الدعاء الي الله والتضرع اليه

حمل المصحف

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت :سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  اللهم تقبل واستجب

الأحد، 20 نوفمبر 2022

ج13. والاخير من كتاب تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

 

ج13. كتاب تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

بقدر كبير من الاكياس ويتولى هو شراءها دون غيره ويبيعها بالثمن الذي يفرضه ومقدار ما التزم بدفعه من الاكياس للخزينة على ما بلغنا خمسمائة كيس وكانت في ايام الامراء المصريين عشرة اكياس لاغير فلما تولى على وكالة دار السعادة صالح بك المحمدي زادها عشرة اكياس وكانت وكالة الابزار والقطن وقفا لمصطفى اغا دار السعادة سابقا على خيرات الحرمين وخلافهما فلما كانت هذه الدولة تولاها شخص على مائتي كيس وعند ذلك سعر الابزار اضعاف الثمن الاصلي ومن داخل الابزار الثمر الابريمي والسلطاني والخوص والمقاطف والسلب والليف وبلغ سعر المقفطف الذي يسع الكيلة من البر خمسة وعشرين نصفا وكان يباع بنصف او نصفين ان كان جيدا وفي الجملة بأقل من ذلك
ومنها ان كرابيت معلم ديوان الكمرك ببولاق التزم بمشيخة الحمامية واحدث عليها وعلى توابعها حوادث وعلى النساء البلانات في كل جمعة قدرا من الدراهم وجعل لنفسه يوما في كل جمعة يأخذ ايراده من كل حمام
ومنها ما حصل في هذه السنة من شحة الصابون وعدم وجوده بالاسواق ومع السراحين وهو شئ لايستغنى عنه الغني ولا الفقير وذلك ان تجارة بوكالة الصابون زادوا في ثمنه محتجين بما عليهم من المغارم والرواتب لاهل الربح فيأمر الكتخدا فيه بأمر وبسعر بثمن فيدعون الخسران وعدم الربح وتكرر الحال فيه المرة بعد المرة ويشتكون من قلة المجلوب الى ان سعر رطله بستة وثلاثين نصفا فلم يرتضوا ذلك وبالغوا في التشكي فطلب قوائمهم وعمل حسابهم وزادهم خسمة انصاف في كل رطل وحلف ان لا يزيد على ذلك وهم مصممون على دعوى الخسران فأرسل من اتباعه شخصا تركيا لباشرة البيع وعدم الزيادة فيأتي الى الخان في كل يوم يباشر البيع على من يشترى بذلك الثمن لاربابه ويمكث مقدار ساعتين من النهار ويغلق الحواصل ويرفع البيع لثاني يوم وفي ظرف هاتين الساعتين

تزدحم العسكر على الشراء ولايتمكن خلافهم من اهل البلد من اخذ شئ وتخرج العسكر فيبيعون من الذي اشتروه على الناس بزيادة فاحشة فيأخذ الرطل بقرش ويبيعه على غيره بقرشين ورفع التشكي الى كتخدا فامر ببيعه عند باب زويلة في السبلين المواجه احدهما للباب والسبيل الذي انشأته الست نفيسة المرادية عند الخان تجاه الجامع المؤدي ليسهل على العامة تحصيله وشراؤه فلم يزداد الحال الا عسرا وذلك ان البائع يجلس داخل السبيل ويغلق عليه بابه ويتناول من خروق الشبابيك من المشتري الثمن ويناوله الصابون فازدحمت طوائف العساكر على الشراء ويتعلقون بأيديهم وارجلهم على شبابيك السبيلين والعامة اسفلهم لايتمكنون من اخذ شئ ويمنعون من يزاحمهم فيكون على السبيلين ضجة وصياح من الفريقين فلا يسع ابن البلد الفقير المضطر الا ان يشترى من العسكري بما احب والا رجع الى منزله من غير شئ واستمر الحال على هذا المنوال اياما وفي بعض الاحاجيين يكثر من وجود الصابون بين ايدي الباعة بوسط السوق ولاتجد عليه مزاحمة وامام البائع كوم عظيم وهو ينتظر من يشتري وذلك في غالب الاسواق مثل الغورية والاشرفية وباب زويلة والبندقانيين والجهات الخارجة ثم يصبحون فلا يوجد منه شئ ويرجع الازدحام على السبيلين كالاول
ومنها ان الباشا اطلق المناداة في البلدة وندب جماعة من المهندسين والمباشرين للكشف على الدور والمساكن فان وجدوا به او ببعضه خلالا امروا صاحبه بهدمه وتعميرة فان كان يعجز عن ذلك فيؤمر بالخروج منها واخلائها ويعاد بناؤها على طرف الميري وتصير من حقوق الدولة وسبب هذه النكتة انه بلغ الباشا سقوط دار بعض الجهات ومات تحت ردمها ثلاثة اشخاص من سكانها فأمر بالمناداة وارسل المهندسين والامر بما ذكر فنزل بأهالي البلد من الكرب امر عظيم مع ماهم فيه من الافلاس وقطع الايراد وغلوا الاسعار على ان من كان له نوع مقدرة على الهدم والبناء

لايوجد من ادواته شيئا بحسب التحجير الواقع على ارباب الاشغال واستعمال الجميع في عمائر الباشا واكابر الدولة حتى ان الانسان اذا احتاج لبناء كانون لايجد من يبنيه ولايقدر على تحصيل صانع اوفاعل او اخذ شئ من رماد الحمام الا بفرمان ومن حصل شيئا من ذلك على طريق السرقة في غفلة وعثر عليه نكلوا به وبرئيس الحمام وحمير الباشا وهي ازيد من الفي حمار تنقل بالمزابل والسرقانيات طول النهار ما يوجد بالحمامات من الرماد وتنقل ايضا الطوب والدبش والاتربة وانقاض البيوت المنهدمة لمحل العمائر بالقلعة وغيرها فترى الاسواق والعطف مزدحمة بقطارات الحمير الذاهبة والراجعة واذا هدم انسان داره التي امروه بهدمها وصل اليه في الحال قطار من الحمير لاخذ الطوب الذي يتساقط الا ان يكون من اهل القدرة على منعهم وربما كان هذه الاوامر حيلة على اخذ الانقاض واما الاتربة فتبقى بحالها حتى في طرق المارة للعجز عن نقلها فترى غالب الطرق والنواحي مردومه بالاتربة واما الهدم ونقل الانقاض من البيوت الكبار والدور الواسعة التي كانت مساكن الامراء المصريين بكل ناحية وخصوصا بركة الفيل وجهة الحبانية فهو مستمر حتى بقيت خرابا ودعائم قائمة وكيمان هائلة واختلطت بها الطرق واصبحت موحشة ولا مارى بها حتى لليوم بعد ان كانت مراتع غزلان فكنت كلما رأيتها اتذكر قول القائل ... هذي منازل اقوام عهدتهم ... في خفض عيش نعيم ما له خطر ... صاحت بهم نوب الايام فارتحلوا ... الى القبور فلا عين ولا اثر ... وكذلك بولاق كانت منتزه الرفاق فإنه تسلط عليها سليمان اغا السلحدار واسمعيل باشا في الهدم واخذ انقاض الابنية ببر انبابه والجزيزة الوسطى بين انبابة وبولاق فأن سليمان آنما أنشأ ستانا كبير بين إبنابة وسوره وبنى به قصراوسواقي واخذ يهدم ابنية بولاق من الوكائل والدور وينقل احجارها وانقاضها في المراكب ليلا ونهارا الى البر الاخر واسماعيل باشا كذلك انشا بستانا وقصرا بالجزيرة وشرع ايضا في اتساع سرايته ومحل

سكنه ببولاق واخذ الدور والمساكن والوكائل من حد الشون القديم الى اخر وكالة الابزار العظيمة طولا فيهدمون الدور وغيرها من غير مانع ولا شافع وينقلون الانقاض الى محل البناء وكذلك ولي خوجة شرع في بناء قصر بالروضة ببستان فهو الاخر يهدم مايهدمه من مصر القديمة وينقل انقاضه لبنائه وهلك قبل اتمامه واما نصارى الارمن وما ادراك ما الارمن الذين هم اخصاء الدولة الان فانهم انشؤا دورا وقصورا وبساتين بمصر القديمة لكنهم فهم يهدمون ايضا وينقلون لابنيتهم ما شاؤا ولا حرج عمليهم وانما الحرج والمنع والحجر والهدم على المسلمين من اهل البلدة فقط
ومنها ان الباشا امر ببناء مساكن للعسكر الذين اخرجهم من مصر بالاقاليم يسمونها القشلات بكل جهة من اقاليم الارياف لسكن العساكر المقيمين بالنواحي لتضررهم من الاقامة الطويلة بالخيام في الحر والبرد واحتياج الخيام في كل حين الى تجديد وترقيع وكثير خدمة وهي جمع قشلة بكسر القاف وسكون الشين وهي في اللغة التركية المكان الشتوي لان الشتاء في لغتهم يسمى قش بكسر القاف وسكون الشين فكتب مراسيم الى النواحي بسائر القرى بالامر لهم بعمل الطوب اللبن ثم حرقه وحملة الى محل البناء وفرضوا على كل بلد وقرية فرضا وعددا معينا فيفرض على القرية مثلا خمسمائة الف لبنة واكثر بحسب كبر القرية وصغرها فيجمع كاشف الناحية مشايخ القرى ثم يفرض على كل شيخ قدرا وعددا من اللبن عشرين الفا او ثلاثين الفا او اكثر او اقل ويلزم بضربها وحرقها ورفعها واجلهم مدة ثلاثين يوما وفرضوا على كل قرية ايضا مقادير من افلاق النخل ومقادير من الجريد ثم فرضوا عليهم ايضا شخاصا من الرجال لمحل الاشغال والعمائر يستعملونهم في فعالة نقل ادوات العمارة في النواحي حتى الاسكندرية وخلافها ولهم اجرة اعمالهم في كل يوم لكل شخص سبعة انصاف فضة لاغير ولمن يعلم اللبن اجرة ايضا والثمن

الافلاق والجريد قدر معلوم لكنه قليل
ومنها انه توجه الامر لكشاف النواحي عند انكشاف الماء عن الاراضي بأن يتقدموا الى الفلاحين بأن من كان زارعا في العام الماضي فداني كنان اوحمص او سمسم او قطن فليزرع في هذه السنة اربعة افدنة ضعف ما تقدم لان المزارعين عزموا على عدم زراعة هذه الاشياء لما حصل لهم من اخذ ثمرات متاعهم وزراعاتهم التي دفعوا خراجها الزائد بدون القيمة التي كانوا يبيعون بها مع قلة الخراج الذي كانوا يماطلون فيه الملتزمين السابقين مع التظلم والتشكي فيزرع الزارع ما يزرعه من هذه الاشياء من التقاوي المتروكة في مخزنه ثم يبيع الفدان من الكتان الاخضر في غيطه ان كان مستعجلا بالثمن الكثير والا ابقاه الى تمام صلاحه فيجمعه ويدقه ويبيع ما يبيعه من البزر خاصة بأغلى ثمن ثم يتمم خدمته من التعطين والنشر والتمحير الى ان يصفى وينظف من ادرانه وخشوناته وينصلح للغزل والنسج فيباع حينئذ بالاوقية والرطل وكذا القطن والنيلة والعصفر فلما وقع عليهم التحجير وحرموا من المكاسب التي كانوا يتوسعون بها في معايشهم باقتناء المواشي والحلي للنساء قالوا ما عدنا نزرع هذه الاشياء وظنوا ان يتركوا على هواهم ونسوا مكر اوليائهم فنزل عليهم الامر والالزام بزرع الضعف فضجوا وترجوا واستشفعوا ورضوا بمقدار العام الماضي فمنهم من سومح ومنهم من لم يسامح وهو ذو المقدرة وبعد اتمامه وكمال صلحه يؤخذ بالثمن المفروض على طرف الميري ويباع لمن يشتري من اربابه او خلافهم بالثمن المقدر وربح زيادته لطرف حضرة الباشا مع التضييق والحجر البليغ والفحص عن الاختلاس فمن عثروا عليه باختلاس شئ ولو قليلا عوقب عقابا شديدا ليرتدع خلافه والكتبة والموظفون لتحرير كل صنف ووزنه وضبطه في تنقلات اطواره وعند تسليم الصناع ونتج من ذلك واثمر عزة الاشياء وغلو الاسعار على الناس منها ان المقطع القماش الذي كان ثمنه ثلاثين نصفا بلغ سعره عشرة

قروش مع عزة وجدانه بالاسواق المعدة لبيعه مثل سوق مرجوش وخلافه خلا الطوافين به والثوب البطانة الذي كان ثمنه قرشين بلغ ثمنه سبعة قروش وادركناه في الازمان السابقة ويباع بعشرين نصفا وبلغ ثمن الثوب من البفتة المحلاوي اربعة عشر قرشا وكان يباع فيما ادركنا بدكان التاجر بستين نصفا وقس على ذلك وبسبب التحجير على النيلة غلا صبغ ثياب الفقراء حتى بلغ صبغ الذراع الواحد نصف قرش والله يلطف بحال خلقه ومادام توزون له امرأة مطاعة فالميل في الجمر
ومنها استمر التحجير على الارز ومزارعه على مثل هذا النسق بحيث ان الزراعين له التعبانين فيه لايمكنون من اخذ حبة منه فيؤخذ باجمعه لطرف الباشا بما قدره من الثمن ثم يخدم ويضرب ويبيض في المداوير والمدقات والمناشر بأجرة العمال على طرفه ثم يباع بالثمن المفروض واتفق ان شخصا من ابناء البلد يسمى حسين جلبي عجوة ابتكر بفكره صورة دائرة وهي التي يدقون بها الارز وعمل لها مثالا من الصفيح تدور بأسهل طريقة بحيث ان الالة المعتادة اذا كانت تدور بأربعة اثوار فيدير هذه ثوران وقدم ذلك المثال الى الباشا فأعجبه وانعم عليه بدراهم وامره بالمسير الى دمياط ويبني بها دائرة ويهندسها برأيه ومعرفته واعطاه مرسوما بما يحتاجه من الاخشاب والحديد والمصرف ففعل وصح قوله ثم فعل اخرى برشيد وراج امره بسبب ذلك
ومنها ان الباشا لما رأى هذه النكتة من حسين شلبي هذه قال ان في اولاد مصر نجابة وقابلية للمعارف فأمر ببناء مكتب بحوش السراية ويرتب فيه جملة من اولاد البلد ومماليك الباشا وجعل معلمهم حسن افندي المعروف بالدرويش الموصلي يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير والقياسات والارتفاعات واستخراج المجهولات مع مشاركة شخص رومي يقال له روح الدين افندي بل واشخاص من الافرنج واحضر لهم الات هندسية متنوعه من اشغال الانكليز يأخذون بها الابعاد والارتفاعات

والمساحة ورتب له شهريات وكساوي في السنة واستمروا على الاجتماع بهذا المكتب وسموه مهندس خانة في كل يوم من الصباح الى بعد الظهيرة ثم ينزلون الى بيوتهم ويخرجون في بعض الايام الى الخلاء لتعليم مساحات الاراضي وقياساتها بالاقصاب وهو الغرض المقصود للباشا
ومنها استمرار الانشاء في السفن الكبار والصغار لنقل الغلال من قبلي وبحري لناحية الاسكندرية لتباع على الافرنج من سائر اصناف الحبوب فيشحنون السفن من سواحل البلاد القبلية وتأتي الى ساحل بولاق ومصر القديمة فيصبونها كيمانا هائلة عظيمة صاعدة في الهواء فتصل المراكب البحرية لنقلها فتصبح ولا يبقى شئ منها ويأتي غيرها وتعود كما كانت بالامس ومثل ذلك ساحل رشيد واما الحبوب البحرية فإنها لاتاتي الى هذه السواحل بل تذهب من سواحلها الى حيث هي برشيد ثم الى الاسكندرية ولما بطل البغاز جمعوا الحمير الكثيرة والجمال ينقلون عليها على طريق البر بالاجرة القليلة فكانت تموت من قلة العلف ومشقة الطريق وتوسق بها السفن الواصلة بالطلب الى بلاد الافرنج بالثمن عن كل اردب من البر ستة الاف فضة واما الفول والشعير والحلبة والذرة وغيرها من الحبوب والادهان فأسعارها مختلفة ويعوض بالبضائع والنقود من الفرانسة معبأة في صناديق صغيرة تحمل الثلاثة منها على بعير الى الخزينة وهي مصفحة بالحديد يمرون بها قطارات الى القلعة وعند قلة الغلال ومضى وقت الحصاد يتقدم الى كشاف النواحي القبلية البحرية بفرض مقادير من الغلال على البلدان والقرى فيلزمون مشايخ البلدان بما تقرر على كل بلد من القمح والفول والذرة ليجمعوه ويحصلوه من الفلاحين وهم ايضا يعملون بفلاحي بلادهم ما يعملون بجورهم واغراضهم ويأخذون الاقوات المدخرة للعيال وذلك بالثمن عن كل اردب من البر ثمانية ريالات يعطى له نصفها ويبقى له النصف الثاني ليحسب له من اصل المال الذي سيطالب به العام القابل

ومنها ان الباشا سنح له ان ينشئ بالمحل المعروف برأس الوادي بشرقية بلبيس سواقي وعمارات ومزارع واشجار توت وزيتون فذهب هناك وكشف عن اراضيه فوجدها متسعة وخالية من المزارع وهي اراضي رمال واودية فوكل اناسا لاصلاحها وتمهيدها وان يحفروا بها جملة من السواقي تزيد عن الالف ساقية ويبنوا ابنية ومساكن ويزرعوا اشجار التوت لتربية دود القز واشجارا كثيرة من الزيتون لعمل الصابون وشرعوا في العمل والحفر والبناء وفي انشاء توابيت خشب للسواقي تصنع ببيت الحبجي بالتبانة وتحمل على الجمال الى رأس الوادي شيئا بعد شئ وامر ايضا ببناء جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية وان يعمل مصبنة لصناعة الصابون وطبخه مثل الذي يصنع ببلاد الشام وتوكل بذلك السيد احمد بن يوسف فخر الدين وعمل به احواضا كبيرة للزيت والقلي
ومن المتجددات ايضا محل بخطة تحت الربع يعمل به وتسبك اوان ودسوت من النحاس في غاية الكبر والعظم
ومنها شغل البارود وصناعته بالمكان والصناع المعدة لذلك بجزيرة الروضة بالقرب من المقياس بعد ان يستخرجوه من كيمان السباخ في احواض مبنية ومخفقة ثم يكررونه بالطبخ حتى يكون ملحه غاية في البياض والحدة كالذي يجلب من بلاد الانكليز والمتقيد كبيرا على صناعة شخص افرنكي ولهم معاليم تصرف في كل شهر ومكان ايضا بالقلعة عند باب الينكرجية لسبك المدافع وعملها وقياساتها وهندستها والبنبات وارتفاعها ومقاديرها وسمي ذلك المكان الطبخانة وعليه رئيس وكتبة وصناع وله شهريات
ومنها شدة رغبة الباشا في تحصيل الاموال وزيادة من ذلك من أي طريق بعد استيلائه على البلاد والاقطاعات والرزق الاحباسية وابطال الفراغ والبيع والشراء والمحلول عن الموتى من ذلك والعلوفات وغلال الانبار ونحو ذلك فكل من مات عن حصته او رزقته او مرتب الحل بموته

ما كان على اسمه وضبطه واضيف الى ديوانه ولو له اولادا وكان هو كتبه باسم اولاده وماتت اولاده قبله انحل عنه واصبح هو واولاده من غير شئ فإن عرض حاله على الباشا امر بالكشف عن ايراده فان وجدوا بالدفاتر جهة او وظيفة اخرى قيل له هذه تكفيك وان لم يوجد في حوزه خلافها امر له بشئ يستغله من اقلام المكوس اما قرش او نصف قرش في كل يوم او نحو ذلك هذا مع التفاته ورغبته في انواع النجارات والشركات وانشاء السفن ببحر الروم والقلزم واقام له وكلاء بسائر الاساكل حتى ببلاد فرانسة والانكليز ومالطة وازمير وتونس والنابلطان والونديك والبنادقة واليمن والهند واعطى اناسا جملا عظيمة من اموال يسافرون بها ويجلبون البضائع وجعل لهم الثلث في الربح في نظير سفرهم وخدمتهم فمن ذلك انه اعطى للرئيس حسن المحروقي خمسمائة الف فرانسة يسافر بها الى الهند ويشتري البضائع الهندية ويأتي بها الى مصر ولشخص نصراني ايضا ستمائة الف فرانسة وكذلك لمن يذهب الى بيروت وبلاد الشام لمشترى القز والحرير وغير ذلك وعمل بمصر اماكن ومصانع لنسج القطاني التي يتخذها الناس في ملابسهم من القطن والحرير وكذلك الجنفس والصندل واحتكر ذلك بأجمعه وابطل دواليب الصناع لذلك ومعلميهم واقامهم يشتغلون وينسجون في المناسج التي احدثها بالاجرة وابطل مكاسبهم ايضا وطرائقهم التي كانوا عليها فياخذ من ذلك ما يحتاجه في اليكات والكساوي وما زاد يرميه على التجار وهم يبيعونه على الناس باغلى ثمن وبلغ ثمن الدرهم من الحرير خمسة وعشرين نصفا بعد ان كان يباع بنصفين
ومنها انه ابطل ديوان المنجرة وهي عبارة عما يؤخذ من المعاشات وهي المراكب التي تغدو وتروح لموارد الارياف مثل شيبين الكوم وسمنود والبلاد البحرية وعليها ضرائب وفرائض للملتزم بذلك وهو شخص يسمى عليا الجزار وسبب ذلك ان معظم المراكب التي تصعد ببحر النيل وتنحدر

ومن انشاء الباشا ولم يبق لغيره الا القليل جدا والعمل والانشاء بالترسخانة مستمر على الدوام والرؤساء والملاحون يخدمون فيها بالاجرة وعمارة خللها واحبالها وجميع احتياجاتها على طرف الترسخانة ولذلك مباشرون وكتاب وامناء يكتبون ويقيدون الصادر والوارد وهذه الترسخانة بساحل بولاق بها الاخشاب الكثيرة والمتنوعة ويصلح للعمائر والمراكب ويأتي اليها المجلوب من البلاد الرومية والشامية فاذا ورد شئ من انواع الاخشاب سمحو للخشابة بشئ يسير منها بالثمن الزائد ورفع الباقي الى الترسخانة وجميع الاخشاب الواردة والاحطاب جميعها في متاجر الباشا وليس لتجارها الا ماكان من داخل متاجره وهو القليل
ومن النوادر انه وصل من بلاد الانكليز سواقي بالات الحديد تدور بالماء فلم يستقم لها دوران على بحر النيل
ومنها انه انشا جسرا ممتدا من ناحية قنطرة الليمون على يمنه السالك الى طريق بولاق متصلا الى شبرا على خط مستقيم وزرعوا بحافتيه اشجار التوت وعلى هذا النسق جسور بطرق الارياف والاقاليم
ومنها ان اللحم قل وجوده من اول شهر رجب الى غاية السنة وغلا سعره مع رداءته وهزاله حتى بيع الرطل بعشرين نصفا وازيد واقل مع مافيه من العظام واجزاء السقط والشغت وسبب ذلك رواتب الدولة واخذها بالثمن القليل فيستعوض الجزارون خسارتهم من الناس وكان البعض من العسكر يشتري الاغنام ويذبحها ويبيعها بالثمن الغالي وينقص الوزن ولايقدر ابن البلد على مراجعته
ومنها ان ابراهيم اغا الذي كان كتخدا ابراهيم باشا قلده الباشا كشوفية المنوفية فمن افاعيله انه يطلب مشايخ البلدة او القرية فيسأل الشخص منهم على من شيخه فيقول استاذ البلدة فيقول له في أي وقت فيقول سنة كذا فيقول وما الذي قدمته له في شياختك ويهدده او يحبسه على الانكار او يخبر من بادئ الامر ويقول اعطيته كذا وكذا اما دارهم او اغناما فيأمر

الكاتب بتقييده وتحريره وضبطه على الملتزم وسطر بذلك دفترا وارسله الى الديوان ليخصم على الملتزمين من فائظهم المحرر لهم بالديوان فيتفق ان المحرر عليه يزيد على القدر المطلوب له فيطالب بالباقي او يخصم عليه من السنة القابلة
ومنها التحجير على القصب الفارسي فلا يتمكن احد من شراء شئ منه ولو قصبة واحدة الا بمرسوم من كتخدا بك فمن احتاج منه في عمارة او شباك او لدوارت الحرير او اقصاب الدخان اخذ فرمانا بقدر احتياجه واحتاج الى وسائط ومعالجات واحتجاجات حتى يظفر بمطلوبه
ومنها وهي من محاسن الافعال ان الباشا اعمل همته في اعادة السد الاعظم الممتد الموصل الى الاسكندرية وقد كان اتسع امره وتخرب من مدة سنين وزحف منه ماء البحر المالح واتلف اراضي كثيرة وخربت منه قرى ومزارع وتعطلت بسببه الطرق والمسالك وعجزت الدول في امره ولم يزل يتزايد في التهور وزحف المياه المالحة على الاراضي حتى وصلت الى خليج الاشرفية التي يمتلئ منها صهاريج الثغر فكانوا يجسرون عليه بالاتربة والطين فلما اعتنى الباشا بتعمير الاسكندرية وتشييد اركانها وابراجها وتحصينها ولم تزل بها العمارات اعتنى ايضا بأمر الجسر وارسل اليه المباشرين والقومة والرجال والفعلة والنجارين والبنائين والمسامير والات الحديد والاحجار والمؤن والاخشاب العظيمة والسهوم والبراطيم حتى تممه وكان له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الازمان فلو وفقه الله لشئ من العدالة على ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة لكان اعجوبة زمانه وفريد اوانه واما امر المعاملة فلم يزل حاله في التزايد حتى وصل صرف الريال الفرانسة الى تسعة قروش وهو اربعة امثال الريال المتعارف ولما بطل ضرب القروش من العام الماضي ضربوا بدلها انصاف قروش وارباعها واثمانها وتصرف بالفرط والانصاف العددية لاوجود لها بأيدي الناس الا ما قل جدا فإذا اراد انسان منها دفع في ابدالها

عشرة قروش عنها اربعمائة نصف فضة زيادة على المبدل ان كان ذهبا او فرانسة او قروشا ووصل صرف البندقي الى ثمانمائة نصف والمجر ثمانية عشر قرشا والمحبوب المصري الى اربعمائة والاسلامبولي الى اربعمائة وثمانين كل ذلك اسماء لا مسميات لانعدام الانصاف مع انه يضرب منها المقادير والقناطير يأخذها التجار الشاميون والروميون بالفرط ثم يرسلونها متاجرة بدلا عن البضائع لان الريال في تلك البلاد صرفه ثلثمائة نصف فقط فيكون فيه من الربح ستون نصفا في كل ريال ولما علم الباشا ذلك جعل يرسل لوكلائه بالشام في كل شهر الف كيس من الفضة العددية ويأتيه بدلها فرانسة فيضيف عليها ثلاثة امثالها نحاسا ويضربها فضة عددية فيربح فيها ربحا بدون حاء عظيما وهكذا من هذا الباب فقط
ومن حوادث السنة الافاقية واقعة الانكليز مع اهل الجزائر وهو ان لاهل الجزائر صولة واستعداد وغزوات في البحر ويغزون مراكب الافرنج ويغتنمون منها غنائم ويأخذون منهم اسرى وتحت ايديهم من اسارى الانكليز وغيرهم شئ كثير ومينتهم حصينة يدور بها سور خارج في البحر كنصف الدائرة في غاية الضخامة والمتانة ذو ابراج مشحونة بالمدافع والقنابر والمرابطين والمحاربين ومراكبهم من داخله فوصل اليهم بعض مراكب الانكليز ومعهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا اسارهم بمال فاعطوهم ما يزيد عن الالف اسير ودفعوا عن كل رأس اسير مائة وخمسين فرانسا ورجعوا من حيث اتوا وبعد مدة وصل منهم بعض سفائن الى خارج المينا رافعين اعلام السلم والصلح فعبروا داخل المينا من غير ممانع ونزل منهم انفار في فلوكة وبيدهم مرسوم بطلب باقي الاسرى فامتنع حاكمهم من ذللك وترددوا في المخاطبات وفي اثناء ذلك وصلت عدة مراكب من مراكبهم وشلنبات وهي المراكب الصغار المعدة للحرب وعبروا مع مساعدة الريح الى المينا واثاروا الحرب والضراب بطرائقهم المستحدثه فأحرقوا مراكب اهل الجزائر مع المضاربة ايضا من اهل المدينة مع تأخر استعدادهم

وسرعة استعداد الخصم ومدافع الابراج الداخلة لا تصيب الشلنبات الصغيرة المتسفلة وهم لايخطؤن ثم هم في شدة الغارة والحرب اذا قيل للحاكم بأن عساكره الاتراك تركوا المحاربة واشتغلوا بنهب البلدة واحراق الدور فقط في يده واحتار في امره ما بين قتال العدو الواصل او قتال عسكره ومنعهم وكفهم عن النهب والاحراق والفساد وهذا شأنهم فلم يسعه الا خفض الاعلام وطلب الامان من الانكليز فعند ذلك ابطلوا الحرب وكفوا عن الضراب وترددوا في الصلح على شرائطهم التي منها تسليم بواقي الاسرى واسترداد المال الذي سلموه في الفداء السابق حالا من غير مهلة فكان ذلك وتسلموا الاسرى وفيهم من كان صغيرا واسلم وقرا القرآن واتفقوا على المتاركة والمهلة زمنا مقداره ستة اشهر ورجعوا الى بلادهم بالظفر والاسرى والامر لله وحده ثم ان الجزائرلية اجتهدوا في تعمير ما تهدم وتخرب من السور والابراج والجامع في الحرب وكذلك ما اخربه عساكرهم الذين هم اعدى من الاعداء واضر ما يكون على الاسلام واهله وصارت الاخبار بذلك في الافاق وامدهم سلطان المغرب مولاي سليمان وبعث اليهم مراكب عوضا عن الذي تلف من مراكبهم فأرسل اليهم معمرين وادوات ولوازم عمارات وكذلك حاكم تونس وغيرها ومن السلطان العثماني ايضا ولم يتفق فيما نعلم لاهل الجزائر مثل هذه الحادثة الهائلة ولا اشنع منها وكانت هذه الواقعة غرة شهر شوال من السنة وهو يوم عيد الفطر وكان عيدا عليهم في غاية الشناعة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

واما من مات في هذه السنة ممن له ذكر

مات الشيخ الفهامة والنحرير العلامة الفقيه النحوي الاصولي ابراهيم البسيوني البجيرمي الشيخ الصالح المقتصد الورع الزاهد حضر جل الاشياخ المتقدمين وهو في عداد الطبقة الاولى ودرس وافاد وانتفع به الطلبة بل غالب الناس كان طارحا للتكلف متقشفا مع التواضع والانكسار

ملازما على العبادة مستحضرا للفروع الفقهية والمعقولية والمناسبات الشعرية والشواهد النحوية والادبية جيدا لحافظة لا تمل مجالسته ومؤانسته ولم يزل على حالته وافادته وانجماعه وعفته حتى تمرض وتوفي يوم السبت منتصف المحرم من السنة عن نحو الخمسة وسبعين وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل رحمه الله تعالى وايانا
ومات الشيخ العلامة الاصولي الفقيه النحوي على الحصاوي الشافعي نسبة الى بلدة بالقليوبية تسمى الحصة حضر الى الجامع الازهر صغير وحفظ القران والمتون وحضر دروس الاشياخ كالشيخ على العدوي المنسفيسي الشهير بالصعيدي والشيخ عبد الرحمن النحريري الشهير بالمقرى ولازم الشيخ سليمان الجمل وبه تخرج وحضر على الشيخ عبد الله الشرقاوي مصطلح الحديث وكان يحفظ جمع الجوامع مع شرحه للجلال المحلي في الاصول ومختصر السعد ويقرأ الدروس ويفيد الطلبة وكان انسانا حسنا مهذبا متواضعا ولايرى لنفسه مقاما عاش معانقا للخمول في جهد وقلة من العيش مع العفة وعدم التطلع لغيره صابرا على مناكدة زوجته وبآخره اصيب في شقه بداء الفالج انقطع بسببه اشهرا ثم انجلى عنه يسيرا مع سلامة حواسه وعاد الى الاقراء والافادة ولم يزل على حسن حاله ورضاه وانشراح صدره وعدم تضجره وشكواه للخلوقين الى ان توفي في شهر جمادي الثانية سنة احدى وثلاثين ومائتين والف رحمة الله وايانا
ومات الشيخ العلامة والنحرير الفهامة السيد احمد بن محمد بن اسمعيل من ذرية السيد محمد الدوقاطي الطهطاوي الحنفي والده رومي حضر الى ارض مصر متقلدا القضاء بطهطا بلدة بالقرب من اسيوط بالصعيد الادنى فتزوج بامرأة شريفة فولد له منها المترجم واخوه السيد اسمعيل ولم يزل مستوطنا بها الى ان مات وترك ولديه المذكورين واختالهما حضر المترجم الى مصر في سنة احدى وثمانين ومائة والف وكان قد بدا نبات لحيته

بعد ما حفظ القرآن ببلدة وقرا شيئا من النحو فدخل الازهر ولازم الحضور في الفقه على الشيخ احمد الحماقي والمقدسي والحريري والشيخ مصطفى الطائي والشيخ عبد الرحمن العريشي حضر عليه من اول كتاب الدر المختار الى كتاب البيوع وتمم حضوره على المرحوم الوالد مع الجماعة لتوجسه الشيخ عبد الرحمن لدار السلطنة لبعض المقتضيات عن امر علي بك في سنة ثلاث وثمانين ومائة والف فالتمس الجماعة تكملة الكتاب على الوالد فأجابهم لذلك فكانوا يأتون للتلقي عنه في المنزل والمترجم معهم وفي اثناء ذلك قرأت مع المترجم عل الوالد متن نور الايضاح بعد انصراف الجماعة عن الدرس ويتحلف المترجم وذلك لعلو السند فإن الوالد تلقاه عن ابن المؤلف وهو عن جد الوالد عن المؤلف وجد الوالد والمؤلف يسميان بحسن فهو من عجيب الاتفاق وكان المترجم يلائم طبع الفقير في الصحبة فكنت معه في غالب الاوقات اما في الجامع او في المنزل للطاقة طبعه وقرب سني من سنه وكان الوالد يرى ذلك ويسألني عنه اذا تخلف في بعض الاحيان ويقول أين رفيقك الصعيدي فكان يعيد معي ويفهمني ما يصعب على فهمه ولم يزل يدأب في الاشتغال والطلب مع جودة ذهنه وخلو باله وتفرغه والفقير بخلاف ذلك وتلقى المترجم الحديث سماعا واجازة عن كل من الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد الامير والشيخ عبد العليم الفيومي ثلاثتهم عن الشيخ علي العدوي المنسفيسي عن الشيخ محمد عقيلة بسنده المشهور والمترشح للافادة والتدريس وكان مسكنه بناحية لصليبة وجلس للاقراء بالمدرسة الشيخونيه والصرفثمئية احتف به سكان تلك الناحية واكابرهم واعتنوا بشانه واسكنوه في دار تليق به وهاوده وواسوه واكرموه وكانت تلك الناحية عامرة بأكابرها وانفرد المترجم عندهم لكونه على مذهبهم واصله من جنس الاتراك وخلو تلك النواحي من اهل العلم وخصوصا الاحناف وملازمة المترجم للحالة المحمودة من الافادة مع شرف النفس والتباعد عما يخل بالمروءة الاماياتيه

عفوا فازدادت محبتهم له ووثقوا فيما يقضيه ثم تصدى لوقف الشيخونيتين وايرادهما واستخلاص اماكنهما وشرع في تعميرهما وساعده على ذلك كل من كان يحب الاصلاح فجدد عمارة المسجد والتكية وانشأ بها صهريجا وفي اثناء ذلك انتقل بأهله الى دار مليحة بجوار المسجد بالدرب المعروف بدرب الميضاة وقفها بانيها على المسجد كل ذلك والمترجم لم ينقطع عن الحضور الى الازهر في كل يوم ويقرأ درسه ايضا بالجامع ولما كثرت جماعته انتقل الى المدرسة العينية بالقرب من الازهر ولما عمر محمد افندي الودنلي الجامع المجاور لمنزله تجاه القنطرة المعروفة بعمار شاه والمكتب قرر المترجم في درس الحديث بها في كل يوم بعد العصر وقرر له عشرة من الطلبة ورتب للشيخ والطلبة معلوما وافرا يقبض من الديوان ولما مات الشيخ ابراهيم الحريري تعين المترجم لمشيخة الحنفية فتقلدها على امتناع منه فاستمر الى ان اخرج السيد عمر مكرم من مصر منفيا وكتبوا في شأنه عرضحال الى الدولة نسبوا اليه فيه اشياء لم تحصل منه وطلبوا الشهادة فيها فامتنع فشنعوا عليه وبالغوا في الحطط عليه وعزلوه من المشيخة وقلدوه الشيخ حسينا المنصورى فلما مات المذكور أعيد المترجم إلى مشيخة الحنفية وذلك في غرة شهر صفر سنة الف ومائتين وثلاثين ولبس الخلع من الشيخ الشنواني شيخ الجامع ثم من الباشا وباقي المشايخ ارباب المظاهر ولم يختلف عليه اثنان وفي هذه السنة استأذن الفقير في بناء مقبرة يدفن فيها اذا مات بجوار الشيخ ابي جعفر الطحاوي بالقرافة لكوني ناظرا عليها فأذنت له في ذلك فبنى له قبرا بجانب مقام الاستاذ ولما توفي دفن فيه وكانت وفاته ليلة الجمعة بعد الغروب خامس عشر شهر رجب سنة احدى وثلاثين ومائتين والف وله من المآثر حاشية على الدر المختار شرح تنوير الابصار في اربع مجلدات جمع فيها المواد التي على الكتاب وضم اليها غيرها
ومات النجيب الاريب والنادرة العجب اعجوبة الزمان وبهجة الخلان

حسن افندي المعروف بالدرويش الموصلي كما اخبر عن نفسه الذكي الالمعي والسميذع اللوذعي كان وانسانا عجيبا في نفسه مميزا شهيرا في مصر طاف البلاد والنواحي وجال في الممالك والضواحي واطلع على عجائب المخلوقات وعرف الكثير من الالسن واللغات ويتعزى لكل قبيل ويخالط كل جيل فمرة ينتسب الى فارس واخرى الى بني مكانس فكأنه المعنى بما قيل طور ايمان اذا لاقيت ذا يمن وان رايت معديا فعدناني هذا مع فصاحة لسان وقوة جنان والمشاركة في كل فن من الرياضيات والادبيات حتى يظن سامعه انه مجيد في ذلك الفن منفرد به وليس الامر كذلك وانما ذلك بقوة الفهم والحفظ ومافيه من القابلية فيستغنى بذلك عن التلقي من الاشياخ وايضا فقد انقرض اهل الفنون فيحفظ اصطلاحات الفن واوضاع اهله ويرزه في الفاظ ينمقها ويحسنها ويذكر اسماءكتب مؤلفه واشياخا وحكما يقل الاطلاع عليها والوصول اليها ولمعرفته باللغات خالط كل ملة حتى يظن كل اهل ملة انه واحد منهم ويحفظ كثيرا من الشبه والمدركات العقلية والبراهين الفلسفية واهمل الواجبات الشرعية والفرائض القطعية وربما قلد كلام الملحدين وشكوك المارقين ويزلق لسانه في بعض المجالس بغلطات من ذلك ووساوس فلذلك طعن الناس عليه في الدين واخرجوه عن اعتقاد المسلمين وساءت فيه الظنون وكثر عليه الطاعنون وصرحوا بعد موته بما كانوا يخفونه في حياته لاتقاء شره وسطواته وكان له تداخل عجيب في الاعيان ومع كل اهل دولة وزمان ورؤساء الكتبة والمباشرين من الاقباط والمسلمين بالمعزة الزائدة واستجلاب الفائدة لا تمل مجالسته ولا معاشرته وباخره لما رغب الباشا في انشاء محل لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة تعين المترجم رئيسا ومعلما لمن يكون متعلما بذلك المكتب وذلك انه تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا الكتابة والحساب ونحو ذلك ورتب له خروجا وشهرية ونجب تحت يده بعض المماليك في معرفة الحسابيات ونحوها واعجب الباشا ذلك فذاكره وحسن

له بأن يفرد مكانا للتعليم ويضم الى مماليكه من يريد التعليم من اولاد الناس فأمر بإنشاء ذلك المكتب وحضر اليه اشياء من الات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الانكليز وغيرهم واستجلب من اولاد البلد ما ينيف على الثمانين شخصا من الشبان الذين فيهم قابلية للتعليم ورتبوا لكل شخص شهرية وكسوة في اخر السنة فكان يسعى في تعجيل كسوة الفقير منهم ليتجمل بها بين اقرانه ويواسي من يستحق المواساة ويشتري لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم الى القلعة فيجتمعون للتعليم في كل يوم من الصباح الى بعد الظهر واضيف اليه اخر حضر من اسلامبول له معرفة بالحسابيات والهندسيات لتعليم من يكون اعجميا لايعرف العربية مساعدا للمترجم في التعليم يسمى روح الدين افندي فاستمرا نحوا من تسعة اشهر ومات المترجم وذلك انه اقتصد وطلع الى القلعة فحنق على بعض المتعلمين وضربه فانحلت الرفادة فسال منه دم كثير فحم حمى مختلطة واستمر اياما وتوفي ودفن بجامع السراج البلقيني بين السيارج وعند ذلك زاد قول الشامتين وصرحوا بما كانوا يخفونه في حياته فيقول البعض مات رئيس الملحدين واخر يقول انهدم ركن الزندقة ونسبوا اليه ان عنده الكتاب الذي الفه ابن الرواني لبعض اليهود وسماه دافع القرآن وانه كان يقرؤه ويعتقد به واخبروا بذلك كتخدا بك فطلب كتبه وتصفحوها فلم يجدوا بها ذلك الكتاب وما كفى مبغضه وحاسده من الشناعات حتى رأوا له منامات شنيعة تدل على انه من اهل النار والله اعلم بخلقة وبالجملة فكان غريبا في بابه وكانت وفاته يوم الخميس سابع عشري جمادي الثانية من السنة وانفرد برياسة المكتب روح الدين افندي المذكور
ومات الاجل المكرم الشريف غالب بسلانيك وهو المنفصل عن امارة مكة وجدة والمدينة وما انضاف الى ذلك من بلاد الحجاز فكانت امارته نحوا من سبع وعشرين سنة فانه تولى بعد موت الشريف سرور في سنة ثلاث

ومائتين والف وكان من دهاة العالم واخباره ومناقبه تحتاج الى مجلدين ولم يزل حتى سلط الله عليه بأفاعيله هذا الباشا فلم يزل يخادعه حتى تمكن منه وقبض عليه وارسله الى بلدة سلانيك وخرج من سلطته وسيادته الى بلاد الغربة ونهبت امواله وماتت اولاده وجواريه ثم مات هو في هذه السنة
ومات الامير مصطفى بك دالي باشا ونسيبه ايضا وكان من اعاظم اركان دولته شهير الذكر موصوفا بالاقدام والشجاعة ومات بالاسكندرية ولما وصل خبره الى الباشا اغتم غما شديدا وتأسف عليه وكان الباشا ولاه كشوفية الشرقية وقرن به على كاشف فاقام بها نحو السنتين ومهد البلاد واخاف العربان واذلهم وقتل منهم الكثير وجمع لمخدومه اموالا جمة وكان جسيما بطينا ياكل التيس المخصي وحده ويشرب عليه الزق من الشراب ثم يتبعه بشالية او اثنتين من اللبن ويستلقي نائما مثل العجل العظيم ذي الخوار الا انه كان يقضي حاجة من التجا اليه ويحب اولاد الناس ويواسيهم يتجاوز عن الكثير ويعطي ما يلزمه من الحقوق لاربابها ولما تحققت اخته التي هي زوج الباشا وكذلك والدته امرتا بإحضار رمته الى مصر ويدفن بمدفنهم وتعين لذلك سليمان اغا السلحدار فسافر الى الاسكندرية ووضعه في صندوق من فق على عربية ووصل به بعد اثني عشر يوما من موته وكان وصوله في ثاني ساعة من ليلة الجمعة سادس عشري جمادي الثانية وذهبوا به الى المدفن في المشاعل من خلف المجراة فلما وصلوا الى المدفن ارادوا انزله الى القبر بالصندوق فلم يمكنهم فكسروا الصندوق فعبقت رائحته وقد تهرى فهرب كل من كان حاضرا فكبوه على حصير ولفوه فيه وانزلوه الى الحفرة وغشي على الفحارين وخزعت النفوس من رائحة اخشاب الصندوق فحثوا عليه الاتربة وليس من يفتكر ويعتبر
ومات ايضا حسن اغا حاكم بندر السويس مطعونا قولي الباشا عوضه السيد احمد الملا الترجمان

ومات ايضا سليما اغا حاكم رشيد
ومات الامير الكبير المشهير بإبراهيم بك المحمدي عين اعيان امراء الالوف المصريين ومات بدنقلة متغربا عن مصر وضواحيها وهو من مماليك محمد بك ابي الذهب تقلد الامرة والامارة في سنة اثنتين وثمانين ومائة والف في ايام علي بك الكبير وتقلد مشيخة البلد ورياسة مصر بعد موت استاذه في سنة تسع وثمانين ومائة والف مع مشاركة خشداشه مراد بك وباقي امرائهم والجميع راضون برياسته وامارته لايخالفهم ولايخالفونه ويراعي جانب الصغير منهم قبل الكبير ويحرص على جمعية امرهم والفة قلوبهم فطالت ايامه وتولى قائم مقامية مصر على الوزراء نحو العشرة مرار وطلع اميرا على الحج في سنة ست وثمانين وتولى الدفتردارية في سنة سبع وثمانين وكلاهما في حياة استاذه واشترى المماليك الكثيرة ورباهم واعتقهم وامر وقلد منهم صناجق وكشافا واسكنهم الدور الواسعة واعطاهم الاقطاعات ومات الكثير منهم في حياته واقام خلافهم من مماليكه ورأى اولاد اولاده بل واولادهم وما زال يولد له واقام في الامارة نحو ثمان واربعين سنة وتنعم فيها وقاسى في اواخر امره شدائد واغترابا عن الاهل والاوطان وكان موصوفا بالشجاعة والفروسية وباشر عدة حروب وكان ساكن الجأش صبور ذا تؤدة وحلم قريبا للانقياد للحق متجنبا للهزل الا نادرا مع الكمال والحشمة لايحب سفك الدماء مرخصا لخشداشينه في افاعيلهم كثير التغافل عن مساويهم مع معارضتهم له في كثير من الامور وخصوصا مراد بك واتباعه فيغضي ويتجاوز ولايظهر غما ولا خلافا ولا تأثرا حرصا على دوام الالفة وعدم المشاغبة وان حدث فيما بينهم ما يوجب وحشة تلافاه واصلحه وكان هذا الاهمال والترخص والتغافل سببا لمبادئ الشرور فانهم تمادوا في التعدي وداخلهم الغرور وغمرتهم الغفلة عن عواقب الامور واستصغروا من عداهم وامتدت ايديهم لاخذ اموال التجار وبضائع الافرنج الفرنساوية وغيرهم بدون الثمن

مع الحقارة لهم ولغيرهم وعدم المبالاة والاكتراث بسلطانهم الذي يدعون انهم في طاعته مع مخالفة اوامره ومنع خزينته واحتقار الولاة ومنعهم من التصرف والحجر عليهم فلا يصل للمولى عليهم الا بعض صدقاتهم الى ان تحرك عليهم حسن باشا الجزائرلي في سنة مائتين والف وحضر على الصورة التي حضر فيها وساعدته الرعية وخرجوا من المدينة الى الصعيد وانتهكت حرمتهم ثم رجعوا بعد الفصل في سنة ست ومائتين الى امارتهم ودولتهم وعادوا الى حالتهم الاولى بل وازيد منها في التعدي فأوجب ذلك ركوب الفرنساوية عليهم ولم يزل الحال يتزايد والاهوال يتلو بعضها بعضا حتى انقلبت اوضاع الديار المصرية وزالت حرمتها بالكلية وادي الحال بالمترجم الى الخروج والتشتيت والتشريد هو ومن بقي من عشيرته الى بلاد العبيد يزرعون الدخن ويتقوتون منه وملابسهم القمصان التي يلبسها الجلابة في بلادهم الى ان وردت الاخبار بموته في شهر ربيع الاول من السنة واما جملة اخباره فقد تقدمت في ضمن السوابق والماجريات واللواحق
ومات الامير الاجل احمد اغا الخازندار المعروف ببونابارته وهو ايضا شهير الذكر من اعاظم الدولة وقد تقدم كثير من اخباره وسفره الى الحجاز وكان عمر دارا عظيمة على بركة الازبكية جهة الرويعي ثم عمل مهما كبير الزواج ابنه وهو اذ ذاك مريض في حياض الموت حتى اشيع في الناس يوم زفة العروس ثم مات بعد ايام قليلة مضت من الفرح وذلك يوم الاربعاء ثالث شهر جمادي الثانية
وماتت الست الجليلة خاتون وهي سرية علي بك بلوط قبان الكبير وكانت محظيته وبنى لها الدار العظيمة على بركة الازبكية بدرب عبد الحق والساقية والطاحون بجانبها ولما مات علي بك وتأمر مراد بك فتزوج بها وعمرت طويلا مع العز والسيادة والكلمة النافذة واكثر نساء الامراء من جواريها ولم يأت بعد الست شويكار من اشتهر ذكره وخبره سواها وكان ايام الفرنساوية واصطلح معهم مراد بك حصل لها منهم غاية الكرامة

ورتبوا لها من ديوانهم في كل شهر مائة الف نصف فضة وشفاعتها عندهم مقبولة لاترد بالجملة فإنها كانت من الخيرات ولها على الفقراء بر واحسان ولها من المآثر الخان الجديد والصهريج داخل باب زويلة توفيت يوم الخميس لعشرين من شهر جمادي الاولى بمنزلها المذكور بدرب عبد الحق ودفنت بحوشهم في القرافة الصغرى بجوار الاما الشافعي واضيفت الدار الى الدولة وسكنها بعض اكابرها وسبحان الحي الذي لايموت
ومات المقر الكريم المخدوم احمد باشا الشهير بطوسون ابن حضرة الوزير محمد علي باشا مالك الاقاليم المصرية والحجازية والثغور وما اضيف اليها وقد تقدم ذكر رجوعه من البلاد الحجازية وتوجهه الى الاسكندرية ورجوعه الى مصر ثم عود الى ناحية رشيد وعرضي خيامة جهة الحماد بالعسكر على الصورة المذكورة وهو ينتقل من العرضي الى رشيد ثم الى برنبال وابي منضور والعزب ولما رجع في هذا المرة اخذ صحبته من مصر المغنين وارباب الالات المطربة بالعود والقانون والناي والكمنجات وهم ابراهيم الوراق والحباني وقشوة ومن يصحبهم من باقي رفقائهم فذهب ببعض خواصه الى رشيد ومعه الجماعة المذكورون فاقام اياما وحضر اليه من جهة الروم جوار وغلمان ايضا رقاصون فانتقل بهم الى قصر برنبال ففي ليلة حلوله بها نزل به ما نزل به من المقدور فتمرض بالطاعون وتململ نحو عشرة ساعات وانقضى نحبه وذلك ليلة الاحد سابع شهر القعدة وحضره خليل افندي قوللي حاكم رشيد وعندما خرجت روحه انتفخ جسمه وتغير لونه الى الزرقة فغسلوه وكفنوه ووضعوه في صندوق من الخشب ووصل به في السفينة منتصف ليلة الاربعاء عاشره وكان والده بالجيزة لم يتجاسروا على اخباره فذهب اليه احمد اغا اخو كتخدا بك فلما علم بوصوله ليلا استنكر حضوره في ذلك الوقت فأخبره عنه انه ورد الى شبرا متوعكا فركب في الحين القنجة وانحدر الى شبرا وطلع الى القصر وصار يمر بالمخادع ويقول اين هو فلم يتجاسر احد ان يصرح

بموته وكانوا ذهبوا به وهو في السفية الى بولاق ورسوا به عند الترسخانة واقبل كتخدا بك على الباشا فرآه يبكي فانزعج انزعاجا شديدا وكاد ان يقع على الارض ونزل السفينة فأتى بولاق اخر الليل وانطلقت الرسل لاخبار الاعيان فركبوا بأجمعهم الى بولاق وحضر القاضي والاشياخ والسيد المحروقي ثم نصبوا تظلك ساترا على السفينة واخرجوا الناووس والدم والصديد يقطر منه وطلبوا القلاقطة لسد خروقة ومنافسه ونصبوا عودا عند رأسه ووضعوا عليه تاج الوزارة المسمى بالطلخان وانجروا بالجنازة من غير ترتيب والجميع مشاه امامه وخلفه وليس فيها من جوقات الجنائز المعتادة كالفقهاء واولاد الكتاتيب والاحزاب شئ من ساحل بولاق على طريق المدابغ وباب الخرق على الدرب الاحمر على التبانة الى الرميلة فصلوا عليه بمصلى المؤمنين وذهبوا به الى المدفن الذي اعده الباشا لنفسه ولموتاه كل هذه المسافة ووالده خلف نعشه ينظر اليه ويبكي ومع الجنازة اربعة من الحمير تحمل القروش وربعيات الذهب ودراهم انصاف عديدة ينثرون صبها على الارض وعلى الكيمان وعن يمين الكتخدا ويساره شخصان يتناول منهما قراطيس الفضة يفرق على من يتعرض له من الفقراء والصبيان فاذا تكاثروا عليه نثر ما بقي في يده عليهم فيشتغلون عنه بالتقاطها من الارض فكان جملة ما فرق وبدر من الانصاف العددية فقط خمسة وعشرين كيسا عنها خمسمائة الف فضة وذلك خلاف القروش وساقوا امام الجنازة ستة رؤوس من الجواميس الكبار اخذ منها خدمة التربة ومن حولهم وخدمة ضريح الامام الشافعي ولم ينل الفقراء الا ما فضل عنهم واخرجوا لاسقاط صلاة المتوفي خمسة واربعين كيسا تناولها فقراء الازهر وفرقت بجامع الفاكهاني بحسب الاغراض للغني منهم اضعاف قسم الفقير واكثر الفقراء من الفقهاء لم ينالوا ولا القليل ولما وصلوا الى المدفن هدموا التربة وانزلوه فيها بتابوته الخشب لتعسر اخراجه منه بسبب انتفاخه وتهربه حتى انهم كانوا يطلقون حول تابوته

البخورات في المجامر الذهب والرائحة غالبة على ذلك وليس ثم من يتعظ او يعتبر ولما مات لم يخبروا والدته بموته الا بعد دفنه فجزعت عليه جزعا شديدا ولبست السواد وكذلك جميع نسائهم واتباعهم وصبغوا براقعهم بالسواد والزرقة وكذلك من ينافقهم من الناس حتى لطخوا ابواب البيوت ببولاق وغيرها بالوحل وامتنع الناس بالامر عليهم من عمل الافراح ودق الطبول مطلقا ونوبة الباشا واسمعيل باشا وطاهر باشا حتى ما يفعله دراويش المولوية في تكاياهم عند المقابلة من الناي والطبل اربعين يوما واقامو عليه العزاء عن القبر وعدة من الفقهاء والمقرئين ينتابون قراءة القرآن مدة الاربعين يوما ورتبوا له ذبائح ومآكل وكل ما يحتاجونه ثم ترادفت عليهم العطايا من والدته واخواته والواردين من اقاربه وغيرهم على حد قول القائل مصائب قوم عند قوم فوائد ومات وهو مقتبل الشبيبة لم يبلغ العشرين وكان ابيض جسيما كما قد دارت لحيته بطلا شجاعا جوادا له ميل لاولاد العرب منقادا لملة الاسلام ويتعرض على أبيه في افعاله تخافه العسكر وتهايه ومن اقترف ذنبا صغيرا قتله مع احسانه وعطاياه للمنقاد منهم ولامرائه ولغالب الناس اليه ميل وكانوا يرجون تأمره بعد ابيه ويأبى الله الا ما يريد
ومات الوزير المعظم يوسف باشا المنفصل عن امارة الشام وحضر الى مصر من نحو ثلاث سنوات هاربا وملتجئا الى حاكم مصر وذلك في اواخر سنة سبع وعشرين ومائتين والف واصله من الاكراد الدكرلية وينسب الى الاكراد الملية وابتداء امره بأخبار من يعرفه انه هرب من اهله وعمره اذ ذاك خمس عشرة سنة فوصل الى حماة وتعاطى بيع الحشيش والسرجين والروث ثم خدم عند رجل يسمى ملا حسين مدة سنين الى ان البسه قلبق ثم خدم بعده ملا اسمعيل بالكتاش وتعلم الفروسية والرماحة فلعب يوما في القمار وخسر فيه وخاف على نفسه فخرج هاربا الى عمر اغا باسيلي من اشراقات ابراهيم باشا المعروف بالازدن فتوجه معه إلى غزة وكان مع المترجم جواد اشقر من جياد الخيل فقلد علي اغا متسلم غزة عمر اغا

المذكور وجعله دالي باش ففي بعض الايام طلب المتسلم من المترجم الجواد فقال له ان قلدتني دالي باشا قدمته لك فأجابه الى ذلك وعزل عمر اغا وقلد المترجم المنصب عوضا عنه وامتنع من اعطائه ذلك الجواد واقام في خدمته مدة فوصل مرسوم من احمد باشا الجزار خطابا للمترجم بالقبض على المتسلم واحضاره الى طرفه وان فعل ذلك ينعم عليه بمبلغ خمسين كيسا ومائة بيرق ففعل ذلك واوقع القبض على علي اغا المتسلم وتوجه الى عكا بلدة الجزار فقال المتسلم للمترجم في اثناء الطريق تعلم ان الجزار رجل سفاك دماء فلا توصلني اليه وان كان وعدك بمال انا اعطيك اضعافه واطلقني اذهب حيث شاء الله ولا تشاركه في دمي فلم يجبه الى ذلك واوصله الى الجزار فحبسه ثم قتله ورماه في البحر واقام المترجم بباب الجزار اياما ثم ارسل اليه يأمره بالذهاب الى حيث يريد فانه لا خير فيه لخيانته لمخدومه فذهب الى حماة واقام عند اغاته اسمعيل اغا وهو متول من طرف عبد الله باشا المعروف بابن العظم فأقام في حدمته كلاجي زمنا نحو الثلاث سنوات وكان بين عبد الله باشا وأحمد باشا الجزار عداوة فتوجه عبد الله باشا الى الدورة فارسل الجزار عساكره ليقطع عليه الطريق فسلك طريقا اخرى فلما وصل الى جنيني وهي مدينة قريبة من بلاد الجزار وجه الجزار عساكره عليه فلما تقارب العسكران وتسامعت اهل النواحي امتنعوا من دفع الاموال فما وسع عبدالله باشا الا الرحيل وتوجه الى ناحية نابلس مسافة يومين وحاصر بلدة تسمى صوفين واخذ مدافع من يافا واقام محاصرا لها ستة ايام ثم طلبوا الامان فأمنهم ورحل عنهم الى طرف الجليل مسيرة نصف ساعة وفرق عساكره لقبض اموال الميري من البلاد واقام هو في قلة من العسكر فوصل اليه خيال وقت العصر في يوم من الايام يخبره بوصول عساكر الجزار وانه لم يكن بينه وبينهم الا نصف ساعة وهم خمسة الاف مقاتل فارتبك في امره وارسل الى النواحي فحضر اليه من حضروهم نحو الثلثمائة خيال وهو بدائرته نحو الثمانين فأمر بالركوب فلما تقاربا هاله كثرة عساكر العدو وايقنوا بالهلاك فتقدم

المترجم الى العسكر واشار عليهم بالثبات وقال لهم لم يكن غير ذلك فاننا ان قررنا هلكنا عن اخرنا وتقدم المترجم مع اغاته ملا اسمعيل وتبعهم العسكر وولجوا اوسط خيل العدو وصدقوا الحملة جملة واحدة فحصلت في العدو الهزيمة وركبوا اقفيتهم وتبعهم المترجم حتى حال الليل بينهم فرجعوا برؤوس القتلى والقلائع فلما اصبح النهار عرضوها على الوزير وهي نحو الالف رأس والف قليعة فخلع عليهم وشكرهم وارتحلوا الى دمشق وذهب المترجم مع اغاته الى مدينة حماة واستمر هناك الى ان حضر الوزير الاعظم يوسف باشا المعروف بالمعدن الى دمشق بسبب الفرنساوية ففارق المترجم مخدومه في نحو السبعين خيالا وجعل يدور بأراضي حماة بطالا ويقال له قيس فيراسل الجزار لينضم اليه وكان الجزار عند حضور الوزير انفصل حكمه عن دمشق ووجه ولايتها الى عبد الله باشا العظم فلما بلغ المترجم ذلك توجه الى لقاء عبد الله باشا بالمعرة فأكرمه عبد الله باشا وقلده دالي باشا كبيرا على جميع الخيالة حتى على اغاته ملا اسمعيل اغا واقام بدمشق مدة الى ان حاصر عبد الله باشا مدينة طرابلس فوصل اليه الخبر بان عساكر لجزار استولوا على دمشق وبلادها فركب عبد الله باشا وذهب الى دمشق ودخلها بالسيف ونصب عرضيه خارجها فوصل خبر ذلك الى جزار فكاتب عساكر عبد الله باشا يستميلهم لان معظمهم غرباء فاتفقوا على خيانته والقبض عليه وتسليمه الى الجزار وعلم ذلك وتثبته فركب في بعض مماليكه وخاصته الى وطاق المترجم وهو اذ ذاك دالي باشا واعلمه الخبر وانه يريد النجاة بنفسه فركب بمن معه واخرجه من بين العسكر قهرا عنهم واوصله الى شول بغداد ثم ذهب على الهجن الى بغداد ورجع المترجم الى حماة فقبل وصوله اليها ورد عليه مرسوم الجزار يستدعيه فذهب اليه فجعله مقدم الف وقلده باش الجردة فسافر الى الحجاز بالملاقاة وكان امير الحاج الشامي اذ ذاك سليمان باشا عوضا عن مخدومه احمد باشا الجزار فلما حصلوا في نصف الطريق

وصلهم خبر موت الجزار فرجع يوسف المترجم الى الشام واستولى اسمعيل باشا على عكا وتوجه منصب ولاية الشام الى ابراهيم باشا المعروف بقطر اغاسي اي اغات البغال وفي فرمان ولايته الامر بقطع رأس اسمعيل باشا وضبط مال الجزار فذهب المترجم بخيله واتباعه الى ابراهيم باشا وخدم عنده وركب الى عكا وحصروها وحطوا في ارض الكرداني مسيرة ساعة من عكا وكانت الحرب بينهم سجالا وعساكر اسمعيل باشا نحو العشرة الاف والمترجم يباشر الوقائع وكل وقعة يظهر فيها على الخصم ففي يوم من الايام لم يشعروا الا وعسكر اسمعيل باشا نافذ اليهم من طريق اخرى فركب المترجم واخذ صحبته ثلاثة مدافع وتلاقى معهم وقاتلهم وهزمهم الى ان حصرهم بقرية تسمى دعوق ثم اخرجهم بالامان الى وطاقه واكرمهم وعمل لهم ضيافة ثلاثة ايام ثم ارسلهم الى عكا بغير امر الوزير ثم توجه ابراهيم باشا الى الدورة وصحبته المترجم وتركوا سليمان باشا مكانهم وخرج اسمعيل باشا من عكا واغلقت ابوابها فاتفقت عساكره وقبضوا عليه وسلموه الى ابراهيم باشا فعند ذلك برز امر ابراهيم باشا بتسليم عكا الى سليمان باشا وذهب بالمرسوم المترجم فأدخله اليها ورجع الى مخدومه وذهب معه الى الدورة ثم عاد معه الى الشام وورد الامر بعزل ابراهيم باشا عن الشام وولاية عبد الله باشا المعروف بالعظم على يد باشت بغداد فخرج المترجم لملاقاته من على حلب فقلده دالي باشا على جميع العسكر فلما وصل الى الشام ولاه على حوران واربد والقنيطرة ليقبض اموالها فأقام نحو السنة ثم توجه صحبه الباشا مع الحج وتلاقوا مع الوهابية في الجديدة فحاربهم المترجم وهزمهم وحجوا واعتمروا ورجعوا ومكثوا الى السنة الثانية فخرج عبد الله باشا بالحج وابقى المترجم نائبا عنه بالشام فلما وصل الى المدينة المنورة منعه الوهابيون ورجع من غير حج ووصل خبر ذلك الى الدولة فورد الامر بعزل عبد الله باشا عن ولاية الشام وولاية المترجم على الشام وضواحيها

فارتاعت النواحي و العربان و اقام السنة و لم يخرج بنفسه الى الحج بل ارسل ملا حسن عوضا عنه فمنع أيضا عن الحج فلما كانت القابلة انفتح عليه أمر الدورة و عصى عليه بعض البلاد فخرج اليها و حاصر بلدة تسمى كردانية ووقع له فيها مشقة كبيرة الى ان ملكها بالسيف و قتل اهلها ثم توجه الى جبل نابلس وقهرهم وجبى منهم اموالا عظيمة ثم رجع الى الشام واستقام أمره وحسنت سيرته وسلك طريق العدل في الاحكام واقام الشريعة والسنة وابطل البدع والمنكرات واستتاب الخواطئ وزوجهن وطفق يفرق الصدقات على الفقراء واهل العلم والغرباء وابن السبيل وامر بترك الاسراف في المأكل والملابس وشاع خبر عدله في النواحي ولكن نقل ذلك على اهل البلاد بترك مألوفهم ثم انه ركب الى بلاد النصيرية وقاتلهم وانتصر عليهم وسبى نساءهم واولادهم وكان خيرهم بين الدخول في الاسلام أو الخروج من بلادهم فامتنعوا وحاربوا واتخذلوا وبيعت نساؤهم واولادهم فلما شاهدوا ذلك اظهروا الاسلام تقيه فعفا عنهم وعمل بظاهر الحديث وتركهم ورحل عنهم الى طرابلس وحصارها بسبب عصيان اميرها بربر باشا على الوزير واقام محاصرا لها عشرة اشهر حتى ملكها واستولى على قلعتها ونهبت منها اموال للتجار وغيرهم ثم ارتحل الى دمشق واقام بها مدة فطرقه خبر الوهابية انهم حضروا الى المزيريب فبادر مسرعا وخرج الى لقائهم فلما وصل إلى المزيرب وجدهم قد ارتحلوا من غير قتال فأقام هناك اياما فوصل اليه الخبر بأن سليمان باشا وصل الى الشام وملكها فعاد مسرعا الى الشام وتلاقى مع عسكر سليمان باشا وتحارب العسكران الى المساء وبات كل منهم في محله ففي نصف الليل في غفلتهم والمترجم نائم وعساكره ايضا هامدة فلم يشعروا الا وعساكر سليمان باشا كبستهم فحضر اليه كتخداه وايقظه من منامه وقال له ان لم تسرع والا قبضوا عليك فقام في الحين وخرج هاربا وصحبته ثلاثة اشخاص من مماليكه فقط ونهبت امواله وارزاقه وزالت عنه سيادته في ساعة واحدة ولم يزل حتى

وصل الى حماة فلم يتمكن من الدخول اليها ومنعه اهلها عنها وطردوه فذهب الى سيجر وارتحل منها الى بلدة يعمل بها البارود ومنها الى بلدة تسمى ريمة ونزل عند سعيد اغا فاقام عنده ثلاثة ايام ثم توجه الى نواحي انطاكية بصحبته جماعة من عند سعيد اغا المذكور ثم الى السويدة ولم يبق معه سوى فرس واحد ثم انه ارسل الى محمد علي باشا صاحب مصر واستأذنه في حضوره الى مصر فكاتبه بالحضور اليه والترحيب به فوصل الى مصر في التاريخ المذكور فلاقاه صاحب مصر واكرمه وقدم اليه خيولا وقماشا ومالا وانزله بدار واسعة بالازبكية ورتب له خروجا زائدة من لحم وخبز وسمن وارز وحطب وجميع اللوازم المحتاج اليها وانعم عليه بجوار وغير ذلك واقام بمصر هذه المدة وارسل في شانه الدولة وقبلت شفاعة محمد علي باشا فيه ووصله العفو والرضا ما عدا ولاية الشام وحصلت فيه علة ذات الصدر فكان يظهر به شبه السلعة مع الفواق بصوت يسمعه من يكون بعيداغ عنه ويذهب اليه جماعة الحكماء من الافرنج وغيرهم ويطالع في كتب الطب مع بعض الطلبة من المجاورين فلم ينجع فيه علاج وانتقل الى قصر الاثار بقصد تبديل الهواء ولم يزل مقيما هناك حتى اشتد به المرض ومات في ليلة السبت العشرين من شهر ذي القعدة وحملت جنازته من الاثار الى القرافة من ناحية الخلاء ودفن بالحوش الذي انشأه الباشا واعده لموتاه وكان مدة اقامته بمصر نحو ستة سنوات فسبحان الحي الذي لايموت الدائم الملك السلطان

ودخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين والف

و استهل المحرم بيوم الخميس وحاكم مصر والمتولي عليها وعلى ضواحيها وثغورها من حد رشيد ودمياط الى اسوان واقصى الصعيد واسكاسة القصير والسويس وساحل القلزم وجدة ومكة والمدينة والاقطار الحجازية بأسرها محمد علي باشا القوللي ووزيره وكتخداه محمد اغا لاظو والدفتردار محمد بك صهر الباشا وزوج ابنته واغات الباب ابراهيم اغا ومدبر امور البلاد والاطيان والرزق والمساحات وقبض الاموال الميرية

وحساباتها ومصاريفها محمود بك الخازندار والسلحدار سليمان اغا حاكم الوجه القبلي محمد بك الدفتردار صهر الباشا عوض ابراهيم باشا ولد الباشا لانفصاله عن امارة الوجه القبلي وسفره الى الحجا انفار لمحاربة الوهابيين وباقي امراء الدولة مثل عابدين بك واسمعيل باشا ابن الباشا وخليل باشا وهو الذي كان حاكم الاسكندرية سابقا وشريف اغا وحسين بك دالي باشا وحسين بك الشماشرجي وحسن بك الشماشرجي الذي كان حاكما بالفيوم وغير هؤلاء وحسن اغا اغات الينكجرية وعلي آغا الوالي و كاتب الروزنامة مصطفى أفندي و حسن باشا بالديار الحجازية وشاة بندر التجار السيد محمد المحروقي وهو المتعين لمهات الاسفار وقوافل العربان ومخاطباتهم وملاقاة الاخبار الواصلة من الديار الحجازية والمتوجه اليها واجر المحمول وشحنة السفن ولوازم الصادرين والواردين والمتجعين والمقيمين والراحلين والمتعهد بجميع فرق القبائل والعشير وغوائلهم ومحاكماتهم وارغابهم وارهابهم وسياستهم على اختلاف اخلاقهم وطباعهم وهو المتعين ايضا لفصل قضايا التجار والباعة وارباب الحرف البلدية وفصل خصوماتهم ومشاجرتهم وتأديب المنحرفين منهم والنصابين وبعوثات الباشا ومراسلاته ومكاتباته وتجارته وشركاته وابتداعاته واجتهاده في تحصيل الاموال من كل وجه واي طريق ومتابعة توجيه السرايا والعساكر والذخائر الى نواحي الحجاز للاغارة على بلاد الوهابية واخذ الدرعية مستمر لاينقطع والعرضي منصوب خارج باب النصر وباب الفتوح واذا ارتحلت طائفة خرجت اخرى مكانها
و فيه سومحت ارباب الحرف والباعة والزياتون والجزارون والخضرية والخبازون ونحوهم من المسانهات والمشاهرات واليوميات الموظفة عليهم للمحتسب ونودي برفعها امام المحتسب في الاسواق وعوض المحتسب عنها بخمسة اكياس كل شهر يستوفيها من الخزينة وعملوا تسعيرا بترخيص اسعار المبيعات بدلا عما كانوا يعرفونه للمحتسب من غير مراعاة النسبة

والمعادلة في غالب الاصناف فإن العادة عند اقبال وجود الفاكهة او الخضراوات تباع بأغلى ثمن لعزتها وقلتها حينئذ وشهوة الطباع واشتياق النفوس لجديد الاشياء وزهدها في القديم الذي تكرر استعماله وتعاطيه كما يقال لكل جديد لذة فلم يراعوا ذلك ولم ينظروا في اصول الاشياء ايضا فإن غالب الاصناف داخل في المحتكرات وزيادة المكوس الحادثة في هذه السنين وما يضاف الى ذلك من طمع الباعة والسوقة وغشهم وقبحهم وعدم ديانتهم وخبث طباعهم فلما نودي بذلك وسمع الناس رخص المبيعات ظنوا بغفلتهم حصول الرخاء ونزلوا على المبيعات مثل الكلاب السعرانة وخطفوا ما كان بالأسواق بموجب التسعيرة من اللحم وانواع الخضراوات والفاكهة والادهان فلما اصبح اليوم الثاني لم يوجد بالاسواق شئ من ذلك واغلقت الفكهانية حوانيتهم واخفوا ما عندهم وطفقوا يبيعونه خفية وفي الليل بالثمن الذي يرتضونه والمحتسب يكثر الطواف بالأسواق ويتجسس عليهم ويقبض على من اغلق حانوته او وجدها خالية او عثر عليه انه باع بالزيادة وينكل بهم ويسحبهم مكشوفين الرؤوس مشنوقين وموثقين بالحبال ويضربهم ضربا مؤلما ويصلبهم بمفارق الطرق مخزومين الانوف ومعلق فيها النوع المزاد في ثمنه فلم يرتجعوا عن عادتهم ثم ان هذه المناداة والتسعيرة ظاهرها الرفق بالرعية ورخص الاسعار وباطنها المكر والتحيل والتوصل لما سيظهر بعد عن قريب وذلك ان ولي الامر لم يكن له من الشغل الا صرف همته وعقله وفكرته في تحصيل المال والمكاسب وقطع أرزاق المسترزقين والحجر والاحتكار لجميع الاسباب ولايتقرب اليه من يريد قربه الا بمساعدته على مراداته ومقاصده ومن كان بخلاف ذلك فلا حظ له معه مطلقا ومن تجاسر عليه من الوجهاء بنصح او فعل مناسب ولو على سبيل التشفع حقد عليه وربما اقصاه وابعده وعاداه معاداة من لايصفوا ابدا وعرفت طباعه واخلاقه في دائرته وبطانته فلم يمكنهم الا الموافقة والمساعدة في مشروعاته اما رهبة او خوفا على سيادتهم ورياستهم

ومناصبهم واما رغبة وطمعا وتوصلا للرياسة والسيادة وهم الاكثر وخصوصا اعداء الملة من نصارى الارمن وامثالهم الذين هم الان اخصاء لحضرته ومجالسته وهم شركاؤه في انواع المتاجر وهم اصحاب الراي والمشورة وليس لهم شغل ودرس الا فيما يريد حظوتهم ووجاهتهم عند مخدومهم وموافقة اغراضه وتحسين مخترعاته وربما ذكروه ونبهوه على اشياء تركها او غفل عنها من المبتدعات وما يتحصل منها من المال والمكاسب التي يسترزقها ارباب تلك الحرفة لمعاشهم ومصاريف عيالهم ثم يقع الفحص على اصل الشئ وما يتفرع منه وما يؤل اذا احكم امره وانتظم ترتيبه وما يتحصل منه بعد التسعير الذي يجعلونه مصاريف الكتبة والمباشرين ابرزت مبادية في قالب العدل والرفق بالرعية ولما وقع الالتفات الى امر المذابح والسلخانة وما يتحصل منها وما يكتسبه الموظفون فيها فاول ما بدؤا به ابطال جميع المذابح التي بجهات مصر والقاهرة وبولاق خلاف السلخانة السلطانية التي خارج الحسينية وتولى رياستها شخص من الاتراك ثم سعرت هذه التسعيرة فجعل الرطل الذي يبيعه القصاب بسبعة انصاف فضة وثمنه على القصاب من المذبح ثمانية انصاف ونصف وكان يباع قبل هذه التسعيرة بالزيادة الفاحشة فشح وجود اللحم واغلقت حوانيت الجزارين وخسروا في شراء الاغنام وذبحها وبيعها بهذا السعر وانهي أمر شحة اللحم الى ولي الامروان ذلك من قلة المواشي وغلوا ثمان مشترواتها على الجزارين وكثرة رواتب الدولة والعساكر واشيع انه امر بمراسيم الى كشاف الاقاليم قبلي وبحري لشراء الاغنام من الارياف لخصوص رواتبه ورواتب العسكر والخاصة واهل الدولة ويترك ما يذبحه جزار والمذبح لاهل البلدة وعند ذلك ترخص الاسعار ثم تبين خلاف ذلك وان هذه الاشاعة توطئة وتقدمة لما سيتلى عن قريب
وفي منتصفه وصلت اغنام وعجول وجواميس من الارياف هزيلة وازدادت باقامتها هزالا من الجوع وعدم مراعاتها فذبحوا منها بالمذابح

اقل من المعتاد وزعت على الجزارين فيخص الشخص منهم الاثنان او الثلاثة فعند ما يصل الى حانوته وهو مثل الحرامي فيتخاطفها العساكر التي بتلك الخطة وتزدحم الناس فلا ينوبهم شئ وتذهب في لمح البصر ثم امتنع وجودها واستمر الحال والناس لايجدون ما يطبخونه لعيالهم وكذلك امتنع وجود الخضراوات فكان الناس لايحصلون القوت الا بغاية المشقة واقتاتوا بالفول والمصلوق والعدس والبيصار ونحو ذلك وانعدم وجود السمن والزيت والشيرج وزيت البزر وزيت القرطم لاحتكارها لجهة الميري واغلقت المعاصر والسيارج وامتنع وجود الشمع العسل والشمع المصنوع من الشحم لاحتكار الشحم والحجز على عمال الشمع فلا يصنعه الشماعون ولا غيرهم ونودي على بيع الموجود منه باربعة وعشرين نصفا وكان يباع بثلاثين واربعين فاخفوه وطفقوا يبيعونه خفية بما احبوا وانعدم وجود بيض الدجاج لجعلهم العشرة منه باربعة انصاف وكان قبل المناداة اثنان بنصف وكل ذلك والمحتسب يطوف بالأسواق والشوارع ويشدد على الباعة ويؤلمهم بالضرب والتجريس وفقد وجود الدجاج فلا يكاد يوجد بالأسواق دجاجة لانه نودي على الدجاجة باثني عشرة نصفا وكان الثمن عنها قبل ذلك خمسة وعشرين فأكثر

واستهل شهر صفر الخير سنة

فيه حضر المعلم غالي من الجهة القبلية ومعه مكاتبات من محمد بك الدفتردار الذي تولى امارة الصعيد عوضا عن ابراهيم باشا ابن الباشا الذي توجه الى البلاد الحجازية لمحاربة الوهابية يذكر فيها نصح المعلم غالي وسعيه في فتح ابواب تحصيل الاموال للخزينة وانه ابتكر اشياء وحسابات يتحصل منها مقادير كثيرة من المال فقوبل بالرضا والاكرام وخلع عليه الباشا واختص به وجعله كاتب سره ولازم خدمته واخذ فيما ندب اليه وحضر لاجله التي منها حسابات جميع الدفاتر واقلام المبتدعات ومباشريها وحكام الاقاليم

و فيه تجردت عدة عساكر اتراك ومغاربة الى الحجاز وصحبتهم ارباب صنائع وحرف
و فيه ارسل الباشا الى بندر السويس اخشابا وادوات عمارة وبلاط كذان وحديدا وصناعا بقصد عمارة قصر لخصوصة اذا انزل هناك

واستهل شهر ربيع الاول سنة

فيه شحت المبيعات والغلال والادهان وغلا سعر الحبوب وقل وجودها في الرقع والسواحل فكان الناس لايحصلون شيئا منها الا بغاية المشقة
و فيه عزل الباشا حكام الاقاليم والكشاف ونوابهم وطلبهم للحضور وامر بحسابهم وما اخذوه من الفلاحين زيادة على مافرضه لهم وارسل من قبله اشخاصا مفتشين للفحص والتجسس على ماعسى يكون اخذوه منهم من غير ثمن فأخذوا يقررون المشايخ والفلاحين ويحررون اثمان مفرق الاشياء من غنم او دجاج او تبن او عليق او بيض او غير ذلك في المدة التي اقامها احدهم بالناحية فحصل للكثير من قائم مقاماتهم الضرر وكذلك من انتمى اليهم فمنهم من اضطر وباع فرسه واستدان
وفيه حضر علي كاشف من شرقية بلبيس معزولا عن كشوفيتها وقلدها خلافه وكان كاشفا بالإقليم عدة سنوات وكذلك جرى لكاشف المنوفية والغربية وحضر ايضا حسن بك الشماشرجي من الفيوم معزولا ووجهه الباشا الى ناحية درنة لمحاربة اولاد علي

واستهل شهر ربيع الثاني سنة

فيه حصل الحجز والمنع على من يذبح شيئا من المواشي في داره او غيرها ولا يأخذ الناس لحوم اطعمتهم الا من المذبح واوقفت عساكر بالطرق رصدا لمن يدخل المدينة بشيء من الاغنام وذلك انه لما نزلت المراسيم الى الكشاف بمشترى المواشي من الفلاحين وارسالها الى المكان الذي اعده الباشا لذلك ويؤخذ منها مقدار ما يذبح بالسلخانة في كل يوم لرواتب الدولة

والبيع طلب كشاف النواحي شراء الاغنام والعجول والجواميس بالثمن القليل من اربابها فهرب الكثير من الفلاحين باغنامهم فيخرجون من القرية ليلا ويدخلون المدينة ويمرون بها في الاسواق ويبيعونها بما احبوا من الثمن على الناس فانكب الناس على شرائها منهم لجودتها ويشترك الجماعة في الشاة فيذبحونها ويقسمونها بينهم وذلك لقلة وجدان اللحم كما سبقت الاشارة اليه وان تيسر وجوده فيكون هزيلا رديئا فإن في كل يوم ترد الجملة الكثيرة من بحرى وقبلي الى المكان المعد لها ولم يكن ثم من يراعيها بالعلف والسقي فتهزل وتضعف فلما كثر ورود الفلاحين بالأغنام وشراء الناس لها ووصل خبر ذلك الى الباشا فأمر بوقوف عساكر على مفارق الطرق خارج المدينة من كل ناحية فيأخذون الشاة من الفلاحين اما بالثمن او يذهب صاحبها معها الى المذبح فتذبح في يومها ومن الغد ويوزن اللحم خالصا ويعطى لصاحبها ثمنه عن كل رطل ثمانية فضة ونصف ويوزن على الجزارين بذلك الثمن بما فيه من القلب والكبد والمنحر والمذاكير والمخرج بما فيه من الزبل ايضا والجزارون يبيعونها على من يشتري لشدة الطلب بزيادة النصف والنصفين بل والثلاثة والاربعة ان كان به نوع جودة واما الاسقاط من الرؤوس والجلود والكروش فهو للميري وكذلك يفعل فيما يرد لخاصة الناس من الاغنام يفعل بها كذلك ولايأخذ الا قدر راتبه في كل يوم من المذبح
و فيه شح وجود الغلال في الرقع والسواحل حتى امتنع وجود الخبز في الاسواق فأخرج الباشا جانب غلة ففرقت على الرقع وبيعت على الناس وهي الف اردب انفضت في يومين ولا يبيعون ازيد من كيلة او كيلتين وبيع الاردب بألف ومائتين وخمسين نصفا
و فيه افرد محل لعمل الشمع الذي يعمل من الشحوم بعطفة ابن عبد الله بك جهة السروجية واحتكروا لأجل عمله جميع الشحوم التي من المذبح وغيره وامتنع وجود الشحم من حوانيت الدهانين ومنعوا من يعمل

شيئا من الشمع في داره او في القوالب الزجاج وتتبعوا من يكون عنده شيء منها فأخذوها منه وحذروا من عمله خارج المعمل كل التحذير وسعروا رطله بأربعة وعشرين نصفا

واستهل شهر جمادي الاولى سنة

وفيه حول معمل الشمع إلى الحسينية عند الدرب الذي يعرف بالسبع والضبع
و فيه ارتحلت عساكر مجردة الى الحجاز
و فيه برزت اوامر الى كشاف النواحي باحصاء عدد اغنام البلاد والقرى ويفرض عليها كل عشرة شياه واحدة من اعظمها اما كبش او نعجة بأولادها يجمعون ذلك ويرسلون به الى مجمع اغنام الباشا وفرض ايضا على كل فدان رطلا من السمن يجمع الارطال مشايخ البلاد من الفلاحين عند كشاف النواحي ويرسلونها الى مصر وسبب هذه المحدثه انه لما عملت التسعيرة وتسعر رطل السمن بستة وعشرين نصفا ويبيعه السمان والزيات بزيادة نصفين امتنع وجوده وظهوره فيأتي به الفلاح ليلا في الخفية ويبيعه للزبون او للمتسبب بما احب ويبيعه المتسبب ايضا بالزيادة لمن يريده سرا فيبيعون الرطل بأربعين وخمسين ويزيد على ذلك غش المتسبب وخلطه بالدقيق والقرع والشحم وعكر اللبن فيصفو على النصف ولايقدر مشتريه على رد غشه للبائع لأنه ما حصله الا بغاية المشقة والعزة والانكار والمنع وان فعل لايجد من يعطيه ثانيا وتقف الطائفة من العسكر بالطرق ليلا وفي وقت الغفلات يرصدون الواردين من الفلاحين ويأخذونه منهم بالقهر ويعطونهم ثمنه بالسعر المرسوم ويحتكرونه هم ايضا ويبيعونه لمن يشتريه منهم بالزيادة الفاحشة فامتنع وروده الا في النادر خفية مع الغرر او الخفارة والتحامي في بعض العساكر من امثالهم واشتد الحال في انعدام السمن حتى على اكابر الدولة فعند ذلك ابتدع الباشا هذه البدعة وفرض على كل فدان من طين الزراعات رطلا من السمن ويعطى في ثمن الرطل عشرين

نصفا فاشتغلوا بتحصيل ما دهمهم من هذه النازلة وطولب المزارع بمقدار ما يزرعه من الافدنة ارطالا من السمن ومن لم يكن متاخرا عنده شيء من سمن بهيمته او لم يكن له بهيمة او احتاج الى تكملة موجود عنده فيشتريه ممن يوجد عنده باغلى ثمن ليسد ما عليه اضطرار اجزاء وفاقا
و فيه حصل الاذن بدخول ما دون العشرة من الاغنام الى المدينة وكذلك الاذن لمن يشتري شيئا منها من الاسواق وسبب اطلاق الاذن بذلك مجيء بعض اغنام الى اكابر الدولة ولا غنى عن ذلك لا دني منهم ايضا وحجزوا عن وصولها الى دورهم فشكوا الى الباشا فأطلق الاذن فيما دون العشرة
و فيه ايضا امتنع وجود الغلال بالعرصات والسواحل بسبب احتكارها واستمرار انجرارها ونقلها في المراكب قبلي وبحري الى جهة الاسكندرية للبيع على الافرنج بالثمن الكثير كما تقدم ووجهت المراسيم الى كشاف النواحي بمنع بيع الفلاحين غلالهم لمن يشتري منهم من المتسببين والتراسين وغيرهم وبأن كل ما احتاجوا لبيعه مما خرج لهم من زراعتهم يؤخذ لطرف الميري بالثمن المفروض بالكيل الوافي واشتد الحال في هذا الشهر وما قبله حتى قل وجود الخبز من الاسواق بل امتنع وجوده في بعض الايام واقبلت الفقراء نساء ورجالا الى الرقع بمقاطفهم ورجعوا بها فوارغ من غير شيء وزاد الهول والتشكي وبلغ الخبر الباشا فأطلق ايضا الف اردب توزع على الرقع ويباع على الناس أما ربع واحد وكيلة فقط وكل ربع ثمنه قرش فيكون الاردب بأربعة وعشرين قرشا
وفيه حضر حسن بك الشماشرجي من ناحية درنة وبلد اخرى يقال لها سيوة وصحبته فرقة من اولاد علي وذلك ان اولاد علي افترقوا فرقتين احدهما طائعة والاخرى عاصية عن الطاعة ومنحازون الى هذه الناحية فجرد الباشا عليهم حسن بك المذكور فحاربهم فهزمهم وهزموه ثانيا فرجع الى مصر فضم اليه الباشا جملة من العساكر واصحب معه الفرقة الاخرى الطائعة فسار الجمع ودهموهم على حين غفلة وتقدم لحربهم اخوانهم

الطائعة وقتلوا منهم واغاروا على مواشيهم واباعرهم واغنامهم فأرسلوا المنهوبات الى جهة الفيوم وفي ظن العرب ان الغنائم تطيب لهم وحضر حسن بك وصحبته كبار العرب من اولاد علي الطائعين وفي ظنهم الفوز بالغنيمة وان الباشا لا يطمع فيها لكون النصرة كانت بأيديهم وانه يشكرهم ويزيدهم انعاما وكانوا نزلوا ببر الجيزة وحضر حسن بك الى الباشا فطلب كبار العرب ليخلع عليهم ويكسوهم فلما حضروا اليه امر بحبسهم واحضار الغنيمة من ناحية الفيوم بتمامها فأحضروها بعد ايام واطلقهم فيقال ان الاغنام ستة عشر الف رأس او اكثر ومن الجمال ثمانية الاف جمل وناقة وقيل اكثر من ذلك
و فيه نجزت عمارة السواقي التي انشأها الباشا بالارض المعروفة برأس الوادي بناحية شرقية بلبيس قيل انها تزيد على الف ساقية وهي سواقي دواليب خشب تعمل في الارض التي يكون منبع الماء فيها قريبا واستمر الصناع مدة مستطيلة في عمل آلاتها عند بيت الجبجي وهو بيت الرزاز الذي جهة التبانة بقرب المحجر وتحمل على الجمال الى الوادي هناك المباشرون للعمل المقيدون بذلك وغرسوا بها اشجار التوت الكثيرة لتربية دود القز واستخراج الحرير كما يكون بنواحي الشام وجبل الدروز ثم برزت الاوامر الى جميع بلاد الشرقية بأشخاص انفار من الفلاحين البطالين الذين لم يكن لهم اطيان فلاحة يستوطنون بالوادي المذكور وتبنى لهم كفور يسكنون فيها ويتعاطون خدمة السواقي والمزارع ويتعلمون صناعة تربية القز والحرير واستجلب اناسا من نواحي الشام والجبل من اصحاب المعرفة بذلك ويرتب للجميع نفقات الى حين ظهور النتيجة ثم يكونون شركاء في ربع المتحصل ولما برزت المراسيم بطلب الاشخاص من بلاد الشرق اشيع في جميع قرى الاقاليم المصرية اشاعات وتقولوا اقاويل منها ان الباشا يطلب من كل بلدة عشرة من الصبيان البالغين وعشرة من البنات يزوجهم بهن ويمهرهن من ماله ويرتب لهم نفقات الى بدو صلاح

المزارع ثم اشاعوا الطلب للصبيان الغير مختونين ليرسلهم الى بلاد الافرنج ليتعلموا الصنائع التي لم تكن بأرض مصر وشاع ذلك في اهل القرى وثبت ذلك عندهم فختن الجميع صبيانهم ومنهم من ارسل ابنه او بنته وغيبها عند معارفه بالمدينة الى غير ذلك من الاقاويل التي لم يثبت منها الا ما ذكر اولا من ان المطلوب جلب الفلاحين البطالين من بلدة الشرقية لاغير وقد تعمر هذا الوادي بالسواقي والاشجار والسكان من جميع الاجناس وانتشأ دنيا جديدة متسعة لم يكن لها وجود قبل ذلك بل كانت برية خرابا وفضاء واسعا
و فيه سافر جملة من عساكر الاتراك والمغاربة وكبيرهم ابراهيم اغا الذي كان كتخدا ابراهيم باشا ثم تولى كشوفية المنوفية وصحبته خزينة وجبخانة ومطلوبات لمخدومه

واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء سنة

في اوائله حضر الى مصر بن يوسف باشا حاكم طرابلس ومعه اخوه اصغر منه يستأذنان الباشا في حضور والدهما الى مصر فارا من والده وكان ولاه على ناحية درنة وبنى غازي فحصل منه ما غير خاطر والده عليه وعزم على ان يجرد عليه فأرسل اولاده الى صاحب مصر بهدية ويستأذن في الحضور الى مصر والإلتجاء اليه فأذن له في الحضور وهو ابن اخي الذي بمصر اولا وسافر مع الباشا الى الحجاز ورجع الى مصر واستمر ساكنا بالسبع قاعات
وفيه وصل الخبر بأن ابراهيم اغا الذي سافر مع الجردة لما وصل الى العقبة امر من بصحبته من المغاربة والعسكر بالرحيل فلما ارتحلوا ركب هو في خاصته وذهب على طريق الشام
وفي ليلة الاربعاء سادس عشره وصل جراد كثير ليلا ونزل ببستان الباشا بشبرا وتعلق بالاشجار والزهور وصاحت الخولة والبستانجية وارسل الباشا الى الحسينية وغيرها فجمعوا مشاعل كثيرة واوقدوها

وضربوا بالطبول والصنوج النحاس لطرده وامر الباشا لكل من جمع منه رطلا فله قرشان فجمع الصبيان والفلاحون منه كثيرا
ثم في ليلة السبت تاسع عشرة قبل الغروب وصل جراد كثير من ناحية المشرق مارا بين السماء والارض مثل السحاب وكان الريح ساكنا فسقط منه الكثير على الجنائن والمزارع والمقاثيء فلما كان في نصف الليل هبت رياح جنوبية واستمرت واشتد هبوبها عند انتصاف النهار واثارت غبارا اصفر وعبوقا بالجو ودامت الى بعد العصر يوم السبت فطردت ذلك الجراد واذهبته فسبحان الحكيم المدبر اللطيف
وفي يوم الاحد طاف مناد اعمى يقوده آخر بالأسواق ويقول في ندائه من كان مريضا او به رمدا وجراحه وادارة فليذهب الى خان بالموسكي به اربعة من حكماء الافرنج اطباء يداوونه من غير مقابلة شيء فتعجب الناس من هذا وتحاكوه وسعوا الى جهتهم لطلب التداوي
وفيه حضر ابن باشت طرابلس ودخل الى المدينة وصحبته نحو المائتي نفر من اتباعه فانزله الباشا في منزل ام مرزوق بك بحارة عابدين واجرى عليه النفقات والراواتب له ولأتباعة
وفي يوم الخميس حادي عشرينه وصل خبر الاطباء ومناداتهم الى كتخدا بك فأحضر حكيم باشا وسأله فأنكر معرفتهم وانه لاعلم عنده بذلك فامر باحضارهم وسألهم فخلطوا في الكلام فأمر بإخراجهم من البلدة ونفوهم في الحال وذهبوا الى حيث شاء الله ولو فعل مثل هذه الفعلة بعض المسلمين لجوزي بالقتل او الخازوق وكان صورة جلوسهم ان يجلس احدهم خارج المكان والآخر من داخل وبينهما ترجمان ويأتي مريد العلاج الى الاول وهو كأنه الرئيس فيجس نبضه او بيضه وكأنه عرف علته ويكتب له ورقة فيدخل مع الترجمان بها لآخر بدخل المكان فيعطيه شيئا من الدهن او السفوف او الحب المركب ويطلب منه اما قرشا او قرشين او خمسة بحسب الحال وذلك ثمن الدواء لا غير وشاع ذلك وتسامع به الناس واكثرهم

معلول من طبيعتهم التقليد والرغبة في الوارد الغريب فتكاثروا وتزاحموا عليهم فجمعوا في الايام القليلة جملة من الدراهم واستلطف الناس طريقتهم هذه بخلاف ما يفعله الذي يدعون التطبيب من الافرنج واصطلاحهم اذا دعى الواحد منهم لمعالجة المريض فاول ما يبدا به نقل قدمه بدراهم يأخذها اما ريال فرانسة او اكثر بحسب الحال والمقام ثم يذهب الى المريض فيجسه ويزعم انه عرف علته ومرضه وربما هول على المريض داءه وعلاجه ثم يقاول على سعيه في معالجته بمقدار من الفرانسة اما خمسين او مائة او اكثر بحسب مقام العليل ويطلب نصف الجعالة ابتداء ويجعل على كل مرة من التردادات عليه جعالة ايضا ثم يزاوله بالعلاجات التي تجددت عندهم وهي مياه مستقطرة من الاعشاب او ادهان كذلك يأتون بها للمرضى في قوارير الزجاج اللطيفة في المنظر يسمونها باسماء بلغاتهم ويعربونها بدهن البادزهر واكسير الخاصة ونحو ذلك فإن شفى الله العليل اخذ منه بقية ما قاوله عليه او اماته طالب الورثة بباقي الجعالة وثمن الادوية طبق ما يدعيه واذا قيل له انه قد مات قال في جوابه اني لم اضمن اجله وليس على الطبيب منع الموت ولا تطويل العمر وفيهم من جعل له في كل يوم عشرة من الفرانسة
وفيه راى رايه حضرة الباشا حفر بحر عميق يجري الى بركة عميقة تحفر ايضا بالإسكندرية تسير فيها السفن بالغلال وغيرها ومبدؤها من مبدأ خليج الاشرفية عند الرحمانية فطلب لذلك خمسين الف فاس ومسحة يصنعها صناع الحديد وامر بجمع الرجال من القرى وهم مائة الف فلاح توزع على القرى والبلدان للعمل والحفر بالأجرة وبرزت الاوامر بذلك فارتبك امر الفلاحين ومشايخ البلاد لأن الامر برز بحضور المشايخ وفلاحيهم فشرعوا في التشهيل وما يتزودون به في البرية ولا يدرون مدة الاقامة فمنهم من يقدرها بالسنة ومنهم باقل او اكثر

واستهل شهر رجب بيوم الاحد سنة

في ثانيه يوم الاثنين الموافق لثاني عشر بشنس القبطي وسابع آيار الرومي

قبل الغروب بنحو ساعة تغير الجو بسحاب وقتام وحصل رعد متتابع واعقبه مطر بعد الغروب ثم انجلى ذلك والسبب في ذكر مثل هذه الجزئية شيئان الاول وقوعها في غير زمانها لما فيه من الاعتبار بخرق العوائد والثاني الاحتياج اليها في بعض الاحيان في العلامات السماوية وبالاكثر في الوقائع العامية فإن العامة لايؤرخون غالبا باللأعوام والشهور بل بحادثة ارضية او سماوية خصوصا اذا حصلت في غير وقتها او ملحمة او معركة او فصل او مرض عام او موت كبير او امير فإذا سئل الشخص عن وقت مولده او مولد ابنه او ابنته او موت ابيه او سنة بولغه سن الرشد يقول كان بعد الحادثة الفلانية بكذا من الايام ثم لايدري في أي شهر او عام وخصوصا اذا طال الزمان بعدها وقد تكرر الاحتياج الى تحرير الوقت في مسائل شرعية في مجلس الشرع في مثل الحضانة والعدة والنفقة وسن اليأس ومدة غيبة المفقود بأن يتفق قولهم على ان الصبي ولد يوم السيل الذي هدم القبور او يوم موت الامير فلان او الواقعة الفلانية ويختلفون في تحقيق وقتها عند ذلك يحتاجون الى السؤال ممن عساه يكون ارخ وقتها وفي غير وقت الاحتياج يسخرون بمن يشغل بعض اوقاته بشيء من ذلك لاعتيادهم اهمال العلوم التي كان يعتني بتدوينها الاوائل الا بقدر اقامة الناموس الذي يحصلون به الدنيا ولولا تدوين العلوم وخصوصا علم الاخبار ما وصل الينا شيء منها ولا الشرائع الواجبة ولا يشك شاك في فوائد التدوين وخصائصه بنص التنزيل قال تعالى وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين
وفي عاشره وصلت هجانة واخبار عن ابراهيم باشا من الحجاز بأنه وصل الى محل يسمى الموتان فوقع بينه وبين الوهابية وقتل منهم مقتلة عظيمة واخذ منهم اسرى وخياما ومدفعين فضربوا لتلك الاخبار مدافع سرورا بذلك الخبر

وفي يوم الاربعاء ثامن عشره سافر الباشا الى اسكلة السويس وصحبته السيد محمد المحروقي ليتلقى سفائنه الواصلة بالبضائع الهندية

واستهل شهر شعبان بيوم الاثنين سنة

وفيه رجع الباشا من السويس واخلوا للبضائع الواصلة ثلاث خانات توضع في حواصلها ثم توزع على الباعة بالثمن الذي يفرضه
و فيه وصل الخبر اياضا بوصول سفائن الى بندر جدة وفيها ثلاثة من الفيلة
و فيه قوى اهتمام الباشا لحفر الترعة الموصلة الى الاسكندرية كما تقدم وان يكون عرضها عشرة اقصاب والعمق اربعة اقصاب بحسب علو الاراضي وانخفاضها وتعينت كشاف الاقاليم لجمع الرجال وفرضوا اعدادهم بحسب كثرة اهل القرية وقلتها وعلى كل عشرة اشخاص شخص كبير وجمعت الغلقان ولكل غلق فأس و ثلاثة رجال لخدمته واعطوا كل شخص خسمة عشر قرشا ترحيلة ولكل شخص ثلاثون نصفا في اجرته كل يوم وقت العمل وحصل الاهتمام لذلك في وقت اشتغال الفلاحين بالحصيدة والدراس وزراعة الذرة التي هي معظم قوتهم وشرعوا في تشهيل احتياجاتهم وشراء القرب للماء فان بتلك البرية لايوجد ماء الا ببعض الحفائر التي يحفرها طالب الماء وقد تخرج مالحة لأنها اراض مسبخة وتعين جماعة من مهندسخانة و نزلوا مع كبيرهم لمساحتها وقياسها فقاسوا من فم ترعة الاشرفية حيث الرحمانية الى حد الحفر المراد بقرب عمود السواري الذي بالاسكندرية فبلغ ذلك ستة وعشرين الف قصبة ثم قاسوا من اول الترعة القديمة المعروفة بالناصرية وابتداؤها من المكان المعروف بالعطف عند مدينة فوة فكان اقل من ذلك ينقص عنه خمسة آلاف قصبة وكسر فوقع الاختيار على ان يكون ابتداؤها هناك
وفي اثناء ذلك زاد النيل قبل المناداة عليه بالزيادة وذلك في منتصف بؤنة القبطي وغرق المقاثيء من البطييخ والخيار والعبدلاوي واهمل امر

الحفر في الترعة المذكورة الى ما بعد النيل واستردت الدراهم التي اعطيت للفلاحين لأجل الترحيلة وفرحوا بذلك الاهمال وقد كان اطلق الباشا لمصارفها اربعة آلاف كيس من تحت الحساب ورجع المهندسون الى مصر وقد صوروا صورتها في كواغد ليطلع عليها الباشا عيانا وكان رجوعهم في ثامن عشرة شعبان
وفيه تقلد ابراهيم اغا المعروف بآغات الباب امر تنظيم الاصناف والمحدثات وعمل معدلاتها لبيان سرقات ومخفيات المتقلدين امر كل صنف من الاصناف بعد البحث والتفتيش والتفحص على دقائق الاشياء
و فيه وصل نحو المائتي شخص من بلاد الروم ارباب صنائع معمرين ونجارين وحدادين وبنائين وهم مابين ارمني واجريجي ونحو ذلك
وفيه ايضا اهتم الباشا ببناء حائطين بحري رشيد عند الطينة على يمين البغاز وشماله لينحصر فيما بينهما الماء ولاتطمى الرمال وقت ضعف النيل ويقع بسبب ذلك العطب للمراكب وتلف اموال المسافرين وقد كمل ذلك في هذا الشهر وهذه الفعلة من اعظم الهمم الملوكلة التي لم يسبق بمثلها
وفي عشرينه شنق شخص بباب زويلة بسبب الزيادة في المعاملة وعلقوا بأنفه ريال فرانسة مع ان الزيادة سارية في المبيعات والمشتروات من غير انكار
و فيه ايضا خزم المحتسب آناف اشخاص من الجزارين في نواحي وجهات متفرقة وعلق في آنافهم قطعا من اللحم وذلك بسب الزيادة في ثمن اللحم وبيعهم له بما احبوه من الثمن في بعض الاماكن خفية لان الجزارين اذا نزلوا باللحم من المذبح واكثره هزيل ونعاج ومعز والقليل من المناسب الجيد فيعلقون الرديء بالحوانيت ويبيعونه جهارا بالثمن المسعر ويخفون الجيد ويبيعونه في بعض الاماكن بما يحبون
وفي يوم الخميس خامس عشرينه وصلت الافيال الثلاثة من السويس احدها كبير عن الاثنين ولكن متوسط في الكبر فعبروا بها من باب النصر

وشقوا من وسط المدينة وخرجوا بها من باب زويلة على الدرب الاحمر وذهبوا بها الى قراميدان وهرولت الناس والصبيان للفرجة عليها وذهبوا خلفها وازدحموا في الاسواق لرؤيتها وكذلك العسكر والدلاة ركبانا ومشاة وعلى ظهر الفيل الكبير مقعد من خشب

واستهل شهر رمضان بيوم الثلاثاء

و عملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب وكذا مشايخ الحرف كعادتهم واثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة وكان عسر الرؤية جدا
وفي صبح ذلك اليوم عزل عثمان اغا الورداني من الحسبة وتقلدها مصطفى كاشف كرد وذلك لما تكرر على سمع الباشا افعال الوقة وانحرافهم وقلة طاعتهم وعدم مبالاتهم بالضرب والايذاء وخزم انوف والتجريس قال في مجلس خاصته لقد سرى حكمي في الاقاليم البعيده فضلا عن القريبة وخافني العربان وقطاع الطريق وغيرهم خلاف سوقه مصر فأنهم لايرتدعون بما يفعله فيهم ولاة الحسبة من الاهانة والايذاء فابدلهم من شخص يقهرهم ولا يرحمهم ولا يهملهم فوقع اختياره على مصطفى كاشف كرد هذا فقلده ذلك اطلق له الاذن فعند ذلك ركب في كبكبة وخلفه عدة من الخيالة وترك شعار المنصب من المقدمين والخدم الذين يتقدمونه وكذلك الذي امامه بالميزان ومن بأيديهم الكرابيج لضرب المستحق والمنقص في الوزن وبات يطوف على الباعة ويضرب بالدبوس هشما بادنى سبب ويعاقب بقطع شحمة الاذن فأغلقوا الحوانيت ومنعوا وجود الاشياء حتى ما جرت به العادة في رمضان من عمل الكعك والرقاق المعروف بالسحير وغيره فلم يلتفت لامتناعهم وغلقهم الحوانيت وزاد في العسف ولم يرجع عن سعيه واجتهاده ولازم على السعي والطواف ليلا ونهارا لاينام الليل بل ينام لحظة وقت ما يدركه النوم في أي مكان ولو على مصطبة حانوت واخذ يتفحص على السمن والجبن ونحوه المخزون في الحواصل ويخرجه ويدفع ثمنه لأربابه بالسعر المفروض و يوزعه لأرباب الحوانيت ليبيعوه

على الناس بزيادة نصف او نصفين في كل رطل وذهب الى بولاق و مصر القديمة فاستخرج منهما سمنا كثيرا ومعظم ذلك في مخازن العسكر فإن العسكر كانوا يرصدون الفلاحين وغيرهم فيأخذونه منهم بالسعر المفروض هو مائتان واربعون في العشرة منه ثم يبيعونه على المحتاجين اليه بما احبوا من الزيادة الفاحشة فلم يراع جانبهم واستخرج مخباتهم قهرا عنهم ومن خالف عليه منهم ضربه واخذ سلاحه ونكل به وذهب في بعض الاوقات الى بولاق فاخرج من حاصل ببعض الوكائل ثلثمائة وخمسين ماعونا لكبير من العسكر فحضر اليه بطائفته فلم يلتفت اليه ووبخه وقال له انتم عساكر لكم الرواتب والعلائف واللحوم والاسمان وخلافها ثم تحتكرون ايضا اقوات الناس وتبيعونها عليهم بالثمن الزائد واعطاه الثمن المفروض وحمل المواعين على الجمال الى الامكنة التي اعدها لها عند باب الفتوح وعندما رأى ارباب الحوانيت الجد وعدم الاهمال والتشديد عليهم فتح المعلق منهم حانوته واظهروا مخباتهم امامهم وملؤا السدريات والطسوت من السمن وانواع الجبن خوفا من بطش المحتسب وعدم رحمته بهم ويقف بنفسه على باعة البطيخ والقاوون
وفي منتصف شهر رمضان وصلوا برمة ابراهيم بك الكبير من دنقلة وذلك انه لما وصل خبر موته استأذنت زوجته ام ولده الباشا في ارسالها امرأة تدعى نفيسة لإحضار رمته فأذن بذلك واعطى المتسفرة فيما بلغنا عشرة اكياس وكتب لها مكاتبات لكشاف الوجه القبلي بالمساعدة وسافرت وحضرت به في تابوت وقد جف جلده على عظمه لنحافته وذلك بعد موته بنحو ستة شهور وعملوا له مشهدا وامامه كفارة ودفنوه بالقرافة الصغرى عند ابنه مرزوق بك
وفي ليلة الخميس سابع عشره طلب المحتسب حجاجا الخضري الشهير بنواحي الرميلة فأخذه الى الجمالية شنقه على السبيل المجاور لحارة المبيضة وذلك في سادس ساعة من الليل وقت السحور وتركوه معلقا لمثلها من الليلة القابلة ثم اذن برفعه فاخذه اهله ودفنوه وحجاج هو

الذي تقدم ذكره غير مرة في واقعة خورشيد باشا وغيرها وكان مشهورا بالإقدام والشجاعة طويل القامة عظيم الهمة وكان شيخا على طوائف الخضرية صاحب صولة وكلمة بتلك النواحي ومكارم اخلاق وهو الذي بنى البوابة باخر الرميلة عند عرصة الغلة ايام الفتنة واختفى مرار بعد تلك الحوادث وانضم الى الالفي ثم حضر الى مصر بامان ولم يزل على حالته في هدوء وسكون ولم يؤخذ في هذه بجرم فعله يوجب شنقه بل قتل مظلوما لحقد سابق وزجرا لغيره
وفي يوم الاثنين ثامن عشرين شهر رمضان الموافق السادس مسرى القبطي اوفي النيل أذرعه فنودي بالوفاء وكسر السد صبح يوم الثلاثاء بحضرة كتخدا بك والقاضي وغيره وجرى الماء في الخليج ولم يقع فيه مهرجان مثل العادة هذا والمحتسب مواظب على السروح ليلا ونهارا ويعاقب بجرح الآذان والضرب بالدبوس واقعد بعض صناع الكنافة على صوانيهم التي على النار وامر بكنس الاسواق ومواظبة رشها بالماء ووقود القناديل على ابواب الدور وعلى كل ثلاثة من الحوانيت قنديل ويركب آخر الليل ثم يذهب الى بولاق ليتلقى الواردين بالبطيخ الاخصر والاصفر ويعرف عدة الشروات ويأمرهم بدفع مكوسها المفروضة ثم يأمرهم بالذهاب الى مراكز بيعهم ولا يبيعون شيئا حتى يأتيهم بنفسه او بحضرة من يرسله من طرفه ثم يعود طائفا عليهم فيحصى ما في فرش احدهم عددا ويميز الكبير بثمن والصغير بثمن ويترك عند البائع من يباشره او يقف هو بنفسه ويبيع على الناس بما فرضه ويعطي لصاحبه الثمن والربح فيراه وقد ربح العشرة قروش واكثر بعد مكسه ومصارفه فيقول له اما يكفي مثلك ربح هذا القدر حتى تطمع ايضا في الزيادة عليه وهو مع ذلك يكر ويطوف على غيرهم ويحلق على ما يرد من السمن الوارد الذي تقرر على المزارعين فيزنه منهم بالسعر المفروض وهو اربعة وعشرون نصفا الرطل ويرد عليهم الفوارغ ويعطيه للبائع بالثمن المقرر وهو ستة

وعشرون وهم يبيعونه بزيادة نصفين في كل رطل وهو ثمانية وعشرون ويناله الناس بأسهل وجدان سالما من الخلط والغش ويامرهم باعادة ما عسى يوجد فيه من المرته والعكار الى مواعينه ليوزن مع فوارغه ورصد ايضا ما يرد للناس ولو لأكابر الدولة من السمن فيطلق البعض وياخذ الباقي بالثمن وكذلك ما يأتيهم من البطيخ والدجاج ولو كان لصاحب الدولة حسب اذنه له بذلك كل ذلك للحرص على كثرة وجدان الاشياء وتعدت احكامه الى بضائع التجار والاقمشة الهندية واهل مرجوش والمحلاوية وخلافهم وطلب قوائم مشترواتهم والنظر في مكايلهم فضاق خناق اكثر الناس من ذلك لكونهم لم يعتادوه من محتسب قبله وكأنه وصله خبر ولاة الحسبة واحكامهم في الدول المصرية القديمة فإن وظيفة امين الاحتساب وظيفة قضاء وله التحكم والعدالة والتكلم على جميع الاشياء وكان لايتولاها الا المتضلع من جميع المعارف والعلوم والقوانين ونظام العدالة حتى على من يتصدر لتقرير العلوم فيحضر مجلسه ويباحثه فإن وجد فيه اهلية للإلقاء اذن له بالتصدر او منعه حتى يستكمل وكذلك الاطباء والجراحية حتى البياطرية والبزدرية ومعلموا الاطفال في المكاتب ومعلموا السباحة في الماء والنظر في وسق المراكب في الاسفار واحمال الدواب في نقل الاشياء ومقادير روايا الماء مما يطول شرحه وفي ذلك مؤلف للشيخ بن الرفعة وقد يسهل بعض ذلك مع العدالة وعدم الاحتكار وطمع المتولي وتطلعه لما في ايدي الناس وارزاقهم
و مما يحكى ان الرشيد سأل الليث بن سعد فقال له يا ابا الحرث ما صلاح بلدكم يعني مصر فقال له اما صلاح امرها ومزارعها فبالنيل واما احكامها فمن رأس العين يأتي الكدر
وفي اواخر رمضان زاد المحتسب في نغمات الطنبور وهو انه ارسل مناديه في مصر القديمة ينادي على نصارى الارمن والاروام والشوام باخلاء البيوت التي عمروها وزخرفوها وسكنوا بها بالانشاء والملك

والمؤاجرة المطلة على النيل وان يعودوا الى زيهم الاول من لبس العمائم الزرق وعدم ركوبهم الخيول والبغال والرهونات الفارهة واستخدامهم المسلمين فتقدم اعاظمهم الى الباشا بالشكوى وهو يراعي جانبهم لأنهم صاروا اخصاء الدولة وجلساء الحضرة وندماء الصحبة
و أيضانادى مناديه على المردان ومحلقي اللحي بأنهم يتركونها ولا يحلقونها وجميع العسكر وغالب الاتراك سنتهم حلق اللحي ولو طعن في السن فاشيع فيهم ان يامرهم بترك لحاهم وذلك خرم لقواعدهم بل يرونه من الكبائر وكذلك السيد محمد المحروقي بسبب تعرضه الى بضائع التجار واهل الغورية فان ذلك منوط به
وفي اثناء ذلك ورد الى عابدين بك مواعين سمن فأرسل الجمال الى حملها من ساحل بولاق فبلغ خبرها المحتسب فأخذها وادخلها مخزنه وعادت الجمال فارغة واخبروا مخدومهم بحجز المحتسب لها فأرسل عدة من العسكر فأخرجوها من المخزن واخذوها ولم يكن المحتسب حاضرا واتفق انه ضرب شخصا من عسكر المذكور ارنؤدي بالدبوس حتى كاد يموت فاشتد بعابدين بك الحنق وركب الى كتخدا بك وشنع على المحتسب وتعددت الشكاوي وصادفت في زمن واحد فانهى الامر الى الباشا فتقدم اليه بكف المحتسب عن هذه الافعال فأحضره الكتخدا وزجره وامره ان لايتعدى حكمه الباعة ومن كان يسري عليهم احكام من كان في منصبه قبله وا يكون امامه الميزان ويؤدب المستحق بالكرابيج دون الدبوس

واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة

فترك السروح في ايام العيد واشيع بين السوقة عزله فأظهروا الفرح ورفعوا ما كان ظاهرا بين ايديهم من السمن والجبن واخفوه عن الاعين ورجعوا الى حالتهم الاولى في الغش والخيانة وغلاء السعر واغلق بعضهم الحانوت وخرجوا الى المنتزهات وعملوا ولائم
وفي رابعه شنقوا عدة اشخاص في اماكن متفرقة قيل انهم سراق

وزغلية وكانوا مسجونين في ايام رمضان ولم يركب المحتسب حسب الامر بل اركب خازنداره وشق بالميزان عوضا عنه ثم ركب هو ايضا وبيده الدبوس لكن دون الحالة الاولى في الجبروت ولم يسر حكمه على النصارى فضلا عن غيرهم
وفي عاشره يوم السبت نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة وشقوا بها من وسط الشارع الى المشهد الحسيني
وفي يوم السبت سابع عشره اداروا المحمل وخرج امير الركب الى خارج باب النصر ووصلت حجاج كثيرة من ناحية المغرب الى برانبابة وبولاق وطفقوا يشترون الاغنام من الفلاحين ويذبحونها ويبيعونا ببولاق وطرقها على الناس جزافا من غير وزن ويذهب الكثير من الناس الى الشراء منهم فيقعون في الغبن الفاحش والزيادة على السعر بالضعف واكثر ضرورتهم في الشراء منهم رداءة ما يحمله القصابون من المذبح من اغنام الباشا المحضرة من البلاد والقرى وقد هزلت من السفر والاقامة بالجوع والعطش ويموت الكثير منها فيسلمونه ويزنونه على الجزارين بالبيع للناس وفيه المتغير الرائحة وما تعافه النفوس فبسبب ذلك اضطر الناس الى الشراء من هؤلاء الاجناس بالغبن وتحمل سوء اخلاقهم وحصل بينهم وبين بعض العسكر شرور وقتل بينهم قتلى ومجاريح والباشا وحكام الوقت يتغافلون عنهم خوفا من وقوع الفتن ثم ارتحلوا لانهم كثروا وملؤا الازقة والنواحي وحضر ايضا الركب الفاسي وفيه ولدا السلطان سليمان ومن يصحبهما فاحسن الباشا نزلهم وتقيد السيد محمد المحروقي بملاقاتهم ولوازمهم وانزلوهم في منزل بجوار المشهد الحسيني واجريت عليهم نفقات تليق بهم واهديا للباشا هدية وفيها عدة بغال وبرانس حرير وغير ذلك
وفي ثامن عشرينه ارتحل الحج المصري من البركة وكانت الحجوج في هذه السنة كثيرة من سائر الاجناس اتراك وططر وبشناق وجركس

وفلاحين ومن سائر الاجناس ورجع الكثير من المسافرين على بحر القلزم الى الحجاز من السويس لقلة المراكب التي تحملهم وغصت المدينة من كثرة الزحام زيادة على ما بها من ازدحام العساكر واخلاط العالم من فلاحي القرى المشيعين والمسافرين ومن يرد من الافاق والبلاد الشامية ونصارى الروم والارمن والدلاة والواردين والذين استدعاهم الباشا من الدروز والمتاولة والنصيرية وغيرهم لعمل الصنائع والمزارع وشغل الحرير وما استجده بوادي الشرق حتى ان الانسان يقاسي الشدة والهول اذا مر بالشارع من كثرة الازدحام ومرور الخيالة وحمير الاوسية والجمال التي تحمل الاتربة والانقاض والاحجار لعمائر الدولة سوى ما عداها من حمول الاحطاب والبضائع والتراسين حتى الزحمة في داخل العطف الضيقة وزيادة على ذلك كثرة الكلاب بحيث يكون في القطعة من الطريق نحو الخمسين ثم صياحها ونباحها المستمر وخصوصا في الليل على المارين وتشاجرها مع بعضها مما يزعج النفوس ويمنع الهجوع وقد احسن الفرنساوية بقتلهم الكلاب فإنهم لما استقروا وتكرر مرورهم ونظروا الى كثرة الكلاب من غير حاجة ولا منفعة سوى الهبهبة والعواء وخصوصا عليهم لغرابة اشكالهم فطاف عليها طائف منهم باللحم المسموم فما اصبح النهار الا وجميعها موتى مطروحة بجميع الشوارع فكان الناس والصغار يسحبونها كذا بالحبال الى الخلاء واستراحت الارض ومن فيها منها فالله يكشف عنها مطلق الكرب في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه

واستهل شهر ذي القعدة سنة

وفي خامسه يوم الاربعاء وليلة الخميس ارتحل ركب الحجاج المغاربة من الحصوة
وفي اواخره حصل الامر للفقهاء بالأزهر بقراءة صحيح البخاري فاجتمع الكثير من الفقهاء والمجاورين وفرقوا بينهم اجزاء وكراريس من البخاري يقرؤون فيها في مقدار ساعتين من النهار بعد الشروق فاستمروا

على ذلك خمسة ايام وذلك بقصد حصول النصر لإبراهيم باشا على الوهابية وقد طالت مدة انقطاع الاخبار عنه وحصل لأبيه قلق زائد ولما انقضت ايام قراءة البخاري نزل للفقهاء عشرون كيسا فرقت عليهم وكذلك على اطفال المكاتب

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الاحد سنة

في رابعه شنقوا اشخاصا قيل انهم خمسة ويقال انهم حرامية
وفيها ارسلت الافيال الثلاثة الى دار السلطنة صحبة الهدايا المرسلة ثلاثة سروج ذهب وفيها سرج مجوهر وخيول وكباش ونقود واقمشة هندية وسكاكر وارز
وفيه وصل فيل آخر كبير مروا به من وسط المدينة وذهبوا به الى رحبة بيت السيد محمد المحروقي وقفوا به في اواخر النهار والناس تجتمع للفرجة عليه الى اواخر النهار ثم طلعوا به الى القلعة واوقفوا بالطبخانة وهي محل عمل المدافع وحضر بصحبته شخص يدعي العلم والمعرفة بالطب والحكمة ومعه مجلد كبير في حجم الوسادة يحتوي على الكتب الستة الحديثية وخطه دقيق قال انه نسخه بيده ونزل ببيت السيد محمد المحروقي وركب له معجون الجواهر انفق فيه جملة من المال وكجلا وركب ايضا تراكيب لغيره وشرط عليهم في الاستعمال بعد مضي ستة اشهر وشيء منها بعد شهرين وثلاثة واقام اياما ثم سافر راجعا الى صنعاء
وفي يوم الثلاثاء عاشره كان عيد النحر ولم يرد فيه مواش كثيرة كالأعياد السابقة من الاغنام والجواميس التي تأتي من الارياف فكانت تزدحم منها لاسواق لكثرتها والوكائل والرميلة فلم يرد الا النزر القليل قبل النحر بيومين ويباع بالثمن الغالي ولم يذبح الجزارون في ايام النحر للبيع كعادتهم الا القليل منهم مع التحجير على الجلود وعلى من يشتريها وتباع لطرف الدولة بالثمن الرخيص جدا وانقضت السنة مع استمرار ما تجدد فيها من الحوادث التي منها ما حدث في آخر السنة من الحجر وضبط انوال الحياكة وكل ما يصنع بالمكوك وما ينسج على نول او نحوه

من جميع الاصناف من ابريسم او حرير او كتان الى الخيش و الفل والحصير في سائر الاقليم المصري طولا وعرضا قبلي وبحري من الاسكندرية ودمياط الى اقصى بلاد الصعيد والفيوم وكل ناحية تحت حكم هذا المتولي وانتظمت لهذا الباب دواوين ببيت محمود بك الخازندار واياما ببيت السيد محمد المحروقي وبحضرة من ذكر والمعلم غالي ومتولي كبر ذلك والمفتتح لأبوابه المعلم يوسف كنعان الشامي والمعلم منصور ابو سربمون القبطي ورتبوا الضبط ذلك كتابا ومباشرين يتقررون بالنواحي والبلدان والقرى وما يلزم لهم من المصاريف والمعليم والمشاهرات ما يكفيهم في نظير تقيدهم وخدمتهم فيمضي المتعينون لذلك فيحصون ما يكون موجودا على الانوال بالناحية من القماش والبزوالأكسية الصوف المعروفة بالزعابيط والدفافي ويكتبون عدده على ذمة الصانع ويكون ملزوما به حتى اذا تم نسجه دفعوا لصاحبه ثمنه بالفرض الذي يفرضونه وان ارادها صاحبها اخذها من الموكلين بالثمن الذي يقدرونه بعد الختم عليها من طرفيها بعلامة الميري فان ظهر عند شخص شئ من غير علامة الميري اخذت منه بل وعوقب وغرم تأديبا على اختلاسه وتحذيرا لغيره هذا شأن الموجود الحاصل عند النساجين واستئناف العمل المجدد فإن الموكل بالناحية ومباشريها يستدعون من كل قرية شخصا معروفا من مشايخها فيقيمونه وكيلا ويعطونه مبلغا من الدراهم ويأمرونه باحصاء الانوال والشغالين والبطالين منهم في دفتر فيأمرون البطالين بالنسج على الانوال التي ليس لها صناع بأجرتهم كغيرهم على طرف الميري ويدفع المتوكل لشخصين او ثلاثة دراهم يطوفون بها على النساء اللاتي يغزلن الكتان بالنواحي ويجعلنه اذرعا فيشترون ذلك منهن بالثمن المفروض ويأتون الى النساجين ثم تجمع اصناف الاقمشة في اماكن للبيع بالثمن الزائد وجعلوا لمبيعها امكنة مثل خان ابو طقية وخان الجلاد وبه يجلس المعلم كنعان ومن معه وغير ذلك وبلغ ثمن الثوب القطن الذي يقال له البطانة الى ثلثمائة نصف فضة بعد ما كان يشترى بمائة نصف

واقل واكثر بحسب الرداء والجودة وادركناه يباع في الزمن السابق بعشرين نصفا وبلغ ثمن المقطع القماش الغليظ الى ستمائة نصف فضة وكان يباع باقل من ثلث ذلك وقس على ذلك باقي الاصناف وهذه البدعة اشنع البدع المحدثه فان ضررها عم الغني والفقير والجليل والحقير والحكم لله العلي الكبير
ومنها ان المشار اليه هدم القصر الذي بالآثار وانشأه على الهيئة الرومية التي ابتدعوها في عمائرهم بمصر وهدموه وعمروه وبيضوه في ايام قليلة وذلك انه بات هناك ليلتين فاعجبه هواؤه فاختار بناءه على هواه وعند تمامه وتنظيمه بالفرش والزخارف جعل يتردد الى المبيت به بعض الاحيان مع السراري والغلمان كما يتنقل ما قصر الجيزة وشبرا والازبكية والقلعة وغيرها من سرايات اولاده واصهاره والملك لله الواحد القهار
و منها ان طائفة من الافرنج الانكليز قصدوا الاطللاع على الاهرام المنهورة الكائنة ببر الجيزة غربي الفسطاط لأن طبيعتهم ورغبتهم الاطلاع على الاشياء المستغريات والفحص عن الجزئيات وخصوصا الآثار القديمة وعجائب البلدان والتصاوير والتماثيل التي في المغارات والبرابي بالناحية القبلية وغيرها ويطوف منهم اشخاص في مطلق الاقاليم بقصد هذا الغرض ويصرفون لذلك جملا من المال في نفقاتهم ولوازمهم ومؤاجريهم حتى انهم ذهبوا الى اقصى الصعيد واحضروا قطع احجار عليها نقوش واقلام وتصاوير ونواويس من رخام ابيض كان بداخلها موتى باكفانها او اجسامها باقية بسبب الاطلية والادهان الحافظة لها من البلاد ووجه المقبور مصور على تمثال صورته التي كان عليها في حال حياته وتماثيل آدمية من الحجر السماقي الاسود المنقط الذي لايعمل فيه الحديد جالسين على كراسي واضعين ايديهم على الركب وبيد كل واحد شبه مفتاح بين اصابعه اليسرى والشخص مع كرسيه قطعة واحدة مفرغ معه اطول من قامة الرجل الطويل وعلو رأسه نصف دائرة منه في علوا الشبر وهم شبه العبيد المشوهين

الصور وهم ستة على مثال واحد كأنما افرغوا في قالب واحد يحمل الواحد منهم الجملة من العتالين وفيهم السابع من رخام ابيض جميل الصورة واحضروا ايضا راس صنم كبير دفعوا في اجرةالسفينة التي احضروه فيها ستة عشر كيسا عنها ثلثمائة وعشرون الف نصف فضة وارسلوها الى بلادهم لتباع هناك بأضعاف ما صرفوه عليها وذلك عندهم من جملة المتاجر في الاشياء الغريبة ولما سمعت بالصور المذكورة فذهبت بصحبة ولدنا الشيخ مصطفى باكير المعروف بالساعاتي وسيدي ابراهيم المهدي الانكليزي الى بيت قنصل بدرب البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة جهة الازبكية وشاهدت ذلك كما ذكرته وتعجبنا من صناعتهم وتشابههم وصقالة ابدانهم الباقية على مر السنين والقرون التي لايعلم قدرها الاعلام الغيوب وارادوا الاطلاع على امر الاهرام واذن لهم صاحب المملكة فذهبوا اليها ونصبوا خيمة واحضروا الفعلة والمساحي والغلقان وعبروا الى داخلها واخرجوا منها اتربة كثيرة من زبل الوطواط وغيره ونزلوا الى الزلاقة ونقلوا منها ترابا مربع من الحجر المنحوت غير مسلوك هذا ما بلغنا عنهم وحفورا حوالي الرأس العظيمة التي بالقرب من الاهرام التي تسميها الناس رأس ابي الهول فظهر انه جسم كامل عظيم من حجر واحد ممتد كأنه راقد على بطنه رافع رأسه وهي التي يراها الناس وباقي جسمه مغيب بما انهال عليه من الرمال وساعداه من مرفقية ممتدان امامه وبينهما شبه صندوق مربع الى استطالة من سماق احمر عليه نقوش شبه قلم الطير في داخله صورة سبع مجسم من حجر مدهون بدهان احمر رابض باسط ذراعيه في مقدار الكلب رفعوه ايضا الى بيت القنصل ورايته يوم ذاك وقيس المرتفع من جسم ابي الهول من عند صدره الى اعلى رأسه فكان اثني وثلاثين ذراعا وهي نحو الربع من باقي جسمه واقاموا في هذا العمل نحو من اربعة اشهر
و أما من مات في هذه السنة من المشاهير فمات العالم العلامة الفاضل الفهامة صاحب التحقيقات الرائقة والتأليفات الفائقة شيخ شيوخ اهل العلم

وصدر صدور اهل الفهم المتفنن في العلوم كلها نقليها وعقليها وادبيها اليه انتهت الرياسة في العلوم بالديار المصرية وباهت مصر ما سواها بتحقيقاته البهية استنبط الفروع من الاصول واستخراج نفائس الدور من بحور المعقول المنقول واودع الطروس فوائد وقلدها عوائد فرائد الاستاذ الشيخ محمد بن محمد بن احمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن محمد السنباوي المالكي الازهري الشهير بالامير وهو لقب جده الادنى احمد وسببه ان احمد واباه عبد القادر كان لهما امرة بالصعيد واخبرني المترجم من لفظه ان اصلهم من المغرب نزلوا بمصر عند سيدي عبد الوهاب ابي التخصيص كما اخبر عن ذلك وثائق لهم التزموا بحصة بناحية سنبوا وارتحلوا اليها وقطنوا بها وبها ولد المترجم وكان مولده في شهر ذي الحجة سنة اربع وخمسين ومائة والف باخبار والديه وارتحل معهما الى مصر وهو ابن تسع سنين وكان قد ختم القران فجوده على الشيخ المنير على طريقة الشاطبية والدرة وحبب اليه طلب العلم فاول ما حفظ متن الاجرومية وسمع سائر الصحيح والشفاء على سيدي علي بن العربي السقاط وحضر دروس اعيان عصره واجتهد في التحصيل ولازم دروس الشيخ الصعيدي في الفقه وغيره من كتب المعقول وحضر على السيد البليدي شرح السعد على عقائد النسفي والاربعين النووية وفقع الموطأ على هلال المغرب وعالمه الشيخ محمد التاودي بن سودة بالجامع الازهر سنة وروده بقصد الحج ولازم المرحوم الوالد حسنا الجبرتي سنين وتلقى عنه الفقه الحنفي وغير ذلك من الفنون كالهيئة والهندسة والفلكيات والاوفاق والحكمة عنه وبواسطة تلميذه الشيخ محمد ابن اسمعيل النفراوي المالكي وكتب له اجازة مثبتة في برنامج شيوخه وحضر الشيخ يوسف الحفني في آداب البحث و بانت سعاد وعلى الشيخ محمد الحفني اخيه مجالس من الجامع الصغير والشمايل والنجم الغيطي في المولد وعلى الشيخ احمد الجوهري في شرح الجوهرة للشيخ عبد السلام وسمع منه المسلسل بالأولية وتلقى

عنه طريق الشاذلية من سلسلة مولاي عبد الله الشريف وشملته اجازة الشيخ الملوي وتلقى عنه مسائل في اواخر ايام انقطاعه بالمنزل ومهر وانجب وتصدر لالقاء الدروس في حياة شيوخه ونما امره واشتهر فضله خصوصا بعد موت اشياخه وشاع ذكره في الافاق وخصوصا بلاد المغرب وتأتيه الصلات من سلطان المغرب وتلك النواحي في كل عام ووفد عليه الطالبون للأخذ عنه والتلقي منه وتوجه في بعض المقتضبات الى دار السلطنة والقى هناك دروسا حضره فيها علماؤهم وشهدوا بفضله واستجازوه واجازهم بما هو مجاز به من اشياخه وصنف عدة مؤلفات اشتهرت بايدي الطلبة وهي غاية التحرير منها مصنف في فقه مذهبه سماه المجموع حاذى به مختصر خليل جمع فيه الراحج في المذهب وشرحه شرحا نفيسا وقد صار كل منهما مقبولا في ايام شيخه العدوي حتى كان اذا توقف شيخه في موضع يقول هاتوا مختصر الامير وهي منقبة شريفة وشرح مختصر خليل وحاشية على المغنى لابن هشام وحاشية على الشيخ عبد الباقي على المختصر وحاشية على الشيخ عبد السلام على الجوهرة وحاشية على شرح الشذور لابن هشام وحاشية على الازهرية وحاشية على الشنشوري على الرحبية في الفرائض وحواش على المعراج وحاشية على شرح املوي على السمرقندية ومؤلف سماه مطلع النيرين فيما يتعلق بالقدرتين واتحاف الانس في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس ورفع التلبيس عما يسئل به ابن خميس وثمر الثمام في شرح آداب الفهم والافهام وحاشية على المجموعة وتفسير سورة القدر وكان رحمه الله رقيق القلب لطيف المزاج ينزعجطبعه من غير انزعاج يكاد الوهم يؤلمه وسماع المنافر يوهنه ويسقمه وبآخره ضعفت قواه وتراخت اعضاه وزاد شكواه ولم يزل يتعلل ويزداد انينه ويتململ والامراض به تسلسل وداعي المنون عنه لايتحول الى ان توفي يوم الاثنين عاشر ذي القعدة الحرام وكان له مشهد حافل جدا ودفن بالصحراء بجوار مدفن الشيخ عبد الوهاب العفيفي بالقرب من عمارة السلطان

قايتباي وكثر عليه الاسف والحزن وخلف ولده العلامة النحرير الشيخ محمد الامير وهو الآن احد الصدور كوالده يقرأ الدروس ويفيد الطلبة ويحضر الدواوين والمجالس العالية بارك الله فيه
و مات الشيخ الفقيه العلامة الشيخ خليل المدابغي لكونه يسكن بحارة المدابغ حضر دروس الاشياخ من الطبقة الاولى وحصل الفقه والمعقول واشتهر فضله مع فقره وانجماعه عن الناس متقشفا متواضعا ويكتسب من الكتابة بالأجرة ولم يتجمل بالملابس ولا بزي الققهاء يظن الجاهل به انه من جملة العوام توفي يوم الإثنين ثامن عشر ذي القعدة من السنة
ومات الشيخ الفقيه الورع الشيخ علي المعروف بأبي زكرى البولاقي لسكنه ببولاق وكان ملازما لإقراء الدروس ببولاق ويأتي الى الجامع الازهر في كل يوم يقرأ الدروس و يفيد الطلبة ويرجع الى بولاق بعد الظهر ومات حماره الذي كان يأتي عليه الى الجامع الازهر فلم يتخلف عن عادته ويأتي ماشيا ثم يعود مدة حتى اشفق عليه بعض المشفقين من اهالي بولاق واشتروا له حمارا ولم يزل على حالته وانكساره حتى توفي يوم الخميس ثامن شهر ذي القعدة من السنة رحمه الله وايانا وجمعنا في مستقر رحمته آمين

ومات من اكابر الدولة المسمى ولي افندي

و قال له ولي خوجا وهو كاتب خزينة الباشا وانشأ الدار العظيمة التي بناحية باب اللوق وادخل فيها عدة بيوت ودورا جليلة تجاهها وملاصقة لها من الجهتين وبعضها مطل على البركة المعروفة ببركة ابي الشوارب وتقدم في اخبار العام الماضي ان الباشا صاهره وزوج ابنته لبعض اقارب الباشا الخصيصين به مثل الذي يقال له شريف آغا وآخر وعمل له مهما عظيما احتفل فيه الى الغاية وزفة وشنكا كل ذلك وهو متمرض الى ان مات في ثاني عشرين ربيع الثاني وضبطت تركته فوجد له كثير من النقود والجواهر والامتعة وغير ذلك فسبحان الحي الذي لايموت

واستهل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين والف

واستهل المحرم بيوم الإثنين ووالي مصر وحاكمها الوزير محمد علي باشا وهو المتصرف فيها قبليها وبحريها بل والاقطار الحجازية وضواحيها وبيده ازمة الثغور الاسلامية ووزيره محمد بك لاظ المعروف بكتخدا بك وهو قائم مقامه في حال غيابه وحضوره والمتصدر في ديوان الاحكام الكلية والجزئية وفصل الخصومات ومباشرة الاحوال نافذ الكلمة وافر الحرمة واغات الباب ابراهيم اغا ومتولي ايضا امر تعديل الاصناف ليوفر على الخزينة ما يأكله المتولي على كل صنف ويخفي امره فيشدد الفحص في المكيل والموزون والمذروع حتى يستخرج المخبأ ولو قليلا فيجمتمع من القليل والكثير من الاموال فيحاسب المتولي مدة ولايته فيجمتع له مالا قدره له على وفاء بعضه الان ذلك شيء قد استهلك في عدة ايدي اشخاص واتباع ويلزم الكبير بإدائه وبقاسي ما يقاسيه من الحبس والضرب وسلب النعمة ومكابدة الاهوال وسلحدار الباشا سليمان اغا عوضا عن صالح بك السلحدار لاستعفائه عنها في العام السابق وهو المسلط على اخذ الاماكن وهدمها وبنائها خانات ورباعا وحوانيت فياتي الى الجهة التي يختار البناء فيها ويشرع في هدمها ويأتيه ارباها فيعطيهم اثمانها كما هي في حججهم القديمة وهو شيء نادر بالنسبة لغلو اثمان العقارات في هذا الوقت لعموم التخرب وكثرة العام وغلاءالمؤن وضيق المساكن بأهلها حتى ان المكان الذي كان يؤجر بالقليل صار يؤجر بعشرة امثال الاجرة القديمة ونحو ذلك ومحمود بك الخازندار وخدمته قبض اموال البلاد والاطيان والرزق وما يتعلق بذلك من الدعاوي والشكاوي وديوانه بخط سويقة اللالا والمعلم غالي كاتب سر الباشا ورئيس الاقباط وكذلك الدفتردار محمد بك صهر الباشا وحاكم الجهة القبلية والروزنامجي مصطفى افندي واغا مستحفظان حسن اغا البهلوان والزعيم علي اغا الشعراوي ومصطفى اغا كرد المحتسب وقد بردت همته عما كان عليه ورجع الحال في قلة الادهان كالاول وازدحم

الناس على معمل الشمع فلا يحصل الطالب منه شيئا الا بشق الانفس وكذلك انعدم وجود بيض الدجاج لعدم المجلوب ووقوف العسكر ورصدهم من يكون معه شيء منه من الفلاحين الداخلين الى المدينة من القرى فياخذونه منهم بدون القيمة حتى بيعت البيضة الواحدة بنصفين واما المعاملة فلم يزل امرها في اضطراب بالزيادة والنقص وتكرار المناداة كل قليل وصرف الريال الفرانسة الى اربعمائة نصف فضة والمحبوب الى اربعمائة وثمانين والبندقي الى تسعمائة نصف والمجر الى ثمانمائة نصف واما هذه الانصاف العددية التي تذكر فهي اسماء لاوجود لمسمياتها في الايدي
وفي ثاني عشره سافر الباشا الى جهة الاسكندرية لمحاسبة الشركاء والنظر في بيع الغلال والمتاجر والمراسلات
وفي تاسع عشره ارتحلت عساكر اتراك وماربة مجردة الى الحجاز

واستهل شهر صفر بيوم الاربعاء سنة

في ثالث عشره وصل الكثير من حجاج المغاربة
وفي يوم الجمعة سابع عشره وصل جاويش الحاج وفي ذلك اليوم وقت العصر ضربوا عدة مدافع من القلعة لبشارة وصلت من ابراهيم باشا بأنه حصلت له نصرة وملك بلدة من بلاد الوهابية وقبض على اميرها ويسمى عتيبة وهو طاعن في السن
وفي يوم الثلاثاء حادي عشرينه وصل ركب الحاج المصري والمحمل وامير الحاج من الدلاة

واستهل شهر ربيع الاول بيوم الجمعة سنة

و فيه وصل قابجي من دار السلطنة فعملوا له موكبا وطلع الى القلعة وضربوا له شنكا سبعة ايام وهي مدافع تضرب في كل وقت من الاوقات الخمسة
وفي هذا الشهر انعدم وجود القناديل الزجاج وبيع القنديل الواحد الذي كان ثمنه خمسة انصاف بستين نصفا اذا وجد

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة

وو فقه ايضا وأول مشير القبطي
وفي منتصفه سافر اولاد سلطان المغرب والكثير من حجاج المغاربة وكانوا في غاية الكثرة بحيث ازدحمت منهم اسواق المدينة وبولاق وما بينهما من جميع الطرق فكانوا يشترون الاغنام من الفلاحين ويذبحونها ويبيعونها على الناس جزافا من غير وزن وبعد ان يتركوا لأنفسهم مقدار حاجتهم فذهب الكثير للشراء منهم بسب رداءة اللحم الموجود بحوانيت الجزارين ولو وقف عليهم بالثمن الزائد
وفي اواخره حضر مبشر من ناحية الديار الحجازية يخبر بنصرة حصلت لابراهيم باشا وانه استولى على بلدة تسمى السقراء وان عبد الله ابن مسعود كان بها فخرج منها هاربا الى الدرعية ليلا وان بين عسرك الاتراك والدرعيين مسافة يومين فلما وصل هذا المبشر ضربوا لقدومه مدافع من ابراج القلعة وذلك وقت الغروب من يوم الاربعاء سادس عشرينه

واستهل شهر جمادي الاولى بيوم الاحد سنة

فيه نودي على طائفة المخالفين للملة من الاقباط والاروام بان يلزموا زيهم من الازرق والاسود ولا يلبسوا العمائم البيض لأنهم خرجوا عن الحد في كل شيء ويتعممون بالشيلان الكشميري الملونة والغالية في الثمن ويركبون الرهونات والبغال والخيول واماهم وخلفهم الخدم بايديهم العصي يطردون الناس عن طريقهم ولايظن الرائي لهم الا انهم من اعيان الدولة ويلبسون الاسلحة وتخرج الطائفة منهم الى الخلاء ويعملون لهم نشابا يضربون عليه بالبنادق الرصاص وغير ذلك فما احسن هذا النهي لو دام 3
وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر الباشا من غيبته بالإسكندرية اواخر النهار فضربوا لقدومه مدافع فبات بقصر شبرا وطلع في صبحها الى القلعة فضربوا بها مدافع ايضا فكانت مدة غيبته بالإسكندرية اربعة اشهر وتسعة ايام

وفي اواخره وصل هجان من شرق الحجاز ببشارة بأن ابراهيم باشا استولى على بلد كبير من بلاد الوهابية ولم يبق بينه وبين الدرعية الاثمان عشرة ساعة فضربوا شنكا ومدافع
وفيه وصل هجان حسن باشا الذي بجدة بمراسلة يخبر فيه بعصيان الشريف حمود بناحية يمن الحجاز وانه حاصر من بتلك النواحي من العساكر وقتلهم ولم ينج منهم الا القليل وهو من فر على جواد الخيل
ووقع فيه ايضا الاهتمام في تجريد عساكر للسفر وارسل الباشا بطلب خليل باشا للحضور من ناحية بحري هو وخلافه وحصل الامر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر فقري يومين وفرق على مجاوري الازهر عشرة اكياس وكذلك فرقت دراهم على اولاد المكاتب

واستهل شهر جمادي الثانية سنة

في منتصفه ليلة الثلاثاء حصل خسوف للقمر في سادس ساعة من الليل وكان المنخسف منه مقدار النصف وحصل الامر ايضا بقراءة صحيح البخاري بالأزهر
و فيه ورد الخبر بموت الشريف حمود وانه اصيب بجراحة مات بها
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه حصل كسوف للشمس في ثالث ساعة من النهار وكان المنكسف منها مقدار الثلث
وفي ذلك اليوم ضربت مدافع لوصول بشارة من ابراهيم باشا بأنه ملك جانبا من الدرعية وان الوهابية محصورون وهو ومن معه من العربان محيطون بهم

واستهل شهر شعبان سنة

فيه حضر خليل باشا وحسين بك دالي باشا من الجهة البحرية ونزلوا بدورهم

واستهل شهر رمضان بيوم الاحد سنة

في منتصفه وصل نجاب واخبر بأن ابراهيم باشا ركب الى جهة من نواحي الدرعية لأمر يبتغيه وترك عرضية فاغتنم الوهابية غيابه وكبسوا

على العرضي على حين غفلة وقتلوا من العساكر عدة وافرة واحرقوا الجبخانة فعند ذلك قوى الاهتمام وارتحل جملة من العساكر في دفعات ثلاث برا وبحر يتلو بعضهم بعضا في شعبان ورمضان وبرز عرضي خليل باشا الى خارج باب النصر وترددوا في الخروج والدخول واستباحوا الفطر في رمضان بحجة السفر فيجلس الكثير منهم بالأسواق يأكلون ويشربون ويمرون بالشوارع وبأيديهم اقصاب الدخان والتتن من غير احتشام ولا احترام لشهر الصوم وفي اعتقادهم الخروج بقصد الجهاد وغزو الكفار المخالفين لدين الاسلام وانقضى شهر الصوم والباشا متكدر الخاطر ومتقلق

واستهل شهر شوال بيوم الاثنين سنة

وكان هلاله عسر الرؤية جدا فحضر جماعة من الاتراك الى المحكمة وشهدوا برؤيته
و في ذلك اليوم الموافق لثامن عشرى شهر ابيب القبطي او في النيل اذرعه فأخروا فتح سد الخليج ثلاثة ايام العيد ونودي بالوفاء يوم الاربعاء وحصل الجمع يوم الخميس رابعه وحضر فتح الخليج كتخدا بك والقاضي ومن له عادة بالحضور فكان جمعا وازدحاما عظيما من اخلاط العالم في جهة السد والروضة تلك الليلة واشتغلت النار في الحريقة واحترق فيها لأشخاص ومات بعضهم
و في سادسه يوم السبت خرج خليل باشا المعين الى السفر في موكب وشق من وسط المدينة وخرج من باب النصر وعطف على باب الفتوح ورجع الى داره في قلة من اتباعه في طريقه التي خرج منها
وفيه انتدب مصطفى اغا المحتسب ونادى في المدينة ويأمر الناس بقطع اراضي الطرقات والازقة حتى العطف والحارات الغير النافذة فأخذ ارباب الحوانيت والبيوت يعملون بأنفسهم في قطع الارض والحفر ونقل الاتربة وحملها من خوفهم من اذيته ولعدم الفعلة والاجراء واشتغال حمير الترابين باستعمالهم في عمائر اهل الدولة فلو كان هذا الاهتمام في قطع

ارض الخليج الذي يجري به الماء فإنه لم تقطع ارضه وينقطع جريانه في ايام قليلة لعلو ارضه من الطمي وبما يتهدم عليه من الدور القديمة وما يلقيه على ذلك بهذه الفعلة القاء ما يحفرونه وينقلونه من اتربة لأزقة البيوت القديمة منه فيه ليلا ونهارا
و في ثامنه ارتحل خليل باشا مسافرا الى الحجاز من القلزم وعساكره الخيالة على طريق البر
وفي يوم السبت ثالث عشره نزلوا بكسوة الكعبة الى المشهد الحسيني على العادة
و في يوم الاثنين ثاني عشرينه عمل الموكب لأمير الحاج وهو حسين بك دالي باشا وخرج بالمحمل خارج باب النصر تجاه الهمائل ثم انتقل في يوم الاربعاء الى البركة وارتحل منها يوم الاثنين تاسع عشرينه وسافر الكثير من الحجاج واكثر فلاحي القرى الصعايدة ومن باقي الاجناس مثل المغاربة والقرمان والاتراك انفار قليلة
و في ذلك اليوم وصل قبجي وعلى يده تقرير لحضرة الباشا على السنة الجديدة وطلع الى القلعة في موكب وقري التقرير بحضرة الجمع وضربت مدافع كثيرة وكذلك وصل قبله قابجي صحبته فرمان بشارة بمولود ولد لحضرة السلطان فعمل له شنك ومدافع ثلاثة ايام في الاوقات الخمسة وذلك في منتصفه

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الاربعاء سنة

واقضى والباشا منفعل الخاطر لتأخر الاخبار وطول الانتظار وكل قليل يأمر بقراءة صحيح البخاري بالازهر ويفرق على صغار المكاتب والفقراء دراهم ولضيق صدره واشتغال فكره لايستقر بمكان فيقيم بالقلعة قليلا ثم ينتقل الى قصر شبرا ثم الى قصر الآثار ثم الازبكية ثم الجيزة وهكذا

واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة سنة

وفي سابعه وردت بشائر من شرق الحجاز بمراسلة من عثمان اغا

الورداني امير الينبع بأن ابراهيم باشا استولى على الدرعية والوهابية فانسر الباشا لهذا الخبر سرورا عظيما وانجلى عنه الضجر والقلق وانعم على المبشر وعند ذلك ضربوا مدافع كثيرة من القلعة والجيزة وبولاق والازبكية وانتشر المبشرون على بيوت الاعيان لاخذ البقاشيش
وفي ثاني عشره وصل المرسوم بمكاتبات من السويس والينبع وذلك قبل العصر فاكثروا من ضرب المدافع من كل جهة واستمر الضرب من العصر الى المغرب بحيث ضرب بالقلعة خاصة الف مدفع وصادف ذلك شنك ايام العيد وعند ذلك امر بعمل مهرجان وزينة داخل المدينة وخارجها وبولاق ومصر القديمة والجيزة وشنك على بحر النيل تجاه الترسخانة ببولاق من النجارين والخراطين والحدادين وتقيد لذلك امين افندي المعمار وشرعوا في العمل وحضر كشاف النواحي والاقاليم بعساكرهم واخرجوا الخيام والصواوين والوطاقات خارج باب النصر وباب الفتوح وذلك يوم الثلاثاء سادس عشرينه ونودي بالزينة واولها الاربعاء فشرع الناس في زينة الحوانيت والخانات وابواب الدور ووقود القناديل والسهر واظهروا الفرح والملاعيب كل ذلك مع ماالناس فيه من ضيق الحال والكد في تحصيل اسباب المعاش وعدم ما يسرجون به من الزيت والشيرج والزيت الحار وكذا السمن فانه شح وجوده ولايوجد منه الا القليل عند بعض الزياتين ولا يبيع الزيات زيادة عن الاوقية وكذلك اللحم لايوجد منه الا ما كان في غاية الرداءة من لحم النعاج الهزيل وامتنع ايضا وجود القمح بالساحل وعرصات الغلة حتى الخبز امتنع وجوده بالاسواق ولما انهي الامر الى من لهم ولاية الامر فأخرجوا من شون الباشا مقدارا ليباع في الرقع وقد اكلها السوس ولايباع منها ازيد من الكيلة اكثرها مسوس وكذلك لما شكا الناس من عدم ما يسرج به في القناديل اطلقوا للزياتين مقدار من الشيرج في كل يوم يباع في الناس لوقود الزينة وفي كل يوم يطوف المنادي ويكرر المناداة بالشوارع على الناس بالسهر والوقود والزينة وعدم

غلق الحوانيت ليلا ونهارا وانقضى العام بحوادثه ومعظمها مستمر
فمنها وهو اعظمها شدة الاذية والضيق وخصوصا بذوي البيوت والمساتير من الناس بسبب قطع ايرادهم وارزاقهم من الفائظ والجامكية السائرة والرزق الاحباسية وضبط الانوال التي تقدم ذكرها وكان يتعيش منها الوف من العالم ولما اشتد الضنك بالملتزمين وتكرر عرضحالهم فأمر لهم بصرف الثلث وتحول المصرفجي على بعض الجهات فكان كلما اجتمع لديه قدر يلحقه الطلب بحوالة من لوازم عساكر السفر المجردين وانقضى العام واكثر الناس لم يحصل على شي وذلك لكثرة المصاريف والارساليات من الذخائر والغلال والمؤن وخزائن المال من اصناف خصوص الريال الفراسنة والذهب البندقي والمحبوب الاسلامي بالأحمال وهي الاصناف الرائجة بتلك النواحي واما القروش فلا رواج لها الا بمصر وضواحيها فقط اخبرني احد اعيان كتاب الخزينة عن اجرة حمل الذخيرة على جمال العرب خاصة في مرة من المرات خمسة واربعين الف فرانسة وذلك من الينبع الى المدينة حسابا عن اجرة كل بعير ستة فرانسة يدفع نصفها امير الينبع والنصف الآخر يدفعه امير المدينة عند وصول ذلك ثم من المدينة الى الدرعية ما يبلغ المائة والاربعين الف فرانسة وهو شيء مستمر التكرر والبعوث ويحتاج الى كنوز قارون وهامان واكسير جابرين حيان !
و منها العمارة التي امر بانشائها الباشا المشار اليه بين السورين وحارة النصارى المعروفة بخميس العدس المتوصل منها الى جهة الخرنفش وذلك بإشارة اكابر نصارى الافرنج ليجتمع بها ارباب الصنائع الواصلون من بلاد الافرنج وغيرهم وهي عمارة عظيمة ابتدؤا فيها من العام الماضي واستمروا مدة في صناعة الآلات الاصولية التي يصطنع بها اللوازم مثل السند الات والمخارط للحديد والقواديم والمناشير والتزجات ونحو ذلك وافردوا لكل حرفة وصناعة مكانا وصناعا يحتوي المكان على الانوال والدواليب والآلات الغريبة الوضع والتركيب لصناعة القطن وانواع

الحرير والاقمشة والمقصبات
و في اواخر هذا العام جمعوا مشايخ الحارات والزموهم بجمع اربعة الاف غلام من اولاد البلد ليشتغلوا تحت ايدي الصناع ويتعلموا وياخذوا اجرة يومية ويرجعوا لأهاليهم اواخر النهار فمنهم من يكون له القرش والقرشان والثلاثة بحسب الصناعة وما يناسبها وربما احتيج الى نحو العشرة الاف غلام بعد اتمامها والمحتاج اليه في هذا الوقت القدر المذكور وهي كرخانة عظيمة صرف عليها مقادير عظيمة من الاموال
و منها انه ظهر بأراضي الارز بالبحر الشرقي ناحية دمياط حيوان يخرج من البحر الشرقي في قدر الجاموس العظيم ولونه فيرعى الفدان من الزرع ثم يتقيأ اكثره وكان ظهوره من العام الماضي فيجتمع عليه الكثير من اهل الناحية ويرجمونه بالحجارة ويضربون عليه بنادق الرصاص فلا تؤثر في جلده ويهرب الى البحر واتفق انه ابتلع رجلاا لى ان اصيب في عينه وسقط وتكاثر عليه وقتلوه وسلخوا جلده وحشوه تبنا واتوا به الى بولاق وتفرج عليه الباشا والناس واخبرني غير واحد ممن رآه انه اعظم من الجاموس الكبير طوله ثلاثة عشر قدما ولونه لونه وجلده املس و رأسه عظيم يشبه رأس ابن عرس وعيناه في اعلى دماغه واسع الفم وذنبه مثل ذنب السمك وارجله غلاظ مثل ارجل الفيل في اواخرها اربع ظلوف طوال واسفلها كخف الجمل وادخلوه الى بيت الافرنج وانعم به الباشا على بغوص الترجمان الأرمني وهو يبيعه على الافرنج بثمن كبير
و منها ان امرأة يقال لها الشيخة رقية تتزر بمئزر ابيض وبيدها خيزرانة وسبحة تطوف على بيوت الاعيان وتقرأ وتصلي وتذكر على السبحة ونساء الاكابر يعتقدون فيها الصلاح ويسألن منها الدعاء وكذلك الرجال حتى بعض الفقهاء وتجتمع على الشيخ العالم المعتقد الشيخ تعيلب الضرير ويكثر من مدحها للناس فيزدادون فيها اعتقادا ولها بمنزل خليل بك طوقان النابلسي مكان مفرد تأوي اليه على حدتها واذا دخلت بيتا من البيوت قام

اليها الخدم واستقبلوها بقولهم نهارنا سعيد ومبارك ونحو ذلك واذا دخلت على الستات قمن اليها وفرحن بقدومها وقبلن يدها وتبيت معهن ومع الجواري فذهبت يوما إلى دار الشيخ عبد العليم الفيومي وذلك في شهر شوال فتمرضت اياما وماتت فضجوا وتأسفوا عليها واحبوا تغيير ما عليها من الثياب فرأوا شيئا نعجز ما بين افخاذها فظنوه صرة دراهم واذا هو آلة الرجال الخصيتان والذي فوقهما فبهت النساء وتعجبن واخبروا الشيخ تعيلب بذلك فقال استروا هذا الامر وغسلوه وكفنوه وواروه في التراب ووجدوا في جيبه مراة وموسى وملقاطا وشاع امره واشتهر وتناقله الناس بالتحدث والتعجب
ومنها زيادة النيل في هذا العام الزيادة المفرطة التي لم نسمع ولم نر مثلها حتى غرق الزروع الصيفية مثل الذرة والنيلة والسمسم والقصب والارز واكثر الجنائن بحيث صار البحر وسواحله والملق لجة ماء وانهدم بسببه قرى كثيرة وغرق الكثير من الناس والحيوان حتى كان الماء ينبع بين الناس من وسط الدور واختلط بحر الجيزة ببحر مصر العتيتة حتى كانت المراكب تمشي فوق جزيرة الروضة وكثر عويل الفلاحين وصراخهم على ما غرق لهم من المزارع وخصوصا الذرة الذي هو معظم قوتهم وكثير من اهل البلاد ندبوا بالدفوف
و منها ان الباشا زاد في هذه السنة الخراج وجعل على كل فدان ستة قروش وسبعة وثمانية وذكر انها مساعدة على حروب الحجاز والخوارج فذهي الفلاحون بهاتين الداهيتين وهي زيادة النيل وزيادة الخراج في غير وقت واوان فإن من عادة الفلاحين واهل القرى اذا انقضت ايام الحصاد والدراوي وشطبوا اما عليهم من مال الخراج لملتزميهم ويكون ذلك مبادي زيادة النيل وارتفع عنهم الطلب وارتحلت كشاف النواحي وقائم مقام الملتزمين والصيارف والمعينون وخلت النواحي منهم فعند ذلك ترتاح نفوسهم وتجتمع حواسهم ويعملون اعراسهم ويجدون ملبوسهم ويزوجون

بناتهم ويختنون صبيانهم ويشيدون بنيانهم ويصلحون جسورهم وحبوسهم فإذا اخذ النيل في الزيادة شرعوا في زراعة الصيف الذي هو معظم قوتهم وكسبهم حتى اذا انحسر الماء وانكشفت الاراضي وآن اوان التحضير وزراعة الشتوي من البرسيم والغلة وجدوا ما يسدون به مال التجهية وما يرقعون به احوالهم من بهائم الحرث ومحاريث وتقاوي واجر عمال ونحو ذلك فدهموا هذه السنة بهاتين الآفتين الارضية والسماوية ورحل الكثير عن اهله ووطنه وكان ابتداء طلب هذه الزيادة قبل زيادة النيل ومجيء خبر النصرة فلما ورد خبر النصرة لم يرتفع ذلك
و منها الاضطراب في المعاملة بالزيادة والنقص والمناداة عليها كل قليل والتنكيل والترك وبلغ صرف البندقي ثمانمائة وثمانين نصفا فضة والفرانسة اربعمائة نصف وعشرة والمحبوب اربعمائة واربعين وهو المصري واما الاسلامبولي فيزيد اربعين والمجر ثمانمائة نصف واما هذه الانصاف وهي الفضة العددية فهي اسماء من غير مسميات لمنعها واحتكارها فلا يوجد منها في المعاملة بأيدي الناس الا النادر جدا ولايوجد بالأيدي في محقرات الاشياء وغيرها الا المجزأ بالخمسة والعشرة والعشرين وتصرف من اليهود والصيارف بالفرط والنقص ومن حصل بيده شيء من الانصاف عض عليه بالنواجذ ولايسمح بإخراج شيء منها الا عند شدة الاضطرار اللازم
ومنها ان السيد محمد المحروقي انشأ ببركة الرطلي دار وبستانا في محل الاماكن التي تخربت في الحوادث وذلك انه لما طرقت الفرنساوية الديار المصرية واختل النظام وجلا اكثر الناس عن اوطانهم وخصوصا سكان الاطراف فبقيت دور البركة خالية من السكان وكان بها عدة من الديار الجليلة منها دار حسن كتخدا الشعراوي وتابعه عمر جاويش وداره على سمته ايضا ودار علي كتخدا الخربطلي ودار قاضي البهار ودار سليمان اغا ودار الحموي وخلاف ذلك دور كانت جارية في وقف عثمان كتخدا القازدغلي وغيره وهذه الدور هي التي ادركناها بل وسكنا بها عدة سنين

وكانت في الزمن الاول عدة دور مختصرة يسكنها اهل الرفاهية من اهالي البلد وكان بها بيت البكرية القديم بالناحية الجنوبية تجاه زاوية جدهم الشيخ جلال الدين البكري وكان الناس يرغبون في سكناها لطيب هوائها وانكشاف الريح البحري بها وليس في اتجاهها من البر الآخر سوى الأشجار والمزارع ويعبرها المراكب والسفائن والقنج في ايام النيل بالمتفرجين والمتنزهين واهل الخلاعة بمزامرهم ومغانيهم ولصدى اصواتهم المطربة طرب آخر فلما انقشع عنها السكان تداعت الدور الى الخراب وبقيت مسكنا للبوم والغراب مدة اقامة الفرنساوية فلما حضر يوسف باشا الوزير في المرة الاولى وذلك سنة اربع عشرة ومائتين والف وانقض الصلح بينه وبين الفرنساوية وحصلت المفاقمة ووقعت الحروب داخل البلدة واحتاطت الفرنساوية بجهات البلد وجرى ما تقدم ذكره في الحوادث السابقة وكان طائفة من الفرنساوية اتوا الى هذه البركة وملكوا التل المعروف بتل ابو الريش واخذوا يرمون بالمدافع والقنابر على اهل باب الشعرية وتلك النواحي فما انجلت الحروب حتى خربت بيوت البركة وما كان بتلك النواحي من الدور التي بظاهرها وبقيت كيمانا فحسن ببال السيد المذكور ان يجعل له سكنا هناك فاحتكر اراضي تلك المساكن من اربابها من مدة سابقة ثم تكاسل عن ذلك واشتغل بتوسعة دار سكنه التي بخطة الفحامين محل دكة الحسبة القديمة حتى اتمها على الوضع الذي قصده ثم شرع في السنة الماضية في انشاء سكن لخصوص نزاهته فشرع في تنظيف الاتربة واصلاح الارض وانشأ دار متسعة وقيعانا وفسحات وهي مفروشة بالرخام وحولها بستان وغرس به انواع الاشجار ودوالي الكروم وهي بمكان حسن كتخدا وما كان على سمته من الدور نحو الثلاثين وانشأ كاتبة السيد عمر الحسيني دارا عظيمة لخصوصه اخذ فيها باقي اراضي الاماكن وزخرفها وانتقل اليها بأهله وعياله وجعلها دارا لسكناه صيفا وشتاء وبنيا خارج ظاهرها حائطا يكون لدورهما سورا وعملا بها

بوابة تفتح وتقفل وكان بجوار ذلك جامع متخرب يسمى جامع الحريشي فعمره ايضا السيد محمد لمحروقي واقام حوائطه واعمدته وسقفه وبيضه واقام الخطبة آخر جمعة شهر المحرم واما من مات في هذه السنة ممن له ذكر
فمات شيخ الاسلام وعمدة الانام الفقيه العلامة والنحرير الفهامة الشيخ محمد الشنواني نسبة الى شنوان الغرف الشافعي الازهري شيخ الجامع الازهر من اهل الطبقة الثانية الفقيه النحوي المعقولي حضر الاشياخ اجلهم الشيخ فارس وكالصعيد والدردير والفرماوي وتفقه على الشيخ عيسى البرواي ولازم دروسه وبه تخرج واقرأ الدروس وافاد الطلبة بالجامع المعروف بالفكهاني بالقرب من دار سكناه بخشقدم مهذب النفس مع التواضع والانكسار والبشاشة لكل احد من الناس ويشمر ثيابه ويخدم بنفسه ويكنس الجامع ويسرج القناديل ولما توفي الشيخ عبد الله الشرقاوي اختاروه للمشيخة فامتنع وهرب الى مصر العتيقة بعدما جرى ما تقدم ذكره من تصدر الشيخ محمد المهدي فأحضروه قهرا عنه وتلبس بالمشيخة مع ملازمته لجامع الفاكهاني كعادته واقبلت عليه الدنيا فلم يتهنا بها واعترته الامراض وتعلل بالزخير اشهرا ثم عوفي ثم بآخره بالبرودة وانقطع بالدار كذلك اشهرا ولم يزل منقطعا حتى توفي يوم الاربعاء رابع عشري المحرم وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم ودفن بتربة المجاورين وله تاليف منها حاشية جليلة على شرح الشيخ عبد السلام عي الجوهرة مشهورة بايدي الطلبة وكان يجيد حفظ القران ويقرا مع فقهاء الجوقة في الليالي وتقلد المشيهة بعده الشيخ العلامة السيد محمد ابن شيخنا الشيخ احمد العروسي من غير منازع وبإجماع اهل الوقت ولبس الخلع من بيوت الاعيان مثل البكري والسادات وباقي اصحاب المظاهر ومن يحب لتظاهر
و مات العمدة الشيخ محمد بن احمد بن محمد المعروف هو بالدواخلي

الشافعي ويقال له السيد محمد لأن اباه تزوج بفاطمة بنت السيد عبد الوهاب البرديني فولد له المترجم منها ومنها جاءه الشرف وهم من محلة الداخل بالغربية وولد المترجم بمصر وتربي في حجر ابيه وحفظ القرآن واجتهد في طلب العلم وحضر الاشياخ من اهل وقته كالشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ مصطفى الصاوي وخلافه من اشياخ هذا العصر ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي في فقه مذهبه وغيره من المعقولات ملازمة كلية وانتسب له وصار من اخص تلامذته ولما مات السيد مصطفى الدمنهوري الذي كان بمنزلة كتخداه قام مقامه واشتهر به واقرأ الدروس الفقهية والمعقوله وحف به الطلبة وتداخل في قضايا الدعاوي والمصالح بين الناس واشتهر ذكره وخصوصا ايام الفرنساوية حين تقلد شيخه رآسه ديوانهم وانتفع في ايامهم انتفاعا عظيما من تصديه لقضايا نساء الامراء المصرية وغيرهم ومات والده فأحرز ميراثه وكذلك لما قتل عديله الحاج مصطفى البشتيلي في الحرابة ببولاق لا عن وارث فاستولى على تعلقاته واطيانه وبستانه التي ببشتيل واستع حاله واشترى العبيد والجواري والخدم ولما ارتحل الفرنساوية ودخلها العثمانيون انطوى الى السيد احمد المحروقي لأنه كان يراسله سرا بالاخبار حين خرج مع العثمانيين في الكسرة الى الشام فلما رجع فراعاه وراشاه ونوه بذكره عند اهل الدولة وفي ايام الامراء المصريين حين رجعوا الى مصر بعد قتل طاهر باشا في سنة ثمان عشرة واحتوى على رزق واطيان وحصص التزام ولبس الفراوي بالأقبية وركب البغال واحدق به الاشياخ والاتباع وعنده ميل عظيم للتقدم والرياسة ولايقنع بالكثير ولما وقع ما وقع في ولاية محمد علي باشا وانفرد السيد عمر افندي في الرياسة وصار بيده مقاليد الامور ازداد به الحسد فكان هو من اكبر الساعين عليه سرا مع المهدي وباقي الاشياخ حتى أوقعوا به واخرجه الباشا من مصر كما تقدم فعند ذلك صفا لهم الوقت وتقلد المترجم النقابة بعد موت الشيخ محمد بن وفأ وركب الخيول

ولبس التاج الكبير ومشت امامه الجاويشية والمقدمون وارباب الخدم وازدحم بيته بأرباب الدعاوي والشكاوي وعمر دار سكنهم القديمة بكفر الطماعين وادخل فيها دورا وانشأ تجاهها مسجدا لطيفا وجعل فيه منبرا وخطبة وعمر دارا ببركة جناق واسكنها احدى زوجاته وداخله الغرور وظن ان الوقت قد صفا له فأول ما بتدأه به الدهر من نكباته ان مات ولده احمد وكان قد ناهز البلوغ ولم يكن له من الاولاد الذكور غيره فوجد عليه وجدا شديدا حتى كان يتكلم بكلام نقمه الناس عليه وعمل ميتما ودفنه بمسجده تجاه بيته وعمل عليه مقاما ومقصورة مثل المقامات التي تقصد للزيارة وكان موته في منتصف سنة تسع وعشرين ووقعت حادثة قومه العسكر على الباشا في اواخر شهر شعبان من السنة المذكورة والمترجم اذ ذاك من اعيان الرؤوس يطلع وينزل في كل ليلة الى القلعة ويشار اليه ويحل ويعقد في قضايا الناس ويسترسل معه الباشا كما تقدم ذكه ذلك و داخله الغرور الزائد ولقد تطاول على كبار الكتبة الاقباط وغيرهم ويراجع الباشا في مطالبه بعد انقضاء الفتنة الى ان ضاق صدر الباشا منه وامر بإخراجه ونفيه الى دسوق وذلك في سنة احدى وثلاثين فأقام بها اشهرا ثم توجه بشفاعة السيد المحروقي الى المحلة الكبرى فلم يزل بها متقلق الحواس منحرف المزاج متكدر الطبع وكل قليل يراسل السيد المحروقي في ان يشفع فيه عند الباشا ليأذن له في الحج مرة يحتج بالمرض ليموت في داره فلم يؤذن له في شيء من ذلك ولم يزل بالمحلة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول من السنة ودفن هناك وكان رحمه الله يميل الى الرياسة طبعا وفيه حدة مزاج وهي التي كانت سببا لموته بأجله رحمه الله تعالى وايانا
و مات الصدر المعظم والدستور المكرم الوزير طاهر باشا ويقال انه ابن اخت محمد علي باشا وكان ناظرا على ديوان الكمرك ببولاق وعلى الخمامير ومصارفه من ذلك وشرع في عمارة داره التي بالأزبكية بجوار بيت الشراييبي

تجاه جامع ازبك على طرف الميري وهي في الاصل بيت المدني ومحمود حسن واحترق منه جانب ثم هدم اكثرهما وخرج بالجدار الى الرحبة واخذ منها جانبا وادخل فيه بيت رضوان كتخدا الذي يقال له ثلاثة ولية تسمية له باسم العامودين الرخام الملتفين على مكسلتي الباب الخارج وشيد البناء بخرجات في العلو معددة وجعل بابه مثل باب القلعة ووضع في جهتيه العامودين المذكورين وصارت الدار كأنها قلعة مشيدة في غاية من الفخامة فما هو الا ان قارب الاتمام وقد اعتراه المرض فسافر الى الاسكندرية بقصد تبديل الهواء فأقام هناك اياما وتوفي في شهر جمادي الثانية واحضروا رمته في اواخر الشهر ودفنوه بمدفنه الذي بناه محل بيت الزعفراني بجوار السيدة بقناطر السباع وترك ابنا مراهقا فابقاه الباشا على منصب ابيه ونظامه وداره
و مات الامير ايوب كتخدا الفلاح وهو مملوك الامير مصطفى جاويش تابع صالح الفلاح وكان آخر الاعيان المبجلين من جماعة الفلاح المشهورين وله عزوة واتباع وبيته مفتوح للواردين ويحب العلماء والصلحاء ويتأدب معهم وكان الباشا يجله ويقبل شفاعته وكذلك اكابر الدولة في كل عصر وعلى كل حال كان لابأس به توفي يوم الاربعاء لعشرين من شهر شعبان وقد جاوز سبعين رحمه الله تعالى

واستهل سنة اربع وثلاثين ومائتين والف

و استهل المحرم بيوم السبت وسلطان الاسلام السلطان محمود شاه ابن عبد الحميد بدار سلطنته اسلامبول ووالي مصر وحاكمها محمد علي باشا القوللي وكتخداه وباقي ارباب المناصب على حالهم وما هم عليه في العام الماضي
ووردت الاخبار من شرق الحجاز والبشائر بنصرة حضرة ابراهيم باشا على الوهابية قبل استهلال السنة بأربعة ايام فعند ذلك نودي بزينة المدينة سبعة ايام اولها الاربعاء سابع عشري الحجة ونصبت الصواوين خارج

باب النصر عند الهمايل وكذلك صيوان الباشا وباقي الامراء والاعيان خرجوا بأسرهم لعمل الشنك والحرائق واخرجوا من المدافع مائة مدفع وعشرة وتماثيل وقلاعا وسواقي وسواريخ وصورا من بارود بدأوا في عمل الشنك من يوم الاربعاء فيضربون بالمدافع مع رماحه الخيالة من اول النهار مقدار ساعة زمانية وربع قريبا من عشرين درجة ضربا متتابعا لايتخلله سكون على طريقة الافرنج في الحروب بحيث انهم يضربون المدفع الواحد اثنتي عشرة مرة وقيل اربع عشرة مرة في دقيقة واحدة فعلى هذا الحساب يزيد ضرب المدافع في تلك المدة على ثمانين الف مدفع بحيث يتخيل الانسان اصواتها مع اصوات بنادق الخيالة المترامحين رعودا هائلة ورتبوا المدافع اربعة صفوف ورسم الباشا ان الخيالة ينقسمون كذلك طوابير ويكمنون في الاعالي ثم ينزلون مترامحين وهم يضربون بالبنادق ويهجمون على المدافع في حال اندفاعها بالرمي فمن خطف شيئا من ادوات الطبجية الرماة يأتي به الى الباشا ويعطيه البقشيش والانعام فمات بسبب ذلك اشخاص وسواس ويكون مبادىء نهاية وقوف الخيالة نهاية محط جلة المدفع فانهم عند طلوع الفجر يضربون مدافع معمروة بالجلل بعدد الطوابير فتستعد الخيالة ويقف كل طابور عند مرمى جلته ويأخذون اهبتهم من ذلك الوقت الى بعد شروق الشمس ويبتدؤن في الرمي والرماحة الحصة المذكورة وبعد العشاء خيرة ! لا يعمل كذلك الشنك برمي المدافع المتتالية المختلطة اصواتها بدون الرماحة ومع المدافع الحراقة والنفوط والسواريخ التي تصعد في الهواء وفيها من خشب الزان بدل القصب وكرنجة بارودها اعظم من تلك بحيث اناها تصعد من الاسفل الى العلو مثل عامود النهار واشياء اخر لم يسبق نظائرها تفنن في عملها الافرنج وغيرهم وحول محل الحراقة حلقة دائرة متسعة حولها الوف من المشاعل الموقدة وطلبوا لعمل اكياس بارود المدافع مائتي الف ذراع من القماش البز وكان راتب الارز الذي يطبخ في القزانات ويفرق في عراضي العساكر في كل يوم اربعمائة

اردب وما يتبعها من السمن وهذا خلاف مطابخ الاعيان وما ياتيهم من بيوتهم من تعابي الاطعمة وغيرها واستمر هذا الضرب والشنك الى يوم الثلاثاء رابع المحرم واهل البلد ملازمون للسهر والزينة على الحوانيت والدور ليلا ونهارا وتكرار المناداة عليهم في كل يوم وركب حضرة الباشا وتوجه الى داره بالازبكية وهدمت الصواوين والخيام وبطل الرمي ودخلت العساكر والبينبات بمتاعهم وعازتهم افواجا الى المدينة وذهبوا الى دورهم ورفع الناس الزينة وكان معظمها حيث مساكن الافرنج والارمن فإنهم تفننوا في عمل التصاوير والتماثيل واشكال السرج والفنيارات الزجاج والبلور واشكال النجف ومعظمها في جهات المسلمين بخان الخليلي والغورية والجمالية و ببعض الاماكن والخانات ملاهي واغاني وسماعات وقيان وجنك رقاصات هذاو التهيؤ والاشغال و الاستعداد لعمل الدونانمة على بحر النيل ببولاق فصنعوا صورة قلعة بأبراج وقباب وزوايا وانصاف دوائر وخورنقات وطيقان للمدافع وطلوها وبيضوها ونقشوها بالألوان والاصباغ وصورة باب مالطة وكذلك صورة بستان على سفائن وفيه الطين ومغروس به الاشجار ومحيط به دار بزين مصبغ وبه دوالي العنب واشجار الموز والفاكهة والنخيل والرياحين في قصارى الطيفة على حافاته وصورة عربة يجرها افراس وبها تماثيل وصور جالسين وقائمين وتمثال مجلس وبه جنك رقاصات من تماثيل مصورة تتحرك بآلات ابتكار بعض المبتكرين لأن كل من تخيل بفكره شيئا ملعوبا او تصويرا ذهب الى الترسخانة حيث الاخشاب والصناع فيعمله على طرف الميري حتى يبرزه في الخارج ويأخذ على ابتكاره البقشيش واكثرها لخصوص الحراقات والنفوط والبارود والسواريخ وغير ذلك وبعد انقضاء السبعة ايام المذكورة حصل السكون من يوم الثلاثاء المذكورة الى يوم الاحد التالي له من الجمعة الاخرى مدة خمسة ايام في اثنائها اجتهد الناس من الاعيان وكل من له اسم من اكابر الناس واهل الدائرة والافندية الكتبة حتى الفقهاء ارباب

المناصب والمظاهر ومشايخ الافتاء والنواب والمتفرجين في نصب الخيام بحافتي النيل واستأجروا الاماكن المطلة على البحر ولو من البعد وتنافسوا واشتط اربابها في الاجرة حتى بلغ اجرة حقر طبقة بمثل وكالة الفسيخ الى خمسمائة قرش وزيادة وكان الباشا امر بإنشاء قصر لخصوص جلوسه بالجزيرة تجاه بولاق قبلي قصر ابنه اسمعيل باشا وتمموا بياضه ونظامه في هذه المدة القليلة فلما كان ليلة الاثنين وهو يوم عاشوراء خرج الباشا في ليلته وعدى الى القصر المذكور وخرج اهل الدائرة والاعيان الى الاماكن التي استاجروها وكذلك العامة افواجا واصبح يوم الاثنين المذكور فضربت المدافع الكثيرة التي صففوها بالبرين وزين اهالي بولاق اسواقهم وحوانيتهم وابواب دورهم ودقت الطبول المزامير والنقرزانات في السفائن وغيرها وطبلخانة الباشا تضرب في كل وقت والمدافع الكثيرة في ضحوة كل يوم وعصره وبعد العشاء كذلك وتوقد المشاعل وتعمل اصناف الحراقات والسواريخ والشعل وتتقابل القلاع المصنوعة على وجه الماء ويرمون منها المدافع على هيئة المتحاربين وفيها فوانيس وقناديل وهيئة باب مالطة بوابة مجسمة مقوصرة لها بدنات ويرى بداخلها سرج وشعل ويخرج منها حراقات وسواريخ وغالب هذه الاعمال من صناعة الافرنج واحضروا سفائن رومية صغيرة تسمى الشلنبات يرمى منها مدافع وشنابر وشيطيات وغلايين مما يسير في البحر المالح وفي جميعها وقدات وسرج وقناديل وكلها مزينة بالبيارق الحرير والاشكال المختلفة الالوان ودبوس اوغلي ببولاق التكرور وعنده ايضا الحراقات الكثيرة والشعل والمدافع والسواريخ وبالجيزة عباس بك بن طوسون باشا والنصارى الارمن بمصر القديمة وبولاق والافرنج وابرز الجميع زينتهم وتماثيلهم وحرائقهم وعند الاعيان حتى المشايخ في القنج والسفائن المعدة للسروح والتفرج والنزاهة والخروج عن الاوضاع الشرعية والادبية واستمروا على ما ذكر الى يوم الاثنين سابع عشره

وفي ذلك اليوم وصل عبد الله بن مسعود الوهابي ودخل من باب النصر وصحبته عبد الله بكتاش قبطان السويس وهو راكب على هجين وبجانبه المذكور وامامه طائفة من الدلاة فضربوا عند دخوله مدافع كثيرة من القلعة وبولاق وخلافهما وانقضى امر الشنك وخلافه من ساحل النيل وبولاق ورفعوا الزينة وركب الباشا الى قصر شبرا في تلك السفينة وانفض الجمع وذهبوا الى دورهم وكان ذلك من اغرب الاعمال التي لم يقع نظيرها بأرض مصر ولا ما يقرب من ذلك ومطبخ الميري يطبخ به الازر على النسق المتقدم والاطعمة ويؤتى لأرباب المظاهر منها في وجبتي الغداء والعشاء خلاف المطابخ الخاصة بهم وما يأتيهم من بيوتهم واما العامة والمتفرجون من الرجال والنساء فخرجوا افواجا وكثر زحامهم في جميع الطرق الموصلة الى بولاق ليلا ونهارا باولادخم واطفالهم ركبانا ومشاة وقد ذهب في هاتين الملعبتين من الاموال ما لايدخل تحت الحصر واهل الاستحقاق يتلظون من الفشل والتفليس مع ماهم فيه من غلاء الاسعار في كل شيء وانعدام الادهان وخصوصا السمن والشيرج والشحم فلا يوجد من ذلك الشيء اليسير الا بغاية المشقة ويكون على حانوت الدهان الذي يحصل عنده بعض السمن شدة الزحام والصياح ولا يبيع بأزيد من خمسة انصاف وهي اوقية اثنا عشر درهما ! بما فيها من الخلط واعوان المحتسب مرصدون لمن يرد من الفلاحين والمسافرين بالسمن فيحجزونه لمطالب الدولة ومطابخهم ودورهم في هذه الولائم والجمعيات ويدفع لهم ثمنه على موجب التسعيرة ثم يوزع ما يوزعه وهو الشيء القليل على المتسببين وهم يبيعونه على هذه الحالة ومثل ذلك الشيرج وخلافه حتى الجبن القريش
و فيه وصل عبد الله الوهابي فذهبوا به الى بيت اسمعيل باشا بن الباشا فاقام يومه وذهبوا به في صبحها عند الباشا بشبرا فلما دخل عليه قام له وقابله بالبشاشة واجلسه بجانبه وحادثه وقال له ما هذه المطاولة فقال الحرب سجال قال وكيف رايت ابراهيم باشا قال ما قصر وبذل همته ونحن كذلك

حتى كان ما كان قدره المولى فقال انا ان شاء الله تعالى اترجى فيك عند مولانا السلطان فقال المقدر يكون ثم البسه خلعة وانصرف عنه الى بيت اسمعيل باشا ببولاق ونزل الباشا في ذلك اليوم السفينة وسافر الى جهة دمياط وكان بصحبة الوهابي صندوق صغير من صفيح فقال له الباشا ما هذا فقال هذا ما اخذه ابي من الحجرة اصحبه معي الى السلطان وفتحه فوجد به ثلاثة مصاحف قرانا مكلفة ونحو ثلثمائة حبة لؤلؤ كبار وحبة زمرد كبيرة وبها شريط ذهب فقال له الباشا الذي اخذه من الحجرة اشياء كثيرة غير هذا فقال هذا الذي وجدته عند ابي فإنه لم يستاصل كل ما كان في الحجرة لنفسه بل اخذ كذلك كبار العرب واهل المدينة واغوات الحرم وشريف مكة فقال الباشا صحيح وجدنا عند الشريف اشياء من ذلك
و في يوم الاربعاء تاسع عشره سافر عبد الله بن مسعود الى جهة الاسكندرية وصحبته جماعة من الططر الى دار السلطنة ومعه خدم لزومه

واستهل شهر صفر بيوم الاثنين سنة

و فيه ثالثه وصل طائفة من الحجاج المغاربة يوم الاربعاء وصحبتهم حجاج كثيرة من الصعائدة واهل القرى فدخلوا على حين غفلة وكان الرئيس فيهم شخص من كبار عرب اولاد علي يسمى الحبالي وهذا لم يتفق نظيره فيما وعيناه وسببه امن الطريق وانكماش العربان وقطاع الطرق
و فيه اخبر المخبرون بأن الباشا اقام بدمياط اياما قليلة ثم توجه الى البرلس ويزل في نقيرة وذهب الى الاسكندرية على ظهر البحر المالح وقد استعد اهلها لقدومه وزينوا البلد والذي تولى الاعتناء بذلك طائفة الفرنج فانهم نصبوا طريقا من باب البلد الى القصر الذي هو سكن الباشا وجعلوا بناحيتيه يمنى ويسرى انواع الزينة والتماثيل والتصاوير والبلور والزجاج والمرايات وغير ذلك من البدع البديعة الغريبة
و في غايته وصل الحاج المصري ودخلوا ارسالا شيئا فشيئا ومنهم من دخل ليلا وخصوصا ليلة الاثنين وفي صبحه دخل حسن باشا ارنؤد الذي كان

مقيما بجدة وفي ذلك اليوم دخل بواقي الحجاج الى منازلهم

واستهل شهر ربيع الاول بيوم الثلاثاء سنة

في صبحه دخلوا بالمحل المدينة واكثر الناس لم يشعر بدخوله وهذا لم يتفق فيما نعلم تاخر الحاج الى شهر ربيع الاول
و في ليلة الثلاثاء ثامنه احترق سوق الشرم والجملون والكائن اسفل جامع الغورية بما فيه من الحوانيت وبضائع التجار والاقمشة الهندية وخلافها فظهرت به النار من بعد العشاء الاخيرة فحضر الوالي واغات التبديل فوجدوا الباب الذي من جهة الغورية مغلقا من داخل وكذلك الباب الذي من الجهة الاخرى وهما في غاية المتانة فلم يزالوا يعالجون فتح الباب بالعتالات والكسر الى بعد نصف الليل والنار عمالة من داخل وهرب الخفير واحترق ليوان الجامع البراني والدهليز واخذوا في الهدم وصب المياه بآلات القصارين مع صعوبة العمل بسبب علو الحيطان الشاهقة والاخشاب العظيمة والاحجار الهائلة والعقود فلم يخمد لهب النار الا بعد حصة من النهار وسرحت النار في اخشاب الجامع التي بداخل البناء ولم يزل الدخان صاعدا منها وسقط الشبابيك النحاس العظام وبقيت مفتتة ومكلسة واستمر العلاج في اطفاء الدخان ثلاثة ايام ولولا لطف المولى وتأخير فتح الباب لكونه مصفحا بالحديد فلم تعمل فيه النار فهو لم يكن كذلك لاحترق وسرحت النار الى الحوانيت الملاصقة به وهي كلها اخشاب ويعلوها سقائف اخشاب كذلك ومن فوق الجميع السقيفة العظيمة الممتده على السوق من اوله الى آخره وهي في غاية العلو والارتفاع وكلها اخشاب وحجنة وسهوم وبراطيم من اعلى ومن اسفل لحملها من الجهتين ومن ناحيتها الرباع والوكائل والدور وحيطان الجميع من الحجنة والاخشاب العتيقة التي تشتعل بأدنى حرارة فلو وصلت النار والعياذ بالله تعالى الى هذه السقيفة لما امكن اطفاؤها بوجه وكان حريقا دوميا ولكن الله سلم

وفي يوم السبت ثاني عشره حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف سابقا وذلك انه لما حصلت النصرة والمسرة للباشا فكتب اليه مكتوبا بالتهنئة وارسله مع حفيده السيد صالح الى الاسكندرية فتلقاه بالبشاشة وطفق يسأله عن جده فيقول له بخير ويدعوا لكم فقال له هل في نفسه شيء او حاجة نقضيها له فقال لايطلب غير طول البقاء لحضرتكم ثم انصرف الى المكان الذي نزل به فأرسل اليه في ثاني يوم عثمان السلانكي ليسأله ويستفسره عما عسى ان يستحى من مشافهة الباشا بدكره فلم يزل يلاطفه حتى قال لم يكن في نفسه الا الحج الى بيت الله ان اذن له افندينا بذلك فلما عاد بالجواب نعم عليه بذلك واذن له بالذهاب الى مصر وان يقيم بداره الى اوان الحج ان شاء برا وان شاء بحرا وقال انا لااتركه في الغربة هذه المدة الا خوفا من الفتنة والان لم يبق شيء من ذلك فإنه ابي وبين وبينه مالاانساه من المحبة والمعروف وكتب له جوابا بالإجابة وصورته بحروفه مظهر الشمائل سنيها حميد الشؤون وسميها سلالة بيت المجد الاكرم والدنا السيد عمر مكرم دام شانه اما بعد فقد ورد الكتاب اللطيف من الجناب الشريف تهنئة بما انعم الله علينا وفرحا بمواهب تأييده لدينا فكان ذلك مزيدا في السرور ومستديما لحمد الشكور ومجلبة لثناكم واعلانا بنيل مناكم جزيتم حسن الثناء مع كمال الوقار ونيل المنى هذا وقد بلغنا نجلكم عن طلبكم الاذن بالحج الى البيت الحرام وزيارة روضته عليه الصلاة و السلام للرغبة في ذلك والترجي لما هنالك وقد اذناكم في هذا المرام تقربا لذي الجلال والاكرام ورجاء لدعواتكم بتلك المشاعر العظام فلا تدعوا الابتهال ولا الدعاء لنا بالقال والحال كما هو الظن في الطاهرين والمامول من الاصفياء المقبولين والواصل لك جواب منا خطابا الى كتخدائنا ولكم الاجلال والاحترام مع جزيل الثناء والسلام وارسل اليه المكتوبين صحبة حفيده السيد صالح وارسل الى كتخدا بك كتابا وصل اليه قبل قدومه فأرسل الكتخدا ترجمانه الى منزله ليبشرهم بذلك واشيع خبر

مقدمة فكان الناس بين مصدق ومكذب حتى وصل في اليوم المذكور الى بولاق فركب من هناك وتوجه الى زيارة الامام الشافعي وطلع الى القلعة وقابل الكتخدا وسلم عليه وهنئه الشعراء بقصائدهم واعطاهم الجوائز واستمر ازدحام الناس ايام ثم امتنع عن الجلوس في المجلس العام نهارا واعتكف بحجرته الخاصة فلا يجتمع به الا بعض من يريده من الافراد فانكف الكثير عن الترداد وذلك من حسن الرأي

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة

فيه حصل الاهتمام بحفر الترعة المعروفة بالاشرفية الموصلة الى الاسكندرية وقد تقدم في العام الماضي بل والذي قبله اهتمام الباشا ونزل اليها المهندسون ووزنوا ارضها وقاسوا طولها وعرضها وعمقها المطلوب ثم اهمل امرها لقرب مجيء النيل وتركوا الشغل في بمدئها ولم يترك الشغل في منتهاها عند الاسكندرية بالقرب من عامود السواري فحفورا هناك منبتها وهي بركة متسعة وحوطوها بالبناء المحكم المتين وهي مرسى المراكب التي تعبر منها الى الاسكندرية بدلا عن البعاز وهو ملتقى البحرين وما يقع فيه من تلف المراكب فتكون هذه اسلم واقرب واقل كلفة ان صحت بل واقرب مسافة ونزل الامر لكشاف الاقاليم بجمع الفلاحين والرجال على حساب مزارع القدادين فيحصون رجال القرية المزارعين ويدفعون للشخص الواحد عشرة ريالات ويخصم له مثلها من المال واذا كان له شريك واحب المقام لاجل الزرع الصيفي اعطاه حصته وزاده عليها حتى يرضي خاطره وزوده بما يحتاج اليه ايضا وعند العمل يدفع لكل شخص قرش في كل يوم ويخرج اهل القرية افواجا ومعهم انفار من مشايخ البلاد ويجتمعون في المكان المأمورين باجتماعهم فيه ثم يسيرون مع الكاشف الذي بالناحية ومعهم طبول وزمور وبيارق ونجارون وبناؤن وحدادون وفرضوا على البلاد التي فيه النخيل غلقانا ومقاطف وعراجين وسلبا وعلى البنادر فؤسا ومساحي شيء كثير بالثمن وطلبوا ايضا طائفة الغواصين لأنهم كانوا

اذا تسفلوا في قطع الارض في بعض المواضع منها ينبع الماء قبل الوصول الى الحد المطلوب
وفي يوم الخميس عشرينه ورد مرسوم من الباشا بعزل كتخدا بك عن منصب الكتخدائية وتولية محمود بك فيها عوضا عنه وحضر محمود بك في ذلك اليوم قادما من الاسكندرية وطلع الى القلعة وحضر ايضا حسن باشا وكان قد ذهب الى الاسكندرية ليسلم على الباشا لكونه كان بالديار الحجازية المدة المديدة وحضر الى مصر والباشا بالإسكندرية فتوجه اليه واقام معه اياما وعاد الى مصر صحبة محمود بك وحضرايضا ابراهيم افندي من اسلامبول وهو ديوان افندي الباشا فتقلد في نظر الاطيان والرزق والالتزام عوضا عن محمود بك

واستهل شهر جمادي الاولى سنة

في سابعه يوم الخميس ضربت مدافع كثيرة وقت الشروق بسبب ورود نجابة من الديار الحجازية باستيلاء خليل باشا على يمن الحجاز صالحا
و فيه وصلت الاخبار ايضا عن عبد الله بن مسعود انه لما وصل الى اسلامبول طافوا به البلدة وقتلوه عند باب همايون وقتلوا اتباعه ايضا في نواح متفرقة فذهبوا مع الشهداء
و فيه اشيع وصول قابجي كبير من طرف الدولة يقال له قهوجي باشا الى الاسكندرية وورد الامر بالاستعداد لحضوره مع الباشا فطلعوا بالمطابخ الى ناحية شبرا وطلبت الخيول من الربيع واستمر خروج العساكر ودخولهم وكذلك طبخ الاطعمة وفي كل يوم يشيعون الورود فلم يأت احد ثم ذكروا ان ذلك القابجي حين قرب من الاسكندرية رده الريح الى رودس واستمر هذا الريح الى اخر الشهر
وفيه قوي الاهتمام بأمر حفر الترعة المتقدم ذكرها وسبقت الرجال والفلاحون من الاقاليم البحرية وجدوا في العمل بعدما حددوا لكل اهل اقليم اقصابا توزع على اهل كل بلد من ذلك الاقليم فمن اتم عمله المحدود

انتقل الى مساعدة الآخرين وظهر في حفر بعض الاماكن منها صورة اماكن ومساكن وقيعان وحمام بعقوده واحواضه ومغاطسه ووجد ظروف بداخلها فلوس نحاس كفرية قديمة واخرى لم تفتح لا يعلم مافيها رفعوها للباشا مع تلك
وفي يوم الاربعاء سابع عشرينه حضر الباشا الى شبرا ووصل في اثره قهوجي باشا وعملوا له موكبا في صبيحة يوم الخميس وطلعوا الى القلعة ومع الاغا المذكور ما احضره برسم الباشا وولده ابراهيم باشا الذي بالحجاز وهو خلعتا سمور لكل واحد خلعة وخنجر مجوهر لكل واحد وشلنجان مجوهران وساعة جوهر وغير ذلك وقريء الفرمان بحضرة الجمع وفيه الثناء الكثير على الباشا والعفو عمن بقي من الوهابية وبعد القراءة ضربت مدافع كثيرة وكذلك عند ورودهم واستمر ضرب المدافع ثلاثة ايام في جميع الاوقات الخمس ونزل القابجي المذكور ببيت طاهر باشا ب الأزبكية و حضر أيضا عقبه أطواخ لكل من عباس بك بن طوسون باشا بن الباشا ولأحمد بك ابن طاهر باشا وفي ضمن الفرمان الاذن للباشا بتولية امريات وقبجيات لمن يختار
و في صبحها يوم الجمعة خلع الباشا على اربعة او خمسة من امرائه بقبجيات باشا وهم علي بك السلانكلي قابجي باشا وحسن اغا ازرجانلي كذلك وخليل افندي حاكم رشيد وشريف بك

واستهل شهر جمادي الثانية سنة

و فيه حضر محمد بك الدفتردار من الجهة القبلية فاقام اياما وعاد الى قبلي وفي اواخره رجع الكثير من فلاحين الاقاليم الى بلادهم من الاشرفية وهم الذين اتموا ما لزمهم من العمل والحفر ومات الكثير من الفلاحين من البرد ومقاساة التعب
و في هذا الشهر حصل بعض موت بالطاعون فداخل الناس وهم يسبب ما حدث في اكابر الدولة والنصارى من التحجب وعمل الكورنتينات وهي

التباعد من الملامسة وتبخير الاوراق والمجالس ونحو ذلك

واستهل شهر رجب بيوم الاثنين سنة

في خامسه مات عبود النصراني كاتب الخزينة وكان مشكور السيرة في صناعته وعنده مشاركة ودعوى عريضة ودعوى علم ويتكلم بالمناسبات والآيات القرآنية ويضمن انشاءاته ومراسلاته آيات وامثالا وسجعات واخذ دار القيسرلي بدرب الجنينة وما حولها وانشأها دارا عظيمة وزخرفها وجعل بها بستانا ومجالس مفروشة بالرخام الملون وفساقي وشاذروانات وزجاج بلور وكل ذلك على طرف الميري وله مرتب واسع وكان الباشا يحبه ويثق به ويقول لولا الملامة لقلدته الدفتردارية
و في سابعه حضر الى مصر حاكم يافا المعروف بمحمد بك ابو نبوت معزولا عن ولايته فارسل الى الباشا يستأذنه في الحضور الى مصر فاطلق له الاذن فحضر فانزله بقصر العيني وصحبته نحو الخمسمائة مملوك واجناد واتباع واجتمع بالباشا واجله وسلم عليه واقام معه حصة من الليل ورتب له مرتبا عظيما وعين له ما يقوم بكفايته وكفاية اتباعه فمن جملة ما رتب له ثلاثة الاف تذكرة كل تذكرة بالفين وستمائة نصف فضة في كل شهر وذلك خلاف المعين واللوازم من السمن والخبز والسكر والعسل والحطب والارز والفحم والشمع والصابون فمن الارز خاصة في كل يوم اردبان وللعليق خمسة وعشرون اردبا في كل يوم
و في يوم السبت ثالث عشره سافر قهوجي باشا عائدا الى اسلامبول واحتفل به الباشا احتفالا زائدا وقدم له ولمخدومه وارباب الدولة من الاموال والهدايا والخيول والبن والارز والسكر والشربات وتعابي الاقمشة الهندية وغيرها شيئا كثيرا وكذلك قدم له اكابر الدولة هدايا كثيرة ولأنه لما حضر الى مصر قدم لهم هدايا فقابلوه بأضعافها وعندما سافر احتجب الباشا وامر كل من كان يلازم ديوانه بالانصراف والتحجب فتكرتن منهم من تكرتن في داره ومنهم في القصور وسافر مع قهوجي باشا

سليمان اغا السلحدار وشربتشي باشا وآخرون لتشييعه الى الاسكندرية
وفي يوم الخميس ثامن عشره حضر بواقي الوهابية بحريمهم واولادهم وهم نحو الاربعمائة نسمة واسكنوا بالقشلة التي بالابكية وابن عبد الله ابن مسعود بدر عند جامع مسكة وخواصه من غير حرج عليهم وطفقوا يذهبون ويجيئون ويترددون على المشايخ وغيرهم ويمشون في الاسواق ويشترون البضائع والاحتياجات

واستهل شهر شعبان سنة

وفيه وصل جماعة هجانة من جهة الحجاز وصحبتهم ابن حمود امير يمن الحجاز وذلك انه لما مات ابوه تامر عوضه واظهر الطاعة وعدم المخالفة للدولة فلما توجه خليل باشا الى اليمن اخلى له البلاد واعتزل في حصن له ولم يخرج لدفعه ومحاربته كما فعل ابوه وترددت بينهما المراسلات والمخادعات حتى نزل من حصنه وحضر عند خليل باشا فقبض عليه وارسله مع الهجانة الى مصر و فيه صرفوا الفلاحين عن العمل في الترعة لاجل حصاد الزرع ووجهوا عليهم طلب المال

واستهل شهر رمضان سنة

و الباشا مكرتن بشبرا ولم يطلع الى القلعة كعادته في شهر رمضان
وفي ثامن عشرينه طلع الى القلعة وعيد بها

واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة

وفي رابع عشره الموافق لآخر يوم من شهر ابيب نودي بوفاء النيل وكان الباشا سافر الى جهة الاسكندرية بسبب ترعة الاشرفية وامر حكام الجهات بالارياف بجمع الفلاحين للعمل فأخذوا في جمعهم فكانوا يربطونهم قطارات بالحبال وينزلون بهم المراكب وتعطلوا عن زرع الدراوي الذي هو قوتهم وقاسوا شدة بعد رجوعهم من المرة الاولى بعد ما قاسوا ما قاسوه ومات الكثير منهم من البرد والتعب وكل من سقط اهالوا عليه

من تراب الحفر ولو فيه الروح ولما رجعوا الى بلادهم للحصيدة طولبوا بالمال وزيد عليهم عن كل فدان حمل بعير من التبن وكيله قمع ! وكيلة فول واخذ ما يبيعونه من الغلة بالثمن الدون والكيل الوافر فما هم الا والطلب للعود الى الشغل في الترعة ونزح المياه التي لا ينقطع نبعها من الارض وهي في غاية الملوحة والمرة الاولى كانت في شدة البرد وهذه المرة في شدة الحر وقلة المياه العذبة فينقلونها بالروايا على الجمال مع بعد المسافة وتأخر ري الاسكندرية
و في سابع عشرينه ارتحل ركب الحجاج من البركة واميرالحاج وامير الحاج عابدين بك اخو حسن باشا

واستهل شهر ذي القعدة سنة

و العمل في الترعة مستنر

واستهل شهر ذي الحجة سنة

و في منتصفه سافر الباشا الى الصعيد وسافر صحبته حسن باشا طاهر ومحمد اغا لاظ المنفصل عن الكتخدائية وحسن اغا ازرجانلي وغيرهم من اعيان الدولة
و فيه وصل الخبر بموت سليمان باشا حاكم عكا وهو من مماليك احمد باشا الجزار
و في اواخره وصل ابن ابراهيم باشا وصحبته حريم ابيه فضربوا لوصولهم مدافع وعملوا للصغير موكبا ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة
وانقضت السنة وما تجدد بها من الحوادث التي منها زيادة النيل الزيادة المفرطهةاكثر من العام الماضي وهذا من النوادر وهو الغرق في عامين متتابعين واستمر ايضا في هذه السنة الى منتصف هاتور حتى فات اوان الزراعة وربما نقص قليلا ثم يرجع في ثاني يوم اكثر ما نقص

ودخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين والف

فكان اول المحرم بالهلال يوم الخميس
وفيه وما قبله بايام حصل بالارياف بل وبداخل المدينة انزعاجات بسبب تواتر سرقات واشاعة سروح مناسر وحرامية وعمر الناس ابواب الدور والدروب وحصل منع الناس من المسير والمشي بالازقة من بعد الغروب وصار كتخدا بك واغات التبديل والوالي يطوفون ليلا بالمدينة وكل من صادفوه قبضوا عليه وحبسوه ولو كان مما لا شبهة فيه واستمر هذا الحال الى اخر الشهر
و في سابع عشرينه حضر الباشا من الصعيد بعد ان وصل في سرحته الى الشلال وكان الناس تقولوا على ذهابه الى قبلي اقاويل منها انه يريد التجريد على بواقي المصريين المنقطعين بدنقلة فانهم استفحل امرهم واستكثروا من شراء العبيد وصنعوا البارود والمدافع وغير ذلك ومنها انه يريد التجريد ايضا واخذ بلاد دار فور والنوبة ويمهد طريق الوصول اليها ومنها انهم قالوا انه ظهر بتلك البلاد معدن الذهب والفضة والرصاص والزمرد وان ذهابه للكشف على ذلك وامتحانه وعمل معدله ومقدار ما يصرف عليه حتى يستخرج صافيه وبطل كل ما توهموه وخمنوه برجوعه واما قولهم عن هذه المعادن فالذي تلخص من ذلك انه ظهر بارض احجار خضر تشبه الزمرد وليست اياه وبما كان آخر شيء اسود مخرفش مثل خرء الحديد يخرج منه بعد العلاج والتصفية رصاص قليل فقد اخبرني اخونا الشيخ عمر الناوي المعروف بالمخلصي انه اخذ منه قطعة وذهب بها الى الصائغ ودقها ووضعها في بوط كبير وساق عليها بنار السبك وانكسر البوط فنقلها الى بوط آخر ولم يزل يعالجها بطول النهار واحرق عليها زيادة عن القنطار من الفحم
و فيه حضر ايضا جماعة من الوهابية وانزلوا بدار بحارة عابدين

واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة

في غرته سافر محمد اغا المعروف بأبو نبوت الشامي الى دار السلطنة

باستدعاء من الدولة وذلك انه لما حضر الى مصر ونزل برحاب الباشا كما تقدم وكاتب الباشا في شأنه الى الدولة فحضر الامر بطلبه واوكد بالإكرام فعند ذلك هيأ له الباشا ما يحتاج اليه من هدية وغيرها وتعين للسفر صحبته خمسة وثلاثون شخصا ارسل اليهم الباشا كساوي وفراوي وترك باقي اتباعه بمصر انزلوهم في دار بسويقة اللالا وهم يزيدون عن المائتين ويصرف لهم الرواتب في كل يوم والشهرية
و فيه وصل جماعة من عسكر المغاربة والعرب الذين كانوا ببلاد الحجاز وصحبتهم اسرى من الوهابية نساء وبنات وغلمانا نزلوا عندالهمايل وطفقوا يبيعونهم على من يشتريهم مع انهم مسلمون واحرار
و في منتصفه مات مصطفى اغا وكيل دار السعادة سابقا ومات ايضا الشيخ عبد الرحن القرشي الحنفي
وفي سابع عشره وصل الحاج المصري ومات الكثير من الناس فيه بالحمى وكذلك كثرت الحمى بارض مصر وكأنها تناقلت من ارض الحجاز
و في حادي عشرينه وصل ابراهيم باشا ابن الباشا من ناحية القصير وكان قبل وروده بأيام وصل خبر وصوله الى القصير وضربوا لذلك الخبر مدافع من القلعة وغيرها ورمحت المبشرون لأخذ البقاشيش من الاعيان واجتمعت نساء اكابرهم عند والدته ونسائهم للتهنئة ونظموا له القصر الذي كان انشأه ولي خوجة وتممه شريف بك الذي تولى في منصبه وهو بالروضة بشاطئ النيل تجاه الجيزة وعند وصول المذكور عملوا جسرا من الروضة الى ساحل مصر القديمة على مراكب من البر الى البر وردموه بالاتربه من فوق الاخشاب
و في ذلك اليوم وصل قابجي من دار السلطنة بالبشارة بمولود ولد لحضرة السلطان وطلع الى القلعة في موكب
وفي يوم الخميس حادي عشرينه وعند وصول ابراهيم باشا نودي بزينة المدينة سبعة ايام بلياليها فشرع الناس في تزيين الحوانيت والدور والخانات

بما امكنهم وقدروا عليه من الملونات والمقصبات واما جهات النصارى وحاراتهم وخاناتهم فانهم ابدعوا في عمل تصاوير مجسمات وتماثيل واشكال غريبة وشكا الناس من عدم وجود الزيت والشيرج فرسموا بجملة قناطير شيرج تعطى للزياتين لتباع على الناس بقصد ذلك وياخذونها ويبيعونها بأغلى ثمن بعد الانكار والكتمان
و لما اصبح يوم الجمعة وقد عدى ابراهيم باشا الى بر مصر رتبوا له موكبا ودخل من باب النصر وشق المدينة وعلى رأسه الطلخان السليمي من شعار الوزارة وقد ارخى لحيته بالحجاز وحضر والده الى جامع الغورية بقصد الفرجة على موكب ابنه وطلع بالموكب الى القلعة ثم رجع سائرا بالهيئة الكاملة الى جهة مصر القديمة ومر على الجسر وذهب الى قصره المذكور بالروضة واستمرت الزينة والوقود والسهر باليل وعمل الحراقات وضرب المدافع في كل وقت من القلعة ومغاني وملاعب في مجامع الناس سبعة ايام بلياليها في مصر الجديدة والقديمة وبولاق وجميع الاخطاط ورجع ابراهيم باشا من هذه الغيبة متعاظما في نفسه جدا وداخله من الغرور مالا مزيد عليه حتى ان المشايخ لما ذهبوا للسلام عليه والتهنئة بالقدوم فلما اقبلوا عليه وهو جالس في ديوانه لم يقم لهم ولم يرد عليهم السلام فجلسوا وجعلوا يهنئونه بالسلامة فلم يجبهم ولا بالاشارة بل جعل يحادث شخصا سخرية عنده وقاموا على مثل ذلك منصرفين ومنكسفين ومنكسري الخاطر

واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاحد سنة

في ثامنه مات ابن ابراهيم باشا وهو الذي تقدمه في المجيء الى مصر وعملوا له الموكب وعمره نحو ست سنوات وكان موته في اول الليل من ليلة الاحد فأرسلوا التنابيه لاعيان الدولة والمشايخ فخرج البعض منهم في ثلث الليل الاخير الى مصر القديمة حيث المعادي لانه مات بقصر الجيزة فما طلع النهار حتى ازدحموا بمصر القديمة وما حضروا به الا قرب الزوال

وانجروا بالمشهد الى دفنهم بالقرب من الامام الشافعي وعملوا له مأتما وفرقوا دراهم على الناس والفقهاء وغير ذلك ثم حكى المخبرون عن كيفية موته انه كان نائما في حجر دادته جارية سوداء فشاجرتها جارية بيضاء ورفصتها برجلها فأصابت الغلام فاضطرب ووصل الخبر الى ابيه فدخل اليهم وقبض على الجواري الحاضرات وحبسهن في مكان بالقصر وقال ان مات ولدي قتلتكن عن اخركن فمات من ليلته فحنق الجميع والقاهن في البحر بما فيهن الدادة قيل انهن وخمسة قيل ستة والله اعلم
وفي اواخره انقضى امر الحفر بترعة الاسكندرية ولم يبق من الشغل الا القليل ثم فتحوا لها شرما خلاف فمها المعمول خوفا من غلبة البحر فجرى فيها الماء واختلط بالمياه المالحة التي نبعت من ارضها وعلا الماء منها على بعض المواطن المسجنة وبها روبة عظيمة وساح على الارض وليس هناك جسور تمنع وصادف ايضا وقوع نوة واهوية على فيها البحر المالح على الجسر الكبير ووصل الى الترعة فأشيع في الناس ان الترعة فسد امرها ولم تصح وان المياه المالحة التي منها ومن البحر غرقت الاسكندرية وخرج اهلها منها الى ان تحقق الخبر بالواقع وهو دون ذلك ورجع المهندسون والفلاحون الى بلادهم بعد ما هلك معظمهم
واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1235
في اوله عزل الباشا محمد بك الدفتردار عن امارة الصعيد وقلد عوضه احمد باشا ابن طاهر باشا وسافر في خامسه
وفي سابعه سافر الباشا الى الاسكندرية للكشف على الترعة وسافر صحبته ابنه ابراهيم باشا ومحمد بك الدفتردار والكتخدا القديم ودبوس اوغلي
وفي ثالث عشره حضر الباشا ومن معه من غيبتهم وقد انشرح خاطره لتمام الترعة وسلوك المراكب وسفرها فيها وكذلك سافرت فيها مراكب وشيد والنقاير بالبضائع واستراحوا من وعر البغاز والسفر في المالح الى

الاسكندرية والنقل والتجريم وانتظار الريح المناسب لاقتحام البغاز والبحر الكبير ولم يبق في شغل الترعة الا الامر اليسير واصلاح بعض جسورها واتفق وقوع حادثة في هذا الشهر وهو ان شخصا من الافرنج الانكليز ورد من الاسكندرية وطلع الى بلدة تسمى كفر حشاد فمشى بالغيط ليصطاد الطير فضرب طيرا ببندقته فأصابت بعض الفلاحين في رجله وصادف هناك شخصا من الارنؤد بيده هراوة او مسوقة فجاء الى ذلك الافرنجي وقال له اما تخشى ان يأتي اليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا واشار بهما في يده على رأس الافرنجي لكونه لايفهم لغته فاغتاظ من ذلك الافرنجي وضربه ببندقته فسقط ميتا فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الافرنجي ورفعوا الارنؤدي المقتول حضروا الى مصر وطالبوا بمجلس كتخدا بك واجتمع الكثير من الارنؤد وقالوا لابد من قتل الافرنجي فاستعظم الكتخدا ذلك لانهم يراعون جانب الافرنج الى الغاية فقال حتى نرسل لى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم في ذلك وارسل بإحضارهم وقد تكاثر الارنؤد واخذتهم الحمية وقالوا لاي شئ تؤخر قتله الى مشورة القناصل وان لم يقتل هذا في الوقت نزلنا الى حارة الافرج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الافرنج فلم يسع الكتخدا الا ان امر بقتله فنزلوا به الى الرميلة وقطعوا رأسه وطلع ايضا القناصل في كبكبتهم وقد نفذ الامر وكان ذلك في غيبة الباشا
واستهل شهر جمادي الاولى سنة 1235
فيه جرد الباشا حسن بك الشماشرجي حاكم البحيرة على سيوة من الجهة القبلية فتوجه اليها من البحيرة بجنده ومعه طائفة من العرب
وفيه قوي عزم الباشا على الاغارة على نواحي السودان فمن قائل انه متوجه الى سنار ومن قائل الى دار فور وساري العسكر ابنه اسمعيل باشا وخلافه ووجه الكثير من اللوازم الى الجهة القبلية وعمل البقسماط والذخيرة ببلاد قبلي والشرقية واهتم اهتماما عظيما وارسل ايضا بإحضار

مشايخ العربان والقبائل
وفيه خرج الباشا الى ناحية القليوبية حيث الخيول بالربيع وخرج محو بك لضيافته بقلقشندة واخرج خياما وجمالا كثيرة محملة بالفرش والنحاس والات المطبخ والارز والسمن والعسل والزيت والحطب والسكر وغير ذلك واضافه ثلاثة ايام وكذلك تأمر كاشف الناحية وغيره وكذلك احضر له ضيافة ابن شديد شيخ الحويطات وابن الشواربي كبير قليوب وابن عسر وكان صحبة الباشا ولداه ابراهيم باشا واسمعيل باشا وحسن باشا
وفي اثناء ذلك ورد الخبر بموت عابدين بك اخو حسن باشا بالديار الحجازية وكذلك الكثير من اتباعه بالحمى فتكدر حظهم وبطلت الضيافات وحضر الباشا ومن معه في اواخره لعمل العزاء والميتم واخبر الواردون بكثرة الحمى بالديار الحجازية حتى قالوا انه لمب يبق من طائفة عابدين بك الا القليل جدا
واستهل شهر جمادي الثانية سنة 1235
في عشرينه وردت هدية من والي الشام فيها من الخيول الخاص عشرة بعضها ملبس والباقي من غير سروج واشياء اخر لانعلمها
وفي اواخره ورد الخبر بان حسن بك الشمشارجي استولى على سيوة
وفيه ورد الخبر بأنه وقع بإسلامبول حريق كثير
وفيه ورد الخبر ايضا عن حلب بأن احمد باشا المعروف بخورشيد الذي كان سابقا والي مصر استولى على حلب وقتل من اهلها واعيانها اناسا كثيرة وذلك انه كان متوليا عليها فحصل منه ما اوجب قيام اهل البلدة عليه وعزلوه واخرجوه وذلك من مدة سابقة فلما اخرجوه اقام خارجها وكاتب الدولة في شأنهم وقال ماقال في حقهم فبعثوا اوامر ومراسيم لولاة تلك النواحي بأن يتوجهوا لمعونته على اهل حلب فاحتاطوا بالبلدة وحاربوها اشهرا حتى ملكوها وفتكوا في اهلها وضربوا عليهم ضرائب عظيمة وهم على ذلك

وفي اواخره ايضا تقلد اغاوية مستحفظان مصطفى اغا كرد مضافة للحسبة عوضا عن حسن اغا الذي توفي في الحج فأخذ يعسف كعادته في مبادئ توليته للحسبة وجعل يطوف ليلا ونهارا ويحتج على المارين بالليل بادنى سبب فيضرب من يصادفه راجعا من سهر ونحوه او يقطع من اذنه او انفه
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1235
في ثالثه تقلد نظر الحسبة شخص يسمى حسين اغا المورلي وهو بخشونجي بساتين الباشا
وفيه رجع حسن بك الشماشرجي من ناحية سيوة بعد ان استولى عليها وقبض من اهاليها مبلغا من المال والتمر وقرر عليها قدرا يقومون به في كل عام الى الخزينة
وفي عشرينه سافر محمد اغا لاظ وهو المنفصل عن الكتخدائية الى قبلي بمعنى انه في مقدمة الجردة يتقدمها الى الشلال
وفي اواخره وصل الخبر بموت خليل باشا بالديار الحجازية فخلع الباشا على اخيه احمد بك وهو ثالث اخوته وهو اوسطهم وقلده في منصب اخيه عوضا عنه واعطى البيرق واللوازم
وفي اواخره توجه الباشا الى ناحية الوادي لينظر ما تجدد به من العمائر والمزارع والسواقي وقد صار هذا الوادي اقليما على حدته وعمر به قرى ومساكن ومزارع
واستهل شهر شعبان بيوم الاحد سنة 1235
فيه سافر ابراهيم باشا الى القليوبية ثم الى المنوفية والغربية لقبض الخراج عن سنة تاريخه والطلب بالبواقي التي انكسرت على الفقراء وكان الباشا سامح في ذلك وتلك بواقي سبع سنين فكان يطلب مجموع ما على القرية من المال والبواقي في ظرف ثلاثة ايام ففزعت الفلاحون ومشايخ البلاد وتركوا غلالهم في الاجران وطفشوا في النواحي بنسائهم واولادهم وكان يحبس من يجده من النساء ويضربهن فكان مجموع المال المطلوب

تحصيله على ما اخبرني به بعض الكتاب مائة الف كيس
وفي منتصفه حضر الباشا من ناحية الوادي
وفي اواخره وقع حريق ببولاق في مغالق الخشب التي خلف جامع مرزة واقام الحريق نحو يومين حتى طفئ واحترق فيه الكثير من الخشب المعد للعمائر المعروف بالكرسنة والزفت وحطب الاشراق وغيره
واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين سنة 1235
والاهتمام حاصل وكل قليل يخرج عساكر ومغاربة مسافرين الى بلاد السودان ومن جملة الطلب ثلاثة انفار من طلبة العلم يذهبون بصحبة التجريدة فوقع الاختيار على محمد افندي الاسيوطي قاضي اسيوط والسيد احمد البقلي الشافعيين والشيخ احمد السلاوي المغربي المالكي واقبضوا محمد افندي المذكور عشرين كيسا وكسوة ولكل واحد من الاثنين خسمة عشر كيسا وكسوة ورتبوا لهم ذلك في كل سنة
وفي سابعه وقع حريق في سراية القلعة فطلع الاغا والوالي واغات التبديل واهتموا بطفئ النار وطلبوا السقائين من كل ناحية حتى شح الماء ولا يكاد يوجد وكان ذلك في شدة الحر وتواقق شهر بؤتة ورمضان واقاموا في طفء النار يومين واحترق ناحية ديوان كتخدا بك ومجلس شريف بك وتلفت اشياء وامتعة ودفاتر حرقا ونهبا وذلك ان ابنية القلعة كانت من بناء الملوك المصرية بالاحجار والصخور والعقود وليس بها الا القليل من الاخشاب فهدموا ذلك جميعه وبنوا مكانه الابنية الرقيقة واكثرها من الحجنة والاخشاب على طريق بناء اسلامبول والافرنج وزخرفوها وطلوها بالبياض الرقيق والادهان والنقوش وكله سريع الاشتعال حتى ان الباشا لما بلغه هذا الحريق وكان مقيما بشبرا تذكر بناء القلعة القديم وما كان فيه من المتانة ويلوم على تغيير الوضع السابق ويقول انا كنت غائبا بالحجاز والمهندسون وضعوا هذا البناء وقد تلف في هذا الحريق ما ينيف عن خمسة وعشرين الف كيس حرقا ونهبا ولما حصل هذا

الحريق انتقلت الدواوين الى بيت طاهرباشا بالازبكية وانقضى شهر رمضان
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1235
وقع في تلك الليلة اضطراب في ثبوت الهلال لكونه كان عسر الرؤية جدا وشهد اثنان برؤيته ورد الواحد ثم حضر آخر ولم يزالوا كذلك الى آخر الليل ثم حكم به عند الفجر بعد ان صليت التراويح واوقدت المنارات وطاف المسحرون بطبلاتهم وتسحرت الناس واصبح العيد باردا
وفي خامسه سافر الباشا الى ثغر الأسكندرية كعادته واقام ولداه ابراهيم باشا للنظر في الاحكام والشكاوي والدعاوي وكانت اقامته بقصره الذي انشأه بشاطئ النيل تجاه مضرب النشاب وتعاظم في نفسه جدا ولما رجع ابراهيم باشا من سرحته شرعوا في عمل مهم لختان عباس باشا ابن اخيه طوسون باشا وهو غلام في السادسة فشرعوا في ذلك في تاسع عشرة ونصبوا خياما كثيرة تحت القصر وحضرت ارباب الملاعيب والحواة والمفزلكون والبهلوانيون وطبخت الاطعمة والحلواء والاسمطة واوقدت الوقدات بالليل من المشاعل والقناديل والشموع بداخل القصر وتعاليق النجفات البلور وغير ذلك ورسموا باحضار غلمان اولاد الفقراء فحضر الكثير منهم واحضروا المزينين فختنوا في اثناء ايام الفرح نحو الاربعمائة غلام ويفرشون لكل غلام طراحة ولحافا يرقد عليها حتى يبرأ 2 جرحه ثم يعطى لكل غلام كسوة والف نصف فضة وفي كل ليلة يعمل شنك وحراقات ونفوط ومدافع بطول الليل ودعوا في اثناء ذلك كبار الاشياخ والقاضي والشيخ السادات والبكري وهو نقيب الاشراف ايضا والمفاتي وصار كل من دخل منهم يجلسونه من سكوت ولم يقم لواحد منهم ولم يرد على من يسلم ولا بالاشارة السلام ولم يكلمهم بكلمة يؤانسهم بها وحضرت المائدة فتعاطوا الذي تعاطوه حتى انقضى المجلس وقاموا وانصرفوا من سكوت
وفي يوم الاربعاء ثالث عشرينه خرجوا بالمحمل الى الحصوة وامير

الحاج شخص من الدلاة لم نعرف اسمه
وفي يوم الخميس عملوا الزفة لعباس باشا ونزلوا به من القلعة على الدرب الاحمر على باب الخرق الى القصر وختنوه في ذلك اليوم وامتلا طشت المزين الذي ختنه بالدنانير من نقوط الاكابر والاعيان وخلعوا عليه فروة وشال كشميري وانعموا على باقي المزينين بثلاثين كيسا وانقضى ذلك
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي او في النيل اذرعة وكسر السد في صبحها يوم الاربعاء وجرى الماء في الخليج وذلك بحضرة كتخدا بك والقاضي
وفي هذا الشهر حضر طائفة من بواقي الامراء المصرية من دنقلة الى بر الجيزة وهم نحو الخمسة وعشرين شخصا وملابسهم قمصان بيض لا غير فأقاموا في خيمة ينتظرون الاذن وقد تقدم منهم الارسال بطلب الامان عند ما بلغهم خروج التجاريد وحضر ابن علي بك ايوب وطلب امانا لابيه فاجيبوا الى ذلك وارسل لهم امانا لاجمعهم ما عدا عبد الرحمن بك والذي يقال له المنفوخ فليس يعطيهما امانا ولما حضرت مراسله الامان لعلي بك ايوب وتأهب للرحيل حقدوا عليه وقتلوه ووصل خبر موته فعملوا نعيه في بيته سكن زوجته الكائن بشمس الدولة واكثروا من الندب والصراخ عدة ايام
وفي هذا الشهر ايضا حضر اشخاص من بلاد العجم وصحبتهم هدية الى الباشا وفيها خيول فأنزلوهم ببيت حسين بك الشماشرجي بناحية ستوفة العزى

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الخميس سنة

في رابعه يوم الاحد وصل قابجي وعلى يده مرسوم تقرير للباشا بولاية مصر على السنة الجديدة وتقرير اخر لولده ابراهيم باشا بولاية جدة وركب القابجي المذكور في موكب من بولاق الى القلعة وقرئت المراسلين بحضرةكتخدا بك وابراهيم باشا واعيانهم وضربوا مدافع

وفيه سافر اسمعيل باشا الى جهة قبلي وهو امير العسكر المعينة لبلاد النوبة كل ذلك والباشا الكبير على حاله بالاسكندرية

واستهل شهر ذي الحجة سنة

فيه توجه ابراهيم باشا الى ابيه بالاسكندرية فاقام هناك اياما وعاد في اخر الشهر فأقام بمصر اياما قليلة وسافر الى ناحية قبلي ليجمع ما يجده عند الناس من القمح والفول والعدس الثلاثة اصناف واخذوا كل سفينة غصبا وساقوا الجميع الى قبلي لحمل الغلال وجمعها في الشون البحرية لتباع على الافرنج والروم بالاثمان الغالية وانقضت السنة
ومن حوادثها زيادة النيل الزيادة المفرطة وخصوصا بعد الصليب وقد كان حصل الاعتناء الزائد بأمر الجسور بسبب ما حصل في العامين السابقين من التلف فلما حصلت هذه الزيادةبعد الصليب وطف الماء على اعلى الجسور وغرق مزارع الذرة والنيلة والقصب والارز والقطن واشجار البساتين وغالب اشجار الليمون والبرتقال بما عليها من الثمار وصار الماء ينبع من الارض الممنوعة نبعا ولا عاصم من امر الله وطال مكث الماء على الارض حتى فات اوان الزراعة ولم نسمع ولم نر في خوالي السنتين تتابع الغرقات بل كان الغرق نادر الحصول وعلماء الخليج حتى سد غالب فرجات القناطر ونبع الماس من الاراضي الواطية القريبة من الخليج مثل غيط العدة وجامع الامير حسين ونحو ذلك
ومنها ان ترعة الاسكندرية المحدثة لما تم حفرها وسموها بالمحمودية على اسم السلطان محمود فتحوا لها شرما دون فمها المعد لذلك وامتلات بالماء فلما بدأت الزيادة فزادت وطف الماء في المواضع الوطية وغرقت الاراضي فسدوا ذلك الشرم وابقوا من داخله فيها عدة مراكب للمسافرين فكانوا ينقلون منها الى مراكب البحر ومن البحر الى مراكبها وبقي ماؤها مالحا متغيرا واستمر اهل الثغر في جهد من قلة الماء العذب وبلغ ثمن الراوية قرشين

ومنها انه لما وقع القياس في أراضى القرى قرروا مسموحا لمشايخ البلاد في ظنير مضايقهم خمسة افدنة من كل مائة فدان وفي هذا العام يدفع مال المسوح سنتين وذلك عقب مطالبتهم بإخراج قبل أوانه وما صدقوا انهم غلقوه ببيع غلالهم بالنسيئة والاستدانة وبيع المواشي والامتعه ومصاغ النساء وكانوا أيضا طولبوا بالبواقي في السنين الخوالي التي كانوا عجزوا عنها ولم يزك رمي الغلال في هذه السنة وكذلك الفول وثمر النخيل والفواكهة ولما طولب مشايخ البلاد بمال المسوح ازداد كريهم فإنه ربما يجئ على الواحد آلف ريال واقل واكثر وقد قاسوا الشدائد في غلاق الخراج الخارج عن الحد وعدم زكاء الزرع وغرق مزارع النيلة والأرز والقطن والقصب والكتان وغير ذلك
وفي اثر ذلك فرضوا على الجواميس كل راس عشرون قرشا وعلى الجمل ستون قرشا وعلى الشاة قرش والرأس من المعز سبعة وعشرون نصف وثلث والبقرة خمسة عشر والفرس كذلك
ومنها احتكار الصابون ويحجز جميع الوارد على ذمة الباشا ثم سمومح تجارة بشرط آن يكون جميع صابون الباشا ومرتباته ودائرته من غير ثمن وهو شئ كثير ويستقر ثمنه على ستين نصفا بعد آن كان بخمسين جردا من غير نقو
ومنها ما أحدثه على البلح بأنواعه وما يجلب من الصعيد واليا الأبريمي وأنواع العجوة حتى جريد النخل والليف والخوص يؤخذ جميع ذلك بالثمن القليل ويباع ذلك للمتسببين بالثمن الزائد وعلى الناس بازيد من ذلك وفي هذه السنة لم تثمر النخيل الآم القليل جدا ولم يظهر البلح الأحمر في أيام وفرته ولم يوجد بالأسواق الآم أياما قليلة وهو شئ ردئ وبسر ليس بجيد ورطله بخمسة أنصاف وهي ثمن العشرة أرطال في السابق وكذلك العنب لم يظهر منه الآم القليل وهو الفيومي والشرقاوي وقد التزم به من يعصره شرابا بأكياس كثيرة مثل غيره من الأصناف وغير ذلك

جزئيات لم يصل ألينا علمها ومنها ما وصل ألينا علمها واهملنا ذكرها
ومنها آن حسن باشا سافر آلي الجهة القبلية وصحبته بعض الإفرنج الذين كان رخص لهم الباشا السياحة والغوص باراضي الصعيد والفحص وفحر الأراضي والكهوف والبرابي واستخراج الآثار القديمة والأمم السالفة من التماثيل والتصاوير ونواويس الموتى وقطع الصخور بالبارود واشعاوا انه ظهر لهم شئ مخرفش يشبه خرء الرصاص آو الحديد وبه بعض بريق ذكروا انه معدن إذا تصفى خرج منه فضة وذهب واخبرني بعض من اثق بخبره انه اخذ منه قطعة تزيد في الوزن على رطلين وذهب بها عند رجل صائغ فاوقد عليها نحو قنطار من الفحم بطول النهار فخرج منها في آخر الآمر وهو ينقلها من بوط آلي آخر بعد كسره قطعة مثل الرصاص قدر الأوقية وذكروا أيضا آن الجبل أحجارا سوداء مثل الفحم وذلك انهم آتوا بمثل ذلك من بلاد الإفرنج واوقدها بالضربخانة كريهة الرائحة مثل الكبريت والا تصير رمادا بل تبقى على حجريتها مع تغير اللون ويحتاج آلي نقلها آلي الكيمان وقالوا آن بداخل جبال الصعيد كذلك فسافر حسن باشا بقصد استخراج هذه الأشياء وامثالها فأقام نحو ثلاثة اشهر وذلك بأمر الباشا الكبير وهم يكسرون الجبل بالبارود فظهر بالجبل بجس يسيل منه دهن اسود بزرقة ورائحته زنخة كبريتية يشبه النفط وليس هو وآتوا بشيء منه آلي مصر أوقدوا منه في السرج فملؤا منه سبعة مصافي وانقطع أشيع في الناس قبل تحقق صورته بل وصلت مكاتبات بأنه خرج من الجبل عين تسيل بالزيت الطيب ولا ينقطع جريانها يكفي مصر واقطاعها بل والدنيا أيضا واخبرني بعض اتباعهم آن الذي صرف في هذه المرة نحو الألفي كيس
ومن حوادث هذه السنة الخارجة عن ارض مصر آن السلطان محمود تغير خاطره على علي باشا المعروف بتية رنلي حاكم بلاد الارنؤد وجرد عليه العساكر ووقع لهم معه حروب ووقائع واستولوا على اكثر البلاد

التي تحت حكمه وتحصن هو في قلعة منيعة وعلى باشا هذا في مملكة واسعة وجنود كثيرة وله عدة اولاد متآمرين كذلك وبلادهم بين بلاد الرومنلي والنمسا ويقال ان بعض اولاده دخل تحت الطاعة ووكذلك الكثير من عساكره وبقي الامر على ذلك ودخل الشتاء وانقضت السنة ولم يتحقق عنه خبر
ومنها امر المعاملة وما يقع فيها منن التخليط والزيادة حتى بلغ صرف الريال الفرانسة اثني عشرة قرشا عنها اربعمائة وثمانون نصفا والبندقي الف فضة وكذلك المجر الفندقلي الاسلامي سبعة عشر قرشا والقرش الاسلامبولي بمعنى المضروب هناك المنقول الى مصر يصرف بقرشين وربع يزيد عن المصري ستين نصفا وكذلك الفندقلي الاسلامبولي يصرف في بلدته باحد عشرة قرشا وبمصر بسبعة عشر كما تقدم فتكون زيادة ستة قروش وكذلك الفرانسا في بلادها تصرف بأربعة قروش وبإسلامبول بسبعة وبمصر باثني عشر واما الانصاف العددية التي تذكر في المصارفات فلا وجود لها اصلا الا في النادر جدا واستغنى الناس عنها لغلو الاثمان في جميع المبيعات والمشتروات وصار البشلك الذي يقال له الخمساوية أي صرفه خمسة انصاف هي بدل النصف لانه لما بطل ضرب القروش بضربخانة مصر وعوض عنها نصف القرش وربعه وثمنه الذي هو البشلك ولم يبق بالقطر الا ما كان موجودا قبل وهو كثير يتناقل بأيدي الناس واهل القرى ويعود الى الخزينة ويصرف في المصارف والمشاهرات وعلائف العساكر وكذلك يشترون لوازمهم فتذهب وتعود وهكذا تدور مع الفلك كلما دار ويصرف القرش عند الاحتياج الى صرفه بسبعة من البشلك بنقص الثمن فباعتبار كونها في مقام النصف يكون القرش بسبعة انصاف لاغير وباعتبار ذلك يكون الالف فضة بمائة وخمسة وسبعين فضة لان الخمسة وعشرين قرشا التي هي بدل الالف اذا نقصت في المصارفة الثمن تكون احدى وعشرين واذا ضربنا السبعة في الخمسة وعشرين كانت مائة وخمسة

وسبعين وفيها من الفضة الخالصة ستة دراهم لاغير واوزان هذه القطع مختلفة لاتجد قطعة وزن نظيرتها وفي ذلك فرط اخر والقليل في الكثير كثير والذي ادركناه في الزمن السابق ان هذه القروش لم يكن لها وجود بالقطر المصري البتة واول من احدثها بمصر علي بك القازدغلي بعد الثمانين ومائة والف عندما استفحل امره واكثر من العساكر والنفقات واظهر العصيان على الدولة ولما استولى محمد بك المعروف بأبي الذهب ابطلها رأسا من الاقليم وخسر الناس بسبب ابطالها حصة من اموالهم مع فرحهم بابطالها ولم يتأثروا بتلك الخسارة لكثرة الخير والمكاسب ولم يبق من اصناف المعاملة الا انواع الذهب الاسلامي ولافرنجي والفرانسة ونصفه وربعه والفضة الصغيرة التي يقال لها نصف فضة مع رخاء الاسعار وكثرة المكاسب ويصرف هذا النصف بعدد من الافلس النحاس التي يقال لها الجدد اما عشراو اثنا عشر اذا كانت مضروبة ومختومه او عشرين اذا كانت صغيرة وبخلاف ذلك ويقال لها السحاتة فكان غالب المحقرات يقضي بهذه الجدد بل وخلاف المحقرات وفي البيع والشراء وكان يجلب منها الكثير مع الحجاج المغاربه في المخالي ويبعونها على اهل الاسواق بوزن الارطال ويربحون فيها فكان الفقير او الاجير اذا اكتسب تصفا وصرفه بهذه الجدد كفاه نفقة يومه مع رخاء الاسعار ويشترى منها خبزا وادما واذا احتاج الطابخ لوزام الطبخة في التقلية اخذ من البقال البصل والثوم والسلق والكسبرة والبقدونس والفجل والكراث والليمون الصنف او الصنفين او الثلاثة بالجديد الواحد وقد انعدمت هذه الجدد بالكلية واذا وجدت فلا ينتفع بها اصلا وصار النصف الفضة بمنزلة الجديد النحاس ولا وجود له ايضا وصارت الخمساوية بمنزلة النصف بل واحقر لانه كان يصرف بعدد كثير من الجدد وهذه بخمسة فقط فإذا اخذ الشخص شيئا من المحقرات بنصف او نصفين او ثلاثة ماكان يؤخذ بجديد او جديدين لم يجد عند البائع بقية الخمساوية فأما يترك الباقي لوقت احتياج اخر ان كان

يعرفه والا تعطلا واذا كان الانسان بالسوق ولحقه العطش فيشرب من السقاء الطواف ويعطيه جديدا او يملا صاحب الحانوت ابريقه بجديد وفي هذه الايام اذا كان الشخص لم يكن معه بشلك يشرب به والا بقي عطشان حتى يشرب من داره ولايهون عليه ان يدفع ثمن قربة في شربة ماء وذلك لعدم وجود النصف وكذلك الصدقة على الفقراء وامثالهم وقد كان الناس من ارباب البيوت اذا زاد بعد ثمن اللحم والخصار نصف يسألون الخادم في اليوم الثاني عنه لكونه نصف المصروف ويحاسبونه عليه وكان صاحب العيال وذوو البيوت المحتوية على عدة اشخاص من عيال وجوار وخدم اذا ادخر الغلة والسمن والعسل والحطب ونحو ذلك يكفيه في مصرف يومه العشرة انصاف في ثمن اللحم والخضار وخلافه واما اليوم فلا يقوم مقامها العشرة قروش وازيد لغلو الاسعار في كل شئ بسبب الحوادث والاحتكارات السابقة والتجددة كل وقت في جميع الاصناف ولايخفى ان اسباب الخراب التي نص عليها المتقدمون اجتمعت وتضاعفت في هذه السنين وهي زيادة الخراج واختلال المعاملة ايضا والمكوس وزاد على ذلك احتكار جميع الاصناف والاستيلاء على ارزاق الناس فلا تجد مرزوقا الا من كان في خدمة الدولة متوليا على نوع من انواع المكوس او مباشرا او كاتبا او صانعا في الصنائع المحدثة ولا يخلوا من هفوة ينم بها عليه فيحاسب مدة استيلائه فيجتمع عليه جملة من الاكياس فيلزم بدفعها وربما باع داره ومتاعه فلا يفي بما تأخر عليه فأما يهرب ان امكنه الهرب واما بقي في الحبس هذا ان كان من ابناء العرب واهالي البلدة وما ان كان بخلاف ذلك فربما سومح او تصدى له من يخفف عنه او يدخله في منصب او شركة فيرتفع حاله ويرجع احسن ما كان
ومما حدث ايضا في هذه السنة الاستيرء على صناعة المخيش والقصب والتلي الذي يصنع من الفضة للطرازات والمقصبات والمناديل والمحارم وخلافها من الملابس وذلك بإغراء بعض صناعهم وتحاسدهم وان مكسبها

يزيد على الف كيس في السنة لان غالب الحوادث باغراء الناس على بعضهم البعض وكذلك الاستيلاء على وكالة الجلابة التي يباع فيها الرقيق من العبيد والجواري السود وغيرهم من البضائع التي تجلب من بلاد السودان كسن الفيل والتمر هندي والشتم وروايا الماء وريش النعام وغير ذلك
ومنها الحجر على عسلي النخل وشمعه فيضبط جميعه للدولة ويباع رطل الشمع بستة قروش ولا يوجد الا ما كان مختلسا ويباع خفية وكان رطله قبل الحجر بثلاثة قروش فاذا وردت مراكب الى الساحل نزل اليها المفتشون على الاشياء ومن جملتها الشمع فيأخذون ما يجدونه ويحسب لهم بأبخس ثمن فن اخفى شيئا وعثر وعليه اخذوه بلا ثمن ونكلوا بالشخص الذي يجدون معه ذلك وسموه حراميا ليرتدع غيره والمتولي على ذلك نصارى واعوانهم لادين لهم وقد هاف النحل في هذه السنة وامتنع وجود العسل وكذلك ثمر النخيل بل والغلال فلم تزك في هذه السنين مع كثرة الاسيال التي غرقت منها الاراضي بل وتعطل بسببها الزرع وزادت اثمانها وخصوصا الفول واما العدس فلا يوجد ايضا الا نادرا
وكذلك التزم بالملاحة وتوابعها من زاد في مالها وبلغ ثمن الكيلة قرشا وكانت قبل ذلك بثلاثين نصفا وفيما ادركناه بلاثة انصاف واما اجر الاجراء والفعلة والمعمرين فأبدل النصف بالقرش وكذلك ثمن الجير البلدي والجبس لان عمائر اهل الدولة مستديمة لاتنقضي ابدا ونقل الاتربة الى الكيمان على قطارات الجمال والحمير من شروق الشمس الى غروبها حتى ستر علوها الافق من كل ناحية واذا بنى احدهم دار فلا يكفيه في ساحتها الكثير ويأخذ ما حولها من دور الناس بدون القيمة ليوسع بها داره ويأخذ ما بقي في تلك الخطة لخاصته واهل دائرته ثم يبني اخرى كذلك ليدوانه وجمعيته واخرى لعسكره وهكذا
واما سليمان اغا السلحدار فهو الداهية العظمى والمصيبة الكبرى فإنه تسلط على بقايا المساجد والمدارس والتكايا التي بالصحراء ونقل احجارها

الى داخل باب البرقية المعروف بالغريب وكذلك ما كان لجهة باب النصر وجمعوا احجارها خارج باب النصر وانشأ جهة خان الخليلي وكالة وجعل بها حواصل وطباقا واسكنها نصارى الاروام والارمن بأجره زائدة اضعاف الاجر المعتادة وكذلك غيرهم ممن رغب في السكنى وفتح لها بابا يخرج منه الى وكالة الجلابة الشهيرة التي بالخراطين لانها بظاهرها واجر الحوانيت كذلك بأجرة زائدة فأجر الحوانوت بثلاثين قرشا في الشهر وكانت الحانوت تؤجر بثلاثين نصفا في الشهر والعجب في اقدام الناس على ذلك واسراعهم في تأجرهم قبل فراغ بنائها مع ادعائهم قلة المكاسب ووقف الحال ولكنهم ايضا يستخرجونها من لحم الزبون وعظمه ثم اخذ بناحية داخل باب النصر مكانا متسعا يسمى حوش عطى بضم العين وفتح الطاء وسكون الياء كان محطا لعربان الطور ونحو هم اذا وردوا بقوافلهم بالفحم والقلي وغيره وكذلك اهالي شرقية بلبيس فأنشأ في ذلك المكان ابنية عظيمة تحتوي على خانات متداخلة وحوانيت وقهاوي ومساكن وطباق وسكن غالبها ايضا الارمن وخلافهم بالاجر الزائدة ثم انتقل الى جهة خان الخليلي فأخذ الخان المعروف بخان القهوة وما حوله من البيوت والاماكن والحوانيت والجامع المجاور لذلك تصلى فيه الجمعة بالخطبة فهدم ذلك جميعه وانشأ خانا كبيرا يحتوي على حواصل وطباق وحوانيت عدتها اربعون حانوتا اجرة كل حانوت ثلاثون قرشا في كل شهر وانشأ فوق السبيل وبعض الحوانيت زاوية لطيفة يصعد اليها بدرج عوضا عن الجامع ثم انتقل الى جهة الخرنفش بخط الامشاطية فأخذ اماكن ودورا وهدمها وهو الان مجتهد في تعميرها كذلك فكان يطلب رب المكان ليعطيه الثمن فلا يجد بدا من الاجابة فيدفع له ما سمحت به نفسه ان شاء عشر الثمن او اقل او ازيد بقليل وذلك لشافعة أو واسطة خير وإذا قيل له وقف ولا سموع لاستبدال العدم تخربة امر بتخريبة ليلا ثم ياتي بكشاف القاضي فيراه خرابا فيقضي له وكان يثقل عليه لفظة وقف ويقول ايش يعني وقف واذا كان على المكان حكر لجهة وقف اصله لايدفعه ولايلتفت

لتلك اللفظة ايضا ويتمم عمائره في اسرع وقت لعسفه وقوة مراسه على ارباب الاشغال والموانة ولا يطلبق للفعلة الرواح بل يحبسهم الى الدوام الى باكر النهار ويوقظونهم في اخر الليل بالضرب ويبتدؤن في العمل من وقت صلاة الشافعي الى قبيل الغروب حتى في شدة الحر في رمضان واذا ضجوا من الحر والعطش امرهم مشد العمارة بالشرب واحضرلهم السقاء ليسقهم وظن اكثر الناس ان هذه العمائر انما هي لمخدومه لانه لايسمع لشكوى احد فيه واشتد في هذا التاريخ امر المساكن بالمدينة وضاقت بأهلها لشمول الخراب وكثرة الاغراب وخصوصا المخالفين للملة فهم الان اعيان الناس يتقلدون المناصب ويلبسون ثياب الاكابر ويركبون البغال والخيول المسومة والرهوانات وامامهم وخلفهم العبيد والخدم وبأيديهم العصي يطردون الناس ويفرجون لهم الطرق ويتسرون بالجواري بيضاء وحبوشا ويسكنون المساكن العالية الجليلة يشترونها بأغلى الاثمان ومنهم من له دار بالمدينة ودار مطلة على البحر للنزاهة ومنهم من عمر له دارا وصرف عليها الوفا من الاكياس وكذلك اكابر الدولة لاستيلاء كل من كان في خطه على جميع دورها واخذها من اربابها بأي وجه وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع الى اذلال المسلمين لانهم يحتاجون الى كتبة وخدم واعوان والتحكم في اهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير انكار ويقف الشريف والعامي بين يدي الكافر ذليلا فضاقت بالناس المساكن وزادت قيمتها اضعاف الاضعاف وابدل لفظ الريال الذي كان يذكر في قيم الاشياء بالكيس وكذلك الاجر والامر في كل شئ في الازدياد والله لطيف بالعباد ولو اردنها استيفاء بعض الكليات فضلا عن الجزئيات لطال المقال وامتد الحال وعشنا ومتنا مانرى غير ما نرى تشابهت العجما وزاد انعجامها نسأل الله حسن اليقين وسلامة الدين ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين والف

استهل شهر المحرم بيوم الاثنين

وفي اوائله حضر الباشا من الاسكندرية

وفيه من الحوادث ان الشيخ ابراهيم الشهير بباشا المالكي بالاسكندرية قرر في درس الفقه ان ذبيحة اهل الكتاب في حكم الميتة لايجوز اكلها وما ورد من اطلاق الاية فإنه قبل ان يغيروا ويبدلوا في كتبهم فلما سمع فقهاء الثغر ذلك انكروه واستغربوه ثم تكلموا مع الشيخ ابراهيم المذكور وعارضوه فقال انا لم اذكر ذلك بفهمي وعلمي وانما تلقيت ذلك عن الشيخ علي الميلي المغربي وهو رجل عالم متورع موثوق بعلمه ثم انه ارسل الى شيخه المذكور بمصر يعلمه بالواقع فالف رسالة في خصوص ذلك واطنب فيها فذكر اقوال المشايخ والخلافات في المذاهب واعتمد قول الامام الطرطوشي في المنع وعدم الحل وحشا الرسالة بالحط على علماء الوقت وحكامه وهي نحو الثلاثة عشر كراسة وارسلها الى الشيخ ابراهيم فقرأها على اهل الثغر فكثر اللغط والانكار خصوصا واهل الوقت اكثرهم مخالفون للملة وانتهى الامر الى الباشا فكتب مرسوما الى كتخدا بك بمصر وتقدم اليه بان يجمع مشايخ الوقت لتحقيق المسئلة وارسل اليه بالرسالة ايضا المصنفة فأحضر كتخدا بك المشايخ وعرض عليهم الامر فلطف الشيخ محمد العروسي العبارة وقال الشيخ علي الميلي رجل من العلماء تلقى عن مشايخنا ومشايخهم لاينكر علمه وفضله وهو منعزل عن خلطة الناس الا انه حاد المزاج وبعقله بعض خلل والاولى ان نجمع به ونتذاكر في غير مجلسكم وننهي بعد ذلك الامر اليكم فاجتمعوا في ثاني يوم وارسلوا الى الشيخ علي يدعونه للمناظرة فابى عن الحضور وارسل الجواب مع شخصين من مجاوري المغاربة يقولان انه لايحضر مع الغوغاء بل يكون في مجلس خاص يتناظر فيه مع الشيخ محمد ابن الامير بحضرة الشيخ حسن القويسني والشيخ حسن العطار فقط لان ابن الامير يناقشه ويشن عليه الغارة فلما قالا ذلك القول تغير ابن الامير وارعد أبرق وتشاتم بعض من بالمجلس مع الرسل وعند ذلك أمروا بحبسهما في بيت الاغا وامروا الاغا بالذهاب الى بيت الشيخ علي واحضاره بالمجلس ولو قهرا عنه فركب

الاغا وذهب الى بيت المذكور فوجده قد تغيب فاخرج زوجته ومن معها من البيت وسمر البيت فذهبت الى بيت بعض الجيران ثم كتبوا عرضا محضرا وذكروا فيه بأن الشيخ عليا على خلاف الحق وابى عن حضور مجلس العلماء والمناظرة معهم في تحقيق المسئلة وهرب واختفى لكونه على خلاف الحق ولو كان على الحق ما اختفى ولا هرب والرأي لحضرة الباشا فيه اذا ظهر وكذلك في الشيخ ابراهيم باشا السكندري وتمموا العرض وامضوه بالختوم الكثيرة وارسلوه الى الباشا وبعد ايام اطلقوا الشخصين من حبس الآغا ورفعوا الختم عن بيت الشيخ علي ورجع اهله اليه وحضر الباشا الى مصر في اوائل الشهر ورسم بنفي الشيخ ابراهيم باشا الى بني غازي ولم يظهر الشيخ علي من اختفائه

واستهل شهر صفر بيوم الاربعاء سنة

وفي اوائله حضر ابراهيم باشا من الجهة القبلية بعد ما طاف الفيوم ايضا واحضر معه جملة اشخاص قبض عليهم من المفسدين من العربان وهم في الجنازير الحديد وشقوا بهم البلد ثم حبسوهم
وأستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1236
في اوائله حضر نحو العشرة اشخاص من الامراء المصرية البواقي في حالة رثة وضعف وضيم واحتياج واجتياح وكانوا ارسلوا وطلبوا الامان واجيبوا الى ذلك
وفيه اشهروا العربان الذين احضرهم ابراهيم باشا معه وقتلوهم وهم اربعة اثنان بالرميلة واثنان بباب زويلة

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة

وفيه اخرج الباشا عبد الله بك الدرندلي منفيا وكان عبد الله بك هذا يسكن بخطة الخرنفش وهو رجل فيه سكون قليل الاذى وملك بتلك الناحية دورا واماكن وله عزوة وعساكر واتباع وكان يجلس بحضرة الباشا وينادمه ويتوسع معه في الكلام والمسامرة وسبب تغير خاطر الباشا عليه

انه جرى ذكر علي باشا تبدلان الارنودي وحروبه ومخالفة العساكر عليه فقال عبد الله المذكور ان العساكر يرون محاربة السلطان معصية او كلاما هذا معناه فتغير وجه الباشا من ذلك القول ويقال انه امر بقتله فشفع فيه حسن باشا طاهر من القتل وان يخرج منفيا هكذا اشيع واستفيض وانضم الى ذلك انه قال لشريف بك امين الخزنة عند تاخر علوفته خدمه نصراني احسن من خدمتكم مع المشاجرة فبلغها شريف بك للباشا ايضا واوغر صدره عليه ودفع له الباشا علوفته وثمن ما حازه من الاماكن والاملاك ووصله ذلك على عدة جمال محملة بالدراهم وسافر في ثامنه على طريق البر وابقى حريمه واثقاله ليأتوه على سفن البحر
وفي سادس عشره امر الباشا بقراءة صحيح البخاري بالجامع الازهر فاجتمعوا في يوم الاثنين سابع عشره وقرأوا في الاجزاء على العادة ضحوة النهار اربعة ايام اخرها الخميس وفرقوا على اولاد المكاتب دراهم وكذلك على مجاوري الازهر في نظير قراءة البخاري

واستهل شهر جمادي الاولى بيوم الاحد سنة

فيه حضر ابراهيم باشا ونزل بقصره الجديد بل قصوره لانقا انشا عدة قصور متصلة وبساتين ومصانع متصله متسعة مزخرفة منها قصر لديوانه وقصر لحريمه وقصر لخصوص عباس باشا ابن اخيه وغيرذلك

واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء سنة

فيه عزم ابراهيم باشا على اعادة قياس اراضي قرى مصر واحضر من بلاد الصعيد عدة كبيرة من القياسين نحو الستين شخصا
وفي يوم السبت خامسه عدى الى الجيزة تجاه القصور وجمع القياسين والمهندسين وكذلك مهندسي الافرنج وقاس كل قياسته وكيفية عمله فعاند المعلم غالي واحب تأييد اهل حرفته من قياسي القبط وقال كل منهم على الصحيح وعلم ابراهيم باشا ان قياس المهندسين وارباب المساحة اصح ولكن فيها بطء فقال اريد الصحيح ولكن مع السرعة بعد ان عمل امتحانا

ومثالا في قطعة من الارض يظهر بها برهان الصحة والتفاوت وامسى الوقت فأمرهم بالذهاب والرجوع يوم الخميس الاتي فحضروا كذلك واشتغلوا يومهم بالعمل الى اخر النهار ثم اختار من مهندسي الاقباط طائفة وطرد الاخرين وسافر في رابع عشره الى ناحية شرق اطفيح واخد من المهندسخانة كبيرها وصحبته سبعة عشر شخصا وكذلك اشخاص من الافرنج المهندسين وانتقصوا من القصبة في هذه المرة مقادر قبضة

واستهل شهر رجب بيوم الخميس سنة

فيه سافر مماليك الباشا الى جهة اسيوط مثل العام الماضي ليكرتنوا هناك حذرا وخوفا عليهم من حدوث الطاعون بمصر
وفي سابع عشره ارتحل محمد بك الدفتردار مسافرا الى دار فورد ببلاد السودان بعد ان تقدمه طوائف كثيرة عساكر اتراك ومغاربة
وفي خامس عشرينه أمر الباشا بنفي محمد المعروف الدرويش كتخدا محمود بك الذي هو الان كتخدا بك والسيد احمد الرشيدي كاتب المرزق وسليمان افندي ناظر المدابغ والجلود ثلاثتهم الى قلعة ابي قير لمقتضيات واهية في خدم مناصبهم ومحمد كتخدا كان ناظرا على الجلود في العام الماضي قبل سليمان افندي المذكور
وفي اواخره حضر جماعة من المماليك المصرية الذين كانوا بدنقلة فيهم ثلاث صناجق احدهم احمد بك الالفي وهو زوج عديلة هانم بنت ابراهيم بك الكبير

واستهل شهر شعبان بيوم الجمعة سنة

في ثامنه يوم الجمعة عمل سليمان اغا السلحدار الجمعة بالجامع المعروف بالاحمر وكان قد تخرب ولم يبق به الا الجدران فتصدى لعمارته سليمان اغا المذكور وسقفه ايضا بإفلاق النخيل والجريد والبوص واقام له عمدا من الحجارة وجدد منبره وبلاطه وميضاته ومراحيضه وفرشه بالحصر وعمل به الجمعية في ذلك اليوم واجتمع به عالم كثيرون من الناس وخطب

على منبره الشيخ محمد الامير وبعد انقضاء الصلاة قرا درسا واملي فيه حديث من ( بنى الله مسجدا ) ! وبعد انقضاء ذلك خلع عليه فروة وكذلك على الشيخ العروسي وعمل لهم شربات سكر
وفي يوم السبت ثالث عشرينه حضر ابراهيم باشا من ناحية شرق اطفيح
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرينه سافر بمن معه الى ناحية شرقية بلبيس

واستهل شهر رمضان بيوم الاحد

وعملت الرؤية في تلك الليلة كالعادة وركب فيها مشايخ الحرف والمحتسب واثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة بعد مضى اربع ساعات من الليل ولم يحصل فيه من الحوادث غير تعالي الاثمان وتعاليها بسوء فعل السوقة واظهار ردئ المأكولات واخفاء جيدها وقد انقضى بخير

واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة

في ثالثه حضرت هجانة من اراضي نجد وبصحبتهم اشخاص من كبار الوهابية مقيدون على الجمال وهم عمر ابن عبد العزيز واولاده وابناء عمه وذلك انهم لما رجعوا الى الدرعية بعد رحيل ابراهيم باشا وعساكره وكان معهم مشارى بن مسعود وقد كانوا هربوا في الدرعية بعدما رحل عنها ابراهيم باشا وتركي ابن عبد الله ابن اخي عبد العزيز وولد عم مسعود الامشاري فإنه هرب من العسكر الذين كانوا مع اولاد مسعود وجماعتهم حين ارسلهم ابراهيم باشا الى مصر في الحمراء وهي قرية بين الجديدة وينبع البحر وذهب الى الدرعية واجتمع عليه من فرحين قدمت العساكر واخذوا في تعميرها ورجع اكثر اهلها وقدموا عليهم مشارى ودعا الناس الى طاعته فأجابه الكثير منهم فكادت تتسع دولته وتعظم شوكته فلما بلغ الباشا ذلك جهز له عساكر رئيسها حسين بك فاوثقوا مشارى وارسلوه الى مصر فمات في الطريق واما عمر واولاده وبنو عمه فتحصنوا في قلعة الرياض المعروفة عند المتقدمين بحجر اليمامة بينهما وبين الدرعية اربع ساعات للقافلة فنزل عليهم حسين بك وحاربهم ثلاثة ايام او اربعة وطلبوا الامان لما

علموا انهم لا طاقة لهم به فأعطاهم الامان على انفسهم فخرجوا له الا تركي فإنه خرج من القلعة ليلا وهرب واما حسين بك فإنه قيد الجماعة وارسلهم الى مصر في الشهر المذكور وهم الان مقيمون بمصر بخطة الحنفي قريبا من بيت جماعتهم الذين اتوا قبل هذا الوقت
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الاربعاء سنة 1236
فيه حضر ابراهيم باشا من سرحته بالشرقية بسبب قياس الاراضي والمساحة
وفي منتصفه سافر الباشا الى الاسكندرية لداعي حركة الاروام وعصيانهم وخروجهم عن الذمة ووقوفهم بمراكب كثيرة العدد بالبحر وقطعهم الطريق على المسافرين واستئصالهم بالذبح والقتل حتى انهم اخذوا المراكب الخارجة من اسلامبول وفيها قاضي العسكر المتولي قضاء مصر ومن بها ايضا من السفار والحجاج فقتلوهم ذبحا عن اخرهم ومعهم القاضي وحريمه وبناته وجواريه وغير ذلك وشاع ذلك بالنواحي وانقطعت السبل فنزل الباشا الى الاسكندرية وشرع في تشهيل مراكب مساعدة للدونانمة السلطانية وسياتي تتمة هذه الحادثة وبعد سفر الباشا سافر ايضا ابرهيم باشا الى ناحية قبلي قاصدا بلاد النوبة
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1236
فيه خرجت عساكر كثيرة ومعهم رؤساهم وفيهم محو بك ومغاربة والات الحرب كالمدافع وجبخانات البارود واللغمجية وجميع اللوازم قاصدين بلاد النوبة وما جاورها من بلاد السودان
وفيه سافر ايضا محمد كتخدا لاظ المنفصل عن الكتخدائية الى اسنا ليتلقى القادمين ويشيع الذاهبين
وفيه وصلت بشائر من جهة قبلي باستيلاء اسمعيل باشا على سنار بغير حرب ودخول اهلها تحت الطاعة فضربت لتلك الاخبار مدافع من القلعة
وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث وانقضى بعضها والبعض

باقي الى الان
فمنها توقف زيادة النيل وذلك انه لم يستتم اذرع الوفاء الى ثامن عشر مسرى القبطي حتى ضجر الناس وضج الفلاحون
ومنها امر المعاملة التي زادت زيادة فاحشة حتى بلغ البندقي الفا ومائتي نصف والمجر والفندقلي عشرين قرشا عنها ثمانمائة نصف وبلغ صرف الريال الفرانسة اربعة عشر قرشا عنها خمسمائة نصف وستون نصفا وقس على ذلك باقي الاصناف
ومنها غلو الاثمان في جميع المبيعات من ملبوسات ومأكولات والغلال حتى وصل الاردب الى الف وخمسمائة نصف والرطل السمن الى خمسين نصفا والى ستين نصفا وقس على ذلك
واما حادثة الاروام التي هي باقية الى الان وما وقع منهم من الأفساد وقطع الطريق على المسافرين واستيلائهم على كل ما صادفوه من مراكب المسلمين وخروجهم عن الذمة وعصيانهم وما وقع معهم من الوقائع وما سينتهي حالهم اليه فسيتلى عليك ان شاء الله تعالى بكماله في الجزء الاتي بعد ذلك والله الموفق للصواب واليه المرجع والمآب

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت :

 سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين

اللهم تقبل واستجب

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وفرقة تأخذ شط هذا الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بعريتي من الشام فيبعثون إليه طليعة فيهم فارس على فرس أشقر أو أبلق فيقتلون

  اللغة/ الموسوعة الحديثية الموسوعة الحديثية 1 - ذكروا عند عبد الله الدجال فقال تفترقون أيها الناس ثلاث فرق فرقة تتبعه وفرقة تلحق بأ...