة وأذنوا له
بالسفر فشرع في نزول متاعه بالمراكب بطول يوم الخميس والجمعة وأراد أن يسافر يوم
السبت ففي تلك الليلة وصل بشلي من الروم وبيده مرسوم فعمل الباشا في صبحها ديوانا
حضر فيه المشايخ والامراء وأبرز الباشا المرسوم فكان مضمونه محاسبة الباشا المعزول
من ابتداء شهر توت واستخلاص ما تاداه من ابتداء المدة فعند ذلك ارسلوا ثانيا
وحجروا عليه ونكتوا عزاله من المراكب وحبسوا النواتية ونادوا عليه ثاني مرة وذلك
في سادس عشره
وفيه تواردت الاخبار بأن الامراء القبالي تحركوا الى
الحضور الى مصر فانه لما حصل ما حصل من موت اسمعيل بك والامراء حضر مراد بك من
اسيوط الى المنية وانتشر باقي الامراء في المقدمة وعدي بعضهم الى الشرق ووصلت
اوائلهم الى كفر العياط وأما ابراهيم بك فأنه لم يزل مقيما
بمنفلوط ومنتظرا ارتحال الحجاج ثم يسير الى جهة مصر فأرسلوا
علي بك الجديد الى طرا عوضا عن مصطفى كاشف وأرسلوا صالح بك الى الجيزة وأخذوا في
الاهتمام 2
وفيه حفر خندق من البحر الى المتاريس وفردوا فلاحين على
البلاد للحفر مع اشتغالهم بأمور الحج ودعوا هم نقص مال الصرة وتعطيل الجامكية
المضافة لدفتر الحرمين وتوجيه المعينين من القليونجية على الملتزمين
وفي يوم الاحد رابع عشرينه حضر السيد عمر افندي مكرم
الاسيوطي بمكاتبة من الامراء القبليين خطابا إلى شيخ البلد والمشايخ وللباشا سرا
وفيه سافر اسمعيل باشا المنفصل من بولاق بعد أن ادى ما
عليه
وفي يوم الاثنين خامس عشرنيه خرج المحمل صحبة أمير الحاج
حسن بك قصبة رضوان
وفي يوم الثلاثاء اجتمعوا بالديوان عند الباشا وقرئت
المكاتبات الواصلة عن الامراء القبليين فكان حاصلها أننا في السابق طلبنا الصلح مع
أخواننا والصفح عن الامور السالفة فأبى المرحوم اسمعيل بك ولم يطمئن لطرفنا وكل
شيء نصيب والامور مرهونة بأوقاتها والان اشتقنا الى عيالنا وأوطاننا وقد طالت علينا
الغربة وعزمنا على الحضور الى مصر علىوجه الصلح وبيدنا ايضا مرسوم من مولانا
السلطان وصل الينا صحبة عبد الرحمن بك بالعفو والرضا والماضي لا يعاد ونحن أولاد
اليوم وأن اسيادنا المشايخ يضمنون غائلتنا فلما قرئت تلك المكاتبة التفت الباشا
الى المشايخ العروسي ان كان التفاقم بينهم وبين أمرائنا المصرية الموجودين الآن
فاننا نترجى عندهم وان كان ذلك بينهم وبين السلطان فالامر لنائب مولانا السلطان ثم
اتفق الرأي على كتابة جواب حاصله ان الذي يطلب الصلح يقدم الرسالة بذلك قبل قدومه
وهو بمكانه وذكرتم انكم تائبون وقد تقدم منكم هذا القول مرارا ولم نر له أثرا فان
شرط التوبة رد المظالم وأنتم لم تفعلوا ذلك ولم ترسلوا ما عليكم من الميري
في هذه المدة فان كان الامر كذلك فترجعوا الى اماكنكم
وترسلوا المال والغلال ونرسل عرضحال الى الدولة بالاذن لكم فان الامراء الذين بمصر
لم يدخلوا بسيفهم ولا بقوتهم وانما السلطان هو الذي أخرجكم وأدخلهم وإذا حصل الرضا
فلا مانع لكم من ذلك فأننا الجميع تحت الأمر وعلم على ذلك الجواب الباشا والمشايخ
وسلموه الى السيد عمر وسافر به في يوم الثلاثاء المذكور ثم اشتغلوا بمهمات الحج
وادعوا نقص مال الصرة ستين كيسا ففردوها على التجار ودكاكين الغورية وارتحل الحاج
من الحصوة وصحبته الركب الفاسي وذلك يوم السبت غايته وبات بالبركة وارتحل يوم
الاحد غرة ذي القعدة
وفي ذلك اليوم عملوا الديوان بالقلعة ورسموا بنفي من كان
مقيما بمصر من جماعة القبليين فنفوا أيوب بك الكبير وحسن كتخدا الجربان الى طندتا
وكتبوا فرمانا بخروج الغريب وفرمانا آخر بالامن والامان واخذهما الوالي والاغا
ونادوا بذلك في صبحها في شوارع البلد ونبهوا على تعمير الدروب وقفل ابواب الاطراف وأجلسوا
عند كل مركز حراسا
وفي يوم الخميس نزل الاغا وامامه المناداة بفرمان على
الاجناد والطوائف والمماليك بالخروج الى الخلاء
وفيه وصل قاصد من الديار الرومية وهو اغا معين بطلب تركة
اسمعيل بك وباقي الامراء الهالكين بالطاعون فأنزلوه ببيت الزعفراني وكرروا
المناداة بالخروج الى ناحية طراوكل من تاجر بعد الظهر يستحق العقوبة
وفي تلك الليلة وقت المغرب طلع الامراء الى الباشا
وأشاروا عليه بالنزول والتوجه الى ناحية طرا فنزل في صبحها وخرج الى ناحية طرا كما
أشاروا عليه وكذلك خرج الامراء وطاف الاغا والوالي بالشوارع وهما يناديان على
الالضاشات المنتسبين الى الوجاقات بالصعود الى القلعة والباقي بالخروج الى متاريس
الجيزة وطلع الاوده باشا الاختيارية وجلسوا في الابواب
وفي يوم السبت أشيع ان الامراء القبليين يريدون التخريم
من وراء الجبل الى جهة للعادلية فخرج احمد بك وصالح بك تابع رضوان بك الى جهة
العادلية وأقاموا هناك للمحافظة بتلك الجهة وأرسلوا ايضا الى غرب العائذ فحضروا
ايضا هناك
وفيه وصل القبليون الى حلوان ونصبوا وطاقهم هناك وأخذ
المصريون حذرهم من خلف متاريس طرا
وفي يوم الثلاثاء توجه المشايخ الى ناحية طرا وسلموا على
الباشا والامراء ورجعوا وذلك باشارة الامراء ليشاع عند الاخصام ان الرعية والمشايخ
معهم وبقي الامر على ذلك الى يوم الثلاثاء التالي
وفي صبح يوم الاربعاء نزل الاغا والوالي وامامهم
المناداة علىالرعية والعامة الكافة بالخروج في صبح يوم الخميس صحبة المشايخ ولا
يتأخر احد وحضر الشيخ العروسي الى بيت الشيخ البكري وعملوا هناك جميعة وخرج الاغا
من هناك ينادي في الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أحد من الناس
ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أحد من الناس وأشيع ان الامراء
القبليين نزلوا اثقالهم في المراكب وتمنعوا الى قبلي ويقولون ان قصدهم الرجوع وبقي
الأمر عل السكوت بطول النهار والناس في بهتة والامراء متخيلون من بعضهم البعض وكل
من علي بك الدفتردار وحسن بك الجداوي يسيء الظن بالآخر ولم يخطر بالبال مخامرة
عثمان بك طبل ولا الباشا فإن عثمان بك تابع اسمعيل بك الخصم الكبير وقد تعين عوضه
في امارة مصر ومشيختها والباشا لم يكن من الفريقين فلما كان الليل تحول الباشا
والامراء وخرجوا الى ناحية العادلية وأخرجوا شركفلك صحبتهم وجملة مدافع وعملوا
متاريس فما فرغوا من عمل ذلك الا ضحوة النهار من يوم الجمعة وهم واقفون على الخيول
فلم يشعروا الا والامراء القبالي نازلون من الجبل بخيولهم ورجالهم لكنهم في غاية
من الجهد والمشقة فلما نزلوا وجدوا الجماعة والمتاريس امامهم فتشاور المصريون مع
بعضهم
في الهجوم عليهم فلم يوافق عثمان بك على ذلك وثبطهم عن الاقدام
ورجعوا جميع الحملة الى مصر ووقفوا على جرائد الخيل فتمنع القبليون وتباعدوا عنهم ونزلوا
عند سبيل علام يأخذون لهم راحة حتى يتكاملوا فلما تكاملوا ونصبوا خيامهم واستراحوا
الى العصر ركب مصطفى كاشف صهر حسن كتخدا علي بك وهو من مماليك محمد بك الالفي
وصحبته نحو خمسة مماليك وذهب الى سيده ثم ركب محمد بك المبدول ايضا باتباعه وذهب
الى مراد بك لانه في الاصل من اتباعه ثم ركب مصطفى كاشف الغزاري وهو اخو عثمان بك
طبل شيخ البلد وذهب ايضا اليهم واستوثق لاخيه فكتب له إبراهيم بك بالحضور فلم يتمكن
من الحضور الا بعد العشاء الاخيرة حتى انفرد عن حسن بك وعلي بك فلما فعل ذلك
وفارقهما سقط في أيديهما وغشى على علي بك ثم أفاق وركب مع حسن بك وصناجقه وهم
عثمان بك وشاهين بك وسليم بك المعروف بالدمرجي الذي تآمر عوضا عن علي بك الحبشي ومحمد
بك كشكش وصالح بك الذي تآمر عوضا عن رضوان بك العلوي وعلي بك الذي تآمر عوضا عن
سليم بك الاسماعيلي وذهب الجميع من خلف القلعة على طريق طرا وذهبوا الى قبلي حيث
كانت اخصامهم فسبحان مقلب الاحوال ولما حضر عثمان بك وقابل ابراهيم بك ارسله مع
ولده مرزوق بك الى مراد بك فقابله ايضا ثم حضرت اليهم الوجاقلية والاختيارية
وقابلوهم وسلموا عليهم وشرع اتباعهم في دخول مصر بطول ليلة السبت حادي عشرين شهر
القعدة ولما طلع النهار دخلت أتباعهم بالحملات والجمال شيء كثير جدا ثم دخل
ابراهيم وشق المدينة ومعه صناجقة ومماليكه وأكثرهم لابسون الدروع ثم دخل بعده سليمان
بك والاغا واخوه ابراهيم بك الوالي ثم عثمان بك الشرقاوي واحمد بك الكلارجي وأيوب
بك الدفتردار ومصطفى بك الكبير وعلي أغا وسليم أغا وقائد أغا وعثمان بك الاشقر الابراهيمي
وعبد الرحمن بك الذي كان باسلامبول وقاسم بك
الموسقو وكشافهم واغواتهم واما مراد بك فانه دخل من على
طريق الصحراء ونزل على الرميلة وصحبته عثمان بك الاسماعيلي شيخ البلد وامراؤه وهم
محمد بك الالفي وعثمان بك الطنبرجي الذي كان باسلامبول ايضا وكشافهم واغواتهم
واستمر انجرارهم الى بعد الظهر خلاف من كان متاخرا او منقطعا فلم يتم دخولهم الا في
ثاني يوم وأما مصطفى أغا الوكيل فانه التجأ الى الباشا وكذلك مصطفى كاشف طرا
فأخذهما الباشا صحبته وطلعا الى القلعة ودخل الامراء الى بيوتهم وباتوا بها ونسوا
الذي جرى وأكثر البيوت كان بها الامراء الهالكون بالطاعون وبقي بها نساؤهم ومات
غالب نساء الغائبين فلما رجعوا وجدوها عامرة بالحريم والجواري والخدم فتزوجوهن
وجددوا فراشهم وعملوا اعراسهم ومن لم يكن له بيت دخل ما أحب من البيوت وأخذه بما
فيه من غير مانع وجلس في مجالس الرجال وانتظر تمام العدة ان كان بقي منها شيء
واورثهم الله ارضهم وديارهم وأموالهم وأزواجهم
وفي يوم الاحد ركب سليم أغا ونادى على طائفة القليونجية
والارنؤذ والشوام بالسفر ولا يتأخر أحد وكل من وجد بعد ثلاثة أيام استحق ما ينزل
به ثم ان المماليك صاروا كل من صادفوه منهم أو رأوه أهانوه وأخذوا سلاحه فاجتمع
منهم طائفة وذهبوا الى الباشا فأرسل معهم شخصا من الدلاة أنزلهم الى بولاق في
المراكب وصار أولاد البلد والصغار يسخرون بهم ويصفرون عليهم بطول الطريق وسكن مراد
بك ببيت اسمعيل بك وكأنه كان يبنيه من أجله
وفي يوم الاثنين ايضا طاف الأغا وهو ينادي على
القليونجية والارنؤد
وفي يوم الخميس سادس عشرينه صعد الامراء الى القلعة وقابلوا
الباشا وكانوا يروه ولم يرهم قبل ذلك اليوم فخلع عليهم الخلع ونزلوا من عنده
وشرعوا في تجهيز تجريدة الى الهاربين لأنهم حجزوا ما وجدوه من مراكبهم وأمتعتهم
وكتب الباشا عرضحال في ليلة دخولهم وأرسله صحبة
واحد ططرى الى الدولة بحقيقة الحال وعينوا التجريدة ابراهيم
بك الولي وعثمان بك المرادي متقلدا امارة الصعيد وعثمان بك الاشقر واحضر مراد بك
حسن كتخدا علي بك بأمان وقابله وقيده بتشهيل التجريدة وعمل البقسماط ومصروف البيت
من اللحم والخبز والسمن وغير ذلك ووجه عليه المطالب حتى صرف ما جمعه وحواه وباع
متاعه وأملاكه ورهنها واستدان ولم يزل حتى مات بقهره وقلدوا علي أغا مستحفظان سابقا
وجعلوه كتخدا الجاويشية
وفي حادي عشرين شهر الحجة الموافق لسابع عشر مسرى القبطي
أوفي النيل أذرعه ونزل الباشا الى قصر السد وحضر القاضي والامراء وكسر السد
بحضرتهم وعملوا الشنك المعتاد وجرىالماء في الخليج ثم توقفت الزيادة ولم يزد بعد
الوفاء الا شيئا قليلا ثم نقص واستمر يزيد قليلا وينقص الى الصليب فضجت الناس
وتشحطت الغلال وزاد سعرها وانكبوا على الشراء ولاحت الوائح الغلاء
وفيه ايضا شرع الامراء في التعدي على أخذ البلاد من
اربابها من الوجاقلية وغيرهم وأخذوا بلاد أمير الحاج
وفيه صالح الباشا الامراء على مصطفى أغا الوكيل وأخلوا
له داره وقد كان سكن بها عثمان بك الاشقر فاخلاه له ابراهيم بك ونزل من القلعة
اليه ولازم ابراهيم بك ملازمة كلية وكذلك مصطفى كاشف الذي كان يطرا لازم مراد بك
واختص به وصار جليسه ونديمه
من مات في هذه السنة من الاعيان ومات شيخنا علم الاعلام
والساحر اللاعب بالافهام الذي جاب في اللغة والحديث كل فج وخاض من العلم كل لج
المذلل له سبل الكلام الشاهد له الورق والاقلام ذو المعرفة والمعروف وهو العلم
الموصوف العمدة الفهامة والرحلة النسابة الفقيه المحدث اللغوي النحوي الاصولي
الناظم الناثر
الشيخ ابو القبض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد
الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي هكذا ذكر عن نفسه ونسبه ولد سنة خمس
واربعين ومائة وألف كما سمعته من لفظه ورايته بخطه ونشأ ببلاده وارتحل في طلب
العلم وحج مرارا واجتمع بالشيخ عبد الله السندي والشيخ عمر بن احمد بن عقيل المكي
وعبد الله السقاف والمسند محمد ابن علاء الدين المزجاجي وسليمان بن يحيى وابن
الطيب واجتمع بالسيد عبد الرحمن العيدروس بمكة وبالشيخ عبد الله ميرغني الطائفي في
سنة ثلاث وستين ونزل بالطائف بعد ذهابه الى اليمن ورجوعه في سنة ست وستين فقرأ على
الشيخ عبد الله في الفقه وكثيرا من مؤلفاته واجازه وقرأ على الشيخ عبد الرحمن
العيدروس مختصر السعد ولازمه ملازمة كلية والبسه الخرقة واجازه بمروياته ومسموعاته
قال وهوالذي شوقني الى دخول مصر بما وصفه لي من علمائها وامرائها وادبائها وما
فيها من المشاهد الكرام فاشتاقت نفسي لرؤياها وحضرت مع الركب وكان الذي كان وقرأ
عليه طرفا من الاحياء واجازه بمروياته ثم ورد الى مصر في تاسع سفر سنة سبع وستين
ومائة والف وسكن بخان الصاغة وأول من عشرة وأخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من
علماء مصر وحضر دروس اشياخ الوقت كالشيخ احمد الملوي والجوهري والحفني والبليدي
والصعيدي والمدابغي وغيرهم وتلقي عنهم واجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه
واعتنى بشأنه اسمعيل كتخدا عزبان ووالاه بره حتى راج امره وترونق حاله واشتهر ذكره
عند الخاص والعام ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة وسافر الى الصعيد ثلاث
مرات واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه واكرمه شيخ العرب همام واسمعيل ابو عبد الله
وابو علي واولاده نصير واولاد وافي وهادوه وبروه وكذلك ارتحل الى الجهات البحرية
مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقي البنادر العظيمة مرارا حين كانت مزينة بأهلها
عامره بأكابرها واكرمه الجميع واجتمع بأكابر النواحي
وأرباب العلم والسلوك وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم وصنف عدة
رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية تحتوي على لطائف ومحاورات ومدائح
نظما نثرا لو جمعت كانت مجلدا ضخما وكناه سيدنا السيد أبو الانوار بن وفا بابي
الفيض وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك برحاب
ساداتنا بني الوفا يوم زيارة المولد المعتاد ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال مع بقاء
سكنه بوكالة الصاغة وشرع في شرح القاموس حتى أتمه في عدة سنين في نحو اربعة عشر
مجلدا وسماه تاج العروس ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم واشياخ
الوقت بغيط المعدية وذلك في سنة احدى وثمانين ومائة وألف وأطلعهم عليه واغتبطوا به
وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة وكتبوا عليه تقاريظهم نثرا ونظما
فمن قرظ عليه شيخ الكل في عصره الشيخ علي الصعيدي والشيخ احمد الدردير والسيد عبد
الرحمن العيدروس والشيخ محمد الامير والشيخ حسن الجداوي والشيخ احمد البيلي والشيخ
عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الزيات والشيخ محمد عبادة والشيخ
محمد العوفي والشيخ حسن الهواري والشيخ أبو الانوار السادات والشيخ علي القناوي
والشيخ علي خرائط والشيخ عبد القادر بن خليل المدني والشيخ محمد المكي والسيد علي
القدسي والشيخ عبد الرحمن مفتي جرجا والشيخ علي الشاوري والشيخ محمد الخربتاوي
والشيخ عبد الرحمن المقرى والشيخ محمد سعيد البغدادي الشهير بالسويدي وهو آخر من
قرظ عليه وكنت إذ ذاك حاضرا وكتبه نظما ارتجالا وذلك في منتصف جمادى الثانية سنة
اربع وتسعين ومائة وألف
ولما أنشأ محمد بك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من
الازهر وعمل فيه خزانة للكتب واشترى جملة من الكتب ووضعها بها أنهوا اليه شرح
القاموس هذا وعرفوه انه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها وانفردت
بذلك دون غيرها ورغبوه في ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة الف
درهم فضة ووضعه فيها ولم يزل المترجم يخدم العلم ويرقى في درج المعالي ويحرص على
جمع الفنون التي أغفلها المتأخرون كعلم الانسان والاسانيد وتخاريج الاحاديث واتصال
طرائق المحدثين المتأخرين بالمتقدمين وألف في ذلك كتبا ورسائل ومنظومات وأراجيز
جمة ثم انتقل الى منزل بسويقة اللالا تجاه جامع محرم افندي بالقرب من مسجد شمس
الدين الحنفي وذلك في اوائل سنة تسع وثمانين ومائة والف وكانت تلك الخطة اذ ذاك
عامرة بالاكابر والاعيان فاحدقوا به وتحبب اليهم واستأنسوا به وواسوه وهادوه وهو
يظهر لهم الغنى والتعفف ويعظهم ويفيدهم بفوائد وتمائم ورقي ويجيزهم بقراءة أوراد واحزاب
فأقبلوا عليه من كل جهة واتوا الى زيارته من كل ناحية ورغبوا في معاشرته لكونه
غريبا وعلى غير صورة العلماء المصريين وشكلهم ويعرف باللغة التركية والفارسية بل
وبعض لسان الكرج فأنجذبت قلوبهم اليه وتناقلوا خبره وحديثه ثم شرع في املاء الحديث
على طريق السلف في ذكر الاسانيد والرواة المخرجين من حفظه على طرق مختلفة وكل من
قدم عليه يملي عليه الحديث المسلسل بالاولية وهو حديث الرحمة برواته ومخرجيه ويكتب
له سندا بذلك واجازة وسماع الحاضرين فيعجبون من ذلك ثم ان بعض علماء الازهر ذهبوا
اليه وطلبوا منه اجازة فقال لهم لا بد من قراءة اوائل الكتب واتفقوا على الاجتماع
بجامع شيخون بالصليبة الاثنين والخميس تباعدا عن الناس فشرعوا في صحيح البخاري بقراءة
السيد حسين الشيخوني واجتمع عليهم بعض اهل الخطة والشيخ موسى الشيخوني امام المسجد
وخازن الكتب وهو رجل كبير معتبر عند أهل الخطة وغيرها وتناقل في الناس سعى علماء
الازهر مثل الشيخ احمد السجاعي والشيخ مصطفى الطائي والشيخ سليمان الاكراشي وغيرهم
للاخذ عنه فازداد شأنه وعظم قدره واجتمع عليه اهل تلك النواحي وغيرها من العامة
والاكابر والاعيان
والتمسوا منه تبيين المعاني فانتقل من الرواية الى
الدراية وصار درسا عظيما فعند ذلك انقطع عن حضوره اكثر الازهرية وقد استغنى عنهم
هو ايضا وصار يملي على الجماعة بعد قراءة شيء من الصحيح حديثا من المسلسلات او
فضائل الاعمال ويسرد رجال سنده ورواته من حفظه ويتبعه بأبيات من الشعر كذلك فيتعجبون
من ذلك لكونهم لم يعهدوها فيما سبق في المدرسين المصريين وافتتح درسا آخر في مسجد
الحنفي وقرأ الشمائل في غير الايام المعهودة بعد العصر فازدادت شهرته واقبلت الناس
من كل ناحية لسماعه ومشاهدة ذاته لكونها على خلاف هيئة المصريين وزيهم ودعاه كثير
من الاعيان الى بيوتهم وعملوا من اجله ولائم فاخرة فيذهب اليهم مع خواص الطلبة
والمقرىء والمستملي وكاتب الاسماء فيقرأ لهم شيئا من الاجزاء الحديثية كثلاثيات
البخاري او الدارمي او بعض المسلسلات بحضور الجماعة وصاحب المنزل واصحابه واحبابه
واولاده وبناته ونسائه من خلف الستائر وبين ايديهم مجامر البخور بالعنبر والعود
مدة القراءة ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم على النسق المعتاد
ويكتب الكاتب اسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم
والتاريخ ويكتب الشيخ تحت ذلك صحيح ذلك وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمن السابق
كما رأيناه في الكتب القديمة
يقول الحقيراني كنت مشاهدا وحاضرا في غالب هذه المجالس
والدروس ومجالس اخر خاصة بمنزله وبسكنه القديم بخان الصاغة وبمنزلنا بالصنادقية
وبولاق واماكن اخر كنا نذهب اليها للنزاهة مثل غيط المعدية والازبكية وغير ذلك
فكنا نشغل غالب الاوقات بسرد الاجزاء الحديثية وغيرها وهو كثير بثبوت المسموعات
على النسخ وفي اوراق كثيرة موجودة الى الان وانجذب اليه بعض الامراء الكبار مثل
مصطفى بك الاسكندراني وايوب بك الدفتردار فسعوا الى منزله وترددوا لحضور مجالس
دروسه
وواصلوه بالهدايا الجزيلة والغلال واشترى الجواري وعمل
الاطعمة للضيوف واكرم الواردين والوافدين من الافاق البعيدة وحضر عبد الرزاق افندي
الرئيس من الديار الرومية الى مصر وسمع به فحضر اليه والتمس منه الاجازة وقراء
مقامات الحريري فكان يذهب اليه بعد فراغه من درس شيخون ويطالع له ما تيسر من
المقامات ويفهمه معانيها اللغوية ولما حضر محمد باشا عزت الكبير رفع شأنه عنده
واصعده إليه وخلع عليه فروة سمور ورتب له تعيينا من كلاره لكفايته من لحم وسمن
وارز وحطب وخبر ورتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين والسائرة وغلالا من الانبار
وانهى الىالدولة شانه فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا
فضة في كل يوم وذلك في سنة احدى وتسعين ومائة والف فعظم امره وانتشر صيته وطلب الى
الدولة في سنة اربع وتسعين فأجاب ثم امتنع وترادفت عليه المراسلات من اكابر الدولة
وواصلوه بالهدايا والتحف والامتعة الثمينة في صناديق وطار ذكره في الافق وكاتبه
ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق وملوك المغرب
والسودان وفزان والجزائر والبلاد البعيدة وكثرت عليه الوفود من كل ناحية وترادفت
عليه منهم الهدايا والصلات والاشياء الغريبة وارسلوا اليه من اغنام فزان وهي عجيبة
الخلقة عظيمة الجثة يشبه رأسها راس العجل وارسلها الى اولاد السلطان عبد الحميد
فوقع لهم موقعا وكذلك ارسلوا له من طيور الببغا والجواري والعبيد والطواشية فكان
يرسل من طرائف الناحية الى الناحية المستغرب ذلك عندها ويأتيه في مقابلتها اضعافها
واتاه من طرائف الهند وصنعاء اليمن وبلاد سرت وغيرها اشياء نفيسة وماء الكادي
والمربيات والعود والعنبر والعطرشاه بالارطال وصار له عند اهل المغرب شهرة عظيمة
ومنزلة كبيرة واعتقاد زائد وربما اعتقدوا فيه القطبانية العظمى حتى ان احدهما اذا ورد
الى مصر حاجا ولم يزره ولم يصله بشيء لا يكون حجه كاملا فإذا ورد عليه احدهم سأله
عن اسمه ولقبه وبلده وخطته وصناعته واولاده وحفظ ذلك او
كتبه ويستخبر من هذا عن ذاك بلطف ورقة فاذا ورد عليه قادم من قابل سأله عن اسمه
وبلده فيقول له فلان من بلدة كذا فلا يخلو ما أن يكون عرفه من غيره سابقا او عرف
جاره او قريبه فيقول له فلان طبيب فيقول نعم سيدي ثم يسأله عن اخيه فلان وولده
فلان وزوجته وابنته ويشير له باسم حارته وداره وما جاورها فيقوم ذلك المغربي ويقعد
ويقبل الارض تارة ويسجد تارة ويعتقد أن ذلك من باب الكشف الصريح فتراهم في ايام
طلوع الحج ونزوله مزدحمين على بابه من الصباح الى الغروب وكل من دخل منهم قدم بين
يدي نجواه شيئا ما فضة او تمرا او شمعا على قدر فقره وغناه وبعضهم يأتيه بمراسلات
وصلات من أهل بلاده وعلمائها وأعيانها ويلتمسون منه الاجوبة فمن ظفر منم بقطعة
ورقة ولو بمقدار الأنملة فكأنما ظفر بحسن الخاتمة وحفظها معه كالتميمة ويرى انه قد
قبل حجه والا فقد باء بالخيبة والندامة وتوجه عليه اللوم من أهل بلاده ودامت حسرته
الى يوم ميعاده وقس على ذلك ما لم يقل وشرع في شرح كتاب احياء العلوم للغزالي وبيض
منه اجزاء وأرسل منها الى الروم والشام والغرب ليشتهر مثل شرح القاموس ويرغب في
طلبه واستنساخه وماتت زوجته في سنة ست وتسعين فحزن عليها حزنا كثيرا ودفنها عند
المشهد المعروف بمشهد السيدة رقية وعمل على قبرها مقاما ومقصورا وستورا وفرشا
وقناديل ولازم قبرها اياما كثيرة وتجتمع عنده الناس والقراء والمنشدون ويعمل لهم
الاطعمة والثريد والكسكسو والقهوة والشربات واشترى مكانا بجوار المقبرة المذكورة
وعمره بيتا صغيرا وفرشه واسكن به امها ويبيت به احيانا وقصده الشعراء بالمراثي
فيقبل منهم ذلك ويجيزهم عليه
ثم تزوج بعدها بأخرى وهي التي مات عنها واحرزت ما جمعه من
مال وغيره ولما بلغ مالا مزيد عليه من الشهرة وبعد الصيت وعظم القدر والجاه عند
الخاص والعام وكثرت عليه الوفود من سائر الاقطار واقبلت عليه
الدنيا بحذافيرها من كل ناحية لزم داره واحتجب عن اصحابه
الذين كان يلم بهم قبل ذلك الا في النادر لغرض من الاغراض وترك الدروس والاقراء
واعتكف بداخل الحريم واغلق الباب ورد الهدايا التي تأتيه من اكابر المصريين ظاهره وارسل
اليه مرة ايوب بك الدفتردار مع نجله خمسين اربا من البر واحمالا من الارز والسمن
والعسل والزيت وخمسمائة ريال نقود وبقج كساوى أقمشة هندية وجوخا وغير ذلك فردها
وكان ذلك في رمضان وكذلك مصطفى بك الاسكندراني وغيرهما وحضر اليه فاحتجب عنهما ولم
يخرج اليهما ورجعا من غير أن يواجهاه ولما حضر حسن باشاالصور التي حضر فيها الى
مصر لم يذهب اليه بل حضر هو لزيارته وخلع عليه فروة تليق به وقدم له حصانا معدودا
مرختا بسرج وعباءة قيمته ألف دينار أعده وهياه قبل ذلك وكانت شفاعته عنده لا ترد
وان ارسل اليه ارسالية في شيء تلقاها بالقبول والاجلال وقبل الورقة قبل أن يقرأها ووضعها
على رأسه ونفذ ما فيها في الحال وارسل مرة الى احمد باشا الجزار مكتوبا وذكر له في
انه المهدي المنتظر وسيكون له شأن عظيم فوقع عنده بموقع الصدق لميل النفوس الى
الاماني ووضع ذلك المكتوب في حجابه المقلد به مع الاحراز والتمائم فكان يسر بذلك
الى بعض من يرد عليه ممن يدعى المعارف في الجفور والزايرجات ويعتقد صحته بلا شك
ومن قدم عليه من جهة مصر واجمع سأله عن المترجم فأن أخبره وعرفه انه اجتمع به وأخذ
عنه وذكره بالمدح والثناء احبه واكرمه واجزل صلته وإن وقع منه خلاف ذلك قطب منه
وأقصاه عنه وابعده ومنع عنه بره ولو كان من اهل الفضائل واشتهر ذلك عنه عند من عرف
منه ذلك بالفراسة ولم يزل على حسن اعتقاده في المترجم حتى انقضى نحبهما واتفق ان مولاي
محمدا سلطان المغرب رحمه الله وصله بصلات قبل انجماعه الاخير وتزهده وهو يقبلها
ويقابلها بالحمد والثناء والدعاء فأرسل له في سنة احدى ومائتين صلة لها قدر فردها
وتورع عن قبولها وضاعت
ولم ترجع الى السلطان وعلم السلطان ذلك من جوابه فأرسل اليه
مكتوبا قرأته وكان عندي ثم ضاع في الاوراق ومضمونه العتاب والتوبيخ في رد الصلة
ويقول له انك رددت الصلة التي ارسلناها اليك من بيت مال المسلمين وليتك حيث تورعت
عنها كنت فرقتها على الفقراء والمحتاجين فيكون لنا ولك اجر ذلك الا انك رددتها
وضاعت ويلومه ايضا على شرحه كتاب الاحياء ويقول له كان ينبغي ان تشغل وقتك بشيء
نافع غير ذلك ويذكر وجه لومه له في ذلك وما قاله العلماء وكلاما مفحما مختصرا
مفيدا رحمه الله تعالى وللمترجم من المصنفات خلاف شرح القاموس وشرح الاحياء تأليفات
كثيرة منها كتاب الجواهر المنيفة في اصول ادلة مذهب الامام ابي حنيفة رضي الله عنه
مما وافق فيه الائمة الستة وهو كتاب نفيس حافل رتبه ترتيب كتب الحديث من تقديم ما
روى عنه في الاعتقاديات ثم في العمليات على ترتيب كتب الفقه والنفحة القدسية
بواسطة البضعة العيدروسية جمع فيه أسانيد العيدروس وهي في نحو عشرة كراريس والعقد
الثمين في طرق الالباس والتلقين وحكمة الاشراق الى كتاب الافاق وشرح الصدر في شرح
اسماء اهل بدر في عشرين كراسا ألفها لعلي افندي درويش وألف بأسمه ايضا التفتيش في
معنى لفظ درويش ورسائل كثيرة جدا منها رفع نقاب الخفا عمن انتمى الى وفا وابى
الوفا وبلغة الاريب في مصطلح آثار الحبيب واعلام الاعلام بمناسك حج بيت الله
الحرام وزهر الاكمام المنشق عن جيوب الالمام بشرح صيغة سيدي عبد السلام ورشفة المدام
المختوم البكري من صفوة زلال صيغ القطب البكري ورشف سلاف الرحيق في نسب حضرة
الصديق والقول المثبوت في تحقيق لفظ التابوت وتنسيق قلائد المنن في تحقيق كلام
الشاذلي ابي الحسن ولقط اللالى من الجوهر الغالي وهي في اسانيد الاستاذ الحفني
وكتب له اجازته عليها في سنة سبع وستين وذلك سنة قدومه الى مصر والنوافح المسكية
علىالفوائح الكشكية وجزء في
حديث نعم الادام الخل وهدية الاخوان في شجرة الدخان ومنح
الفيوضات الوفية فيما في سورة الرحمن من اسرار الصفة الالهية واتحاف سيد الحي
بسلاسل بني طي وبذل المجهود في تخريج حديث شيبتي هود والمربى الكابلي فيمن روى عن
الشمس البابلي والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية ورسالة في المناشي والصفين وشرح
على خطبة الشيخ محمد البحيري البرهاني على تفسير سورة يونس وتفسير على سورة يونس
مستقل على لسان القوم وشرح على حزب البر الشاذلي وتكملة على شرح حزب البكري
الفاكهي من اوله فكمله للشيخ احمد البكري ومقامة سماها اسعاف الاشراف وارجوزة في
الفقه نظمها باسم الشيخ حسن بن عبد اللطيف الحسني المقدسي وحديقة الصفا في والدي
المصطفى وقرظ عليها الشيخ حسن المدابغي ورسالة في طبقات الحفاظ ورسالة في تحقيق
قول أبي الحسن الشاذلي وليس من الكرام الى آخره وعقيلة الاتراب في سند الطريقة والاحزاب
صنفها للشيخ عبد الوهاب الشربيني والتعليقة على مسلسلات ابن عقيلة والمنح العلية
في الطريقة النقشبندية والانتصار لوالدي النبي المختار وألفية السند ومناقب اصحاب الحديث
وكشف اللثام عن آداب الايمان والاسلام ورفع الشكوى لعالم السر والتزجوى وترويح
القلوب بذكر ملوك بني أيوب ورفع الكلل عن العلل ورسالة سماها قلنسوة التاج الفها
باسم الاستاذ العلامة الصالح الشيخ محمد بن بدير المقدسي وذلك لما اكمل شرح
القاموس المسمى بتاج العروس فأرسل اليه كراريس من اوله حين كان بمصر وذلك في سنة
اثنتين وثمانين ليطلع عليها شيخه الشيخ عطية الاجهوري ويكتب عليها تقريظا ففعل ذلك
وكتب اليه يستجيزه فكتب اليه اسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وأصيب
بالطاعون في شهر شعبان وذلك انه صلى الجمعة في مسجد الكردي المواجه لداره فطعن بعد
ما فرغ من الصلاة ودخل الى البيت واعتقل لسانه تلك الليلة وتوفي يوم الاحد فأخفت زوجته
وأقاربها موته
حتى نقلوا الاشياء النفيسة والمال والذخائر والامتعة
والكتب المكلفة ثم اشاعوا موته يوم الاثنين فحضر عثمان بك طبل الاسماعيلي ورضوان
كتخدا المجنون وادعى ان المتوفي أقامه وصيا مختارا وعثمان بك ناظرا بسبب ان زوج
اخت الزوجة من اتباع المجنون يقال له حسين أغا فلما حضروا وصحبتهما مصطفى افندي
صادق اخذوا ما أحبوه وانتقوه من المجلس الخارج وخرجوا بجنازته وصلوا عليه ودفن
بقبر أعده لنفسه ذلك اليوم لاشتغال الناس بأمر الطاعون وبعد الخطة ومن علم منهم
وذهب بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيدة رقية ولم يعلم بموته أهل الأزهر لم يدرك
الجنازة ومات رضوان كتخدا في أثر ذلك واشتغل عثمان بك بالامارة لموت سيده ايضا
واهمل امر تركته فأحرزت زوجته وأقاربها متروكاته ونقلوا الاشياء الثمينة والنفيسة الى
دراهم ونسى أمره شهورا حتى تغيرت الدولة وتملك الامراء المصريون الذين كانوا
بالجهة القبلية وتزوجت زوجته برجل من الاجناد من اتباعهم فعند ذلك فتحوا التركة
بوصاية الزوجة من طرف القاضي خوفا من ظهور وارث وأظهروا ما انتفوه مما انتقوه من
الثياب وبعض الامتعة والكتب والدشتات وباعوها بحضره الجمع فبلغت نيفا ومائة ألف
نصف فضة فأخذ منها بيت المال شيئا واحرز الباقي مع الاول وكانت مخلفاته شيئا كثيرا
جدا أخبرني المرحوم حسن الحريري وكان من خاصته وممن يسعى في خدمته ومهماته انه حضر
اليه في يوم السبت وطلب الدخول لعيادته فأدخلوه اليه فوجده راقدا معتقل اللسان
وزوجته واصهاره في كبكبة واجتهاد في اخراج ما في داخل الخبايا والصناديق الى
الليوان ورأيت كوما عظيما من الاقمشة الهندية والمقصبات والكشميري والفراء من غير
تفصيل نحو الحملين وأشياء في ظروف وأكياس لا أعلم ما فيها قال ورأيت عدد كثيرا من ساعات
العبب الثمينة مبددا على بساط للقاعة وهي بغلافات بلادها قال فجلست عند رأسه
حصة وأمسكت يده ففتح عينيه ونظر الي وأشار كالمستفهم عما
هم فيه ثم غمض عينيه وذهب في غطوسه فقمت عنه قال ورأيت في الفسحة التي امام القاعة
قدرا كثيرا من شمع العسل الكبير والصغير والكافوري المصنوع والخام وغير ذلك مما لم
اره ولم التفت اليه ولم يترك ابنا ولا ابنة ولم يرثه احد من الشعراء
وكان صفته ربعة نحيف البدن ذهبي اللون متناسب الاعضاء
معتدل اللحية قد وخطه الشيب في اكثرها مترفها في ملبسه ويعتم مثل اهل مكة عمامة
منحرفة بشاش ابيض ولها عذبة مرخية على قفاه وله حبكه وشراريب حرير طولها قريب من
فتر وطرفها الاخر داخل طي العمامة وبعض اطرافه ظاهر وكان لطيف الذات حسن الصفات
بشوشا بسوماوقورا محتشما مستحضرا للنوادر والمناسبات ذكيا لوذعيا فطنا المعيا روض
فضله نضير وماله في سعة الحفظ نظير جعل الله مثواه قصور الجنان وضريحه مطاف وفود
الرحمة والغفران
ومات الامام العلامة والحبر المدفق الفهامة ذو الفضائل
الجمة والتحقيقات المهمة الذكي الألمعي النحوي المعقولي الفقيه النبيه الشيخ عمر
لبابلي الشافعي الازهري تفقه على علماء العصر وحضر الشيخ عيسى البراوي والشيخ
الصعيدي والشيخ احمد البيلي والشيخ عبد الباسط السنديوني وتمهر في العلوم وقرأ الدروس
وأخذ طريق الخلوتية على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولقنه الاسماء ولازمه في مجالسه
وأوراده ملازمة كلية ولوحظ بأنظاره وتزوج بزوجة الشيخ احمد اخي الشيخ حسن المقدسي
الحنفي وكانت مثرية فترونق حاله وتجمل بالملابس وعرفته الناس وماتت زوجته المذكورة
لا عن عصبة فحاز ميراثها والتزم بحصة كانت لها بقرية يقال لها دار البقر فعند ذلك
اتسعت عليه الدنيا وسكن دارا واسعة واقتنى الجواري والخدم ومواشي وابقارا واغناما
واستأجر ارضا قريبة يزرعها بالبرسيم تغدو اليها المواشي وتروح كل يوم من ايام
الربيع ثم
تزوج ببنت شيخه الشيخ محمود بعد وفاته واقام منعما معها
في رفاهية من العيش مع ملازمته للاقراء والافادة الى ان ادركه الاجل المحتوم وتوفي
في هذه السنة بالطاعون وكان انسانا حسنا جم الفرائد ولفوائد مهذب الاخلاق لين الطباع
حسن المعاشرة جميل الاوصاف رحمه الله تعالى
ومات العمدة الفاضل الواعظ عبد الوهاب بن الحسن البوسنوى
السراى المعروف ببشناق افندي قدم مصر سنة تسع وستين ومائة والف ووعظ بمساجدها
واكرمه الامراء للجنسية ثم توجه الى الحرمين وقطن بمكة ورتب له شيء معلوم على
الوعظ والتدريس ومكث مدة ثم حصلت فتنة بين الاشراف والاتراك فنهب بيته وخرج هاربا
الى مصر فالتجأ الى علمائها فكتبوا له عرضا الى الدولة بمعرفة ماجرى عليه فعين له
شيء في نظير ما ذهب من متاعه وتوجه الى الحرمين فلم يقر له بمكة قرار ولم يمكنه
الاتزاج مع رئيس مكة لسلاقة لسانه واستطالته في كل من دب ودرج فتوجه الى الروم ومكث
بها اياما حتى حصل لنفسه شيئا من معلوم آخر فأتى الى مكة وصار يطلع على الكرسي
ويتكلم على عادته في الحط على اشراف مكة وذمهم والتشنيع عليهم وعلى اتباعهم وذكر
مساويهم وظلمهم فأمر شريف مكة بالخروج منها الى المدينة فخرج اليها وقد حنق غيظا
على الشريف فلما استقر بالمدينة لف عليه بعض الاوباش ومن ليس له ميل الى الشريف
فصار يطلع على الكرسي ويستطيل بلسانه عليه ويسبه جهرا وغره مرافقة اولئك معه وان
الشريف لا يقدر أن يأتي لهم بحركة فتعصبوا وزادوا نفورا واخرجوا الوزير الذي هو من
طرف الشريف وكاتبوا الى الدولة برفع يد الشريف عن المدينة مطلقا وانه لا يحكم فيهم
ابدا وانما يكون الحاكم شيخ الحرم فقط وارسلوا بالعرض مفتي المدينة فكتب لهم على
مقتضى طلبهم خطابا الى أمير الحاج الشامي والى الشريف ولما أحس الشريف بذلك تنبه لهذه
الحادثة وعرف ان اصلها من أنفار بالمدينة أحدهم المترجم واستعد للقاء أمير الحاج
بعسكر جرار
على خلاف عادته ورام مناواته ان برز منه شيء خلاف ما عهد
منه فلما رأى أمير الحاج ذلك الحال كتم ما عنده وانكر أن يكون عنده شيء من الاوامر
في حقه ومضى لنسكه حتى اذا رجع الى المدينة تنمر وتشمر وكاد أن يأكل على يده من
التندم والحسرة وذهب الى الشام ولما خلت مكة من الحجاج جرد الشريف عسكرا على العرب
فقاتلوه وصبر معهم حتى ظفر بهم ودخل المدينة فجأة ولم يكن ذلك يخطر ببالهم قط فما
وسعهم الا انهم خرجوا للقائه فآنسهم واخبرهم انه ما اتى الا لزيارة جده عليه الصلاة
و السلام وليس له غرض سواه فاطمأنوا بقوله وشق سوق المدينة بعسكره وعبيده حتى دخل
من باب السلام وتملى من الزيارة واقبلت عليه ارباب الوظائف مسلمين فأكرمهم وكساهم فلما
أنس منهم الغفلة امر بأمساك جماعة من المفسدين الذين كانوا يحفرون وراءه فاختفى
باقيهم وتسللوا وهرب منهم خفية بالليل جماعة وكان المترجم احد من اختفى في بيته
ثلاثة ايام ثم غير هيئه وخرج حتى اتى مصر ومشى على طريقته في الوعظ وعقد له مجلسا
بالمشهد الحسيني وخالط الامراء وحضر درسه الامير يوسف بك ومال اليه والبسه فروة
ودعاه الى بيته واكرمه وتردد اليه كثيرا وكان يجله ويرفع منزلته ويسمع كلامه وينصت
الى قوله ولديه بعض معرفة بالعلم على طريقة بلادهم واستمر بمصر وسكن بحارة الروم
ورتب له بالضربخانة مائة ونصف فضة في كل يوم لمصروفه وصار له وجاهة عند ابناء جنسه
الى ان وقع له ما وقع مع اسمعيل باشا بسبب الوصاية على التركة كما مر ذلك آنفا وحط
من قدره واهانه وحبسه نحو ثلاثة اشهر ثم افرج عنه بشفاعة علي بك الدفتردار وانزوى
خاملا في داره الى ان مات في اوائل شعبان بالطاعون سامحه الله تعالى
ومات الجناب المكرم المبجل المعظم جامع المعارف وحاوي
اللطائف الامير حسن افندي بن عبد الله الملقب بالرشيدي الرومي الاصل مولى المرحوم
علي اغا بشير دار السعادة المكتب المصري اشتراه سيده صغيرا
وهذبه ودربه وشغله بالخط فاجتهد فيه وجوده على عبد الله
الانيس وكان ليوم اجازته محفل نفيس جمع فيه المرؤس والرئيس ثم زوجه ابنته وجعله
خليفته ولم يزل في حال حياة سيده معتكفا على المشق والتسويد معتنيا بالتحرير
والتجويد الى ان فاق اهل عصره في الجودة في الفن وجميع كل مستحسن ولما توفي شيخ
المكتبين المرحوم اسمعيل الوهبي جعل المترجم شيخا باتفاق منهم لما اعطى من مكارم الشيم
وطيب الاخلاق وتمام المروءة وحسن تلقي الواردين وجميل الثناء عليه من اهل الدين
والف من اجله شيخنا السيد محمد مرتضى كتاب حكمة الاشراق الى كتاب الافاق جمع فيه
ما يتعلق بفنهم مع ذكر أسانيدهم وهو غريب في بابه يستوقف الراتع في مريع هضابه ولم
يزل شيخا ومتكلما على جماعة الخطاطين والكتاب وعميدهم الذي يشار اليه عند الارباب
نسخ بيده عدة مصاحف وأحزاب واما نسخ الدلائل فكثرتها لا تدخل تحت الحساب الى ان
طافت به المنية طواف الوداع ونثرت عقد ذلك الاجتماع وبموته انقرض نظام هذا الفن
ومات صاحبنا الاديب الماهر والنبيه الباهر نادرة العصر
وقرة عين الدهر عثمان بن محمد بن حسين الشمسي وهو أحد الاخوة الاربعة أكثرهم معرفة
وأغزرهم ادبا واغوصهم في استخراج الدقائق واستنتاج الرقائق وامهم جميعا الشريفة
رقية بنت السيد طه الحموي الحسيني ولد المترجم بمصر وربى في حجر ابويه وتعلق من صغره
بمعرفة الفنون الغريبة فنال طرفا منها حسنا يليق عند المذاكرة وعرف الفرائض
واستخرج منها طرقا غريبة في استحقاق المواريث في قسم الغرماء في شبابيك وله سليقة
شعرية مقبولة وله معرفة باللغة جيدة يطالع كتبها ويحل عقدها ويسأل عن غرائب الفن
ويغوص بذهنه على كل مستحسن ولقد نظم فرائض الدين وأسماء أهل بدر وغير ذلك وبالجملة
انه كان من محاسن الزمان توفي رحمة الله في اواخر شعبان مطعونا وخلف ولديه محمد
جربجي وحسن جربجي احياهما الله حياة طيبة
ومات الاجل المبجل بقية السلف ونتيجة الخلف الوجيه الصالح
النبيه الشيخ عبد الرحمن بن احمد شيخ سجادة جده سيدي عبد الوهاب الشعراني مات ابوه
احمد في سنة اربع وثمانين وتركه صغيرا دون البلوغ فكفلته امه فتولى السجادة الشيخ
احمد من اقاربه وتزوج بأمه وسكن بدارهم ولما شب المرتجم وترشد اشترك معه بالمناصفة
ثم توفي الشيخ احمد المذكور فاستقل بذلك ونشأ في عز وعفاف وصلاح وحسن حال ومعاشرة
ومودة وعمر البيت حسا ومعنى واحيا مآثر اجداده واسلافه وكان شديد الحياء والحشمة
والتواضع والانكسار والخشية والحلم والتؤدة ومكارم الاخلاق ولما تم كماله بدا
زواله واخترمته في شبابه يد الاجل فقطعت شمس عمره منطقة الامل وخلف ابنا صغيرا
يسمى سيدي قاسما بارك الله فيه
ومات اعز الاخوان واخص الاصدقاء والخلان النجيب الصالح
والاريب الناجح شقيق النفس والروح وصحبته باب الخير والفتوح المتفنن النبيه سيدي
ابراهيم بن محمد الغزالي بن محمد الدادة الشرايبي من اجل اهل بيت الثروة والمجد
والعز والكرم وهو كان مسك ختامهم وبموته انقرض بقية نظامهم وقد تقدم استطراد بعض
اوصافه في ترجمة المرحوم سيدي احمد رفيق المرحوم رضوان كتخدا الجلفي ومنها حرصه
على فعل الخير ومكارم الاخلاق وتقيد الزاد ليوم المعاد والصدقات الخفية والافعال
المرضية التي منها تفقد طلبة العلم الفقراء والمنقطعين ومواساتهم ومعونتهم وكان
يشتري المصاحف والألواح الكثيرة ويفرقها بيد من يثق به على مكاتب اطفال المسلمين
الفقراء معونة لهم على حفظ القرآن ويملأ الاسبلة للعطاش ولا يقبل من فلاحينه زيادة
على المال المقرر ويعاون فقراءهم ويقرضهم التقاوي واحتياجات الزراعة وغيرها ويحسب لهم
هدايا هم من اصل المال وكان يتفقه على العلامة الشيخ محمد العقاد المالكي ويحضر
دروسه في كل يوم وبعد وفاته لازم حضور الشيخ عبد العليم الفيومي
وكان ينفق عليه وعلى عياله ويكسوهم ولم يزل سمح السجية بسام
الثنية الى ان بغته الطاعون حالا وكان موته ارتجالا فنضبت جداوله واستراحت حساده
وعواذله وكان الله حسنة في صحائف الايام والليالي وروضة تنبت الشكر في رياض
المعالي
فلو بعت يوما منه بالدهر كله لفكرت دهرا ثانيا في
ارتجاعه
ومات ايضا من بيتهم الاجل المكرم احمد حلبي بن الامير
علي وكان شابا لطيف الذات مليح الصفات مقبول الطباع مهذب الاوضاع
ومات ايضا من بيتهم الامير عثمان بن عبد الله معتوق
المرحوم محمد جربجي وان من اكابر بيتهم وبقية السلف من طبقتهم ذا وجاهة وعقل وحشمة
وجلالة قدر
ومات ايضا من بيتهم الامير رضوان صهر احمد جلبي المذكور
وكان انسانا لا بأس به ايضا
ومات من بيتهم عدد كثير من النساء والصبيان والجواري في
تلك الايام المبددة منهم ومن غيرهم عقد النظام
ومات الصنو الفريد والعقد النضيد الذكي النبيه من ليس له
في الفضل شبيه صاحبنا الاكرم وعزيزنا الافخم ابراهيم جلبي بن احمد اغا البارودي
نشأ مع اخويه علي ومصطفى في حجر والدهم في رفاهية وعز ولما مات والدهم في سنة اثنتين
وثمانين ومائة والف تزوجت والدتهم وهي ابنة ابراهيم كتخدا القزادغلي بمحمد خازندار
زوجها وهو محمد اغا الذي اشتهر ذكره بعد ذلك فكفل اولاد سيده المذكورين وفتح بيتهم
وعانى المترجم تحصيل الفضائل وطلب العلم ولازم حضور الدروس بالازهر في كل يوم
وتقيد بحضور الفقه على السيد احمد الطحطاوي والشيخ احمد الخانيوشي وفي المعقول على
الشيخ محمد الخشني والشيخ علي الطحان حتى ادرك من ذلك الحظ الاوفر وصار له ملكة
يقتدر بها على استحضار ما يحتاج اليه من المسائل النقلية والعقلية وترونق بالفضائل
وتحلى بالفواضل
الى ان اقتنصه في ليل شبابه صياد المنية وضرب سورا بينه
وبين الامنية
ومات ايضا بعده بيومين اخوه سيدي علي وكان جميل الخصائل
مليح الشمائل رقيق الطباع يشنف بحسن الفاظه الاسماع اخترمته المنية وحالت بساحة
شبابه الرزية
ومات الصاحب الامثل والاجل الافضل حاوي المزايا المنزه
عن النقائص والرزايا عبد الرحمن افندي بن احمد المعروف بالهلواتي كاتب كبير باب تفكشيان
من أعيان أرباب الاقلام بديوان مصر كان اشتغل بطلب العلم ولازم حضور الاشياخ وحصل
في المعقول والمنقول ما تميز به عن غيره من اهل ضناعته مع حسن الاخلاق وجميل
الطباع وحضر علي الشيخ مصطفى الطائي كتاب الهداية في الفقه مشاركا لنا وأخذ ايضا
الحديث عن السيد مرتضى وسمع معنا عليه كثيرا من الاجزاء والمسلسلات والصحيحين وغير
ذلك وألف حاشية على مراقي الفلاح واقتنى كتبا نفيسة وكان يباحث ويناضل مع عدم
الادعاء وتهذيب النفس والسكون والتؤدة والامارة والسيادة الى أن أجاب الداعي ونعته
النواعي واضمحل حال ابيه بعده وركبته الديون وجفاه الاخدان والمجنون وصار بحالة
يرثى لها الشامت ويبكي حزنا عليه من يسمع ذكره من الناعت الى ان توفي بعد بنحو
سنتين
ومات الامير المبجل والنبيه المفضل علي بن عبد الله
الرومي الاصل مولى الامير احمد كتخدا صالح اشتراه سيده صغيرا فتربى في الحريم
وأقرأه القرآن وبعض متون الفقه وتعلم الفروسة ورمى السهام وترقى حتى عمل خازندار عنده
وكان بيته موردا للافاضل فكان يكرمهم ويحترمهم ويتعلم
منهم العلم ثم أعتقه وأنزله حاكما في بعض ضياعه ثم رقاه الى ان عمله رئيسا في باب المتفرقة
وتوجه اميرا على طائفته صحبة الخزينة الى الابواب السلطانية مع شهامة وصرامة ثم
عاد الى مصر وكان ممن يعتقد في شيخنا السيد علي المقدسي ويجتمع به كثيرا وكان له
حافظة جيدة في استخراج الفروع
واتقن فين رمي النشاب الى ان صار استاذا فيه وانفرد في
وقته في صنعة القسى والسهام والدهانات فلم يلحقه اهل عصره واضر بعينيه وعالجها
كثيرا فلم يفده فصبر واحتسب ومع ذلك فيرد عليه اهل فنه ويسألونه فيه ويعتمدون على
قوله ويجيد القسى تركيبا وشدا ولقد اتاه وهو في هذه الضرارة رجل من اهل الروم اسمه
حسن فانزله في بيته وعلمه هذه الصنعة حتى فاق في زمن قليل اقرانه وسلم له اهل عصره
وسمع المترجم على شيخنا المذكور اكثر الصحيح بقراءة كل من الشريفين الفاضلين
سليمان بن طه الاكراشي وعلي بن عبد الله بن احمد وذلك بمنزله المطل على بركة الفيل
وكذلك سمع عليه المسلسل بالعيد بشرطه وحديثين مسلسلين بيوم عاشوراء تخريج السيد
المذكور أو أشياء أخر ضبطت عند كاتب الاسماء وأخذ الاجازة من الشيخ اسمعيل بن أبي
المواهب الجلبي وكان عنده نفيسة في كل فن رحمه الله
ومات الشاب اللطيف المهذب الظريف الذي يحكي بادبه سنا الملك
وابن العفيف محمد بن الحسن بن عبد الله الطيب ابوه مولى للقاسم الشرايبي مات أبوه
في حداثته وكان مولد سنة اربع وستين ومائة والف وكفله صهره سليمان بن محمد الكاتب
احد كتاب المقاطعة بالديوان ونشأ في الرفاهية والنعم وعانى طلب العلم فنال منه ما
اخرجه من ربقة الجهل وتعلق بالعروض واخذه عنه الشيخ محمد بن ابراهيم العوفي
المالكي فبرع فيه ونظم الشعر الا انه كان يعرض شعره للذم بالتزامه فيه مالا يلزم
توفي في غرة شعبان من السنة
ومات الصنو الفريد والنادرة الوحيد النبيه اللبيب
والمفرد العجيب الفاضل الناظم الناثر سيدي عثمان بن احمد الصفائي المصري تقدم ذكره
في ترجمة والده احمد افندي كاتب الروزنامة بديوان مصر ونشأ هو في ظل النعمة والرفاهية
وقرأ النحو المنطق على كل من الشيخ علي الطحان والشيخ مصطفى المرحومي حتى مهر
فيهما وكان يباحث ويناضل
ويناقش اهل العلم في المسائل العقلية والنقلية وقرأ علم
العروض واتقن نظم الشعر وجمع الظروف وكان فيه نوع من الخلاعة واللهو وله وله تخميس
على البردة واشعار كثيرة ولم يزل رافلا في حلل السعادة حتى حلت بساحة شبابه
الشهادة وتوفي مطعونا بمليج وهو ذاهب لموسم المولد الاحمدي بطندتا في شهر رجب وقد
ناهز الاربعين وحضروا به الى مصر محمولا على بعير فغسل وكفن ودفن عند والده رحمه
الله
ومات الخواجا المعظم والتاجر المكرم السيد احمد ابن
السيد عبد السلام المغربي الفاسي نشأ في حجر والده وتربى في العز والرفاهية حتى
كبر وترشد واخذ واعطى وباع واشترى وشارك وعامل واشتهر ذكره وعرف بين التجار ومات
ابوه واستقر مكانه في التجارة عرفته الناس زيادة عن ابيه وصار يسافر الى الحجاز في
كل سنة مقوما مثل ابيه وبنى داره ووسعها واضاف اليها دكة الحسبة التي بجوار
الفحامين وانشأ دارا عظيمة ايضا بخط الساكت بالازبكية وانضوى اليه السيد احمد
المحروقي واحبه واتحد به اتحادا كليا وكان له اخ من ابيه بالحجاز يعرف بالعرايشي
من اكابر التجار ووكلائهم المشهورين ذو ثروة عظيمة فتوفي وصادف وصول المترجم حينئذ
الى الحجاز فوضع يده على ماله ودفاتره وشركاته وتزوج بزوجته واخذ جواره وعبيده
ورجع الى مصر واتسع حاله زيادة على ما كان عليه وعظم صيته وصار عظيم التجار وشاه
النبدر وسلم قياده وزمامه في الاخذ والعطاء وحساب الشركاء الى السيد احمد المحروقي
وارتاح اليه لحذقه ونباهته ونجابته وسعادة جده ولم يزل على ذلك حتى اخترمته المنية
وحالت بينه وبين الامنية وتوفي في شعبان مطعونا وغسل وكفن وصلى عليه بالمشهد
الحسيني في مشهد حافل بعد العشاء الاخيرة في المشاغل ودفن عند ابيه بزاوية العربي بالقرب
من الفحامين والتجأ السيد احمد المحروقي الى محمد اغا البارودي كتخدا اسمعيل بك
فسعى اليه واقره مكانه واقامه عوضه في كل شيء وتزوج بزوجاته وسكن داره
واستولى على حواصله وبضائعه وامواله ونما امره من حينئذ
وأخذ واعطى ووهب وصانع الامراء واصحاب الحل والعقد حتى وصل الى ما وصل اليه وادرك
ما لم يدركه غيره فيما سمعنا وراينا كما قيل ... وإذا السعادة لاحظتك عيونها ...
نم فالمخاوف كلهن امان ...
ومات الامير الكبير اسمعيل بك وأصله من مماليك ابراهيم
كتخدا وانضوى الى علي بك بلوط قبان فجعله اشراقه وأقره ونوه بشأنه وقلده الصنجقية
بعد موت سيدهم وزوجه بهانم ابنة ابراهيم كتخدا وعمل لهما مهما عظيما ببركة الفيل
شهرا كاملا في سنة اربع وسبعين كما تقدم ذكر ذلك وكان من المهمات الجسيمة والمواسم
العظيمة التي لم يتفق نظيرها بعده بمصر ولم يزل منظورا اليه في الامارة مدة علي بك
وأرسله في سرياته واعتمده في مهماته وبعثه الى سويلم بن حبيب بتجريدة فلم يزل
يحاربه حتى هزمه وفر الى البحيرة فلحقه هناك ولم يزل يتبعه ويرصده حتى قتله وحضر
برأسه الى مخدومه وذلك في أواخر سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف
وسافر الى الشام صحبة محمد بك ابي الذهب لمقاتلة عثمان باشا
ابن العظم وأغاروا على البلاد الشامية وحاربوا يافا اربعة اشهر حتى ملكوها وسافر
قبل ذلك في تجاويد الصعيد وحضر غالب مواقف الحروب مع محمد بك ومستقلا الى ان بدت
الوحشة بين محمد بك وسيده علي بك وخرج مع محمد بك الى الصعيد وجرى بينهما الدم
بقتله أيوب بك فأخرج اليه علي بك جردة عظيمة احتفل بها احتفالا زائدا وأميرها
المترجم فلما التقى الجمعان القى عصاه وخامر على مولاه وانضم بمن معه الى محمد بك
فشد عضده وخان مخدومه وحصل ما حصل من تقلبهم واستيلائهم كما ذكر واستمر مع محمد بك
يراعي حرمته ويقدمه على نفسه ولا يبرم أمرا الا بعد مشاورته ومراجعته وتقلد
الدفتردارية واميرا على الحج سنتين بشهامة وسير حسن ولما مات محمد بك لم تطمح نفسه
للتصدر
في الرياسة والامارة بل تركها لاتباعه وقنع بحاله
واقطاعه ولزم داره التي عمرها بالازبكية فناكدوه وطمعوا فيما لديه وقصد مراد بك
اغتياله فخرج الى خارج وتبعه المغرضون له ويوسف بك وغيره وحصل ما هو مسطر ومشروح
في محله من تملكه وقتله يوسف بك وإسمعيل بك الصغير بمساعدة العلوية ثم غدروا به
حتى آل الامر به الى الخروج الى البلاد الشامية وافتراق جمعه ثم سافر الى الروم مع
بعض أتباعه ومماليكه وذهب منه غالب ما اجتمع لديه من الاموال وذهب الى اسلامبول
فأقام بها مدة ثم نفوه الى شنق قلعة وخرج منها بحيلة تحيلها على حاكمها ثم ركب
البحر الى درنة ووصل خبر ذلك الى الامراء بمصر فخرج مراد بك ليقطع عليه الطريق
الموصلة الى قبلي وارصد له عيونا ينتظرونه بالطريق واقام على ذلك شهورا فلم يقفوا
له على خبر وهو يتنقل عند العربان حتى انه اختفى عند بعضهم نيفا واربعين يوما في
مغارة ثم انه تحيل وارسل من القى الى مراد بك انه مر من الجهة الفلانية بمعرفة
الرصد المقيمين فحنق مراد بك وركب في الحال ليقطع عليه الطريق وتفرق الجمع من ذلك
المكان فعند ذلك اجتاز اسمعيل بك ذلك الموضع وعداه في زي بعض العربان وخلص الى
القضاء الموصل للبلاد القبلية وذهب مراد بك في نهاية مشواره فلم ير اثرا لذلك
الخبر فرجع الى المكان الذي عرفوه سلوكه فوجد المرابطين على ماهم عليه من التيقظ
الى ان تحقق عنده انه تحيل بذلك ومر وقت ارتحال مراد بك من ذلك الموضع فرجع بخفي حنين
ولم يزل حتى كان ما كان ووصل حسن باشا على الصورة المتقدمة ورجع الى مصر وتملكها
واستقل بامارتها بعد ثغر به تسع سنين ومقاساته الشدائد وظن ان الوقت قد صفا له واستكثر
من شراء المماليك واحترقت داره وبناها احسن مما كانت عليه وحصن المدينة وسورها من
عند طرا والجيزة وحصنها تحصينا عظيما من الجبل الى البحر من الجهتين حتى انه لما
اصيب بالطاعون احضر امراءه وقال لعثمان بك طبل بحضرتهم
أنت كبير القوم الباقية فافتح عينك وشد حيلك فاني حصنت
لكم البلد وصيرتها بحيث لو ملكتها امرأة لم يقدر عليها عدو وتمرض يومين ومات في
الثالث سادس عشر شعبان من السنة وكان أميرا جليلا كفؤا للامارة جهوري الصوت عظيم
الهمة بعيد الغور كبير التدبير يحب الصلحاء والعلماء ويتادب معهم ويواسيهم ويقبل
شفاعتهم ويكرمهم وله فيهم اعتقاد عظيم حسن ولما مات غسل وكفن وصلي عليه في مصلى
المؤمنين ودفن بتربة علي بك مع سيدهما ابراهيم كتخدا بالقرب من ضريح الامام
الشافعي بالقرافة ولم يفلح بعده خليفته عثمان بك واضاع مملكته وسلمها لاخصامه
وأخصام سيده
ومات الامير رضوان بك وهو ابن اخت علي بك الكبير امره
وقلده الصنجقية وجعله من الامراء الكبار فلما مات خاله واستقل بالمملكة محمد بك
انزوى وارتفعت عنه الامرية واقام بطالا هو وحسن بك الجداوي مدة ايام محمد بك فلما
مات محمد بك وظهر بالامارة ابراهيم بك ومراد بك لم يزل على خموله الى ان وقع التفاقم
بينهم وبين اسمعيل بك فانضم هو وحسن بك الى اسمعيل بك وساعداه فرد لهما امرياتهما
ونوه بشأنهما ثم نافقا عليه وخذلاه عندما سافر معهما الى قبلي وكانا هما السبب في
غربته المدة الطويلة كما ذكر ثم وقع لهما ما وقع مع المحمدية وذهبا الى الجهة
القبلية وأقاما هناك فلما رجع اسمعيل بك من غيبته انضم اليهما ثانيا ولم يزل معهما
وافترق منهما المترجم وحضر الى مصر وانضم الى المحمدية ولما حضر حسن باشا وخرج
معهم رجع ثانيا بامان واستمر بمصر حتى حضر اسمعيل بك وحسن بك فأقام معهم اميرا
ومتكلما وتصادق مع علي بك كتخدا الجاويشية وعقد معه المؤاخاة ونزل مرارا الى
الاقاليم وعسف بالبلاد ولما سافر حسن باشا وخلالهما الجو فجر وتجبر وصار يخطف
الناس ويحبسهم ويصادرهم في اموالهم تعدى شره لكثير من الفقراء ولم يزل هذا شأنه
حتى اطفا صرصر الموت شعلته وحل بساحته
الطاعون ولم يفلته وأراح الله منه العباد وكان أشقر
خبيثا
ومات الامير الاصيل رضوان بك بن خليل بن ابراهيم بك
بلفيا من بيت المجد والعز والسيادة والرياسة وبيتهم من البيوت الجلية القديمة
الشهيرة بمصر ولم يكن بمصر بيت عريق في الامارة والسيادة الا بيتهم وبيت قصبة
رضوان وجميع امراء مصر تنتهي سلسلتهم اليهما وبيت القازغلية أصل منشتهم ومغرس
سيادتهم من بيت بلفيا كما تقدم لان ابراهيم بك بلفيا جد المترجم مملوك مصطفى بك ومصطفى
بك مملوك حسن اغا بلغيا وهو سيد مصطفى كتخدا القازدغلي ومصطفى هذا كان سراجا عند
حسن اغا ورقاه وأمره حتى جعله كتخدا باب مستحفظان ونما امره وعظم شأنه وباض وأفرخ
فجميع طائفة القازدغلية تنتهي نسبتهم اليه كما ذكر ذلك غير مرة ولما توفي خليل بك
والد المترجم في سنة خمس وثمانين بالحجاز في امارته على الحج وترك اخاه عبد الرحمن
اغا وولده رضوان هذا ورجع بالحج عبد الرحمن اغا المذكور وبعد استقرارهم اجتمعت
اعيان بيتهم وأرادوا تقليد عبد الرحمن أغا صنجقا عوضا عن أخيه فأبى ذلك فاتفقوا
على تقليد ابن أخيه رضوان المذكور فكان كذلك وقلدوه الامارة وفتح بيتهم وأحيا
مآثرهم وانضم اليه أتباعهم وسار سيرا حسنا بعقل ورياسة لولا لثغة في لسانه وتقلد
امير الحج سنة 1192 وكان كفؤا لها وطلع ورجع في أمن وراحة ورخاء ولم يزل في سيادته
حتى توفي في هذه السنة واضمحل بيتهم بموته وماتت أعيانهم وعظماؤهم وخرب البيت
بالكلية وانمحت آثارهم وانطفأت انوارهم وبطلت خيراتهم وخمدت حركاتهم ومن جملة ما
رأيته من خيراتهم في ايام رضوان بك هذا مائة قارىء من الحفظة يقرأون القرآن كل يوم
في الاوقات الخمسة في كل وقت عشرون قارئا وقس على ذلك
ومات الامير سليمان بك المعروف بالشابوري وأصله من
مماليك سليمان كاويش القازدغلي فهو خشداش حسن كتخدا الشعراوي تقلد
الامارة والصنجقية سنة تسع وستين ونفى مع حسن كتخدا
المذكور واحمد جاويش المجنون كما تقدم في سنة ثلاث وسبعين فلما كانات ايام علي بك
وورد من الديار الرومية طلب الامداد من مصر للغز وارسل علي بك فاحضر المترجم وقلده
امارة السفر فخرج بالعسكر في موكب على العادة القديمة وسافر بهم الى الديار الرومية
وذلك سنة ثلاث وثمانين ورجع بعد مدة واقام بطالا محترما مرعي الجانب ينافق كبار
الدولة وانضم الى مراد بك فكان يجالسه ويسامره ويكرمه المذكور فلما حضر حسن باشا
كان هو من جملة المتآمرين فلما استقر اسمعيل بك في امارة مصر اعتنى به وقدمه ونظمه
في عداد الامراء لكبر سنه واقدميته وكان رجلا سليم الباطن لا بأس به توفي بالطاعون
في هذه السنة
ومات الامير الجليل عبد الرحمن بك عثمان وهو مملوك عثمان
بك الجرجاوي الذي قتل في واقعة قراميدان ايام حمزة باشا سنة تسع وسبعين كما تقدم
فقلدوا عبد الرحمن هذا عوضه في الصنجقية فكان كفؤا لها وكان متزوجا ببنت الخواجا
عثمان حسون التاجر العظيم المشهور المتوفي في ايام الامير عثمان بك ذي الفقار وخلف
منها ولده حسن بك وكان المترجم حسن السيرة سليم الباطن والعقيدة محبوب الطباع جميل
الصورة وجيه الطلعة وكان محمد بك ابو الطهب يحبه ويجله ويعظمه ويقبل قوله ولا يرد
شفاعته وكان يميل بطبعه الى المعارف ويحب اهل العلم والفضائل ويجيد لعب الشطرنج
ومن مآثره انه عمر جامع أبي هريرة الذي بالجيزة على الصفة التي هو عليها الآن وبنى
بجانبه قصرا وذلك في سنة ثمان وثمانين ولما أتمه وبيضه عمل به وليمة عظيمة وجمع
علماء الزهر على كرسي وأملى حديث من بنى لله مسجدا بحضرة الجمع وكان شيخنا السيد
محمد مرتضى حاضرا وباقي العلماء والمشايخ والحقير في جملتهم وكنت حررت له المحراب
على انحراف القبلة ثم انتقلنا الى القصر ومدت
الاسمطة وبعدها الشربات والطيب وكان يوما سلطانيا توفي
رحمه الله في شعبان بمنزله الذي بقيسون جوار بيت الشابوري ودفن عند سيده بالقرافة
ومات في اثره ولده حسن بك المذكور وكان فطنا نجيبا ويكتب
الخط الجيد ويميل بطبعه الى الفضائل ودويها منزها عما لا يعنيه من النقائص
والرذائل عوض الله شبابه الجنة
ومات الامير سليم بك الاسماعيلي من مماليك اسمعيل بك
قلده الأمارة في سنة احدى وتسعين وخرج مع سيده الى الشام ثم رجع الى مصر بعد سفر
سيده الى الروم وأقام بها بطالا في بيته بجوار المشهد الحسيني ببعض خدم قليلة
ويذهب الى المسجد في الاوقات الخمسة فيصلى مع الجماعة ويتنفل كثيرا ولم يزل على
ذلك حتى رجع سيده الى مصر فرد له امارته ورجع الى داره الكبيرة وتقلد امارة الحج
في سنة اثنتين ونزل الى اقليم المنوفية وجمع المال والجمال ورجع وطلع بالحج وعاد في
أمن وأمان ولم يزل في امارته حتى توفي بالطاعون في هذه السنة وكان طوالا جسيما
خيره أقرب من شره
ومات الامير علي بك المعروف بجركس الاسماعيلي وهو من
مماليك اسمعيل بك ايضا وقلده الامارة في مدته السابقة واسكنه ببيت صالح بك الذي
بالكبش ولما تغرب سيده حضر الى مصر واقام خاملا وسكن بالكعكين وكان لطيفا مهذبا
خفيف الروح ضحوك السن يحب العلماء والصلحاء ويتأدب معهم ويكرمهم ولما مات خشداشة
ابراهيم بك قشطة تزوج بعده بزوجته بنت اسمعيل بك ولم يزل حتى توفي بعد سيده بأيام
قليلة
ومات الامير غيطاس بك وهو من بيت صالح بك تابع مصطفى بك
القرد وكان يعرف اولا بغيطاس كاشف تقلد الامارة في سنة مائتين وتولى امارة الحج في
سنة 1201 فسار فيها سيرا حسنا وطلع بالحد ورجع مستورا
واستمر اميرا الى ان مات على فراشه بالطاعون في بيته بخط
باب اللوق فقلدوا بعده مملوكه صالح امارته وهو موجود الى الان في الاحياء وكان
المترجم اميرا جليلا محتشما قليل التبسم من رآه ظنه متكبر السكون جاشه وكان لا بأس
به في الجملة
ومات الامير علي بك الحسني وهو من مماليك حسن بك الجداوي
قلده الامارة في ايام حسن باشا وتزوج بزوجة مصطفى بك الداودية المعروف
بالاسكندراني وكان لطيف الذات جميل الطباع سهل الانقياد قليل العناد توفي في رجب
من السنة بالطاعون ودفن بالمشهد الحسيني بمدفن القضاة ووجدت عليه زوجته وجدا كثيرا
ومات الامير رضوان كتخدا وهو من مماليك احمد كتخدا
المجنون تنقل في المناصب حتى تولي كتخدائية الباب بحشمة وشهامة وعقل وسكون ولما
استقل اسمعيل بك في امارة مصر نوه بشأنه واحبه وصار في تلك الايام احد المتكلمين
المشار اليهم في الامر والنهي ونفاذ الكلمة والرياسة وكان قريبا الى الخير واشتهر
اكثر من سيده وصار له اولاد وعزوة واتباع ومماليك وبنى لاكبر اولاده دارا بدرب
سعادة وسكن هو في بيت استاذه توفي في اواخر شهر شعبان وكذلك اولاده وجواريه
ومماليكه وخربت بيوتهم في أقل من شهر
ومات الامير عثمان آغا مستحفظان الجلفي وأصله من مماليك
رضوان كتخدا الجلفي وتربى عند خليل بك شيخ البلد القازدغلي ولم يزل يتنقل في خدم
الامراء ومعاشرتهم حتى تقلد الاغاوية في أيام اسمعيل بك ثم عزل عنها وتولاها ثانيا
اياما قليلة ومات ايضا بالطاعون وخلف شيئا كثيرا من المال والنوال أخذه جميعه حسن
بك الجداوي لانه كان منضوبا اليه وفي طريقتهم انهم يرثون من يكون منتسبا اليهم او
جارا لهم وكان انسانا لا بأس به ومحضره خير ويحب اقتناء للكتب والمسامرة في
الاخبار والنوادر مع ما فيه من نوع البلادة
============
==============ج6.
==============
ج6. كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد
الرحمن بن حسن الجبرتي
ومات الامير المبجل حسن افندي شقبون كاتب الحوالة وأصله
مملوك احمد افندي مملوك مصطفى افندي شقبون نشأ في الرياسة وخدمة الوزراء والاكابر
وحاز شيئا كثيرا من الكتب النفيسة والتي بخط الاعاجم والفارسية والخطوط التعليق المكلفة
والمذهبة والمصورة مثل كليلة ودمنة وشاهنامة وديوان حافظ والتواريخ التي من هذا
القبيل المصور بها صور الملوك البديعة الصنعة والاتقان الغالية الثمن النادرة
الوجود وكان قريبا الى الخير محتشما في نفسه توفي ايضا بالطاعون وتبددت كتبه
وذخائره
ومات الامير محمد آغا البارودي وهو مملوك احمد أغا مملوك
ابراهيم كتخدا القازدغلي رباه سيده وجعله خازنداره وعقد له على ابنته فلما توفي
سيده في سنة ثمان وثمانين طلقها وتزوج بزوجة سيد هانم بنت ابراهيم كتخدا من الست
البارودية وهي أم أولاده ابراهيم وعلي ومصطفى الذين تقدم ذكرهم والتي كان عقد
عليها كانت من غيرها فتزوجها حسن كاشف من اتباعهم تنبه المترجم وتداخل في الامراء
والاكابر وانضوى الى حسن كتخدا الجربان عندما كان كتخدا مراد بك فقلده في الخدم
والقضايا وأعجبه سياسته وحسن سعيه فارتاح اليه وكان حسن كتخدا المذكور تعتريه
النوازل فينقطع بسببها أياما بمنزله فينوب عنه المترجم في الكتخدائية عند مراد بك فيحسن
الخدمة والسياسة وتنميق الامور ويستجلب له المصالح فأحبه وأعجب به وقلده الامور
الجسيمة وجعله أمين الشون فعند ذلك اشتهر ذكره ونما امره واتسع حاله وانفتح بيته
وقصدته الناس وتردد إليه الأعيان في قضاء الحوائج ووقفت ببابه الحجاب واتخذ له
ندماء وجلساء من اللطفاء واولاد البلد يجلس معهم حصة من الليل ينادمونه ويسامرونه
ويضاحكونه ويشرب معهم وماتت زوجته ابنة سيد سيده من بنت البارودي فزوجه مراد بك
أكبر محاظية ام ولده أيوب وأتت الى بيته بجهاز عظيم وصار بذلك صهرا لمراد بك وزادت
شهرته ورفعته فلما حصلت الحوادث ووصل حسن باشا وخرج مراد بك من مصر فلم يخرج
معه واستمر بمصر وقبض عليه اسمعيل بك وحبسه مع عمر كاشف
ببيته ثم نقلهما الى القلعة بباب مستحفظان مدة فلم يزل المترجم حتى صالح عن نفسه
وأفرج عنه وتقيد بخدمة اسمعيل بك وتداخل معه حتى نصبه في كتخدائيته واحبه واحتوى
على عقله فسلم اليه قياده في جميع اشغاله وارتاح اليه وجعله أمين الشون والضربخانة
وغيرهما فعظم شانه وارتفع قدره وطار صيته بالأقاليم المصرية وكثر الازدحام ببابه
وجبيت اليه الاموال وصار الايراد اليه والمصرف من يده فيصرف جماكي العسكر ولوازم
الدولة وهداياها ومصاريف العمائر والتجاريد واحتياجات أمير الحاج وغير ذلك بتؤدة
وزياقة وحسن طريقة من غير جلبةولا عسف ولا شعور لاحد من الناس بشيء من ذلك وكل شيء
سأل عنه مخدومه أو اشار بطلبه أو فعله وجده حاضرا ولم يشتغل امراء الحاج في زمن
اسمعيل بك بشيء من لوازم الحج بل كان هو يقضي جميع اللوازم من الجمال والارحال
والقرب والخيش والعليق والذخيرة التي تسافر في البحر والبر وعوائد العرب وكساويهم
والهجن والبغال وارباب الصيت وغير ذلك ليلاونهارا في اماكن بعيدة عن داره تحت ايدي
مباشريه الذين وظفهم وأقامهم في ذلك بحيث اذا اقتضى لاحدهم شيئا أتاه وأسر له في
أذنه فيوجهه بطرف كلمة ولا يشعر احد من الجالسين معه بشيء وإذا كان وقت خروج
المحمل فلا يرى امير الحاج الا جميع احتياجاته ولوازمه حاضرة مهيأة على أتم ما
يكون وأكمله وزوج ابنة سيده لخازنداره علي أغا وعمل لهما مهما عظيما عدة ايام وحضر
اسمعيل بك والامراء والاعيان وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة وكذلك جميع التجار
والنصارى والكتاب القبط ومشايخ البلدان وبعد تمام ايام العرس ولياليه بالسماعات
والآلات والملاعيب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها ومشى جميع اربا
الحرف وأرباب الصنائع مع كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل
القهوجي بآلته وكانونه والحلواني والفطاطري والحباك والقزاز
بنوله حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجيني وبياعين البز
وارباب الملاهي والتماءالمغنيين وغيرهم كل طائفة في عربة وكان مجموعها نيفا وسبعين
حرفة وذلك خلاف الملاعيب والبهالوين والرقاصين والجنك ثم الموكب وبعده الاغوات
والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية وبعدها عربة العروس من صناعة الافرنج بديعة
الشكل وبعدها مماليك الخزنة والملبسون الزروخ وبعدهم النوبة التركية والنفيرات وكانت
زفة غريبة الوضع لم ينفق مثلها بعدها وبلغ المترجم في هذه الايام من العظمة ما لم
يبلغه أحد من نظرائه وكان إذا توجهت همته الى أي شيء اتمه على الوجه الذي يريده
ويقبل الرشوة واذا أحب انسانا قضى له اشغاله كائنة ما كانت من غير شيء فلما مات
مخدومه اسمعيل بك وتعين في الامارة بعده عثمان بك طبل استوزره ايضا وسلمه قيادة في
جميع أموره وهو الذي أشار عليه بممالاته الامراء القبليين عندما تضايق خناقه من
حسن بك الجداوي ومناكدته له فكاتبهم سرا بسفارته وأطمعهم في الحضور وتمكينهم من
مصر ومات المترجم في اثناء ذلك في غرة رمضان وذلك بعد اسمعيل بك بأربعة عشر يوما
ومات الصنو الوجيه والفريد النبيه محمد افندي بن سليمان
افندي ابن عبد الرحمن افندي بن مصطفى افندي ككليويان ويقال لها في اللغة العامية
جمليان نشأ في عفة وصلاح وخير وطلب العلم وعانى الجزئيات والرياضيات ولازم الشيخ
المرحوم الوالد وقرأ عليه كثير من الحسابيات الفلكيات والهيئة والتقويم ومهر في
ذلك وانتظم في عدد ارباب المعارف واشترى كتبا كثيرة في الفن واستكتب وكتب بخطه
الحسن واقتنى الالات والمستظرقات وحسب وقوم الدساتير السنوية عشرة اعوام مستقبلة بأهلتها
وتواريخها وتواقيعها ورسم كثيرا من الالات الغريبة والمنحرفات وكان شغله وحسابه في
غاية الضبط والصحة والحسن وكان لطيف الذات مهذب الاخلاق قليل الادعاء جميل الصحبة
وقورا مات ايضا بالطاعون
في شعبان وتبددت كتبه وآلاته
ومات ايضا الخدن الشقيق والمحب الشفيق النجيب الاريب
الامير رضوان الطويل وهو من مماليك علي كتخدا الطويل وكان من هذا القبيل متولعا من
صغره بهذا الفن وقرأ على الشيخ المتقن الشيخ عثمان الورداني وغيره وأنجب وحسب ورسم
واشتغل فكره بذلك ليلا نهارا ورسم الارباع الصحيحة المتقنة الكبيرة والصغيرة
والمزاول والمنحرفات وغير ذلك من الآلات المبتكرة والرسميات الدقيقة واتسع باعه في
ذلك واشتهر ذكره الى ان قطعت يد الاجل نواره واطفأت رياح المنية انواره
ومات الجناب المكرم والاختيار المعظم الامير اسمعيل
افندي الخلوتي اختيار جاويشان كان رجلا من أعيان الاختيارية في وقته معروفا صاحب
حشمة ووقار ومعرفة بالسياسة وأمور الرياسة ولم يزل حتى توفي في شهر شعبان سنة 1205
بالطاعون
ومات ايضا الجناب المكرم محمد افندي باشقلفة وهو مملوك
يوسف افندي باشقلفة وخشداش محمد افندي ثاني قلفة وعبد الرحمن افندي وكان مليح
بالذات جميل الصفات تقلد كتابة هذا القلم عندما تلبس السيد محمد باشقلفة بكتابة
الروزنامة فسار فيها سيرا حسنا وحمدت مساعيه الى ان وافاه الحمام وسارت نواعيه
ومات ايضا النبيه اللطيف والمفرد العفيف احمد افندي
الوزان بالضربخانة وكان انسانا حسنا جميل الاوضاع مترهف الطباع محتشما وقورا ودودا
محبوبا لجميع الناس
سنة ست ومائتين والف استهل شهر محرم بيوم الاربعاء وفيه
عينوا صالح آغا كتخدا الجاويشية الى السفر الى الديار الرومية وصحبته هدية وشربات
وأشياء وصالح أنما هذا هو الذي بعثوه قبل ذلك لاجراء الصلح على يد نعمان افندي
ومحمود بك وكاد ان يتم ذلك وأفسد ذلك حسن باشا ونفى
نعمان افندي بذلك السبب وذلك قبل موت حسن باشا بأربعة ايام فلما رجعوا الى مصر في
هذه المرة عينوه ايضا لللآرسالية لسابقته ومعرفته بالاوضاع وكان صالح اغا هذا
عندما حضروا الى مصر سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته فلما كان خامس المحرم ركب
الامراء لوداعه ونزل من مصر القديمة
وفيه هبط النيل ونزل مرة واحدة وذلك في ايام الصليب ووقف
جريان الخليج والترع وشرقت الاراضي فلم يرو منها الا القليل جدا فارتفعت الغلال من
السواحل والرقع وضجت الناس وايقنوا بالقحط وايسوا من رحمة الله وغلا سعر الغلة من
ريالين الى ستة وضجت الفقراء وعيطوا على الحكام فصار الاغا يركب الى الرقع والسواحل
ويضرب المتسببين في الغلة ويسمرهم في آذانهم ثم صار ابراهيم بك يركب الى بولاق
ويقف بالساحل وسعر الغلة بأربعة ريال الاردب ومنعهم من الزيادة على ذلك فلم ينجع
وكذلك مراد بك كرر الركوب والتحريج على عدم الزيادة فيظهرون الامتثال وقت مرورهم
فإذا التفتوا عنهم باعوا بمرادهم وذلك مع كثرة ورود الغلال ودخول المراكب وغالبها
للأمراء وينقلونها الى المخازن والبيوت
وفي أوائل صفر وصل قاصد وعلى يده مرسوم بالعفو والرضا عن
الامراء فعملوا الديوان عند الباشا وقرأوا المرسوم وصورة ما بنى عليه ذلك انه لما
حضر السيد عمر افندي بمكاتبتهم السابقة الى الباشا يترجون وساطته في اجراء الصلح
أرسل مكاتبة في خصوص ذلك من عنده وذكر فيها ان من بمصر من الامراء لا طاقة لهم بهم
ولا يقدرون على منعهم ودفعهم وانهم واصلون وداخلون على كل حال فكان هذا المرسوم جوابا
عن ذلك وقبول شفاعة الباشا والاذن لهم بالدخول بشرط التوبة والصلح بينهم وبين
اخوانهم فلما فرغوا من قراءة ذلك ضربوا شنكا ومدافع
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر حضر الشيخ الامير الىمصر
من الديار الرومية ومعه مرسومات خطابا للباشا والامراء فركب المشايخ ولا قوه من
بولاق وتوجه الى بيته ولم يأت للسلام عليه احد من
الامراء وانعمت عليه الدولة بألف قرش ومرتب بالضربخانة قرش في كل يوم وقرأ هنا
البخاري عند الآثار الشريفة بقصد النصرة
وفي شهر ربيع الاول عمل المولد النبوي بالازبكية وحضر
مراد بك الى هناك واصطلح مع محمد افندي البكري وكان منحرفا عنه بسبب وديعته التي
كان اودعها عنده واخذها حسن باشا فلما حضر الى مصر وضع يده على قرية وكان اشتراها
الافندي من حسن جلبي بن علي بك الغزاوي وطلب من حسن جلبي ثمن القرية الذي قبضه من
الشيخ ليستوفي بذلك بعض حقه وطال النزاع بينهما بسب ذلك ثم اصطلحا على قدر قبضه
مراد بك منهما وحضر مراد بك الى الشيخ في المولد وعمل له وليمة واستمر عنده حصة من
الليل وخلع على الشيخ فروة سمور
وفيه عملوا ديوانا عند الباشا وكتبوا عرضحال بتعطيل
الميري بسبب شراقي البلاد
وفيه سافر محمد بك الالفي الى جهة شرقية بلبيس
وفيه حضر ابراهيم بك الى مسجد استاذه للكشف عليه وعلى
الخزانة وعلى ما فيها من الكتب ولازم الحضور اليه ثلاثة ايام واخذ مفتاح الخزانة
من محمد افندي حافظ وسلمه لنديمه محمد الجراحي واعاد لها بعض وقفها المرصد عليها بعد
ان كانت آلت الى الخراب ولم يبق بها غير البواب امام الباب
وفي شهر ربيع الثاني قرروا تفريدة على تجار الغورية
وطيلون وخان الخليلي وقبضوا على انفار انزلوهم الى التكية ببولاق ليلا في المشاغل
ثم ردوهم ووزع كبار التجار ما تقرر عليهم من فقرائهم بقوائم وناكد بعضهم بعضا وهرب
كثير منهم فسمروا دورهم وحوانيتهم وكذلك فعلوا بكثير من مساتير الناس والوجاقلية
وضج الخلائق من ذلك
وفي مستهل جمادى الاولى كتبوا فرمانا بقبض مال الشراقي
ونودي به
في النواحي وانقضى شهر كيهك القبطي ولم ينزل من السماء
قطرة ماء فحرثوا المزروع ببعض الاراضي التي طشها الماء وتولدت فيها الدودة وكثرت
الفيران جدا حتى اكلت الثمار من اعلى الاشجار والذي سلم من الدودة من الزرع اكله الفار
ولم يحصل فيه هذه السنة ربيع للبهائم الا في النادر جدا ورضي الناس بالعليق فلم
يجد والتبن وبلغ حمل الحمار من قصل التبن الاصفر الشبيه بالكناسة الذي يساوي خمسة
انصاف قبل ذلك مائة نصف ثم انقطع مرور الفلاحين بالكلية بسبب خطف السواس واتباع
الاجناد فصار يباع عند العلافين من خلف الضبة كل حفان تسفين الى غير ذلك
وفيه حضر صالح اغا من الديار الرومية
وفي شهر شوال سافر ايضا بهدية ومكاتبات الى الدولة
ورجالها
وفي شهر القعدة وردت الاخبار بعزل الصدر الاعظم يوسف
باشا وتولية محمد باشا ملكا وكان صالح اغا قد وصل الى الاسكندرية فغيروا المكاتبات
وارسلوها اليه
وفيه حضر اغا بتقرير لوالي مصر على السنة الجديدة وطلع
بمكب الى القلعة وعملوا له شنكا
وفي اواخر شهر الحجة شرع ابراهيم بك في زواج ابنته عديلة
هانم للامير ابراهيم بك المعروف بالوالي امير الحج سابقا وعمر لها بيتا مخصوصا
بجوار بيت الشيخ السادات وتغالوا في عمل الجهاز والحلي والجواهر وغير ذلك من الاواني
والفضيات والذهبيات وشرعوا في عمل الفرح ببركة الفيل ونصبوا صواري امام البيوت
الكبار وعلقوا فيها القناديل ونصب الملاعيب والملاهي أرباب الملاعيب وفردت
التفاريد على البلاد وحضرت الهدايا والتقادم من الامراء والاكابر والتجار ودعا
ابراهيم بك الباشا فنزل من القلعة وحضر صحبته خلع وفرا ومصاغ للعروس من جوهر وقدم
له ابراهيم بك تسعة عشر من الخيل منها عشرة معددة وسجة لؤلؤ وأقمشة
هندية وشبقات دخان مجوهره وعملوا الزقة في رابع المحرم
يوم الخميس وخرجت من بيت أبيها في عربة غريبة الشكل صناعة الإفرنج في هيئة كمال من
غير ملاعيب ولا خزعبلات والامراء والكشاف وأعيان التجار مشاة أمامها
وفيه حضر عثمان بك الشرقاوي وصحبته رهائن حسن بك الجداوي
وهم شاهين بك وسكن في مكان صغير وآخرون
وفيه وصلت الاخبار بان علي بك انفصل من حسن بك ومن معه
وسافر على جهة القصير وذهب الى جدة
واما من مات في هذه السنة مات الامام الذي لمعت أفق
الفضل بوارقه وسقاه من مورده النمير عذبه ورائقه لا يدرك بحر وصفه الاغراق ولا
تلحقه حركات الافكار ولو كان لها في مضمار الفضل السباق العالم النحرير واللوذعي
الشهير شيخنا العلامة أبو العرفان الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي ولد بمصر وحفظ
القرآن والمتون واجتهد في طلب العلم وحضر اشياخ عصره وجهابذة مصره وشيوخه فحضر على
الشيخ الملوي شرحه الصغير على السلم وشرح الشيخ عبد السلام على جوهرة التوحيد وشرح
المكودي على الالفية وشرح الشيخ خالد على قواعد الاعراب وحضر على الشيخ حسن
المدابغي صحيح البخاري بقراءته لكثير منه وعلى الشيخ محمد العشماوي الشفا للقاضي
عياض وجامع الترمذي وسنن ابي داود وعلى الشيخ احمد الجوهري شرح ام البراهين
لمصنفها بقراءته لكثير منها وعلى الشيخ السيد البليدي وصحيح مسلم وشرح العقائد
النسفية للسعد التفتازاني وتفسير البيضاوي وشرح رسالة الوضع للسمرقندي وعلى الشيخ
عبد الله الشبراوي تفسير البيضاوي وتفسير الجلالين وشرح الجوهرة للشيخ عبد السلام
وعلى الشيخ محمد الحفناوي صحيح البخاري والجامع الصغير وشرح المنهج والشنشوري على
الرجيبه ومعراج النجم الغيطي وشرح الخزرجية لشيخ الاسلام
وعلى الشيخ حسن الجبرتي التصريح على التوضيح والمطول ومتن الجغميني في علم الهيئة
وشرح الشريف الحسيني علىهداية الحكمة قال وقد أخذت عنه في الميقات وما يتعلق به وقرأت
فيه رسائل عديدة وحضرت عليه في كتب مذهب الحنفية كالدر المختار على تنوير الابصار
وشرح ملا مسكين على الكنز وعلى الشيخ عطية الاجهوري شرح المنهج مرتين بقراءته
لاكثر وشرح جمع الجوامع للمحلى وشرح التلخيص الصغير للسعد وشرح الاشموني على
الالفية وشرح السلم للشيخ الملوي وشرح الجزرية لشيخ الاسلام والعصام على
السمرقندية وشرح أم البراهين للحفصى وشرح الاجرومية لريحان اغا وعلى الشيخ على
العدوى مختصر السعد على التلخص وشرح القطب على الشمسية وشرح شيخ الاسلام على ألفية
المصطلح بقراءته لاكثره وشرح بن عبد الحق على البسملة لشيخ الاسلام ومتن الحكم
لابن عطاء الله رحمهم الله تعالى أجمعين قال وتلقيت طريق القوم وتلقين الذكر على
منهج السادة الشاذلية على الاستاذ عبد الوهاب العفيفي المرزوقي وقد لازمته المدة الطويلة
وانتفعت بمدده ظاهرا وباطنا قال وتلقيت طريق ساداتنا آل وفا سقانا الله من رحيق
شرابهم كؤوس الصفا عن ثمرة رياض خلفهم ونتيجة أنوار شرفهم على الاكابر والاصاغر
ومطمح انظار أولى الابصار والبصائر أبي الانوار محمد السادات ابن وفا نفحنا الله
واياه بنفحات جده المصطفى وهو الذي كناني على طريقة اسلافه بأبي العرفان وكتب لي
سنده عن حاله السيد شمس الدين أبي الاشراق عن عمه السيد أبي الخير عبد الخالق عن
أخيه السيد ابي الارشاد يوسف عن والده الشيخ أبي التخصيص عبد الوهاب عن ولد عمه
السيد بحيى أبي اللطف الى آخر السند هكذا نقلته من خط المترجم رحمه الله تعالى ولم
يزل المترجم يخدم العمل ويدأب في تحصيله حتى تمهر في العلوم العقلية والنقلية وقرأ
الكتب المعتبرة في حياة اشياخه وربى التلاميذ
واشتهر بالتحقيق والتدقيق والمناظرة والجدل وشاع ذكره
وفضله بين العلماء بمصر والشام وكان خصيصا بالمرحوم الشيخ الوالد اجتمع به من سنة
سبعين ومائة وألف ولم يزل ملازما له مع الجماعة ليلا ونهارا واكتسب من اخلاقه
ولطائفة وكذلك بعد وفاته لم يزل على حبه ومودته مع الحقير وانضوى الى استاذنا
السيد أبي الانوار بن وفا ولازمه ملازمة كلية وآشرقت عليه أنواره ولاحت عليه
مكارمه وأسراره ومن تآليفه حاشيته على الاشموني التي سارت بها الركبان وشهد بدفنها
أهل الفضائل والعرفان وحاشية على شرح العصام على السمرقندية وحاشية على شرح الملوى
على السلم ورسالة في علم البيان ورسالة عظيمة في آل البيت ومنظومة في علم العروض
وشرحها ونظم اسماء أهل بدر وحاشية على آداب البحث ومنظومة في مصطلح الحديث ستمائة
بيت ومثلثات في اللغة ورسالة في الهيئة وحاشية على السعد في المعاني والبيان
ورسالتان على البسملة صغرى وكبرى ورسالة في مفعل ومنظومة في ضبط رواة البخاري
ومسلم وكان في مبدأ أمره وعنفوان عمره معانقا للخمول والاملاق متكلا على مولاه
الرزاق يستجدي مع العفة ويستدر من غير كلفة وتنزل اياما في وظيفة التوقيت
بالصلاحية بضريح الامام الشافعي رضي الله عنه عندما جدده عبد الرحمن كتخدا وسكن
هناك مدة ثم ترك ذلك ولما بنى محمد بك ابو الذهب مسجده تجاه الازهر تنزل المترجم
ايضا في وظيفة توقيتها وعمر له مكانا بسطحها سكن فيه بعياله فلما اضمحل امر وقفة تركه
واشترى له منزلا صغيرا بحارة الشنواني وسكن به ولما حضر عبد الله افندي القاضي
المعروف بططر زاده وكان متضلعا من العلوم والمعارف وسمع بالمترجم والشيخ محمد
الجناجي واجتمعا به اعجب بهما وشهد بفضلهما واكرمهما وكذلك سليمان افندي الرئيس
فعند ذلك راج امر المترجم واثرى حاله بالملابس وركب البغال وتعرف ايضا باسمعيل
كتخدا حسن باشا وتردد اليه قبل ولايته فلما اتته الولاية بمصر زاد في اكرامه
واولاه
بره ورتب له كفاتيه في كل يوم بالضربخانة والجزية وخرجا
من كلاره من لحم وسمن وارز وخبز وغير ذلك وأعطاه كساوى وفراء واقبلت عليه الدنيا
وازداد وجاهة وشهرة عمل فرحا وزوج ابنه سيدي علي فأقبل عليه الناس بالهدايا وسعوا
لدعوته وانعم عليه الباشا بدراهم لها صورة والبس ابنه فروة يوم الزفاف وكذا ارسل
اليه طبلخانته وجاويشيته وسعاته فزفوا العروس وكان ذلك في مبادىء ظهور الطاعون في
العام الماضي وتوعك الشيخ المترجم بعد ذلك بالسعال وقصبة الرئة حتى دعاه داعي الاكام
وفجأة الحمام ليلة الثلاثاء من شهر جمادى الاولى من السنة وصلى عليه بالآزهر في
مشهد حافل ودفن بالبستان تغمده الله بالرحمة والرضوان وخلف ولده الفاضل الصالح
الشيخ علي بارك الله فيه
ومات السيد السند الامام الفهامة المعتمد فريد عصره
ووحيد شامه ومصره الوارد من زلال المعارف على معينها المؤيد باحكام شريعة جده حتى
ابان صبح يقينها السيد العلامة ابي المودة محمد خليل بن السيد العارف المرحوم علي
بن السيد محمد بن القطب العارف بالله تعالى السيد محمد مراد بن علي الحسيني الحنفي
الدمشقي اعاد الله علينا من بركاته علومهم في الدنيا والاخرة من بيت العلم
والجلالة والسيادة والعز والرياسة والسعادة والمترجم وان لم نره لكن سمعنا خبره ووردت
علينا منه مكاتبات ووشى طروسة المحبرات وتناقل الينا اوصافه الجميلة ومكارم اخلاقه
الجليلة وكان شامة الشام وغرة الليالي وايام اورق عوده بالشام واثمر ونشأ بها في
حجر والده والدهر ابيض وقرأ القرآن على الشيخ سليمان الديركي المصري وطالع في
العلوم والادبيات واللغة التركية والانشاء والتوقيع ومهر وانجب واجتمعت فيه
المحاسن الحسية والمزايا المعنوية مع الطف خلق يسعى اللطف لينظر اليه ورقيق محاسن
يقف الكمال متحيرا لديه وانا وان لم يقع لي عليه نظر بالعين فسماع الاخبار احدى
الروايتين ولما توفي والده المرحوم تنصب مكانه مفتي الحنفية بالديار الشامية ونقيب
الاشراف باجماع الخاص والعام وسار فيها احسن سير وزين
بمآثره العلوم النفلية وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية فكانت تتيه به على سائر
البقاع بقاع الشام ويفتخر به عصره على جميع الليالي والايام فلا تزال تصدح ورق
الفصاحة في ناديها وتسير الركبان بما فيه من المحاسن رائحها وغاديها ونور فضله باد
وموائده ممدودة لكل حاضر وباد وكان رحمه الله مغرما بصيد الشوارد وقيد الاوابد واستعلام
الاخبار وجمع الاثار وتراجم العصريين على طريق المؤرخين وراسل فضلاء البلدان
البعيدة ووصلهم بالهدايا والرغائب العديدة والتمس من كل جمع تراجم اهل بلاده
واخبار اعيان اهل القرن الثاني عشر يحسب وسع همته واجتهاده وكان هو السبب الاعظم
الداعي لجمع هذا التاريخ على هذا النسق فانه كان راسل شيخنا السيد محمد مرتضى
والتمس منه نحو ذلك فأجابه لطلبته ووعده بأمنيته فعند ذلك تابعه بالمراسلات واتحفه
بالصلات المترادفات وشرع شيخنا المرحوم في جمع المطلوب بمعونة الفقير ولم يذكر
السبب الحامل على ذلك وجمع الحقير ايضا ما تيسر جمعه وذهبت به يوما وعنده بعض
الشاميين فأطلعته عليه فسر بذلك كثيرا وطار حتى وطارحته في نحو ذلك بمسمع من
المجالس ولم يلبث السيد الا قليلا واجاب الداعي وتنوسي هذا الامر شهورا ووصل نعي
السيد الى المترجم والصورة الواقعة وكانت اوراق السيد مختوما عليها فعند ذلك ارسل
الي كتابا وقرنه بهدية على يد السيد محمد التاجر القباقيبي يستدعي تحصيل ما جمعه
السيد من اوراقه وضم ما جمعه الفقير وما تيسر ضمه ايضا وارساله وانتقل المترجم بعد
ذلك لامور اوجبت رحلته منها الى حلب الشهباء كما ذكر لي ذلك في مراسالاته في سنة
خمس ومائتين وألف وهناك عصفت رياح المنية بروضه الخصيب وهصرت يد الردي يانع غصنه
الرطيب فاحتضر واحضر بأمر الملك المقتدر لا زال جدثه روضة من رياض الجنان ولا برح
مجرى لجداول الرحمة والرضوان وذلك في اواخر صفر من هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة
ولم يخلف بعده في
الفضائل والمكارم مثله
ومات الامام المفوه من غذى بلبان الفضل وليدا وعدلبيد
اذا قيس بفصاحته بليدا من له في المعالي ارومة وفي مغارس الفضل جرثومة الحسين ابن
النور علي بن عبد الشكور الحنفي الطائفي الحريري الفقه والانشاء ويعرف بالمتقي من اولاد
الشيخ علي المتقي مبوب الجامع الصغير من اكبر أصحاب الشيخ السيد عبد الله ميرغني
ولد بالطائف بها نشأ وتكمل في الفنون العرفانية وتدرج في المواهب الاحسانية واحبه
السيد عبد الله وتعلق بأذياله وشرب من صفو الاوهام وأخذ بالحرمين عن عدة علماء
كرام وشارك في العلوم ونافس في المنطوق والمفهوم الا انه غلب عليه التصوف وعرف منه
ما فيه الكمال والتصرف وبينه وبين شيخنا العيدروس مودة أكيدة ومحبة عتيدة ومحاورات
ومذاكرات وملاطفات ومصافاة وقد ورد علينا مصر في سنة 1174 وسكن ببيت الشيخ محسن
علي الخليج وكان يأتيه السيد العيدروس والسيد مرتضى وغيرهم فأعاد روض الانس نضيرا
وماء المصافاة نميرا ودخل الشام وحلب وبها أخذ عن جماعة في أشياء منهم السيد اسمعيل
المواهبي فقد عده من شيوخه واثنى عليه ودخل بلاد الروم وانعم بالمروم وعاد الى
الحرمين وقوض عن الاسفار الخيام
وللسيد العيدروس قصيدة بائية ارسلها له وهي بليغة مطولة
وغير ذلك مطارحات كثيرة وللمترجم مؤلفات حسان وكلها على ذوق أهل العرفان منها
المنظومة التي تعرف بالصلاتية عجيبة وشرحها مزجا كأصلها علىلسان القوم ولما حج
الشيخ التاودي بن سودة كتبها عنه ووصل بها المغرب ونوه بشأنها حتى كتبت منها عدة
نسخ ونوه بشأن صاحبها حتى عين له سلطان المغرب بصرة في كل سنة تصل اليه مع الركب
والناس في المترجم مختلفون فمنهم من يصفه بالبراعة والكمال واولئك الذين رأوا كلامه
فبهرهم نظامه ومنهم من يصفه بالحلول عن ربقة الانقياد ويرميه بالحلول والاتحاذ وهو
ان شاء الله تعالى مبرأ مما نسب اليه ولما اجتمع به العلامة
محمد بن يعقوب بن الفاضل الشمشاري ونزل في منزله فكان
أنيسا له في سائر احواله قال اختبرته حق الاختبار فلم اجد له الا لسانا وهو مثار
وبعد اشهر تبرم عن ملازمته واتخذ له حجرة في الحرم وعزل نفسه عنه فالتزم وحكى لي
من اموره اشياء غريبة والمترجم معذور فان ساداتنا المغاربة ليس لهم تحمل في سماع
كلام مثل كلامه لانهم الفوا ظاهر الشريعة ولم يدخل على اذهانهم نوادر اهل العرفان
ولا تسوروا حصونها المنيعة ولاهل الروم فيه اعتقاد جميل ومواهبهم تصل اليه في كل
قليل وكان له ولد يسمى جعفرا ورد علينا مصر في سنة خمس وثمانين واقام معنا برهة
يغدو الينا ويبيت ويروح لزيارة بعض احباب ابيه بمصر ويذهب معنا لبعض المنتزهات اذ
ذاك ولم يزل حتى اخترمته المنية سامحه الله ولم يخلف بعده مثله
سنة سبع ومائتين وألف استهل المحرم بيوم الخميس والامر
في شدة من الغلاء وتتابع المظالم وخراب البلاد وشتات اهلها وانتشارهم بالمدينة حتى
ملؤا الاسواق والازقة رجالا ونساء واطفالا يبكون ويصيحون ليلا ونهارا من الجوع
ويموت من الناس في كل يوم جملة كثيرة من الجوع
وفيه ايضا هبط النيل قبل الصليب بعشرة ايام وكان ناقصا
عن ميعاد الري نحو ذراعين فارتجت الاحوال وانقطعت الامال وكان الناس ينتظرون الفرج
بزيادة النيل فلما نقص انقطع املهم واشتد كربهم وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات
وغلت اسعارها عما كانت وبلغ الاردب ثمانية عشر ريالا والشعير بخمسة عشر ريالا
والفول بثلاثة عشر ريالا وكذلك باقي الحبوب وصارت الاوقية من الخبز بنصف فضة ثم
اشتد الحال حتى بيع ربع الويبة بريال وآل الامر الى ان صار الناس يفتشون على الغلة
فلا يجدونها ولم يبق للناس شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار في مجالس الاعيان
وغيرهم الا مذاكرة القمح والفول والاكل ونحو ذلك وشحت النفوس واحتجب المساتير وكثر
الصياح والعويل ليلا ونهارا فلا
تكاد تقع الارجل الاعلى خلائق مطروحين بالازقة واذا وقع
حمارا وفرس تزاحموا عليه واكلوه نيا ولو كان منتنا حتى صاروا يأكلون الاطفال ولما
انكشف الماء وزرع الناس البرسيم ونبت اكلته الدودة وكذلك الغلة فقلب اصحاب المقدرة
الارض وحرثوها وسقوها بالماء من السواقم والنطالات والشواديف واشتروا لها التقاوى
بأقصى القيم وزرعوها فأكله الدود ايضا ولم ينزل من السماء قطرة ولا اندية ولا صقيع
بل كان في اوائل كيهلك شرودات واهوية حارة ثقيلة ولم يبق بالارياف الا القليل من
الفلاحين وعمهم الموت والجلاء
وفي اواخر شهر ربيع الاول حضر صالح اغا من الديار الرومية
وعلى يده مرسومات بالعفو وثلاث خلع احداها للباشا والاخريان لابراهيم بك ومراد بك
فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسومات وضربوا مدافع واحضر صحبته صالح آغا وكالة دار
السعادة وانتزعها من مصطفى اغا واستولى على ملابلها
وفيه وصلت غلال رومية وكثرت بالساحل فحصل للناس اطمئنان وسكون
ووافق ذلك حصاد الذرة فنزل السعر الى اربعة عشر ريالا الاردب واما التبن فلا يكاد
يوجد وإذا وجد منه شيء فلا يقدر من يشتريه على ايصاله لداره او دابته بل يبادر
لخطفه السواس واتباع الاجناد في الطريق واذا سمعوا واستشعروا بشيء منه في مكان
كبسوا عليه واخذوه قهرا فكان غالب مؤنة الدواب قصب الذرة الناشف ويشرح الكثير من
الفقراء والشحاذين في نواحي الجسور فيجمعون ما يمكنهم جمعه من الحشيش اليابس والنجيل
الناشف ويأتون به ويطوفون به الاسواق ويبيعونه بأغلى الاثمان ويتضارب على شرائه
الناس وان صادفهم السواس والقواسة خطفوه من على رؤوسهم واخذوه قهرا
وفيه وصلت الاخبار بان علي بك الدفتردار لما سافر من
القصير طلع على المويلح وركب من هناك مع العرب الى غزة وارسل سرا الى مصر وطلب
رجلا نصرانيا من اتباعه فذهب اليه صحبة الهجان بمطلوبات وبعض
احتياجات ولما وصل الى جهة غزة أرسل الى احمد باشا
الجزار يعلمه بوصوله فأرسل لملاقاته خيلا ورجالا فذهب اليه وصحبته نحو الثلاثين
نفرا لا غير فلما وصل الى قرب عكا خرج اليه احمد باشا ولاقاه ووجهه الى حيفا ورتب
لهم بها رواتب وأما مراد بك فانه خرج الى بر الجيزة من اول السنة وجلس في قصر
اسمعيل بك الذي عمره هناك واشتغل بعمل جبخانة وآلات حرب وبارود وجلل وقنابر وطلب
الصناع والحدادين وشرع في انشاء مراكب وغلايين رومية وزاد في بناء القصر ووسعه وانشأ
به بستانا عظيما وغير ذلك وسافر عثمان بك الشرقاوي الى ثغر الاسكندرية وجبى
الاموال في طريقه من البلاد
وفي يوم الاربعاء سابع عشرين ربيع الاخر وخامس كيهك
القبطي امطرت السماء مطرا متوسطا وفرح به الناس
وفي يوم السبت غرة جمادى الاولى عدى مراد بك من بر
الجيزة فدخل الى بيته واخبروا عن عثمان بك الشرقاوي انه رجع الى رشيد ثم في رابعه
حضر المذكور الى مصر
وفي ليلة الخميس خرج مراد بك وابراهيم بك وباقي امرائهم
الى جهة العادلية فأقاموا أياما قليلة ثم ذهب مراد بك الى ناحية ابو زعبل وكذلك ابراهيم
بك الوالي وصحبته جماعة من الامراء الى ناحية الجزيرة في وقت خروجهم نهب اتباعهم
ما صادفوه من الدواب وصاروا يكبسون الوكائل التي بباب الشعرية ويأخذون ما يجدونه
من جمال الفلاحين السفارة وحميرهم نهبا فأما مراد بك فانه لما وصل الى ابو زعبل
وجد هناك طائفة من عرب الصوالحة في خيشهم لاجنية لهم فنهبهم وأخذ اغنامهم ومواشيهم
وقتل منهم نحو خمسة وعشرين شخصا ما بين غلمان وشيوخ واقام هناك يوما وقبض على
مشايخ البلد أبى زعبل وحبسهم وقرر عليهم غرامة احد عشر الف ريال ولم يقبل فيهم
شفاعة استاذهم وشتمه وضربه بالعصا واما عرب الجزيرة فأنهم ارتحلوا من اماكنهم
وفي شهر شعبان وقع الاهتمام بسد خليج الفرعونية بسبب
احتراق
البحر الشرقي ونضوب مائه وظهرت بالنيل كيمان رمل هايلة
من حد المقياس الى البحر المالح وصار البحر الغربي سلسلول جدول تخوضه الاولاد
الصغار ولا يمر به الا صغار القوارب وانقطع الجالب من جميع النواحي الا ما تحمله
المراكب الصغار باضعاف الاجرة وتعطلت دواوين المكوس فأرسلوا الى سد الترعة رجلا مسلماني
وصحبته جماعة من الافرنج وأحضروا الاخشاب العظيمة ورتبوا عمل السد قريبا من كفر
الخضرة وركبوا آلات في المراكب ودقوا ثلاث صفوف خوابير من أخشاب طوال فلما أتموا
ذلك كانت الصناع فرغت من تطبيق الواح في غاية الثخن شبه البوابات العظام وهي مسمرة
بمسامير عظيمة ملحومة بالرصاص وصفائح الحديد مثقوبة بثقوب مقاسة علىما يوازيها من
نجوش منجوشة بالخوابير المركوزة في الماء فاذا نزلوا ببوابة آلحموها بتلك الخوابير
وتبعتهم الرجال بالجوابي المملوأة بالحصا والرمل من امام ومن خلف وتبع ذلك الرجال
الكثيرة بغلقان الاتربة والطين ففعلوا ذلك حتى قارب التمام ولم يبق الا اليسير ثم
حصل الفتور في العمل بسبب ان المباشر على ذلك أرسل لمراد بك بالحضور ليكون اتمامها
بحضرته ويخلع عليه ويعطيه ما وعده به من الانعام فلم يحضر مراد بك وغلبهم الماء
وتلف جانب من العمل وكان أيوب بك الصغير حاضرا وفي نفسه ان لا يتم ذلك لاجل بلاده
فأصبح مرتحلا وتركوا العمل وانفض الجمع وقد أقام العمل في ذلك من اوائل شعبان الى
اواسط شوال ثم نزل اليها جماعة آخرون وطبوا جملة مراكب موسوقة بالاحجار وشرعوا في
عمل سد المكان القديم عن فم الترعة ودقوا ايضا خوابير كثيرة وألقوا احجارا عظيمة
وفرغت الاحجار فأرسلوا بطلب غيرها فلم تسعفهم القطاعون فشرعوا في هدم الابنية
القديمة والجوامع التي بساحل النيل وقلعوا احجار الطواحين التي بالبلاد القريبة من
العمل واستمروا على ذلك حتى قويت الزيادة ولم يتم العمل ورجعوا كالاول وذهب في ذلك
من الاموال والغرامات والسخرات وتلف من المراكب
والاخشاب والحديد ما لا يحد ولا يعد
وفي اوائل شوال ورد الخبر بان علي بك سافر من عند احمد
باشا الى اسلامبول صحبة قبجي معين فلما قرب من اسلامبول ارسلوا من وجهه الى برصا
ليقيم بها ورتبوا له كفايته في كل شهر خمسمائة قرش رومي
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات السيد الامام العارف
القطب عفيف الدين ابو السيادة عبد الله ابن ابراهيم بن حسن بن محمد امين بن علي
ميرغني بن حسن بن مير خوردابن حيدر بن حسن بن عبد الله بن علي بن حسن بن احمد بن
علي بن ابراهيم ابن يحيى بن عيسى بن ابي بكر بن علي بن محمد بن اسمعيل ابن ميرخورد
البخاري بن عمر بن علي بن عثمان بن علي المتقي بن الحسن بن علي الهادي ابن
محمدالجوار الحسيني المتقي المكي الطائفي الحنفي الملقب بالمحجوب ولد بمكة وبها
نشأ وحضر في مباديه دروس بعض علمائها كالشيخ النخلي وغيره واجتمع بقطب زمانه السيد
يوسف المهدلي وكان أذ ذاك أوحد عصره في المعارف فانتسب اليه ولازمه حتى رقاه وبعد
وفاته جذبته عناية الحق وارته من المقامات مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر فحينئذ انقطعت الوسايط وسقطت الوسائل فكان اويسيا تلقيه من حضر جده صلى
الله عليه و سلم كما اشار الى ذلك شيخنا السيد مرتضى عندما اجتمع به بمكة في سنة
1163 وأطلعه على نسبه الشريف وأخرجه اليه من صندوق قال وطلبت منه الاجازة واسناد
كتب الحديث فقال غنى عنه قال فعلمت انه أويسي المقام ومدده من جده عليه الصلاة و
السلام وانتقل الى الطائف بأهله وعياله في سنة ست وستين وشرف تلك المشاهد ومآثر
شهيرة ومفاخرة كثيرة وكراماته كالشمس في كبد السماء وكالبدر في غيهب الظلماء
وأحوله في احتجابه عن الناس مشهورة وأخباره في زهده عن الدنيا على ألسنة الناس
مذكورة ومن مؤلفاته كتاب فرائض
وواجبات الاسلام لعامة المؤمنين والكوكب الثاقب وشرحه
وسماه رفع الحاجب عن الكوكب الثاقب وله ديوانان متضمنان لشعره احدهما المسمى
بالعقد المنظم على حروف المعجم والثاني عقد الجواهر في نظم المفاخر ومنها المعجم
الوجيز في أحاديث النبي العزيز صلى الله عليه و سلم اختصره من الجامع وذيله وكنوز
الحقائق والبدر المنير وهو في اربعة كراريس وقد شرحه العلامة سيدي محمد الجوهري
وقرأه دروسا ومنها شرح صيغة القطب بن مشيش ممزوجا وهو من غرائب الكلام ومنها مشارق
الانوار في الصلاة والسلام على النبي المختار توفي رضي الله عنه في هذه السنة
ومات الشيخ الفاضل الصالح احمد بن يوسف الشنواني المصري
الشافعي المكني بأبي العز المكتب الخطاط ويعرف ايضا بحجاج وأمه الشريفة خاصكية
ابنة القاضي جلبي بن احمد العراقي من ذرية القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان
الغرف بالمنوفية حفظ القرآن وجوده على الشيخ المقرى حجازي بن غنام تلميذ الزميلي
وجود الخط المنسوب على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم ومهر فيه وأجيز فنسخ بيده
كثيرا من المصاحف ونسخ الدلائل والكتب الكبار منها الاحياء للغزالي والامثال للميداني
وانتفع الناس به طبقة بعد طبقة وفي غضون ذلك تردد على جملة من الشيوخ كالشهابين
الملوي والجوهري وأخذ عنهما أشياء والشمس الحفني والشيخ حسن المدابغي ومحمد بن
النعمان الطائي في آخرين وأحبوه وجاور بالحرم سنة ثم عاد الى مصر ولازم معنا كثيرا
على شيخنا السيد مرتضى في حضور الحديث فسمع البخارى بطرفيه ومسلما بطرفيه وسنن أبي
داود الى قريب ثلثيه وغالب الشمائل للترمذي وثلاثيات البخاري وثلاثيات الدرامي
والحلية لابي نعيم من اوله الى مناقب العشرة وأجزاء كثيرة بحدودها في ضمن اجازته
باسانيدها وكان نعم الرجل صحبة وديانة وحفظا للنوادر من الاشعار
والحكايات وأصيب المترجم بكريمتيه عوضه الله دار الثواب
من غير سابقة عذاب ولا عتاب توفي سابع عشرين جمادى الاولى من السنة
ومات الامام الفقيه المحدث البارع المتبحر علام المغرب
الشيخ ابو عبد الله محمد بن الطالب بن سودة المري الفاسي التاودي ولد بفاس سنة
1128 وأخذ عن ابي عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الناصري شارع الاكتفاء
والشفاء ولامية الزقاق وغيرها والشهاب احمد بن عبد العزيزالهلالي السجلماسي قرأ عليهما
الموطا وغيرها والشهاب احمد بن مبارك السجلماسي اللمطي قرأ عليه المنطق والكلام
والبيان والأصول والتفسير والحديث وكان في أكثرها هو القارىء بين يديه مدة مديدة
وأذن له في اقراء الصحيح في حياته فألقى دروسا بين يديه وكان يوده ويسر به ويقدمه
على سائر الطلبة ولما توفي ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الاولى سنة خمس وخمسين
ومائة والف بالطاعون تزاحم ذو الوجاهات فيمن يلحده في قبره فكان الشيخ هو المتولي
لذلك دون غيره وتلك كرامة له ورضوا بذلك قال وكلمته يوما في شأن الحج متمنيا له
ذلك فقال لي مشيرا الى شيخه سيدي عبد العزيز الدباغ ان الناس قالوا لي جعلناك في
حق فلا تخرج من هذه البلدة وأنت ستحج واعطيك الف دينار وألف مثقال ان شاء الله تعالى
قال ولم تك نفسي تحدثني بالحج يومئذ ولم يخطر ببال ومنهم الفقيه المتواضع صاحب
التآليف ابو عبد الله محمد ابن قاسم جسوس لازمه مدة وقرأ عليه كتبا منها رسالة بن
أبي زيد ومختصر خليل ثلاث ختمات مع مطالعه شروح وحواش والحكم والشمائل وجميع
الصحيح من غير فوت شيء منه ومنهم حافظ المذهب الفقيه القاضي ابو البقاء يعيش بن
الزغاوي الشاوي قرأ عليه رجز بن عاصم ولامية الزقاق وطرفا من الصحيح توفي سنة 1150
كان منزله بالدوخ في اطراف المدينة فنزل به اللصوص ليلا فدافع عن حريمه وقاتلهم
حتى قتل شهيدا رحمه الله ومنهم قاضي الجماعة ومفتي الانام أبو العباس
احمد بن احمد الشدادي الحسني قرأ عليه المختصر الخليلي
من اوله الى الوديعة او العارية وسمع عليه بعض التفسير من اوله ومنهم الفقيه
الزاهد القاضي ابو عبد الله محمد بن احمد التماق قرأ عليه رسالة ابن أبي زيد
والحكم والتفسير من اوله الى سورة النساء ومنهم الامام الناسك الزاهد ابو عبد الله
محمد بن جلون قرأ عليه الاجرومية وختم عليه الالفية مرتين والمختصر الخليلي من
اوله الى اليمين ولم يكن له نظير في الضبط والاتقان والتحرير وهو اول شيخ اخذ عليه
وذلك قبل البلوغ وكان اذا قام من دروسه عرض على نفسه ماقاله فيجده لا يدع منه حرفا
واحدا ومنهم سيبويه زمانه ابو عبد الله سيدي محمد ابن الحسن الجندوز قرأ عليه
الالفية فكان يملي من حفظه في اثنائه الشروح والحواشي وشروح الكافية والتسهيل
والرضي والمعنى والشواهد وغير ذلك مما يستجاد ويستغرب وقرأ عليه السلم والتلخيص
ومن انصافه انه لما قرب اواخره بلغه ان الشيخ بن مبارك يريد ان يقرأه فقام مع
جماعة وذهب اليه ليسمع منه وهذا من حسن انصافه واعترافه بالحق ومنهم ابو العباس
احمد بن علال الوجاري قرأ عليه الالفية بلفظة ثلاث مرات وشيئا من التسهيل والمغنى
وقد ذكر له بعض الشيوخ عن ابن هشام انه قرأ الالفية الف مرة فقال له بعض من سمعه
وكم قرأتها قال اما المائة فجزتها فهؤلاء عشرة شيوخ كذا لخصتها من اجازة المترجم
للشيخ احمد ابن علي بن عبد الوهاب بن الحاج الفاسي في تاسع جمادى الثانية سنة ثلاث
والف وحج المترجم فقدم مصر سنة احدى وثمانين ورجع سنة 1182 وعقد درسا حافلا
بالجامع الازهر برواق المغاربة فقرأ الموطأ بتمامه وحضره غالب الموجودين من
العلماء واجاد في تقريره وافاد وسمع عليه الكثير اوائل الكتب الستة والشمائل
والحكم وغيرها واجاز ولقي بمكة ابا زبد عبد الرحمن بن اسلم اليمني وابا محمد حسين
بن عبد الشكور صاحب الشيخ عبد الله الميرغني والشيخ ابراهيم الزمزمي وغيرهم
وبالمدينة
ابا عبد الله محمد بن عبد الكريم السمان وابا الحسن
السندي وعبد الله جعفر الهندي وغيرهم واجازوه واجازهم وعاد الى مصر واجتمع بفاضلها
كالجوهري والصعيدي وحسن الجبرتي والطحلاوي والسيد العيدروس والشيخ محمود الكردي
وعيسى البراوي والبيومي والعربان وعطية الأجهوري وكان صحبته ولداه سيدي محمد وهو
الاكبر وسيدي أبو بكر خالي العذار جميل الصورة وتردد على الشيخ الوالد كثيرا وتلقى
عنه بعض الرياضيات وترك عنده ولديه المذكورين مدة اقامته بمصر فكنا نطالع معهما سوية
صحبة الشيخ سالم القيرواني والشيخ احمد السوسي ونسهر غالب الليل نراعي المطالع
والمغارب وممرات الكواكب بالسطح حذاء خيط المساترة ونراجع الشيخ فيما يشكل علينا
فهمه وهو معنا في ناحية اخرى واوقفت سيدي ابا بكر على طريق رسم ربع الدائرة
المقنطر والمجيب توفي سيدي محمد بفاس سنة 1193 ومن تآليف المترجم حاشية قوله وارخه
الى آخره ابتداء التاريخ من الزاي من زج مع حساب السنين بثلاثمائة على قاعدة
المغاربة الا انه يزيد واحدا عن سنة الوفاة فلعله مات سنة اربع وتسعين ومائة والف
كما يظهر ذلك بحساب التاريخ على البخاري في اربع مجلدات وحاشية على الزرقاني شارح
خليل وشرحان على الاربعين النووية ومناسك حج وشرح الجامع لسيدي خليل وشرح تحفة بن
عاصم في القضاء والاحكام والمنحة الثابتة في الصلاة الفائتة وفتح المتعال فيما
ينتظم منه بيت المال وحاشية علي بن جزي المفسر وحاشية على البيضاوي لم تكمل وشرح المشارق
للصاغاني ومنظومة فيما يختص بالنساء وكلفه سلطان المغرب خطة القضاء في سنة 1203
فقبلها كرها وكانت فتاويه مسددة واحكامه مؤيدة مع غاية التحرز والصيانة والاتقان
وبالجملة فكان عين الاعيان في عصره ومصره شهير الذكر وافر الحرمة مهيب الصورة يغلب
دلاله على جماله قليل التبسم ولما توفي مولاي محمد سلطان المغرب ووقع الاختلاف
والاضطراب
بين اولاده اجتمع الخاصة والعامة على رأى المترجم فاختار
المولى سليمان وبايعه على الامر بشرط السير على الخلافة الشرعية والسنن المحمدية
وبايعه الكافة بعده على ذلك وعلى نصره الدين وترك البدع والمظالم والمكوس والمحارم
وكان كذلك ولم يزل المترجم على طريقته الحميدة حتى توفي في هذه السنة وتوفي بعده
ابنه سيدي ابو بكر في سنة عشر ومائتين والف
ومات الامام العلامة والوجيه الفهامة الشيخ احمد بن محمد
بن جاد الله ابن محمد الخناني المالكي البرهاني وجده الاخير يعرف بأبي شوشة وله
مقام بزار بام خنان بالجيزة نشأ في طلب العلم وحضر أشياخ الوقت ولازم السيد
البليدي وصار معيدا لدروسه بالازهر والاشرفية وانتفع بملازمته له انتفاعا كليا
وانتسب اليه وأجازه اجازة مطولة بخطه ونوه بشأنه فلما توفي شيخه المذكور تصدر لاقراء
الحديث مكانه بالمشهد الحسيني واجتمع عليه الناس وحضره من كان ملازما لحضور شيخه
من تجار المغاربة وغيرهم واعتقدوا صلاحه وتحبب اليهم وواسوه بالصلاة والزكوات النذور
وواظب الاقراء بالازهر ايضا وزيارة مشاهد الاولياء واحياء لياليها بقراءة القرآن
والذكر ويقوم دائما من الثلث الاخير من الليل ويذهب الى المشهد الحسيني ويصلي
الصبح بغلس في جماعة وزاد اعتقاد الناس فيه واتسعت دنياه مع المداومة على
استجلابها وامسكاها وبآخرة اشترى دارا عظيمة بحارة كنامة المعروفة الان بالعينية
بالقرب من الازهر وانتقل اليها وسكنها وكان يخرج لزيارة قبور المجاورين في كل يوم
جمعة قبل الشمس فنزل العرب في بعض الجمع الى بين الكيمان فأراد الهروب وكان جسيما
فسقط من على بغلته على خربته فانكسر زره وحمل الى داره وعالج نفسه شهورا حتى عوفي
قليلا ولم يزل تعاوده الامراض حتى توفي رحمه الله وما رأيته قط الا وهو يتلو قرآنا
أو يطالع كتابا سامحه الله تعالى
ومات الامام الفاضل الصالح النجيب المفوه الناجح الشيخ
محمد ابن احمد بن خضر الخربتاوي المالكي الازهري قرأ على والده وحضر دروس شيخنا
الشيخ علي العدوي الصعيدي وبه تخرج وانجب في العلوم وله سليقة جيدة في النثر والنظم
وحصل كتبا نفيسة المقدار زيادة على الذي ورثه من والده وله محبة في آل البيت
ومدائح كثيرة وهو ممن قرظ على شرح القاموس لشيخنا السيد محمد مرتضى تقريظا بديعا
ولم يزل المترجم مقبلا على شأنه مواظبا على دروسه حتى توفي في هذه السنة رحمه الله
ومات الاجل الصالح الناسك المسلك العارف الشيخ محمد بن
عبد الحافظ افندي ابو ذاكر الخلوتي الحنفي اخذ الطريق عن السيد مصطفى البكري
والشيخ الحفني وحضر الفقه على العلامة الشيخ محمد الدلجي والشيخ احمد الحماقي
وادرك الاسقاطي والمنصوري ولم يتزوج قط وكف بصره سنة 1181 وانقطع في بيته احدى
وعشرين سنة بمفرده وليس عنده قريب ولا غريب ولا جارية ولا عبد ولا من يخدمه في شيء
مطلقا وبيته متسع جهة التبانة وبابه مفتوح دائما وعنده الاغنام والدجاج والاوز
والبط والجميع مطلوقون في الحوش وهو يباشر علفهم واطعامهم وسقيهم الماء بنفسه
ويطبخ طعامه بنفسه وكذلك يغسل ثيابه واشتهر في الناس بان الجن تخدمه وليس ببعيد
لانه كان من اهل المعارف والاسرار ويأتي اليه الكثير من الطلبة للاخذ عنه والتلقي
منه وكان له يد طولي في كل شيء ومشاركة جيدة في العلوم والمعارف والاسماء
والروحانيات والاوفاق واستحضار تام في كل ما يسأل عنه وعنده عدة كثيرة من السنانير
ويعرفها بالواحد بأسمائها وأنسابها وألوانها ويقول هذه تحفة بنت بستانه وهذه كمونة
بنت ياسمين وهذه فلانة أخت فلانة الى غير ذلك توفي رحمه الله تعالى في شهر شوال من
هذه السنة
ومات الامام العلامة والرحلة الفهامة المعمر المتقدم
الشيخ مصطفى المرحومي الشافعي ولد بمحلة المرحوم بالمنوفية وقرأ القرآن وحفظه
وجوده وحضر الى مصر المتون وتفقه على الاشياخ المتقدمين
كالدفري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والملوي والحفني وغيرهم ومهر في المعقول
والمنقول وأملى الدروس بالازهر وجامع أزبك وانتفع به الناس كان يتردد الى بيوت بعض
الاعيان ويحبونه ويكرمونه ويستفيدون من فوائده ونوادره وكان له حافظة واستحضار
للمناسبات والاشعار واللطائف لا يمل حديث ومفاكهته توفي في هذه السنة رحمه الله
ومات الامام العلامة الفقيه النحوي الاصولي الجدلي النحرير
الفصيح المتقن المتفنن الشيخ علي الشهير بالطحان الازهري المصري حضر شيوخ العصر
ولازم الشيخ الملوي والجوهري وكان معيد الدروس الاخيروبه وبه تخرج وكان يقرأ الكتب
ويقرر الدروس بدون مطالعة الا انه كان يغلب عليه الملل والسآمة وحب البطالة غالب
ايامه ولا يتعفف عن الدنيا من أي وجه كان ويطلبها وان قلت وكانت سليقته جيدة في
النثر والنظم وله منظومة في الفقه ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى
وصغرى ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى وصغرى ومنظومة في العروض
ومنظومة في البان ومنظومة في الطب وله لاميتان على محاكات لامية بن الوردي كبرى
الملوي على السمرقندية توفي في اواخر شعبان من السنة
ومات الامام العلامة النبيه الوجيه الفاضل المستعد الشيخ
يوسف ابن عبدالله بن منصور السنبلاويني الشهير برزه الشافعي تفقه على بلدية الشيخ
احمد رزة وحضر دروس الشيخ الحفني والشيخ البراوي والشيخ عطية والشيخ الصعيدي
وغيرهم من الاشياخ وأنجب ودرس وأفاد ولازم الاقراء وكان انسانا وجيها محتشما ساكن
الجاش وقورا بهي الشكل قانعا بحاله لا يتداخل كغيره في أمور الدنيا مجمل الملابس
لا يزيد على ركوب الحمار في بعض الاحيان لبعض الامور الضرورية ولم يزل حتى تعلل
وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات العلامة المفيد المفوه المجيد الشيخ عبد الرحمن بن
علي بن الامام
العلامة عبد الرؤوف البشبيشي نشأ في حجر والده وحفظ
القرآن وحضر الاشياخ وتفقه في مذهب ابيه وجده وهم شافعيون واجتمع بالشيخ الوالد
ولازمه ملازمة كلية وحضر عليه في مذهب أبي حنيفة وحفظ كثيرا من الفروع الغريبة في
المذهب والرياضيات وأقراني في حال الصغر شيئا من القرآن وحروف الهجاء وكان به بعض رعوته
فانتقل الى مذهب أبي حنيفة واخبر الوالد بذلك يظن سروره في انتقاله فلامه على فعله
وانحط قدره عنده من ذلك الوقت وذلك بعد موت والده في سنة 1187 واملق حاله وتكدر باله وسافر بآخرة
الى دمياط واقام بها مدة يفتي على مذهب الحنفية وراج أمره هناك لشغور الثغر عن
مثله ثم قدم مصر لامر عرض له فأقام بمصر واراد بيع داره ليصرف ثمنها في شؤونه فلم
يجد من يشتريها بالثمن المرغوب وكان انسانا حسنا يذاكر بفوائد مع حسن المعرفة وصحة
الذهن وربما تعلق ببعض فنون غريبة ولذا قل حظه رحمه الله في هذه السنة وحيدا في
داره وهو جالس
ومات المجذوب المعتقد السيد علي البكري أقام سنينا
متجردا ويمشي في الاسواق عريانا ويخلط في كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه معه في غالب
اوقاته وقد تقدم ذكره وذكر المرأة التي تبعته المعروفة بالشيخة أمونة وكان يحلق
لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون الى تخليطاته ويوجهون ألفاظه ويؤولونها على
حسب أغراضهم ومقتضيات احولهم ووقائعهم وكان له أخ من مساتير الناس فحجر عليه ومنعه
من الخروج وألبسه ثيابا ورغب الناس في زيارته وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته فأقبل
الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة وأتوا اليه الهدايا والنذور
وجروا على عوائدهم في التقليد وازدحم عليه الخلائق وخصوصا النساء فراج بذلك أمر
أخيه واتسعت دنياه ونصبه شبكة لصيده ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت وسمن بدنه
وعظم جسمه من كثرة الاكل والراحة وقد كان قبل ذلك عريانا شقيانا يبيت غالب لياليه
بالجوع طاويا من غير اكل بالازقة في الشتا والصيف وقيد
به من يخدمه ويراعيه في منامه ويقظته وقضاء حاجته ولا يزال يحدث نفسه ويخلط في
الفاظه وكلامه وتارة يضحك وتارة يشتم ولا بد من مصادفة بعض الالفاظ لما في نفس بعض
الزائرين وذوي الحاجات فيعدون ذلك كشفا واطلاعا على ما في نفوسهم وخطرات قلوبهم ويحتمل
ان يكون كذلك فانه كان من البله المجاذيب المستغرقين في شهود حالهم وسبب نسبتهم
هذه انهم كانوا يسكنون بسويقة البكري لا انهم من البكرية ولم يزل هذه حالة حتى
توفي في هذه السنة واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية ودفنوه بمسجد الشرايبي بالقرب
من جامع الرويعي في قطعة من المسجد وعملوا على قبره مقصورة ومقاما يقصد للزيارة
واجتمع عند مدفنه في ليال وميعادات قراء ومنشدون وازدحم عند أصناف الخلائق ويختلط
النساء بالرجال ومات اخوه ايضا بعده بنحو سنتين
ومات الوجيه المكرم والنبيه المفخم مصطفى بن صادق افندي
اللازجي الحنفي ولد سنة 1174 ونشأ في حجر والده وحفظ القرآن وبعض المتون في صغره
وحفظ في صغره وحفظ البرجلي والشاهدي ومهر في اللغة التركية وتفقه على ابيه وقرأ
عليه علم الصرف وحضر على بعض الاشياخ ولازم الشيخ محمد الفرماوي واخد عنه النحو
وقرأ عليه مختصر السعد وغيره برواق الجيرت بالازهر ثم تصدر للافادة والمطالعة
لطلبة الاتراك المجاورين برواق الأورام ولبس له تاجا وفراجة وعمل له مجلس وعظ على
كرسي بالجامع المؤيدي وذلك قبل نبات لحيته وكان وسيما جسيما بهي الطلعة أبيض اللون
رابي البدن فاجتمع لسماع وعظه ومشاهدة ذاته كثير من الناس من ابناء العرب والاتراك
والامراء والاجناد فيقرر لهم بالعربي والتركي بفصاحة وطلاقة لسان وممن كان يحضره
علي أغا مستحفظان وهام فيه واحبه وصار يتردد اليه كثيرا ويذهب هو ايضا الى داره
كثيرا وكان والده متوليا على وقف اسكند ومشيخة التكية بباب الخرق فكان
هو المتكلم على ذلك عوضا عن أبيه واتفق انه حاسب المباشر
على ذلك وهو الشيخ احمد الصفطة وطالبه بما تأخر عليه فما طلبه فأغرى به علي أغا
المذكور فطلب الشيخ احمد المذكور ونكل به وشهره وعلقه على شباك السبيل بباب الخرق
بقاووقه وهيئته واجتمع الناس للفرجة عليه يوما كاملا ثم اطلقه فاشتهر أمر المترجم
وهابه الناس واكثر من الترداد الى بيوت الامراء وعظموه وأحبوه وأكرموه لاتحاد
الجنسية وارتباط الحيثية ولما توفي مصطفى افندي شيخ رواقهم انتبذ هو لطلب المشيخة
وذهب الى مراد بك فألبسه فروة على مشيخة الرواق فتعصب اهل الرواق وأبو مشيخته
عليهم لحداثة سنه واجتعوا وذهبوا الى مراد بك فزجرهم ونهرهم وطردهم فرجعوا بقهرهم
وسكتوا واستمر شيخا عليهم يأتي الى الرواق في كل يوم ويقرأ لهم الدرس كما كان من قبله
واشتهر ذكره وعظمت لحيته وصار ذا وجاهة عظيمة وسكن دارا عظيمة جهة التبانة من وقف
رواقهم ودعا اليه الاعيان والاكابر وعمل لهم ولائم وقدم لهم التقادم والهدايا
واحتفل به مصطفى أغا الوكيل وسعى له في اشغاله وكاتب الدولة في شأنه فأرسلوا له
مرتبا بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا في كل يوم واتسع حاله واقبلت عليه الدنيا
من كل جهة ومات ابوه في سنة اربع ومائتين وألف وكان ذا مكنة وحرص فأحرز مخلفاته
ايضا وباع تركته وكان سليط اللسان في حق الناس فاتفق انه لما حضر حسن باشا الى مصر
فحضر مرة الى زيارة المشهد الحسيني وجلس مع الشيخ السادات والشيخ البكري فدخل
عليهم المترجم فجلس هنيهة ثم قام فسأل عنه حسن باشا فأخبره الشيخ السادات عن
احواله وتكلمه في حق الناس فأمر بنفيه فأنزعج عليه والده ثم ذهب الىحسن باشا وكلمه
فرق له ورحم شيبته وامر برد ابنه فرجع من ليلته ولم يزل يسعى ويتحيل حتى احضر حسن
باشا الى داره وجدد معه صداقة وصحبة حتى كان أن يأخذه صحبته ولم يزل في فوعته
وفورته حتى غار ماء حياته وانغلق عن الفتح باب قبره
عند مماته وهو مقتبل الشبيبة في هذه السنة
ومات الشيخ المحترم المبجل الشيخ احمد بن الامام العلامة
سالم النفراوي المالكي نشأ في حجر والده في رفاهية وتنعم ورياسة ولما مات والده
تعصب له الشيخ عبد الله الشبراوي وحاز له وظائف والده وتعلقاته وأجلسه للاقراء في مكان
درس أبيه وأمر جماعة ابيه بالحضور عليه وكان الشيخ علي الصعيدي من اكبر طلبة ابيه
فتطلع للجلوس في محله وكان أهلا لذلك فعارضه الشيخ الشبراوي وأقصاه وصدر ولده لذلك
مع قلة بضاعته ولتغة في لسانه فحقد ذلك في نفسه الشيخ الصعيدي سنينا وكان المترجم
ذا دهاء ومكر وتصدي للقضايا والدعاوي واتخذ له أعوانا واشتهر ذكره وعد من الكبار
وترددت اليه الامراء والاعيان وصار ذا صولة وهيبة ولما ظهر شأن علي بك كان يرعى له
حقه وحالته التي وجده عليها ويقبل شفاعته ويكرمه حتى انه كان يأتي اليه بداره التي
بالجيزة فلما مات علي بك وانتقلت الرياسة الى محمد بك وكان له عناية بالشيخ
الصعيدي ويسمع لقوله وكان السيد محمد بدوي بن فتيح القباني مباشر المشهد الحسيني يعلم
كراهة الشيخ الصعيدي الباطنية للمترجم فيرصد الوقت الذي يحضر في الشيخ الصعيدي عند
الامير ويفتح مذاكرته والتكلم في حقه فيساعده الشيخ ويظهر المكمون في نفسه من
المترجم ويذكرون مساويه وقبائحه وما بيده من الوظائف بغير حق وما تحت نظارته من
الاوقاف المتخربة حتى اوغروا صدر الامير عليه فنزع منه وظائفه وفرقها على من
اشاروا عليه بتقليده اياها وأهانه فعند ذلك تسلطت عليه الالسن وكثرت فيه الشكاوي
وتجاسر عليه الانذال وتطاول عليه الارذال وهدموابيته الذي بالجيزة لانه كان تعدى
في بنائه وأخذ قطعة من الطريق التي يسلك منها الناس فعند ذلك خمل ذكره وبرد امره
واستمر على ذلك حتى توفي في هذه السنة غفر الله له وسامحه بمنه وكرمه
سنة ثمان ومائتين وألف فيها أوفى النيل أذرعه في سادس
عشر المحرم الموافق لثامن عشر مسرى القبطي وأول برج السنبلة وفيها انحلت الاسعار
وبورك في رمي الغلال حتى ان الفدان الواحد زكا بقدر خمسة أفدنة وبلغ النيل الى
الزيادة المتوسطة وثبت الى أول بابه وشمل الماء غالب الارض بسبب التفات الناس لسد المجارى
وحفر الترع واصلاح الجسور
وفي اوائل شهر صفر وصل قابجي من الديار الرومية بطلب مال
المصالحة والحلوان فانزلوه في دار وهادوه ورتبوا له مصروفا
ومن الحوادث ان الناس انتظروا جاويش الحاج وتشوفوا
لحضوره ولم يذهب اليهم في هذه السنة ملاقاة بالوش ولا بالازلم وأرسل ابراهيم بك
هجانا يستخبر عن الحجاج فذهب ورجع ليلة الثالث والعشرين من شهر صفر وأخبر ان العرب
تجمعوا على الحج من سائر النواحي عند مغاير شعيب ونهبوا الحجاج وكسروا المحمل واحرقوه
وقتلوا غالب الحجاج والمغاربة معهم وأخذوا أحمالهم ودوابهم ونهبوا أثقالهم وانجرح
أمير الحج وأصابه ثلاث رصاصات وغاب خبره ثلاثة ايام ثم أحضره العرب وهو عريان في
أسوأ حال وأخذوا النساء بأجمالهن والذي تبقى منهم أدخلوه الى قلعة العقبة وتركهم
الهجان بها من غير ماء ولا زاد فنزر بالناس من الغم والحزن تلك الليلة مالا مزيد
عليه ثم أنهم عينوا محمد بك الالفي وعثمان بك الاشقر ليسافرا بسبب ذلك فخرجا في
يوم الخميس سابع عشرين صفر وخطف اتباعهم في ذلك اليوم ما صادفوه من الجمال والبغال
والحمير وقرب السقائين التي تنقل الماء من الخليج ونهبوا الخبر من الطوابين
والمخابر والكعك والعيش من الباعة وفي يوم خروجهم
وصل جماعة من الحجاج ودخلوا في أسوأ حال من العري والجوع
والتعب فلما وصلوا الى نخل تلاقوا مع باقي الحجاج عل مثل ذلك ووجدوا أمير الحاج
ذهب الى غزة وصحبته جماعة من الحجاج وأرسل يطلب الامان ولم يزوروا المدينة في هذه
السنة وأرسل من صرة المدينة اثنين وثلاثين ألف ريال مع عرب حرب ضاع في هذه الحادثة
من الاموال والمحزوم شيء كثير جدا واخبروا ان مواسم هذا العام كان من أعظم المواسم
لم يتفق مثله من مدة مديدة
وفي يوم الاثنين غرة ربيع الاول دخل باقي الحجاج على مثل
حالة من وصل منهم قبل ذلك
وفي صبحها يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة واجتمع
الامراء والوجاقلية والمشايخ وقرىء المرسوم الذي حضر بصحبة الاغا فكان مضمونه طلب
الحلوان والخزينة وقدر ذلك تسعة الاف واربعمائة كيس وعشرة الاف وخمسة واربعون نصفا
فضة تسلم ليد الاغا المعين من غير تأخير
وفيه عملوا على زوجات أمير الحاج ثلاثين الف ريال
وأرسلوا الى بيت حسن كاشف المعمار فأخذوا ما فيه من الغلال وغيرها لانه قتل في
معركة العرب مع الحجاج وألبسوا زوجته الخاتم قهرا عنها ليزوجوها لمملوك من مماليك
مراد بك وهي بنت علي اغا المعمار ووجدت على زوجها وجدا عظيما وارسلت جماعة لاحضار رمته
من قبره الذي دفن فيه في صندوق على هيئة تابوت
وفيه شرع الامراء في عمل تفريدة على البلاد بسبب الاموال
المطلوبة وقرروها عال وهو اربعمائة ريال ووسط ثلثمائة والدون مائة وخمسون وكتبوا
اوراقها على الملتزمين ليحصلوها منهم
وفي يوم الخميس سافر حسن كتخدا ايوب بك بامان لعثمان بك
ليحضره من غزة ووصل المتسفرون بجثة حسن كاشف المعمار
وفي عشرين جمادى الاولى وصل عثمان بك طبل الاسماعيلي
امير الحاج الى مصر مكسوف البال ودخل الى بيته
وفيه حضر الصدر الاعظم يوسف باشا الى الاسكندرية ليتوجه
الى الحجاز فاعتنى الامراء بشأنه وارسلوا له ملاقاة وتقادم وهدايا وفرشوا له قصر
العيني ووصل الى مصر وطلع من المراكب الى قصر العيني واسلوا له تقادم وضيافات ثم
حضروا للسلام عليه في زحمة وكبكبة فخلع على ابراهيم بك ومراد بك خلعا ثمينة وقدم لهما
حصانين بسرجين مرختين ثم نزل له الباشا المنولي بعد يومين وسلم عليه ورجع الى
القلعة واقاموا لخفارته عبد الرحمن بك الابراهيمي جلس بالقصر المواجه لقصر العيني
وقد تخيلوا من حضوره وظنوا ظنونا
وفي يوم الاحد ثالث جمادى الثانية طلع يوسف باشا الى
القلعة باستدعاء من الباشا المتولي فجلس عنده الى بعد الظهر ونزل في موكب حافل الى
محله بقصر العيني وارسل له ابراهيم بك ومراد بك مع كتخدائهم هدية وهي خمسمائة أردب
قمح ومائة اردب ارز وتعبيات اقمشة هندية وغير ذلك واقام بالقصر اياما وقضوا أشغاله
وهيؤا له اللوازم والمراكب بالسويس وركب في اواسط جمادى الثانية وذهب الى السويس ليسافر
الى جدة من القلزم وانقضت هذه السنة وحوادثها واستهلت الاخرى *
من مات فيها من الاعيان ومن سارت بذكرهم الركبان مات
نادرة الدهر وغرة وجه العصر انسان عين الاقاليم فريد عقد المجد النظيم جامع
الفضائل والمحاسن ومظهر اسم الظاهر والباطن من لبس رداء النجابة في صباه ولاح
عنوان المكارم على صحائف علاه ولم تقصر عليه أثواب مجده التي ورثها عن ابيه وجده
الحسيب النسيب والنجيب الاريب السيد محمد افندي البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية
ونقيب السادة الاشراف بمصر المحمية تقلد بعد والده المنصبين وورث عنه
السيادتين فسار فيهم سيرة الملوك ونثر فرائد المكارم من
أسلاك السلوك فجوده حدث عن البحر ولا حرج وبراعة منطقه تلتج سلب الالباب والمهج مع
حسن منظر تتزاحم عليه وفود الابصار وفيض نوال تضطرب لغيرتها منه البحار وقد اجتمع
فيه من الكمال ما تضرب به الامثال واخبار غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان
زمانه كأنه عروس الفلك فكم قال له الدهر اما الكمال فلك ولم يزل كذلك الى ان آذنت
شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وقطفت زهرة شبابه وقد سقتها دموع
احبابه وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الثاني وخرجوا بجنازته من بيتهم
بالازبكية وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند اجداده بجوار الامام الشافعي
رضي الله عنه وبالجملة فهو كان مسك الختام قلما تسمح بمثله الايام ولما مات تولى
سجادة الخلافة البكرية ابن خاله سيدي الشيخ خليل افندي وتقلد النقابة السيد عمر
افندي الاسيوطي
ومات علامة العلوم والمعارف وروضة الاداب الوريقة وظلها
الوارف جامع المزايا والمناقب شهاب الفضل الثاقب الامام العلامة الشيخ احمد ابن
موسى بن داود ابو الصلاح العروسي الشافعي الازهري ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف
وقدم الازهر فسمع على الشيخ احمد الملوي الصحيح بالمشهد الحسيني وعلى الشيخ عبد
الله الشبراوي الصحيح والبضاوي والجلالين وعلى السيد البليدي البيضاوي في الأشرفية
وعلى الشمس الحفني الصيح مع شرحه للقسطلاني ومختصر بن ابي جمرة والشمائل وابن حجر
على الاربعين والجامع الصغير وتفقه على كل من الشبراوي والعزيزي والحفني والشيخ
علي قايتباي الاطفيجي والشيخ حسن المدابغي والشيخ سابق والشيخ عيسى البراوي والشيخ
عطية الاجهوري وتلقى بقية الفنون عن الشيخ علي الصعيدي لازمه السنين العديدة وكان
معيدا لدروسه وسمع عليه الصحيح بجامع مرزة ببولاق
وسمع من الشيخ ابن الطيب الشمائل لما ورد مصر متوجها الى
الروم وحضر دروس الشيخ يوسف الحفني والشيخ ابراهيم الحلبي وابراهيم بن محمد الدلجي
ولازم الشيخ الوالد وأخذ عنه وقرأ عليه في الرياضيات والجبر والمقابلة وكتاب
الرقائق للسبط وقوللي زاده على المجيب وكفاية القنوع والهدايةوقاضي زادة وغير ذلك
وتلقن الذكر والطريقة عن السيد مصطفى البكري ولازمه كثير واجتمع بعد ذلك على ولي
عصره الشيخ احمد العربان فأحبه ولازمه واعتنى به الشيخ وزوجه احدى بناته وبشره
بانه سيسود ويكون شيخ الجامع الازهر فظهر ذلك بعد وفاته بمدة لما توفي شيخنا الشيخ
احمد الدمنهوري واختلفوا في تعيين الشيخ فوقعت الاشارة عليه واجتمعوا بمقام الامام
الشافعي رضي الله عنه كما تقدم واختاروه لهذه الخطة العظيمة فكان كذلك واستمر شيخ
الجامع على الاطلاق ورئيسهم بالاتفاق يدرس ويعيد ويملي ويفيد ولم يزل يراعي للحقير
حق الصحبة القديمة والمحبة الاكيدة وسمعت من فوائده كثيرا ولازمت دروسه في المغني
لابن هشام بتمامه وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي والمطول وعصام على السمرقندية
وشرح رسالة الوضع وشرح الورقات وغير ذلك وكان رقيق الطباع مليح الاوضاع لطيفا
مهذبا اذا تحدث نفت الدر واذا لقيته لقيت من لطفه ما ينعش ويسر ولم تزل كؤوس فضله
على الطلبة مجلوة حتى ورد موارد الموت ودعاه الله تعالى بجوار الجنان وتلقاه جدثه
بروح رحمة ورضوان وذلك في حادي عشرين شعبان وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بمدفن
صهره الشيخ العريان تغمده الله بالرحمة والرضوان ومن تآليفه شرح على نظم التنوير
في اسقاط التدبير الشيخ الملوي وهو نظم وحاشية على الملوي على السمرقندية وغير ذلك
وخلف أولاده الاربعة كلهم فضلاء أذكياء نبلاء أحدهم الذي تعين بالتدريس في محله
بالازهر العلامة اللوذعي والفهامة الالمعي شمس الدين السيد محمد واخوه النبيه
الفاضل المتقن شهاب الدين السيد أحمد وأخوه الذكي
اللبيب والفهيم النجيب السيد عبد الرحمن والنبيه الصالح
والمفرد الناجح السيد مصطفى بارك الله فيهم
ومات الخواجة المعظم والملاذ المفخم حائز رتب الكمال
وجامع مزايا الافضال سيدي الجامع محمود بن محرم اصل والده من الفيوم واستوطن مصر
وتعاطى التجارة وسافر الى الحجاز مرارا واتسعت دنياه وولد له المترجم فتربى في
العز والرفاهية ولما ترعرع وبلغ رشده وخالط الناس وشارك وباع واشترى وأخذ واعطى ظهرت
فيه نجابة وسعادة حتى كان اذا مسك التراب صار ذهبا فانجمع والده وسلم له قياد
الامور فاشتهر ذكره ونسا امره وشاع خبره بالديار المصرية والحجازية والشامية
والرومية وعرف بالصدق والامانة والنصح فاذعنت له الشركاء والوكلاء ووثقوا بقوله
ورأيه واحبه الامراء المصرية وتداخل فيهم بعقل وحشمة وحسن سير وفطانة ومدارات
وتؤدة وسياسة ولطف وادب وحسن تخلص في الامور الجسيمة وعمر داره ووسعها واتحفها
وخرفها وأنشأ بها قاعة عظيمة وامامها فسحة مليحة الشكل وحول القاعة بستان بديع
المثال وهي مطلة عليه من الجهتين وزوج ولده سيدي احمد الموجود الان وعمل له مهما
عظيما دعا اليه الاكابر والاعيان والتجار وتفاخر فيه الى الغاية وعمر مسجدا بجوار
بيته بالقرب من حبس الرحبة فجاء في غاية الاتقان والحسن والبهجة ووقف عليه بعض
جهات ورتب فيه وظائف وتدريسا وبالجملة كان انسانا حسنا وقورا محتشما جميل الطباع
مليح الاوضاع ظاهر العفاف كامل الاوصاف حج في هذه السنة من القلزم ورجع في البرمع
الحجاج في امارة عثمان بك الشرقاوي على الحج في احمال مجملة وهيئة زائدة مكملة
فصادفتهم شوبة فقضى عليه فيها ودفن بالخيوف ولم يخلف في بابه مثله رحمه الله
ومات الامير حسن كاشف المعمار واصله مملوك محمود بك واعطاه
لعلي اغا المعمار اخذه صغيرا ورباه ودربه في الامور وزوجه ابنته وعمل لزواجهما
مهما وولائم ولما مات سيده قام مقامه وفتح بيته ووضع يده
على تعلقاته وبلاده ونما امره وانتظم في سلك الامراء المحمدية لكونه في الاصل
مملوك محمد بك وخشداشهم وكان رئيسا عاقلا ساكن الجاش جميل الصورة واسع العينين
أحورهما ولما حج في هذه السنة وخرجت عليهم العرب ركب وقاتلهم حتى مات شهيدا ودفن
بمغاير شعيب ونهب متاعه واحماله وحزنت عليه زوجته الست حفيظة ابنة علي أغا حزنا
شديدا وارسلت مع العرب ونقلته الى مصر ودفنته عند ابيها بالقرافة وزوجته المذكورة
هي الان زوجة لسليمان بك المرادي
ومات الامير شاهين بك الحسني وقد تقدم انه كان حضر الى
مصر رهينة وسكن ببيت بالقرب من الموسكي وهو مملوك حسن بك الجداوي امره ايام حسن باشا
وسكن ببيت مصطفى بك الكبير الذي على بركة الفيل المعروف سابقا بشكر فره وصار من
جملة الامراء المعدودين ولما مات اسمعيل بك وحصل ما تقدم من قدوم المحمديين
وخروجهم فحضر المترجم صحبة عثمان بك الشرقاوي رهينة عن سيده واقام بمصر وكان سبب
موته ان انسانا كلمه عن اصول الصبغة التي تنبت بالغيطان ولها ثمر يشبه عنب الديب
في عناقيد يصبغ منه القراشون مياه القناديل في المواسم والافراح وان من اكل من
اصولها شيئا أسهله اسهالا مفرطا ولم يذكر له المسكن لذلك ولعله كان يجهله فأرسل من
اتى له بشي منها من البستان واكل منه فحصل هل اسهال مفرط حتى غاب عن حسه ومات
وتسكين فعلها اذا بلغت غايتها ان يمتص شيئا من الليمون المالح فانها تسكن في الحال
ويفيق الشخص كان لم يكن به شيء
ومات الامير احمد بك الوالي بقبلي وهو ايضا مملوك حسن بك
الجداوي وقد تقدم ذكره ووقائعه مع اهل الحسينية وغيرهم في ايام زعامته
سنة تسع ومائتي والف لم يقع بها شيء من الحوادث الخارجية
سوى جور الامراء وتتابع مظالمهم واتخد مراد بك الجيزة سكنا وزاد في عمارته واستولى
على غالب بلاد الجيزة بعضها بالثمن القليل وبعضها غصبا وبعضها معاوضه واتخذ صالح اغا
ايضا له دار بجانبه وعمرها وسكنها بحريمه ليكون قريبا من مراد بك
وفي سابع عشرين المحرم الموافق لعشرين شهر مسرى القبطي
أوفىالنيل أذرعه وكسر السد في صبحها بحضرة الباشا والامراء وجرى الماء في الخليج
وفي شهر صفر ورد الخبر بوصول صالح باشا والى مصر الى
اسكندرية واخذ محمد باشا في اهبة السفر ونزل وسافر الى جهة اسكندرية
وفي عشرين شهر ربيع الاول وصل صالح باشا الى مصر وطلع
القلعة
وفي اواخره ورد الخبر بوصول تقليد الصدارة الى محمد باشا
عزت المنفصل عن مصر وورد عليه التقليد وهو باسكندرية وكان صالح أغا الوكيل ذهب
صحبته ليشيعه الى اسكندرية فأنعم اليه بفرمان مرتب على الضربخانة باسم حريمه ألف نصف
فضة في كل يوم
وفي ليلة السبت خامس عشر ربيع الثاني أمطرت السماء مطرا
غزيرا قبل الفجر وكان ذلك آخر بابه القبطي
وفي شهر الحجة وقع به من الحوادث ان الشيخ الشرقاوي له
حصفة في قرية بشرقية بلبيس حضر اليه اهلها وشكوا من محمد بك الالفي وذكروا ان
اتباعه حضروا اليهم وظلموهم وطلبوا منهم مالا قدرة لهم عليه واستغاثوا بالشيخ فاغتاظ
وحضر الى الازهر وجمع المشايخ وقفلوا ابواب الجامع وذلك بعد ما خاطب مراد بك
وابراهيم بك فلم يبديا شيئا ففعل ذلك في ثاني يوم وقفلوا الجامع وامروا الناس بغلق
الاسواق والحوانيت ثم ركبوا في ثاني يوم واجتمع عليهم خلق كثير من العامة وتبعوهم
وذهبوا الى بيت الشيخ السادات وازحم الناس على بيت الشيخ من جهة الباب والبركة
بحيث يراهم ابراهيم بك وقد بلغه اجتماعهم فبعث من قبله
ايوب بك الدفتردار فحضر اليهم وسلم عليهم ووقف بين يديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا
له نريد العدل ورفع الظلم والجور واقامة الشرع وابطال الحوادث والمكوسات التي
ابتدعتموها واحدثتموها فقال لا يمكن الاجابة الى هذا كله فاننا ان فعلنا ذلك ضاقت
علينا المعايش والنفقات فقيل له هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس وما الباعث
على الاكثار من النفقات وشراء المماليك والامير يكون اميرا بالاعطاء لا بالأخذ
فقال حتى ابلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب وانفض المجلس وركب المشايخ الى الجامع
الازهر واجتمع اهل الاطراف من العامة والرعية وباتوا بالمسجد وارسل ابراهيم بك الى
المشايخ بعضدهم ويقول لهم انا معكم وهذه الامور على غير خاطري ومرادي وارسل الى
مراد بك يخيفه عاقبة ذلك فبعث مراد بك يقول اجيبكم الى جميع ما ذكرتموه الا شيئين
ديوان بولاق وطلبكم المنكسر من الجامكية ونبطل ما عدا ذلك من الحوادث والظلم وندفع
لكم جامكية سنة تاريخه اثلاثا ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا اليه
بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح على ما ذكر ورجعوا من عنده وباتوا على
ذلك تلك الليلة وفي اليوم الثالث حضر الباشا الى منزل ابراهيم بك واجتمع الامراء
هناك وارسلوا الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والسيد النقيب والشيخ الشرقاوي
والشيخ البكري والشيخ الامير وكان المرسل اليهم رضوان كتخدا ابراهيم بك فذهبوا معه
ومنعوا العامة من السعي خلفهم ودار الكلام بينهم وطال الحديث وانحط الامر علىانهم تابوا
ورجعوا والتزموا بما شرطه العلماء عليهم وانعقد الصلح على ان يدفعوا سبعمائة
وخمسين كيسا موزعة وعلى ان يرسلوا غلال الحرمين ويصرفوا غلال الشون واموال الرزق
ويبطلوا رفع المظالم المحدثة والكشوفيات والتفاريد والمكوس ما عدا ديوان بولاق وان
يكفوا اتباعهم عن امتداد أيديهم الى اموال الناس ويرسلوا صرة الحرمين
والموائد المقررة من قديم الزمان ويسيروا في الناس سيرة
حسنة وكان القاضي حاضر بالمجلس فكتب حجة عليهم بذلك وفر من عليها الباشا وختم
عليها ابراهيم بك وأرسلها الى مراد بك فختم عليها ايضا وانجلت الفتنة ورجع المشايخ
وحول كل واحد منهم وامامه وخلفه جملةعظيمة من العامة وهم ينادون حسب ما رسم ساداتنا
العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية وفرح
الناس وظنوا صحته وفتحت الاسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان مما
ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك
ومات الامام العلامة والرحلة الفهامة بقية المحققين
وعمدة المدققين الشيخ المعمر شهاب الدين احمد بن محمد بن عبد الوهاب السمنودي المحلي
الشافعي من بيت العلم والصلاح والرشد والفلاح واصلهم من سمنود ولد هو بالمحلة وقدم
الجامع الازهر وحضر على الشمس السجيني والعزيزي والملوي والشبراوي وتكمل في الفنون
الغريبة وتلقى عن السيد علىالضرير والشيخ محمد الغلاني الكشناوي مشاركا للشيخ
الوالد والشيخ ابراهيم الحلبي وعاد الى المحلة فدرس في الجامع الكبير مدة ثم اتى
الى مصر بأهله وعياله ومكث بها وأقرأ بالجامع الأزهر درسا وتردد الى الاكابر
والامراء واجلوه وقرأ في المحمدية بعد موت الشنويهي في المنهج وانضوى الى الشيخ
ابي الانوار السادات ويأتي اليه في كل يوم وكان انسانا حسنا بهي الشكل لطيف الطباع
عليه رونق وجلال جميل المحادثة حسن الهيئة توفي بعد ان تعلل دون شهر عن مائة وست
عشرة سنة كامل الحواس اذا قام نهض نهوض الشباب ودفن ببستان المجاورين وكان يتكتم
سني عمره رحمه الله
ومات الامام العلامة واللوذعي الفهامة رئيس المحققين
وعمدة المدققين النحوي المنطقي الجدلي الاصولي الشيخ احمد بن يونس الخليفي الشافعي
الازهري من قرابة الشهاب الخليفي ولد سنة 1131 كما سمعته
من لفظه وقرأ القرآن وحفظ المتون وحضر كل من الشبراوي والحفني واخيه الشيخ يوسف
والسيد البليدي والشيخ محمد الدقري والدمنهوري وسالم النفراوي والطحلاوي والصعيدي
وسمع الحديث على الشهابين الملوي والجوهري ودرس وأفاد بالجامع الازهر وتقلد وظيفة
الافتاء بالمحمدية عندما انحرف يوسف بك على الشيخ حسن الكفراوي كما تقدم فأتخذ
الشيخ احمد ابا سلامة امينا على فتاويه لجودة استحضاره في الفروع الفقهية وله
مؤلفات منها حاشية على شرح شيخ الاسلام على متن السمرقندية في آداب البحث وآخرى
على شرح الملوي في الاستعارات واخرى على شرح المذكور على السلم في المنطق واخرى
على شرح شيخ الاسلام على آداب البحث واخرى على شرح الشمسية في المنطق واخرى على
متن الياسمينية في الجير والمقابلة وشرح على اسماء التراجم ورسالة متعلقة بالابحاث
الخمسة التي اوردها الشيخ الدمنهوري ولازم الشيخ الوالد مدة وتلقى عنه بعض العلوم
الغريبة وكملها بعد وفاته على تلميذه محمود افندي النيشي وكان جيد التقرير غاية في
التحرير ويميل بطبعه الى ذوي الوسامة والصور الحسان من الجدعان والشبان فإذا رجع
من درسه خلع زي العلماء ولبس زي العامة وجلس بالاسواق وخالط الرفاق ويمشي كثيرا
بين المغرب والعشاء بالخفيفة نواحي داره جهة السيارج وغيرها ويرى في بعض الاحيان
على تلك الصورة في الاوقات المذكورة في نواح بعيدة عن داره وسافر مرة الى جهة قبلي
في سفارة بين الامراء ايام عابدي باشا ولم يزل على ذلك الى ان توفي في اوائل رجب
من هذه السنة سامحه الله
ومات العمدة الجليل والنبيه النبيل العلامة الفقيه
المفوه الشريف الضرير السيد عبد الرحمن بن بكار الصفا قسى نزيل مصر قرأ في بلاده
على علماء عصره ودخل كرسي مملكة الروم فاكرم وانسلخ عن هيئة المغاربة ولبس
ملابس المشارقة مثل التاج والفراجة وغيرها واثرى وقدم
الى مصر وألقى دروسا بالمشهد الحسيني وتأهل وولد له ولد به فضيلة ونجابة واتحد
بشيخ السادات الوقائية السيد أبي الانوار فراج حاله وزادت شوكته علىأبناء جنسه
وتردد الى الامراء وأشير اليه ودرس كتاب الغرر في مذهب الحنفية وتولى مشيخة رواق
المغاربة بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن البناني وسار فيها أحسن سيرة مع شهامة وصرامة
وفصاحة لفظ في الالقاء وكان جيد البحث مليح المفاكهة والمحادثة واستحضار اللطائف
والمناسبات ليس فيه عربدة ولا فظاظة ويميل بطبعه الى الحظ والخلاعة وسماع الالحان
والآلآت المطربة توفي رحمه الله في هذه السنة وتولى بعده على مشيخة رواقهم الشيخ
سالم بن مسعود
ومات الفقيه العلامة الصالح الصوفي الشيخ احمد بن احمد
السماليجي الشافعي الاحمدي المدرس بالمقام الاحمدي بطندتاء ولد ببلده سماليج
بالمنوفية وحفظ القرآن وحضر الى مصر وحضر على الشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى
البراوي والشيخ محمد الخشني والشيخ احمد الدردير ورجع الى طندتاء فاتخذها سكنا وأقام
بها يقرى دروسا ويفيد الطلبة ويفتي على مذهبه ويقضي بين المتنازعين من اهالي
البلاد فراج امره واشتهر ذكره بتلك النواحي ووثقوا بفتياه وقوله واتوه افواجا
بمكانه المسمى بالصف فوق باب المسجد المواجه لبيت الخليفة وتزوج بأمرأة جميلة
الصورةمن بلد الفرعونية وولد منها ولد سماه احمد كأنما أفرغ في قالب الجمال واودع
بعينيه السحر الحلال فلما ترعرع حفظ القرآن والمتون وحضر على ابيه في الفقه
والفنون وكان نجيبا جيد الحافظة يحفظ كل شيء سمعه من مرة واحدة ونظم الشعر من غير
قراءة شيء في علم العروض اول ما رأيته في سنة 1189 في ايام زيارة سيدي احمد البدوي
فحضر الي وسلم علي وآنسني بحسن الفاظه وجذبني بسحر الحاظة ولما بلغ زوجه والده
بزوجتين في سنة واحدة ولم يزل يجتهد ويشتغل حتى مهر
وانجب ودرس لجماعة من الطلبة وحضر الى مصر مع والده
مرارا وتردد علينا واجتمع بنا كثيرا في مواسم الموالد المعتادة الى ان اخترمته في
شبابه المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك في سنة ثلاث ومائتين وخلف ولدا صغيرا
استأنس به جده المترجم وصبر على فقد ابنه وترحم وتوفي هو ايضا في هذه السنة رحمهما
الله تعالى
ومات الاجل المعظم والملاذ المفخم الامير حسين بن السيد
محمد الشهير بدرب الشمس القادري وابوه محمد افندي كاتب صغير بوجاق التفكجيان وهو
ابن حسين افندي باش اختيار تفكجيان تابع المرحوم حسن جوربجي تابع المرحوم رضوان بك
الكبير الشهير صاحب العمارة ولما مات والد المتجرم اجتمع الاختيارية وقلدوا ابنه المذكور
منصب والده في بابه وكان اذ ذاك مقتبل الشبيبة وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة والف
ونوه بشأنه وفتح بيت أبيه وعد في الاعيان واشتهر ذكره وكان نجيبا نبيها ولم يزل
حتى صار من ارباب الحل والعقد واصحاب المشورة ولما استقل علي بك بأمارة مصر اخرجه
هو واخوته من مصر ونفاهم الى بلاد الحجاز فأقاموا بها سبع سنوات الى ان استقل محمد
بك بالامارة فأحضرهم واكرمهم ورد اليهم بلادهم فاستمروا بمصر لا كالحالة الاولى مع
الوجاهة والحرمة الوافرة وكان انسانا حسنا فطنا يعرف مواقع الكلام ويكره الظلم وهو
الى الخير أقرب واقتنى كتبا كثيرة نفيسة في الفنون وخصوصا في الطب والعلوم الغريبة
ويسمح باعارتها لمن يكون أهلا لها ولما حضرته الوفاة أوصى ان لا يخرجوا جنازته على
الصورة المعتادة بمصر بل يحضرها مائة شخص من القادرية يمشون امامه في المشهد وهم
يقرأون الصمدية سر الاغير وأوصى لهم بقدر معلوم من الدراهم فكان كذلك
ومات الامير محمد أغا بن محمد كتخدا أباظة وقد تقدم انه
كان تولى الحسبة في ايام حسن باشا وسار فيها سيرا بشهامة واخاف السوقة وعاقبهم
وزجرهم واتفق انه وزن جانبا من اللحم وجده مع من اشتراه
ناقصا واخبره عن جزاره فذهب اليه وكملها بقطعة من جسد
الجزار ثم انفصل عن ذلك وعمل كتخدا عند رضوان بيك الى ان مات رضوان بك ولم يزل
معدودا في عداد الامراء الاكابر الى ان توفي في هذه السنة
ومات العمدة الصالح الورع الصوفي الضرير الشيخ محمد
السقاط الخلوتي المغربي الاصل خليفة شيخنا الشيخ محمود الكردي حضر الى مصر وجاور
بالازهر وحضر على الاشياخ في فقه مذهبه وفي المعقول واخذ الطريق على شيخنا الشيخ
محمود المذكور ولقنه الاسماء على طريق الخلوتية والاوراد والاذكار وانسلخ من زي
المغاربة وألبسه الشيخ التاج وسلك سلوكا تاما ولازم الشيخ ملازمة كلية بحيث انه لا
يفارق منزله في غالب أوقاته ولاحت عليه الانوار وتحلى بحلل الابرار وأذن له الشيخ
بالتلقين والتسليك ولما انتقل شيخه الى رحمة الله تعالى صار هو خليفته بالاجماع من
غير نزاع وجلس في بيته وانقطع للعبادة واجتمع على الجماعة في ورد العصر والعشاء
ولقن الذكر للمريدين وسلك الطريق للطالبين وانجذبت القلوب اليه واشتهر ذكره واقبلت
عليه الناس ولم يزل علي حسن حاله حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول وصلي عليه
بالازهر في مشهد حافل
ومات الذمي المعلم ابراهيم الجوهري رئيس الكتبة الاقباط
بمصر وأدرك في هذه الدولة بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة مع طول
المدة بمصر ما لم يسبق لمثله من ابناء جنسه فيما نعلم وأول ظهوره من ايام المعلم
رزق كاتب علي بك الكبير ولما مات علي بك والمعلم رزق ظهر أمر المترجم ونما ذكره في
ايام محمد بك فلما انقضت ايام محمد بك وترأس ابراهيم بك قلده جميع الامور فكان هو
المشار اليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميري وجميع الايراد
والمنصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده واشارته وكان من دهاقين العالم ودهاتهم
لا يعزب عن دهنه شيء من دقائق الامور ويداري كل انسان بما يليق
به من المداراة ويحابي ويهادي ويواسي ويفعل ما يوجب
انجذاب القلوب والمحبةويهادي ويبعث الهدايا العظيمة والشموع الى بيوت الامراء وعند
دخول رمضان يرسل الى غالب ارباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا والارز والسكر
والكساوى وعمرت في ايامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الاوقاف الجلية
والاطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والارزاق الدارة والغلال وحزن ابراهيم بك
لموته وخرج في ذلك اليوم الى قصر العيني حتى شاهد جنازته وهم ذاهبون به الى
المقبرة وتأسف على فقده تأسفا زائد وكان ذلك في شهر القعدة من السنة
سنة عشرة ومائتين وألف لم يقع بها شيء من الحوادت التي
يعتني بتقييدها سوى مثل ما تقدم من جور الامراء والمظالم
وفيها في غرة شهر الحجة عزل صالح باشا ونزل الى قصر
العيني ليسافر فأقام هناك اياما وسافر الى اسكندرية
ومات بها الامام العلامة المفيد الفهامة عمدة المحققين
والمدققين الصالح الورع المهذب الشيخ عبد الرحمن النحراوي الاجهوري الشهير بمقرىء
الشيخ عطية خدم العلم وحضر فضلاء الوقت ودرس وتمهر في المعقول والمنقول ولازم الشيخ
عطية الاجهوري ملازمة كلية وأعاد الدروس بين ديه واشتهر بالمقرىء وبالاجهوري لشدة
نسبته الى الشيخ المذكور ودرس بالجامع الازهر وأفاد الطلبة وأخذ طريق الخلوتية عن
الشيخ الحفني ولقنه الاذكار وألبسه الخرقة والتاج وأجازه بالتلقين والتسليك وكان
يجيد حفظ القرآن بالقراءات ويلازم المبيت في ضريح الامام الشافعي في كل ليلة سبت
يقرأ مع الحفظة بطول الليل وكان انسانا حسنا متواضعا لا يرى لنفسه مقاما يحمل طبق
الخبز على رأسه ويذهب به الى الفران ويعود به الى عياله فان اتفق ان احد رآه ممن
يعرفه حمله عنه والا ذهب به
ووقف بين يدي الفران حتى يأتيه الدور ويخبزه له وكان كريم
النفس جدا يجود وما لديه قليل ولم يزل مقبلا على شأنه وطريقته حتى نزلت به الباردة
وبطل شقه واستمر على ذلك نحو السنة وتوفي الى رحمة الله تعالى غفر الله له
ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة الفقيه الفاضل ومن
ليس له في الفضل مناضل الشيخ حسن بن سالم الهواري المالكي احد طلبة شيخنا الشيخ
الصعيدي لازمه في دروسه العامة وحصل بجده ما به ناموس جاهه أقامه وبعد وفاة شيخه
ولى مشيخة رواق الصعايدة وساس فيهم أحسن سياسة بشهامة زائدة مع ملازمته للدروس
وتكلمه في طائفته مع الرئيس والمرؤوس وكان فيه صلابة زائدة وقوة جنان وشدة تجارى
واشترى خرابة بسوق القشاشين بالقرب من الازهر وعمرها دارا لسكنه وتعدى حدوده وحاف
على أماكن جيرانه وهدم مكتب المدرسة السنانية وكان مكتباص عظيما ذا واجتهين
وعامودين وأربع بوائك وزاوية جداره من الحجر النحيت عجيبة الصنعة في البروز
والاتقان فهدمه وأدخله في بنائه من غير تحاش او خشية لوم مخلوق أو خوف خالق واوقف
اعوانه من الصعايدة المنتسبين للمجاورة وطلب العلم يسخرون من يمر بهم من حمير الترابين
وجمال الأعيان المارين عليهم فيستعملونها في نقل تراب الشيخ لاجل التبرك اما قهرا
او محاباة ويأذ من مياسير الناس والسوقة دراهم على سبيل القرض الذي لا يرد وكذلك
المؤن حتى تممها على هذه الصورة وسكن فيها واحدق به الجلاوزة من الطلبة يغدون
ويروحون في الخصومات والدعاوى ويأخذون الجعالات والرشوات من المحق والمبطل ومن
خالف عليهم ضربوه واهانوه ولو عظيما من غير ميالاة ولا حياء ومن اشتد عليهم
اجتمعوا عليه من كل فج حتى بوابين الوكائل وسكان الطباق وباعة النشوق وينسب الكل
الى الازهر ومن عذلهم او لامهم كفروه ونسبوه الى الظلم والتعدي والاستهزاء بأهل
العلم والشريعة وزاد الحال
وصار كل من رؤساء الجماعة شيخا على انفراده يجلس في ناحية
ببعض الحوانيت يقضي ويأمر وينهى وفحش الامر الى ان نادى عليهم حاكم الشرطة فانكفوا
ومرض شيخهم بالتشيخ شهورا وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامام الفقيه العلامة والفاضل والفهامة عثمان بن
محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي ولد بمصر وتفقه على علماء مذهبه كالسيد محمد أبي
السعود والشيخ سليمان المنصوري والشيخ حسن المقدسي والشيخ الوالد واتقن الالات
ودرس الفقه في عدة مواضع وبالازهر وانتفع به الناس وقرأ كتاب الملتقي بجامع قوصون
وكان له حافظه جيدة واستحضار في الفروع ولا يمسك بيده كراسا عند القراءة ويلقى
التقرير عن ظهر قلب مع حسن السبك وألف متنا مفيدا في المذهب ثم حج وزار قبر النبي
صلى الله عليه و سلم وقطن بالمدينة وطلب عياله في ثاني عام وباع ما يتعلق به وتجرد
على المجاورة ولازم قراء الحديث والفقه بدار الهجرة وأحبه اهل المدينة وتزوج وولد
له أولاد ثم تزوج بآخرى ولم يزل على ذلك حتى توفي الى رحمه الله تعالى في هذه
السنة
ومات العمدة الفاضل المفوه النبيه المناضل الحافظ المجود
الاديب الماهر صاحبنا الشيخ شمس الدين بن عبد الله بن فتح الفرغلي المحمدي الشافعي
السبريائي نسبة الى سبرباى قرية بالغربية قرب طندتا وبها ولد ونسبة يرجع الى القطب
سيدي الفرغلي المحمدي من ولد سيدنا محمد بن الحنفية صاحب ابي تيج من قرى الصعيد
تفقه على علماء عصره وأنجب في المعارف والفهوم وعانى الفنون فأدرك من كل فن الحظ
الاوفر ومال الى فن الميقات والتقاويم فنال من ذلك ما يرومه وألف في ذلك وصنف زيجا
مختصار دل على سعة باعه ورسوخه في الفن ومعرفة القواعد والاصول ودقائق الحساب ونهج
مسلك الادب والتاريخ والشعر ففاق فيه الاقران ومدح الاعيان وصاحبناه وساجلناه
كثيرا عندما كان يأتينا مصر وبطندتا
في الموالد المعتادة فكان طودا راسخا وبحرا زاخرا مع دماسة
الاخلاق وطيب الاعراق ولين العريكة وحسن العشرة ولطف الشمائل والطباع وكان يلي
نيابة القضاء ببلده وبالجملة فكان عديم النظير في اقرانه لم ار من يدانيه في
أوصافه الجميلة وله مصنفات كثيرة منها الضوابط الجليلة في الاسانيد العلية آلفه
سنة 1177 وذكر فيه سنده عن الشيخ نور الدين ابي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلامة
أبي عبد الله سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط وسليقته في الشعر
عذبة رائقة كلامه بديع مقبول في سائر انواعه من المدح والرثاء والتشبيب والغزل
والحماسة والجد والهزل وله ديوان جمع فيه أمداحه صلى الله عليه و سلم سماه عقود
القرائد توفي المترجم في شهر ربيع الاول من السنة ببلده ودفن هناك رحمه الله تعال
سنة أحدى عشرة واثنتي عشرة ومائتين والف لم يقع فيهما من
الحوادث التي تتشوف لها النفوس او تشتاق اليها الخواطر فتقيد في بطون الطروس سوى
ما تقدمت اليه الاشارة من أسباب نزول النوازل وموجبات ترادف البلاء المتراسل ووقوع
الانذارات الفلكية والايات المخوفة السماوية وكلها اسباب عادية وعلامات من غير ان ينسب
لتلك الاثار تأثيرات فبالنظر في ملكوت السموات والارض يستدلون وبالنجم هم يهتدون
فمن اعظم ذلك حصول الخسوف الكلي في منتصف شهر الحجة ختام سنة اثنتي عشرة بطالع
مشرق الجوزاء المنسوب اليه اقليم مصر وحضر طائفة الفرنسيس اثر ذلك في اوائل السنة
التالية كما سيأتي خبر ذلك مفصلا ان شاء الله تعالى
من مات في هذين العامين ممن له ذكر وشهرة مات العمدة
العلامة والفقيه الفهامة الشيخ علي بن محمد الاشبولي
الشافعي كان والده أحد العدول بالمحكمة الكبرى وكان ذا
ثروة وشهرة ولما كبر ولده المترجم حفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر الدروس
وتفقه على أشياخ الوقت ولازم الشيخ عيسى البراوي وتمهر في المعقول وانجب وتصدر
ودرس وانتظم في سلك الفضلاء والنبلاء وصار له ذكر وشهرة ووجاهة ومات والده فاحرز طريفه
وتالده وكان لابيه دار بحارة كتامة المعروفة بالعينية بقرب الازهر وأخرى عظيمة
بقناطر السباع على الخليج واخرى بشاطى النيل بالجيزة فكان ينتقل في تلك الدور
ويتزوج حسان النساء مع ملازمته للاقراء والافادة وحدثته نفسه بمشيخة الازهر وكان
بيده عدة وظائف وتداريس مثل جامع الآثار والنظامية ولم يباشرها الا نادرا ويقبض
معلوماتها المرتب لها ولم يزل حتى تعلل وتوفي سنة 1111
ومات الاديب الماهر الصالح الجليس الانيس السيد ابراهيم
بن قاسم ابن محمد بن محمد بن علي الحسني الرويدي المكتب المكني بأبي الفتح ولد
بمصر كما أحبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده على الشيخ الحجازي غنام وجود
الخط على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم على الطريقة المحمدية فمهر فيه وأجازه فكتب
بخطه الحسن الفائق كثيرا من المصاحف والاحزاب والدلائل والادعية والقطع وأشير اليه
بالرياسة في الفن وكان انسانا حسنا متمشدقا يحفظ كثيرا من نوادر الاشعار وغرائب
الحكايات وعجائب المناسبات وروايتها على أحسن اسلوب وأبلغ مطلوب وسمعت كثيرا من
انشاده لم يعلق بذهني منها شيء وقد تفرد بمحاسن لم يشاركه فيها أهل عصره منها صحة الوضع
وتكمله على أصوله بغاية التحرير توفي ستة احدى عشرة رحمه الله تعالى
ومات النبيه الاريب والفاضل النجيب الناظم الناثر المفوه
اسمعيل افندي بن خليل بن علي بن محمد بن عبد الله الشهير بالظهوري المصري الحنفي
المكتب كان انسانا حسنا قانعا بحاله يتكسب بالكتابة وحسن الخط وقد كان جوده واتقنه
على أحمد افندي الشكري وكتب بخطه الحسن
كثيرا من الكتب والسبع المنجيات ودلائل الخيرات والمصاحف
وكان له حاصل يبيع به بن القهوة بوكالة البقل بقرب خان الخليلي وله معرفة جيدة
بعلم الموسيقى والالحان وضرب العود وينظم الشعر وله مدائح وقصائد موشحات توفي رحمه
الله تعالى سنة 1211
ومات الاجل الامثل والوجيه الاوحد المبجل حسين افندي
قلفة الشرقية والده الامير عبد الله من مماليك داود صاحب عيار وتربى المترجم عند
محمد افندي البرقوقي وزوجه ابنته وعانى قلم الكتابة واصطلاح كتاب الروزنامة ومهر
في ذلك فلما توفي محمد افندي كتابة الروزنامة قلده قلف الشرقية ولم تطل مدة محمد
افندي ومات بعد شهرين فاستولى المترجم على تعلقاته وراج امره واشترى بيتا جهة
الشيخ الظلام وانتقل اليه وسكن به وساس اموره واشتهر ذكره وانتظم في عداد الاعيان
واقتنى السراري والجواري والمماليك والعبيد وكان انسانا لا بأس به جميل الاخلاق
حسن العشرة مع الرفاق مهذب الطباع لين العريكة واقفا على حدود الشريعة لا يتداخل
فيما لا يعنيه مليح الصورة والسيرة توفي رحمه الله ايضا سنة 1211
ومات العمدة النبيه الفهامة بضعة السلالة الهاشمية وطراز
العصابة المطلبية الفصيح المفوه السيد حسين بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن احمد
بن احمد بن حمادة المنزلاوي الشافعي خطيب جامع المشهد الحسيني وأم ابيه السيد عبد
الرحمن السيدة فاطمة بنت السيد محمد العمري ومنها اتاه الشرف حضر على الشيخ الملوي
والحفني والجوهري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والشيخ البسيوني والشيخ خليل
المغربي وأخذ ايضا عن سيدي محمد الجوهري الصغير والشيخ عبد الله امام مسجد
العشراني والشيخ سعودي الساكن بسوق الخشب وتضلع بالعلوم والمعارف وصار له ملكة
وحافظة ولسانة واقتدار تام واستحضار غريب وينظم الشعر الجيد والنثر البليغ وانشأ
الخطب البديعة وغالب
خطبه التي كان يخطب بها بالمشهد الحسيني من انشائه على
طريقة لم يسبق اليها وانضوى الى الشيخ ابي الانوار السادات وشملته انواره ومكارمه ويصلى
به في بعض الاحيان ويخطب بزاويتهم ايام المواسم ويأتي فيهما بمدائح السادات وما
تقتضيه المناسبات توفي في منتصف شهر شعبان من السنة غفر الله لنا وله
سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وهي اول سني الملاحم العظيمة
والحوادث الجسيمة والوقائع النازلة والنوازل الهائلة وتضاعف الشرور وترادف الامور
وتوالي المحن واختلال الزمن وانعكاس المطبوع وانقلاب الموضوع وتتابع الاهوال
واختلاف احوال وفساد التدبير وحصول التدمير وعموم الخراب وتواتر الاسباب وما كان
ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون
في يوم الاحد العاشر من شهر محرم الحرام من هذه السنة
وردت مكاتبات على يد السعاة من ثغر الاسكندرية ومضمونها ان في يوم الخميس ثامنه
حضر الى الثغر عشرة مراكب من مراكب الانكليز ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر
وبعد قليل حضر خمسة عشر مركبا ايضا فانتظر أهل الثغر ما يريدون وإذا بقارب صغير
واصل من عندهم وفيه عشرة انفار فوصلوا البر واجتمعوا بكبار البلد والرئيس إذ ذاك
فيها والمشار اليه بالابرام والنقض السيد محمد كريم الآتي ذكره فكلموهم واستخبروهم
عن غرضهم فأخبروا انهم انكليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس لانهم خرجوا بعمارة
عظيمة يريدون جهة من الجهات ولا ندري أين قصدهم فربما دهموكم فلا تقدرون علىدفعهم
ولا تتمكنوا من منعهم فلم يقبل السيد محمد كريم منهم هذا ا لقول وظن انها مكيدة
وجاوبوهم بكلام خشن فقالت رسل الانكليز نحن نقف بمراكبنا في البحر محافظين على
الثغر لا نحتاج منكم الا الامداد بالماء والزاد بثمنه فلم يجيبوهم لذلك
وقالوا هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيين ولا لغيرهم
عليها سبيل فاذهبوا عنا فعندها عادت رسل الانكليز واقلعوا في البحر ليمتاروا من
غير الاسكندرية وليقضى الله امرا كان مفعولا ثم ان أهل الثغر ارسلوا الى كاشف
البحيرة ليجمع العربان وياتي معهم للمحافظة بالثغر فلما قرئت المكاتبات بمصر حصل
بها اللغط الكثير من الناس وتحدثوا بذلك فيما بينهم وكثرت المقالات والاراجيف
ثم ورد في ثالث يوم بعد ورود المكاتيب الاول مكاتبات
مضمونها ان المراكب التي وردت الثغر عادت راجعة فاطمأن الناس وسكن القيل والقال
واما الامراء فلم يهتموا بشيء من ذلك ولم يكترثوا به اعتمادا على قوتهم وزعمهم انه
اذا جاءت جميع الافرنج لا يقفون في مقابتلهم وانهم يدوسونهم بخيولهم
فلما كان يوم الاربعاء العشرون من الشهر المذكور وردت
مكاتبات من الثغر ومن رشيد ودمنهور بان في يوم الاثنين ثامن عشره وردت مراكب
وعمارات للفرنسيين كثيرة فارسوا في البحر وارسلوا جماعة يطلبون القنصل وبعض اهل
البلد فلما نزلوا اليهم عوقوهم عندهم فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب الى جهة
العجمي وطلعوا الى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر فلم يشعر اهل الثغر وقت الصباح
الا وهم كالجراد المنتشر حول البلد فعندها خرج اهل الثغر وما انظم اليهم من
العربان المجتمعة وكاشف البحيرة فلم يستطيعوا مدافعتهم ولا امكنهم ممانعتهم ولم يثبتوا
لحربهم وانهزم الكاشف ومن معه من العربان ورجع أهل الثغر الى التترس في البيوت
والحيطان ودخلت الافرنج البلد وانبث فيها الكثير من ذلك العدد كل ذلك واهل البلد
لهم بالرمي يدافعون عن انفسهم وأهليهم يقاتلون ويمانعون فلما أعياهم الحال وعلموا
انهم مأخوذون بكل حال وليس ثم عندهم للقتال استعداد لخلو الابراج من آلات الحرب
والبارود وكثرة العدو وغلبيته طلب أهل الثغر الامان فآمنوهم ورفعوا عنهم القتال
ومن حصونهم انزلوهم ونادى الفرنسيس بالامان في البلد
ورفع بنديراته عليها وطلب أعيان الثغر فحضروا بين يديه فالزمهم بجمع السلاح
واحضاره اليه وان يضعوا الجوكار في صدورهم فوق ملبوسهم والجوكار ثلاث قطع من جوخ
او حرير او غير ذلك مستديرة في قدر الريال سوداء وحمراء وبيضاء توضع بعضها فوق بعض
بحيث تكون كل دائرة اقل من التي تحتها حتى تظهر الالوان الثلاثة كالدوائر المحيط
بعضها ببعض ولما وردت هذه الاخبار مصر حصل للناس انزعاج وعول اكثرهم على الفرار والهجاج
وأما ما كان من حال الامراء بمصر فان إبراهيم بك ركب الى قصر العيني وحضر عنده
مراد بك من الجيزة لانه كان مقيما بها واجتمع باقي الامراء والعلماء والقاضي
وتكلموا في شأن هذا الامر الحادث الى اسلامبول وان مراد بك يجهز العساكر ويخرج
لملاقاتهم وحربهم وانفض المجلس على ذلك وكتبوا المكاتبة وارسلها بكر باشا مع رسوله
على طريق البرلياتية بالترياق من العراق وأخذوا في الاستعداد للثغر وقضاء اللوازم
والمهمات في مدة خمسة ايام فصاروا يصادرون الناس ويأخذون أغلب ما يحتاجون اليه
بدون ثمن ثم ارتحل مراد بك بعد صلاة الجمعة وبرز خيامه ووطاقه الى الجسر الاسود
فمكث به يومين حتى تكامل العسكر وصناجقه وعلي باشا الطرابلسي وناصف باشا فانهم كانوا
من اخصائه ومقيمين معه بالجيزة وأخذ معه عدة كثيرة من المدافع والبارود وسار من
البر مع العساكر الخيالة وأما الرجال وهم الالداشات القلينجية والاروام والمغاربة فانهم
ساروا في البحر مع الغلايين الصغار التي أنشأها الامير المذكور ولما ارتحل من
الجسر الاسود ارسل الى مصر يأمر بعمل سلسلة من الحديد في غاية الثخن والمتانة
وطولها مائة ذراع وثلاثون ذراعا لتنصب على البغاز عند برج مغيزل من البر الى البر
لتمنع مراكب الفرنسيين من العبور لبحر النيل وذلك باشارة علي باشا وان يعمل عندها
جسر من المراكب وينصب عليها متاريس ومدافع ظنا منهم
ان الافرنج لا يقدرون على محاربتهم في البر وانهم يعبرون
في المراكب ويقاتلونهم وهم في المراكب وانهم يصابرونهم ويطاولونهم في القتال حتى
تأتيهم النجدة وكان الامر بخلاف ذلك فان الفرنسيس عندما ملكوا الاسكندرية ساروا
على طريق البر الغربي من غير ممانع وفي اثناء خروج مراد بك والحركة بدت الوحشة في
الاسواق وكثر الهرج بين الناس والارجاف وانقطعت الطرق واخذت الحرامية في كل ليلة تطرق
اطراف البلد وانقطع مشي الناس من المرور في الطرق والاسواق من المغرب فنادى الاغا
والوالي بفتح الاسواق والقهاوي ليلا وتعليق القناديل على البيوت والدكاكين وذلك
لامرين الاول ذهاب الوحشة من القلوب وحصول الاستئناس والثاني الخوف من الدخيل في
البلد
وفي يوم الاثنين وردت الاخبار بان الفرنسيس وصلوا الى
دمنهور ورشيد وخرج معظم أهل تلك البلاد على وجوههم فذهبوا الى فوة نواحيها والبعض
طلب الامان وأقام ببلده وهم العقلاء وقد كانت الفرنسيس حين فلولهم بالاسكندرية
كتبوا مرسوما وطبعوه وأرسلوا منه نسخا الى البلاد التي يقدمون عليها تطمينا لهم
ووصل هذا المكتوب مع جملة من الاسارى الذين وجدوهم بمالطة وحضروا صحبتهم وحضر منهم
جملة الى بولاق وذلك قبل وصول الفرنسيس بيوم او بيومين ومعهم منه عدة نسخ منهم
مغاربة وفيهم جواسيس وهم على شكلهم من كفار مالطه ويعرفون باللغات
وصورة ذلك المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا
الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية
والتسوية السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهالي مصر
جميعهم ان من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل
والاحتقار في حق الملة الفرنساوية ويظلمون تجارها بانواع الايذاء والتعدي فحضر
الان ساعة عقوبتهم وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من
بلاد الابازة والجراكسة يفسدون
في الاقليم الحسن الاحسن الذي لا يوجد في كرة الارض كلها
فاما رب العالمين القادر على كل شيء فأنه قد حكم على انقضاء دولتهم يا أيها
المصريون قد قيل لكم انني ما نزلت بهذا الطرق الا بقصد ازالة دينكم فذلك كذب صريح
فلا تصدقوه وقولوا للمفترين انني ما قدمت اليكم الا لاخلص حقكم من يد الظالمين
وانني اكثر من المماليك اعبد الله سبحانه وتعالى واحترم نبيه والقرآن العظيم
وقولوا ايضا لهم ان جميع الناس متساوون عند الله وان الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم
هو العقل والفضائل والعلوم فقط وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب فماذا يميزهم
عن غيرهم حتى يستوجبوا ان يتملكوا مصر وحدهم ويختصوا بكل شيء أحسن فيها من الجواري
الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة فان كانت الارض المصرية التزاما للماليك
فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم ولكن رب العالمين رؤوف وعادل وحليم ولكن بعونه
تعالى من الان فصاعدا لا ييأس احد من اهالي مصر عن الدخول في المناصب الساميةوعن
اكتساب المراتب العالية فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيدبرون الامور وبذلك
يصلح حال الامة كلها وسابقا كان في الاراضي المصرية المدن العظيمة والخلجان
الواسعة والمتجر المتكاثر وما أزال ذلك كله الا الظلم والطمع من المماليك أيها
المشايخ والقضاة والائمة والجربجية واعيان البلد قولوا لامتكم ان الفرنساوية هم
ايضا مسلمون مخلصون واثبات ذلك انهم قد نزلوا في رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي
الباب الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة الاسلام ثم قصدوا جزيرة مالطة وطرودا
منها الكوا للرية الذين كانوا يزعمون ان الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ومع
ذلك الفرنساوية في كل وقت من الاوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني
وأعداء اعدائه أدام الله ملكه ومع ذلك أن المماليك امتنعوا من اطاعة السلطان غير
ممتثلين لامره فما أطاعوا أصلا الا لطمع انفسهم طوبى ثم طوبى لاهالي مصر الذين
يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح
حلهم وتعلو مراتبهم طوبى ايضا للذين يقعدون في مساكنهم
غير مائلين لاحد من الفريقين المتحاربين فإذا عرفونا بالاكثر تسارعوا الينا بكل
قلب لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك
طريقا الى الخلاص ولا يبقى منهم أثر
المادة الاولى جميع القرى الواقعة في دائرة قريبة بثلاث
ساعات من المواضع التي يمر بها عسكر الفرنساوية فواجب عليها ان ترسل للسر عسكر من
عندها وكلاء كيما يعرف المشار اليه انهم أطاعوا وانهم نصبوا علم الفرنساوية الذي
هو ابيض وكحلي واحمر
المادة الثانية كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق
بالنار
المادة الثالثة كل قرية تطيع العسكر الفرنساوي ايضا تنصب
صنجاق السلطان العثماني محبنا دام بقاؤه
المادة الرابعة المشايخ في كل بلد يختمون حالا جميع
الارزاق والبيوت والاملاك التي تتبع المماليك وعليهم الاجتهاد التام لئلا يضيع
أدنى شيء منها
المادة الخامسة الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة
الائمة انهم يلازمون وظائفهم وعلى كل احد من اهالي البلدان ان يبقى في مسكنه
مطمئنا وكذلك تكون الصلاة قائمة في الجوامع على العادة والمصريون بأجمعهم ينبغي ان
يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عالي ادام الله
اجلال السلطان العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الامة المصرية
تحريرا بمعسكر اسكندرية في 13 شهر سيدور سنة 1213 من
اقامه الجمهور الفرنساوي يعني في آخر شهر محرم سنة هجرية اه بحروفه
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر وردت الاخبار
بان الفرنسيس وصلوا الى نواحي فوة ثم الى الرحمانية
واستهل شهر صفر سنة 1213 وفي يوم الاحد غرة شهر صفر وردت
الاخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم التقى العسكر
المصري مع الفرنسيس فلم تكن الا ساعة وانهزم مراد بك ومن
معه ولم يقع قتال صحيح وانما هي مناوشة من طلائع العسكرين بحيث لم يقتل الا القليل
من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية واحترق
بها رئيس الطبجية خليل الكردل وكان قد قاتل في البحر قتالا عجيبا فقدر الله ان
علقت نار بالقلع وسقط منها نار الى البارود فاشتعلت جميعها بالنار واحترقت المركب
بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء فلما عاين ذلك مراد بك داخله
الرعب وولى منهزم وترك الاثقال والمدافع وتبعته عساكره ونزلت المشاة في المراكب
ورجعوا طالبين مصر ووصلت الاخبار بذلك الى مصر فاشتد انزعاج الناس وركب ابراهيم بك
الى ساحل بولاق وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس وأعملوا رأيهم في هذا الحادث
العظيم فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق الى شبرا ويتولى الاقامة ببولاق
ابراهيم بك وكشافه ومماليكه وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالازهر كل
يوم ويقرأو البخارى وغيره من الدعوات وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والبراهمة
والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف وارباب الاشاير ويعملون لهم مجالس بالازهر
وكذلك اطفال المكاتب ويذكرون الاسم اللطيف وغير من الاسماء
وفي يوم الاثنين حضر مراد بك الى برانبابة وشرع في عمل
متاريس هناك ممتدة الى بشتيل وتولى ذلك هو وصناجقة وامراؤه وجماعة من خشداشينه واحتفل
في ترتيب ذلك وتنظيمه بنفسه هو وعلي باشا الطرابلسي ونصوح باشا واحضروا المراكب
الكبار والغلايين التي أنشأها بالجيزة واوقفها على ساحل انبابة وشحنها بالعساكر والمدافع
فصار البر الغربي والشرقي مملوئين بالمدافع والعساكر والمتاريس والخيالة والمشاة
ومع ذلك فقلوب الامراء لم تطمئن بذلك فانهم من حين وصول الخبر لهم من الاسكندرية
شرعوا في نقل امتعتهم من البيوت الكبار المشهورة المعروفة
الى البيوت الصغار التي لا يعرفها احدوا ستمروا طول
الليالي ينقلون الامتعة ويوزعونها عند معارفهم وثقاتهم وأرسلوا البعض منها لبلاد
الارياف وأخذوا ايضا في تشهيل الاحمال واستحضار دواب للشيل وادوات الارتحال فلما
رأى اهل البلدة منهم ذلك داخلهم الخوف الكثير والفزع واستعد الاغنياء واولوا
المقدرة للهروب ولولا ان الامراء منعوهم من ذلك وزجروهم وهددوا من اراد النقلة لما
بقى بمصر منهم احد
وفي يوم الثلاثاء نادوا بالنفير العام وخروج الناس
للمتاريس وكرروا المناداة بذلك كل يوم فاغلق الناس الدكاكين والاسواق وخرج الجميع لبر
بولاق قكانت كل طائفة من طوائف أهل الصناعات يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم
خياما او يجلسون في مكان خرب او مسجد ويرتبون لهم فيما يصرف عليهم ما يحتاجون له
من الدراهم التي جمعوها من بعضهم وبعض الناس يتطوع بالانفاق على البعض الآخر ومنهم
من يجهز جماعة من المغاربة والشوام بالسلاح والاكل وغير ذلك بحيث ان جميع الناس
بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بانفاق أموالهم فلم يشح في
ذلك الوقت احد بشيء يملكه ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وارباب الاشاير
بالطبول والزمور واعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرن باذكار مختلفة وصعد
السيد عمر افندي نقيب الاشراف الى القلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا سمته العامة
البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة الى بولاق وامامه وحوله الوف من العامة بالنبابيت
والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك وأما مصر
فانها باقية خالية الطرق لا تجد بها احدا سوى النساء في البيوت والصغار وضعفاء
الرجال الذين لا يقدرون على الحركة فانهم مستترون مع النساء في بيوتهم والاسواق
مصفرة والطرق مجفرة من عدم الكنس والرش وغلا سعر البارود والرصاص بحيث بيع الرطل
البارود بستين نصفا والرصاص بتسعين وغلا جنس انواع السلاح
وقل وجوده وخرج معظم الرعايا بالنبابيت والعصي والمساوق
وجلس مشايخ العلماء بزاوية علي بك ببولاق يدعون ويبتهلون الى الله بالنصر واقام
غيرهم من الرعايا البعض بالبيوت والبعض بالزوايا والبعض بالخيام
ومحصل الأمر أن جميع من بمصر من الرجال تحول الى بولاق وأقام
بها من حين نصب ابراهيم بك العرضي هناك الى وقت الهزيمة سوى القليل من الناس الذي
لا يجدون لهم مكانا ولا ماوى فيرجعون الى بيوتهم يبيتون بها ثم يصيحون الى بولاق
وأرسل ابراهيم بك الى العربان المجاورة لمصر ورسم لهم أن يكونوا في المقدمة بنواحي
شبرا وما والاها وكذلك اجتمع عند مراد بك الكثير من عرب البحيرة والجيزة والصعيد
والخبيرية والقيعان وأولاد علي والهنادي وغيرهم وفي كل يوم يتزايد الجمع ويعظم
الهول ويضيق الحال بالفقراء الذين يحصلون أقواتهم يوما فيوما لتعطيل الاسباب
واجتماع الناس كلهم في صعيد واحد وانقطعت الطرق وتعدى الناس بعضهم على بعض لعدم
التفات الحكام واشتغالهم بما دهمهم
وأما بلاد الارياف فانها قامت على ساق يقتل بعضهم بعضا
وينهب بعضهم بعضا وكذلك العرب غارت على الاطراف والنواحي وصار قطر مصر من أوله الى
آخره في قتل ونهب واخافة طريق وقيام شر واغارة على الاموال وافساد المزارع وغير
ذلك من انواع الفساد الذي لا يحصى وطلب أمراء مصر التجار من الافرنج بمصر فحبسوا
بعضهم بالقلعة وبعضهم بأماكن الامراء وصاروا يفتشون في محلات الافرنج على الاسلحة
وغيرها وكذلك يفتشون بيوت النصارى الشوام والاقباط والاروام والكنائس والاديرة على
الاسلحة والعامة لا ترضى الا ان يقتلوا النصارى واليهود فيمنعهم الحكام عنهم ولولا
ذلك المنع لقتلتهم العامة وقت الفتنة ثم في كل يوم تكثر الاشاعة بقرب الفرنسيس الى
مصر وتختلف الناس في الجهة التي يقصدون المجيء منها فمنهم من يقول انهم واصلون من
البر الغربي ومنهم من يقول بل يأتون من الشرقي ومنهم من يقول بل يأتون من الجهتين
هذا وليس لاحد من امراء العساكر همة ان يبعث جاسوسا أو طليعة تناوشهم بالقتال قبل
دخولهم وقربهم ووصولهم الى فناء المصر بل كل من ابراهيم
بك ومراد بك جمع عسكره ومكث مكانه لا ينتقل عنه ينتظر ما يفعل بهم وليس ثم قلعة
ولا حصن ولا معقل وهذا من سوء التدبير واهمال أمر العدو
ولما كان يوم الجمعة سادس الشهر وصل الفرنسيس الى الجسر
الاسود واصبح يوم السبت فوصلوا الى أم دينار فعندها اجتمع العالم العظيم من الجند والرعايا
والفلاحين المجاورة بلادهم لمصر ولكن الاجناد متنافرة قلوبهم منحلة عزائمهم مختلفة
آراؤهم حريصون على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم مختالون في رئيسهم مغترون بجمعهم
محتقرون شأن عدوهم مرتبكون في رويتهم مغمورون في غفلتهم وهذا كله من أسباب ما وقع
من خذلانهم وهزيمتهم وقد كان الظن بالفرنسيس ان يأتوا من البرين بل أشيع في عرضي
ابراهيم بك انهم قادمون من الجهتين فلم يأتوا الا من البر الغربي
ولما كان وقت القائلة ركب جماعة من العساكر التي بالبر
الغربي وتقدموا الى ناحية بشتيل بلد مجاورة لانبابة فتلاقوا مع مقدمة الفرنسيس
فكروا عليهم بالخيول فضربهم الفرنسيس ببنادقهم المتتابعة الرمي وابلى الفريقان
وقتل أيوب بك الدفتردار وعبد الله كاشف الجرف وعدة كثير من كشاف محمد بك الالفي
ومماليكهم وتبعهم طابور من الافرنج في نحو الستة آلاف وكبيره ويزه الذي ولى علي
الصعيد بعد تملكهم وأما بونابارته الكبير فإنه لم يشاهد الواقعة بل حضر بعد
الهزيمة وكان بعيدا عن هؤلاء بكثير ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بك
ترامى الفريقان بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية وحضر عدة وافرة من عساكر
الارنؤد من دمياط وطلعوا الى انبابة وانضموا الى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس فلما
غاين وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية واخلاط الناس
بالصياح ورفع الاصوات بقولهم يا رب ويا لطيف ويا رجال الله ونحو ذلك وكأنهم
يقاتلون ويحاربون بصياحهم وجلبتهم فكان
العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك
ويقولون لهم ان الرسول والصحابة والمجاهدين انما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب
وضرب الرقاب لا برفع الاصوات والصراخ النباح فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه
ومن يقرأ ومن يسمع وركب طائفة كبيرة من الامراء والاجناد من العرض الشرقي ومنهم
ابراهيم بك الوالي وشرعوا في التعدية الى البر الغربي في المراكب فتزاحموا على
المعادي لكون التعدية من محل واحد والمراكب قليلة جدا فلم يصلوا الى البر الاخر
حتى وقعت الهزيمة به على المحاربين هذا والريح النكباء اشتد هبوبها وأمواج البحر
في قوة اضطرابها والرمال يعلو غبارها وتنسفها الريح في وجوه المصريين فلا يقدر أحد
ان يفتح عينيه من شدة الغبار وكون الريح من ناحية العدو وذلك من أعظم أسباب
الهزيمة كما هو منصوص عليه
ثم ان الطابور الذي تقدم لقتال مراد بك انقسم على كيفية
معلومة عندهم في الحرب وتقارب من المتاريس بحيث صار محيطا بالعسكر من خلفة وامامه
ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية والمدافع واشتد هبوب الريح وانعقد الغبار وأظلمت
الدنيا دخان البارود وغبار الرياح وصمت الاسماع من توالي الضرب بحيث خيل للناس ان
الارض تزلزلت والسماء عليها سقطت واستمر الحرب والقتال نحو ثلاث أرباع ساعة ثم
كانت هذه الهزيمة على العسكر الغربي فغرق الكثير من الخيالة في البحر لاحاطة العدو
بهم وظلام الدنيا والبعض وقع اسيرا في أيدي الفرنسيين وملكوا المتاريس وفر مراد بك
ومن معه الى الجيزة فصعد الى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة ثم ركب وذهب
الى الجهة القبلية وبقيت القتلى والثياب والامتعة والاسلحة والفرس ملقاة على الارض
ببرانبابة تحت الارجل وكان من جملة من ألقى نفسه في البحر سليمان بك المعروف
بالاغا وأخوه ابراهيم بك الوالي فاما سليمان بك فنجا وغرق ابراهيم بك الصغير وهو
صهر ابراهيم بك الكبير ولما انهزم العسكر الغربي حول
الفرنسيس المدافع والبنادق على البر الشرقي وضربوها وتحقق
أهل البر الآخر الهزيمة فقامت فيهم ضجة عظيمة وركب في الحال ابراهيم بك والباشا
والامراء والعسكر والرعايا وتركوا جميع الاثقال والخيام كما هي لم يأخذوا منها
شيئا فأما ابراهيم بك والباشاوالامراء فساروا الى جهاةالعادلية وأما الرعايا
فهاجوا وماجوا ذاهبين الى جهة المدينة ودخلوها افواجا افواجا وهم جميعا في غاية
الخوف والفزع وترقب الهلاك وهم يضجون بالعويل والنحيب ويبتهلون الى الله من شهر
هذا اليوم العصيب والنساء يصرخن بأعلى اصواتهن من البيوت وقد كان ذلك قبل الغروب
فلما استقر ابراهيم بك بالعادلية أرسل يأخذ حريمه وكذلك من كان معه من الامراء
فاركبوا النساء بعضهن على الخيول وبعضهن على البغال والبعض على الحمير والجمال
والبعض ماش كالجواري والخدم واستمر معظم الناس طول الليل خارجين من مصر البعض
بحريمه والبعض ينجو بنفسه ولا يسأل احد عن أحد بل كل واحد مشغول بنفسه عن ابيه وابنه
فخرج تلك الليلة معظم أهل مصر البعض لبلاد الصعيد والبعض لجهة الشرق وهم الاكثر
وأقام بمصر كل مخاطر بنفسه لا يقدر على الحركه ممتثلا للقضاء متوقعا للمكروه وذلك
لعدم قدرته وقلة ذاته يده وما ينفقه على حمل عياله واطفاله ويصرفه عليهم في الغربة
فاستسلم للمقدور ولله عاقبة الامور والذي أزعج قلوب الناس بالاكثر ان في عشاء تلك
الليلة شاع في الناس ان الافرنج عدوا الى بولاق واحرقوها وكذلك الجيزة وان اولهم
وصل الى باب الحديد يحرقون ويقتلون ويفجرون بالنساء وكان السبب في هذه الاشاعة ان
بعض القلينجية من عسكر مراد بك الذي كان في الغليون بمرسي انبابة لما تحقق الكسرة
أضرم النار في الغليون الذي هو فيه وكذلك مراد بك لما رحل من الجيزة أمر بانجرار الغليون
الكبير من قبالة قصره ليصحبه معه الى جهة قبلي فمشوا به قليلا ووقف لقلة الماء في
الطين وكان به
عدة وافرة من آلات الحرب والجبخانة فأمر بحرقه ايضا فصعد
لهيب النار من جهة الجيزة بولاق ظنوا بل أيقنوا انهم أحرقوا البلدين فماجوا
واضطربوا زيادة عما هم فيه من الفزع والروع والجزع وخرج اعيان الناس وافندية
الوجاقات واكابرهم ونقيب الاشراف وبعض المشايخ القادرين فلما عاين العامة والرعية
ذلك اشتد ضجرهم وخوفهم وتحركت عزائمهم للهروب واللحاق بهم والحال ان الجميع لا
يدرون أي جهة يسلكون وأي طريق يذهبون وأي محل يستقرون فتلاحقوا وتسابقوا وخرجوا من
كل حدب ينسلون وبيع الحمار الاعرج او البغل الضعيف باضعاف ثمنه وخرج اكثرهم ماشيا
او حامل متاعه على رأسه وزوجته حاملة طفلها ومن قدر عل مركوب أركب زوجته او ابنته ومشى
هو على اقدامه وخرج غالب النساء ماشيات حاسرات وأطفالهم على اكتافهن يبكين في ظلمة
الليل واستمروا على ذلك بطول ليلة الاحد وصبحها وأخذ كل انسان ما قدر على حمله من
مال ومتاع فلما خرجوا من أبواب البلد وتوسطوا الفلاة تلقتهم العربان والفلاحون
فأخذوا متاعهم ولباسهم وأحمالهم بحيث لم يتركوا لمن صادفوه ما يستر به عورته أو
يسد جوعته فكان ما أخذته العرب شيئا كثيرا يفوق الحصر بحيث ان الاموال والذخائر
التي خرجت من مصر في تلك الليلة أضعاف ما بقي فيها بلا شك لان معظم الاموال عند
الامراء والاعيان وحريمهم وقد أخذوه صحبتهم وغالب مساتير الناس واصحاب المقدرة
أخرجوا ايضا ما عندهم والذي أقعده العجز وكان عنده ما يعز عليه من مال أو مصاغ
أعطاه لجاره او صديقه الراحل ومثل ذلك أمانات وودائع الحجاج من المغاربة والمسافرين
فذهب ذلك جميعه وربما قتلوا من قدروا عليه أو دافع عن نفسه ومتاعه وسلبوا ثياب
النساء وفضحوهن وهتكوهن وفيهم الخوندات والاعيان فمنهم من رجع من قريب وهم الذين
تأخروا في الخروج وبلغهم ما حصل للسابقين ومنهم من جازف متكلا عل كثرته
وعزوته وخفارته فسلم او عطب وكانت ليل وصباحها في غاية
الشناعة جرى فيها ما لم يتفق مثله في مصر ولا سمعنا بما شابه بعضه في تواريخ
المتقدمين فما راء كمن سمعا ولما أصبح يوم الاحد المذكور والمقيمون لا يدرون ما
يفعل بهم ومتوقعون حلول الفرنسيس ووقوع المكروه ورجع الكثير من الفارين وهم في
أسوأ حال من العري والفزع فتبين ان الافرنج لم يعدو الى البر الشرقي وان الحريق
كان في المراكب المتقدم ذكرها فاجتمع في الازهر بعض العلماء والمشايخ وتشاوروا
فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مراسلة الى الافرنج ينتظروا ما يكون من جوابهم ففعلوا
ذلك وأرسلوها صحبة شخص مغربي يعرف لغتهم وآخر صحبته فغابا وعادا فاخبرا انهما
قابلا كبير القوم وأعطياه الرسالة فقرأها عليه ترجمانة ومضمونها الاستفهام عن
قصدهم فقال على لسان الترجمان وأين عظماؤكم ومشايخكم لم تأخروا عن الحضور الينا لنرتب
لهم ما يكون فيه الراحة وظمنهم وبش في وجوههم فقالوا نريد أمانا منكم فقال أرسلنا
لكم سابقا يعنون الكتاب المذكور فقالوا وايضا لاجل اطمئنان الناس فكتبوا لهم ورقة
اخرى مضمونها من معسكر الجيزة خطاب لاهل مصر اننا أرسلنا لكم في السابق كتابا فيه
الكفاية وذكرنا لكم اننا حضرنا إلا بقصد ازالة المماليك الذين يستعملون الفرنساوية
بالذل والاحتقار وأخذ مال التجار ومال السلطان ولما حضرنا الى البر الغربي خرجوا
الينا فقابلناهم بما يستحقونه وقتلنا بعضهم وأسرنا بعضهم ونحن في طلبهم حتى لم يبق
احد منهم بالقطر المصري وأما المشايخ والعلماء وأصحاب المرتبات والرعية فيكونوا مطمئنين
وفي مساكنهم مرتاحين إلى آخر ما ذكرته ثم قال لهم لا بد ان المشايخ والشربجية
يأتون الينا لنرتب لهم ديوانا ننتخبه من سبعة اشخاص عقلاء يدبرون الامور ولما رجع
الجواب بذلك اطمأن الناس وركب الشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي وآخرون
الى الجيزة فتلقاهم وضحك
لهم وقال أنتم المشايخ الكبار فاعلموه ان المشايخ الكبار
خافوا وهربوا فقال لاي شيء يهربون اكتبوا لهم بالحضور ونعمل لكم ديوانا لاجل
راحتكم وراحة الرعية واجراء الشريعة فكتبوا منه عدة مكاتبات بالحضور والامان ثم
انفصلوا من معسكرهم بعد العشاء وحضروا الى مصر واطمأن برجوعهم الناس وكانوا في وجل
وخوف على غيابهم وأصبحوا فأرسلوا الامان الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والشيخ
الشرقاوي والمشايخ ومن انضم اليهم من الناس الفارين من ناحيةالمطرية وأما عمر
افندي نقيب الاشراف فانه لم يطمئن ولم يحضر وكذلك الروزنامجي والافندية وفي ذلك
اليوم اجتمعت الجعيدية واوباش الناس ونهبوا بيت ابراهيم بك ومراد بك اللذين بخطة
قوصون وأحرقوهما ونهبوا ايضا عدة بيوت من بيوت الامراء وأخذوا ما فيها من فرش
ونحاس وامتعة وغير ذلك وباعوه بأبخس الأثمان
وفي يوم الثلاثاء عدت الفرنساوية الى بر مصر وسكن
بونابارته ببيت محمد بك الالفي بالازبكية بخط الساكت الذي أنشأه الامير المذكور في
السنة الماضية وزخرفه وصرف عليه اموالا عظمية وفرشه بالفرش الفاخرة وعند تمامه وسكناه
فيه حصلت هذه الحاثة فأخلوه وتركوه بما فيه فكأنه انما كان يبنيه لامير الفرنسيس
وكذلك حصل في بيت حسن كاشف جركس بالناصرية ولما عدى كبيرهم وسكن بالازبكية كما ذكر
استمر غالبهم بالبر الآخر ولم يدخل المدينة الا القليل منهم ومشوا في الاسواق من
غير سلاح ولا تعديل صاروا يضاحكون الناس ويشترون ما يحتاجون اليه بأغلى ثمن فيأخذ
أحدهم الدجاجة ويعطي صاحبها في ثمنها ريال فرانسة ويأخذ البيضة بنصف فضة قياسا على
اسعار بلادهم وأثمان بضائعهم فلما رأى منهم العامة ذلك أنسوا بهم وأطمأنوا لهم
وخرجوا اليهم بالكعك وأنواع الفطير والخبز والبيض والدجاج وانواع المأكولات وغير
ذلك مثل السكر والصابون والدخان والبن وصاروا يبيعون عليهم
بما أحبوا من الاسعار وفتح غالب السوقة الحوانيت
والقهاوي
وفي يوم الخميس ثالث عشر صفر ارسلوا بطلب المشايخ
والوجاقلية عند قائمقام صارى عسكر فلما استقر بهم الجلوس خاطبوهم وتشاوروا معهم في
تعيين عشرة انفار من المشايخ للديوان وفصل الحكومات
فوقع الاتفاق على الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ خليل
البكري والشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي والشيخ محمد المهدي والشيخ موسى
السرسي والشيخ مصطفى الدمنهوري والشيخ احمد العريشي والشيخ يوسف الشبرخيتي والشيخ
محمد الدواخلي وحضر ذلك المجلس ايضا مصطفى كتخدا بكر باشا والقاضي وقلدوا محمد اغا
المسلماني أغات مستحفظان وعلي أغا الشعراوي والى الشرطة وحسن اغا محرم امين احتساب
وذلك باشارة أرباب الديوان فانهم كانوا ممتنين من تقليد المناصب لجنس المماليك فعرفوهم
ان سوقة مصر لا يخافون الا من الاتراك ولا يحكمهم سواهم وهؤلاء المذكورون من بقايا
البيوت القديمة الذين لا يتجاسرون على الظلم كغيرهم وقلدوا ذا الفقار كتخدا محمد
بك كتخدا بونابارته ومن ارباب المشورة الخواجا موسى كانوا وكلاء الفرنساوي ووكيل
الديوان حنا بينو
وفيه اجتمع أرباب الديوان عند رئيسه فذكر لهم ما وقع من
نهب البيوت فقالوا له هذا فعل الجعيدية وأوباش الناس فقال لأي شيء يفعلون ذلك وقد
أوصيناكم بحفظ البيوت والختم عليها فقالوا هذا أمر لا قدرة لنا على منعه وانما ذلك
من وظيفة الحكام فأمروا الاغا والوالي ان ينادوا بالامان وفتح الدكاكين والاسواق والمنع
من النهب فلم يسمعوا ولم ولم ينتهوا واستمر غالب الدكاكين والاسواق معطلة والناس
غير مطمئنين وفتح الفرنسيس بعض البيوت المغلوقة التي للامراء ودخلوها وأخذوا منها
اشياء وخرجوا وتركوها مفتوحة فعند ما يخرجون منها يدخلها طائفة الجعيدية ويستأصلون
ما فيها واستمروا على ذلك عدة ايام ثم
انهم تتبعوا بيوت الامراء وأتباعهم وختموا على بعضها
وسكنوا بعضها فكان الذي يخاف على داره من جماعة الوجاقلية او من اهل البلد يعلق له
بنديرة على باب داره أو يأخذ له ورقة من الفرنسيس بخطهم يلصقها على داره
وفيه قلدوا برطلمين النصراني الرومي وهو الذي تسميه
العامة فرط الرمان كتخدا مستحفظان وركب بموكب من بيت صارى عسكر وامامه عدة من
طوائف الاجناد والبطالين مشاة بين يده وعلى رأسه حشيشة من الحرير الملون وهو لابس
فروة بزعادة وبين يديه الخدم بالحراب المفضضة ورتب له بيوك باشي وقلقات عينوا لهم
مراكز باخطاط البلد يجلسون بها وسكن المذكور ببيت يحيى كاشف الكبير بحارة عابدين
اخذه بما فيه من فر ومتاع وجواري وغير ذلك والمذكور من أسافل نصارى الاروام
العسكرية القاطنين بمصر وكان من الطبجية عند محمد بك الالفي وله حانوت بخط الموسكي
يبيع فيه القوارير الزجاج ايام البطالة وقلدوا ايضا شخصا افرنجيا وجعلوه أمين
البحرين واخر جعلوه اغات الرسالة وجعلوا الديوان ببيت قائد اغا بالازبكية قرب
الرويعي وسكن به رئيس الديوان وسكن روتوي قائمقام مصر ببيت ابراهيم بك الوالي
المطل على بركة الفيل وسكن شيخ البلد ببيت ابراهيم بك الكبير وسكن مجلون ببيت مراد
بك على رصيف الخشاب وسكن بوسليك مدير الحدود ببيت الشيخ البكري القديم ويجتمع عنده
النصارى القبط كل يوم طلبوا الدفاتر من الكتبة ثم ان عساكرهم صارت تدخل المدينة
شيئا فشيئا حتى امتلأت منها الطرقات وسكنوا في البيوت ولكن لم يشوشوا على أحد ويأخذون
المشتروات بزيادة عن ثمنها ففجر السوقة وصغروا اقراص الخبز وطحنوه بترابه وفتح
الناس عدة دكاكين بجواره ساكنهم يبيعون فيها اصناف المأكولات مثل الفطير والكعك
والسمك المقلي واللحوم والفراخ المحمرة وغير ذلك وفتح نصارى الاورام عدة دكاكين
لبيع انواع
الاشربة وخمامير وقهاوي وفتح بعض الافرنج البلديين بيوتا
يصنع فيها انواع الاطعمة والاشربة على طرائفهم في بلادهم فيشتري الاغنام والدجاج
والخضارات والاسماك والعسل والسكر وجميع اللوازم ويطبخه الطباخون ويصنعون انواع
الاطعمة والحلاوت ويعمل على بابه علامة لذلك يعرفونها بينهم فاذا مرت طائفة بذلك
المكان تريد الاكل دخلوا الى ذلك المكان وهو يشتمل على عدة مجالس دون واعلى وعلى
كل مجلس علامته ومقدار الدراهم التي يدفعها الداخل فيه فيدخلون الى ما يريدون من
المجالس وفي وسطه دكة من الخشب وهي الخوان التي يوضع عليها الطعام وحولها كراسي فيجلسون
عليها ويأتيهم الفراشون بالطعام على قوانينهم فيأكلون ويشربون على نسق لا يتعدونه
وبعد فراغ حاجتهم يدفعون ما وجب عليهم من غير نقص ولا زيادة ويذهبون لحالهم
وفيه تشفع أرباب الديوان في أسرى المماليك فقبلوا شفاعتهم
وأطلقوهم فدخل الكثير منهم الى الجامع الازهر وهم في أسوأ حال وعليهم الثياب الزرق
المقطعة فمكثوا به يأكلون من صدقات الفقراء المجاورين به ويتكففون المارين وفي ذلك
عبرة للمعتبرين
وفي يوم السبت اجتمعوا بالديوان وطلبوا دراهم سلفة وهي
مقدار خمسمائة ألف ريال من التجار المسلمين والنصارى القبط والشوام وتجار الافرنج
ايضا فسالوا التخفيف فلم يجابوا فاخذوا في تحصيلها
وفيه نادوا من أخذ شيئا من نهب البيوت يحضر به الى بيت
قائمقام وان لم يفعل وظهر بعد ذلك حصل له مزيد الضرر ونادوا ايضا على نساء الامراء
بالامان وانهن يسكن بيوتهن وان كان عندهن شيء من متاع أزواجهن يظهرنه فان لم يكن
عندهن شيء من متاع أزواجهن يصالحن على أنفسهن ويأمن في دورهن فظهرت الست نفيسة
زوجة مراد بيك وصالحت عن نفسها واتباعها من نساء الامراء والكشاف بمبلغ قدره مائة
وعشرون
ألف ريال فرانسا وأخذت في تحصيل ذلك من نفسها وغيره
ووجهوا عليها الطلب وكذلك بقية النساء بالوسائط المتداخلين في ذلك كنصارى الشوام
والافرنج البلدين وغيرهم فصاروا يعملون عليهن ارصاهات وتخويفات وكذلك مصالحات على
الغز والاجناد المختفين والغائبين والفارين فجمعوا بذلك اموالا كثيرة وكتبوا
للغائبين اوراقا بالامان بعد المصالحه ويختم على تلك الاوراق المتقيدون بالديوان
وفي يوم الاحد طلبوا الخيول والجمال والسلاح فكان شيئا
كثيرا وكذلك الابقار والاثوار فحصل فيها ايضا مصالحات واشاعوا التفتيش على ذلك
وكسروا عدة دكاكين بسوق السلاح وغيره واخذوا ما وجدوه فيها من الاسلحة هذا وفي كل
يوم ينقلون على الجمال والحمير من الامتعة والفرش والصناديق والسروج وغير ذلك مما
لا يحصى ويستخرجون الخبايا والودائع ويطلبون البنائين والمهندسين والخدام الذين
يعرفون بيوت اسيادهم بل يذهبون بانفسهم ويدلونهم على اماكن الخبايا ومواضع الدفائن
ليصير لهم بذلك قربة ووجاهة ووسيلة ينالون بها غراضهم
وفيه قبضوا على شيخ الجعيدية ومعه آخر وبندقوا عليهما
بالرصاص ببركة الازبكية ثم على اخرين ايضا بالرميلة وأحضر النهابون أشياء كثيرة من
الامتعة التي نهبوها عند ما داخلهم الخوف ودل على بعضهم البعض
وفي يوم الثلاثاء طلبوا أهل الحرف من التجار بالاسواق
وقرروا عليهم دراهم على سبيل القرض والسلفة مبلغا يعجزون عنه واجلوا لها اجلا
مقداره ستون يوما فضحوا واستغاثوا وذهبوا الى الجامع الازهر والمشهد الحسيني
وتشفعوا بالمشايخ فتكلموا لهم ولطفوها الى نصف المطلوب ووسعوا لهم في ايام المهلة
وفيه شرعوا في تكسير ابواب الدروب والبوابات النافذة
وخرج عدة من عساكرهم يخلعون ويقلعون ابواب الدروب والعطف والحارات
فاستمروا على ذلك عدة ايام وداخل الناس من ذلك وهم وخوف
شديد وظنوا ظنونا وحصل عندهم فساد مخيلة ووسوسة تجسمت في نفوسهم بالفاظ نطقوا بها
وتصوروا حقيقتها وتناقلوها فيما بينهم كقولهم ان عساكر الفرنسيس عازمون على قتل المسلمين
وهم في صلاة الجمعة ومنهم من يقول غير ذلك وذلك بعد ان كان حصل عندهم بعض اطمئنان
وفتحوا بعض الدكاكين فلما حصلت هاتان النكتتان انكمش الناس ثانيا وارتجفت قلوبهم
وفي عشرينه حضرت مكاتب الحجاج من العقبة فذهب ارباب
الديوان الى باش العسكر واعلموه بذلك وطلبوا منه امانا لامير الحاج فامتنع وقال لا
أعطيه ذلك ألا بشرط أن يأتي في قلة ولا يدخل معه مماليك كثيرة ولا عسكر فقالوا له
ومن يوصل الحجاج فقال لهم انا ارسل لهم اربعة آلاف من العسكر يوصولونهم الى مصر
فكتبوا لامير الحاج مكاتبة بالملاطفة وانه يحضر بالحجاج الى الدار الحمراء وبعد
ذلك يحصل الخير فلم تصل اليهم الجوابات حتى كاتبهم ابراهيم بك يطلبهم للحضور الى
جهة بلبيس فتوجهوا على بلبيس وأقاموا هناك اياما وكان ابراهيم بك ومن معه ارتحل من
بلبيس الى المنصورة وأرسلوا الحريم الى القرين
وفي ثالث عشرينه خرجت طائفة من العسكر الفرنساوي الى جهة
العادلية وصار في كل يوم تذهب طائفة بعد اخرى ويذهبون الى جهة الشرق فلما كان ليل
الاربعاء خرج كبيرهم بونابارته وكانت أوائلهم وصلت الى الخانكة وأبى زعبل وطلبوا
كلفة من أبي زعبل فامتنعوا فقاتلوهم وضربوهم وكسروهم ونهبوا البلدة وأحرقوها
وارتحلوا الى بلبيس وأما الحجاج فانهم نزلوا ببلبيس واكترت حجاج الفلاحين مع العرب
فأوصلوهم الى بلادهم بالغربية والمنوفية والقليبونجية وغيرها وكذلك فعل الكثير من
الحجاج فتفرقوا في البلاد بحريمهم ومنهم من أقام ببلبيس واما امير
الحاج صالح بك فأنه لحق بإبراهيم بك وصحبته جماعة من
التجار وغيرهم
وفي ثامن عشرنيه ملك الفرنساوية مدينة بلبيس من غير قتال
وبها من بقي من الحجاج فلم يشوشوا عليهم وأرسلوها الى مصر وصحبتهم طائفة من
عساكرهم ومعهم طبل فلما كان ليلة الاحد غايته جاء الرائد الى الامراء بالمنصورة
وأخبرهم بوصول الافرنج وقربهم منهم فركبوا نصف الليل وترفعوا الى جهة القرين
وتركوا التجار واصحاب الاثقال فلما طلع النهار حضر إليهم جماعة من العربان واتفقوا
معهم على انهم يحملونهم الى القرين وحلفوا لهم وعاهدوهم على انهم لا يخونونهم فلما
توسطوا بهم الطريق نقضوا عهدهم وخانوهم ونهبوا حمولهم وتقاسموا متاعهم وعروهم من
ثيابهم وفيهم كبير التجار السيد احمد المحروقي وكان ما يخصه نحو ثلثمائة ألف ريال
فرانسة نقودا ومتجرا من جميع الأصناف الحجازية وصنعت العرب معهم مالا خير فيه
ولحقهم عسكر الفرنساوية فذهب السيد احمد المحروقي الى صارى عسكر وواجهه وصحبته
جماعة من العرب المنافقين فشكا له ما حل به وباخوانه فلامهم على تنقلهم وركونهم الى
المماليك والعرب ثم قبض على بي خشبة شيخ بلد القرين وقال له عرفني عن مكان
المنهوبات فقال أرسل معي جماعة الى القرين فأرسل معه جماعة دلهم على بعض الاحمال
فأخذها الافرنج ورفعوها ثم تبعوه الى محل آخر فأوهمهم انه يدخل ويخرج اليهم احمالا
كذلك فدخل وخرج من مكان آخر وذهب هاربا فرجع اولئك العسكر بجمل ونصف جمل لا غير
وقالوا هذا الذي وجدناه والرجل فر من أيدينا فقال صارى عسكر لا بد من تحصيل ذلك
فطلبوا منه الاذن في التوجه الى مصر فأصحب معهم عدة من عسكره أوصلوهم الى مصر
وامامهم طبل وهم في أسوأ حال وصحبتهم ايضا جماعة من النساء اللاتي كن خرجن ليلة
الحادثة وهن أيضا في اسوأ حالة تسكب عند مشاهدتهن العبرات
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاثنين سنة 1213
في ثانيه وصل الفرنساويه الى نواحي القرين وكان ابراهيم
بك ومن معه وصلوا الى الصالحية وأودعوا مالهم وحريمهم هناك وضمنوا عليها العربان
وبعض الجند فأخبر بعض العرب الفرنساوية بمكان الحملة فركب صارى عسكر واخذ معه
الخيالة وقصد الاغارة على الحملة وعلى ابراهيم بك بذلك ايضا فركب هو وصالح بك وعدة
من الامراء والمماليك وتحاربوا معهم ساعة أشرف فيها الفرنسيس على الهزيمة لكونهم
على الخيول واذا بالخبر وصل الى ابراهيم بك بان العرب مالوا على الحملة يقصدون
نهبها فعند ذلك فر بمن معه على أثره وتركوا قتال الفرنسيس ولحقوا بالعرب وجلوهم عن
متاعهم وقتلوا منهم عدة وارتحلوا الى قطيا ورجع صارى عسكر الى مصر وترك عدة من
عساكره متفرقين في البلاد فدخل مصر ليلا وذلك ليل الخميس رابعه
وفي يوم الجمعة خامسه الموافق لثالث عشر مسرى القبطي كان
وفاء الفيل المبارك فأمر صارى عسكر بالاستعداد وتزيين العقبة كالعادة وكذلك زينوا
عدة مراكب وغلايين ونادوا على الناس بالخروج الى النزهة في النيل والمقياس والروضة
على عادتهم وأرسل صحارى عسكر اوراقا لكتخدا الباشا والقاضي وأرباب الديوان وأصحاب
المشورة والمتولين للمناصب وغيرهم بالحضور في صبحها وركب صحبتهم بموكبه وزينته
وعساكره وطبوله وزموره الى قصر قنطرة السد وكسروا الجسر بحضرتهم وعملوا شنك مدافع
ونفوطا حتى جرى الماء في الخليج وركب وهم صحبته حتى رجع الى داره وأما أهل البلد
فلم يخرج منهم أحد تلك الليلة للتنزه في المراكب على العادة سوى النصارى الشوام والقبط
والأروام والافرنج البلديين ونسائهم وقليل من الناس البطالين حضروا في صبحها
وفيه تواترت الاخبار بحضور عدة مراكب من الانكليز الى
ثغر
الاسكندرية وانهم حاربوا مراكب الفرنساوية الراسية
بالمينا وكانت أشيعت هذه الاخبار قبل وتحدث الناس بها فصعب ذلك على الفرنساوية
واتفق ان بعض النصارى الشوام نقل عن رجل شريف يسمى السيد احمد الزر ومن أعيان
التجار بوكالة الصابون أنه تحدث بذلك فأمروا باحضاره وذكروا له ذلك فقال أنا حكيت ما
سمعته من فلان النصراني فأحضروه ايضا وامروا بقطع لسانيهما أو يدفع كل واحد منهما
مائة ريال فرانسة نكالا لهما وزجرا عن الفضول فيما لا يعنيهما فتشفغ المشايخ فلم
يقبلوا فقال بعضهم أطلقوهما ونحن نأتيكم بالدراهم فلم يرضوا فأرسل الشيخ مصطفى
الصاوي وأحضر مائتي ريال ودفعها في الحضرة فلما قبضها الوكيل ردها ثانيا اليه وقال
فرقها على الفقراء كما أشار وردها الى صاحبها فانكف الناس عن التكلم في شأن ذلك
والواقع ان الانكليز حضروا في أثرهم الى الثغر وحاربوا مراكبهم فنالوا منهم
واحرقوا لقايق الكبير المسمى بنصف الدنيا وكان به أموالهم وذخائرهم وكان مصفحا
بالنحاس الاصفر واستمر الانكليز بمراكبهم بميناء الاسكندرية يغدون ويروحون يرصدون
الفرنسيس وفي ذلك اليوم سافر عدة من عساكرهم الى بحري والى الشرقية ولما جرى الماء
في الخليج منعوا دخول الماء الى بركة الازبكية وسدوا قنطرة الدكة بسبب وطاقهم ومدافعهم
وآلتهم التي فيها
وفيه سأل صارى عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه
كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الامور وتوقف الاحوال فلم يقبل وقال لا بد من
ذلك وأعطى له ثلثمائة ريال فرانسا معاونة وامر بتعلق تعاليق واحبال وقناديل واجتمع
الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة
الكبيرة الى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت
داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مخلفة
الاصوات مطربة وعملوا في الليل حراقة نفوط مختلفة
وسواريخ تصعد في الهواء
وفي ذلك اليوم ألبس الشيخ خليل البكري فروة وتقلد نقابة
الاشراف ونودي في المدينة بان كل من كان له دعوى على شريف فليرفعها الى النقيب
وفيه ورد الخبر بأن ابراهيم بك والامراء المصرية استقروا
بغزة
وفي خامس عشرة سافر عدة كبيرة من عسكر الفرنساوية الى
جهة الصعيد وكبيرهم ديزة وصحبتهم يعقوب القبطي ليعرفهم الامور ويطلعهم على
المخباءات
وفيه حضر القاصد الذي كان أرسله كبير الفرنساوية
بمكاتبات وهدية الى أحمد باشا الجزار بعكا وذلك عند استقرارهم بمصر وصحبته أنفار
من النصارى الشوام في صفة تجار ومعهم جانب أرز ونزلوا من ثغر دمياط في سفينة من
سفائن أحمد باشا فلما وصلوا الى عكا وعلم بها احمد باشا أمر بذلك الفرنساوي فنقلوه
الى بعض التقارير ولم يواجهه ولم يأخذ منه شيئا وأمره بالرجوع من حيث أتى وعوق
عنده نصارى الشوام الذين كانوا بصحبته
وفيه حضر جماعة من عسكر الفرنساوية الى بيت رضوان كاشف
بباب الشعرية وصحبتهم ترجمان ومهندس فانزعجت زوجته وكانت قبل ذلك بأيام صالحت على
نفسها وبيتها بألف ريال وثلثمائة ريال وأخذت منهم ورقة ألصقتها على باب دارها وردت
ماكانت وزعته من المال والمتاع عند معارفها وأطمأنت فلما حضر اليها الجماعة
المذكورون قالوا لها بلغ صارى عسكران عندك اسلحة وملابس للمماليك فانكرت ذلك
فقالوا لازم من التفتيش فقالت دونكم فطلعوا الى مكان وفتحوا مخبأة فوجدوا بها
أربعة وعشرين شروالا وبلكات وأمتعة وغير ذلك ووجدوا في أسفلها مخبأة أخرى بها عدة
كثيرة من الطبنجات والاسلحة والبنادق وصناديق بارود وغير ذلك فاستخرجوا جميع ذلك
ثم نزلوا الى تحت السلالم
وفجروا الارض وأخرجوا منها دراهم كثيرة وحجاب ذهب في
داخله دنانير ثم أنزلوا صاحبة الدار ومعها جارية بيضاء وأخذوهما مع الجواري السود
وذهبوا بهن فأقمن عندهم ثلاثة ايام ونهبوا ما وجدوه بالدار من فرش وأمتعة ثم قرروا
عليها أربعة آلاف ريال آخرى قامت بدفعها وأطلقوها رجعت الى دارها وبسبب هذه
الحادثة شددوا في طلب الاسلحة ونادوا بذلك وانهم بعد ثلاثة ايام يفتشون البيوت
وقال الناس ان هذه حيلة على نهب البيوت ثم بطل ذلك وحصل بينها وبين مباشرها القبطي
منافسة فذهب وأغرى بها ودل على ذلك
وفي عشرينه قلدوا مصطفى بك كتخدا الباشا على امارة الحاج
فحضروا الى المحكمة عند القاضي ولبس هناك الخلعة بحضرة مشايخ الديوان والتزم
بونابارته بتسهيل مهمات الحج وعمل محلا جديدا
وفيه سأل أصحاب الحصص الالتزام في التصرف في حصصهم
فطلبوا منهم حلوانا فلم يرتضوا بذلك فواعدهم لتمام التحرير والاملاء وقالوا كل من
كان له التزام وتقسيط ناطق باسمه يحضره ويمليه ففعلوا ذلك في عدة أيام
وفيه قدروا فرضة من المال على القرى والبلاد ونشروا بذلك
أوراقا وذكروا فيها انها تحسب من المال وقيدوا بذلك الصيارف من القبط
وفيه طلب صارى عسكر بونابارته المشايخ فلما استقروا عنده
نهض بونابارته من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة الوان كل طيلسان ثلاثة
عروض أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدا على كتف الشيخ الشرقاوي فرمى به الى الارض واستعفى
وتغير مزاجه ونزلوا في البلاد مثل الحكام يحبسون ويضربون ويشددون في الطلب وانتفع
لونه واحتد طبعه فقال الترجمان يا مشايخ انتم صرتم أحبابا لصارى عسكر وهو يقصد
تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فان تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار لكم
منزلة في قولهم فقالوا
له لكن قدرنا يضيع عند الله وعند اخواننا من المسلمين
فاغتاظ لذلك وتكلم بلسانه وبلغ عنه بعض المترجمين انه قال عن الشيخ الشرقاوي انه
لا يصلح للرياسة ونحو ذلك فلاطفه بقية الجماعة واستعفوه من ذلك فقال ان لم يكن ذلك
فلازم من وضعكم الجوكار في صدروكم وهي العلامة التي يقال لها الوردة فقالوا
أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يوما
وفي ذلك الوقت حضر الشيخ السادات باستدعاء فصادفهم
منصرفين فلما استقر به الجلوس بش له وضاحكه صارى عسكر ولاطفه في القول الذي يعربه
الترجمان واهدى له خاتم الماس وكلفه الحضور في الغد عنده وأحضر له جوكار أوثقه
بفراجته فسكت وسايره وقام وانصرف فلما خرج من عنده رفعه على ان ذلك لا يخل بالدين
وفي ذلك اليوم نادى جماعة القلقات على الناس بوضع العلامات
المذكورة المعروفة بالوردة وهي اشارة الطاعة والمحبة فانف غالب الناس من وضعها
وبعضهم رأى ان ذلك لا يخل بالدين اذ هو مكره وربما ترتب على عدم الامتثال الضرر
فوضعها ثم في عصر ذلك اليوم نادوا بابطالها من العامة والزموا بعض الاعيان ومن
يريد الدخول عندهم لحاجة من الحاجات بوضعها فكانوا يضعونها اذا حضرا عندهم
ويرفعونها اذا انفصلوا عنهم وذلك ايام قليلة وحصل ما يأتي ذكره فتركت
وفي اواخره كان انتقال الشمس لبرج الميزان وهو الاعتدال
الخريفي فشرع الفرنساويه في عمل عيدهم ببركة الازبكية وذلك اليوم كان ابتداء قيام
الجمهور ببلادهم فجعلوا ذلك اليوم عيدا وتاريخا فنقلوا اخشابا وحفروا حفرا وأقاموا
بوسط بركة الازبكية صاريا عظيما بآلة وبناء وردموا حوله ترابا كثيرا عاليا بمقدار
قامة وعملوا في أعلاه قالبا من الخشب محددا لاعلى مربع الاكان ولبسوا باقيه على
سمت القالب قماشا تخينا طلوه بالحمرة الجزعة وعملوا اسفله قاعدة نقشوا عليها
تصاوير سواد في بياض ووضعوا قبالة باب الهواء بالبركة
شبه بوابة كبيرة عالية من خشب مقفص وكسوها بالقماش المدهون مثل لون الصاري وفي
أعلى القوصرة طلاء ابيض وبه تصاوير بالأسود مصور فيه مثل حرب المماليك المصرية
معهم وهم في شبه المنهزمين بعضهم واقع على بعض وبعضهم متلفت الى خلف وعلى موازاة
ذلك من الجهة الاخرى بناحية قنطرة الدكة التي يدخل منها الماء الى البركة مثال
بوابة اخرى على غير شكلها لاجل حراقة البارود وأقاموا أخشابا كثيرة منتصبة مصطفة
منها الى البوابة الاخرى شبه الدائرة متسعة محيطة بمعظم قضاء البركة بحيث صار
عامود الصاري الكبير المنتصف المذكور في المركز وربطوا بين تلك الاخشاب حبالا
ممتدة وعلقوا بها صفين من القناديل وبين ذلك تماثيل لحراقة البارود ايضا وأقاموا
في عمل ذلك عدة أيام
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاربعاء سنة 1213 فيه وردت
الاخبار بان مراد بك ومن معه لما بلغه ورود الفرنسيس عليهم رجعوا الى جهة الفيوم
وان عثمان بك الاشقر عدى الى البر الشرقي وذهب من خلف الجبل الى استاذه ابراهيم بك
بغزة وخرج جماعة من الفرنساوية الى جهة الشرق ومعهم عدة جمال وأحمال فخرج عليهم
الغزو العرب الذين يصحبونهم فأخذوا منهم عدة جمال باحمالها ولم يلحقوهم
وفي ثالثه حضرت مكاتبة من ابراهيم بك خطابا للمشايخ
وغيرهم مضمونها انكم تكونون مطمئنين ومحافظين على انفسكم والرعية وان حضرة مولانا
السلطان وجه لنا عساكر وان شاء الله تعالى عن قريب نحضر عندكم فلما وردت تلك
المكاتبة وقد كان سأل عنها بونابارته فأرسلوها له وقرئت عليه فقال المماليك كذابون
ووافق ايضا انه حضر آغا رومي وكان معوقا بالاسكندرية فمر بالشارع وذهب لزيارة
المشهد الحسيني فشاهده الناس فاستغربوا هيئته وفرحوا برؤيته وقالوا هذا رسول الحي
حضر من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرهم بالخروج من مصر
واختلفت رواياتهم وآراؤهم واخبارهم وتجمعوا بالمشهد
الحسيني وتبع بعضهم بعضا وصادف ذلك ان بونابارته في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل
بين الناس انه ورد مكتوب الى المشايخ ايضا وأخفوه فركب من فوره وحضر الى بيت الشيخ
السادات بالمشهد الحسيني وكان الوقت بعد الظهر فدخل على حين غفلة ولم يكن تقدم له
مجيء وهو في كبكبة وخيول كثيرة وعساكر فانزعج الشيخ وكان منحرف المزاج ونزل اليه
وهو لا يعرف السبب في مجيئه في مثل هذا الوقت على هذه الصورة فعندما شاهده سأله عن
ذلك المكتوب فقال لا علم لي بذلك ولم يكن بلغه الخبر ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر
بعسكره وطوافيه من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجامع والخطة وهم يلغطون
ويخلطون فلما نظروه وشاهد هو جميعتهم داخله امر من ذلك فصاحوا باجمعهم وقالوا بصوت
عال الفاتحة فشخص اليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول وقالوا له
انهم يدعون لك وذهب الى داره وكانت نكتة غريبة وساعة اتفاقية عجيبة كاد ينشأ منها
فتنة
وفيه شرعوا في خلع البوابات والدروب غير النافذة ايضا
ونقلوا الجميع الى بركة الازبكية عند رصيف الخشاب والبوابة الكبيرة يقطعونها نصفين
ويرفعونها بالعتالين الى هناك فاجتمع من ذلك شيء كثير جدا وامتلأ من رصيف الخشاب
الى قريب وسط البركة
وفي يوم السبت حادي عشرة كان يوم عيدهم الموعود به
فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة ووضعوا على كل قائم من الخشب بنديرة من بنديراتهم
الملونة وضربوا طبولهم واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة واصطفوا صفوفا
علىطرائقهم المعروفة بينهم ودعوا المشايخ وأعيان المسلمين والقبطة والشوام
فاجتمعوا ببيت صارى عسكر بونابارته وجلسوا حصة من النهار ولبسوا في ذلك اليوم
ملابس الافتخار ولبس المعلم جرجس الجوهري كركه بطرز قصب على اكتافها
الى أكمامها وعلى صدره شمسات قصب بازرار وكذلك فلتيوس
وتعمموا بالعمائم الكشميري وركبوا البغال الفارهة وأظهروا البشر والسرور في ذلك
اليوم الى الغاية ثم نزل عظماؤهم وصحبتهم المشايخ والقاضي وكتخدا الباشا فركبوا وذهبوا
عند الصاري الكبير الموضوع بوسط البركة وقد كانوا فرشوا في أسفله بسطا كثيرة ثم ان
العساكر لعبوا ميدانهم وعملوا هيئة حربهم وضربوا البنادق والمدافع فلما انقضى ذلك
اصطفت العساكر صفوفا حول ذلك الصاري وقرأ عليهم كبير قسوسهم ورقة بلغتهم لا يدري
معناها الاهم وكأنها كالوصية أو النصيحة أو الوعظ ثم قاموا وانفض الجمع ورجع صارى
عسكر الى داره فمد سماطا عظيما للحاضرين فلما كان عند الغروب أوقدوا جميع القناديل
التي على الحبال والتماثيل والاحمال التي على البيوت وعند العشاء عملوا حراقة بارود
وسواريخ ونفوط وشبه سواقي ودواليب من قار ومدافع كثيرة نحو ساعتين من الليل واستمرت
القناديل موقدة حتى طلع النهار ثم فكوا الحبال والتعاليق والتماثيل المصنوعة وبقيت
البوابة المقابلة لباب الهواء والصاري الكبير وتحته جماعة ملازمون الاقامة عنده
ليلا ونهار من عساكرهم لأنه شعارهم واشارة الى قيام دولتهم في زعمهم
وفي ثاني ليلة منه ركب كبيرهم الى بر الجيزة وسفر عساكر
الى الجهة التي بها مراد بك وكذلك الى جهة الشرقية ومعهم مدافع على عجل وفيه ارسل
دبوي قائممقام الى الست نفيسة وطلب منها احضار زوجة عثمان بك الطنبرجي فأرسلت الى
المشايخ تستغيث بهم فحضر اليها الشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي وقصدوا منعها
فلم يمكنهم فذهبوا صحبتها ونظروا في قصتها والسبب في طلبها انهم وجدوا رجلا فراشا
معه جانب دخان وبعض ثياب فقبضوا عليه وقرروه فأخبر انه تابعها وانها أعطته ذلك
ووعدته بالرجوع اليها لتسلمه شبكي دخان وفروة وخمسمائة محبوب ليوصل ذلك الى سيده
فهذا هو السبب في طلبها
فقالوا وأين الفراش فبعثوا لاحضاره وسألوها فانكرت ذلك بالمرة
فانتظروا حضور الفراش الى بعد الغروب فلم يحضر فقال لهم المشايخ دعوها تذهب الى
بيتها وفي غد تأتي وتحقق هذه القضية فقال دبوى نونو ومعناه بلغتهم النفي أي لا
تذهب فقالوا له دعها تذهب هي ونحن نبيت عوضا عنها فلم يرض ايضا وعالجوا في ذلك
بقدر طاقتهم فلما أيسوا تركوها ومضوا فباتت عندها في ناحية من البيت وصحبتها جماعة
من النساء المسلمات والنساء الافرنجيات فلما اصبح النهار ركب المشايخ الى كتخدا
الباشا والقاضي فركبا معا وذهبا الى بيت صاري عسكر الكبير فاحضرها وسلمها الى
القاضي ولم يثبت عليها شيء من هذه الدعوة وقرروا عليها ثلاثة آلاف ريال فرانسة
وذهبت الى بيت لها مجاور لبيت القاضي وأقامت فيه لتكون في حمايته
وفي يوم الخميس نادوا في الاسواق بان كل من كان عنده
بغلة يدهب بها الى بيت قائمقام ببركة الفيل ويأخذ ثمنها واذا لم يحضرها بنفسه تؤخذ
منه قهرا ويدفع ثلثمائة ريال فرانسا وكان احضرها باختياره يأخذ في ثمنها خمسين
ريالا قلت قيمتها او كثرت فغنم صاحب الخسيس وخسر صاحب النفيس ثم ترك ذلك وفيه
نادوا بوقود قناديل سهارى بالطرق والاسواق وان يكون على كل دار قنديل وعلى كل
ثلاثة دكاكين قنديل وان يلازموا الكنس والرش وتنظيف الطرق من العفوشات والقاذورات
وفيه نادوا على الاغراب من المغاربة وغيرهم والخدامين
والبطالين ليسافروا الى بلادهم وكل من وجد بعد ثلاثة ايام يستأهل الذي يجري عليه
وكرروا المناداة بذلك وأجلوهم بعدها أربعة وعشرين ساعة فذهبت جماعة من المغاربة
الى صارى عسكر وقالوا له ارنا طريقا للذهاب فان طريق البرغير مسلوكة والانكليز
واقفون بطريق البحر يمنعون المسافرين ولا نقدر على المقام في الاسكندرية من الغلاء
وعدم الماء بها فتركهم
وفيه جعلوا ابراهيم اغات المتفرقة المعمار قبطان السويس
وسافر معه انفار ببيرق فرنساوي فخرج عليهم العربان في الطريق فنهبوهم وقتلوا
ابراهيم اغا المذكور ومن بصحبته ولم يسلم منهم الا القليل وفيه أهمل آمر الديوان الذي
يحضره المشايخ ببيت قائد آغا فاستمروا آياما يذهبون فلم يأتهم أحد فتركوا الذهاب
فلم يطلبوا
وفيه شرعوا في ترتيب ديوان آخر وسموه محكمة القضايا
وكتبوا في شأن ذلك طومارا وشرطوا فيه شروطا ورتبوا فيه ستة أنفار من النصارى القبط
وستة أنفار من تجار المسلمين وجعلوا قاضيه الكبير ملطى القبطي الذي كان كاتبا عند
ايوب بك الدفتردار وفوضوا اليهم القضايا في امور التجار والعامة والمواريث
والدعاوي وجعلوا لذلك الديوان قواعد واركانا من البدع السيئة وكتبوا نسخا من ذلك
كثيرة ارسلوا منها الى الاعيان ولصقوا منها نسخا في مفارق الطرق ورؤوس العطف
وابواب المساجد وشرطوا في ضمنه شروطا وفي ضمن تلك الشروط شروطا اخرى بتعبيرات سخيفة
يفهم منها المراد بعد التأمل الكثير لعدم معرفتهم قوانين التراكيب العربية ومحصله
التحيل على أخذ الاموال كقولهم بان أصحاب الاملاك يأتون بحججهم وتمسكاتهم الشاهدة
لهم بالتمليك فإذا احضروها وبينوا وجه تملكهم لها اما بالبيع أو الانتقال لهم
بالارث لا يكتفي بذلك بل يؤمر بالكشف عليها في السجلات ويدفع على ذلك الكشف دراهم
بقدر عينوه في ذلك الطومار فان وجد تمسكه مقيدا بالسجل طلب منه بعد ذلك الثبوت
ويدفع على ذلك الاشهاد بعد ثبوته وقبوله قدرا آخر ويأخذ بذلك تصحيحا ويكتب له بعد
ذلك تمكين وينظر بعد ذلك في قيمته ويدفع على كل مائة اثنين فان لم يكن له حجة او
كانت ولم تكن مقيدة بالسجل أو مقيدة ولم يثبت ذلك التقييد فانها تضبط لديوان
الجمهور وتصير من حقوقهم وهذا شيء متعذر وذلك ان الناس انما وضعوا أيديهم على أملاكهم
اما بالشراء أو بايلولتهالهم من مورتهم او نحو
ذلك بحجة قريبة او بعيدة العهد او بحجج اسلافهم ومورثيهم
فاذا طولبوا باثبات مضمونها تعسر أو تعذر لحادث الموت او الاسفار او ربما حضرت
الشهود فلم تقبل فان قبلت فعل به ما ذكر ومن جملة الشروط مقررات على المواريث
والموتى ومقاديرها متنوعة في القلة والكثرة كقولهم اذا مات الميت يشاورون عليه
ويدفعون معلوما لذلك ويفتحون تركته بعد أربع وعشرين ساعة فإذا بقيت اكثر من ذلك ضبطت
للديوان ايضا ولا حق فيها للورثة وان فتحت على الرسم بأذن الديوان يدفع على ذلك
الاذن مقررا أو كذلك على ثبوت الوراثة ثم عليهم بعد قبض ما يخصهم مقرر وكذلك من
يدعي دينا على الميت يثبته بديوان الحشريات ويدفع على اثباته مقرر او يأخذ له ورقة
يستلم بها دينه فاذا استلمه رفع مقررا ايضا ومثل ذلك في الرزق والاطيان بشروط
وانواع وكيفية اخرى غير ذلك والهبات والمبايعات والدعاوي والمنازعات والمشاجرات
والاشهادات الجزئيات والكليات والمسافر كذلك لا يسافر الا بورقة ويدفع عليها قدرا
وكذلك المولود اذا ولد ويقال له اثبات الحياة وكذلك المؤاجرات وقبض أجر الاملاك
وغير ذلك
وفيه نادى أصحاب الدرك على العامة بترك الفضول والكلام
في أمور الدولة فإذا مر عليهم جماعة من العسكر مجروحون او منهزمون لا يسخرون بهم
ولا يصفقون عليهم كما هي عادتهم
وفيه نهبوا أمتعة عسكر القلينجية الذين كانوا عسكر عند
الامراء فأخذوا مكانا بوكالة علي بساحل بولاق وبالجمالية واخذوا متاعهم ومتاع
شركائهم محتجين بانهم قاتلوا مع المماليك وهربوا معهم
وفيه أحضروا محمد كتخدا اباسيف الذي كان سردارا بدمياط
من طرف الامراء المصريين وكان سابقا كتخدا حسن بك الجداوي فلما حضر حبسوه في
القلعة وحبسوا معه فراشا لابراهيم بك
وفيه أمروا سكان القلعة بالخروج من منازلهم والنزول الى
المدينة
ليسكنوا بها فنزلوا وأصعدوا الى القلعة مدافع ركزوها
بعدة مواضع وهدموا بها ابنية كثيرة وشرعوا في بناء حيطان وكرانك واسوار وهدموا
أبنية عالية واعلوا مواضع متخفضة وبنوا على بدنات باب العزب بالرميلة وغيروا
معالمها وأبدلوا محاسنها ومحوا ما كان بها من معالم السلاطين وآثار الحكماء والعظماء
وما كان في الابواب العظام من الاسلحة والدرق والبلط والحوادث والحرب الهندية وأكر
الفداوية وهدموا قصر يوسف صلاح الدين ومحاسن الملوك والسلاطين ذوات الأركان
الشاهقة والاعمدة الباسقة
وفيه عينت عساكر الى مراد بك وذهبوا اليه ببجر يوسف جهة
الفيوم
وفي يوم الخميس سادس عشرة نودي بان كل من تشاجر مع
نصراني او يهودي يشهد احد الخصمين على الاخر ويطلبه لبيت صارى عسكر
وفيه قتلوا شخصين وطافوا برؤسهما و هم ينادون عليهما
ويقولون هذا جزاء من يأتي بمكاتيب من عند المماليك او يذهب اليهم بمكاتيب
وفيه نبهوا على الناس بالمنع من دفن الموتى بالترب
القريبة من المساكن كتربة الازبكية والرويعي ولا يدفنون الموتى الا في القرافات
البعيدة والذي ليس له تربة بالقرافة يدفن ميته في ترب المماليك وإذا دفنوا يبالغون
في تسفيل الحفر ونادوا ايضا بنشر الثياب والامتعة والفرش بالاسطحة عدة أيام وتبخير
البيوت بالبخورات المذهبة للعفونة كل ذلك للخوف من حصول الطاعون وعدوه ويقولون ان
العفونة تنحبس باغوار الارض فاذا دخل الشتاء وبردت الاغوار بسريان النيل والامطار
والرطوبات خرج ما كان منحبسا بالارض من الابخرة الفاسدة فيتعفن الهواء فيحصل
الوباء والطاعون ومن قولهم ايضا ان مرض مريض لابد من الاخبار عنه فيرسلون من جهتهم
حكيما للكشف عليه ان كان مرضه بالطاعون او بغيره ثم يرون رأيهم فيه
وفي يوم السبت ثامن عشره ذهبت جماعة من القواسة الذين
يخدمون
الفرنساوية وشرعوا في هدم التراكيب المبنية على المقابر
بتربة الازبكية وتمهيدها بالارض فشاع الخبر بذلك وتسامع أصحاب الترب بتلك البقعة
فخرجوا من كل حدب ينسلون وأكثرهم النساء الساكنات بحارات المدابغ وباب اللوق وكرم الشيخ
سلامة والفوالة والمناصرة وقنطرة الامير حسين وقلعة الكلاب الى أن صاروا كالجراد
المنتشر ولهم صياح وضجيج واجتمعوا بالازبكية ووقفوا تحت بيت صارى عسكر فنزل لهم
المترجمون واعتذروا بان صارى عسكر لاعلم له بذلك الهدم ولم يأمر به وانما أمر بمنع
الدفن فقط فرجعوا الى أماكنهم ورفع الهدم عنهم
وفيه كتبوا من المشايخ كتابا ليرسلوه الى السلطان وآخر
الى شريف مكة ثم انهم بصموا منه عدة نسخ ولصقوها بالطرق والمفارق وصورته ملخصا بعد
الصدر وذكر ورودهم وقتالهم مع المماليك وهروبهم وان جماعة من العلماء ذهبت اليهم بالبر
الغربي فأمنوهم وكذلك الرعية دون المماليك وذكروا فيه انهم من اخصاء السلطان
العثماني وأعداء اعدائه وان السكة والخطبة بأسمه وشعائر الاسلام مقامة على ما هي
عليه وباقية بمعنى الكلام السابق من قولهم انهم مسلمون وانهم محترمون القرآن
والنبي وانهم اوصلوا الحجاج المتشتتين واكرموهم وأركبوا الماشي واطعموا الجيعان
وسقوا العطشان واعتنوا بيوم الزينة يوم جبر البحر وعملوا له شأنا ورونقا استجلا
بالسرور المؤمنين وانفقوا أموالا برسم الصدقة على الفقراء وكذلك اعتنوا بالمولد
النبوي وأنفقوا اموالا في شأن انتظامه وتفق راينا ورأيهم على لبس حضرة الجناب
المحترم مصطفى أغا كتخدا بكر باشا والي مصر حالا فاستحسنا ذلك لبقاء علقة الدولة
العلية وهم ايضا مجتهدون في اتمام مهمات الحرمين وأمرونا أن نعلمكم بذلك والسلام
وفيه وقعت حادثة جزئية من جملة الجزئيات وهو ان رجلا
صيرفيا بجوار حارة الجوانية وقع من لفظه انه قال السيد احمد البدوي بالشرق والسيد
ابراهيم الدسوقي بالغرب يقتلان كل من يمر عليهما من النصارى
وكان هذا الكلام بمحضر النصارى الشوام فجاوبه بعضهم
واسمعه قبيح القول ووقع بينهما التشاجر فقام النصراني وذهب الى دبوى وأخبره بالقصة
فأرسل وقبض على ذلك الصيرفي وحبسه وسمر حانوته وختم على داره وتشفع فيه المشايخ
عدة مرار فأطلقوه بعد يومين وأرسلوه الى بيت الشيخ البكري ليؤدب هناك بالضرب او
يدفع خمسمائة ريال فرانسة فضرب مائة سوط وأطلق سبيله وكذلك أفرجوا عن بقية
المسجونين
وفي يوم الاثنين طاف أصحاب الدرك على الاخطاط والوكائل
فكتبوا أسماءها وأسماء البوابين وامروهم ان لا يسكنوا احدا من الاغراب ولا يطلقوا
احدا بلا أذن من اغات مستحفظان
وفي يوم الثلاثاء عمل المولد الحسيني وكان من العزم تركه
في هذا العام فدس بعض المنافقين دسيسة عند الفرنسيس وذلك انه وقعت المذاكرة بان من
المعتاد أن يعمل المولد الحسيني بعد مولد النبي فقال بونابارته ولم لم يعملوه فقال
ذلك المنافق غرض الشيخ السادات عدم عمله الا أذا حضر المسلمون فبلغ شيخ السادات
ذلك فشرع في عمله عل سبيل الاختصار وحضر صارى عسكر وشاهد الوقدة ورجع الى داره بعد
العشاء
وفيه حضر علماء الاسكندرية واعيانها وكذلك رشيد ودمياط
وبقية البنادر باستدعاء صارى عسكر ليحضروا الديوان الشارعين فيه لترتيب النظام
الذي سبقت الاشارة اليه
وفيه سافر ايضا جماعة من الفرنسيس الى جهة مراد بك ومن
معه التقوا معهم وتراموا ساعة ثم انهزموا عنهم واطمعوهم في أنفسهم فتتبعوهم الى
اسفل جبل اللاهون ثم خرجوا عليهم على مثل حالهم رجالا وتراموا معهم واكمنوا لهم وثبتوا
معهم وظهر عليهم المصريون وقتل من الفرنساوية مقتلة كبيرة
وفيه سقطت البوابة المصنوعة ببركة الازبكية المقابلة
لباب الهواء التي
كانوا وضعوها في يوم عيدهم وقد تقدم شرحها ووصفها وسبب
سقوطها انهم لما منعوا الماء من دخوله للبركةوسدوا القنطرة كما تقدم علا الماء في
أرض البركة وتخلخلت الارض فسقطت تلك البوابة
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه نبهوا على المشايخ والاعيان
التجار ومن حضر من الاقطار بالحضور الى الديوان العام ومحكمة النظام بكرة تاريخه
وذلك ببيت مرزوق بك بحارة عابدين فلما أصبح يوم السبت أعادوا التنبيه بحضورهم
بالديوان القديم ببيت قائد أغا بالازبكية فتوجه المشايخ المصرية والذين حضروا من
الثغور والبلاد وحضر الوجاقات وأعيان التجار ونصارى القبط والشوام ومديروا الديوان
من الفرنسيس وغيرهم جمعا موفورا فلما استقر بهم الجلوس شرع ملطى القبطي الذي عملوه
قاضي في قراءة فرمان الشروط وفي المناقشة فابتدر كبير المدبرين في اخراج طومار آخر
وناوله للترجمان فنشره وقرأه وملخصه ومضمونه الاخبار بان قطر مصر هو المركز الوحيد
وانه اخصب البلاد وكان يجلب اليه المتاجر من البلاد البعيدة وان العلوم والصنائع
والقراءة والكتابة التي يعرفها الناس في الدنيا أخذت عن أجداد أهل مصر الاول ولكون
قطر مصر بهذه الصفات طمعت الامم في تملكه فملكه أهل بابل وملكه اليونانيون والعرب
والترك الان الا ان دولة الترك شددت في خرابه لانها اذا حصلت الثمرة قطعت عروقها
فلذلك لم يبقوا بأيدي الناس الا القدر اليسير وصار الناس لاجل ذلك مختفين تحت حجاب
الفقر وقاية لانفسهم من سوء ظلمهم ثم ان طائفة الفرنساوية بعدما تمهد امرهم وبعد
صيتهم بقيامهم بأمور الحروب اشتاقت أنفسهم لاستخلاص مصر مما هي فيه واراحة أهلها من
تغلب هذه الدولة المفعمة جهلا وغباوة فقدموا وحصل لهم النصرة ومع ذلك لم يتعرضوا
لاحد من الناس ولم يعاملوا الناس بقسوة وان غرضهم تنظيم امور مصر واجراء خلجانها
التي دثرت ويصير لها طريقان طريق الى البحر الاسود وطريق الى البحر الاحمر فيزداد
خصبها وريعها ومنع القوى من ظلم الضعيف وغير ذلك استجلا
بالخواطر أهلها وابقاء للذكر الحسن فالمناسب من اهلها
ترك الشغب واخلاص المودة وان هذه الطوائف المحضرة من الاقاليم يترتب على حضورها أمور
جليلة لانهم اهل خبرة وعقل فيسألون عن امور ضرورية ويجيبون عنها فينتج لصارى عسكر
من ذلك ما يليق صنعه الى آخر ما سطروه من الكلام قلت ولم يعجبني في هذا التركيب
الا قوله المفعمة جهلا وغباوة بعد قوله بعد ذلك ومع ذلك لم يتعرضوا لاحد الى آخر
العبارة ثم قال الترجمان نريد منكم مشايخ أن تختاروا شخصا منكم يكون كبيرا ورئيسا
عليكم ممتثلثين أمره واشارته فقال بعض الحاضرين الشيخ الشرقاوي فقال نونو وإنما
ذلك يكون بالقرعة فعملوا قرعة باوراق فطلع الاكثر على الشيخ الشرقاوي فقال حينئذ
يكون الشيخ عبد الله الشرقاوي هو الرئيس فما تم هذا الامر حتى زالت الشمس فأدنوا
لهم في الذهاب وألزموهم بالحضور في كل يوم
وفيه وقعت كائنة الحاج محمد بن قيمو المغربي التاجر
الطرابلسي وهو انه كان بينه وبين بعض نصارى الشوام المترجمين منافسة فانهى الى
عظماء الفرنسيس انه ذو مال وانه شريك عبد الله المغربي تابع مراد بك فأرسلوا بطلبه
فذهب الى بيت الشيخ عبد الله الشرقاوي لنسابة بينهما فقال الشيخ للقواسة المرسلين
بعد سؤالهم عن سبب طلبهم له فقالوا لدعوة ليست شرعية فقال لهم في غدا حضروا خصمه
ويتداعى معه فان توجه الحق عليه الزمناه بدفعه فرجعت الرسل وتغيب الرجل لخوفه فبعد
مضي مقدار نحو ساعة حضر نحو الخمسين عسكريا من الفرنسيس الى بيت الشيخ وطالبوه به فأخبرهم
انه هرب فلم يقبلوا عذره والحوا في طلبه ووقفوا ببنادقهم وأرهبوا فركب المهدي
والدواخلي الى صاري عسكر وأخبروه بالقضية وبهروب الرجل فقال ولاي شيء يهرب فقالوا
من خوفه فقال لولا ان جرمه كبير لما هرب وأنتم غيبتموه وأظهر الحنق والغيظ فلاطفاه
واستعطفا خاطر الترجمان فكلمه وسكن غيظه ثم سأل عن منزله ومخزنه فأخبراه عنهما
فقال نذهب معكما من يختم
عليهما حتى يظهر في غد فاطمأنوا لذلك ورجعوا عن الغروب
وختموا على مخزنه ومنزله فلما أصبح النهار فلم يظهر الرجل فأخذوا ما وجدوه فيهما
من البضائع والامانات
وفي يوم الاحد ذهبوا الى الديوان وعملوا مثل عملهم الاول
حتى تمموا أسماء المنتخبين بديوان مصر من الثغور والمشايخ والوجاقلية والقبط
والشوام وتجار الملسلمين وذلك الترتيب غير ترتيب الديوان السابق
وفي يوم الاثنين اجتمعوا بالديوان ونادى المنادي في ذلك
اليوم بالاسواق على الناس باحضارهم حجج املاكهم الى الديوان والمهلة ثلاثون يوما
فان تأخر عن الثلاثين يضاعف المقرر ومهلة البلاد ستون يوما ولما تكامل الجميع شرع ملطي
في قراءة المنشور وتعداد ما به من الشروط مسطور وذكر من ذلك أشياء منها أمر
المحاكم والقضايا الشرعية وحجج العقارات وأمر المواريث وتناقشوا في ذلك حصة من
الزمن وكتبوا هذه الاربعة أشياء أرباب ديوان الخاصة يدبرون رأيهم في ذلك وينظرون
المناسب والاحسن وما فيه الراحة لهم وللرعية ثم يعرضون مادبروه يوم الخميس وما بين
ذلك له مهلة وانفض المجلس
واستهل شهر جمادى الاولى يوم الخميس الموعود سنة 1213 م
واجتمعوا بالديوان ومعهم مالخصوه واستأصلوه في الجملة فاما أمر المحاكم والقضايا
فالاولى ابقاؤها على ترتيبها ونظامها وعرفوهم عن كيفية ذلك ومثل ذلك ما عليه أمر
محاكم البلاد فاستحسنوا ذلك الا أنهم قالوا يحتاج الى ضبط المحاصيل وتقريرها على أمر
لا يتعداه القضاة ولا نوابهم فقرروا ذلك وهو انه اذا كان عشرة آلاف فما دونها يكون
على كل الف ثلاثون نصفا واذا كان المبلغ مائة يكون على الالف خمسة عشر فان زاد على
ذلك فعشرة واتفقوا على تقرير القضاة ونوابهم على ذلك وأما حجج العقارات فأنه امر شاق
طويل الذيل فالمناسب فيه والاولى ان يجعلوا عليها دراهم من بادىء الرأي ليسهل
تحصيلها ويحسن عليها السكوت ويكون المحصول أعلى وأدنى وأوسط وبينوا القدر المناسب
بتفصيل الاماكن وكتبوه وابقوه حتى يرى الآخرون رأيهم فيه
وانفض الديوان وفي ذلك اليوم نودي في الاسواق بنشر الثياب والامتعة خمسة عشر يوما
وقيدوا على مشايخ الاخطاط والحارات والقلقات بالفحص والتفتيش فعينوا لكل حارة
امرأة ورجلين يدخلون البيوت للكشف عن ذلك فتصعد المرأة الى أعلى الدار وتخبرهم عن
صحة نشرهم الثياب ثم يذهبون بعد التأكد على أهل المنزل والتحذير من ترك الفعل وكل
ذلك لذهاب العفونة الموجبة للطاعون وكتبوا بذلك أرواقا لصقوهم بحيطان الاسواق على
عادتهم في ذلك
وفيه حضر الى بيت البكري جم غفير من اولاد الكتاتيب والفقهاء
والعميان والمؤذنين وأرباب الوظائف والمستحقين من الزمني والمرضي بالمرستان
المنصوري واوقاف عبد الرحمن كتخدا وشكوا من قطع رواتبهم وخبزهم لان الاوقاف تعطل
ايرادها واستولى على نظارتها النصارى القبط والشوام وجعلوا ذلك مغنما لهم فواعدهم
على حضورهم الديوان وينهوا شكواهم ويتشفع لهم فذهبوا راجعين وفيه قدمت مراكب من
جهة الصعيد وفيها عدة من العسكر مجروحين
وفيه وضعوا على التلال المحيطة بمصر ببارق بيضا فأكثر
الناس من اللغط ولم يعلموا سبب ذلك
وفي يوم الاحد اجتمعوا في الديوان واخذوا فيما هم فيه
فذكروا أمر المواريث فقال ملطي مشايخ أخبرونا عما تصنعونه في قسمة المواريث فأخبره
بفروض المواريث الشرعية فقال ومن أين لكم ذلك فقالوا من القرآن وتلوا عليهم بعض آيات
المواريث فقال الافرنج نحن عندنا لا نورث الولد ونورث البنت ونفعل كذا وكذا بحسب
تحسين عقولهم لان الولد أقدر على التكسب من البنت فقال ميخائيل كحيل الشامي وهو من
أهل الديوان ايضا نحن والقبط يقسم لنا مواريثنا المسلمون ثم التمسوا من المشايخ أن
يكتبوا لهم كيفية القسمة ودليلها فسايروهم ووعدوهم بذلك وانفضوا وفي ذلك اليوم
عزلوا محمد أغا
المسلماني أغات مستحفظان وجعلوه كتخدا أمير الحاج
واستقروا بمصطفى أغا تابع عبد الرحمن أغا مستحفظان سابقا عوضا عنه ونودي بذلك
وفي يوم الاثنين عملوا لهم ديوانا وكتبوا لهم كيفية قسمة
المواريث وفروض القسمة الشرعية وحصص الورثة والآيات المتعلقة بذلك فاستحسنوا ذلك
وفي يوم السبت عاشر جمادى الاولى عملوا الديوان واحضروا
قائمة مقررات الاملاك والعقار فجعلوا على الاعلى ثمانية فرانسة والاوسط ستة
والادنى ثلاثة وما كان أجرته أقل من ريال في الشهر فهو معافى وأما الوكائل
والخانات والحمامات والمعاصر والسيارج والحوانيت فمنها ما جعلوا عليه ثلاثين
وأربعين بحسب الخمسة والرواج والاتساع وكتبوا بذلك مناشير على عادتهم وألصقوها
بالمفارق والطرق وأرسلوا منها نسخا للاعيان وعينوا المهندسين ومعهم اشخاص لتمييز الاعلى
من الادنى وشرعوا في الضبط والاحصاء وطافوا ببعض الجهات لتحرير القوائم وضبط اسماء
أربابها ولما أشيع ذلك في الناس كثر لغطهم واستعظموا ذلك والبعض استسلم للقضاء
فانتبذ جماعة من العامة وتناجوا في ذلك ووافقهم على ذلك بعض المتعممين الذي لم
ينظر في عواقب الامور ولم يتفكر أنه في القبضة مأسور فتجمع الكثير من الغوغاء من
غير رئيس يسوسهم ولا قائد يقودهم وأصبحوا يوم الاحد متحزبين وعلى الجهاد عازمين
وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح وآلات الحرب والكفاء وحضر السيد بدر وصحبته
حشرات الحسينية وزعر الحارات البرانية ولهم صياح عظيم وهول جسيم ويقولون بصياح في
الكلام نصر الله دين الاسلام فذهبوا الى بيت قاضي العسكر وتجمعوا وتبعهم ممن على شاكلتهم
نحو الالف والاكثر فخاف القاضي العاقبة وأغلق أبوابه واوقف حجابه فرجموه بالحجارة
والطوب وطلب الهرب فلم يمكنه الهروب وكذلك اجتمع بالأزهر العالم الاكبر وفي ذلك
الوقت حضر دبوى بطائفة من فرسانه وعساكره وشجعانه فمر بشارع الغورية وعطف على خط
الصنادقية وذهب الى بيت القاضي فوجد ذلك الزحام فخاف
وخرج من بين القصرين وباب الزهومة وتلك الاخطاط بالخلائق مزحومة فبادروا اليه
وضربوه واثخنوا جراحاته وقتل الكثير من فرسانه وابطاله وشجعانه فعند ذلك أخذ
المسلمون حذرهم وخرجوا يهرعون ومن كل حدب ينسلون ومسكوا الاطراف الدائرة بمعظم
اخطاط القاهرة كباب الفتوح وباب النصر والبرقية الى باب زويلة وباب الشعرية وجهة
البندقانيين وما حاذاها ولم يتعد جهة سواها وهدموا مساطب الحوانيت وجعلوا احجارها
متاريس للكرنكة لتعوق هجوم العدو في وقت المعركة ووقف دون كل متراس جمع عظيم من
الناس واما الجهات البرانية والنواحي الفوقانية فلم يفزع منهم فازع ولم يتحرك منهم
أحد ولم يسارع وكذلك شذ عن الوفاق مصر العتيقة وبولاق وعذرهم الاكبر قربهم من
مساكن العسكر ولم تزل طائفة المحاربين في الازقة متترسين فوصل جماعة من الفرنساوية
وظهروا من ناحية المناخلية وبندقوا على متراس الشوائين وبه جماعة من مغاربة
الفحامين فقاتلوهم حتى أجلوهم وعن المناخلية أزالوهم عند ذلك زاد الحال وكثر الرجف
والزلزال وخرجت العامة عن الحد وبالغوا في القضية بالعكس والطرد وامتدت أيديهم الى
النهب والخطف والسلب فهجموا على حارة الجوانية ونهبوا دور النصارى الشوام والاروام
وما جاورهم من بيوت المسلمين على التمام وأخذوا الودائع والامانات وسبوا النساء
والبنات وكذلك نهبوا خان الملايات وما به من الامتعة والموجودات وأكثروا من
المعايب ولم يفكروا في العواقب وباتوا تلك الليلة سهرانين وعلى هذا الحل مستمرين
وأما الافرنج فانهم اصبحوا مستعدين وعلى تلال البرقية والقلعة واقفين وأحضروا جميع
الآلات من المدافع والقنابر والبنبان ووقفوا مستحضرين ولامر كبيرهم منتظرين وكان
كبير الفرنسيس أرسل الى المشايخ مراسلة فلم يجيبوه عنها ومل من المطاولة هذا
والرمي متتابع من الجهتين وتضاعف الحال ضعفين حتى مضى وقت العصر وزاد القهر والحصر
فعند ذلك ضربوا بالمدافع والبنبات
على البيوت والحارات وتعمدوا بالخصوص بالجامع الازهر
وجروا عليه المدافع والقنبر وكذلك ما جاوره من اماكن المحاربين كسوق الغورية
والفحامين فلما سقط عليهم ذلك ورأوه ولم يكونوا في عمرهم عاينوه نادوا يا سلام من
هذه الآلام يا خفي الالطاف نجنا مما نخاف وهربوا من كل سوق ودخلوا في الشقوق وتتابع
الرمي من القلعة والكيمان حتى تزعزعت الاركان وهدمت في مرورها حيطان الدور وسقطت
في بعض القصور ونزلت في البيوت والوكائل وأصمت الآذان بصوتها الهائل فلما عظم هذا
الخطب وزاد الحال والكرب ركب المشايخ الى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل
ويمنع عسكره من الرمي المتراسل ويكفهم كما تكف المسلمون عن القتال والحرب خدعة
وسجال فلما ذهبوا اليه واجتمعوا عليه عاتبهم في التأخير وأتهمهم في التقصير
فاعتذروا اليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمي عنهم وقاموا من عنده وهم ينادون بالامان
في المسالك وتسامع الناس بذلك فردت فيهم الحرارة وتسابقوا لبعضهم بالبشارة واطمأنت
منهم القلوب وكان الوقت قبل الغروب وانقضى النهار وأقبل الليل وغلب على الظن ان
القضية لهاذيل وأما أهل الحسينية والعطوف البرانية فانهم لم يزالوا مستمرين وعلى الرمي
والقتال ملازمين ولكن خانهم المقصود وفرغ منهم البارود والافرنج اثخنوهم بالرمي
المتتابع بالقنابر والمدافع الى ان مضى من الليل نحو ثلاث ساعات وفرغت من عندهم
الادوات فعجزوا عن ذلك وانصرفوا وكف عنهم القوم وانحرفوا وبعد هجعة من الليل دخل
الافرنج المدينة كالسيل ومروا في الازقة والشوارع لا يجدون لهم ممانع كأنهم
الشياطين أو جند ابليس وهدموا ما وجدوه من المتاريس ودخل طائفة من باب البرقية
ومشوا الى الغورية وكروا ورجعوا وترددوا ما هجعوا وعلموا باليقين ان لا دافع لهم ولا
كمين وتراسلوا ارسالا ركبانا ورجالا ثم دخلوا الى الجامع الازهر وهم راكبون الخيول
وبينهم المشاة كالوعول وتفرقوا بصحته ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا
بالاورقة والحارات
وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين
والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والاواني والقصاع والودائع والمخبآت بالدواليب
والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الارض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها
وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه
ونواحيه وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه وأصبح يوم الثلاثاء فأصطف منهم
خرب بباب الجامع فكل من حضر للصلا يراهم فيكر راجعا ويسارع وتفرقت طوائفهم بتلك
النواحي افواجا واتخذوا السعي والطواف بها منهاجا وأحاطوا بها احاطة السوار ونهبوا
بعض الديار بحجة التفتيش على النهب وآلة السلاح والضرب وخرجت سكان تلك الجهة
يهرعون وللنجاة بأنفسهم طالبون وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد ان كانت أشرف البقاع
ويرغب الناس في سكناها ويودعون عند أهلها ما يخافون عليه الضياع والفرنساوية لا يمرون
بها الا في النادر ويحترمونها عن غيرها في الباطن والظاهر فانقلب بهذه الحركة منها
الموضوع وانخفض على غير القياس المرفوع ثم ترددوا في الاسواق ووقفوا صفوفا مئينا
والوفا فان مر بهم أحد فتشوه وأخذوا ما معه وربما قتلوه ورفعوا القتلى والمطروحين
من الافرنج والمسلمين ووقف جماعة من الفرنسيس ونظفوا مراكز المتاريس وإزالة ما بها
من الاتربة والاحجار المتراكمة ووضعوها في ناحية لتصير طرق المرور خالية وتحزبت
نصارى الشوام وجماعة ايضا من الاروام الذين انتهبت دورهم بالحارة الجوانية ليشكوا
لكبير الفرنسيس مالحقهم من الرزية واغتنموا الفرصة في المسلمين وأظهروا ما هو بقلوبهم
كمين وضربوا فيهم المضارب وكأنهم شاركوا الافرنج في النوائب وما قصدهم المسلمون
ونهبوا ما لديهم الا لكونهم منسوبين اليهم مع أن المسلمين الذين جاوروهم نهبهم
الذعر ايضا وسلبوهم وكذلك خان الملايات المعلوم الذي عند باب حارة الروم فيه بضائع
المسلمين وودائع الغائبين فسكت المصاب على غصته واستعوض الله في قضيته لانه ان
تكلم لا تسمع دعواه ولا يلتفت الى شكواه وانتدب برطلمين للعسس على من حمل السلاح
أو اختلس وبث اعوانه في الجهات يتجسسون في الطرقات
فيقبضون على الناس بحسب اغراضهم وما ينهبه النصارى من أبغاضهم فيحكم فيهم بمراده
ويعمل برأيه واجتهاده ويأخذ منهم الكثير ويركب في موكبه ويسير وهم موثوقون بين
يديه بالحبال ويسحبهم الاعوان بالقهر والنكال فيودعونهم السجونات ويطالبونهم
بالمنهوبات ويقررونهم بالعقاب والضرب ويسألونهم عن السلاح وآلات الحرب ويدل بعضهم
على بعض فيضعون على المدلول عليهم ايضا القبض وكذلك فعل مثل ما فعله اللعين الاغا
وتجبر في افعاله وطغى وكثير من الناس ذبحوهم وفي بحر النيل قذفوهم ومات في هذين
اليومين وما بعدهما أمم كثيرة لا يحصى عددها الا الله وطال بالكفرة بغيهم وعنادهم
ونالوا من المسلمين قصدهم ومرادهم واصبح يوم الاربع فركب فيه المشايخ أجمع وذهبوا
لبيت صارى عسكر وقابلوه وخاطبوه في العفو ولاطفوه والتمسوا منه أمانا كافيا وعفوا
ينادون به باللغتين شافيا لتطمئن بذلك قلوب الرعية ويسكن روعهم من هذه الرزية
فوعدهم وعدا مشوبا بالتسويف وطالبهم بالتبيين والتعريف عمن تسبب من المتعممين في
اثارة العوام وحرضهم على الخلاف والقيام فغالطوه عن تلك المقاصد فقال على لسان
الترجمان نحن نعرفهم بالواحد فترجوا عنده في اخراج العسكر من الجامع الأزهر
فأجابهم لذلك السؤال وأمر باخراجهم في الحال وأبقوا منهم السبعين اسكنوهم في الخطة
كالضابطين ليكونوا للامور كالراصدين وبالاحكام متقيدين ثم انهم فحصوا على المتهمين
في اثارة الفتنة فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان والشيخ احمد
الشرقاوي والشيخ عبد الوهاب الشبراوي والشيخ يوسف المصيلحي والشيخ اسمعيل البراوي
وحبسوهم ببيت البكري وأما السيد بدر المقدسي فانه تغيب وسافر الى جهة الشام وفحصوا
عليه فلم يجدوه وتردد المشايخ لتخليص الجماعة المعوقين فغولطوا واتهم ايضا ابراهيم
افندي كاتب البهار بانه جمع له جمعا من الشطار وأعطاهم الاسلحة والمساوق وكان عنده
عدة من المماليك المخفيين
والرجال المعدودين فقبضوا عليه وحبسوه ببيت الاغا
وفي يوم الاحد ثامن عشرة توجه شيخ السادات وباقي المشايخ
الى بيت صار عسكر الفرنسيس وتشفعوا عنده في الجماعة المسجونين ببيت الاغا وقائمقام
والقلعة فقيل لهم وسعوا بالكم ولا تستعجلوا فقاموا وانصرفوا
وفيه نادوا في الاسواق بالامان ولا احد يشوش على أحد مع
استمرار القبض على الناس وكبس البيوت بادنى شبهة ورد بعضهم الامتعة التي نهبت
للنصارى
وفيه توسط عمر القلقجي لمغاربة الفحامين وجمع منهم ومن
غيرهم عدة وافرة وعرضهم على صارى عسكر فأختار منهم الشباب وأولي القوة وأعطاهم
سلاحا وآلات حرب ورتبهم عسكرا ورئيسهم عمر المذكور وخرجوا وامامهم الطبل الشامي
على عادة عسكر المغاربة وسافروا الى جهة بحرى بسبب ان بعض البلاد قام على عسكر
الفرنساوية وقت الفتنة وقاتلوهم وضربوا ايضا مركبين بها عدة من عساكرهم فحاربوهم
وقاتلوهم فلما ذهب اولئك المغاربة سكنوا الفتنة وضربوا عشما وقتلوا كبيرها المسمى بأبن
شعير ونهبوا داره ومتاعه وماله وبهائمه وكان شيئا كثيرا جدا واحضروا اخوته وأولاده
وقتلوهم ولم يتركوا منهم سوى ولد صغير جعلوه شيخا عوضا عن ابيهم وسكن العسكر
المغربي بدار عند باب سعادة ورتبوا له من الفرنسيس جماعة يأتون اليهم في كل يوم
ويدربونهم على كيفية حربهم وقانونهم ومعنى أشاراتهم في مصافاتهم فيقف المعلم
والمتعلمون مقابلون له صفا وبأيديهم بنادقهم فيشير اليهم بألفاظ بلغتهم كان يقول
مردبوش فيرفعونها قابضين بأكفهم على أسافلها ثم يقول مرش فيمشون صفوفا الى غير ذلك
وفيه سافر برطلمين الى ناحية سرياقوس ومعه جملة من
العسكر بسبب الناس الفارين الى جهة الشرق فلم يدركهم وأخذ من في البلاد وعسف في
تحصيها ورجع بعد أيام
وفي يوم الاربعاء خاطب الشيخ محمد المهدي صارى عسكر في
أمر ابراهيم افندي كاتب البهار وتلطف به بمعونة بوسليك المعروف بمدير الحدود وهو
عبارة عن الروزنامجي ونقله من بيت الاغا الىداره وطلبوا منه قائمة كشف عما يتعلق بالمماليك
بدفتر البهار
وفي يوم الخميس سافر عدة من المراكب نحو الاربعين بها
عسكر الفرنسيس الى جهة بحرى
وفي ليلة السبت رابع عشرينه حضر هجان من ناحية الشام
وعلىيده مكاتبات وهي صورة فرمان وعليه طرة ومكتوب من أحمد باشا الجزار وآخر من بكر
باشا الى كتخدائه مصطفى بك ومكتوب من ابراهيم بك خطابا للمشايخ وذلك كله بالعربي ومضمون
ذلك بعد براعة الاستهلال والآيات القرآنية والاحاديث والاثار المتعلقة بالجهاد
ولعن طائفة الافرنج والحط عليهم وذكر عقيدتهم الفاسدة وكذبهم ونحيلهم وكذلك قية
المكاتبات بمعنى ذلك فأخذها مصطفى بك كتخدا وذهب بها الى صارى عسكر فلما اطلع
عليها قال هذا تزوير من ابراهيم بك ليوقع بيننا وبينكم العداوة والمشاحنة وأما
احمد باشا فهو رجل فضولي لم يكن واليا بالشام ولا مصر لان والي الشام ابراهيم باشا
واما والي مصر فهو عبد الله باشا بن العظم الذي هو الآن والي الشام فانا أعلم بذلك
وسيأتي بعد أيام والي ويقيم معه كما كانت المماليك مع الولاة وورد خبر ايضا
بانفصال محمد باشا عزت عن الصدارة وعزل كذلك أنفار من رجال الدولة وفي مدة هذه
الايام بطل الاجتماع بالديوان المعتاد وأخذوا في الاهتمام في تحصين النواحي والجهات
وبنوا ابنية على التلول المحيطة بالبلد ووضعوا بها عدة مدافع وقنابر وهدموا اماكن
بالجيزة وحصنوها تحصينا زائدا وكذلك مصر العتيقة ونواحي شبرا وهدموا عدة مساجد
منها المساجد المجاورة لقنطرة انبابة الرمة ومسجد المقس المعروف الان باولاد عنان
على الخليج الناصري بباب البحر وقطعوا نخيلا كثيرة واشجار الجيزة التي عند أبي
هريرة قطعوها وحفروا هناك خنادق كثيرة وغير
ذلك وقطعوا نخيل جهة الحلي وبولاق وخربوا دورا كثيرة
وكسروا شبابيكها وأبوابها وأخذوا أخشابها لاحتياج العمل والوقود وغير ذلك
وفي ليلة الاحد حضر جماعة من عسكر الفرنسيس الى بيت
البكري نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند صارى عسكر ليتحدث معهم فلما صاروا
خارج الدار وجدوا عدة كثيرة في انتظارهم فقبضوا عليهم وذهبوا بهم الى بيت قائمقام بدرب
الجماميز وهو الذي كان به دبوىا قائمقام المقتول وسكنه بعده الذي تولى مكانه فلما
وصلوا بهم هناك عروهم من ثيابهم وصعدوا بهم الى القلعة فسجنوهم الى الصباح
فأخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم من السور خلف القلعة وتغيب حالهم عن أكثر الناس
أياما وفي ذلك اليوم ركب بعض المشايخ الى مصطفى بك كتخدا الباشا وكلموه في أن يذهب
معهم الى صارى عسكر ويشفع معهم في الجماعة المذكورين ظنا منهم انهم في قيد الحياة
فركب معهم اليه وكلموه في ذلك فقال لهم الترجمان أصبروا ما هذا وقته وتركهم وقام
ليذهب في بعض أشغاله فنهض الجماعة ايضا وركبوا الى دورهم
وفي يوم الثلاثاء حضر عدة من عسكر الفرنسيس ووقفوا بحارة
الازهر فتخيل الناس منهم المكروه ووقعت فيهم كرشة وأغلقوا الدكاكين وتسابقوا الى
الهروب وذهبوا الى البيوت والمساجد واختلفت اراؤهم ورأوا في ذلك اقضية بحسب
تخمينهم وظنهم وفساد مخيلهم فذهب بعض المشايخ الى صارى عسكر واخبروه بذلك وتخوف
الناس فأرسل اليهم وأمرهم بالذهاب فذهبوا وتراجع الناس وفتحوا الدكاكين ومر الاغا
والوالي وبرطلمين ينادون بالامان وسكن الحال وقيل ان بعض كبرائهم حضر عند القلق
الساكن بالمشهد وجلس عنده حصة هؤلاء كانوا اتباعه ووقفوا ينتظرونه ولعل ذلك قصدا للتخويف
والارهاب خشية من قيام فتنة لما اشيع قتل المشايخ المذكورين وهو الارجح
وفيه كتبوا اوراقا والصقوها بالاسواق تتضمن العفو
والتحذير من اثارة الفتنة وان من قتل من المسلمين في نظير من قتل من الفرنسيس
وفيه شرعوا في احصاء الاملاك والمطالبة بالمقرر فلم
يعارض في ذلك معارض ولم يتفوه بكلمة والذي لم يرض بالتوت يرضى بحطبه
وفيه ايضا قلعوا ابواب الدروب والحارات الصغيرة الغير
النافذة وهي التي كانت تركت وسومح اصحابها وبرطلوا عليها وصالحوا عليها قبل
الحادثة وبرطلوا القلقات والوسايط على ابقائها وكذلك دروب الحسينية فلما انقضت هذه
الحادثة ارتجعوا عليها وقلعوها ونقلوها الى ما جمعوه من البوابات بالازبكية ثم كسروا
جميعها وفصلوا اخشابها ورفعوا بعضها على العربات الىحيث اعمالهم بالنواحي والجهات
وباعوا بعضها حطبا للوقود وكذلك ما بها من الحديد وغيره
وفي ليلة الخميس هجم المنسر على بوابة سوق طولون وكسروها
وعبروا منها الى السوق فكسروا القناديل وفتحوا ثلاثة حوانيت وأخذوا ما بها من متاع
المغاربة التجار وقتلوا القلق الذي هناك وخرجوا بدون مدافع ولا منازع
وفي يوم الخميس المذكور ذهب المشايخ الى صارى عسكر
وتشفعوا في ابن الجوسقي شيخ العميان الذي قتل ابوه وكان معوقا ببيت البكري فشفعهم
فيه واطلقوه
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم السبت سنة 1213
فيه كتبوا عدة اوراق على لسان المشايخ وارسلوها الى
البلاد والصقوا منها نسخا بالاسواق والشوارع
وصورتها نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة نعوذ
بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونبرأ الى الله من الساعين في الارض بالفساد
نعرف اهل مصر المحروسة من طرف الجعيدية واشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية وبين
العساكر الفرنساوية بعدما كانوا اصحابا واحبابا لسوية وترتب على ذلك قتل جملة من
المسلمين ونهبت بعض البيوت ولكن حصلت الطاف الله الخفية وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا
عند أمير الجيوش يونابارته وارتفعت هذه البلية لانه رجل كامل العقل
عنده رحمة وشفقة على المسلمين ومحبة الى الفقراء والمساكين
ولولاه لكانت العساكر احرقت جميع المدينة ونهبت جميع الاموال وقتلوا كامل اهل مصر
فعليكم ان لا تحركوا الفتن ولا تطيعوا أمر المفسدين ولا تسمعوا كلام المنافقين ولا
تتبعوا الاشرار ولا تكونوا من الخاسرين سفهاء العقول الذين لا يقرأون العواقب لاجل
ان تحفظوا أوطانكم وتطمئنوا على عيالكم وأديانكم فان الله سبحانه وتعالى يؤتى ملكه
من يشاء ويحكم ما يريد وتخبركم ان كل من تسبب في تحريك هذه الفتنة قتلوا من آخرهم
وأراح الله منهم العباد والبلاد ونصيحتنا لكم ان لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة
واشتغلوا باسباب معايشكم وأمور دينكم وادفعوا الخراج الذي عليكم الدين النصيحة والسلام
وفيه امروا بقية السكان على بركة الازبكية وما حولها
بالنقلة من البيوت ليسكنوا بها جماعتكم المتباعدين منهم يكون الكل في حومة واحدة وذلك
لما داخلهم من المسلمين حتى ان الشخص منهم صار لا يمشي بدون سلاح بعد ان كانوا من
حين دخولهم البلد لا يمشون به أصلا الا لغرض والذي لم يكن معه سلاح يأخذ بيده عصا
أو سوطا أو نحو ذلك وتنافر قلوبهم من المسلمين وتحذروا منهم وانكف المسلمون عن
الخروج والمرور بالاسواق من الغروب الى طلوع النهار ومن جملة من انتقل من الدرب
الاحمر الى الازبكية كفرلي المسمى بأبي خشبة وهو يمشي بها بدون معين ويصعد الدرج
ويهبط منها أسرع من الصحيح ويركب الفرس ويرمحه وهو على هذه الحالة وكان من جملة
المشار اليهم فيهم والمدبر لامور القلاع وصفوف الحروب ولهم به عناية عظيمة واهتمام
زائد كان يسكن ببيت مصطفى كاشف طرا وفي وقت الحادثة هجمت على الدار العامة ونهبوها
وقتلوا منها بعض الفرنساوية وفر الباقون فأخبروا من بالقلعة الكبيرة فنزل منهم عدة
وافرة وقف بعضهم خارج الدار بعد أن طردوا المزدحمين ببابها وضربوهم بالبندق ودخل الباقون
فقتلوا من وجدوه بها من المسلمين وكانوا جملة كثيرة وكان بتلك الدار شيء كثير
من آلات الصنائع والنظارات الغربية والالات الفلكية
والهندسية والعلوم الرياضية وغير ذلك مما هو معدوم النظير كل آلة لا قيمة لها عند
من يعرف صنعتها ومنفعتها فبدد ذلك كله العامة وكسروه قطعا وصعب ذلك على الفرنسيس
جدا وقاموا مدة طويلة يفحصون عن تلك الالآت ويجعلون لمن يأتيهم بها عظيم الجعالات
وممن قتل في وقعة هذه الدار الشيخ محمد الزهار
وفي خامسة افرجوا عن ابراهيم افندي كاتب البهار وتوجه
الى بيته
وفي ثامنه قتلوا اربعة أنفار من القبط منهم اثنان من
النجارين قيل انهم سكروا في الخمارة ومروا في سكرهم وفتحوا بعض الدكاكين وسرقوا
منها أشياء وقد تكرر منهم ذلك عدة مرار فاغتاظ لذلك القبطة
وفيه كتبوا عدة اوراق وأرسلوا منها نسخا للبلاد والصقوا
منها بالاخطاط والاسواق ذلك على لسان المشايخ ايضا ولكن تزيد صورتها عن الاولى
وصورتها نصيحة من علماء الاسلام بمصر المحروسة نخبركم يا
أهل المدائن والامصار من المؤمنين ويا سكان الارياف من العربان والفلاحين أن
ابراهيم بك ومراد بك وبقية دولة المماليك أرسلوا عدة مكاتبات ومخاطبات الى سائر
الاقاليم المصرية لاجل تحريك الفتنة بين المخلوقات وادعوا أنها من حضرة مولانا
السلطان ومن بعض وزراءه بالكذب والبهتان وبسبب ذلك حصل لهم شدة الغم والكرب الزائد
واغتاظوا غيظا شديدا من علماء مصر ورعاياها حيث لم يوافقوهم على الخروج معهم ويتركوا
عيالهم وأوطانهم فارادوا أن يوقعوا الفتنة والشر بين الرعية والعسكر الفرنساوية
لاجل خراب البلاد وهلاك كامل الرعية وذلك لشدة ما حصل لهم من الكرب الزائد بذهاب
دولتهم وحرمانهم من مملكة مصر المحمية ولو كانوا في هذه الاوراق صادقين بانها من
حضرة سلطان السلاطين لأرسلها جهارا مع اغوات معينين ونخبركم ان الطائفة الفرنساوية
بالخصوص عن بقية الطوائف الافرنجية دائما يحبون المسلمين وملتهم ويبغضون المشركين
وطبيعتهم أحباب لمولانا السلطان قائمون بنصرته
وأصدقاء له ملازمون لمودته وعشرته ومعونته يحبون من
والاه ويبغضون من عاداه ولذلك بين الفرنساوية والموسكوف غاية العداوة الشديدة من
اجل عداوة المسكوف القبيحة الرديئة والطائفة الفرنساوية يعاونون حضرة السلطان على
أخذ بلادهم ان شاء الله تعالى ولا يبقون منهم بقية فننصحكم ايها الاقاليم المصرية
انكم لا تحركوا الفتن ولا الشرور بين البرية ولا تعارضوا العساكر الفرنساوية بشيء
من أنواع الأذية فيحصل لكم الضرر والهلاك ولا تسمعوا كلام المفسين ولا تطيعوا أمر
المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فتصبحوا على ما فعلتم ناديم وانما
عليكم دفع الخراج المطلوب منكم لكامل الملتزمين لتكونوا بأوطانكم سالمين وعلى أموالكم
وعيالكم آمنين مطمئنين لان حضرة صارى عسكر الكبير أمير الجيوش بونابارته اتفق معنا
على انه لا ينازع أحد في دين الاسلام ولا يعارضنا فيما شرعه الله من الاحكام ويرفع
عن الرعية سائر المظالم ويقتر على أخذ الخراج ويزيل ما أحدثه الظلمة من المغارم
فلا تعلقوا آمالكم بابراهيم ومراد وراجعوا الى مولاكم مالك الملك وخالق العباد فقد
قال نبيه ورسوله الاكرم الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها بين الامم عليه افضل
الصلاة والسلام وفي ثالث عشره قتلوا شخصين عند باب زويلة أحدهما يهودي لم يتحقق
السبب في قتلهما
وفيه اخرجوا من بيت نسيب ابراهيم كتخدا صناديق ضمنها
مصاغ وجواهر وأواني ذهب وفضة وأمتعة وملابس كثيرة
وفي خامس عشرة حضر جماعة من الفرنساوية بباب زويلة
وفتحوا بعض دكاكين السكرية وأخذوا منها سكرا وضاع على أصحابه
وفيه دلوا على انسان عنده صندوقان وديعة لايوب بك
الدفتردار فطلبوه وأمروه باحضارهما فأحضرهما بعد الانكار والحجد عدة مرار فوجدوا
ضمنهما أسلحة جواهر وسبح لؤلؤ وخناجر مجوهرة وغير ذلك
وفي عشرينه كتبوا عدة أوراق مطبوعة وألصقوها بالاسواق
مضمونها
أن في يوم الجمعة حادي عشرينه قصدنا أن نطير مركبا ببركة
الازبكية في الهواء بحيلة فرنساوية فكثر لغط الناس في هذا كعادتهم فلما كان ذلك
اليوم قبل العصر تجمع الناس والكثير من الافرنج ليروا تلك العجيبة وكنت بجملتهم فرأيت
قماشا على هيئة الادية على عمود قاتم وهو ملون احمر وأبيض وأزرق على مثل دائرة
الغربال وفي وسطه مسرجة بها فتيلة مغموسة ببعض الادهان وتلك المسرجة مصلوبة بسلوك
من حديد منها الى الدائرة وهي مشدودة ببكر واحبال واطراف الاحبال بأيدي اناس
قائمين باسطحة البيوت القريبة منها فلما كان بعد العصر بنحو ساعة أوقدوا تلك
الفتيلة فصعد دخانها الى ذلك القماش وملأه فانتفخ وصار مثل البكرة وطلب الدخان
الصعود الى مركزه فلم يجد منفذا فجذبها معه الى العلو فجذبها بتلك الاحبال مساعدة
لها حتى ارتفعت عن الارض فقطعوا تلك الحبال فصعدت الى الجو مع الهواء ومشت هنيهة
لطيفة ثم سقطت طارتها الفتيلة وسقط ايضا ذلك القماش وتناثر منها أوراق كثيرة من
نسخ الاوراق المبصومة فلما حصل لها ذلك انكسف طبعهم لسقوطها ولم يتبين صحة ما
قالوه من انها على هيئة مركب تسير في البلاد البعيدة لكشف الاخبار وارسال
المراسلات بل ظهر انها مثل الطيارة التي يعملها الفراشون بالمواسم والافراح
وفي تلك الليلة طاف منهم أنفار بالاسواق ومعهم مقاطف بها
لحوم مسمومة فأطعموها للكلاب فمات منها جملة كثيرة فلما طلع النهار وجد الناس
الكلاب مرمية وطرحى بالاسواق وهي موتى فأستأجروا لها من أخرجها الى الكيمان وسبب
ذلك انهم لما كانوا يمرون بالاسواق في الليل وهم سكوت كانت الكلاب تنبحهم وتعدو
خلفهم ففعلوا بها ذلك وارتاحوا هم والناس منها
وفي خامس عشرينه سافر عدة عساكر الى جهة مراد بك وكذلك
الى جهة كرداسة بسبب العربان وكذلك الى السويس الصالحية وأخذوا جمال
السقائين برواياها وحميرهم ولكن يعطونهم أجرتهم فشح
الماء وغلا وبلفت القرية عشرة انصاف فضة
وفيه ظفروا بعدة ودائع وخبايا بأماكن متعددة بها صناديق
وأمتعة وأسلحة وأواني صيني وأواني نحاس قناطير وغير ذلك وانقضى هذا الشهر وما حصل
به من الحوادث الكلية والجزئية التي لا يمكن ضبطها لكثرتها
منها انهم أحدثوا بغيط النوبي المجاور للازبكية ابنية
على هيئة مخصوصة منتزهة يجتمع بها النساء والرجال للهو والخلاعة في أوقات مخصوصة
وجعلوا على كل من يدخل اليه قدرا مخصوصا يدفعه أو يكون مأذونا وبيده ورقة
ومنها أنهم هدموا وبنوا بالمقياس والروضة وهدموا اماكن
بالجيزة ومهدوا التل المجاور لقنطرة الليمون وجعلوا في اعلاه طاحونا تدور في
الهواء عجيبة وتطحن الارادب من البر وهي بأربعة أحجار وطاحونا أخرى بالروضة تجاه
مساطب النشاب وهدموا الجامع المجاور لقنطرة الدكة وشرعوا في ردم جهات حوالي بركة
الازبكية وهدموا الاماكن المقابلة لبيت صارى عسكر حتى جعلوها رحبة متسعة وهدموا
الاماكن المقابلة لها من الجهة الاخرى والجنائن التي خلف ذلك وقطعوا اشجارها
وردموا مكانها بالاتربة الممهدة على خط معتدل من الجهتين مبتدأ من حد ببيت صارى عسكر
الى قنطرة المغربي وجددوا القنطرة المذكورة وكانت آلت الى السقوط وفعلوا بعدها
كذلك على الوضع والنسق بحيث صار جسرا عظيما ممتدا ممهدا مستويا على خط مستقم من
الازبكية الى بولاق قسمين قسم الى طريق أبي العلا وقسم يذهب الى جهة التبانة وساحل
النيل وبطريقة الطريق المسلوكة الواصلة من طريق أبي العلاء وجامع الخطيري الى
ناحية المدابغ وحفروا في جانبي ذلك الجسر من مبدئه الى منتهاه خندقين وغرسوا بجانبه
اشجارا وسيسبانا واحدثوا طريقا اخرى فيما بين باب الحديد وباب العدوى عند المكان
المعروف بالشيخ شعيب حيث معمل الفواخير وردموا جسر ممتدا ممهدا مستطيلا يبتدي
من الحد المذكور وينتهي الى جهة المذبح خارج الحسينية
وازلوا ما يتخلل بين ذلك من الابنية والغيطان والاشجار والتلول وقطعوا جانبا كبيرا
من التل الكبير المجاور لقنطرة الحاجب وردموا في طريقهم قطعة من خليج بركة الرطلي
وقطعوا اشجار بستان كاتب البهار المقابل لجسر بركة الرطلي واشجار الجسر ايضا والابنية
التي بين باب الحديد والرحبة التي بظاهر جامع المقس وساروا على المنخفض بحيث صارت
طريقا ممتدة من الازبكية الى جهة قبة النصر المعروفة بقبة العزب جهة العادلية على
خط مستقيم من الجهتين وقيدوا بذلك انفارا منهم يتعاهدون تلك الطرق ويصلحون ما يخرج
منها عن قالب الاعتدال بكثرة الدروس وحوافر الخيول والبغال والحمير وفعلوا هذا الشغل
الكبير والفعل العظيم في أقرب زمن ولم يسخروا احدا في العمل بل كانوا يعطون الرجال
زيادة عن اجرتهم المعتادة ويصرفونهم من بعد الظهيرة ويستعينون في الاشغال 2 وسرعة
العمل بالآلات القريبة المأخذ السهلة التناول المساعدة في العمل وقلة الكلفة
كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع عربات صغيرة ويداها
ممتدتان من خلف يملؤها الفاعل ترابا او طينا او احجارا من مقدمها بسهولة بحيث تسع
مقدار خمسة غلقان ثم يقبض بيديه على خشبتيها المذكورتين ويدفعها امامه فتجرى على عجلتها
بأدنى مساعدة الى محل العمل فيمليها باحدى يديه ويفرغ ما فيها من غير تعب ولا مشق
وكذلك لهم فؤوس وقزم محكمة الصنعة متقنة الوضع وغالب الصناع من جنسهم ولا يقطعون
الاحجار والاخشاب الا بالطرق الهندسية على الزوايا القائمة والخطوط المستقيمة
وجعلوا جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية قلعة ومنارته برجا ووضعوا علىأسواره مدافع
واسكنوا به جماعة من العسكر وبنوا في داخله عدة مساكن تسكنها العسكر المقيمة به
وكان هذا الجامع معطل الشعائر من مدة مدة طويلة وباع نظاره منه أنقاضا وعمدا كثيرة
ومنها أنهم احدثوا على التل المعروف بتل العقارب
الناصرية ابنية وكرانك
وابراجا ووضعوا فيها عدة من آلات الحرب والعساكر
المرابطين فيه
وهدموا عدة دور من دور الامراء وأخدوا أنقاضها ورخامها
لابنيتهم وافردوا للمدبرين والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة
والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب والمنشئين حارة الناصرية حيث
الدرب الجديد وما به من البيوت مثل بيت قاسم بك وأمير الحاج المعروف بأبي يوسف
وبيت حسن كاشف جركس القديم والجديد الذي أنشأه وشيده وزخرفه وصرف عليه اموالا
عظيمة من مظالم العبادة وعند تمام بياضه وفرشه حدثت هذه الحادثة ففر مع الفارين
وتركه فيه جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة
ومن يريد المراجعة فيراجعون فيها مرادهم فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر
بساعتين ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية
لتختاة عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها له الخازن
فيتصفحون ويراجعون ويكتبون حتى أسافلهم من العساكر واذا حضر اليهم بعض المسلمين
ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول الى أعز اماكنهم ويتلقونه بالبشاشة والضحك وأظهار
السرور بمجيئه اليهم وخصوصا أذا رأوا فيه قابلية أو معرفة او تطلعا للنظر في
المعارف بذلوا له مودته ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها والاقاليم
والحيوانات والطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الامم وقصص الانبياء بتصاويرهم
وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث اممهم مما يحير الافكار ولقد ذهبت اليهم مرارا واطلعوني
على ذلك فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه و سلم
ومصورون به صورته الشريفة على قدر مبلغ علمهم واجتهادهم وهو قائم على قدميه ناظرا
الى السماء كالمرهب للخليقة وبيده اليمنى السيف وفي اليسرى الكتاب وحوله الصحابة
رضي الله عنهم بأيديهم السيوف وفي صفحة اخرى صورة الخلفاء الراشدين وفي الاخرى
صورة المعراج والبراق وهو صلى الله عليه و سلم راكب عليه
من صخوره بيت المقدس وصورة بيت المقدس والحرم المكي
والمدني وكذلك صورة الائمة المجتهدين وبقي الخلفاء والسلاطين ومثال اسلامبول وما
بها من المساجد العظام كأياصوفي وجامع السلطان محمد وهيئة المولد النبوي وجمعية
اصناف الناس لذلك السلطان سليمان وهيئة صلاة الجمعة فيه وأبى ايوب الانصاري وهيئة
صلاة الجنازة فيه وصور البلدان والسواحل والبحار والاهرام وبرابي الصعيد والصور والاشكال
والافلام المرسومة وما يختص بكل بلد من أجناس الحيوان والطيور والنبات والاعشاب
وعلوم الطب والتشريح والهندسيات وجر الاثقال وكثير من الكتب الاسلامية مترجم
بلغتهم ورأيت عندهم كتاب الشفاء للقاضي عياض ويعبرون عنه بقولهم شفاء شريف والبردة
للبوصيري ويحفظون جملة من أبياتها وترجموها بلغتهم ورأيت بعضهم يحفظ سورا من
القرآن ولهم تطلع زائد للعلوم وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغات واجتهاد كبير في
معرفة اللغة والمنطق ويدأبون في ذلك الليل والنهار وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات
وتصاريفهما واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت الى لغتهم
في أقرب وقت وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بها الآلات الفلكية
الغريبة المتقنة الصنعة وآلات الارتفاعات البديعة العجيبة التركيب الغالية الثمن
المصنوعة من الصفر المموه وهي تركب براريم مصنوعة محكمة كل آلة عدة قطع تركب مع بعضها
البعض برباطات وبراريم لطيفة بحيث اذا ركبت صارت آلة كبير أخذت قدرا من الفراغ
وبها نظارات وثقوب ينفذ النظر منها الى المرئي واذا انحل تركيبها وضعت في ظرف صغير
وكذلك نظارات للنظر في الكواكب وارصادها ومعرفة مقاديرها واجرامها وارتفاعاتها
واتصالاتها ومناظرتها وأنواع المنكابات والساعات التي تسير بثواني الدقائق الغريبة
الشكل الغالية الثمن وغير ذلك وأفردوا لجماعة منهم بيت ابراهيم كتخدا السنارى وهم
المصورون لكل شيء ومنهم اريجو المصور وهو يصور صور الآدميين تصويرا يظن من يراه
انه بارز
في الفراغ بجسم يكاد ينطق حتى انه صور صورة المشايخ كل
واحد على حدته في دائرة وكذلك غيرهم من الاعيان وعلقوا ذلك في بعض مجالس صارى عسكر
وآخر في مكان اخر يصور الحيوانات والحشرات واخر يصور الاسماك والحيتان بانواعها
وأسمائها ويأخذون الحيوان او الحوت الغريب الذي لا يوجد ببلادهم فيضعون جسمه بذاته
في ماء مصنوع حافظ للجسم فيبقى على حالته وهيئته لا يتغير ولا يبلى ولو بقي زمنا
طويلا
وكذلك أفردوا اماكن للمهندسين وصناع الدقائق وسكن الحكيم
رويا ببيت ذي الفقار كتخدا بجوار ذلك ووضع آلاته ومساحقه وأهوانه في ناحية وركب له
تنانير وكوانين لتقطير المياه والادهان واستخراج الاملاح وقدورا عظيمة وبرامات
وجعل له مكانا أسفل واعلى وبهما رفوف عليها القدور المملوءة بالتراكيب والمعاجين
والزجاجات المتنوعة وبها كذلك عدة من الاطباء والجرايحية
وأفردوا مكانا في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب
الكيماوي وبنوا فيه تنانير مهندمة وآلات تقاطير عجيبة الوضع والات تصاعيد الارواح
وتقاطير المياه وخلاصات المفردات وأملاح الارمدة المستخرجة من الاعشاب والنباتات
واستخراج المياه الجلاءة والحلالة وحول المكان الداخل قوارير وأوان من الزجاج
البلوري المختلف الاشكال والهيئات على الرفوف والسدلات وبداخلها انواع المستخرجات
ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان ان بعض المتقيدين لذلك
أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة فصب منها شيئا في كأس ثم
صب عليها شيئا من زجاجة اخرى فعلا المآن وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجف مافي
الكأس وصار حجرا أصفر فقلبه على البرجات حجرا يابسا أخذناه بأيدينا ونظرناه ثم فعل
كذلك بمياه أخرى فجمد حجرا أزرق وباخرى فجمد حجرا أحمر ياقوتيا وأخذ مرة شيئا
قليلا حدا من غبار أبيض ووضعه على السندال وضربه بالمطرقة بلطف
فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة انزعجنا منه فضحكوا منا
واخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة في مقدار الشبر ضيقة القسم فغمسها في ماء قراح موضوع
في صندوق من الخشب مصفح الداخل بالرصاص وأدخل معها اخرى على غير هيئتها وأنزلهما
في الماء وأصعدهما بحركة انحبس بها الهواء في أحدهما وآتى آخر بفتيلة مشتعلة وأبرز
ذلك فم الزجاجة من الماء وقرب الآخر الشعلة اليها في الحال فخرج ما فيها من الهواء
المحبوس وفرقع بصوت هائل ايضا وغير ذلك امور كثيرة وبراهين حكمية تتولد من اجتماع
العناصر وملاقاة الطبائع ومثل الفلكة المستديرة التي يديرون بها الزجاج فيتولد من
حركتها شرر يطير بملاقاة ادنى شيء كثيف ويظهر له صوت وطقطقة واذا مسك علاقتها شخص
ولو خيطا لطيفا متصلابها ولمس آخر الزجاجة الدائرة او ما قرب منها بيده الاخرى
ارتج بدنه وارتعد جسمه وطقطقت عظام أكتافه وسواعده في الحال برجة سريعة ومن لمس
هذا اللامس او شيئا من ثيابه او شيئا متصلا به حصل له ذلك ولو كانوا ألفا أو أكثر
ولهم فيه امور وأ وال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لا يسعها عقول امثالنا
وأفردوا ايضا مكنا للنجارين وصناع الالآت والاخشاب
وطواحين الهواء والعربات واللوازم لهم في اشغالهم وهندساتهم وارباب صنعائهم ومكانا
آخر للحدادين وبنوا فيه كوانين عظاما وعليها منافيخ كبار يخرج منها الهواء متصلا
كثيرا بحيث يجذبه النافخ من أعلى بحركة لطيفة وصنعوا السندانات والمطارق العظام
لصناعات الآلات من الحديد والمخارط وركبوا مخارط عظيمة لخرط القلوزات الحديد العظيمة
ولهم فلكات مثقلة يديرها الرجال للمعلم الخراط للحديد بالاقلام المتينة الجافية
وعليها حق صغير معلق مثقوب وفيه ماء يقطر على محل الخرط لتبريد النارية الحادثة من
الاصطكاك وباعلى هذه الامكنة صناع الامور الدقيقة مثل البركارات وآلات الساعات
والآلات الهندسية المتقنة وغير ذلك
شهر رجب سنة استهل بيوم الاحد في ثالثه قتلوا شخص من الاجناد
يقال له مصطفى كاشف من جماعة حسين بك المعروف بشفت وكان قد فر مع الفارين ثم رجع
من غير استئذان وأقام أياما مستترا ببيت الشيخ سليمان الفيومي فسلمه لمصطفى أغا مستحفظان
ليأخذ له أمانا فأخبر الفرنسيس بشأنه وأغراهم عليه فأمروه بقتله فقطع رأسه وطافوا
بها ينادون عليها بقولهم هذا جزاء من يدخل الى مصر بغير أذن الفرنسيس
وفي يوم الخميس حضر كبير الفرنسيس الذي بناحية قليوب وصحبته
سليمان الشواربي شيخ الناحية وكبيرها فلما حضر حبسوه بالقلعة قبل انهم عثروا له
على مكتوب ارسله وقت الفتنة السابقة الى سر ياقوس لينهض أهل تلك النواحي في القيام
ويأمرهم بالحضور وقت ان يرى الغلبة على الفرنسيس ولما حبسوه وحبسوا معه اربعة من
الاجناد ايضا
وفيه احدثوا مرمارا يضربونه في كل يوم وقت الزوال لان
ذلك الوقت عندهم ابتداء اليوم
وفي يوم الاربعاء عاشره نادوا في الاسواق بان من أراد أن
يشتري فرسا أو حمارا فليحضر يوم الجمعة ثالث عشره ببولاق ويشتري من الفرنساويه ما
أحب من ذلك وكتبوا بذلك اوراقا وألصقوها بالاسواق والازقة وهي مطوعة وعليها الصورة
ونصها فليكن معلوما عند كافة الرعايا المصرية ان في يوم الجمعة ثلاثة عشر من شهر
رجب الساعة اثنين يباع في بولاق جملة خيل من المشيخة الفرنساوية فلاجل هذا المشتري
كل من اراد ان يقتنى خيلا فمنحنا له الاجازة انه يقتنى كما يريد ويشاء
وفي يوم الاثنين سادس عشره سافر صارى عسكر بونابارته الى
السويس وأخذ صحبته السيد احمد المحروقي وابراهيم افندي كاتب البهار وأخذ معه ايضا
بعض المدبرين والمهندسين والمصورين وجرجس الجوهري والطون أبو طاقية وغيرهم وعدة
كثيرة من عساكر الخيالة والمشاة وبعض مدافع وعربات وتختروان وعدة جمال لحمل
الذخيرة والماء والقومانية
وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على تنظيم اخر وعينوا له
ستين نفرا منهم اربعة عشر يقال لهم خصوص وهم الذين يحضرون دائما ويقال لهم الديوان
الخصوصي والديوان الديمومي والباقي بحسب الاقتضاء والاربعة عشر هم من المشايخ
الشرقاوي والمهدي والصاوي والبكري والفيومي ومن التجار المحروقي واحمد محرم ومن
النصارى القبطة لطف الله المصري ومن الشوام يوسف فرحات ومخاييل كحيل ورواحة الانكليزي
وبودني وموسى كافر الفرنساوي ومعهم وكلاء ومباشرون من الفرنسيس ومترجمون وأما
العمومي فأكثره مشايخ حرف وكتبوا بذلك طومارا كبيرا بصموا منه نسخا كثيرة وأرسلوا
منها نسخا كثيرة للاعيان وألصقوا منها بالاسواق على العادة وأرسلوا اللذين عينوا
بالديوان أوراقا باسمائهم شبه التقارير وصورة صدر ذلك الطومار المكتتب في شأن ذلك
وقد أوردت ذلك وان كان فيه بعض طول للاطلاع على ما فيه من التمويهات على العقول
والتسلق على دعوى الخواص من البشر بفاسد التخيلات التي تنادى على بطلانها بديهة العقل
فضلا عن النظر وهي مقولة على لسان بونابارته كبير الفرنسيس ونصه
بسم الله الرحمن الرحيم من امير الجيوش الفرنساويه خطابا
الى كافة أهالي مصر الخاص والعام نعلمكم ان بعض الناس الضالين العقول الخليين من
المعرفة وادراك العواقب سابقا اوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم
لله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة والباري سبحانه وتعالى أمرني بالشفقة والرحمة على
العباد فامتثلث أمره وصرت رحيما بكم شفوقا عليكم ولكن كان حصل عندي غيظ وغم شديد بحسب
تحريك هذه الفتنة بينكم ولاجل ذلك أبطلت الديوان الذي كنت رتبته لنظام البلد وصلاح
اموالكم من مدة شهرين والان توجه خاطرنا الى ترتيب الديوان كما كان لان حسن
احوالكم ومعاملتكم في المدة المذكورة انسانا ذنوب الاشرار وأهل الفتنة التي وقعت
سابقا أيها العلماء والاشراف أعلم وأمتكم ومعاشر رعيتكم بان الذي يعاديني ويخاصمني
انما خصامه
من ضلال عقله وفساد فكرة فلا يجد ملجأ ولا مخلصا ينجيه
مني في هذا العالم ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى
والعاقل يعرف ان ما فعلناه بتقدير الله تعالى وارادته وقضائه ومن يشك في ذلك فهو
احمق واعمى البصيرة واعلموا ايضا امتكم ان الله قدر في الازل هلاك اعداء الاسلام
وتكسير الصلبان على يدي وقدر في الآزل أني اجيء من المغرب الى أرض مصر لهلاك الذين
ظلموا فيها واجراء الامر الذي امرت به ولا يشك العاقل ان هذا كله بتقدير الله
وارادته وقضائه واعلموا ايضا أمتكم ان القرآن لعظيم صرح في ايات كثيرة بوقوع الذي
حصل واشار في ايات اخرى الى امور تقع في المستقبل وكلام الله في كتابه صدق وحق لا
يتخلف اذا تقرر هذا وثبتت هذه المقالات في آذانكم فلترجع أمتكم جميعا الى صفاء
النية واخلاص الطوية فان منهم من يمتنع عن الغي واظهار عداوتي خوفا من سلاحي وشدة
سطوتي ولم يعلموا ان الله مطلع على السرائر يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور
والذي يفعل ذلك يكون معارضا لاحكام الله ومنافقا وعليه اللعنة والنقمة من الله
غلام الغيوب واعلموا ايضا اني أقدر على اظهار ما في نفس كل أحد منكم لانني أعرف
احوال الشخص وما انطوى عليه بمجرد ما اراه وان كنت لا اتكلم ولا انطق بالذي عنده
ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة ان كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم الهي لا
يرد وان اجتهاد الانسان غاية جهده ما يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي
فطوبى للذين يسارعون في اتحادهم وهمتهم مع صفاء النية واخلاص السريرة والسلام
ورتبوا لارباب الديوان الديمومي شهرته تدفع اليهم نظير
تقيدهم بمصالح العامة والدعاوى وما يترتب عليه النظام بينهم وبين المسلمين
وفي ثامن عشرة طافوا على الطواحين واختاروا من كل طاحون
فرسا اخذوها
وفي رابع عشرينه حضر السيد المحروقي وكاتب البهار من
السويس
وكان سارى عسكر ذهب الى ناحية بلبيس فأستأذونه في ذهابهم
الى مصر فأذن لهم وأرسل معهم خمسين عسكريا ليوصلوهم الى مصر فلما حضروا حكوا أن
أهل السويس لما بلغهم مجيء الفرنساوية هربوا وأخلوا البلدة فذهبوا الى الطور وذهب البعض
الى العرب بالبادية فنهب الفرنسيس ما وجدوه بالبندر من البن والمتاجر والامتعة
وغير ذلك وهدموا الدور وكسروا الاخشاب وخوابي الماء فلما حضر كبيرهم وكان متأخرا
عنهم كلمه التجار الذاهبون معه وأعلموه أن هذا الفعل غير صالح فاسترد من العسكر
بعض الذي أخذوه ووعدهم باسترجاع الباق أو دفع ثمنه بمصر وأن يكتبوا قائمة
بالمنهوبات ثم انه وجد مركبان حضرا الى قريب من السويس بهما بن ومتاجر فغرقت
احداهما فنزلت طائفة من الفرنسيس في مراكب صغار وذهبوا اليها في الغاطس وأخرجوها
بآلات ركبوها واصطنعوها من علم جر الاثقال وفي مدة اقامته بالسويس صار يركب ويتأمل
في النواحي وجهات ساحل البحر والبر ليلا ونهارا وكان معه من الادم في هذه السفرة
ثلاثة طيور دجاج محمرة ملفوفة في ورق وليس معه طباخ ولا فراش ولا فرش ولا خيمة وكل
شخص من عسكره معه رغيف كبير مرشوق في طرف خربته يتزود منه ويشرب من سقاء لطيف من صفيح
معلق في عنقه
وفي يوم السبت حضر عدة من العسكر الفرنساوية من ناحية
بلبيس ومعهم عدة من العربان نحو الثلاثين نفرا موثقون بالحبال وأسروا ايضا عدة من
اولادهم ذكورا واناثا ودخلوا بهم الى مصر يزفونهم بالطبول أمامهم ومعهم ايضا ثلاثة
حمول من حمول التجار وبعض جمال مما كان نهب منهم عند رجوعهم من الحج
وفي ليلة الاثنين غايته حضر سارى عسكر من ناحية بلبيس
الى مصر ليلا وأحضر معه عدة عربان وعبد الرحمن أباظة أخو سليمان أباظة شيخ
العيايدة وخلافه رهائن وضربوا أبو زعبل والمنير وأخذوا مواشيهم وحضروا بهم الى
القاهرة وخلفهم اصحابهم رجالا ونساء وصغارا وفي
ذلك اليوم قتلوا شيخ العرب سليمان الشواربي شيخ قليوب
ومعه ايضا ثلاثة رجال يقال لهم عرب الشرقية فأنزلوهم من القلعة الى الرميلة على يد
الاغا وقطعوا رؤوسهم وحملوا جثة الشواربي مع رأسه في تابوت وأخذه اتباعه في بلده
قليوب ليدفن هناك عند اسلافه وانقضى هذا الشهر وحوادثه الجزئية والكلية
منها ان في ليلة السابع والعشرين منه أتت جماعة الى دار
الشيخ محمد ابن الجوهري الكائن بالازبكية بالقرب من باب الهواء فخلعوا الشباك
المطل على البركة ودخلوا منه وصعدوا الى أعلى الدار وكان بها ثلاثة من النساء
الخدامات وابنة خدامة ايضا وبواب الدار ولم يكن رب الدار بها ولا الحريم بل كانوا
قد انتقلوا الى دار أخرى لما سكن معظم العسكر بالازبكية فاستيقظ النساء وصرخن فضربوهن
وقتلوا منهن امرأة واختفت البنت في جهة وعاثوا في الدار وأخذوا متاعا ومصاغا
ونزلوا واستيقظ البواب فأختفى خوفا منهم فلما طلع النهار وشاع الخبر وكان سارى
عسكر غائبا فلم يقع كلام في شأن ذلك فلما قدم من سفره ركب مشايخ الديوان وأخبروه
فاغتم لذلك وأظهر الغيظ وذم فاعل ذلك لما فيه من العار الذي يلحقه واهتم في الفحص
عمن فعل ذلك وقتله
ومنها كثرة تعدي القلقات وتشديدهم على وقود القناديل
بالازقة هم من أهل البلد واذا مروا بالليل ووجدوا قنديلا اطفاه الهواء وفرغ زيته
سمروا الحانوت او الدار التي هو عليها ولا يقلعون المسمار حتى يصالحهم صاحبها على
ما احبوه من الدراهم وربما تعمدوا كسر القناديل لاجل ذلك واتفق ان المطراطفا عدة
قناديل بسوق أمير الجيوش بسبب كونها في ظروف من الورق والجرير فابتل الورق وسال
الماء فأطفأ القنديل فسمروا حوانيت السوق واصبح اهلها صالحوا عليها ووقع مثل ذلك في
طرق عديدة فجمعوا في ذلك اليوم جملة من الدراهم وامثال ذلك حتى في الازقة والعطف
الغير النافذة حتى كان الناس ليس لهم شغل الا القناديل وتفقد حالها وخصوصا في ليل
الشتاء الطويل
شهر شعبان المعظم سنة استهل بيوم الثلاثاء فيه قتلوا
ثلاثة انفار من الفرنسيس وبندقوا عليهم بالرصاص بالميدان تحت القلعة قيل انهم من
المتسلقين على الدور
وفيه اخبر السفار بان مراد بك ومن معه ترفعوا الى قبلي
ووصلوا الى عقبة الهواء وكلما قرب منهم عسكر الفرنساوية انتقلوا وقبلوا ولقد
داخلهم من الفرنساوية خوف شديد ولم يقع بينهم ملاقاة ولا قتال
وفيه قدمت رباعة تحمل البن الذي حضر من السويس بالمركب
الداو يصحبه جماعة من الفرنساوية لخفارتها من قطاع الطريق
وفي يوم الاحد سادسه نادى القبطان الفرنساوي الساكن
بالمشهد الحسيني على أهل تلك الخطة وما جاورها بفتح الحوانيت والاسواق لاجل مولد
الحسين وشد في ذلك ووعد من اغلق حانوته بتسميره وتغريمه عشرة ريال فراسنة مكافأة
له على ذلك وكان السبب في ذلك والاصل فيه ان هذا المولد ابتدعه السيد بدوي بن فتيح
مباشر وقف المشهد فكان قد اعتراه مرض الحب الافرنجي فنذر على نفسه هذا المولد أن
شفاه الله تعالى فحصلت له بعض افاقة فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض
شموع ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة واخرين بالمسجد يقرأون بالليل دلائل
الخيرات للجذولي ثم زاد الحال وانضم اليهم كثير من اهل البدع كجماعة العفيفي
والسمان والعربي والعيسوية فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له
المنشدون القصائد والموالات ومنهم من يقول أبياتا من بردة المديح للبوصيري
ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وأما
العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الاهواء ينسبون الى شيخ من
اهل المغرب يقال له سيدي محمد بن عيسى وطريقتهم انهم يجلسون قبالة بعضهم صفين
ويقولون كلاما معوجا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون
عليها على
قدر النغم ضربا شديدا مع ارتفاع اصواتهم وتقف جماعة اخرى
قبالة الذين يضربون بالدفوف فيضعون اكتافهم في اكتاف بعض لا يخرج واحد عن الآخر
ويلتوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الارض بأرجلهم كل ذلك مع الحركة العنيفة
والقوة الزائدة بحيث لا يقوم هذا المقام الا كل من عرف بالقوة وهذه الحركات
والايقاعات على نمط الضرب بالدفوف فيقع بالمسجد دوى عظيم وضجات من هؤلاء ومن غيرهم
من جماعة الفقراء كل احد له طريقة وكيفية تباين الاخرى هذا مع ما ينضم الى ذلك من
جمع العوام وتحلقهم بالمسجد للحديث والهذيان وكثرة اللغط والحكايات والاضاحيك
والتلفت الى حسبان الغلمان الذين يحضرون للتفرج والسعي خلفهم والافتتان بهم ورمى
قشور اللب والمكسرات والمأكولات في المسجد وطواف الباعة بالمأكولات علىالناس فيه
وسقاة الماء فيصير المسجد بما اجتمع فيه من هذه القاذورات والعفوش ملتحقا بالاسواق
الممتهنة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم زاد الحال على ذلك بقدوم
جماعة الاشاير من الحارات البعيدة والقريبة وبين أيديهم مناور القناديل والجوامع
العظيمة التي تحملها الرجال والشموع والطبول والزمور ويتكلمون بكلام محرف يظنون
انه ذكر وتوسلات يثابون عليها وينسبون من يلومهم او يعترضهم الى الاعتزال والخروج
والزندقة وغالبهم السوقة وأهل الحرف السافلة ومن لا يملك قوت ليلته فتجد أحدهم يجتهد
بقوة سعيه ويبيع متاعه او يستدين الجملة من الدراهم ويصرفها في وقود القناديل
وأجرة الطبالة والزمارة وكل يجتمع عليه ما هو من أمثاله من الحرافيش ثم يقطع ليلته
تلك سهرانا ويصبح دايخا كسلانا ويظن انه بات يتعبد ويذكر ويتهجد واستمر هذا المولد
أكثر من عشر سنين ولم يزدد الناذر لذلك الا مرضا ومقتا واستجلب خدمة الضريح مالاح
لهم من خساف العقول مثل الشمع والدراهم واتخذوا ذلك حبالة لاكل أموال الناس
بالباطل فلما حصلت هذه الحادثة بمصر ترك هذا المولد في جملة المتروكات ثم حصلت
الفتنة التي حصلت وسكن هذا الفرنساوي
في خط المشهد الحسيني لضبط تلك الجهة وفيه مسايرة
ومداهنة فصار يظهر المحبة للمسلمين ويلاطفهم ويدخل بيوت الجيران ويقبل شفاعة
المتشفعين ويجل الفقهاء ويعظمهم ويكرمهم وأبطل وقوف عسكره بالسلاح كعادتهم في غير
هذه الجهة وكذلك منع ما يفعله القلقات من أنواع التشديد على الناس في مثل القناديل
فأطمأن به أهل الخطة وتراجعوا للبكور الى الصلاة في المساجد بعد تخوفهم من العسكر
الذي رتب معهم وتركهم التبكير فلما أنسوا به وعرفوا اخلاقه رجعوا لعادتهم ومشوا
بالليل ايضا بدون فزع وخوف وترجمانه على مثل طريقته وهو رجل شريف من أهل حلب كان
اسيرا بمالطة فاستخلصه الفرنسيس في جملة من استخلصوه من أسرىمالطة وقدم معهم مصر فلما
أجلس هذا الضبط الخط كان ترجمانه يهوديا فأحتال بعض أعيان الجهة ورتب هذا الشريف
المذكور ليكون فيه راحة للناس ففتح له قهوة بالخط بالقرب من دار مخدومه وجمع الناس
للجلوس فيها والسهر حصة من الليل وامرهم بعدم غلق الحوانيت مقدارا من الليل
كعادتهم القديمة فأستأنسوا بالاجتماعات والتسلي والخلاعات وعم ذلك جهات تلك الخطة
ووافق ذلك هوى العامة لان أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة وتلك هي طبيعة
الفرنساوية فصاروا يجتمعون عنده للسمر والحديث واللعب والممازحة ويحضر معهم ذلك
الضابط ومعه زوجته وهي من اولاد البلد المخلوعين ايضا فانساق الحديث لذكر هذا
المولد الشهري وما يقع في لياليه من الجمعيات والمهرجان وحسنوا له اعادته فوافقهم
على ذلك وأمر بالمناداة وفتح الحوانيت ووقود القناديل وشدد في ذلك
وفي يوم الاربعاء كتبوا أوراقا بتطيير طيارة ببركة
الازبكية مثل التي سبق ذكرها وفسدت فاجتمعت الناس لذلك وقت الظهر وطيروها وصعدت
الى الاعلى ومرت الى أن وصلت تلال البرقية وسقطت ولو ساعدها الريح وغابت عن الاعين
لتمت الحيلة وقالوا انها سافرت الى البلاد البعيدة بزعمهم
وفيه سافر الخواجة مجلون الى الصعيد واليا على جرجا
لتحرير البلاد وقبض الاموال والغلال المتأخرة بالنواحي للعز
وفيه سافرت قافلة بها احمال كثيرة ومواش ونساء افرنجيات
وصناديق قيل انهم ارسلوها الى الطور وصحبتهم عدة من العسكر
وفي يوم الخميس عاشره حضر طائفة من العسكر الفرنساوي الى
وكالة ذي الفقار بالجمالية ففتحوا طبقة كانت لكتخدا علي باشا الطرابلسي وأخذوا ما
وجدوه بها من الامتعة وختموا عدة حواصل وطباق بذلك الخان وبالوكالة الجديدة وغيرها
للمسافرين والهاربين والقليونجية وضبطوا ما بها وقبضوا على جماعة من الاتراك
والقليونجية التجار وسجنوهم بالقلعة وصاروا يفتشون على من بقى منهم بالقاهرة
وبولاق خصوصا الكرتلية الذين كانوا عسكرا لمراد بك وأخذوا الكثير من نصارى الاروام
والقليونجية الذين كانوا مع مراد بك وبعضهم كان بمصر فأدخلوهم في عسكرهم وزيوهم
بزيهم وأعطوهم اسلحة وانتظموا في سلكهم
وفيه تواترت الاخبار ان علي باشا ونصوح باشا فارقا مراد
بك وذهبا من خلف الجبل على الهجن الى جهة الشام وصحبتهم جماعة ابراهيم بك وكان
ذهابهم في اواخر رجب
وفيه نادوا بأبطال القناديل التي توقد في الليل على
البيوت والدكاكين وان يوقدوا عوضها في وسط السوق مجامع في كل مجمع اربع قناديل بين
كل مجمع ثلاثون ذراعا ويقوم بذلك الاغنياء دون الفقراء ولا علاقة للقلقات في ذلك
ففرح بذلك فقراء الناس وانفرجت عنهم هذه الكربة
وفيه نادوا ايضا ان كل من كان له دعوى شرعية او ظلامة
فليذهب الى العلماء والقاضي
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب الكوامل ورجعوا
بمنهوباتهم من الغنم والمعز والدجاج والاوز والحمير وغير ذلك
وفيه حضر رجل من ناحية غزة يطلب امانا للست فاطمة زوجة
مراد بك ولابنة المرحوم محمد افندي البكري وزوجها الامير ذي الفقار وخشداشينه
والخطاب للشيخ خليل البكري فعرض ذلك على ساري عسكر وترجى
عنده فكتب له امان بحضورهم وارسل لهم نفقة وكان ذلك حيلة منهم لتأتيهم النفقة وبعض
الاحتياجات واخبر ذلك الرسول ان عبد الله باشا ابن العظم بغزة وابراهيم بك ومن معه
خارج البلد وهم في ضيق وحصر وحيز عنهم داخل البلد
وفيه ذهب عدة من العسكر الفرنساوية الى قطبا وشرعوا في
بناء ابنية هناك واشيع سفر ساري عسكر الى جهة الشام والاغارة عليها
وفي ليل الاحد ثالث عشرة كان انتقال الشمس لبرج الدلو
وهو اول شهر من شهورهم وعملوا تلك الليلة حراقة بارود وسواريخ كما هي عادتهم عند
كل انتقال الشمس من برج الى برج
وفي يوم الاثنين رابع عشره نادى المحتسب على اللحم
الضاني بسبعة انصاف الرطل وكان بثمانية واللحم الجاموسي بخمسة وكان بستة
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب العيايدة نواحي
الخانكة وقتلوا منهم طائفة ونهبوهم ووجدوا من منهوبات الناس وأمتعة عسكر
الفرنساوية واسلحتهم جملة فأخذوا ذلك مع ما أخذوه وأحضروا معهم بعض رجال ونساء
حبسوهم بالقلعة وفيه ذهب عدة من العسكر الى صنافير واجهور الورد وقرنفيل وكفر
منصور وبلاد اخرى للتفتيش على العرب فأخذوا ما وجدوه للعرب من بهائم وغيرها والذي
عصى عليهم ضربوه ونهبوه ايضا ونهبوا جمالا وبهائم ممن لم يعص ايضا ودخلوا بذلك المدينة
فصاروا يبيعون البقرة بريالين وثلاثة والنعجة وابنها بريال فاشترى غالب ذلك نصارى
القبط
وفي يوم السبت قتلوا بالقلعة نحو التسعين نفرا وغالبهم
من المماليك الذين وجدوهم هاربين في البلاد والذين عس عليهم الخبيث الاغا وبرطلمين
والقلقات ووجدوهم مختفين في البيوت
وفيه قبضوا على خمسة أنفار من اليهود وأمرأتين فألقوا
الجميع في بحر النيل وفيه نادوا بان كل من اشترى شيئا من منهوبات العرب التي
نهبتها العسكر يحضره لبيت صارى عسكر
وفيه كثر الاهتمام والحركة بسفر الفرنسيس الى جهة الشام
وطلبوا وهيؤا جملة من الهجن وأحضروا جمال عرب الترابين ليحملوا عليها الذخيرة
والدقيق والعليق والبقسماط ثم رسموا على الاهالي عدة كبيرة من الحمير وكذلك عدة من
البغال فطلب شيخ الحمارة وأمر بجمع ذلك وكذلك الركبداريه أمرهم بجمع البغال فاختفى
غالب أصحاب الحمير وخاف الناس على حميرهم فأمتنع خروج السقائين الذين ينقلون الماء
بالقرب على الحمير وسقائين الجمال والبراسمية فحصل للناس ضيق بسبب ذلك
وفي يوم الاثنين حادي عشرينه كتبوا أرواقا ولصقوها
بالاسواق على العادة ونصها
الحمد لله وحده وهذا خطاب الى جميع اهل مصر من خاص وعام
من محفل الديوان الخصوصي من عقلاء الانام علماء الاسلام والوجاقات والتجار الفخام
نعلمكم معاشر اهل مصر ان حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية صفح
الصفح الكلي عن كامل الناس والرعية بسبب ما حصل من أراذل أهل البلد والجعيدية من
الفتنة والشر مع العساكر الفرنساوية وعفا عفوا شاملا وأعاد الديوان الخصوصي في بيت
قائد اغا بالازبكية ورتبه من اربعة عشر شخصا اصحاب معرفة واتقان خرجوا بالقرعة من
ستين رجلا كان انتخبهم بموجب فرمان وذلك لاجل قضايا حوايج الرعايا وحصول الراحة
لاهل مصر من خاص وعام وتنظيمها على أكمل نظام واحكام كل ذلك من كمال عقله وحسن
تدبيره ومزيد حبه بمصر وشفقته على سكانها من صغير القوم قبل كبيره رتبهم بالمنزل
المذكور كل يوم لاجل خلاص المظلوم من الظالم وقد اقتص من عسكره الذين اساؤا بمنزل
الشيخ محمد الجوهري وقتل منهم اثنين بقراميدان وأنزل طائفة منهم عن مقامهم العالي
الى أدنى مقام لان الخيانة ليست من عادة الفرنسيس خصوصا مع النساء الارامل فان ذلك
قبيح عندهم
لا يفعله الا كل خسيس ووضع القبض بالقلعة على رجل نصراني
مكاس لانه بلغه انه زاد المظالم في الجمرك بمصر القديمة على الناس ففعل ذلك بحسن
تدبيره ليمتنع غيره من الظلم ومراده رفع الظلم عن كامل الخلق ويفتح الخليج الموصل
من بحر النيل الى بحر السويس لتخف اجرة الحمل من مصر الى قطر الحجاز الافخم وتحفظ
البضائع من اللصوص وقطاع الطريق وتكثر عليهم أسباب التجارة من الهند واليمن وكل فج
عميق فاشتغلوا بأمر دينكم واسباب دنياكم واتركوا الفتنة والشرور ولا تطيعوا
شيطانكم وهواكم وعليكم بالرضا بقضاء الله وحسن الاستقامة لاجل خلاصكم من اسباب
العطب والوقوع في الندامة رزقنا الله واياكم التوفيق والتسليم ومن كانت له حاجة
فليأت الى الديوان بقلب سليم الا من كان له دعوى شرعية فليتوجه الى قاضي العسكر
المتولي بمصر المحمية بخط السكرية والسلام عن أفضل الرسل على الدوام
وفيه أرسلوا الوالي لينبه على السقائين بنقل الماء وعدم
التعرض لهم ولحميرهم
وفي ليلة الاربعاء ثالث عشرينه خرج عدة كبيرة من العسكر
وطلب كبير الفرنساوية بونابارته ان يأخذ معه مصطفى بك كتخدا الباشا المتولي أمير الحاج
ويأخذ ايضا قاضي العسكر بجمقشي زاده وأربعة أنفار من المتعممين وهم الفيومي
والصاوي والعريشي والدواخلي وجماعة ايضا من التجار والوجاقلية ونصارى القبط
والشوام
وفي سادس عشرينه نادوا للناس بالامان وفتح الاسواق ليلا
في رمضان حكم المعتاد
وفيه انتقل قائمقام من بيته المطل على بركة الفيل وهو
بيت ابراهيم بك الوالي وسكن بيت أيوب بك الكبير المطل على بركة الفيل وانتقلوا
جميعهم الى بركة الازبكية
وفيه أعرض حسن أغا محرم المحتسب لسارى عسكر امر ركوبه المعتاد
لاثبات هلال رمضان فرسم له بذلك على العادة القديمة فاحتفل لذلك
المحتسب احتفالا زائدا وعمل وليمة عظيمة في بيته أربعة
ايام اولها السبت وآخرها الثلاثاء دعا في اول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ
والوجاقلية وغيرهم وفي ثاني التجار والاعيان وكذلك ثالث يوم ورابع يوم دعا ايضا
أكابر الفرنساوية وأصاغرهم وركب يوم الثلاثاء بالابهة الكاملة زيادة عن العادة وامامه
مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم وشق القاهرة على الرسم المعتاد ومر على قائمقام وامير
الحاج وسارى عسكر بونابارته ثم رجع بعد الغروب الى بيت القاضي بين القصرين فانبتوا
هلال رمضان ليلة الاربعاء ثم ركب من هناك بالموكب وامامه المشاغل الكثيرة والطبول
والزمور والنقاقير والمناداة بالصوم وخلفه عدة خيالة عارية رؤسهم وشعورهم مرخية
على أقفيتهم بشكل بشيع مهو ل وانقضى شهر شعبان وحوادثه
فمنها ان اهل مصر جروا على عادتهم في بدعهم التي كانوا
عليها وانكمشوا عن بعضها واحتشموها خوفا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم
الفرنساوية القيد ورخصوا لهم وسايروهم رجعوا اليها وانهمكوا في عمل مواليد الاضرحة
التي يرون فرضيتها وانها قربة تنجيهم بزعمهم من المهالك وتقربهم الى الله زلفى في
المسالك فرمحوا في غفلاتهم مع ماهم فيه من الاسر وكساد غالب البضائع وغلوها
وانقطاع الاخبار ومنع الجالب ووقوف الانكليز في البحر وشدة حجزهم على الصادر
والوارد حتى غلت اسعار جميع الاصناف المجلوبة من البحر الرومي وانقطع أثر كثير من
رباب الصنائع التي كسدت لعدم طلابها واحتاجوا الى التكسب بالحرف الدنيئة كبيع
الفطير وقلي السمك وطبخ الاطعمة والمأكولات والاكل في الدكاكين واحداث عدة قهاوى
وأما ارباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمارا مكاريا حتى صارت الازقة خصوصا
جهات العسكر مزدحمة بالحمير التي تكرى للتردد في شوارع مصر فان للفرنسيس بذلك
عناية عظيمة ومغالاة في الاجرة بحيث ان الكثير منهم يظل طول النهار فوق ظهر الحمار
بدون حاجة سوى ان يجري
به مسرعا في الشارع وكذلك تجتمع الجماعة منهم ويركبون
الحمير ويجهدونها في المشي والاسراع وهم يغنون ويضحكون ويصيحون ويتمسخرون ويشاركهم
المكارية في ذلك كما ان لهم العناية وبذل الاموال والتردد الى حانات الراح
والتغالي في شراء الفواكه والبوأطي والاقداح
ومن طبعهم في الشرب انهم يتعاطون لحد النشوة وترويح النفس
فان زادوا عن ذلك الحد لا يخرجون من منازلهم ومن سكر وخرج الى السوق ووقع منه أمر
مخل عاقبوه وعزروه
ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والاروام
واليهود وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء
وتجاهرهم بفاحش القول واستذلالهم المسلمين كل ذلك بما كسبت ايديهم وما ربك بظلام
للعبيد والحال الحال والمركوز في الطبع ما زال والبعض استهوته الشياطين ومرق
والعياذ بالله من الدين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ومنها تواتر الاخبار من ابتداء شهر رجب بان رجلا مغربيا
يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورا بمكة والمدينة والطائف فلما وردت اخبار
الفرنسيس الى الحجاز وانهم ملكوا الديار المصرية انزعج اهل الحجاز ويدعوهم الى
الجهادويحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ بالحرم كتابا مؤلفا في معنى ذلك فاتعظ
جملة من الناس وبذلوا اموالهم وانفسهم واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين وركبوا
البحر الى القصير مع ما انضم اليهم من أهل ينبع وخلافه فورد الخبر في اواخره انه
انضم اليهم جملة من اهل الصعيد وبعض اتراك ومغاربة ممن كان خرج معهم مع غز مصر عند
وقعة انبابة وركب الغز معهم ايضا وحاربوا الفرنسيس فلم تثبت الغز كعادتهم وانهزموا
وتبعهم هوارة الصعيد والمتجمعة من القرى وثبت الحجازيون ثم انكفوا لقلتهم وذلك
بناحية جرجا وهرب الغز والمماليك الى ناحية اسنا وصحبتهم حسن بك الجداوي
وعثمان بك حسن تابعه ووقع بين أهل الحجاز والفرنسيس بعض
حروب غير هذه المرة بعدة مواضع وينفصل الفريقان بدون طائل
ومنها ان الفرنسيس عملوا كرنتيلة بجزيرة بولاق وبنوا
هناك بناء فيحجزون بها القادمين من السفار اياما معدودة كل جهة من الجهات القبلية
لذلك وضجوا بالحرم وجردوا الكعبة وان هذا الشيخ صار يعط الناس والبحرية بحسبها
والله اعلم
ثم استهل شهر رمضان المعظم بيوم الاربعاء سنة 1213
وفيه أخذ بونابارته في الاهتمام بالسفر الى جهة الشام
وجهزوا طلبا كثيرا وصاروا في كل يوم يخرج منهم طائفة بعد طائفة
وفي يوم السبت عمل ساري عسكر ديوانا واحضر المشايخ
والوجاقات وتكلم معهم في أمر خروجه للسفر وانهم قتلوا المماليك الفارين بالصعيد
واجلوا باقيهم الى اقصى الصعيد وانهم متوجهون الى الفرقة الاخرى بناحية غزة
فيقطعونهم ويمهدون البلاد الشامية لاجل سلوك الطريق ومشى القوافل والتجارات برا
وبحرا لعمار القطر وصلاح الاحوال واننا نغيب عنكم شهرا ثم نعود وعند عودنا نرتب النظام
في البلد والشرائع وغير ذلك فعليكم ضبط البلد والرعية في مدة غيابنا ونبهوا مشايخ
الاخطاط والحارات كل كبير يضبط طائفته خوفا من الفتن مع العسكر المقيمين بمصر
فالتزموا له بذلك وكتبوا له اوراقا مطبوعة على العادة في معنى ذلك وألصقوها بالطرق
وفي ذلك اليوم خرج القاضي ومصطفى كتخدا الباشا والمشايخ المعينون للسفر الى جهة العادلية
وخرج ايضا عدة كبيرة من عسكرهم ومعهم احمال كثيرة حتى الاسرة والفرش والحصر وعدة
مواهي ومحفات للنساء والجواري البيض والسود والحبوش اللاتي أخذوها من بيوت الامراء
وتزيا اكثرهن بزي نسائهم الافرنجيات وغير ذلك
وفي يوم الاحد خامسه ركب ساري عسكر الفرنسيس وخرج ايضا
الى العادلية وذلك في الساعة الرابعة بطالع الحمل وفيه القمر في تربيع
زحل وابقى بمصر عدة من العسكر بالقلعة والابراج التي
بنوها على التلول وقائمقام وبوسليك وساري عسكر وبزة بجملة من العسكر في الصعيد
وكذلك سوارى عسكر الاقاليم كل واحد معه عسكر في جهة من الجهات وأخذ معه المديرين
واصحاب المشورة والمترجمين وأرباب الصنائع منهم كالحدادين والنجارين ومهندسي الحروب
وكبيرهم أبو خشبة بمصر ثم تراسل المتخلفون في الخروج كل يوم تخرج منهم جماعة
وفي يوم الثلاثاء سابعه انتدب للنميمة ثلاث من النصارى الشوام
وعرفوهم ان المسلمين قاصدون الوثوب على الفرنسيس في يوم الخميس تاسعه فأرسل
قائمقام خلف المهدي والاغا فأحضرهما وذكر لهما ذلك فقالا له هذا كذب لا أصل له
وانما هذه نميمة من النصارى كراهة منهم في المسلمين ففحص عمن اختلق ذلك فوجدهم
ثلاثة من النصارى الشوام فقبضوا عليهم وسجنوهم بالقلعة حتى مضى يوم الخميس فلم
يظهر صحة ما نقلوه فأبقاهم في الاعتقال ثم ان نصارى الشوام رجعوا الى عادتهم
القديمة في لبس العمائم السود والزرق وتركوا لبس العمائم البيض والشيلان الكشميري
الملونة والمشجرات وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك ونبهوا ايضا بالمنادة في أول
رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين اولا ولا يتجاهرون بالاكل ولا
يشربون الدخان ولا شيئا من ذلك بمرآى منهم كل ذلك للاستجلاب خواطر الرعية حتى ان
بعض الرعية من الفقهاء مر على بعض النصارى وهو يشرب الدخان فانتهزه فرد عليه ردا
شنيعا فنزل ذلك المتعمم وضرب النصراني واجتمع عليه الناس وحضر حاكم الخطة فرفعهما
الى قائمقام فسأل من النصارى الحاضرين عن عادتهم في ذلك فأخبروه ان من عادتهم
القديمة انه اذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يشربون في الاسواق ولا بمرأى من
المسلمين ابدا فضرب النصراني وترك المتعمم لسبيله
وفي تاسع عشرينه أحضروا مراد أغا تابع سليمان بك الاغا
ومعه آخر من الاجناد من ناحية قبلي فأصعدوهما القلعة قبل قتلهما
وفي خامس عشرينه ورد الخبر بان الفرنساويه ملكوا قلعة
العريش وطاف رجل من اتباع الشرطة ينادي في الاسواق ان الفرنساوية ملكوا قلعة العريش
وأسروا عدة من المماليك وفي غد يعملون شنكا ويضربون مدافع فاذا سمعتم ذلك فلا
تفزعوا فلما اصبح يوم الاحد حضر المماليك المذكورة وهم ثمانية عشر مملوكا وأربعة من
الكشاف وهم راكبون الحمير ومتقلدون بأسلحتهم ومعهم نحو المائة من عسكر الفرنسيس
وأمامهم طبلهم وخرج بعض الناس فشاهدهم ولما وصلوا الى خارج القاهرة حيث الجامع
الظاهري خرج الاغا وبرطلمين بطوافيهما ينتظرانهم ومعهم طبول وبيارق وطوائف ومشوا
معهم الى الازبكية من الطريق التي أحدثوها ودخلوا بهم الى بيت قائمقام فأخذوا
سلاحهم وأطلقوهم فذهبوا الى بيوتهم وفيهم أحمد كاشف تابع عثمان بن الاشقر وآخر
يقال له حسن كاشف الدويدار وكاشفان اخران وهما يوسف كاشف الرومي واسمعيل كاشف تابع
احمد كاشف المذكور وكان من خبرهم انهم كانوا مقيمين بقلعة العريش وصحبتهم نحو الف
عسكري مغاربة وأرنؤد فحضر لهم الفرنسيس الذين كانوا في المقدمة في أواخر شعبان
فأحاطوا بالقلعة وحاربوهم من داخلها ونالوا منهم ما نالوه ثم حضر اليهم سارى عسكر
بجموعه بعد ايام والحوا في حصارهم فارسل من بالعريش الى غزة فطلب نجدة فأرسلوا لهم
نحو السبعمائة وعليهم قاسم بك امين البحرين فلم يتمكنوا من الوصول الى القلعة
لتحلق الفرنساوية بها وأحاطتهم حولها فنزلوا قريبا من القلعة فكبستهم عسكر
الفرنسيس بالليل فأستشهد قاسم بك وغيره وانهزم الباقون ولم يزل أهل القلعة يحاربون
ويقاتلون حتى فرغ ما عندهم من البارود والذخيرة فطلبوا عند ذلك الامان فأمنوهم ومن
القلعة انزلوهم وذلك بعد أربعة عشر يوما فلما نزلوا على أمانهم ارسلوهم الى مصر مع
الوصية بهم وتخلية سبيلهم فحضروا الى مصر كما ذكر واخذوا سلاحهم وخلوا سبيلهم
وصاروا يترددون عليهم ويعظمونهم ويلاطفونهم ويفرجونهم على صنائعهم
وأحوالهم وأما العسكر الذين كانوا معهم بقلعة العريش
فبعضهم انضاف اليهم وأعطوهم جامكية وعلوفة وجعلوهم بالقلعة مع عسكر من الفرنسيس
والبعض لم يرض بذلك فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم الى حال سبيلهم وذهب الفرنسيس الى
ناحية غزة وفي ذلك اليوم بعد الظهرعملوا الشنك الموعود به وضربوا عدة مدافع
بالقلعة والازبكية وأظهر النصارى الفرح والسرور بالاسواق والدور واولموا في بيوتهم
الولائم وغيروا الملابس والعمائم وتجمعوا للهو والخلاعة وزادوا في القبح والشناعة
وفي يوم الاربعاء تدفي احمد كاشف المذكور فجأة وفي عصر
ذلك اليم حضر جماعة من الفرنسيس نحو الخمسة والعشرين وهم راكبون الهجن وعلى رؤوسهم
عمائم بيض ولابسون برانس بيضا على اكتافهم فذهبوا الى بيت قائمقام بالازبكية فلما اصبح
يوم الخميس عملوا الديوان وقرأوا المكاتبة التي حضرت مع الهجانة حاصلها ان
الفرنسيس اخذوا غزة وخان يونس وأخبار مختلفة
منها انهم وجدوا ابراهيم بك ومن معه ارتحلوا من هناك
وكانوا أرسلوا حريمهم واثقالهم الى جبل نابلس وقيل بل تحاربوا معهم وانهزموا وفي
ذلك اليوم بعد العصر بنحو عشرين درجة حضر عدة من الفرنسيس ومعهم كبير منهم وهم
راكبون الخيول وعدة من المشاة وفيهم جماعة لابسون عمائم بيضا وجماعة ايضا ببرانيط
ومعهم نفير ينفخ فيه وبيدهم بيارق وهي التي كانت عند المسلمين على قلعة العريش الى
أن وصلوا الى الجامع الأزهر فأصطفوا رجالا وركبانا بباب الجامع وطلبوا لشيخ الشرقاوي
فسلموه تلك البيارق وأمروه برفعها ونصبها على منارات الجامع الازهر فنصبوا بيريقين
ملونين علىالمنارة الكبيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقين وعلى منارة اخرى بيرقا
ثالثا وعند دفعهم ذلك ضربوا عدة مدافع من القلعة بهجة وسرورا وكان ذلك ليلة عيد
الفطر فلما كان عند الغروب ضربوا عدة مدافع ايضا اعلاما بالعيد وبعد العشاء الاخير
طاف اصحاب الشرطة ونادوا بالامان وبخروج الناس
على عادتهم لزيارة القبور بالقرافتين والاجتماع لصلاة
العيد وان يلبسوا احسن ثيابهم ولما ملكوا العريش كتبوا اوراقا وأرسلوها الى البلاد
ونصها فرمان عام موجه من امير الجيوش الى اهالي الشام قاطبة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من طرف بونابارته امير
الجيوش الفرنساوية الى حضرة المفتين والعلماء وكافة اهالي نواحي غزة والرملة ويافا
حفظهم الله تعالى بعد السلام نعرفكم اننا حررنا لكم هذه السطور نعلمكم اننا حضرنا
في هذا الطرف لقصد طرد المماليك وعسكر الجزار عنكم والى أي سبب حضور عسكر الجزار
وتعديه على بلاد يافا وغزة التي ما كانت من حكمه والى أي سبب ايضا ارسل عساكره الى
قلعة العريش بذلك هجم على اراضي مصر فلا شك كان مراده اجراء الحروب معنا ونحن
حضرنا لنحاربه فاما انتم يا أهالي الاطراف المشار اليها فلم نقصد لكم أذية ولا
أدنى ضرر فأنتم استمروا في محلكم ووطنكم مطمئنين ومرتاحين وأخبروا من كان خارجا عن
محله ووطنه أن يرجع ويقيم في محله ووطنه ومن قبلنا عليكم ثم عليهم الامان الكافي
والحماية التامة ولا أحد يتعرض لكم في مالكم وما تملكه يدكم وقصدنا ان القضاة يلازمون
خدمهم ووظائفهم على ما كانوا عليه وعلى الخصوص ان دين الاسلام لم يزل معتزا
ومعتبرا والجوامع عامرة بالصلاة وزيارة المؤمنين اذ كل خير يأتي من الله تعالى وهو
يعطي النصر لمن يشاء ولا يخفاكم ان جميع ما تأمر به الناس ضدنا فيغدو باطلا ولا
نفع لهم به لان كل ما نضع به يدنا لا بد من تمامه بالخير والذي يتظاهر بالغدر يهلك
ومن كل ما حصل تفهمون جيدا اننا نقمع أعداءنا ونعضد من يحبنا وعلى الخصوص من كوننا
متصفين بالرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين
ولما أخذوا غزة أرسلوا طومارا بصورة الواقعة وبصموه نسخا
وقرىء بالديوان وألصقوا نسخة المطبوعة بالاسواق وصورته
بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر
اهل مصر وأقاليمها انه حضر فرمان مكتوب من غزة من حضرة الجنرال اسكندر
برتبه خطابا الى حضرة سارى عسكر دوجا وكيل الجيوش بمصر
يخبره فيه بان العساكر الفرنساوية باتوا ليلة تسعة عشر شهر رمضان في خان يونس وفي
فجر تلك الليلة توجهوا سائرين الى ناحية غزة فكشفوا قبل الظهر بساعة عسكر المماليك
وعسكر الجزار جالسين تجاه غزة فتوجه اليهم الجنرال مرارا مع عساكر الفرنساوية من
خيالة ومشاة مراده اغتيال عسكر المماليك وعسكر الجزار فلما انتبهوا له فروا هاربين
ووقع بينه وبين أطراف العساكر بعض مضاربة يسيرة لم ينجرح فيها الا شخصان من
الفرنساوية مات عسكري واحد ومات من عسكر المماليك والجزار ناس قلائل وحين تشاغل
سارى عسكر مراد بالمضاربة والمقاتلة دخل حضرة سارى عسكر كلهبر الذي كان حاكما
بالاسكندرية وكان ساكنا بالازبكية الى بندر غزة وملكها من غير معارض له ووجدوا
فيها حواصل مشحونة بالذخائر من بقسماط وشعير وأربعمائة قنطار بارود واثني عشر
مدفعا وحاصلا كبيرا مملوا بالخيام الكثيرة وجللا وبنبات مهيئآت محضرات كصنعة
الافرنج هذا ما وقع لملكهم لغزة وقد اخبرناكم على ما وقع في كيفية ملك العريش
سابقا فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء اله وتأدبوا في احكام مولاكم الذي خلقكم
وسواكم والسلام ختام
وانقضى شهر رمضان ووقع به قبل ورود هذه الاخبار من السكون
والطمأنينة وخلوا الطرقات من العسكر وعدم مرور المتخلفين منهم الا في النادر
واختفائهم بالليل جملة كافية وانفتاح الاسواق والدكاكين والذهاب والمجيء وزيارة
الاخوان ليلا والمشي على العادة بالفوانيس ودونها واجتماع الناس للسهر في الدور
والقهاوي ووقود المساجد صلاة التراويح وطواف المسحرين والسلي بالرواية والنقول
وترجي المأمول وانحلال الاسعار فيما عدا المجلوبات من الاقطار
ومنها ان الفرنساوية صاروا يدعون أعيان الناس والمشايخ
والتجار للافطار والسحور ويعملون لهم الولائم ويقدمون لهم الموائد على نظام
المسلمين وعادتهم وبتولي أمر ذلك الطباخون والفراشون من
المسلمين تطمينا لخواطرهم ويذهبون هم ايضا ويحضرون عندهم الموائد وياكلون معهم في
وقت الافطار ويشاهدون ترتيبهم ونظامهم ويحذون حذوهم ووقع منهم من المسايرة للناس
وخفض الجانب ما يتعجب منه والله اعمل
شهر شوال سنة استهل بيوم الجمعة وفي صبح ذلك اليوم ضربوا
عدة مدافع لشنك العيد واجتمع الناس لصلاة العيد في المساجد والازهر واتفق ان امام
الجامع الازهر نسي قراءة الفاتحة في الركعة الثانية فلما سلم اعاد الصلاة بعد ما
شنع عليه الجماعة وخرج الرجال والنساء لزيارة القبور فانتبذ بعض الحرافيش نواحي
تربة باب النصر وأسرع في مشيه وهو يقول نزلت عليكم العرب يا ناس فهاجت الناس
وانزعجت النساء ورمحت الجعيدية والحرافيش وخطفوا ثياب النساء وأزرهن وما صادفوه من
عمائم الرجال وغير ذلك واتصل ذلك بتربة المجاورين وباب الوزير والقرافة حتى ان بعض
النساء مات تحت الارجل ولم يكن لهذا الكلام صحة وانما ذلك من مخترعا الاوباش
لينالوا اغراضهم من الخطف بذلك
وفيه ركب أكابر الفرنسيس وطافوا على أعيان البلد وهنوهم
بالعيد وجاملهم الناس بالمدارة ايضا
وفي اوائله وردت الاخبار بان الامراء المصرية القبليين
تفرقوا من بعضهم فذهب مراد بك وآخرون الى نواحي إبراهيم بك ومنهم من ذهب الى ناحية
اسوان والالفي عدي بجماعته الى البر الشرقي
وفي خامسه قدم الشيخ محمد الدواخلي من ناحية القرين
متمرضا وكان بصحبته الصاوي والفيومي متخلفين بالقرين وسبب تخلفهم ان كبير الفرنسيس
لما ارتحل من الصالحية أرسل الى كتخدا الباشا والقاضي والجماعة الذين بصحبتهم
يأمرهم بالحضور الى الصالحية لانهم كانوا يباعدون عنه مرحلة فلما ارادوا ذلك بلغهم
وقوف العرب بالطريق فخافوا من المرور فذهبوا الى العرين فأقاموا هناك واتخذ عسكر
الفرنسيس
جمالهم فأقاموا بمكانهم فتقلق هؤلاء الثلاثة وخافوا سوء
العاقبة ففارقوهم وذهبوا للقرين وتخلف عنهم الفيومي فأقام مع كتخدا الباشا والقاضي
فحصل للدواخلي توعك فحضر الى مصر وبقي رفيقاه في حيرة
وفي سابعه احضر الاغا رجلا ورمى عنقه عند باب زويلة وشنق
امرأة علىشباك السبيل تجاه الباب والسبب في ذلك ان الفرنساوي حاكم خط الخليفة وجهة
الركيبة ويسى دلوى احضر باعة الغلال بالرميلة وصادرهم ومنعهم من دفع معتاد الوالي
فاجتمعوا وذهبوا الى كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ البلد وشكوا اليه وكان الامير
ذو الفقار حاضرا وهو يسكن تلك الجهة فعضدهم وعرف شيخ البلد عن شكواهم فأرسل شيخ
البلد الى دلوى فأنتهره وأمره برد ما أخذه فأخبره اتباعه ان ذا الفقار هو الذي
عضدهم وأنهى شكواهم الى كبيرهم فقام دلوى المذكور ودخل على ذي الفقار في بيته وسبه
وشتمه بلغته وفزع عليه ليضربه فلما خرج من عنده قام ودهب الى كبيرهم واخبره بفعل
دلوى معه فأمر باحضاره وحبسه بالقلعة ثم أخبر بعض الناس شيخ البلد ان العرض الذي
وقع من دلوى لباعة الغلة انما هو باغراء خادمة وعرفه ان خادمه المذكور مولع بأمرأة
رقاصة من الرميلة تأتيه باشكالها هو واضرابه وترقص لهم تلك المرأة في القهوة التي
بخطهم ليلا ونهارا وتبيت معهم في البيت ويصبحون على حالهم فلما حبس أميرهم اختفوا فدلوا
على الرجل والمرأة فقبضوا عليهما وفعلوا بهما ما ذكر ولا بأس بما حصل
وفي ثامنه يوم الجمعة نودى في الاسواق بموكب كسوة الكعبة
المشرفة من قراميدان والتنبيه باجتماع الوجاقات وأرباب الاشاير وخلافهم على العادة
في عمل الموكب فلما أصبح يوم السبت اجتمع الناس في الاسواق وطريق المرور وجلسوا
للفرجة فمروا بذلك وامامها الوالي المحتسب وعليهم القفاطين والبينشات وجميع
الاشاير بطبولهم وزمورهم وكاساتهم ثم برطلمين كتخدا مستحفظان وامامه نفر الينكجرية
من المسلمين نحو المائتين او اكثر وعدة كثيرة من نصارى الاروام بالاسلحة
والملازمين
بالبراقع وهو لابس فروة عظيمة ثم مواكب القلقات ثم موكب
ناظر الكسوة وهو تابع مصطفى كتخدا الباشا وخلفه النوبة التركية فكانت هذه الركبة
من أغرب المواكب واعجب العجائب لما اشتملت عليه من اختلاف الاشكال وتنوع الامثال
واجتماع الملل وارتفاع السفل وكثرة الحشرات وعجائب المخلوقات واجتماع الاضداد
ومخالفة الوضع المعتاد وكان نسيج الكسوة بدار مصطفى كتخدا المذكور وهو على خلاف العادة
من نسجها بالقلعة
وفي يوم الاربعا ثالث عشرة حضر عدة من الفرنسيس وهم
راكبون الهجن ومعهم عدة بيارق وأعلام بعد المهر وأخبروا ان الفرنسيس ملكوا قلعة
يافا وبيدهم مكاتبة من سارى عسكرهم بالاخبار عما وقع فلما كان يوم الخميس واجتمع
أرباب الديوان فقرأ عليهم تلك المراسلة بعد تعريبها وترصيفها علىهذه الكيفية وهي
عن لسان رؤساء الديوان الى الكافة وذلك بالزامهم وأمرهم بذلك
وصورتها بسم الله الرحمن الرحيم سبحان مالك الملك يفعل
في ملكه ما يريد سبحان الحكم العدل الفاعل المختار ذي البطش الشديد هذه صورة تمليك
الله سبحانه وتعالى جمهور الفرنساوية لبندر يافا من الاقطار الشامية نعرف أهل مصر
واقاليمها من سائر البرية ان العساكر الفرنساوية انتقلوا من غزة ثالث عشرين رمضان
ووصلوا الى الرملة في الخامس والعشرين منه في أمن واطمئنان فشاهدوا عسكر احمد باشا
الجزار هاربين بسرعة قائلين الفرار الفرار ثم ان الفرنساوية وجدوا في الرملة
ومدينة لد مقدار كبير من مخازن البقسماط والشعير ورأوا فيها ألفا وخمسمائة قربة
مجهزة جهزها الجزار يسير بها الى اقليم مصر مسكن الفقراء والمساكين ومراده ان
يتوجه اليها باشرار العربان من سطح الجبل ولكن تقادير الله تفسد المكر والحيل قاصدا
سفك دماء الناس مثل عوائده الشامية وتجبره وظلمه مشهور لانه تربية المماليك الظلمة
المصرية ولم يعلم من خسافة عقله وسوء تدبيره ان الامر لله كل شيء
بقضائه وتدبيره وفي سادس عشرين شهر رمضان وصلت مقدمات الفرنساوية
الى بندر يافا من الاراضي الشامية واحاطوا بها وحاصروها من الجهة الشرقية والغربية
وأرسلوا الى حاكمها وتحيل الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل به ويعسكره الدمار
فمن خسافة رأيه وسوء تدبيره سعى في هلاكه وتدميره ولم يرد لهم جواب وخالف قانون
الحرب والصواب
وفي أواخر ذلك اليوم السادس والعشرين تكاملت العساكر
الفرنساوية على محاصرة يافا وصاروا كلهم مجتمعين وانقسموا على ثلاثة طوابير
الطابور الاول توجه على طريق عكا بعيدا عن يافا ربع ساعات وفي السابع والعشرين من
الشهر المذكور أمر حضرة ساري عسكر الكبير بحفر خنادق حول السور لاجل ان يعملوا
متاريس أمينة وحصارات متقنة حصينه لانه وجد سور يافا ملآنا بالمدافع الكثيرة
ومشحونة بعسكر الجزار الغزيرة
وفي تاسع عشرين الشهر لما قرب حفر الخندق الى السور
مقدار مائة وخمسين خطوة امر حضرة سارى عسكر المشار اليه ان ينصب المدافع على
المتاريس وان يضعوا اهوان القنبر باحكام وتأسيس وامر بنصب مدافع اخر بجانب البحر
لمنع الخارجين اليهم من مراكب المينا لانه وجد في المينا بعض مراكب اعدها عسكر
الجزار للهروب ولا ينفع الهروب من القدر المكتوب ولما رأت عساكر الجزار الكائنون
بالقلعة المحاصرون ان عسكر الفرنساوية قلائل في رأى العين للناظرين لمداراة
الفرنساوية في الخنادق وخلف المتاريس غرهم الطمع فخرجوا لهم من القلعة مسرعين
مهرولين وظنوا انهم يغلبون الفرنساوية فهجم عليهم الفرنسيس وقتلوا منهم جملة كثيرة
في تلك الواقعة والجؤهم للدخول ثانيا في القلعة
وفي يوم الخميس غاية شهر رمضان حصل عند سارى عسكر شفقة
قلبية وخاف على اهل يافا من عسكره اذا دخلوا بالقهر والاكراه فأرسل اليهم مكتوبا
من رسول مضمونه لا اله الا الله وحده لا شريك له
بسم الله الرحمن الرحيم من حضرة ساري عسكر اسكندر برتية
كتخدا العسكر الفرنساوي الىحضرة حاكم يافا نخبركم ان حضرة ساري عسكر الكبير
بونابارته امرنا ان نعرفك في هذا الكتاب أن سبب حضوره الى هذا الطرف اخراج عسكر
الجزار فقط من هذه البلدة لانه تعدى بارسال عسكره الى العريش ومرابطته فيها والحال
انها من اقليم مصر التي أنعم الله بها علينا فلا يناسبه الاقامة بالعريش لانها ليس
من أرضه فقد تعدى على ملك غيره ونعرفكم يا أهل يافا ان بندركم حاصرناه من جميع
اطرافه وجهاته وربطناه بأنواع الحرب وآلات المدافع الكثيرة والجلل والقنابر وفي
مقدرا ساعتين ينقلب سوركم وتبطل آلاتكم وحروبكم ونخبكرم أن حضرة ساري عسكر المشار
اليه لمزيد رحمته وشفقته خصوصا بالضعفاء من الرعية خاف عليكم من سطوة عسكره
المحاربين اذا دخلوا عليكم بالقهر اهلكوكم اجمعين فلزمنا أننا نرسل لكم هذا الخطاب
أمانا كافيا لأهل البلد والاغراب ولاجل ذلك اخر ضرب المدافع والقنابر الصاعدة عنكم
ساعة فلكية واحدة واني لكم لمن الناصحين وهذا آخر جواب الكتاب فجعلوا جوابنا حبس
الرسول مخالفين للقوانين الحربية والشريعة المطهرة المحمدية وحالا في الوقت
والساعة هيج سارى عسكر واشتد غضبه على الجماعة وأمر بابتداء ضرب المدافع والقنابر
الموجب للتدمير وبعد مضي زمان يسير تعطلت مدافع يافا المقابلة لمدافع المتاريس
وانقلب عسكر الجزار في وبال وتنكيس وفي وقت الظهر من هذا اليوم انخرق سور يافا
وارتج له القوم ونقب من الجهة التي ضرب فيها المدافع من شدة النار ولا راد لقضاء
الله ولا مدافع وفي الحال أمر حضرة ساري عسكر بالهجوم عليهم وفي أقل من ساعة ملكت
الفرنساوية جميع البندر والابراج ودار السيف في المحاربين واشتد بحر الحرب وهاج
وحصل النهب فيها تلك الليلة
وفي يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل من حضر ساري
عسكر الكبير ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم
الامان وأمرهم برجوعهم الى بلدهم مكرمين وكذلك امر اهل
دمشق وحلب برجوعهم الى أوطانهم سالمين لاجل أن يعرفوا مقدار شفقته ومزيد رأفته
ورحمته يعفو عند المقدرة ويصفح وقت المعذرة مع تمكينه ومزيد اتقانه وتحصينه في هذه
الواقعة قتل اكثر من اربعة الاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من
الانحراف وأما الفرنساوية فلم يقتل منهم الا القليل والمجروحون منهم ليسوا بكثير
وسبب ذلك سلوكهم الى القلعة من طريق امينة خافية عن العيون وأخذوا ذخائر كثيرة
وأموالا غزيرة واخذوا المراكب التي في المينة واكتسبوا امتعة غالية ثمينة ووجدوا
في القلعة اكثر من ثمانين مدفع ولم يعلموا مع مقادير الله ان آلات الحرب لا تنفع
فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله ولا تعترضوا على احكام الله وعليكم بتقوى
الله واعلمو ان المك لله يؤتيه من يشاء والسلام عليكم ورحمة الله
فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا وكانوا يظنون بل
يتيقنون استحالة ذلك خصوصا في المدة القليلة ولكن المقضي كائن
وفي يوم الجمعة خامس عشرة شق جماعة من اتباع الشرطة في
الاسواق والحمامات والقهاوي ونبهوا على الناس بترك الفضول والكلام واللغط في حق
الفرنسيس ويقولون لهم من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلينته ويترك الكلام
في ذلك فان ذلك مما يهيج العداوة وعرفوهم انه ان بلغ الحاكم من المتجسسين عن أحد
تكلم في ذلك عوقب أو قتل فلم ينتهوا وربما قبض على البعض وعاقبوه بالضرب والتغريم
وفي ذلك اليوم كان التحويل الربيعي وانتقال الشمس لبرج
الحمل وهو اول شهر من شهورهم فعملوا ليلة السبت شنكا وحراقة وسواريخ وتجمعوا بدار
الخلاعة نساء ورجالا وتراقصوا وتسابقوا وأوقدوا سراجا وشموعا وغير ذلك وأظهر
الاقباط والشوام مزيد الفرح والسرور
وفي يوم السبت المذكور ارسلوا الاعلام والبيارق التي
أحضروها من قلعة يافا وعدتها ثلاثة عشر وفيها من له طلائع فضة كبار الى الجامع
الازهر وكانوا انزلوا اعلام قلعة العريش قبل ذلك بيوم من
أعلى المنارات وأرسلوا بدلها اعلام يافا وعملوا لها موكبا بطائفة من العسكر بقدمهم
طبلهم وخلفهم الاغا بجماعته وطائفته والمحتسب ومدبروا الديوان وخلفهم طبل آخر يضربون
عليه بأزعاج شديد وخلف ذلك الطبل جماعة من العسكر يحملون البنادق على اكتافهم
كالطائفة الاولى وبعدهم عدة من العسكر على رؤوسهم عمائم بيض يحملون تلك الاعلام
الكبار والبيارق المذكورة وخلفهم جماعة خيالة من كبار العسكر وآخرون راكبون على
حمير المكارية فلما وصلوا الى باب الجامع الازهر رتبوا تلك الاعلام وضعوها على
أعلى الباب الكبير فوق المكتب منشورة وبعضها على الباب الاخر من الجهة الاخرى عند
حارة كتامة المعروفة الان بالعينية ولم يصعدوا منها عل المنارات كما صنعوا في
اعلام العريش
وفي يوم الاحد سابع عشره رتبوا أوامر وكتبوها في أوراق
مبصومة والصقوها بالاسواق أحداها بسبب مرض الطاعون واخرى بسبب الضيوف الاغراب
ومضمون الاولى بتقاسيمه ومقالاته خطابا لاهل مصر وبلاق ومصر القديمة ونواحيها انكم
تمتثلون هذه الاوامر وتحافظون عليها ولا تخالفوها وكل من خالفها وقع له مزيد من الانتقام
والعقاب الاليم والقصاص العظيم وهي المحافظة من تشويش الكبة وكل من تيقنتم أو
ظننتم او توهمتم او شككتم فيه ذلك في محل من المحلات أو بيت أو وكالة أو ربع
يلزمهم ويتحتم عليكم ان تعملوا كرنتيلة ويجب قفل ذلك المكان ويلزم شيخ الحارة او
السوق الذي فيه ذلك ان يخبر حالا قلق الفرنساوية حاكم ذلك الخط القلق يخبر شيخ
البلد قائمقام مصر وأقاليمها ويكون ذلك فورا وكذلك كل ملة من سكان مصر وأقاليمها
وجوانبها والاطباء اذا تحققوا وعلموا حصول ذلك المرض يتوجه كل طبيب الى قائمقام
ويخبره ليأمر بما هو مناسب للصيانة والحفظ من التشويش وكل من كان عنده خبر من كبار
الاخطاط او مشايخ الحارات وقلقات الجهات ولم يخبر بهذا المرض يعاقب بما يراه قائمقام
ويجازى
مشايخ الحارات بمائة كرباج جزاء للتقصير وملزوم ايضا من
اصابه هذا التشويش او حصل في بيته لغيره من عائلته او عشيرته وانتقل من بيته الى
آخر ان يكون قصاصة الموت وهو الجاني على نفسه بسبب انتقاله وكل رئيس ملة في خط اذا
لم يخبر بالكبة الواقعة في خطه او بمن مات بها ايضا حالا فوريا كان عقاب ذلك
الرئيس وقصاصة الموت والمغسل ان كان رجلا او امرأة اذا رأى الميت انه مات بالكبة
اوشك في موته ولم يخبر قبل مضي اربع وعشرين ساعة كان جزاؤه وقصاصةالموت وهذه
الاوامر الضرورية بلزوم اغات الينكجرية وحكام البلد الفرنساوية والاسلامية تنبيه
الرعية واستيقاظهم لها فانها امور مخفية وكل من خالف حصل له مزيد من الانتقام من
قائمقام وعلى القلقات البحث والتفتيش عن هذه العلة الردية لاجل الصيانة والحفظ
لاهل البلد والحذر من المخالفة والسلام
ومضمون الثانية الخطاب السابق من سارى عسكر دوجا الوكيل
وحاكم البلد دسني قائمقام يلزم المدبرين بالديوان انهم يشهرون الاوامر وينتبهوا
لها وكل من خالف يحصل له مزيد الانتقام وهو انه يتحتم ويلزم صاحب كل خمارة او
وكالة او بيت الذي يدخل في محله ضيف او مسافر أو قادم من بلدة او اقليم ان يعرف
عنه حالا حاكم البلد ولا يتأخر عن الاخبار الا مدة اربعة وعشرين ساعة يعرفه عن
مكانه الذي قدم منه وعن سبب قدومه وعن مدة سفره ومن أي طائفة او ضيفا او تاجرا أو
زائرا أو غريما مخاصما لا بد لصاحب المكان من ايضاح البيان والحذر ثم الحذر من
التلبيس والخيانة واذا لم يقع تعريف عن كامل ما ذكر في شأن القادم بعد الاربعة وعشرين
ساعة باظهار اسمه وبلده وسبب قدومه يكون صاحب المكان متعديا ومذنبا وموالسا مع
المماليك
ونخبركم معاشر الرعايا وأرباب الخمامير والوكائل ان
تكونوا ملزومين بغرامة عشرين ريالا فرانسة في المرة الاولى وأما في المرة الثانية
فان الغرامة تضاعف ثلاث مرات ونخبركم ان الامر بهذه الاحكام مشترك
بينكم وبين الفرنسيس الفاتحين للخمامير والبيوت والوكائل
والسلام
وفيه اجتمعوا الديوان وتفاوضوا في شأن مصطفى بك كتخدا
الباشا المولى امير الحاج وهو انه لما ارتحل مع سارى عسكر وصحبته القاضي والمشايخ
الذين عينوا للسفر والوجاقلية والتجار وافترق منهم عند بلبيس وتقدم هو الى
الصالحية ثم انهم انتقلوا الى العرين فحضر جماعة من العساكر المسافرين فاحتاجوا
الى الجمال فأخذوا جمالهم فلما واصل سارى عسكر الى وطنه أرسل يستدعيهم الى الحضور
فلم يجدوا ما يحملون عليه متاعهم وبلغهم أن الطريق مخيفة من العرب فلم يمكنهم
اللحاق به فأقاموا بالعرين بالعين المهملة عدة أيام وأهمل أمرهم سارى عسكر ثم ان
الشيخ الصاوي والعريشي والدواخلي وآخرين خافوا عاقبة الامر ففارقوهم وذهبوا الى
القرين بالقاف وحصل للدواخلي توعك وتشويش فحضر الى مصر كما تقدم ذكر ذلك وانتقل
مصطفى بك المذكور والقاضي وصحبتهم الشيخ الفيومي وآخرون من التجار والوجاقلية الى
كفور نجم وأقاموا هناك أياما واتفق ان الصاوي أرسل الى داره مكتوبا وذكر في ضمنه
ان سبب افتراقهم من الجماعة انهم رأوا من كتخدا الباشا امور غير لائقة فلماحضر ذلك
المكتوب طلبه الفرنساوية المقيمين في مصر وقرأوه وبحثوا عن الامور اللائقة فأولها بعض
المشايخ انه قصر في حقهم والاعتناء بشأنهم فسكتوا وأخذوا في التفحص فظهر لهم
خيانته ومخامرته عليهم واجتمع عليه الجبالي وبعض العرب العصاة واكرمهم وخلع عليهم
وانتقل بصحبتهم الى منية غمر ودقدوس وبلاد الوقف وجعل يقبض منهم الاموال وحين كانوا
علىالبحر مر بهم مراكب تحمل الميرة والدقيق الى الفرنسيس بدمياط فقاطعوا عليهم
وأخذوا منهم ما معهم قهرا وأحضروا المراكبية بالديوان فحكوا على ما وقع لهم معه
فأثبتوا خيانة مصطفى بك المذكور وعصيانه وأرسلوا هجانا باعلام سارى عسكرهم بذلك
فرجع اليهم بالجواب يأمرهم فيه بان يرسلو له عسكرا ويرسلوا الى داره جماعة ويقبضون
عليه ويختمون على داره ويحبسون جماعته
وفي يوم الاحد رابع عشرينه عينوا عليه عسكرا وأرسلوا الى
داره
جماعة ومعهم وكلاء فقبضوا على كتخدائه الذي كان ناظرا
على الكسوة وعلى ابن اخيه ومن معهم وأودعوهم السجن بالجيزة وضبطوا موجوداته وما
تركه مخدومه بكر باشا بقائمة واودعوا ذلك بمكان بالقلعة فوجدوا غالب امتعة الباشا
وبرقة وملابسه وعبى الخيل والسروج وغيرها شيئا كثيرا وجدوا بعض خيول وجمال اخذوها
ايضا فانقبض خواطر الناس لذلك فانهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي ويتوسلون
بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهما مسموعة ثم انهم ارسلوا
أمانا للمشايخ الوجاقلية والتجار بالحضور الى مصر مكرمين ولا بأس عليهم
وفيه ورد الخبر بان السيد عمر افندي نقيب الاشراف حضر
الى دمياط وصحبته جماعة من افندية الروزنامة الفارين مثل عثمان افندي العباسي وحسن
افندي كاتب اشهر ومحمد افندي ثاني قلفة وباش جاجرت والشيخ قاسم المصلي وغيرهم وذلك
انهم كانوا بقلعة يافا فلما حاصرها الفرنساوية وملكوا القلعة والبلد لم يتعرضوا
للمصريين وطلبهم اليه وعاتبهم على نقلهم وخروجهم من مصر وألبسهم ملابس وأنزلهم في
مركب وأرسلهم الى دمياط من البحر
وفي يوم الاثنين نادوا في الاسواق على المماليك والغز والاجناد
الاغراب بأنهم يحضرون الى بيت الوكيل ويأخذون لهم ارواقا بعد معرفتهم والتضمين على
أنفسهم ومن وجد من غير وثيقة في يده بعد ذلك يستاهل الذي يجري عليه وسبب ذلك اشاعة
دخول الكثير منهم الى مصر خفية بصفة الفلاحين
وفي يوم الثلاثاء نادوا في الاسواق والشوارع بأن من اراد
الحج فليحج في البحر من السويس صحبة الكسوة والصرة وذلك بعد ان عملوا مشورة في ذلك
وفيه حضر امام كتخدا الباشا ومعه مكتوب فيه الثناء على الفرنساوية
وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم وانه مستمر
علىمودته ومحبته معهم ويطلب منهم الاجازة بالحضور الى
مصر ليسافر بصحبة الكسوة والحجاج فان الوقت ضاق ودخل أوان السفر للحج وفي آخر المكتوب
وان بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة فلا تصدقوه فقرىء كتابه بالديوان
فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا اليه وقالوا ان خيانته ثبتت عندنا فلا ينفعه
هذا الاعتذار ثم كتبوا له جوابا وارسلوه صحبة امامه مضمونه ان كان صادقا في مقالته
فليذهب الى جهة سارى عسكر بالشام وامهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب اليه وان تأخر
زيادة عليها كان كاذبا في مقالته وأمروا العسكر بمحاربته والقبض عليه
وفيه كتبوا اوراقا ونادوا بها في الشوارع وهي يا أهل مصر
نخبركم ان امير الحاج رفعوه عن سفره بالحاج بسبب ما حصل منه وان اهل مصر علماء
ووجاقات ورعايا لم يخالطوه في هذا الامر ولم ينسب لهم شيء فالحمد لله الذي برأ اهل
مصر من هذه الفتنة وهم حاضرون سالمون غانمون ما عليهم سوء ومن كان مراده الحج يؤهل
نفسه ويسافر صحبة الصرة والكسوة في البحر والمراكب حاضرة والمعينون المحافظون من
اهل مصر صحبة الحاج حاضرون يكون في علمكم ان تكونوا مطمئنين واتركوا كلام الحشاشين
وفي يوم السبت غايته حضر المشايخ والوجاقات والتجار ما
خلا القاضي فانه لم يحضر وتخلف مع مصطفى كتخدا وانقضى هذا الشهر وما تجدد به من
الحوادث التي منها ان الفرنساوية عملوا جسرا من مراكب مصطفة وعليها اخشاب مسمرة من
بر مصر بالقرب العيني الى الروضة الى الجيزة
ومنها ان توت الفلكي رسم في فسحة دارهم العليا ببيت حسن
كاشف جركس خطوط البسيطة لمعرفة فضل الدائر لنصف النهار على البلاط
المفروش بطول الفسحة ووضع لها بدل الشاخص دائرة مثقوبة
بثقب عديدة في اعلى الرفوف مقابلة لعرض الشمس ينزل الشعاع من تلك الثقب ويمر على
الخطوط المرسومة المقسومة ويعرف منه الباقي للزوال ومدارات البروج شهرا شهرا وعلى كل
برج صورته ليعلم منه درجة الشمس ورسم ايضا مزولة بالحائط الاعلى على حوش المكان
الاسفل المشترك بين الدارين بشاخص على طريق وضع المنحرفات والمزاول ولكن لساعات
قبل الزوال وبعده خلاف الطريق المعروفة عندنا بوقت العصر وفضل دائر الغروب وقوس
الشفق والفجر وسمت القبلة وتقسيم الدرج وامثال ذلك لاجل تحقيق اوقات العبادة وهم
لا يحتاجون الى ذلك فلم يعانوه ورسم ايضا بسيطة على مربعة من نحاس أصفر منزلة
بخطوط عديدة في قاعدة عامود قصير طوله اقل من قامة قايم بوسط الجنينه وشاخصها مثلث
من حديد يمر ظل طرفه على الخطوط المتقاطعة وهي متقنة الرسم والصناعة وحولها
معاريفها واسم واضعها بالخط الثلث العربي المجود حفرا في النحاس وفيها تنازيل
الفضة على طريق اوضاع العجم وغير ذلك
ومنها انهم لما سخطوا على كتخدا الباشا وقبضوا على اتباعه
وسجنوهم وفيهم كتخداه الذي كان ناظرا على الكسوة فقيدوا في النظر على مباشرة
اتمامها صاحبنا السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب احد العدول بالمحكمة فنقلها
لبيت أيوب جاويش بجوار مشهد السيدة زينب وتمموها هناك واظهروا ايضا الاهتمام
بتحصيل مال الصرة وشرعوا في تحرير دفتر الارسالية خاصة
واستهل شهر القعدة بيوم الاحد سنة في سادسه يوم الجمعة
حضرت هجانة من الفرنسيس ومعهم مكاتبة مضمونها انهم اخذوا حيفا وبعدها ركبوا على
عكا وضربوا عليها وهدموا جانبا من سورها وانهم بعد اربعة وعشرين ساعة يملكونها وانهم
استعجلوا في ارسال هذه الهجانة لطول المدة والانتظار لئلا يحصل
لاصحابهم القلق فكونوا مطمئنين وبعد سبعة ايام نحضر
عندكم السلام
وفيه حضرت مغاربة حجاج الى بر الجيزة فتحدث الناس وكثر
لغطهم وتقولوا بانهم عشرون ألفا حضروا لينقذوا مصر من الفرنسيس فأرسل الفرنسيس
للكشف عليهم فوجدوهم طائفة من خلايا وقرى فاس مثل الفلاحين فآذنوا لهم في تعدية بعض
أنفار منهم لقضاء أشغالهم فحضر شخص منهم الى الفرنسيس ووشى اليهم انهم قدموا
لمحاربتهم والجهاد فيهم وانهم اشتروا خيلا وسلاحا وقصدهم اثارة فتنة فأرسل
الفرنسيس اليهم جماعة ينظرون في أمرهم فذهبوا اليهم وتكلموا معهم ومع كبيرهم وعن
الذي نقل عنهم فقالوا انما جئنا بقصد الحج لا لغيره ثم رجعوا وصحبتهم كبير
المغاربة فعملوا الديوان في صبحها وأحضروه وكذلك أحضروا الرجل الذي وشى عليهم
فتكلموا مع كبير المغاربة وسألوه وناقشوه فقال انا لم نأت الا بقصد الحج فقيل له
ولاي شيء تشترون الاسلحة والخيول فقال نعم لازم لنا ذلك ضرورة فقيل له انه نقل
عنكم انكم تريدون محاربة الفرنساوية وتقولون الجهاد افضل من الحج فقال هذا كلام لا
أصل له فقيل له ان الناقل لذلك رجل منكم فقال ان هذا رجل حرامي أمسكناه بالسرقة
وضربناه فحمله الحقد على ذلك وان هذه البلاد ليست لنا ولا لسلطاننا حتى نقاتل
عليها ولا يصح ان نقاتلكم بهذه الشرذمة القليلة وليس معنا الا نصف قنطار وبارود ثم
اتفقوا معه على أن يجمعوا سلاحهم ويقيم كبيرهم عندهم رهينة حتى يعدي جماعته
ويسافروا ويلحقهم بعد يومين بالسلاح فأجابهم الى ذلك فشكروه وأهدوا له هدية فلما
كان يوم السبت خرجت عدة من العسكر الى بولاق ومعهم مدفعان ليقفوا للمغاربة حتى يعدوا
البحر ويمشوا معهم الى العادلية فلما رأى الناس خروج العسكر والمدافع فزعوا في
المدينة وبولاق ورمحوا كعادتهم في كرشاتهم وصياحهم وأشاعوا ان الفرنسيس خرجت لقتال
المغاربة وأغلقوا غالب الاسواق والدكاكين وأمثال ذلك من تخيلاتهم فلم يعد المغاربة
ذلك اليوم وعدوا في ثاني يوم ومشى معهم عسكر الفرنسيس
الى العادلية وهم يضربون الطبول وامامهم مدفع وخلفهم
مدفع مع جملة من العساكر
وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر عدة من عسكر الفرنسيس الى
عرب الجزيرة فان مصطفى بك كتخدا الباشا ذهب اليهم والتجأ لهم فعينوا عليهم تلك
العساكر
وفي يوم الاربعاء فرجوا عن جماعة من القليونجية وغيرهم
الذين كانوا محبوسين بالقلعة وفيهم المعلم نقولا النصراني الارمني الذي كان رئيس
مركب مراد بك الحربية التي أنشأها بالجيزة وأسكنوه ببيت حسن كتخدا بباب الشعرية
وفيه حضر بن شديد شيخ عرب الحويطات بأمان وكان عاصيا
فأعطوه الامان وخلعوا عليه وسفروا معه قافلة دقيق وبقسماط العسكر بالشام
وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر مجلون من الناحية القبلية
وصحبته اموال البلاد والغنائم من بهائم وخلافها
وفيه عملوا كرنتيلة عند العادلية لمن يأتي من بر الشام
من العسكر الى ناحية شرق اطفيح بسبب محمد بيك الالفي
وفيه حضر الذين كانوا ذهبوا الى عرب الجزيرة فضربوهم
ونالوا منهم بعض النيل وأما مصطفى بك فلم تعلم عنه حقيقة حال قيل انه ذهب الى
الشام
وفي خامس عشرينه وصلت مراسلة من المذكور خطابا للمشايخ
مضمونها انهم يعرفون أكابر الفرنسيس انه متوجه الى ساري عسكرهم بالشام ويرجون
الافراج عن قريبه وكتخدائه ويتحفظون على الامتعة التي أخذوها فانها من متعلقات
الدولة فلما أطلعوهم على تلك المكاتبة قالوا لا يمكن الافراج عن المذكورين حتى
تتحقق انه ذهب الى سارى عسكر ويأتينا منه خطاب في شأنه فانه من الجائز انه يكذب في
قوله
وفيه ثبت ان محمد بك الالفي مر من خلف الجبل وذهب الى
عرب الجزيرة ومعه من جماعته نحو المائة وقيل أكثر والتف عليه الكثير من
الغز والماليك المشردين بتلك النواحي وقدم له العربان
التقادم والكف فارسل له الفرنسيس عدة من العسكر
وفي سابع عشرينه لخص الفرنساوية طومارا قرىء بالديوان
وطبع منه عدة نسخ وألصقت بالاسواق على العادة وكان الناس أكثروا من اللغط بسبب
انقطاع الاخبار عن الفرنسيس المحاصرين لعكا والروايات عمن بالصعيد والكيلاني والاشراف
الذين معه وغير ذلك
وصورتها من محفل الديوان الكبير بمصر بسم الله الرحمن
الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر أهل مصر أجمعين أنه حضر جواب من عكا من
حضرة ساري عسكر الكبير خطابا منه الى حضرة ساري عسكر الوكيل بثغر دمياط تاريخه
تاسع القعدة سنة تاريخه يخبر فيه اننا أرسلنا لكم نقيرتين لدمياط الاولى ارسلناها
في خمسة وعشرين شوالا والثانية في ثمانية وعشرين منه أخبرناكم فيهما عن مطلوبنا
ارسال جانب جليل وذخائر الى عساكرنا المحافظين في غزة ويافا لاجل زيادة المحافظة
والصيانة واما من قبل العرضي فان الجلل عندنا كثيرة والذخائر والمآكل والمشارب
والخيرات غزيرة حتى انها زادت عندنا الجلل بكثرة جمعناها مما رمته الاعداء فكأن
اعداءنا أعانونا وتخبركم اننا عملنا لغما مقدار عمقه ثلاثون قدما وسرنا به حتى
قربناه الى السور الجواني بمسافة نحو ثمانية عشر قدما وقد قربت عساكرنا من الجهة
التي تحارب فيها حتى صار بينهم وبين السور ثمانية واربعون قدما بمشيئة الله تعالى
عند وصول كتابنا اليكم وقبل اتمام قراءته عليكم نكون ظافرين بملك قلعة عكا اجمعين
فاننا تهيأنا الى دخولها يأتيكم خبر ذلك بعد هذا الكتاب واما بقية اقليم الشام وما
يلي عكا من البلاد فانهم لنا طائعون وبالاعتناء ومزيد المحبة راغبون يأتوننا بكل
خير عظيم ويحضرون لنا افواجا بالهدايا الكثيرة والحب الجسيم من القلب السليم وهذا
من فضل الله علينا ومن شدة بغضهم الجزار باشا ونخبركم ايضا ان الجنرال يونوت انتصر
على أربعة الاف مقاتل حضروا من الشام خيالة ومشاة
فقابلتهم بثلثمائة عسكري مشاة من عسكرنا فكسروا التجريدة
المذكورة واوقع منهم نحو ستمائة نفس ما بين مقتول ومجروح وأخذ منهم خمسة بيارق
وهذا أمر عجيب لم يقع نظيره في الحروب ان ثلثمائة نفس تهزم نحو اربعة آلاف نفس
فعلمنا ان النصرة من عند الله لا بالقلة ولا بالكثرة هذا اخر كتاب سارى عسكر
الكبير الى وكيله بدمياط وارسل الينا بالديوان حضرة الوكيل سارع عسكر دوجا الوكيل
بمصر المحروسة يخبرنا بصورة هذا المكتوب ويأمرنا اننا نلزم الرعايا من اهل مصر
والارياف ان يلزموا الادب والانصاف ويتركوا الكذب والخراف فان كلام الحشاشين يوقع
الضرر للناس المعتبرين فان حضرة سارى عسكر دوجا الوكيل بلغة ان اهل مصر واهل الارياف
يتكلمون بكلام لا أصل له من قبل الاشراف والحال ان الاشراف الذين يذكرونهم ويكذبون
عليهم جاءت اخبارهم من حضرة سارى عسكر الصعيد يخبر الوكيل دوجا بان الاشراف
المذكورين الذين صحبة الكيلاني قد مزقوا كل ممزق وانهزموا وتفرقوا فلم يكن الان في
بلاد الصعيد شيء يخالف المراد وسلم من الفتن والعناد فأنتم يا أهل مصر ويا أهل
الارياف اتركوا الامور التي توقعكم في الهلاك والتلاف وامسكوا ادبكم قبل ان يحل
بكم الدمار ويلحقكم الندم والعار والاولى للعاقل اشتغاله بأمر دينه ودنياه وان
يترك الكذب وان يسلم لاحكام الله وقضاه فان العاقل يقرأ العواقب وعلى نفسه يحاسب
هذا شأن اهل الكمال يتركون القيل والقال ويشتغلون باصلاح الاحوال ويرجعون الى
الكبير المتعال والسلام
وفي هذا الشهر كتبوا اوراقا بأوامر ونصها من محفل الديوان
العمومي الى جميع سكان مصر وبولاق ومصر القديمة اننا قد تأملنا وميزنا ان الواسطة
الاقرب والايمن لتلطيف او لمنع الخطر الضروري وهو تشويش الطاعون عدم المخالطة مع
النساء المشهورات لانهن الواسطة الاولى للتشويش المذكور فلاجل ذلك حتمنا ورتبنا
ومنعنا الى مدة ثلاثين يوما من تاريخه اعلاه لجميع الناس ان كان فرنساويا او مسلما
او روميا
او نصرانيا او يهوديا من أي ملة كان كل من ادخل الى مصر
او بولاق او مصر القديمة النساء المشهورات ان كان في بيوت العسكر او كل من كان
داخل المدينة فيكون قصاصه بالموت كذلك من قبل النساء والبنات المشهورات بالعسكر ان
دخلن من انفسهن ايضا يقاصصن بالموت
ومن حوادث هذا الشهر انه حضر الى القلزم مركبان
انكليزيان وقيل أربعة ووقفوا قبالة السويس وضربوا مدافع ففر أناس من سكان السويس
الى مصر واخبروا بذلك وانهم صادفوا بعض داوات تحمل البن التجارة فحجزوها ومنعوها
من الدخول الى السويس
ومنها ان طائفة من عرب البحيرة يقال لهم عرب الغز جاءوا
وضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس وعاثوا في نواحي تلك البلاد حتى وصلوا الى
الرحمانية ورشيد وهم يقتلون من يجدونه من الفرنسيس وغيرهم وينهبون البلاد
والزروعات
ومنها ان الكيلاني المذكور آنفا توفي رحمه الله تعالى
وتفرقت طائفته في البلاد حتى انه حضر منهم جملة الى مصر وكان أكثر من يخامر عليهم
اهل بلاد الصعيد فيوهمونهم معاونتهم وعند الحروب يتخلون عنهم وبعض البلاد يضيفون
ويسلط عليهم الفرنسيس فيقبضون عليهم
ومنها انه حضر الى مصر الاكثر من عسكر الفرنسيس الذين
كانوا بالجهة القبلية وضربوا في حال رجوعهم بني عدي بلدة من بلاد الصعيد مشهورة
وكان اهلها ممتنعين عليهم في دفع المال والكلف ويرون في انفسهم الكثرة والقوة
والمنعة فخرجوا عليهم وقاتلوهم فملك عليهم الفرنسيس تلا عاليا وضربوا عليهم
بالمدافع فأتلفوهم واحرقوا جرونهم ثم كبسوا عليهم وأسرفوا في قتلهم ونهبهم وأخذوا
شيئا كثيرا وأموالا عظيمة وودائع جسيمة للغز وغيرهم من مساتير اهل البلاد القبلية
لظن منعتهم وكذلك فعلوا بالميمون
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة في ثانيه خرج نحو
الالف من عسكر الفرنسيس للمحافظة على البلاد
الشرقية لتجمع العرب والمماليك على الالفي وكذلك تجمع
الكثير من الفرنسيس وذهبوا الى جهة دمنهور وفعلوا بها ما فعلوا في بني عدي من
القتل والنهب لكونهم عصوا عليهم بسبب انه ورد عليهم رجل مغربي يدعى المهدوية ويدعو
الناس ويحرضهم على الجهاد وصحبته نحو الثمانين نفرا فكان يكاتب اهل البلاد ويدعوهم
الى الجهاد فاجتمع عليه اهل البحيرة وغيرهم وحضورا الى دمنهور وقاتلوا من بها من
الفرنساوية واستمر اياما كثيرة تجتمع عليه اهل تلك النواحي وتفترق والمغربي
المذكور تارة يغرب وتارة يشرق
وفيه اشيع ان الالفي حضر الى بلاد الشرقية وقاتل من بها
من الفرنسيس ثم ارتحل الى الجزيرة
وفي سابعه حضر جماعة من فرنسيس الشام الى الكرنتيلة
بالعادلية وفيهم مجاريح واخبر عنهم بعضهم ان الحرب لم تزل قائمة بينهم وبين أحمد
باشا بعكا وان مهندس حروبهم المعروف بأبي خشبة عند العامة واسمه كفرللي مات وحزنوا
لموته لانه كان من دهاتهم وشياطينهم وكان له معرفة بتدبير الحروب ومكايد القتال
واقدام عند المصاف مع ما ينضم لذلك من معرفة الابنية وكيفية وضعها وكيفية اخذ
القلاع ومحاصرتها
وفي يوم الاربعاء كان عبد النحر وكان حقه يوم الخميس
وعند الغروب من تل الليلة ضربوا مدافع من القلعة اعلاما بالعيد وكذلك عند الشروق
ولم يقع في ذلك العيد اضحية على العادة لعدم المواشي لكونها محجوزة في الكرنتيلة
والناس في شغل عن ذلك
ومن الحوادث في ذلك اليوم ان رجلا روميا من باعة الرقيق
عنده غلام مملوك ساكن في طبقة بوكالة ذي الفقار بالجمالية خرج لصلاة العيد ورجع
الى طبقته فوجد ذلك الغلام متقلدا بسلاح ومتزيبا بمثل ملابس القليونجية فقال له من
أين لك هذا اللباس فقال من عند جارنا فلان العسكري فأمره بنزع ذلك فلم يستمع له
ولم ينزعها فشتمه ولطمه على وجهه فخرج من الطبقة وحدثته نفسه بقتل سيده ورجع يريد
ذلك
فوجد عند سيده ضيفا فلم يتجاسر عليه لحضور ذلك الضيف
فوقف خارج الباب ورآه سيده فعرف من عينه الغدر فلما قام ذلك الضيف قام معه وخرج
واغلق الباب على الغلام فصعد الغلام على السطح وتسلق الى سطح آخر ثم تدلى بحبل الى
اسفل الخان وخرج الى السوق وسيفه مسلول بيده ويقول الجهاد يا مسلمين اذبحوا الفرنسيس
ونحو ذلك من الكلام ومر الى جهة الغورية فصادف ثلاثة اشخاص من الفرنسيس فقتل منهم
شخصا وهرب الاثنان ورجع على اثره والناس يعدون خلفه من بعد الى ان وصل الى درب
بالجمالية غير نافذ فدخله وعبر الى دار وجدها مفتوحة وربها واقف على بابها
والفرنسيس تجمع منهم طائفة وظنوا ظنونا أخر وبادروا الى القلاع وحضرت منهم طائفة
من القلق يسألون عن ذلك الممولك وهاجت العامة ورمحت الصغار وأغلق بعض الناس
حوانيتهم ثم لم تزل الفرنسيس تسأل عن ذلك المملوك والناس يقولون لهم ذهب من هنا
حتى وصلوا الى ذلك الدرب فدخلوه فلما أحس بهم نزع ثيابه وتدلى ببئر في تلك الدار
فدخلوا الدار وأخرجوه من البئر واخذوه وسكنت الفتنة فسألوه عن أمره وما السبب في
فعله ذلك فقال انه يوم الاضحية فاحببت ان أضحي على الفرنسيس وسألوه عن السلاح فقال
انه سلاحي فحبسوه لينظروا في أمره وطلبوا سيده فوجدوه عند الشيخ المهدي وأخذوا بعض
جماعة من اهل الخان ثم أطلقوهم بدون ضرر وأخذوا سيده من عند المهدي وحبسوه وحضر
الاغا وبرطلمين الى الخان بعد العشاء وطلبوا البواب والخانجي والجيران وصعدوا الى
الطباق وفتشوا على السلاح حتى قلعوا البلاط فلم يجدوا شيئا وأرادوا فتح الحواصل
فمنعهم السيد احمد بن محمود محرم فخرجوا وأخذوا معهم الخانجي وجيران الطبقة وجملة
أنفار وحبسوهم ايضا وقتلوا المملوك في ثاني يوم واستمر الجماعة في الحبس الى أن
أطلقوهم بعد ايام عديدة من الحادثة
وفي ذلك اليوم ايضا مر نصراني من الشوام على المشهد
الحسيني وهو
راكب على حمار فرآه ترجمان ضابط الخطة ويسمى السيد عبد
الله فأمره بالنزول اجلالا للمشهد على العادة فامتنع فانتهزه وضربه والقاه على
الارض فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس وشكا اليهم السيد عبد الله المذكور فأحضروه
وحبسوه فشفع فيه مخدومه فلم يطلقوه وادعى النصراني انه كان بعيدا عن المشهد واحضر من
شهد له بذلك وان السيد عبد الله متهور في فعله وادعى انه ضاع له وقت ضربه دراهم
كانت في جيبه واستمر الترجمان محبوسا حتى دفع تلك الدراهم وهي ستة آلاف درهم
وفيه ارسل فرنسيس مصر الى رئيس الشام ميرة على جمال العرب
نحو الثمانمائة جمل وذهب صحبتها برطلمين وطائفة من العسكر فأوصلوها الى بلبيس
ورجعوا بعد يومين
وفيه حضر الى السويس تسعة داوات بها بن وبهار وبضائع
تجارية وفيها لشريف مكة نحو خمسمائة فرق بن وكانت الانكليز منعتهم الحضور فكاتبهم
الشريف فأطلقوهم بعد ان حددوا عليهم أياما مسافة التنقيل والشحنة وأخذوا منهم
عشورا وسامح الفرنسيس بن الشريف من العشور لانه أرسل لهم مكاتبة بسبب ذلك وهدية
قبل وصول المراكب الى السويس بنحو عشرين يوما وطبعوا صورتها في أوراق وألصقوها
بالاسواق وهي خطاب لبوسليك
من مات في هذه السنة من الاعيان ومن له ذكر في الناس
مات الامام العمدة الفقيه العلامة المحقق الفهامة المتقن
المتفنن المتجر عين أعيان الفضلاء الازهرية الشيخ احمد بن موسى بن احمد بن محمد
البيلي العدوي المالكي ولد ببني عدي سنة احدى وأربعين ومائة والف وبها نشأ فقرأ القرآن
وقدم الجامع الازهر ولازم الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية حتى تمهر في العلوم وبهر
فضله في الخصوص والعموم وكان له قريحة جيدة وحافظة غريبة يملي في تقريره خلاصة ما
ذكره أرباب الحواشي مع حسن سبك والطلبة يكتبون ذلك بين يديه وقد جمع من تقاريره
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق